حدثني طاهر بن محمد الأهوازي قال: رأيت أبا حيان الموسوس وقد قدم من البصرة إلى بغداد، ولم يكن له همة دون أن أشتري جرة مدارية كبيرة، ثم جاء إلى دجلة فملأها ثم صار إلى الصراة فصب الجرة فيها، ثم حمل أيضاً من الصراة ماء فصبه في دجلة، ثم لزم ذلك طول مقامه ببغداد إلى أن مات، وما له شغل ولا عمل غيره، وكان إذا جنه الليل وضع الجرة وجلس يبكي عليها ويقول: اللهم فرّج عني وخفف علي هذا العمل الذي أنا فيه.
وحدثني مسلم بن عبد الله قال: رأيت أبا حيان الموسوس حين قدم من البصرة وقد أولع بصب الماء، يحمله من محلة إلى محلة أخرى فيصبه، فيقال له في ذلك فيقول: لو لم أفعل ذلك في كل يوم متّ.
ومما رويناه لأبي حيان قوله:
لا تبكِ هنداً ولا المـواعـيسـا |
|
ولا لربع عهدت مـأنـوسـا |
وقف بقطربل ونـزهـتـهـا |
|
واحبس بها عن مسيرك العيسا |
وانزل لشيخ بالدير مسـكـنـه |
|
يدعوه أهل الكتاب قِـسـيسـا |
لم يَقْنُ وفراً لـه فـيمـلـكـه |
|
إلا صليبـاً لـه ونـاقـوسـا |
فجاء بالزق فـوق عـاتـقـه |
|
يحمل حظاً إلى مـنـقـوسـا |
أتيته فـاشـمـأز لـي ذعـراً |
|
فقلت موسى فقال بل عيسـى |
فصب في الكوب صوب صافية |
|
لم يفترس عود كرمها السوسا |
وكان أبو حيان موسوساً آخر عمره، وكان يخلط في الكلام، ولا يخلط في الشعر أصلا، وهكذا هؤلاء الشعراء الذين خولطوا بعد قولهم الشعر، يوجد في كلامهم تفاوت كثير شديد، فإذا جاءوا إلى الشعر مروا على رءوسهم ورسمهم المعهود قبل أن يوسوسوا.