أخبار عريب جارية المأمون

حدثني أحمد بن حماد الإدريسي قال: كانت عريب جارية المأمون من أحسن النساء وجهاً، وأفصحهن لساناً

زيادات في المختصر، المختار من طبقات الشعراء

إذا نبـهـتـك حـروب الـعـداة

 

فنبـه لـهـا عـمـرا ثـم نـم

دعـانـي إلـى عـمـر جـوده

 

وقيل العشيرة بـحـر خـضـم

ولولا الذي زعمـوا لـم أكـن

 

 

يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقة

 

والأذن تشق قبل العـين أحـيانـا

يا ليتني كنت تفـاحـاً مـفـلـجة

 

أو كنت من قضب الريحان ريحانا

حتى إذا استنشقت ريحي وأعجبها

 

وكنت في خلوة حولت إنسـانـا

لا تعذلوني فإني من تـذكـرهـا

 

نشوان هل يعذل الصاحون نشوانا

حدثيني عـن كـتـاب جـاءنـي

 

منك بـالـذم ومـا كـنـت أُذمْ

أتقرأت عـلـى وجـدي بـكـم

 

أم توهمـت أديمـي قـد حـلـم

أصدوداً بعد ما اسـتـهـويتـنـي

 

فيم ذا يا قـرة الـعـين ولِــمْ

فلـك الـلـه بـأن أعـتـبـكـم

 

ثم لا أُعتب فـيكـم مـن رغـمْ

في هامش المختصر في ترجمة ابن ميادة ومدح الوليد بن عبد الملك ابن مروان.

وإلا فدع الـنـاس

 

ودعني أسأل الناس

وأبغي منهم الخـير

 

فإن الناس للنـاس

أأُمــام إن الـــدهـــر أه

 

لك صـرفُـه إرمـاً وعــادا

فأبـــــــــاد داووداً وأخ

 

رج مـن مـسـاكـنـهـا إيادا

أتجعل فوق مـن يقـصـر رأيه

 

ومن ليس يغني عنك مثل غنـائيا

فعين الرضا عن كل عيب كلـيلة

 

ولكن عين السخط تبدي المسـاويا

كلانا غني عـن أخـيه حـياتـه

 

ونحن إذا متنـا اشـد تـغـانـيا

وأدليت دلوي فـي دلاء كـثـيرة

 

فأبن ملاء غير دلوي كمـا هـيا

وأنت أخي ما لم تكن لـي حـاجة

 

وإن نزلت أيقنت أن لا أخـالـيا

غمط النعـمـان صـفـوتـهـا

 

فرددت الصـفـو فـي كـدرهْ

وتحـسـى كـأس مـغـتـبـق

 

لا يدال الصحـو مـن سُـكُـره

ولـقـرقــور أدرت رحـــا

 

وقـعة فـلَّـت شـبـا أشـره

لو لم تكن كانت الأيام قد فـنـيتْ

 

بالمكرمات ومات المجد مذ حين

لقد مننت على الدنيا وساكـنـهـا

 

بظل أمن بسيط غير مـمـنـون

طويت كل حشا منها علـى أمـل

 

إلى قرينة خوف منك مـقـرون

من لم يكن منك موصولا إلى سبب

 

لم ينزل الأرض إلا منزل الهون

أصبحت للملك عرنيناً تقـوم بـه

 

يوم الكريهة جداع الـعـرانـين

صورك الله من جود ومـن كـرم

 

وصور الناس من ماء ومن طين

نهدي لك المدح موزوناً محـبـره

 

وتكسبنا عطـاء غـير مـوزون

فكأنه أراد أنك بلغت بالله عز وجل ما بلغت وهذا صحيح.

وفي حميد أيضاً يقول:

دجلة تسقـي وأبـو غـانـم

 

يطعم من تسقى من النـاسِ

أعد للمـعـروف أمـوالـه

 

وسيفه في حلـبة الـبـاس

يرتق مـا يفـتـق أعـداؤه

 

وليس يأسو فتـقـه آسـى

والناس جسم وإمام الـهـدى

 

راس وأنت العين في الراس

وله من أبيات

إن توطني العـجـز فـحـزمـي عـنـدي

 

قد يطـرق الـمـوت حـلـيف الـرقــد

والرزق حـتـم وهـو حـلـف الـجـهـد

 

والـطـلـب الـمـسـبـب الـمــؤدي

والـدلـو لا يجـبـي حــياض الـــورد

 

إلا بـفـتـل مــرس وحـــصـــد

ما الـمـال إلا مـقـدحــي وزنـــدي

 

وعـلـلـي مـن الـسـرى ووخـــدي

إلـى حـمـيد مـسـتـراح الــرفـــد

 

محرز إرث الـحـمـد واسـم الـحـمـد

إلى الذي سن بناء

 

المجد بكل غور وبكل نجد

أفنت مساعيه حساب العد

 

له بـــكـــل أكـــمة ووهــــد

سحـابة تـغـنـي وأخـــرى تــردى

 

كالدهـر يعــدو مـــرة ويعـــدي

ويسـتـحـل عـلــمـــاً ويهــدي

 

 

وما قرن شيء إلى شيء أحسن من عقل إلى أدب.

وتذاكر قوم في اغزل العرب فقال أحدهم: القائل هو أبو نواس:

حب مجد وحبيب يلعبُ

 

أنت إذاً بينهما معذب

وفي أوصفهم للخمر، فقال: أبو نواس:

أذكى سراجاً وساقي القوم يمزجها

 

فقام في البيت للمصباح مصباحُ

كدنا على علمنا للشك نـسـألـه

 

من راحنا النار أم من نارنا الراح

قال يوسف ابن الداية: كنت وأبو نواس وجماعة من إخواننا..

لا نلوم إلا أنفسنا نحن بعثناه على ذلك.

ومما يختار لبكر كلمته التي يقول فها:

فلو لم يكن في كفه غير نفسه

 

لجاد بها فليتق الله سـائلـه

وما بعثت في العالمين فضيلةٌ

 

من المجد إلا مجده وفضائله

وقوله أيضاً:

ولقد طلبنا في البلاد فلم نجـد

 

أحداً سواك إلى المكارم ينسبُ

فاصبر لعادتنا التي عودتـنـا

 

أو لا فأرشدنا إلى من نذهب

واسمه الفضل بن عبد الصمد.

حدثني إبراهيم بن تميم قال: حدثني المعلى بن حميد قال: الرقاشي من أهل الري من العجم.

ومما يستحسن من شعر الرقاشي كلمته في موسى بن يحيى بن خالد:

قالت بنو برمك وقد صدقـت

 

إن قريع السماء موسـاهـا

خالدها في الوغى إذا استعرت

 

وفي التقى والعفاف يحياهـا

ومما يستحسن أيضاً قوله في موسى بن يحيى بن خالد:

والقصيدة طويلة وهي سائرة مشهورة، فتركناها اقتصاراً على هذين البيتين:

 

كتبت هند ما مقـامـك عـنـا

 

لك حول مذ أنت عنـا مـقـيمُ

قلت لا أستطـيع تـرك بـلاد

 

حل فيها موسى بن يحيى الكريمُ

       

وكان مع ذلك شاعراً إلا أنه قد تخلى من الدنيا.

وكان الذي بعثه على ذلك شعر أبيه وما كان يجد فيه من المواعظ والحكمة.

قال المأمون: أحسن الرجل أحسن.

في المختصر فقال المأمون: ما أحد من الشعراء يعطى المعنى حقه غيره.

وفي ترجمة أبي العتاهية وسمع أبو العتاهية بقول جميل بن معمر:

خليلـي فـيمـا عـشـتما هل رأيتما

 

قتيلا بكى مـن حب قاتلـه قـبـلـي

قال: فأخذه أبو العتاهية كله وأخذ معانيه فقال:

يا من رأى قبلي قتيلاً بكى

 

من شـدة الـوجـد عـلـى الـقـاتـــل

حدثني صالح بن محمد العوفي قال: حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى المدني الأنصاري. قال: مسلم بن الوليد من الأنصار.

وداوود بن مزيد وفي البرامكة وكاتبهم محمد بن منصور بن زياد وقد كان مدح الخلفاء أيضاً.

حدثني ابن المغير قال: كان مسلم بن الوليد مدح..

في المختصر يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم المدائني قال: حدثني أبي قال: كان مسلم بن الوليد مدح..

في المختصر في أول ترجمة النمري.

حدثني أبو صاعد وكان أبوه شاعراً قال: حدثني أبي قال: قال علي بن الجهم: أنا اشعر من امرئ القيس، والنمري أشعر مني قال: حدثني السدي محمد بن زياد قال: حدثني الهلالي قال: كان النمري مقدماً عند الرشيد، وكان يمت له بأم العباس بن عبد المطلب وهي نمزية، وكان هارون يعطيه فيجزل له.

وكان مع ذلك فاسقاً معلناً بفسقه وكان أحمق..

ويقال في المثل: لن يخطئك من طويل إما قرحه في رجله وإما خلل في عقله.

ويمنعني من لذة العيش أنني

 

أراه إذا قارفت لهواً يرانيا

أخده من قول الآخر:

وإني لأستحييك حتى كأنـمـا

 

علي بظهر الغيب منك رقيب

في المختصر ومحاسن أخلاق وفضل على إخوانه، ومذهبه في لك كله مذهب جميل يرجع إلى حياء وعفاف وسخاء ونبل في نفسه.

وفي مجونه يقول:

ما بالكم يا ظبـاء وجـرة أم

 

ما بالكم يا جآذر الـبـشـر

غابوا فآبوا وفي خـدودهـمُ

 

كما يكون الكسوف في القمر

ماتوا ولم يقبروا فيحتسـبـوا

 

ففيهم عبرة لـمـعـتـبـر

وقل لمن كان أمردا يصنع ال

 

معروف من قبل آفة الشعر

قال فوصله وأكرمه.

وشاطري اللسان مختلق التكريه..

في هامش المختصر أحسن ما فيه: قوله بعد الأول:

كأنما نصب كأسه قـمـر

 

يكرع في بعض أنجم الفلك

محب نال مكتتما صـفـاه

 

وأسعده الحبيب على هواه

أضاع اللهو أنفس ما يعاني

 

وما عذر المضيع لما عناه

كأن الملك لم يك قبل شـيئاً

 

إلى أن قام بالملك الأمـين

وشعره قليل وكان يستقي الشعر من الكلام والجدل.

وكان إبراهيم بن سيار عداده في الشعراء، يمدح الخلفاء والوزراء والأشراف، وقال النظام: لأن يموت الرجل على رحله في طلب رزقه أحب إلي من أن يموت في سبيل ربه،هذا رد على الصوفية.

ووصف كلاماً فقال كلام أملس المتون، كثير الفنون، سهل الموارد والمصادر، ملتف الأوائل بالأواخر، يتغلغل إلى حبة القلب فيشكها وإلى صميم النفس فيصيبها.

وقال النظام: قال زيد بن علي لرجل سبه عند هشام بن عبد الملك: إني والله ما أنا بالوشيظة المستلحقة، ولا الحقيبة المستردفة، ولا أنت بعبدي فأضربك ولا بكُفْئي فأسبك.

وقال النظام: الحر يرى في حريته أن يستتم ما ابتدأ، وَيَرُبَّ ما أسدى، وتكون أولى يديه رهناً بالأخرى.

وقال النظام: من أحبك نهاك ومن أبغضك أغراك: وأشعاره كثيرة وهو مؤدب المأمون.

 وكان يقول بمكة أشعارا كتبناها عنه في الحكمة والموعظة.

وذكره محمد بن الجهم فقال: كان إذا تكلم أفاد، وإذا سئل أجاد، وإذا ابتدأ أعاد.

كما تـرى أفـطـح ذا رقـطة

 

تنجاب عنـه هـبـوة الـقـاع

تهوى بقاي وأهوى موتها شفـقـا

 

والموت أكرم نزال على الحـرم

يرى لاطراد الدمع في صحن خده

 

أخاديد شقت باستنـان هـمـول

وقال: هذا معنى يستحسن الشعراء ويختارونه

أمات قلوباً واستمال بأنفـس

 

تكشفن منه عن ذهاب عقول

وقال: وهذا نمط يعجز عنه الشعراء. ومن هذه القصيدة: خليلي

يوم الفراق لقد خلقت طويلا

وقوله: قدك أتئب أربيت في الغلواء

إذا لم أجد يوماً إلى الأذن سلماً

 

وجدت إلى ترك المجيء سبيلا

ويقال: إن طاهراً لم يجفه ولم يزل مكرماً له حتى توفي، وإن عبد الله بن طاهر جفاه فلما رأى ذلك منه قال هذا الشعر فيه.

لا يقبس الجار منهم فضل نارهمُ

 

ولا تكف يد عن حرمة الجـار

هذان البيتان أنشدهما أبو تمام لبعض آل المهلب ولم يسم أبا عيينة ولعله هو.

فأغنت بريح الفضل كل غـنـائهـا

 

وبالفضل ساءت حين ساءت وسرّت

ثم فارقه وقال:

هو الصبر والتسليم لله والرضى

 

إذا نزلت بي خطة لا أشاؤهـا

إذا نحن أُبنا سالمين بـأنـفـس

 

كرام رجتْ أمراً فخاب رجاؤها

فكأنما عقد السراة بـطـرفـه

 

وكأنه بعرى المجرة مـلـجـمُ

وقال أيضاً:

يقولون لي مروٌ بـلاد بـعـيدة

 

وما بعدت مروٌ وفيها ابن طاهر

وأبعد من مرو رجـال أراهـم

 

بحضرتنا معروفهم غير حاضر

سواء على من زارهم لنوالهـم

 

أزارُمُ أم زار أهل المـقـابـر

وقال: أشعار إسحاق بن خلف كثيرة، في مديح الخلفاء والهحاء ووصف الشراب والغزل، وكان فيه بعض الإمساك.

أو ما يكفيك أنـي

 

بك مقطوع القرين

ومن القصيدة أيضاً قوله:

فإلى طرفك أشكـر

 

كل ذي طرف فتونِ

وإلى الخد الـذي يج

 

رحه لحظُ العـيون

وتقـربـتُ إلـيكـم

 

بخضوعِ المستكـين

فارحموا ضُري وإلا

 

فأريحوا واقتلونـي

وله:

إن الأمور إذا الأحـداث دبـرهـا

 

دون الشيوخ ترى في بعضها خللا

إن الشباب لهم في الأمر معجـلة

 

وللشيوخ أنـاة تـدفـع الـزلـلا

في أول ترجمة أبي سعد.

حدثني عمر بن أبى جعفر قال: حدثني ابن أبي ربيعة قال: كان أبو سعد الشاعر لقيطاً دعياً، وكان من أشعر أهل زمانه وأفصحهم لهجة، وأطبعهم وأقدرهم على الشعر فقال في أشعث بن جعفر الخزاعي: أتيت بابك..
في أول ترجمة مخلد.

مما يستملح من شعر مخلد بن بكار يمدح محمد بن حبيب الطوسي:

صدت وما صدت لـشـيب عـياـي

 

أخبـي بحنـدسة سـراج قـذالـي

لمـا رأت هـمـي على مرهـوبة

 

أسمو بها وأصـون وجـه سـؤالـي

 

قال: ومما يستملح من شعر مخلد بن بكار كلمته في الغزل..

 

سائلي عن كنه حالي لا تسل

 

...........................

لطـفـت لي حمرة في جنـبـهـا

 

بخفـي من تـجاويد الـعـمـل

فاكتـست حمرتـها وجنـتـه

 

حين أومى لوصالـي بالـخـجـل

في ترجمة الصيني، ونورد بعض ما في المختصر لنوضح ما سبق في الأصل.

حدثنا إبراهيم بن الخصيب قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الأصم قال: كان الصيني في جملة طاهر بن الحسين وكان شاعراً منطيقاً مقتدراً، وإن طاهر بن الحسين أمر بحسبه فبلغ لك المأمون فقال لطاهر : يا أبا الطيب، قال:لبيك يا أمير المؤمنين، قال: ما فعل شاعرك الصيني؟ قال: حبسته يا أمير المؤمنين وأمرت بإسقاط اسمه من دفتري، قال: ولم ذاك؟ قال: لكثرة إلحافة وبذاء لسانه، قال: يستحق من زعم أن الملك قام في دار الخلافة بمقام طاهر تحت ظلال السيوف؟ والله لقد أسأت إليه وما كافأته، فأما إذ فعلت ما فعلت فما أحد يطلبه بحقه غيري مذ قال فيك:

مقامك تحت ظلال السيوف

 

أقر الخلافة فـي دارهـا

فعلم طاهر أنه أخطأ وقابله بغير ما يستحقه منه. قال: يا أمير المؤمنين عثة من عثرات الملوك. وسقطة من سقطات الأمراء، قال: ما رعيت الذمام ولا عرفت الحق وأنا أعطى الله عهداً إن خرج من الحبس ما دمت حياً، ليتأدب بذلك، فإذا أرادوا أن يقولوا قولا لم يذموا.

والصيني هو الذي يقول..

في المختصر: ومما يستحسن من شعر الصيني في الغزل كلمته التي يقول فيها:

ليت شعري عن أملح النـاس دلا

 

أمقيم لنا على الـوصـل أم لا

زعموا أن من تشاغل باللذات..

 

 

كذبوا والذي تساق له البدن..

       

لرسيس الهوى أحر من الجمر..

وله أيضاً:

متِّعاً بالعـراق يوم الـفـراق

 

يستجيران بالبكا والـعـنـاق

كما أسرّا هواهما حذر البـي

 

ن وكم كاتما غليل اشـتـياق

فأطل الفراق فاتـفـقـا فـي

 

ه، فراق أتاهمـا بـاتـفـاق

كيف أدعو على الفراق بمكرو

 

هٍ ويوم الفراق كان التلاقـي

خوص نواج إذا حث الحداة بها

 

رأيت أرجلهـا قـدام أيديهـا

وبيت آخر وهو قوله:

ولقد هممت بقتلها من حـبـهـا

 

كيما تكون خصيمتي في المحشر

فأجرني من القتل واعف عنـي

 

واسقني من رضاب ريقك شهدا

ولعمر والقصافي:

سبحان من أنزل الأيام منزلـهـا

 

وصير الناس مأفوناً ومرموقـا

فعالم فطن أعـيت مـذاهـبـه

 

وأحمق خرق في الناس مرزوقا

هذا الذي ترك الألبـاب حـائرة

 

وصير الفطن النحرير زنديقـا

وكان يجاري الشعراء ويناضلهم ويهاجيهم، وكان يفضل على شعراء زمانه، ولا يعف له بيت إلا في مديح خليفة أو وزير، وان قد رزق منهم، وكان مولعاً بالشراب.

قال: ومما يختار له من شدة الحب:

مغتبق للصبوح مـصـطـبـحُ

 

يبكي بعين دموعهـا سُـفُـحُ

تظل أيدي الهوى لمهـجـتـه

 

بزند بين الفـراق تـقـتـدح

ظمآن طرف إلى رشا نـطـقٍ

 

حسـير بـين فـؤاده تــرح

أخفى الهوى في الحشا وأضمره

 

فيه فباحت دعومه الـسـفـح

فجـلـوتـهــا لأزيدهـــا

 

في حسـنـهـا وبـهـائهـا

مدت عـلـى عـيوبـهـــا

 

وعـوارهـا بـجـلابـهــا

وكان امتدح الحسن بن سهل فوعده فأتاه بعد ذلك ما آيسه. فأنشأ يقول:

أجارتنا إن التـعـلـل بـالـياس

 

وصبراً على استدرار دنيا بإبساس

حريّان ألا يقـذفـا بـمـذلّــه

 

كريماً وألا يحوجاه إلى الـنـاس

أجارتنـا إن الـقـداح كـواذب

 

وأكثر أسباب النجاح مع الـياس

فلما سمع الحسن بن سهل الأبيات قمت لأرجع فقال: كيف بيت القداح؟ فأعدته فصرفني بأضعاف ما كنت أّصلت.

وإن يفاجئك أضياف أتاك لـهـم

 

من المسناة خير الوز والسمـك

وإن فزعت إلى الحلوى لـهـم

 

من سوق زهمان برني بها علك

لقد تمنيت عيشاً لـيس يعـرفـه

 

إلا بصير بطيب العيش محتنـك

ومما يستحسن من شعره مديحه في المعتمد:

سيبقى فيك ما يهدي لساني

 

إذا فنيت هدايا المرجـان

قصائد..، انظر الأصل ترجمة الحسين بن الضحاك صلى الله عليه وسلم 270 فهي منسوبة له.

ومما يختار له أيضاً في أمير المؤمنين يقول فيها وهي طويلة.

صلبوه باب الشاذياخ، موضع آل طاهر وفيه قصرهم وبيت ملكهم وبساتين وأنهار ومواضع مشرفة مرتفعة فاجتمع الناس..

فاتصلت الأبيات بالقوم فأنزلوه وأكرموه.

في المختصر قال: فسمع ذلك بعض كتاب عبد الله بن طاهر فدخل إليه فقال: هذا الشاعر الذي أمرت بصلبه قال كذا وكذا، فقال: قاله وهو مصلوب؟ قال: نعم، قال: لا حيلة فيه، أنزلوه واخلعوا عليه، فأنزل وخلع عليه وصالحوه ونادموه.

لا كنت إن كـان هـذا

 

هذا لبـعـض دخـيل

فكم تقطـع نـفـسـي

 

بوصلك الممـطـول

اردد على الجسم روحي

 

بريقك المـعـسـول

قال وكان خالد النجار شاعراً متقدماً إلا أنه كان خبيث اللسان..

في المختصر كان من أشعر أهل زمانه وكان مطبوعاً مقتدراً ومفوها منطيقاً لا يتكلف كما يتكلف غيره من الشعراء، وله أشعار جياد في المديح، وكان هجاء أيضاً فمما يستحسن من شعره كلمته في الوليد بن الصقر يهجوه، وكان بذيء اللسان وفيه المجون أيضاً:

أنـا الــنـــجـــار..

 

فإني قد طلبت الأجر فيه

 وفي حمل العجوز على البريد

 

أوقيهـا بـذلـك حـر نـار

 وإياه ومن بـرد الـجـلـيد

 

من حب من فاقت محاسـنـه

 لولا مشابـهة مـن الـبـدر

 

يسبي القلوب بمقلـتـي رشـاً

 مكحولة الأجفان بالـسـحـر

 

قد ملـكـت طـاعـاتـه يده

 فتراه يُخلـيهـا ومـا يدري

 

أبصرته فسكرت من نـظـر

 

والموت قبل أفيق من سكري

       

 وله:

فؤاد مدنف وحشاً يذوب

 

وداء ما يحس به طبيبُ

وأجفان جفاها النوم حتى

 

كأن منامها عنها غريب

تداووا بالبكاء وكل دمع

 

له من حر مقلته يذوب

وله:

إن كنت قـدرت الـصـيا

 

م محمد فأعْفِنا من حر آبِ

أو لا فـإنـا مـفـطـرو

 

ن وصابرون على العذاب

وكان بعض بنيه يقول الشعر ويجيد أيضاً وليس كأبيه لأن أباه كان نسيج وحده، ودُوّن شعره.

ومما يستحسن من شعر أبي هلال الأحدب كلمته التي يقول فيها:

فلو أن ما بي بالحصى فلق الحصى

 

وبالريح لم يُسمع لهـن هـبـوبُ

ولو أنني أستغفر الـلـه كـلـمـا

 

ذكرتك لم تكتب عـلـي ذنـوب

تعلتي فـيك بـطـيب الـمـنـى

 

دهراً فعيشـي عـيش كـمـون

في المختصر

لعلني أرعى ثمار المنـى

 

فيك وعيشي عيش كمون

أي سقـام وهـوى فـادح

 

وأي ضر تحت أثـوابـي

وقل لي وصل الذي ارتجي

 

ووصل من علقته ما بـي

في أول ترجمة المعلى الطائي محمد بن صبيح الرملي قال: حدثني ابن أبي زينبة..

تقمص أثواب الرجـال تـمـردا

 

وتأنف من لبس القلادة والشنـفِ

كأن قضيب البان يهتز في الثـرى

 

تأود متنيها على الخصر والردف

لها تيه معشـوق وذلة عـاشـق

 

وفطنة جماش وناظرنا خـشـف

وإقدام ليث وانـخـزال مـؤنـث

 

وقسوة شار حين حكم في الزحف

أراها بعيني ثم أمضي بحـسـرة

 

كأن فؤادي فوق نار من الرضف

تقدمني رجلي إلى البعد، والهـوى

 

يحول وجهي بالتفات إلى خلفـي

فيقول قد أبدلني الله به تلاوة كتابه أختمه في كل يوم وليلة

فتى كانت به الأيام تُزْهى

 

ودنيانا بـه أبـداً تـزيد

وفي الغزل:

رفقاً بقلـبـي يا مـعـذبـتـي

 

رفقاً فليس لظـالـمـي رفـقُ

وإذا رأيتـك لا تـكـلـمـنـي

 

ضاقت علـي الأرض والأُفـقُ

وصير لي حمقي بغالا وغـلـمة

 

وكنت زمان العقل ممتطياً رجلي

وكان أبو العجل من آدب الناس وأحكمهم وأكملهم عقلا وأشعرهم وأظرفهم، عالماً بالنحو والغريب، عارفاً بأيام الناس وأخباره، قد نظر في شيء من الفلسفة، وكان مع هذا مقتراً عليه، فما رأى ذلك استعمل الغفلة والرطازة فلم يحل عليه الحول حتى اكتسب بذلك مالاً كثيراً. ولما صار المتوكل إلى دمشق تلقاه أبو العجل راكباً على قصبة، وفي إحدى رجليه خف وفي الأخرى نعل، وبين يديه غلام بيده غاشية، وعليه دراعة، وعلى رأسه قلنسوة من الطواميز، فنظر إليه المتوكل فتبسم وقال: ويحك جننت بعدنا، فأنشأ يقول:

شه شه على العقلـلِ

 

ما هو من شكلـلـي

صاحبه مفـلـولـس

 

قليل ذي الـحـيلـل

قد استرحـت فـي ال

 

لوام والـعـذلـــل

لما أبالـي مـا الـذي

 

قلت وما قـيل لـي

وحمقي قد صير ذا الع

 

الـم خـولا لـلـي

آمل أن يحـمـلـنـي

 

حمقي على بغـلـل

من عـنـد ذا الــس

 

يد والمنعم المفضلـل

أمير دين الـمـؤمـن

 

ين المتوكـل لِـلِـي

فاستفرغ المتوكل ضحكاً وأمر له بخلعة ووصله بعشرة آلاف درهم. ونقش على خاتمه: حمقت فنبلت.
فإنها لا تعود تتحرك قال إسحاق وليس عندك إلا هذا؟ قال: أو ليس في هذا كفاية؟ قال: فأمر إسحاق بتخليته وعلم أنه ممن لا يرعوي ولا يرجع عما هو عليه.

لكنت تضحك حتى

 

تمسك البططنَّـه

ومن مجونه:

ألا قل لمن طـلـب

 

دوا جيداً عـجـب

إذا أصابك الجـرب

 

مع الويل والحَرَب

أبو العباس يعطـيك

 

دواء ليس يشفـيك

تداوي به الأضراس

 

وللرجل وللـراس

وللكلى والطـحـال

 

وللحلق والسعـال

وللأنثى إذا بـالـت

 

وللحمى إذا طالـت

وللنقرس في الرجل

 

وللنقصان في العقل

وهو لكل الأوجـاع

 

إذا أصابك الصداع

فإن كان بك السـلّ

 

...............

فخذ كف عقاقرحـا

 

وما طاف به الأرحا

وخذ أدمغة الـفـار

 

ودوّارة الحـمـار

وخذ طرق طبرُويَه

 

ومن شعره علـويه

فإن كانوا يبـولـون

 

فمن هذا يروثـون

ومما اخترناه قوله: في المختصر مما يستحسن من شعر ابن العلاف كلمته في علي بن محمد يمتدحه:

يتلـقـى الـنـدى بـوجـه حـيي

 

....................................

هكـذا هـكـذا تــكـــون..

 

 

وله أيضاً كلمته يمدح بها المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي :

تزينــك خـــلات..

 

وفتى ناداك من كرب

 

أشعلت أحشاؤه حـرقـا

غرقت في الدمع مقلـتـه

 

فدعا إنسانها الـغـرقـا

ما لمن تمت محـاسـنـه

 

أن يعادي طرف من عشقا

لك أن تبدي لنا حـسـنـاً

 

ولنا أن نعمل الـحـدقـا

كان ابن أبى حكيم يحلق لحيته كلها، ومنزله عندنا بالشرقية ومما يستحسن له أيضاً قوله: في المختصر، ومما يستحسن من شعره قديماً قبل أن يأخذ في الزهد.

وأبطأت عـنـه بـالإسـاءة إنـه

 

إلى كل أمـر شـائن لـسـريع

فإن تجزني بالوصل فالوصل متعتي

 

وإلا فإنـي سـامـع ومـطـيع

كذبت في نفسك خاصة فأما أبوك فلعمري، إنه اشعر أهل زمانه.

فلما أصبح مات. في المختصر: فما بقي ذلك إلا خمسة أيام حتى مات.

أن اخترت علي مائة ألف درهم فزهدت في صحبتي قبح الله دهراً ألجأك إلى هذا، فقال محمود: أعيدي كلامك، فأعادت كلامها، فقال: أشهدكم أنها حرة.

ولم نر مالكاً أجـدى عـلـيه

 

كما أجدى على النرسي شعبه

قال وكان أحمد بن المعذل هذا من أقصد الناس هدياً وسمتاً، وأكفّ الناس عن أذى الناس، وأتقاهم وأصونهم لدينه وعرضه، وكان عبد الصمد المعذل من الزهو الكبر وذهابه بنفسه في أمر لا ينادي وليده، وكان بذيء اللسان هجاءً يؤذي الناس حتى أقاربه وإخوانه وجيرانه، وكان من اشعر الناس وأفصحهم لساناً وأبينهم كلاماً، وكان الناس يتقون لسانه ويجانبونه ويبغضونه، وكانوا يودون أخاه أحمد، وكان ذلك مما يزيده غيظاً ويحمله على أن يقع في كل من يصاحب أخاه أحمد.


ومما اخترناه له من شعر قوله: يمتدح بها أبا عمرو الرومي واسم أبي عمرو محمد:

إني جعلتك يا محمد مفـزعـا

 

 

من كان في هدم المكارم شغله

 

 

ويستحسن من شعره كلمته في الغزل

إذا كان قلبـك لـي وامـقـا

 

لِمْ يلعب الهجر بي في الوسط

ستندم إن ذقت حلو الوصـال

 

من الهجر يوماً على ما فرط

وكان جيد الشعر مليح المعاني صاحب نظر.

قد دونت أشعاره وكان مدح سبعة من الخلفاء. وعاش إلى أيام المتوكل وأدركته أنا ولم يُفقَد من فهمه شيء، وهذه اللقية الثانية أيام المتوكل وكان المتوكل يحسن إليه..

فصب في الكوب صافية

 

.......................

وأشعار أبي حيان في الخمر والمجون كثيرة حلوة.

لو يرد الطرف لحظته

 

في صفاء ماؤها نبعا

في هامش المختصر ، وهو الذي يقول:

تولى زمان بين المحـصـنـات

 

وجاء زمان بـنـي الـزانـية

ما اعـتـذاري عـنـده فــي

 

ك وقـد صـرت شـعــاره

صرت كالـهـدب الـمـدلـى

 

بعـد حـسـن وغـضــاره

ليس يحـظـى بـك يومـــاً

 

زائر عـنـــد الـــزيارة

ولكن أبـي كـان جـاراً لأمـه

 

فلما روى الأشعار أوهمني أمرا

قال: وأما يحيى بن أبي السمط. فسماه المتوكل محموداً، ويحيى الذي يقول في المتوكل.

إن الظباء ظباء همها الـسـخـب

 

ترعى القلوب وفي قلبي لها عشُبُ

هن الظباء اللواتي لا قرون لـهـا

 

وحليها الدر والياقوت والـذهـب

لم يذكر المختصر في البحتري غير ما يأتي: حدثني إبراهيم بن عمر قال: كتب وكيل البحتري من منبج يعلمه إن العامل قد تحامل عليه في خراجه، وعارضه فيما أقطعه السلطان بما يكره وإنه أدخله في جملة أهل البلد في التقسيط- قال: وللبحتري ضياع جليلة بمنبج وغلة كثيرة- فقامت على البحتري القيامة، وصار إلى ديوان عبيد الله، والعمال والكتاب مجتمعون، فشكا إليهم ما كتب به وكيله، فقال له بعض العمال: تحتاج إلى بذل لنكتب لك إلى العامل هناك أن يجري ضياعك على ما لم تزل. فانشأ البحتري يقول:

أمُرتجع مـنـي حـبـاءُ خـلائف

 

توليت تسيير المديح لهـم وحـدي

ولم يحتمل إلا الذي قلـت فـيهـمُ

 

وإن رفدوا قوماً وزادوا على الرفد

وما لي وللتقسيط إذ تكتـبـونـنـي

 

وتكتب قبلي جلة القوم أو بـعـدي

سبيلي أن أعطي الذي تسألونـنـي

 

وحكمي أن يجدي علي ولا أجـدي

وإن أُخذ الإيغـار أخـذ صـريمة

 

ودارت على الإقطاع دائرة الـرد

فردوا القوافي السائرات التي مضت

 

وما ضمنت من مأثرات ومن مجد

وشرخ شباب قد نـضـوت جـديده

 

إليكم كما ينضو الفتى سمل البـرد

أحد المتكلمين المتقدمين واسم العطوي محمد بن أبي عطية.

التي كنت تظهرها أيام حياته كان أكثرها نفاقاً قال: لم؟ قال: لقعودك عن زيارة قبره وتركك ما عليه أهل مودته من المواظبة على ذلك..

وإني لأستحيبك والترب بينـنـا

 

كما كنت أستحيي وأنت تراني

اعت بهجري وصد ما شـيتـا

 

واجعل نصيبي في الكرى قوتا

وأعطِ في الحسـود مُـنـيتـه

 

منك وشملي فزده تشـتـيتـا

بدر يلوح على غصن يجاذبـه

 

ردف يمور إذا ما اهتز ريانا

لم يخلق الله من وجه يعـادلـه

 

أستغفر الله إذا أغفلت حمدانـا

يغتصب العشاق ألـبـابـهـم

 

فكان مما قد حار لي لـبـي

فرحت مغصوباً علـى لـبـه

 

مشمراً في حـاجة الـحـب

تلاحظه العيون بـكـل وجـه

 

ولكن لا سبيل إلى التـلاقـي

يتيه بـصـدره رمـان ثـدي

 

على عكن تفتح عن نـطـاق

أضاف المختصر لأبي العيناء ما يأتي: ومما يستحسن من شعر أبي العيناء:

إذا أنت لم ترسل وجئتُ فلم أصل

 

ملأت بعذري منك سمع لبـيبِ

أتيتك مشتاقاً فلـم أر جـالـسـاً

 

ولا ناظراً إلا بعين غـضـوب

كأني غريم مقتض وكـأنـنـي

 

طلوع رقي أو نهوض حبـيب

ومما يستحسن له: في المختصر: قال: ومما يستحسن من شعر محمد بن عروس كلمته في صاعد بن مخلد من أبيات:

لما قرنتك في الجياد مجـربـاً

 

سبقوا وجئت رسيل كلبك قاعدا

خفض عليك فلو كسـاك رداءه

 

تموز كنت فتى وحقك بـاردا

أظننت أن الملك يطرح حبلـه

 

...........................

لعب الفحول بثفرها وعجانهـا

 

........................

قولا له يا بن الحمار أما تـرى

 

في العطن منك شمائل البغـل

وكان شاعرة مفلقة مطبوعة وكانت تتبع آثار الشعراء فتخرج منها موضع خطئهم وغلطهم وتعرضه على المأمون، وكانت من أظرف الناس وأسرعهم نادرة، وكان المأمون يعشقها وهي عند مولاها ابن المراكبي، ولها حديث في غرامها أيام شبابها لم نودعه كتابنا هذا لشناعته.

وانحرافاً عن آل الرسول عليهم السلام، لا يمكنه أن يسمع بذكر علي ابن أبي طالب عليه السلام.