ومن عجائب الأرض

   نار بسِقلّيَة بالأندلس وبالهند تشتعل في حجارة إن رام أحد أن يحمل منها شعلة لم تتَّقد، وانه ليس بسقلية النمل الكبار الذي يسمى فرسانا، ولا في بلاد قرطبة قردة لكثرة السباع بها.  

وفي بلاد الروم على بحر الخزر بلاد تدعى المستطلة المطر بها دائم الشتاء والصيف لايقدر أهلها على دياس زروعهم وتذريتها وإنما يجمعونها في البيوت في السنبل فيخرجون منها بقدر حاجتهم فيفركونه بالأيدي ثم يطحن ويخبز، وفي بلادهم بزاة كثيرة في كثرة الغربان عندنا إنما هي أقاطيع وليس يقدرون مع كثرتها على اتخاذ الدجاج.

وأهل الحجاز واليمن يمطرون الصيف كله ويخصبون في الشتاء، فمطر صنعاء وما والاها حزيران وتموز وآب وبعض إيلول من الزوال إلى المغرب يلقى الرجل الرجل نصف النهار فيكلّمه فيقول عجّل قبل الغيث لأنه لا بدّ من المطر في هذه الأيام. ومن العجائب بيتان وجدا بالأندلس عند فتحها في مدينة الملوك ففتح احد البيتين وهو بيت الملوك فوجد فيه أربعة وعشرون تاجاً عدّة ملوكهم لايدرى ما قيمة التاج منها وعلى كل تاج اسم صاحبه ومبلغ سنّه وكم ملك من السنين، ووجد في هذا البيت مائدة سليمان بن داوود عليهما السلام، ووجد على البيت الآخر أربعة وعشرون قفلاً، كان كل ملك واحد منهم زاد عليه قفلاً، ولا يدرون ما في البيت حتّى ملك لُذريق وهو آخر ملوكهم فقال لا بدّ لي من أن أعرف ما في هذا البيت وتوهّم  أن فيه مالاً وجوهراً، فاجتمعت إليه الأساقفة والشمامسة فإعظموا ذلك عليه وسألوه أن يأخذ بما فعلت الملوك قبله فأبى إلاّ أن يفتحه، فقالوا أنظر ما يخطر على بالك من مال تراه فيه فنحن نجمعه لك وندفعه إليك ولا تفتحه، فعصاهم وفتح الباب فإذا في البيت تصاوير العرب على خيولهم بعمائمهم ونعالهم وقسيّهم ونبلهم، فدخلت العرب بلدهم في السنة التي فتح فيها ذلك الباب.

ووجد قتيبة بن مسلم بمدينة تدعى بَيْكَند قدوراً عظاماً يُصعد إليها بسلاليم.

وهذه دائرة صوّرتها الحكماء على شكل الدنيا وأظهروا للعيان ان الله نعالى بلطف تدبيره جعل تمازج هذه الطبائع الأربع من أطرافها وحواشيها التي تشاكل بعضها بعضاً كامتزاج الحرّ بالحرّ والبرد بالبرد على ما في هذا الشكل حتى خلق منها هذا العالم مع ما بينهما من التعادي والتضادد.

الحمد لله كثيرا

جميع ما في هذا الربع حار رطب طبع الهواء والدم والربيع والصبا وله المشرق وريحه الجنوب وساعته الأولى والثانية والثالثة ومن قوى البدن القوة الطبيعية الهاضمة ومن المذاقات الحلاوة ومن الكواكب القمر والزهرة ومن البروج الحمل والثور والجوزاء.

وعليه توكلت

جميع ما في هذا الربع حار يابس طبع النار والمرّة الصفراء والصيف والشباب والتيمن وريحه الصبا وساعاته الرابعة والخامسة والسادسة ومن قوى البدن القوة النفسانية والحيوانية ومن المذاقات المرارة ومن الكواكب المريخ والشمس ومن  البروج السرطان والأسد والسنبلة.

بالله الاستعانة

جميع ما في هذا الربع بارد ورطب طبع الماء والبلغم والشتاء والكبر والمغرب وريحه الدبور وساعاته العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة ومن المذاقات ما أشبه المالح ومن الكوكب المشتري وعطارد ومن البروج الجدي والدلو والحوت ومن القوى الدافعة.

وإليه الرغبة

جميع ما في هذا الربع بارد يابس طبع الأرض والمرة السوداء والخريف والاكتهال والجربى وريحه الشمال وساعاته السابعة والثامنة والتاسعة ومن القوىالماسكة ومن المذاقات القابضة ومن الكواكب زحل ومن البروج الميزان والعقرب والقوس.

ومن عجائب البنيان

الهرمان بمصر، سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع كلما ارتفع دقّ وهما رخام ومرمر، والطول أربعمائة ذراع في عرض أربعمائة ذراع بذراع الملك، مكتوب عليهما بالمسند كل سحر وكل عجيب من الطبّ والنجوم، ويقال والله أعلم أنهما من بناء بطلميوس القلوذيّ الملك ومكتوب عليهما إني بنيتهما فمن كان يدّعي قوة في ملكه فليهدمهما فإن الهدم أيسر من البناء وإذا خراج الدنيا لا يقوم بهدمهما، قال وإلى جانب الهرمين عشرة أهرام أصغر منهما، قال فحدّثني إسماعيل بن يزيد المهلّبي كاتب لؤلؤ غلام ابن طولون قال خرجنا مع أبي عبد الله الواسطي كاتب أحمد بن طولون إلى هرم من الأهرام الصغار ومعنا فعلة فوجدنا مقدار سطحه مَربِض عشرة أبعرة فتقدم بقلعه فقلع الساف الأول من حجارة فأفضى إلى رمل مكسّر ثم قلع الساف الثاني فأفضى إلى الساف الثالث وفيه كوى منقورة فقلع الساف الثالث فنزل إلى صحن يكون مقداره أربعين ذراعاً في أربعين ذراعاً وفيه أربع نيمخانجات قبليّة وشرقيّة وغربيّة وجنوبيّة وهي مسدودة بأبواب شَبَحات حجارة ففتحنا الشرقيّة فوجدنا فيها جرّة جزْع لها رأس جزع على صورة خنزير مملوءة مومياي، وفتحنا الغربيّة والجنوبيّة فوجدنا في كل واحد مثل ما وجدنا في الشرقيّة، إلاّ أن صور رءوس الجرار تختلف، وكان في الصحن ثلاثمائة وستون تمثالاً على صور الناس شبيه بالمكفّرة، ثم فتحت النيمخانجة القبلية فوجدنا فيها جُرناً من حجر أصمّ أسود مطبق بمثله فعالجنا فتحه فكان مسدوداً برصاص، فأوقدنا عليه حتى ذاب الرصاص وفتحنا فإذا فيه شيخ ميت وتحت رأسه لوح من جزع أبيض وقد صدّعه النار التي اوقدنا على الجرن ولوّحت أثواباً كانت على الميّت فأخذنا اللوح وألفناه فوجدنا في جانب منه صورتين من ذهب إحداهما صورة رجل بيده حيّة والأخرى صورة رجل على حمار بيده عكاز، وفي الجانب الآخر صورة رجل على ناقة بيده قضيب فأخذنا ذلك أجمع وصرنا به إلى أحمد بن طولون فدعا بصانع فألف اللوح وأجمعنا على أن الصور موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين، وأخذ إحدى الجرار وأعطى أبا عبد الله الكاتب جرّة واحدة وأعطاني واحدة فصرت بها إلى منزلي فأخذت عوداً فحركت المومياي الذي فيها فجعل يتنفس بشيء فلم أزل أحتاله حتى أخرجته فإذا هو حواشي ثياب تدرج بعضها إلى بعض فجعلت أنشرها حتى انتهيت إلى قطعة من جلد ثور كانت تلك الحواشي ملفوفة عليها فنشرتها فلما بلغت إلى آخرها نقّطت منها نقطة دم، فلا أدري ما كان ذلك والله أعلم.

وبناء رومية والإسكندريّة يقال أنها بنيت في ثلاثمائة سنة، وأن أهلها مكثوا سبعين سنة لا يمشون فيها بالنهار إلاّ بخِرَقٍ سود مخافة على أبصارهم من شدة بياض حيطانها، ومنارتها العجيبة على سرطان من زجاج في البحر، وكان فيها سوى أهلها   ستمائة ألف من اليهود خولاً لأهلها.

ومنف مدينة فرعون التي كان ينزلها واتخذ لها سبعين باباً، وجعل حيطان المدينة بالحديد والصفر، وفيها كانت الأنهار التي  تجري من تحت سريره وهي أربعة .

وملعب فامية وتدمر وبعلبكّ ولدّ وباب جيرون.  

وأسطوانتان بعين شمس من أرض مصر من بقايا أساطين كانت هناك، في رأس كل أسطوانة طوق من نحاس بقطر من إحداهما ماء من تحت الطوق إلى نصف الأسطوانة لا يجاوزه ولا ينقطع قطره في ليل ولا نهار، فموضعه من الأسطوانة  أخضر رطب ولا يصل الماء إلى الأرض، وهو من بناء هوشهَنْك.

وقلعة سوس الأهواز وهي قلعة فوق قلعة ومثلها على بنائها قلعة السوس الأقصى وهما أيضاً من بناء هوشهَنك.  

والروم تقول ما من بناء بالحجارة أبهى من كنيسة الرُّها ولا بناء بالخشب أبهى من كنيسة مَنبج لأنها بطاقات من خشب العُنّاب، ولا بناء بالرخام أبهى من قُسيان أنطاكية، ولا بناء بطاقات الحجارة أبهى من كنيسة حمص، وأنا اقول ما بناءٌ بالجصّ  والآجرّ أبهى من إيوان كسرى بالمدائن، قال البحتري:  

كأنَ الإيوان من عَجَب الصَّنعة جَوْبٌ في جنبِ أرعنَ جَلْسِ  

مُشْمَخِرٌّ تعلو له شُرُفاتٌ

 

رُفِـت فـي رؤوسِ رَضْـوى وقُـدْسِ

لَيْسَ يُدرَى أصـنـعُ إنـسٍ لجِـنٍ

 

سكنـوه أمْ صُـنْـعُ جـنٍّ لإنــسِ

 وخَوَرْنَق بهرام جور بالكوفة، قال الشاعر:  

وبنت مجدها قبائلُ قحطا

 

نَ وأقوالُها بَبهرامِ جُورِ

 وبإيوانه الخَوَرْنَـق فـيهـم

 

عرَفوا رسمَ مُلْكِهم والسَّدير

 ولا بناء بالحجارة أحكم ولا أبهى من شاذروان تُستر لأنه بالصخر وأعمدة الحديد وملاط الرصاص.وجَوب شِبداز هو نقرة  في الجبل وردم ياجوج وماجوج.

صفة سدّ ياجوج وماجوج  

 فحدّثني سلاّم الترجمان أن الواثق بالله لما رأى في منامه كأن السدّ الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين ياجوج وماجوج قد انفتح،  فطلب رجلاً يخرجه إلى الموضع فيستخبر خبره فقال أشناس ما هاهنا أحد يصلح إلا سلاّم الترجمان وكان يتكلم بثلاثين لسانا، قال فدعا في الواثق وقال أريد أن تخرج إلى السد حتى تعاينه وتجيئني بخبره، وضمّ إلى خمسين رجلاً شباب أقوياء ووصلني بخمسة آلاف دينار وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم وأمر فأعطى كل رجل من الخمسين ألف درهم ورزق سنة، وأمر أن يهيَّأ للرجال اللبابيد وتغشى بالأديم، واستعمل لهم الكستبانات بألفراء والركب الخشب وأعطاني مائتي بغل لحمل الزاد والماء، فشخصنا من سرّ من رأى بكتاب من الواثق بالله إلى إسحاق بن اسماعيل صاحب إرمينية وهو بتفليس في إنفاذنا وكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللاّن، وكتب لنا ملك اللاّن إلى فيلان شاه، وكتب لنا فيلان شاه إلى طَرخان ملك الخزر، فأقمنا عند ملك الخزر يوماً وليلة حتى وجّه معنا خمسة أدلاّء، فسرنا من عنده ستة وعشرين يوماً فانتهينا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة وكنا قد تزوّدنا قبل دخولها خلاًّ نشمّه من الرائحة المنكرّة، فسرنا فيها عشرة أيام، ثم صرنا إلى مدن خراب فسرنا فيها عشرين يوماً، فسألنا عن حال تلك المدن فخُبّرنا أنها المدن التي كان ياجوج وماجوج يتطرّقونها فخرّبوها، ثم صرنا إلى حصون بالقرب من الجبل الذي في شعبة منه السدّ، وفي تلك الحصون قوم يتكلمون بالعربية وألفارسية مسلمون يقرؤون القرآن لهم كتاتيب ومساجد فسألونا من أين أقبلنا فأخبرناهم أنا رسل امير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون أمير المؤمنين؟ فنقول: نعم، فقالوا: شيخٌ هو أم شاب؟ فقلنا: شابٌّ، فعجبوا أيضاً فقالوا: أين يكون؟ فقلنا بالعراق في مدينة يقال لها سرّ من رأى، فقالوا ما سمعنا بهذا قطّ، وبين كل حصن من تلك الحصون إلى الحصن الآخر فرسخ إلى فرسخين أقل أو أكثر، ثم صرنا إلى مدينة يقال لها إيكة تربيعها عشرة فراسخ ولها أبواب حديد يرسل الأبواب من فوقها، وفيها مزارع وأرحاءٌ داخل المدينة وهي التي كان ينزلها ذو القرنين بعسكرّه بينها وبين السد مسيرة ثلاثة أيام وبينها وبين السد حصون وقرى حتى تصير إلى السد في اليوم الثالث، وهو جبل مستدير ذكرّوا أن ياجوج وماجوج فيه وهما صنفان، ذكرّوا أن ياجوج أطول من ماجوج ويكون طول أحدهم ما بين ذراع إلى ذراع ونصف وأقل واكثر، ثم صرنا إلى جبل عالٍ عليه حصن، والسدُّ الذي بناه ذو القرنين هو فجٌّ بين جبلين عرضه مائتا ذراع وهو الطريق الذي يخرجون منه فيتفرقون في الأرض فحفر أساسه ثلاثون ذراعاً إلى أسفل وبناه بالحديد والنحاس حتنى ساقه إلى وجه الأرض ثم رفع عضادتين مما يلي الجبل من جنبتي ألفجّ عرض كل عضادة خمس وعشرون ذراعاً في سمك خمسين ذراعاً، الظاهر من تحتهما عشر أذرع خارج الباب وكلّه بناء بلبن من حديد مغيّب في نحاس تكون اللبنة ذراعاً ونصفا في ذراع ونصف في سمك أربع أصابع ودرْوَنْد حديد طرفاه على العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعاً قد رُكّب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشر أذرع في عرض خمس أذرع وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد في النحاس إلى رأس الجبل وارتفاعه مدّ البصر يكون البناء فوق الدروند نحواً من ستين ذراعاً وفوق ذلك شُرَف حديد في طرف كل شرفة قرنتان تنثني كل واحدة منهما على الأخرى، طول كل شرفة خمس أذرع في عرض أربع أذرع وعليه سبع وثلاثون شرفة، وإذا باب حديد مصراعين معلّقين عرض كل مصراع خمسون ذراعاً في ارتفاع خمس وسبعين ذراعاً في ثخن خمس أذرع، وقائمتاهما في دوّارة على قدر الدروند، ولا يدخل من الباب ولا من الجبل ريح كأنه خُلق خلقة، وعلى الباب قفل طوله سبع أذرع في غلظ باع في الإستدارة، والقفل لا يحتضنه رجلان، وارتفاع القفل من الأرض خمس وعشرون ذراعاً، وفوق القفل بقدر خمس أذرع غَلَقٌ طوله أكثر من طول القفل وقفيزاه كل واحد منهما ذراعان وعلى الغلق مفتاح معلّق طوله ذراع ونصف وله اثنتا عشرة دندانكة كل دندانكَة في صفة دَسْتَج الهواوين، واستدارة المفتاح أربعة أشبار معلّق في سلسلة ملحومة بالباب طولها ثماني أذرع في استدارة أربعة أشبار، والحلقة التي فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق، وعتبة الباب عرضها  عشر أذرع في بسط مائة ذراع سوى ما تحت العضادتين والظاهر منها خمس أذرع، وهذه الذراع كلها بالذراع السوداء، ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع في مائتي ذراع وعلى باب هذين الحصنين شجرتان، وبين الحصنين عين عذبة وفي أحد الحصنين آلة البناء التي بني بها السدّ من القدور الحديد والمغارف الحديد على كل ديكدان أربع قدور مثل قدور الصابون وهناك بقية من اللبن الحديد قد التزق بعضه ببعض من الصّدأ، ورئيس تلك الحصون يركب في كل يوم إثنين وخميس وهم  يتوارثون ذلك الباب كما يتوارث الخلفاء الخلافة، يجيء راكباً ومعه ثلاثة رجال على عنق كل رجل مرزبّة ومع الباب درجة فيصعد على اعلى الدرجة فيضرب القفل ضربة في أول النهار فيسمع لهم جلبة مثل كور الزنابير ثم يخمدون، فإذا كان عند الظهر ضرب ضربة أخرى ويصغي بإذنه إلى الباب فتكون جلبتهم في الثانية أشدّ من الأولى، ثم يخمدون فإذا كان وقت العصر ضرب ضربة أخرى فيضجّون مثل ذلك ثم يقعد إلى مغيب الشمس ثم ينصرف، الغرض في قرع القفل أن يسمع من وراء الباب فيعلموا أن هناك حفظة ويعلم هؤلاء أن هؤلئك لم يحدثوا في الباب حدثاً. وبالقرب من هذا الموضع حصنٌ كبير يكون عشرة فراسخ في عشرة فراسخ تكميره مائة فرسخ. قال سلاّم: فقلت لمن كان بالحضرة من أهل الحصون هل عاب من هذا الباب شيء قطّ؟ قالوا ما فيه إلاّ هذا الشقّ، والشق كان بالعرض مثل الخيط دقيق، فقلت مخشون عليه شيئاً، فقالوا: لا، إن هذا الباب ثخنه خمس أذرع بذراع الإسكندر يكون ذراعاً ونصفاً بالأسود كل ذراع واحدة من ذراع الإسكندر، قال فدنوت وأخرجت من خُفّي سكّيناً فحككت موضع الشق فأخرج منه مقدار نصف درهم وأشدّه في منديل لأُريه الواثق بالله، وعلى فرد مصراع الباب الأيمن في أعلاه مكتوب بالحديد باللسان الأول: فإذا جاء وعدُ ربّي جعلهُ دكّاءَ وكان وعدُ ربّي حقّا. وننظر إلى البناية وأكثره مخطط ساف أصفر من نحاس وساف أسود من حديد، وفي الجبل محفور الموضع الذي صُبّ فيه الأبواب وموضع القدور التي كان يخلط فيها النحاس والموضع الذي كان يغلى فيه الرصاص والنحاس وقدور شبيهة بالصفر لكلّ قدرٍ ثلاث عرى فيها السلاسل والكلاليب التي كان يمدّ بها النحاس إلى فوق السور، وسألنا من هناك هل رأيتم من ياجوج وماجوج أحداً؟ فذكرّوا أنهم رأوا مرّة عدداً فوق الجبل فهبّت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل في رأي العين شبراً ونصفا، والجبل من خارج ليس له متن ولا سفح ولا عليه نبات ولا حشيش ولا شجرة ولا غير ذلك، وهو جبل مسلَنْطِح قائم أملس أبيض. فلما انصرفنا أخذ الأدلاّء بنا إلى ناحية خراسان، وكان الملك يسمى اللبّ، ثم خرجنا من ذلك الموضع وصرنا إلى موضع ملك يقال له طبانُوَين وهو صاحب الخراج، فأقمنا عندهم أياماً وسرنا من ذلك الموضع حتى وردنا سمرقند في ثمانية أشهر، ووردنا على أسبيشاب وعبرنا نهر بلخ ثم صرنا إلى شروسنة وإلى بخارا وإلى تِرمذ ثم وصلنا إلى نيسابور، ومات من الرجال الذين كانوا معنا ومن مرض منهم في الذهاب اثنان وعشرون رجلاً من مات منهم دُفن في ثيابه ومن مرض خلّفناه مريضاً في بعض القرى، ومات في المرجع أربعة عشر رجلاً، فوردنا نيسابور ونحن أربعة عشر رجلاً وكان أصحاب الحصون زوّدونا ما كفانا، ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر فوصلني بثمانية آلاف درهم ووصل كل رجل معي بخمسمائة درهم، وأجرى للفارس خمسة دراهم وللراجل ثلاثة دراهم في كل يوم إلى الريّ، ولم يسلم من البغال التي كانت معنا إلاّ ثلاثة وعشرون بغلاً، ووردنا سرّ من رأى فدخلت على الواثق فأخبرته بالقصة وأريته الحديد الذي كنت حككته من الباب فحمد الله وأمر بصدقة يُتصدّق بها، وأعطى الرجال كل رجل ألف دينار، وكان وصولنا إلى السدّ في ستة عشر شهراً، ورجعنا في اثني عشر شهراً وأيام.

فحدّثني سلاّم التّرجمان بجملة هذا الخبر ثم أملاه عليّ من كتاب كان كتبه للواثق بالله.

ومن عجائب طبائع البلدان

أن من دخل التبّت لم يزل ضاحكاً مسروراً من غير سبب يعرفه حتى يخرج منها، وأن من دخل من المسلمين بلاداً في آخر الصين تدعى الشّيلا بها الذهب الكثير استوطنها لطيبها ولم يخرج عنها البتّة، ومن أقام بالموصل حولاً وجد في قوّته فضلاً  بيّنا.  

ومن إقليم بقصبة الأهواز حولا فتفقد عقله وجده ناقصاً ولا يوجد بها أحد له وجنة حمراء والحمّى بها دائمة، وقد ذكرّ الجاحظ أن عدّة من قوابل الأهواز خبّرنه أنهن ربما قبلن المولود فيجدنه محموماً وقد جمعت قصبة الأهواز الأفاعي في جبلها الطاعن في منازلها المطل عليها وفي بيوتها العقارب الجرّارات القتالة وإن الغالية والطيب يتغير بها بعد شهرين وكذلك بأنطاكية، ومن دخل بلاد الزنج فلا بد من أن يجرّب، ومن أطال الصوم بالمصيصة في الصيف هاج به المَرار الأسود وربما جُنّ، ومن سكن البحرين عظم  طحاله، قال الشاعر:    

ومن يسكنِ البحرَيْنِ يَعظُم طِحاله

 

ويُحْسَدُ بما في بطنه وهْو جائعُ

ولهم بُسْرٌ يسمّى النّابجيّ إذا انتبذ وشرب غيّر عرقُه البياض حتى يصفّره، ومن مشى في مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجد  رائحة طيبة عجيبة، وبشيراز من أرض فارس فغمة طيّبة. وقالت الحكماء أحسن الأرض مخلوقة الريّ ولها  السّرّ والسَربان، وأحسنها مصنوعة جرجان، وأحسنها مفروقة طبرستان، وأحسنها مستخرجة نيسابور، وأحسن الأرض قديمة وحديثة جُندَيسابور ولها حسن أنهار، ومرو ولها الرزيق الرفيق والماجان، والغوطة ولها الواديان، ومن دام فيها يأكل البصل أربعين يوماً كَلِفَ وجهه، ونصيبين ولها الهرماس، والصيمرة ولها ما يحوي الحصنان، والبصرة ولها النهران، وفارس ولها شعب بوّان، ومستشرف شهرزور وباكرّخي ولها من هاهنا بستان ومن هاهنا بستان، ونهرٌ في الميان، والمدائن والسوس وتُستُر وهي بين أربعة اودية دّجيل والمسرقان ومهروبان والباسِيان، ونهاوند وأصفهان وبلْخ، وأنزهها وأجمعها طيباً وحسناً مستشرف سمرقند من جبل السُّغد وقد شبّهها حضَين بن المنذر الرقاشيُّ فقال كأنها السماء للخضرة وقصورها الكواكب للإشراق، ونهرها المجرّة للإعتراض وسورها الشمس للأطباق، وقال قُباذ الملك أجود مملكتي فاكهة المدائن وسابور وأرّجان والريّ ونهاوند وحُلوان وماسبَذان.

ومن عجائب استحالة المياه  

جبل باليمن ينبع من قلّته ماءٌ فيسيل على جانبه وقبل أن يصل إلى الأرض يجمد فيضير هذا الشب اليماني الأبيض، ووادٍ  بآذربيجان يجري ماؤه ثم يستحجر فيصير صفائح صخر.  

ومن عجائب الجبال

جبل العَرْج الذي بين مكة والمدينة يمضي إلى الشام حتى يتصل بلبنان من حمص، وسَنير من دمشق ثم يمضي فيتصل بأنطاكية وجبال المصّيصة ويسمى هناك اللّكام ويتصل بجبال ملَطيّة وشِمشاط وقاليقلا إلى بحر الخزر وفيه الباب والأبواب ويسمى هناك القبْق.

حجاب كسرى

وكان كسرى يُحجب من خمسة وجوه يحجب عنه من قدَم من الشام من هيت، ومن قدم من الحجاز من العُذَيب، ومن قدم من فارس من صَريفين، ومن قدم من الترك من حُلوان، ومن قدم من الخزر واللاّن من الباب والأبواب، ويكتب بأخبارهم ويقيمون إلى أن يرد أمره فيهم.  

باب مخارج الأنهار  

مخرج جيحون نهر بلخ من جبال التّبَّب ويمر ببلخ والتّرمذ وخساسك وهي مدينة الكرّدان ولها قرى وآمل وهرامري وفربر وخوارزم حتى يصب في بحر جرجان إلى بحيرة كرّدن.  

ومخرج مِهران نهر السّند من جبال شِقنان، ونهر السند هو شعب نهر جَيحون، وإليه ينسب بعض مملكة الهند، يمرّ بالمنصورة ويصب في البحر الشرقيّ الكبير بعد أن تحمل منه أنهار ببلاد الهند.  

ومخرج الفرات من قاليقلا ويمرّ بأرض الروم ويستمد من عيون كثيرة ويصبّ فيه أرسَناس نهر شمشاط، ويجيء إلى كمْخ ويخرج على ميلين من ملطيّة ويجيء إلى جبلتا حتى يبلغ إلى سميساط فيحمل من هناك السفن والأطواف ويجيء حتى يبلغ السواد فينشعب منه أنهار في سواد بغداد ويصب في دجلة وبعضه يمرّ في الكوفة فيخترق سوادها ثم يصب في دجلة أيضاً  أسفل المدائن.  

ومخرج دجلة من جبال آمد وتمر بجبال السلسلة وتستمد من عيون كثيرة من نواحي إرمينية ثم تمر ببلد ومن ثم تحمل السفن والأطواف وتستمد من الزّابين والنهروان والصّراتين وتصب في البطائح، ثم تصب في دجلة الأبلّة، ثم تصب في البحر   الشرقيّ.

ومخرج الرسّ نهر أرمينية من قاليقلا ويمر بأرّان ويصب فيه نهر أران ثم يمر بورثان حتى يبلغ المجمع وهو مجمع البحرين الذي ذكرّه الله جل وتقدّس فيجتمع هو والكرّ وبينهما مدينة البيلقان فإذا اجتمعا مرّا حتى يصبّا في بحر جرجان.  

ومخرج أسبيذروذ من عند باب مدينة سِيسَر، ومخرج شاه روذ من طالقان الريّ ويجتمعان فيصبان في بحر جرجان.

ومخرج الزّابين من جبال أرمينية ويصبّان في دجلة، يصب الكبير بالحديثة والصغير بالسن، قال ابن مُفرغ:  

إن الذي عاش ختّاراً بذمَّتـهِ

 

ومات عبداً قتيلَ الله بالزّابِ

 ومخرج النهروان من جبال أرمينية ويمر بباب صلوى ويسمّى هناك تامرّا ويستمد من القواطيل فإذا صار بباجسري سمّي النهروان ويصب في دجلة أسفل جَبُل.  

ومخرج الخابور من رأس العين ويستمد من الهرماس ويصب في الفرات بقرقيسيا ومخرج الهرماس من طور عبدين ويصب في الخابور.  

ومخرج البليخ من عين الذهبانة من أرض حرّان ويصب في الفرات أسفل الرقة العوجاء.  

 ومخرج الثرثار من الهرماس ويمر بالحضر ويصب في دجلة.  

ومخرج نيل مصر من جبل القمر باليمن ويصب في بحيرتين خلف خط الإستواء ويطيف بأرض النوبة ويجيء إلى مصر فيصب بعضه بدمياط في البحر الرومي ويشق باقيه الفسطاط حتى يصب أيضاً في البحر الرومي.  

ومخرج دُجَيل الأهواز من أرض أصبهان ويصب في البحر الشرقيّ.  

ومخرج نهر جندَيْسابور الذي عليه قنطرة الزاب من أصبهان أيضاً ويصب في دجيل الأهواز، ومخرج نهر السوس من الدينور ويصب في دجيل الأهواز أيضاً، والمَسْرُقان يحمل من دجيل فوق شاذروان تُسْتَر ويصب في البحر الشرقيّ.  

ومخرج زَرين روذ وادي أصبهان منها ويسقي رساتيقها وهي سبعة عشر رستاقاً ثم يغور في رمل في آخرها ثم يخرج بكرّمان على ستين فرسخاً من الموضع الذي غار فيه فيسقي أرض كرّمان ثم يصب في البحر الشرقيّ وعرف ذلك بقضيب كتب عليه وطرح فيه فخرج بكرّمان.  

ومخرج سَيحان نهر أَذَنة من بلاد الروم ويصب في البحر الرومي.

ومخرج جَيحان نهر المصّيصة من بلاد الروم ويصب في نهر التينات ويستمد من وادي الزنج ويصب في البحر الشأمي أيضاً، ومخرج الأُرُند نهر أنطاكية من أرض دمشق مما يلي طريق البريّة وهو يجري مع الجنوب ويصب في البحر الرومي.  

ومخرج بردى نهر دمشق من ذلك الموضع ويسقي الغوطة ويصب في بحيرة دمشق.

ومخرج قُوَيق نهر حلب من قرية تدعى سُنياب على سبعة أميال من دابق ثم يمر إلى حلب ثمانية عشر ميلاً، ثم يمر إلى قنسرين اثني عشر ميلاً، ثم إلى مرج الأحمر اثني عشر ميلاً، ثم يفيض في الأجمة فمن مخرجه إلى مغيضه اثنان وأربعون   ميلاً.

في قبلة بيت المقدس حجر..

بسم الله الرحمن الرحيم

وحدّث بعض من أثق به لزم بلدان التجارة أن مياهاً وراء جيحون نهر بلخ وأنهاراً عظماء مثل جيحون..شرب وهو نهر يسمى كنكرّ عند أول مملكة شاش ونهر يسمى ترك ونهر يسمى سياوات ونهر يسمى طَرازاب وغيرها مما يجري فيها السفن العظام في الترك إلى منتهى الصين وهي تجري من المشرق إلى المغرب.

وأن أنهار سرخس ومجرى مائها من العيون ونيسابور والري وحد العراق إلى منتهى أول منزل من القادسية على رأس البادية تجري من المغرب إلى المشرق مثل نهر حُلوان ونهر أردبيل ونهر دُبيل ونهر نهروان ودجلة والفرات وكل متفرق منها، وذكرّ أن جيحون من حيث ينشعب بشعبتين مخرجها من جبال الصين وما وراء الصين وأنها تجري في الأحجار العظام والصخر الكبار ما لا يتهيأ إجراء السفينة فيها ولا عبور من لا يعتاده وأن على مسيرة ثلاثة أيام ونصف من مفرقها الذي يجري أحد شعبيها إلى سند وأحد شعبيها جيحون هناك معبرٌ إلى الترك الذين يسمون شِكينة وهم يجهزون من مدينة خُطَّلان إلى رباط يسمى رباط فلان على رأس فرسخ منها ثم يخرجون إلى جبل على شط هذا النهر العظيم ولا يكاد إنسان يمر على ظهر ذلك الجبل إلا العلوج الذين اعتادوا مجازها فهم إذا نزل بهم التجار يكترونهم ليحملوا حمولتهم ومتاعهم على قلة ذلك الجبل وهم يمشون عليها سِكرّاً يحملون مقدار ثلاثين منا كل رجل منهم حتى ينتهوا إلى رأس القلة وإذا اطمأنوا عليها ولهم بينهم وبين أهل الشِكِنان علامات منصوبة يرونهم من هذا الجانب مثال ذلك فإذا رأوا تلك العلامات أيقنوا أن التجار قد نزلوا على رأس القلة وهي طريق مقدار قدم الرجل يمشي بها فإن نزلت التجار قدم علج منهم عنها وهوى إلى أسفل هذا النهر من قلة الجبل مع ما عليه فإذا أبصرت العلوج التجار لهم جمال قد علموها العبور في ذلك النهر يعبرون عليها ومعهم خفير لهم حتى يوافوا التجار فيعقدون عهودهم ومواثيقهم مع التجار ثم يحملون أثقالهم وأمتعتهم ويعبرون بها على ظهر جمالهم ثم يأخذ كل تاجر منهم طريقه على هذا رائح إلى الصين وإلى مُولْتان، وهذا الماء يذكرّ أنه يمر على جبل الذهب ويمر بالحجارة العظام والصخر ويحك منه الذهب شبه فلس جلد السمك وأصغر وأكبر، وعلى هذا النهر أسفل من هذا المعبر قرية يسمى وخد لهم مخترق من ناحية ويشْجِرد يسمى نهر باخشوا يقع في جيحون فيخرج أهلها من باخشوا حتى ينزلوا على شط جيحون ويمدون على شط النهر مسوك المعز الشعر إلى أعلاه ويشدون ويستوثقون منها بالأوتاد حواليها فينزل أحدهم في النهر على الشط فينضح الماء على تلك المسوك والآخر يمسح الماء من المسوك ويرسله والماء كدر ثقيل فإذا عرفوا أن أصول شعر المسك قد امتلأت من الرمل والذهب أخذوه وبسطوه على وجه الأرض في عين الشمس حتى إذا جف أخذوها ولهم أنطاع مفروشة فنفضوها هناك وأخذوا منها الذهب ويذكرّ ببلخ أنه أجود الذهب وأحمره وأصفاه.

وفي المدينة التي تدعى خُطّلان وهي مملكة الحارث بن أسد ابن عم داوود بن أبي داوود بن عباس الذي أغار على فيروز فيها ألف ونيّف عين وبها عينان: عين على باب الأسفل وعين على باب الأعلى تسمى العليا نازكول. وحدّث أبو ألفضل رائض ابن الحارث بن أسد أن أصل البراذين الخطلية التي يحمد جنسها من تلك العين وأنه كان في زمن ملك هناك يسمى بيك له رمك كثيرة يرسلها في الكلاء ترعى في المراعي وتأوي إلى تلك العين في الهاجرة إلى ظل شجرة تقيل هناك ويجمع الراعي إليها دوابه وهي واسعة عريضة مقدار أربع مائة ذراع في مثلها فيها ماء ساكن راكد صاف فرأى الراعي يوماً وقد انتبه من نومه في براذينه برذوناً طويلاً كأطول ما يكون فظهر له برأي العين شيء هائل فطفق يرصده أي شيء هو إذ دنا وقت العصر فغاص في العين فبقي الراعي متحيراً فما زال كذلك يأوي إلى تلك العين مترصداً حتى إذا كان ذات يوم خرج ذلك البرذون بعينه ومعه مُهرة وبراذين سواه كثيرة واختلطوا ببراذينه دائماً في المرعى حتى اعتادوا مع براذينه وألقح هذا البرذون مهراً من مِهَارة ذلك الملك التي مع الراعي فنتجت مُهَراً كباراً جياداً..القامات فلما رأى ذلك الراعي سره واستبشر وأخبر بذلك سيده فعظم سرور الملك وخرج مع قهارمته للصيد مائلاً إلى مرعى براذينه وكلائه فوافى حظيرة راعيه وأمر رائضه بأن يتوهّق مُهراً من تلك المهر التي من نتاج ألفحل الذي في العين فرمى بالوهق مهراً منها فأسرجه وركبه فإذا هو كأنه يطير بين السماء والأرض سلس في اللجام خفيف في النهوض فلما نزل وحط بسرجه إذا أولئك البراذين خرجوا من المرعى مع ما قد توالد فيما بينهم سوى التي نتجن أمهاراً فعادوا إلى العين بأجمعهم ولم يخرج منها دابة إلى هذا الوقت ولا ظهر فبقي جنس البراذين الخطلانية منها، وحدثني هذا المحدث عن تاجر يسمى عبد الله الشخشي إنسان معروف ببلخ ونواحيها بأنه اشترى دابة منها طولها في السماء ثلاث أذرع بذراع السوداء وعرضها ذراع أيضاً.

ومما روي من العجائب

أن مدينة تسمى كِسَّ بمسيرة يومين من سمرقند بينهما عقبة كبيرة مرتفعة وأن وراء كِسّ جبال الثلج يتبين ثلج كل عام حتى لو أن إنساناً حديد البصر تهيأ له أن يعدّ ثلج أعوام الماضية من كل عام وبين كل ثلج عام خطٌ أحمر مغبرٌ من أيام المصيف لعجز عن ذلك وبذلك الثلج دود كبار بيض كالفيل فإذا انحدرت من ..يمدّ حتى..سو..يخرج منها الماء الكثير ويمتد بها بما يذوب من الثلوج ويقع إلى جبال تسمى جبال..

الجبال عين كبيرة تسمى هشتادان در فيخرج منها ماء كثير ويسمى بسمرقند نهر جيرت وهو نهر بخارا.

وحدثني محدث أنه بدى له إلى تلك الناحية حاجة فخرج إليها وله ثَمّ صديق فسأله عن عجائب هذه العين فأخبره أن فيها سكان الماء على خلقة بني آدم أحسن ما خلق الله وأن راعي غنم من هذه القرية كان يورد غنمه إلى هذه العين وبعض الرعاة كانوا يحدرون إليها ولا يقربونها وكان هذا الراعي يضرب الوتر واليراع والمزمار وكان.....المزمار واليراع ويطفون على وجه الماء ويستمعون إليه ويتلذذون بصوت غنائه فبينما هو ذات يوم قد ضرب بالوترين ونام على رأس العين إذا عمد أهل العين جباراً على وجه الماء وقبضوه كرّهاً إلى عندهم فلما تم عليه يوم وليلة ولم ينصرف إلى أهله اغتموا له فأتوا تلك العين لاقتفاء الأثر فوجدوه وهو طافٍ على وجه الماء يسير وأهل العين يكرّهونه على الزمر وضرب الوتر وأهله يتضرعون إليهم ويسألونهم تخليته فلم يجيبوهم إلى سؤالهم فبقوا على ذلك ثمانية أيام لا يتجرأ أحد منهم أن يدخل العين فيخلصه فلما أصبحوا بعد اليوم الثامن فما رأوا الراعي ولا أحداً معه منهم وخفي عنهم أمره.

وذكرّ هشام بن محمد قال: حدثني بعض من أثق إليه عن حميد بن بهرا دهقان الفلّوجة السفلى أنه كان في أربعة مدن عجائب عظيمة فالأولى منهن كان بها قديماً تمثال الأرض جميعاً فإذا التوى عليه بعض أهل مملكته بخراجه خرق أنهارها عليهم فغرقت حيث كانت فلا يستطيعون لها سداً حتى يؤدوا ما عليهم فإذا سد أنهارها عليهم في تمثالها وانسدت عليهم في بلادهم، وكان في المدينة الثانية حوض فإذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامه أتى من أحب منهم بما أحب من الأشربة فصبه في ذلك الحوض فاختلط جميعاً ثم يقوم السقاة فيأخذون الآنية فمن صُبّ في إنائه شيء..