أخبار جعيفران الموسوس

حدثني أحمد بن إبراهيم القُمّي عن أحمد بن يوسف الكاتب قال: كنت عند أبي دُلف إذ دخل آذنه فقال: جعيفران الموسوس بالباب، فقال أبو دلف: وما لنا وللمجانين؟ أَوَقد فرغنا من الأصحاء؟ قال أحمد: فقلت: هو والله ظريف حلو الشعر.قال: فليدخل إذن. فدخل، لما وقف بين يديه أنشأ يقول:

يا أكرم الأمة مـوجـودا

 

وأفجع الأمة مفـقـودا

لما سألت الناس عن واحد

 

أصبح في العالم محمودا

قالوا جميعاً: إنه قـاسـم

 

أشبه آبـاء لـه صـيدا

قال أحمد: فنظر إلي أبو دلف وقال: صدقت والله. ليت أصحاب الشعر قالوا مثل هذا. فأمر له بألف دره وخلعة. قال جعيفران: أما الخلقة فأخرج بها، وأما الألف فتأمر القهرمان أن يعطيني كلما جئت خمسة، فإني أخاف أن يُسرق مني أو أطرحه. قال: يا فلان، اقبِض من الخازن ألفاً،وادفع إليه كلما جاءك خمسة، فإذن نَفِد الألفُ فاقبض مثله وأجرِه على الرسم في الخمسة التي يأخذها كلما جاءك، لا تقطعها عنه حتى يقطع بيننا وبينه الموت، فنظر إلى أحمد فقال:

يموت هذا الفتى تـراه

 

وكل شيء له نـفـادُ

لو كان شيء له خلود

 

خُلِّدَ ذا المُفضل الجواد

قال: فأُعجب أبو دلف بقوله وقال لأحمد بن يوسف: أنت كنت أعرف بصاحبك. قال: ووقف جعيفران يوماً بالكوفة ونادى: أضيفونا. فلم يُجبْه أحد، قال: فأخرج خمسة دراهم وقال لرجل: ابتع لي تمراً وهات لي جرة ماء وبارية ففعل الرجل فقال له: ابسط البارية واطرح عليها التمر وضع الماء. ونادى جعيفران يقول: يا أهل الكوفة سألتكم القِرى فلم تقروني فهلموا الآن فاطعموا، وأنشأ جعيفران يقول:

لو نازل الله خلقاً فـي بـريتـه

 

نازلت ربي في الخلق الذين أرى

وقلت من عجبي مما أرى بـهـمُ

 

لأي شيء إلهي يصلحـون أولا