أخبار أبي محمد اليزيدي

حدَّثني أحمد الخليل عن محمد بن هارون بن سليمان قال: اجتمع يوماً من الأيام عند عيسى بن عمر أبو محمد اليزيدي وسلم الخاسر، فقال سلم لليزيدي: اهجني على روى امرئ القيس:

رب رام من بني ثعل

 

مخرج كفيه من ستره

فقال له أبو محمد- وكان عفيفاً تقياً- : مالك ولهذا؟ قال سلم: كذا أريد. قال اليزيدي: ما أغناك عن التعرض للشر. فلتسعك العافية:- وأراد سلم أن يوهم عيسى أنه عييّ مفحم لا يقدر على الشعر- قال سلم: إنك لتحتجز مني غاية الاحتجاز. وهاجه، قال عيسى: بالله يا أبا محمد إلا فعلت: فأخذ نعله وقبلها وكتب تحتها:

رب مغمـوم بـعـافـية

 

غمط النعماء من أشـره

وامرئٍ طالت سلامـتـه

 

فرماه الدهر من غـيره

بسهـام غـير مـشـوية

 

نقضت منه عرا مـرره

وكذاك الدهر منـقـلـب

 

بالفتى حالين في عصره

يخلط العسر بـمـيسـرة

 

ويسار المرء في عسره

عق سلم أمـه سـفـهـاً

 

وأبا سلم علـى كـبـره

كل يوم خلـفـه رجـل

 

رامح يسعى على أثـره

يولج الغرمول سـبـتـه

 

كولوج الضب في جحره

قال سلم: هكذا يكون والله استدعاء الشر، ما كان أغناني عن هذا! فقال له عيسى بن عمر: لا أبعد الله غيرك، ولا أتعس إلا جدك. قد كان الرجل يستعفيك ويحتجز منك إبقاء على مروءته، فأبيت إلا أن يدخلك في حر أمك.

ومما يستحسن له من شعره:

مرضت فأمرضت شكواك قلبي

 

وكنت أنام فاستعصى منامـي

ولو كان المريض يزيد حسنـاً

 

كما تزداد أنت على السـقـام

لما عيد المريض إذن، وعـدت

 

له الشكوى من النعم العظـام

وقال وقد انصرف من مكة سالماً:

يا فرحتا إذ صرفنا أوجه الإبل

 

نحو الأحبة بالإزعاج والعجل

نحثهن وما يرمين مـن دأب

 

لكن للشوق حثاً ليس للإبـل

وله في الأصمعي يهجوه:

رأيت قـريبـاً أبـــا الأصـمـعـي

 

كثـيراً فـواضـحــه شـــاملـــه

إذا قـام يعـثــر فـــي شملـه

 

وتـــقـــتـــاده أذن مـائلـــه

وما أنت هل أنت إلا امرؤ

 

 إذا صح أصلك من باهله

وله في غزله وكان لا يرغب فيه:

حبـيبـي لا يزور ولا يزار

 

وفيه عن مواصلتي نـفـار

وعيني لا تجف لهـا دمـوع

 

معاقبة سواكبـهـا غـزار

على وجه تطيف به صفاتـي

 

فتغرق في المحاسن أو تحار

كأن الخمر يغذو وجـنـتـيه

 

وحسبك ما تزينه العـقـار

كليل الطرف يجرحه إذا مـا

 

تحير فوق وجنته احمـرار

قضيب البان قامته، ويخطـو

 

بدعص نقاً يغص به الإزار

وحدثني أبو عبد الله التنوردي قال: حدَّثنا محمد بن الأشعث المكي قال: قدم علينا اليزيدي مكة في رجب فأقبل على العبادة والاجتهاد والصوم والصدقة. وكان أصحابنا من أهل الأدب مجتمعون له ليؤانسوه فيقول: ما شيء أحب إلي من مشاهدتكم ومحادثتكم، ولكن هذا بلد يتقرب فيه إلى الله بالأعمال الصالحة، وإنما أقيم شهراً أو شهرين ثم انصرف إلى بلدي، فإن رأيتم ألا تجروا في مجلسي رفثاً ولا خناً ولا هجاءً في شعر ولا غيره فافعلوا.

وقال بمكة أشعاراً كثيرة في الموعظة والحكمة، ولا يتعدى ذلك إلى غيره. وأشعاره كثيرة، وهو مؤدب المأمون.