أخبار الحسين بن الضحاك الباهلي

حدَّثني أبو منصور الخزري قال: حدَّثني النوفلي قال: قال محمد بن عباد المهلبي: قال لي المأمون، وقد قدمت من البصرة: كيف خلفت ظريف مصركم، ومن بدار أبي علي حكميكم- يعني أبا نواس- قلت: ومن يعني أمير المؤمنين؟ قال: من أنت عارف به ذاك الحسين ابن الضحاك الشاعر، أليس هو القائل:

رأى الله عبد الله خير عباده

 

فملكه والله أعلم بالعـبـد

ثم قال: اكتب إليه واستقدمه. قلت: يا أمير المؤمنين، إن علته تمنعه من ذلك. قال: فخذ كتابنا إلى عاملنا بالبصرة بألف دينار يدفعه إليه. وقال الحسين بن الضحاك: كنت يوماً من أيام الشتاء بالمسجد الجامع بالبصرة، إذ جاء أبو نواس وعليه جبة خز سرية جيدة جداً، وما كنت عهدت أنها له، فقلت: يا أبا علي، من أين لك هذه؟ قال: وما عليك من حيث جاءت منه. فأفكرت في أمره، فوقع لي أنه أخذها في تلك الساعة من مويس بن عمران، لأني كنت رأيته أقبل من باب بني تميم، فقمت كأني أريد، وخرجت من المسجد، فإذا بمويس، قد لبس جبة أسرى من تلك الجبة فقلت: كيف أصبحت يا أبا عمران قال بخير صبحك الله به. قلت: يا كريم الإخاء للإخوان قال: أسمعك الله خيراً يا أخي. قلت:

إن لي حاجة فرأيك فيها

 

أنا فيها وأنت لي سيان

قال: هاتها على اسم الله. قلت:

جبة من جبابك الخز كيمـا

 

لا يراني الشتاء حيث يراني

فضم يده إلى صدره وقال: خذها على بركة الله، فخلعتها عنه ولبستها، وجئت وأبو نواس مكانه بعد، فلما رآها على قال: من أين جاءتك هذه الجبة؟ قلت: من حيث جاءت تلك. أعني ما عليه.

ومما يستحسن من شعره قوله في المجون:

وشاطري اللسان مختلق التكري

 

ه شاب المجون بـالـنـسـك

بات بغمي يرتاد صالية الـنـا

 

ر ويكني عن أبيت الـمـلـك

دسست صفراء كالشعـاع لـه

 

من كف علج يدين بـالإفـك

يحلف في طبخها بـمـلـتـه

 

ودين موسى ومنشئ الفـلـك

حتى إذا رنحتـه سـورتـهـا

 

وأبدلته السكون بـالـحـرك

كشفت عن عجنة مزعـفـرة

 

في لين صينية من الـفـنـك

فكان مـا كـان لا أبـوح بـه

 

في الناس من هاتك ومنتهـك

وقد نسب العوام هذا أبي نواس، وذلك منحول، إنما هو للحسين ابن الضحاك.

ومما يستحسن له قوله:

محب نال مكتتما مـنـاه

 

وأسعده الحبيب على هواه

فأصبح لا يلام بما جـنـاه

 

من التقصير إنسان سواه

أسر ندامة الكسعي لـمـا

 

رأت عيناه ما فعلت يداه

وله في بعض الملوك:

سيبقى فيك ما يهدي لسـانـي

 

إذا فنيت هدايا المهـرجـان

قصائد تمـلأ الآفـاق مـمـا

 

أحل الله من بسط اللـسـان

بها ينفي الكرى السارون عنهم

 

ويلهو الشرب عن وتر القيان

وله أشعار كثيرة، وهو أحد المفتنين في الشعر، جيد المدح، جيد الغزل، جيد الهجو، كثير المجون، صاحب جد وهزل، وهو عندهم في بحار أبي نواس، بل هو شعراً وأقل تخليطاً منه، وهو غلام أستاذه والبة بن الحباب.