أخبار محمد بن حازم الباهلي

حدثني محمد بن الصقر الموصلي قال: أخبرني دعامة قال: سمعت محمد بن حازم يقول: وجه إليّ عبد الله بن طاهر بجارية حسناء وضيئة، فلم أتمالك أن وقعت عليها، فوجدتها من السعة والبرد فوق الصفة، مفازة مكة عندها ثقب عفصة، وثلج همذان عندها الحمام فأحببت أن أعرف عبد الله أمرها فكتبت إليه:

للـه جـوهــرة يرو

 

ق للعين حسن صفائها

أبصرتها فحمـدتـهـا

 

من قبل حين جلائهـا

فندمت إلا كنـت قـد

 

تركتها بغـطـائهـا

ورضيت واستمتعت م

 

نها زهرها برواتهـا

فلما وصلت الأبيات إليه بعث بأخرى ظاهرها كباطنها، فبعث الأولى بخمسمائة دينار. وحدثني أبو الأسود المكي قال: حدثني ابن أبي عون المديني- وكان المديني فقيها- قال: كان محمد الباهلي من ألحف الناس إذا سال، وألحهم إذا استماح، مع كثرة ذكره للقناعة بشعره، وهو أحد جماعة كانوا يصفون أنفسهم بضد ما هم عليه حتى اشتهروا بذلك، منهم أبو نواس، كان يكثر ذكر اللواط ويتحلى به وهو أزنى من قرد. وأبو حكيمة كان يصف نفسه بالعنة والعجز عن النكاح وكان يقال له: إنه يقصر عن التيس. وجحشويه كان يصف نفسه القناعة والنزاهة وكان أحرص من الكلب، كان يركب النيل في ردهم واحد فضلاً عن غيره.

وهو أجود الشعراء لفظاً وألطفهم معنى، وهو القائل:

إن الأمور إذا سدت مسالـكـهـا

 

فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجـا

لا تيأسن وإن طالت مـطـالـبـه

 

إذا استعنت بصبر أن ترى فرجـا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

 

ومدمن القرع للأبواب أن يلـجـا

اطلب لرجلك قبل الخطو موضعها

 

فمن علا زلقاً عن غرة زلـجـا

وذكر على خلاف ما وصفنا من حرصه وكلبه فعل عجيب يدل على كبر الهمة وشرف النفس، وهو أنه كان ألح على محمد بن حميد بن قحطبة يهجوه الهجاء المؤلم الذي يؤذيه، فكان يتلافى الأمر معه بكل حيلة ولا ينجع فيه، فعمد إلى بدرة فيها عشرة آلاف درهم، وتخت فاخر من الثياب، وفرس عتيق، ووصيف رائع، فوجه إليه بجميع ذلك مع ثقة له، وكتب إليه رقعة يحلف فيها أنه ما يعلم بذلك غيره وغير رسوله، ويقول له فيها: أما لك أن تقبل هذه وتكفيني أمرك وتكف عني؟ قال: فرد جميع ذلك وكتب له في ظهر رقعته:

وفعلت فعل ابن المهلب إذ

 

كعم الفرزدق بالندى الغمر

لا أقبل المعروف من رجل

 

ألبسته عاراً على الدهـر

وبعثت بالأموال ترغبـنـي

 

كلا ورب الحشر والنشـر

وكتب تحت الأبيات: ولكني والله لا عدت بعدها إلى ذكرك بسوء فأمسك عنه فما هجاه بعد ذلك. وهذا عجيب من مثله، فإنه حدثني أبو إبراهيم الجرجاني قال: حدثني إسحاق بن شيبة قال: أخبرني ربيعة الرازي قال: رأيت محمد بن حازم يطلب من إسحاق بن حميد بن نهيك تِكَّةً فمنعه، فقال له ابن حازم: يا أبا يعقوب إن لم يمكنك تكة ففرد نيفق أو ليس بعجيب أن يفعل مثل تلك الفعلة وهو بهذا الحد من الجشع؟