أخبار عصابة الجرجرائي

واسمه محمد بن عب بن إسماعيل الكوفي. قال غيره: اسم عصابة الجرجرائي إسماعيل بن محمد وكنيته أبو إسحاق، ولقبه عصابة.

وحدثني محمد بن منصور قال: قال لي عصابة الجرجرائي: بعث إلي الحسن بن رجاء حاجبه وقال: أجب الأمير لتنادمه، فسألته أن يُعفيني من منادمته، وأن يحتال لي في ذلك، وأضمن له شيئاً فلم يفعل فركبت ومضيت معه، فصار بي إلى حجرة معتزلة. وجاءني بطعام فأكلت ثم أدخلني إلى الحسن بن رجاء، فقمت من بعيد، فما زال يدنيني حتى أجلسني بين يديه، وقال لي: هذا يوم لذة وسرور وغبطة، فساعدني على أمري، وانبسط ولا تحتشم. ثم قال: يا غلام اسقني رطلاً، فسقاه، ثم قال: اسق أبا إسحاق، فسقاني رطلاً خثر ما بين الذؤابة والنعل. ثم تذاكرنا فقال: أنشدني خمسمائة بيت من شعرك وشعر غيرك، فأنشدته قريباً من ذلك، إلى أن قال أنت والله كثير الحفظ، جيد الشعر، واندفعت أنشد والنبيذ يعمل عمله، إلى أن قال: يا غلام اسقني وعصابة رطلا، فجاء الخادم برطل، فصب نصفه في قدحه ونصفه في قدحي، فنظرت إلى الغلام متأملاً، فإذا بعينيه قد دارتا في رأسه كالعلقتين. وإذا هو يومئ أن خذ رأسه، فوثبت قائماً وقلت: أيها الأمير ما أردت سوءاً، فأقلن أقالك الله. وأكببت على البساط أقبله وأتضرع إليه، فقال لي: قد أقلتك على ألا تقيم بفارس أصلاً. قلت: أصلحك الله ولا ما والاها من المدن. قال: فانج بنفسك. فخرجت وأنا لا أعقل لما تداخلني من الرعب. فارتحلت من ساعتي بمن معي من العيال والحاشية، فلا صرت على فرسخين من شيراز إذا أنا بفارس يركض ورائي وبيد شيء، فلما وافاني قال لي: يقول لك الأمير: هذه العشرة الآلاف درهم اصرفها في نفقتك.فدعوت بقرطاس ودواة وكتبت إليه:

لا يخضبون عوالي الـمـران

 

إلا من العلق النجيع القانـي

يمشون والرايات فوق رؤوسهم

 

وكأنهن كواسر العـقـبـان

والخيل تعترض القنا بصدورها

 

وكأنهن نـوازع الأشـطـان

اقرَ السلام على الأمير وقل له

 

إن المدام هي الرضاع الثاني

إن المنادمة التي نادمـتـنـي

 

رفعت عناني فوق كل عنـان

ونقضت مني بنيتي فبنيتـنـي

 

بيديك أحسن بنية الـبـنـيان

وعليك تقويمي إذا ما نالـنـي

 

أود لأنك كنت أنت البـانـي

قال: ودفعت الأبيات إلى الرسول الذي حمل المال، فمضى وسرت أنا على سنني فلما صرت على عشرة فراسخ إذا أنا بجماعة يغذون السير خلفي حتى لحقوني وقالوا: يا هذا قتلتنا وقتلت دوابنا. ودفع أحدهم إلي كتاباً. فإذا هو كتابي الذي كتبت فيه الأبيات، وإذا هو قد كتب إلي تحت هذين البيتين:

أبلغ أبا إسـحاق أن محـله

مني بـحيث الـرأس والعينان

فليفـرخ الروع الذي روعـته

إن المحل محل كل أمان

فلت للفرسان: قد أغذذتم السير وحملتم على أنفسكم، فانزلوا واعملوا الليلة على المقام تستريحوا وتريحوا دوابكم. قالوا: والله لو قطعتنا ما أقدمنا على ذلك، إما أن ترد الجواب أو تُردّ معنا. قلت: فوجهزا بفارس يتقدمكم ويعلمه أنا غداً عنده. قالوا: أما هذا فنعم، وبادروا إليه بفارس يركض الليل أجمع حتى وافاه وأعلمه أنه لحقوني بموضع كذا وكذا، وأنهم غداً عنده. فطابت نفسه. فلما كان من الغد ارتحلنا وقد استراحت دوابنا ووافينا بابه واستأذنا، فأذن لنا، فلما قمنا بين يديه وسلمت رد أحسن رد ومد يديه معاً إلي فناولينهما وضمني إليه، وأقعدني بين يديه، فنادمته يومي ذلك إلى الليل، وظهر منه من السرور برجوعي إليه غير قليل. فلما أردت الانصراف آمر لي بألف دينار وحملني وخلع علي،ولم أزل عنده بعد ذلك بأجلِّ محلٍّ وأخصّ مكان..