حدثني إدريس بن محمد قال: لما قال أبو سعد دعي بني مخزوم في الأشعث بن جعفر الخزاعي:
أتيت بابك مرات لـتـأذن لـي |
|
فصار عني إذن الباب محجوبـا |
إن كنت تحجبنا بالذئب مزدهـياً |
|
فقد لعمري أبوكم كلـم الـذيبـا |
فكيف لو كلم الليث الهصور؟ إذا |
|
تركتم الناس مأكولا ومشروبـا |
هذا السنيدي لا تخفى دمامـتـه |
|
يكلم الفيل تصعيداً وتـصـويبـا |
أني امرؤ من قريش في أرومتها |
|
لا يستطيع لي الأعداء تكـذيبـا |
ولا مصاهرة الحبشان من شيمي |
|
ولا ترى لو وجهي الدهر غربيبا |
اذهب إليك، فلن آتي عليك ولـن |
|
ألفي ببابك طلابا ومطـلـوبـا |
فأخذه الأشعث فضربه مائتي سوط، فعوقب في ذلك فقال: إني لم أضربه للهجاء، ولكن ضربته لكذبه في الشعر وجهله، إنه جعل كلام الذئب لأبي السندي، هذا مثل ذاك؟ وحدثني بعض أصحابنا عن النوفلي قال: ادعى أبو سعد في بني مخزوم. ولم يكن منهم، ولا عرف بهم قط. وقال أبو البرق مولى خثعم وشاكر المدائني في أبي سعد:
وما تاه على النـاس |
|
شريف يا أبا سعـد |
فته ما شئت إذ كنت |
|
بلا أصل ولا جـد |
وإذا حظك في الأشبا |
|
ه بين الحر والعبـد |
وإذ قاذفك المـفـح |
|
ش في أمن من الحد |
وقد روى بعضهم أن هذه الأبيات لدعبل في أبي سعد، والأبيات التي قبلها لابن وهيب في الأشعث.
ومن جيد يا يروي لأبي سعد قوله لمحمد بن منصور:
أظنك أطغاك الغنى ونسيتني |
|
ونفسك والدنيا الدنية ما تنسي |
وحدثني ابن رومان الكاتب عن أبيه قال: كنت عند المطلب بن عبد الله ابن مالك الخزاعي وعنده أبو سعد، إذ أقبل دعبل، فالتفت المطلب إلى أبي سعد فقال له: حرك لي دعبلا- وكان المطلب حقد على دعبل قوله:
تنوط مصر بك المخـزيات |
|
وتبصق في وجهك الموصل |
فقال أبو سعد: كفيتك. فلما دنا دعبل من المجلس أنشأ أبو سعد يقول:
لدعبل نعمة نمت بـهـا |
|
ليست له ما حييت أنساها |
أدخلنا بيته وأكـرمـنـا |
|
ودس إمراته فنكنـاهـا |
فغضب دعبل وقال على البديهة:
يا أبا سعد قـوصـرة |
|
زاني الأخت والمره |
لو تراه وقـد جـثـا |
|
خلته عقد قنـطـره |
أو ترى الأير في أسته |
|
قلت: بيت بمقطـره |
أو تـراه يلـوكــه |
|
قلت: زبد بسـكـره |
أو تـراه يشـمــه |
|
قلت مسك بعنـبـره |
أجج الـعـبـد نـاره |
|
وهو للنار كـنـدره |
أبد الدهر خـلـفـه |
|
فارس في مؤخـره |
وحدثني يعقوب بن ناصح البردعي قال: لما قال دعبل هذه الأبيات، وخرج من عند المطلب، جعل يفرق على صبيان الكتاب الزبيب والنبق ويقول لهم: إذا مر بكم أبو سعد فصيحوا:
يا أبا سعد قوصـرة |
|
زاني الأخت والمره |
ففعلوا، فطال عليهم، فهرب من بغداد إلى الري، وأقام بها حتى مات. وحدثني أبو جعفر قال: أبو سعد يأخذ نفسه بآلات الأشراف وكان دعياً، وبآلات الشجعاء وكان جباناً، وربما جلس على مزرد. ولكن كان جيد الشعر وهو القائل لدعبل:
ولـولا مـعـد وأيامـهـا |
|
وأنهم السنخ والمنـصـل |
لضاق الفضاء على أهلـه |
|
ولم يك ناس ولا مـنـزل |
وزلزت الأرض زلزالهـا |
|
وأدخل في أست أمه دعبل |
وهو كثر الشعر جيده.