أخبار أحمد بن الحجاج

هو من موالي المنصور. حدثني أبو جعفر محمد بن ميمون المصيصي قال: أخبرني دعبل بن على الشاعر قال: لما خرجت من بغداد أريد المطلب بن عبد الله الخزاعي بمصر، فوافينا الأنبار، نزلت في بعض الخانات، فصادفت رجلاً رث الحال، في أطمار خلقان، وهو في زاوية من الخان فقلت له: من أين أنت؟ قال: من أهل بغداد. قلت: فأين تريد، قال: مصر إن شاء الله. قلت: وما تبغي بها؟ قال أريد قرابة لي هناك.

قلت: معك شيء تركبه؟ قال: ما سوى رجلي. قلت فإن المضرب بعيد.

فهل لك أن تلزم رحلنا فأعطيك بغلا من بغال الثقل، تركبه، وتتولى شراء الحوائج في هذا الطريق إلى أن ترد مصر؟ فإني أرجو ألا تذم صحبتنا. قال: ذلك لك أصلحك الله. فدفعت إليه بغلاً فركبه، وكنت معه في الطريق في عافية. لا يبقي غاية فيما يجد إليه السبيل من الاحتياط فيما يشتريه، والاسترحاض وأداء الأمانة، حتى وصلنا مصر. فقلت له يوماً من الأيام: سل حاجتك فقد وجب حقك، فقال لي: أسألك أن توصلني إلى هذا الأمير، فقلت سألت شيئاً سهلا، قال: ما أريد إلا ذاك، قلت: إذا كان في غد فتأهب لذاك حتى تدخل معنا إليه. فلما كان من الغد أخذت بيده بعد أن دخلت الباب، فأقعدته في مكان قد قعد فيه الشعراء الزوار، فجعل المطلب يدعو بواحد واحد، فمن كان زائر ذكر له وسيلة، ومن كان شاعراً أنشده شعره، حتى إذا أتى على القوم كلهم وبقي صاحبي قال له المطلب: أيها الرجل، إن كانت لك حاجة فاذكرها وإلا فانصرف، فنهض والله صاحبنا وأنشأ يقول:

ما زرت مطلبـاً إلا بـمـطـلـب

 

وهمة بلغت بـي غـاية الـرتـب

أفردتـه بـبـياتـي أن يشـاركـه

 

في الرسائل أو ألقاه بـالـكـتـب

رحلت عنسي إلى البيت الحرام على

 

ما كان من تعب فيهـا ومـن دأب

أرمي بها وبوجهي كـل هـاجـرة

 

تكاد تقدح بين الجلد والـعـصـب

حتى إذا ما انقضى نسكي عطفت لها

 

ثني الزمام فأمت سـيد الـعـرب

إني اعتصمت بإستارين مستـلـمـاً

 

ركنين مطلباً والبيت ذا الحـجـب

فالبيت للآجل الـمـرجـو آجـلـه

 

وأنت للعاجل المرجو لـلـرغـب

يا بعد ما طلبت من غير ما سبب

 

يا قرب ما أملت من جود مطلب

هذا رجائي وهذي مصر سانـحة

 

وأنت أنت وقد ناديت من كثـب

فقال المطلب: لبيك لبيك، من أنت؟ قال: أنا أحمد بن الحجاج مولى المنصور. قال: مرحباً بك وأهلاً، قد أمرت لك بمثل ما أمرت به لجميع الشعراء، فإذا شئت فاقبض ذلك. قال دعبل: فبقيت متحيراً من جودة شعره وقوة نمطه وحسن تأتيه، فلما أن حمل معه المال وخرجنا قلت: ما أحسنت فيما بيني وبينك، أخفيت عني أمرك وأخفيته حتى أحللتك ذلك المحل، وقصرت فيما يجب من حق مثلك: فقال والله لقد أحسنت إلى العشرة والصحبة وكرهت أن أعلمك أمري فيجيء التحاسد. فقلت: سبحان الله ولم أحسدك؟ فقال: دعني يا أبا علي من هذا، فإن القاص لا يحب القاص. فاستفرغت ضحكاً، ثم افترقنا.

وأحمد بن الحجاج هو القائل:

أما الذي حـج الـحـجـيج لـبـيتـه

 

على العيس تحدي في الفجاج السباسب

لقد منع الجفـنـان أن يتـصـافـحـا

 

ووكل إنسان بـرعـي الـكـواكـب