مقدمة الحكواتي ومقدمة الكتاب

المسالك والممالك

أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبة

المولود عام 820م والمتوفي عام 912م

 

أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبة.  مؤرخ وجغرافي اشتهر بكتابه الجغرافي كتاب المسالك والممالك، الذي وصف فيه المسافات بين البلدان وقد عمل في خدمة الخليفة العباسي المأمون.

بسم الله الرحمن الرحيم

أطال الله تعالى بقاءك يا ابن السادة الأخيار والأئمة الأبرار منار الدين وخيرة الله من الخلق أجمعين وأدام الله لك السعادة وكثر لك الزيادة من جميع الخيرات ووفقك لسبيل الصالحات وجعلك ممن ارتضى أفعاله وزين أحواله. فهمت الذي سألت أفهمك الله جميع الخيرات وأسعدك إلى الممات وأفلح في الدارين سهمك ووفر فيهما قسمك من رسم إيضاح مسالك الأرض وممالكها وصفتها وبعدها وقربها وعامرها وغامرها والمسير بين ذلك منها من مفاوزها وأقاصيها ورسوم طرقها وطسوقها على ما رسمه المتقدمون منها فوجدت بطليموس قد أبان الحدود وأوضح الحجة في صفتها بلغة أعجمية فنقلتها عن لغته باللغة الصحيحة لتقف عليها وقد رسمت رسم لك فوز الحق في جميع مأمولك ومطالبك ما رجوت أن يكون محيطاً بمطلوبك وآتياً على إرادتك كالمشاهد لما نأى والخبر بما قرب وصنعته كتاباً افتتحته بالحمد لله ذي العزة المنيعة والنعمة السابغة الذي أنشأ الخلق على ما أراد وبين سبيل الحق للعباد لم تشركه في خلقه الآراء المتوهمة ولا ظنون الرؤيات تعالى الله عما يشركون وصلى الله على محمد نبيه وعلى الأخيار من عترته وسلم كثيراً.

هذا كتاب فيه صفة الأرض وبنية الخلق عليها وقبلة أهل كل بلد والممالك والمسالك إلى نواحي الأرض، تأليف أبي القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبة مولى أمير المؤمنين قال أبو القاسم: صفة الأرض أنها مدورة كتدوير الكرّة، موضوعة في جوف الفلك كالمحّة في جوف البيضة، والنسيم حول الأرض، وهو جاذب لها من جميع جوانبها إلى الفلك، وبنية الخلق على الأرض أن النسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل لأن الأرض بمنزلة الحجر الذي يجتذب الحديد، والأرض مقسومة بنصفين بينهما خط الاستواء وهو من المشرق إلى المغرب وهذا طول الأرض وهو أكبر خط في كرّة الأرض كما أن منطقة البروج أكبر خط في الفلك وعرض الأرض من القطب الجنوبيّ الذي يدور حوله سهيل إلى القطب الشماليّ الذي يدور حوله بنات نعش، فاستدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة والدرجة خمسة وعشرون فرسخاً والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع والذراع أربع وعشرون إصبعاً والإصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض يكون ذلك تسعة آلاف فرسخ، وبين خط الاستواء وبين كل واحد من القطبين تسعون درجة اصطرلابية واستدارتها عرضاً مثل ذلك إلا أن العمارة في الأرض بعد خط الاستواء أربع وعشرون درجة ثم الباقي قد غمره البحر الكبير، فنحن على الربع الشماليّ من الأرض والربع الجنوبيّ خراب لشدة الحر فيه والنصف الذي تحتنا لا ساكن فيه، وكل ربع من الشماليّ والجنوبيّ سبعة أقاليم وذكرّ بطلميوس في كتابه أن مدن الأرض على عهده كانت أربعة آلاف ومائتي مدينة.