أخبار عنان جارية الناطفي

مما يستحسن من شعر عنان تذكر امتنان يحيى بن خالد إلى أختين لها وتسأله إلحاقها بهما فقالت:

نفى النوم من عينيَّ حوكُ القصائد

 

وآمالُ نفسٍ همها غـير نـافـد

إذا ما نفى عني الكرى طول ليلة

 

تعوذتُ منها باسم يحيى بن خالد

وزير أمير المؤمنين ومـن لـه

 

فعالان من حمد طريف وتالـد

من البرمكيين الذين وجوهـهـم

 

مصابيح يطفي نورها كل واقـد

على وجه يحيى غرة يُهتدى بهـا

 

كما يهتدي ساري الدجى بالفراقد

تعود إحساناً فأصـلـح فـاسـداً

 

وما زال يحيى مصلحاً كل فاسد

وكانت رقابٌ من رجال تعطلت

 

فقلدها يحيى كـرام الـقـلائد

على كل حي من أياديه نـعـمة

 

وآثاره محمودة في المشـاهـد

حياضك في المعروف للناس جمةٌ

 

فمن صادر عنهـا وآخـر وارد

وفعلك محمود وكـفـك رحـمة

 

ووجهك نور ضوءه غير خامـد

بلغت الذي لا يبلغ الناس مثـلـه

 

فأنت مكان الكف من كل ساعـد

فيا رب زده نـعـمة وكـرامة

 

على غيظ أعداء وإرغام جاحـد

عقلاً منها، وكانت من اشعر الناس، وأكثرهم بياناً، وافصحهم لهجة ولساناً. مع ظرف ونوادر وملح، وكانت مطبوعة مقتدرة، تلعب بالشعر لعباً، وتصوغ فيه ألحاناً، وكانت كثيرة المال والعبيد، تفرق مالها في الطالبيين وتجهز جيوشهم، وتقوي أمورهم، وتخرج وتحارب دونهم، وكانت من أشجع الناس، وخرجت في غير جيش وحاربت في مواطن كثيرة، وقتلت بشراً كثيراً، ولها في كل وقعة شعر، فمما يستحسن من شعرها قولها:

أرقت لـبـرق بـدا ضـوءُهُ

 

بمكة يبدو ويخـفـى مـرارا

فبت أململُ في مضـجـعـي

 

وأبكي جهاراً وأبكي سـرارا

لأم القرى خربت بالـحـريق

 

ومات بها الناس سيفاً ونـارا

إلى الله أشكو مـقـام الـعـدا

 

بمكة قد حاصروها حصـارا

وأسـرى تـقـطـع أيديهـم

 

فماتوا صفوفاً وماتوا حـذارا

فمن صابر نفسه في الـبـلاء

 

ومن خائف فر منها فطـارا

ومن حامل نفسه في السفـين

 

يجوب الدجى ويخوض البحارا

فيا قرية كنت مأوى الضعـيف

 

إذا لم يجد في سواها قـرارا

ومأوى الغريب ومأوى القريب

 

وآمنة ليلـهـا والـنـهـارا

سأبكي قريشاً لمـا نـالـهـا

 

وبدلها الخـوف داراً فـدارا

وأضحوا عبابـيد قـد شـردوا

 

وحلو الجبال وحلو القـفـارا

بجيران بيتك حـل الـنـكـال

 

وقد عز من كان للـه جـارا