أخبار أشجع السلمي

حدثني أبو علي الحسين بن بسطام قال: قال أبو تمام الطائي: كان أشجع السلمي رديء المنظر قبيح الوجه، مصاباً بعين، وكان على قلب الرشيد ثقيلاً من بين الشعراء، فدخل عليه يوماً فقال: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تأذن لي في إنشادك، فإني إن لم أظفر منك ببغيتي في هذا اليوم فلن أظفر بها. قال: وكيف؟ قال: لأني مدحتك بشعر لا أطمع من نفسي ولا من غيري في أجود منه، فإن أنا لم أهزك في هذا اليوم فقد حرمت منك ذلك إلى آخر الدهر. فقال: هات أذن نسمع، فأنشده قصيدته الميمية التي يقول فيها:

وعلى عدوك يا ابن عم محمـد

 

رصدان ضوء الصبح والإظلام

فإذا تنبـه رعـتـه وإذا هـدا

 

سلت عليه سيوفـك الأحـلام

فلما بلغ هذين البيتين اهتز الرشيد وارتاح وقال: هذا والله المدح الجيد والمعنى الصحيح، لا ما عللت به مسامعي هذا اليوم- وكان أنشده في ذلك اليوم جماعة من الشعراء- ثم أنشده قصيدته التي على الجيم وهي قوله:

ملك أبوه وأمه من نـبـعة

 

منها سراج الأمة الوهاج

شربا بمكة في ذرا بطحائها

 

ماء النبوة ليس فيه مزاج

فلما سمع هذين البيتين كاد يطير ارتياحاً ثم قال: يا أشجع، لقد دخلت إليّ وأنت أثقل الناس على قلبي، وإنك لتخرج من عندي وأنت أحب الناس إليّ. فقال له: فما الذي أكسبتني هذه المنزلة؟ قال له: الغنى، فاسأل ما بدا لك. قال: ألف ألف درهم. قال: ادفعوا إليه.

ومما يستجاد له قوله في الرشيد:

قصر علـيه تـحـية وسـلام

 

نشرت عليه جمـالـهـا الأيام

فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت

 

للملـك فـيه سـلامة ودوام

كانت كنوز مآثر فـأثـارهـا

 

ملـك عـلـى آرائه عـزام

من لي بالعصرين يعتـورانـي

 

والعام يدفع في قفاه الـعـام

أدناك من ظل النبـي وسـيلة

 

وقرابة وشجت بهـا الأرحـام

وصلت يداك السيف يوم تعطلت

 

أيدي الرجال وزلـت الأقـدام

وهي مختارة يقول فيها:

وعلى عدوك يا ابن عم محمد..........

ومختار شعره في الرشيد وف مكة. فمما له في الرشيد قوله، وقد ركب في يوم عيد ركبة لم ير الناس مثلها أحسن هيئة وأتم زينة وأكمل أداة وأكثر قواداً وجنداً 

لا زلت تنشر أعياداً وتطويها

 

تمـضي بها لك أيام وتثنـيهـا

مســـتـقـبــلاً جـدة الدنيا وبهجتها

 

أيامها لك نظم في لياليهـــا

الــعـــيد والعـيد والأيام بـينهما

 

موصولة لك، لا تفنى وتفنيها

ليهــــنــك الـنصـر والأيام مقبلة

 

بالنصر والعز معقود نواصـيهــــا

والقصيدة طويلة، وهي مشهورة، فاقتصرنا على ذكرها.

ولأشجع في محمد بن منصور بن زياد يرثيه بقصيدته التي أولها:

أنعى فتى الجود إلى الجود

 

ما مثل من أنعى بموجود

أنعى فتى أصبح معـروفة

 

منتشراً في البيض والسود

أنعى فتى مص الثرى بعده

 

بقية الماء مـن الـعـود

أنعى فتى كان بمعروفـه

 

يملأ ما بـين ذرا الـبـيد

قد ثلم الدهر بـه ثـلـمة

 

جانبها ليس بـمـسـدود

فأصبحا بعد تسامـيهـمـا

 

قد جمعا في بطن ملحود

الآن تخشى عثرات النـدى

 

وعدوة البخل على الجود

وأشجع هو القائل في ابن صبيح:

له نظر ما يغمض الأمر دونه

 

تكاد ستور الغيب عنه تمزق

ويختار له مرثيته في أخيه:

خليلي لا تستبعدا ما انتظرتـمـا

 

فغير بعيد كل مـا كـان آتـيا

ألا تريان الليل يطـوي نـهـاره

 

وضوء النهار كيف يطوي اللياليا

هما الفتيان المرديان إذا انقضت

 

شبيبة يوم عـاد آخـر نـاشـيا

ويمنعني من لذة العيش أنـنـي

 

أراه إذا فارقت لهـوا بـرانـيا

كأن يمني يزم فارقت أحـمـدا

 

أخي وشقيقي فارقتها شمـالـيا

وأشجع هو الذي يقول:

داء قديم في بني آدم

 

صبوة إنسان بإنسان