أخبار أبي العميثل

حدَّثني ابن أبي شبرمة قال: دخل أبو العميثل على طاهر بن الحسين وقد جلس للناس فقبل يده، فقال طاهر: ما أخشن شاربك يا أبا العميثل! فقال: أيها الأمير، إن شوك القنفذ لا يضر ببرثن الأسد. فضحك طاهر وقال: هذه الكلمة أعجب إليّ من قصيدتك. وأعطاه ألف درهم على قصيدته، وثلاثة ألف درهم على كلمته.

وحدثني محمد بن أبي يونس قال: كان أبو العميثل أحد شعراء طاهر، وكان يقدمه ويؤثره، وأنه وجد عليه في شيء فجفاه وتركه، فقال:

سأترك هذا الباب ما دام إذنـه

 

على ما أرى حتى تلين قلـيلا

إذا لم أجد يوماً إلى الإذن سلماً

 

وجدت إلى ترك المجيء سبيلا

فرجع إليه طاهر، ولم يزل محسناً ما عاش.

ومما يستحسن من شعر أبي العميثل قوله في الفضل والحسن ابني سهل يذكرهما معاً:

كأن أشكال وجه الحزم بينهمـا

 

ظل تلاقي عليه الشمس والقمر

وله أيضاً:

قد جار والله عـلـى جـاره

 

والله قد أوصاه بـالـجـار

حتى متى يا سيدي أنت لـي

 

تمـزج إقـبـالا بـإدبـار

يا من رأى فيمن رأى قبله ال

 

دينار فـي راحة الـدينـار

وهذه أبيات فيها من خفر الوزن ما ترى.

أخبار أبي عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلبي وهو من ولد المهلب بن أبي صفرة، ويزعم آل المهلب أن أبا عيينة اسم. وقال لي شيخ منهم: كل من كان من المهالبة يدعى أبا عيينة، وكنيته أبو المنهال، وكذلك يقول بنو سدوس: إن أبا رهم هو اسم، وكثير فيهم.

حدثني إبراهيم بن سعيد قال: أخبرني أبو هاشم العبيد قال: أبو عيينة ابن محمد بن أبي عيينة هو الذي كان يهجو ابن عمه خالد بن يزيد بن حاتم المهلبي، وأخوه عبد الله بن محمد هو الذي صاحب طاهر بن الحسين فلم يرض صحبته وهجاه، وأخوه داوود بن محمد هو الذي يقول فيه وفي آل سليمان بن علي:

قوم إذا أكلوا أخفـوا كـلامـهـم

 

واستوثقوا من رتاج الباب في الدار

لا يقبس الجار منهم فضل نارهـم

 

ولا تكف يد عن حـرمة الـجـار

فهؤلاء الثلاثة كلهم بنو محمد شعراء. وحدثني أبو عبد الرحمن قال: أخبرني محمد بن المظفر قال: دخل أبو عيينة يوماً على المأمون فقال له: يا أبا عيينة. هجوت ابن عمك بألف بيت ما عرضت له بمحرم ولا تجاورته إلا في بيت واجد، وددت إنك ما قلته. قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: قولك:

ولأوذينك فوق ما آذيتـنـي

 

ولأوسدن على نعاجك ذيبي

فقال: يا أمير المؤمنين، فإني أدرت بالنعاج بنيه لا غيرهم، فسرى عن المأمون.

وهو القائل في خالد:

بح بما قد كنت تخفي

 

ه وصرح لا خفاء

ما على هذا عـزاء

 

غلب الصبر العزاء

وبدا الأمر المغطى

 

كاشفاً عنه الغطـاء

خالد كلفنـي جـر

 

جان ظلماً واعتداء

خطة ما نلت منهـا

 

طائلاً إلا العـنـاء

خالـد لـولا أبـوه

 

كان والكلب سـواء

لو كما ينقـص يزدا

 

د إذن نال السمـاء

وهو القائل:

يا حفص عاط أخاك عاطه

 

كأساً تهيج من نشـاطـه

صرفاً تعود بشـربـهـا

 

كالظبي أطلق من رباطه

جزع المخـنـث خـالـدٌ

 

لما وقعت على نماطـه

وهي طويلة جداً. وشعر أبي عيينة أنقى من الراحة، ليس فيه عيب، فلا بيت يسقط.

وهو القائل:

داوود محمود وأنت مـذمـم

 

عجباً لذاك وأنتما من عـود

فلرب عود قد يشق: لمسجـد

 

نصفٌ، وسائره لحش يهـود

والحش أنت له، وذاك المسجد

 

كم بين موضع مسلح وسجود

داوود يفتح كل باب مغـلـق

 

بندي يديه وأنت قفل حـديد

وأبو عيينة أحد المطبوعين الأربعة الذين لم ير في الجاهلية والإسلام أطبع منهم: وهم بشار وأبو العتاهية والسيد وأبو عيينة.

وحدثني خلف بن إسحاق الكوفي قال: حدَّثنا بعض أهل العلم: أن رجلاً من أهل البصرة تاق إلى الخروج إلى داوود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب بن أبي صفرة زائراً له بالسند هو واليها، فتخير له كتباً من إخوانه وأهل بيته، ثم أتى عبد الله بن محمد أخا أبي عيينة فقال له: جعلت فداك، تكتب إلى ابن عمك داوود بن يزيد، فكتب إليه كتاباً لطيفاً ودفعه إليه، وقال له: إذا أوصلت إليه ما معك من الكتب وقرأها فادفع إليه كتابي. فلما وصل ودفع إليه الكتب وقرأها قال له: أصلحك الله، إن معي من أبي جعفر عبد الله بن محمد كتاباً إليك. قال: هات كتاب أبي جعفر، ولم أخرته؟ قال: بذلك أوصاني. ودفعه إليه ففضه فإذا فيه:

إن امرأ قـصـدت إلـيك بـه

 

في البحر بعض مراكب البحر

تجري الرياح به فتحـمـلـه

 

وتكف أحباناً فـلا تـجـري

ويرى المنية كلما عـصـفـت

 

ريح له للخـوف والـذعـر

للمـسـتـحـق بـأن تـزوده

 

كنت الأمان له من الـفـقـر

قال داوود: لا جرم لا تترك حتى ترجع إليه غنياً. فأعطاه ألف دينار وخمسة آلاف درهم.

ولعبد الله يعاتب طاهرا:

يا ذا اليمنين ما شيء إقامتـه

 

على الإطالة إقصاء وتقصير

وما شهاب منير قد أضر بـه

 

هم بنارك حتى ما له نـور

وله أيضاً:

أيا ذوا الـيمـنـين إن الـعـتـا

 

ب يشفي صدوراً ويغري صدورا

وكنت أرى أن تـرك الـعـتـا

 

ب خـير وأجـدر ألا يضــيرا

إلى أن ظننت بـأن قـد ظـنـن

 

ت أني لنفسي أرضى الحقـيرا

ثم هجاه بعد ذلك:

وما طاهر إلا سفاه تـحـركـت

 

برائحة الفضل بن يحيى فمـرت

فأغنت بريح الفضل كل غنـائهـا

 

بالفضل ساءت حين ساءت وسرت