أخبار مصعب الموسوس

حدثني جعفر بن عبد الله الخريمي قال: مر مصعب الموسوس بدرب الثلج ببغداد، فنر إلى عين شاة من شباك روشنٍ إلى الطريق، لبعض التجار، فظن أنها عين جارية، فعشقها وتردد إلى ذا المكان شهراً، ثم لزمه، فكان لا يبرح منه، وكان مربط الشاة في ذلك المكان من الجناح، فكان ربما اتفق أن يرى عينها ولا يراها، فاستحكم هذا عليه ولزم موضعه، وكان إذا وجد خلوة من الناس كلمها شكا إليها وبكى، وهو لا يشك أنها تسمع، وربما رمى إليها بالتفاحة المنقشة المطيبة، والأُترجة المفلقة، والشمامة، والتحفة الحسنة من المناديل وما أشبهها، فانكسرت الشبكة يوماً، فنظر فإذا عين شاة، وفطن له الصبيان، فجعلوا يقولون: يا عاشق الشاة. فغضب، وتفاقم الأمر عليه في ذلك، فكان سبب وسواس مصعب.

حدثني ابن بكار قال: قال مصعب الموسوس: العلوم عشرة: ثلاثة كِسروية، وثلاثة يونانية، وثلاثة عربية، وواحد عفى على الجميع. أما الكسروية فالعود والشطرنج والصولجان، وأما اليونانية فالهندسة والطب والنجوم، وأما العربية فالنحو والفقه والشعر. وأما الذي عفى على الجميع فأخبار المحدثين وأيامهم.

وحدثني ابن بكار قال: قال لي مصعب، قلت لصبي رأيته قد خرج من الديوان: أي كُتَّاب ديوانكم أكتب؟ قال: أجودهم برياً للقلم.

ومما يستحسن من شعر مصعب الموسوس:

وذي نخوة قـد بـرانـي هـوا

 

ه يزداد في الحب إن هِبت عزا

فما زلت بالمكر حتى اطمـأن

 

وقد كان من قبل ذاك اشمـأزا

وأقبلت بالـكـأس أغـتـالـه

 

وكنت لأمثالـه مـسـتـفـزا

وقال عبد الله: الأبيات التي يرويها الناس لعلي بن محمد بن نصر بن بسام هي لمصعب الموسوس وهي هذه:

خبيصة تُعمل من سـكـره

 

وبُرمة تطبخ من قنـبـرة

عند فتى، من حسن تدبـيره

 

ينصب قدرين على مجمره

وليس ذا في كل أحـوالـه

 

هذا له في الدعوة المنكرة

في يوم قصف هائل ريقـه

 

كثيرة اللذات والخرخـرة

وله شعر كثير جيد.