مقدمة الحكواتي

علي بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف بعز الدين علي بن الأثير

المولود بالعراق عام 1160 م والمتوفي عام 1232م



ولد علي بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف بعز الدين علي بن الأثير بجزيرة ابن عمر قرب الموصل بالعراق. عني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم استكمل دراسته بالموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، وأقامت بها إقامة دائمة. سمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي، وتردد على حلقات العلم التي كانت تُعقد في مساجد الموصل ومدارسها. وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج، فيعرّج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصدمي. رحل إلى الشام وسمع من شيوخها، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف.

درس ابن الأثير في رحلاته هذه الحديث والفقه والأصول والفرائض والمنطق والقراءات لأن هذه العلوم كان يجيدها الأساتذة المبرزون ممن لقيهم. غير أنه اختار فرعين من العلوم وتعمق في دراستهما هما: الحديث والتاريخ، حتى أصبح إماماً في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، حافظاً للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، خبيراً بأنساب العرب وأيامهم وأحبارهم، عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة. وعن طريق هذين العلمين بنى ابن الأثير شهرته في عصره، وإن غلبت صفة المؤرخ عليه حتى كادت تحجب ما سواها. والعلاقة بين التخصصين وثيقة جدا. فمنذ أن بدأ التدوين ومعظم المحدثين العظام مؤرخون كبار، مثل الإمام الطبري، الذي جمع بين التفسير والفقه والتاريخ، والإمام الذهبي الذي كان حافظا متقنا ومؤرخا عظيما. وكذلك كان الحافظ ابن عساكر بين هاتين الصفتين..

توافرت لابن الأثير المادة التاريخية التي استعان بها في مصنفاته، بفضل صلته الوثيقة بحكام الموصل، وأسفاره العديدة في طلب العلم، وقيامه ببعض المهام السياسية الرسمية من قبل صاحب الموصل، ومصاحبته صلاح الدين في غزواته ومدارسته الكتب وإفادته منها، ودأبه على القراءة والتحصيل. ثم عكف على تلك المادة الهائلة التي تجمعت لديه يصيغها ويهذبها ويرتب أحداثها حتى انتظمت في أربعة مؤلفات، جعلت منه أبرز المؤرخين المسلمين بعد الطبري. وهذه المؤلفات هي:

- الكامل في التاريخ، وهو في التاريخ العام.

- التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، وهو في تاريخ الدول. وقصد بالدولة الأتابكية الدولة التي أسسها عماد الدين زنكي في الموصل سنة 521هـ / 1127م وهي الدولة التي عاش في كنفها ابن الأثير.

- أسد الغابة في معرفة الصحابة، وهو في تراجم الصحابة.

- اللباب في تهذيب الأنساب، وهو في الأنساب.

بذلك يكون ابن الأثير قد كتب في أربعة أنواع من الكتابة التاريخية، وسنتعرض لاثنين منهما بإيجاز واختصار.