أخبار العتابي

واسمه كلثوم بن عمرو، وهو من بني تغلب، من ولد عمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمر بن هند. ويكنى أبا عمرو، من أهل قنسرين.

حدَّثني ابن أبي الخوصاء قال: حدثني عمي قال: حدَّثني أبو الهذيل قال: دخل العتابي على المأمول فكلمه بكلام أحسن فيه وأوجز. قلت: وما ذاك الكلام يا أبا هذيل؟ فإن كلاماً استحسنه لحسن، قال: قال له المأمون: يا عتابي تلكم، فقال: يا أمير المؤمنين الإيناس قبل الإبساس إن المرء لا يحمد أول أمره على صواب، ولا يذم على خطإ، لأنه بين حالين: من كلام قد سواه أو حصر تعناه، ولكن يبسط بالمؤانسة، ويبحث بالمناقشة. فأعجب المأمون بكلامه.

وحدثني إبراهيم بن عمرو الأسدي الموصلي عن ابن جابر الكاتب قال: كتب العتابي لأبي يوسف القاضي: أما بعد، فخف الله الذي أنعم عليك بتلاوة كتابه، واحذر أن يكون لسانك عدة للفتنة، وعملك ردءا للمعتدين، فإن أئمة الجور إنما يكيدون الصالحين باستصحاب أهل العلم. وحدثني ورقاء بن محمد العجلي قال: حدثني أبو صاعد قال: كان العتابي مجيداً مقتدراً على الشعر عذب الكلام، وكاتباً جيد الرسائل حاذقاً، وقلما يجتمع هذا لأحد، ولما اشخصه المأمون إليه دخل عليه قال له المأمون: بلغتني وفاتك فساءتني ثم بلغتني وفادتك فسرتني. فقال: يا أمير المؤمنين. لو قسمت هذه الكلمة على أهل الأرض لوسعتهم، وذلك أنه لا دين إلا بك، ولا دنيا إلا معك. فسر المأمون بكلامه وقال له: سلني. قال: يا أمير المؤمنين، يدك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة.

وحدثني جعفر المالكي قال: ما سمعت كلاماً قط. لأحد من المتكلمين أحسن من كلام العتابي. وما رأيت كاتباً تقلد الشعر مع الكتابة إلا وجدته ضعيف الشعر غيره، فإنه كان فحل الشعر جيد الكلام.

ومما يستحسن له من شعره قوله:

ردت إليك ندامتـي أمـلـي

 

وثني إليك عنانة شـكـري

وجعلت عتبك عتب موعظة

 

ورجاء عفوك منتهى عذري

ومما يستحسن

تجنـب دار الـعـامـرية إنـهـا

 

تكلفه عهد الصبـا والـكـواعـب

منازل لم تنظر بها العين نـظـرة

 

فتقلع إلا عـن دمـوع سـواكـب

ولا وصل إلا أن تـعـاج مـطـية

 

على دارس الأعلام عافي الملاعب

ومن بديع ما روي له أيضاً قوله:

ماذا عسى قائل يثني عليك وقـد

 

ناجاك في الوحي تقديس وتطهير

فت المـدائح إلا أن ألـسـنـنـا

 

مستنطقات بما تخفي الضمـائير

ويستحسن له أيضاً قوله:

ماذا شجاك بحوارين من طـلـل

 

ودمنة حسرت عنها الأعاصـير

شجاك حتى ضمير القلب مشترك

 

والعين إنسانها بالماء مغـمـور

لبست أردية النوار من طـلـل

 

وزلت أخضر تعلوك الأزاهـير

ومما يستحسن له قوله:

عرفت مصيفاً من سليمى ومربعاً

 

بذروة نمود فأكناف بـلـتـعـا

بلادٌ تشتاها الوحوش وترتـعـي

 

قواماً من البهمي وجاراً مدعدعا

ترود بها الأدم المتالي وربـمـا

 

تراها محلاً من أناس ومجمعـا

وله أيضاً:

صدت نوار فصد واجتنـبـا

 

وطوت فأعرض دونها السببا

فكأنما وصلت بمـقـلـتـه

 

تمثالها من حيث ما ذهـبـا

وله أيضاً:

رمى الـقلب يأسٌ من سـليمى فاقصدا

 

وكان بها هيامة الـقلـب مهندا

وهي قصيدة مشهورة جيدة، وأشعار العتابي كلها عيون ليست فيها بيت ساقط.