أخبار البطين

حدثني أبو ريحان قال: قال لي سليمان بن علي: كان طول البطين اثني عشر شبراً بأتم ما يكون من أشبار الناس، ولم ير في زمانه أحد أطول منه، وكان يرعب من رآه. وكان مع ذلك قبيح الوجه، فكان إذا أقبل لا يشك من يراه أنه شيطان، حتى يحاوره فيصيب منه آدب الناس وأفصحهم، وكان مع ذلك فاسقاً معلناً بفسقه، وكان أحمق خلق الله مع ذلك الأدب والفصاحة.

حدثنا أبو عدنان قال: حدثنا عبد الصمد بن إبراهيم الخزري قال: عشق البطين جارية من أهل الرملة يهودية، فرام تزوجها، فأبى قومها أن يزوجوه لإسلامه، فلما رأى امتناعهم بذلك السبب تهود، ومكث على اليهودية سنين حتى تزوجها، ثم عاد إلى الإسلام. وفي البطين يقول أبو خالد الغنوي:

وإن حراً أدى البطين بزحرةٍ

 

ولم تنفتق أقطاره لرحـيبُ

وإن زماناً أنطق الشعر مثله

 

وأدخله في عدنا لعـجـيب

ويحشر يوم البعث أما لسانه

 

فعي وأما دُبره فـطـيب

وحدثنا عن الخصيبي قال: قال البطين- وكان من أهل حمص- لما خرج أبو نواس من العراق يريد مصر زائراً للخصيب، وبلغنا أنه يجتاز بنا، لم أزل أترقب وروده حمص، حتى قيل: قد وفد، فمضيت إلى الحان فإذا برجل له هيئة، في إزار مُعصفر، وهو جالس على درجة الحان، في يده جردق من جرادق يفركها ويطرحها للعصافير، فسلمت عليه وقلت: أين نزل أبو نواس؟ قال: ويحك ألا نظرت إلى مظلمة الكفر، فلا تحتاج إن تسأل؟ فمضيت به إلى منزلي، فأقام عندي أياماً ثم شيعته أميالاً.

وكان جيد الشعر محكمه، يشبه نمطه نمط الأعراب. وهو القائل:

لم أقـل عـــنـــد الـــكـــريهة يا

ليتـنـي فـي الـخـفـــض والـــدعة

بل تـسـربـلـتُ الـحـفـاظ عــلـــى

ميت، فـي الـصـــدر لـــم يمـــت

وحـــســـام لا يطـــيق صـــــداً

كانـصـبـاب الـكـوكـب الـكـفـــتِ

وُصـلـتْ بـالـمـوت هـــبـــتـــه

كاتـصـال الـسـم بـــالـــحـــمة

فهو ما أحببت من وزرٍ

 مطرق ما لم يهج حفتِ

 يا أبا العباس ليس علـى

جمجمات البين من صلتِ

مُنيتْ نفسـي بـواحـدة

منك لم تدرك ولم تفـت

رعية العهد التي وصلت

بقواهـا قـوة الـمـقة

فأذني من إضاعـتـهـا

إن هذاك من الـضـعة

لم يزل شكريك متصـلاً

بلساني لـك والـشـفة

فإذا قابلـت مـعـضـلة

كنت مصغاتي وملتفتـي

وله أيضاً:

ذروني وكلباً أنني اليوم إلـبـهـا

 

كما هي لي في كل نائبة إلـبُ

ألا لا أبالي عتب من كان عاتبـا

 

يمر برأسي دون ما رضيت كلبُ

ومما يستحسن له قوله:

لله قلب سـمـا بـحـبـكـم

 

لم يألُ في مرتقاه مرتفـعـا

لم يضع الحب غير موضعـه

 

ولا سعى في السلوحين سعى

أحببت قلبي لمـا أحـبـكـم

 

وصار أمري لأمره تبـعـا

وهذا معنى بديع قلما يرزق الشاعر مثله، وفيها يقول:

شيعت قلبي إلى مشيئتـه

 

متبعاً في الهوى ومتبعـا

ورب قلب يقول صاحبـه

 

تعساً لقلبي فبئس ما صنعا

يا من تعريتُ من تعطفـه

 

ومن كساه وتعطفي خلعا

ما هبت الريح من بلادكم

 

إلا تقطعت إثركم قطعـا

ولا استقلت من نحو بلدتنا

 

إلا تمنيت أن نكون معـا

ومما يستحسن له قوله أيضاً، وهي أيضاً كأنها أعرابية:

رميننا خمسة ورموا نُـعـيمـاً

 

وكان الموت للفـتـيان زينـا

فلما لم ندع نـدبـاً ورمـحـا

 

بركنا للكلاكل فـارتـمـينـا

فإنك لو رأيت بـنـي أبـينـا

 

وشدتهم وعكرتهـم عـلـينـا

لعمر الباكيات عـلـى نـعـيم

 

لقد عزت رزيتـه عـلـينـا

فلا تبعد نعـيم فـكـل حـي

 

سيلقى من صروف الدهر حينا