أخبار ابن أبي حفصة الأصغر وهو مروان

حدثنا الدعبلي قال: كان علي بن الجهم يساجل مروان بن أبي حفصة. الأصغر- وهو أبو السمط- ويناضله ويهاجيه، فخاض الناس في أمرهما، فقال فريق: علي أشعر. وقال أكثر الناس: مروان أشعر. حتى قال مروان بيتيه هذين:

لعمرك ما جهم بن بدر بشاعـر

 

وهذا علي إبنه يدعي الشـعـرا

ولكن أبي قد كان جـاراً لأمـه

 

فلما روى الأشعار أوهمني أمرا

فأجابه علي بن الجهم بهذين البيتين:

بلاءٌ لـيس يشـبـهـه بـلاءٌ

 

عداوة غير ذي حـسـب ودينِ

يبيحك منه عرضاً لم يصـنـه

 

ويقدح منك في عرض مصونِ

فحكم الناس جميعاً لمروان أنه أشعر، وأن الذي قال علي ليس بجواب. إنما هو استخذاء.

ومما يستحسن له:

إن الشباب طريق الشيب والكـبـر

 

وما يدوم لحـي جـدة الـشـعـر

شمس الشباب علي اليوم طـالـعةٌ

 

وسوف تغرب، إن الدهر ذو غـير

أنا ابن عشرين مازادت وما نقصت

 

أنا ابن عشرين من شيب على خطر

إذا الشباب مضت عنا بشـاشـتـه

 

فما نبالي متى صرنا إلى الحـفـر

لنا من الشوق أكـبـاد مـصـدعة

 

وأعين كحلت بالدمع والـسـهـر

سقياً ورعـياً لأظـعـان مـولـية

 

فيها خرائد كالغـزلان والـبـقـر

يمسي ويصبح قلبي من تذكـرهـا

 

كأنـه بـين نـابـي حـية ذكـر

ودعتهن وداعاً زادنـي كـمـداً

 

ما كان إلا كورد الطائر الحذر

يا رُبّ خرق كأن الله قـال لـه

 

إذا طوتك ركابُ القوم فانتشـر

تمشى به النعجة الحوراء آمـنة

 

مشى الخريدة ذات الدل والخفر

وكان أبو السمط هذا ناصبياً. فإن كان هذا حقاً فلعنه الله عليه.