أَقْهى عن الطعام واقْتَهى: ارتدَّت شهوتُه عنه من غير مرض مثل أَقْهَمَ، يقال للرجل القليل الطُّعم: قد أَقْهَى وقد أَقْهَم، وقيل: هو أَن يقدر على الطعام فلا يأَكله وإِن كان مشتهياً له. وأَقْهَى عن الطعام إذا قَذِره فتركه وهو يَشْتَهيه. وأَقْهَى الرجلُ إذا قلَّ طُعْمُه.
وأَقْهاه الشيءُ عن الطعام: كفّه عنه أَو زَهَّدَه فيه. وقَهِيَ الرجل قَهْياً: لم يشته الطعام. وقَهِيَ عن الشراب وأَقْهَى عنه: تركه. أَبو السمح: المُقْهِي والآجِم الذي لا يشتهي الطعام من مرض أَو غيره؛ وأَنشد شمر:
لَكالمِسْكِ لا يُقْهِي عن المِسْكِ ذائقُه |
ورجل قاهٍ: مُخْصِب في رحله. وعيشٌ قاهٍ: رَفِيهٌ.
والقَهةُ: من أَسماء النرجس؛ عن أَبي حنيفة؛ قال ابن سيده: على أَنه يحتمل أَن يكون ذاهبها واواً وهو مذكور في موضعه.
والقَهْوة: الخمر، سميت بذلك لأنها تُقْهِي شاربها عن الطعام أَي تذهب بشهوته، وفي التهذيب أَي تُشبِعه؛ قال ابو الطَّمَحان يذكر نساء:
فأَصبَحْنَ قد أَقْهَين عني، كما أَبَت |
|
حِياضَ الإِمدَّانِ الهِجانُ القَوامِحُ |
وعيش قاهٍ بيِّن القَهْوِ والقَهْوةِ: خَصِيبٌ، وهذه يائية وواوية.
الجوهري القاهِي الحَديدُ الفؤاد المُستطارُ؛ قال الراجز:
راحَتْ كما راحَ أَبو رِئال |
|
قاهِي الفُؤادِ دائبُ الإِجْفالِ |
القَهْبُ: المُسِنُّ؛ قال رؤبة:
إِنَّ تميماً كان قَهْباً مِنْ عادْ |
وقال:
إِنَّ تَمِيماً كان قَهْباً قَهْقَبَا |
أَي كان قَديمَ الأَصل عادِيَّهُ. ويقال للشيخ إذا أَسَنَّ: قَحْرٌ وقَحْبٌ وقَهْبٌ.
والقَهْبُ من الإِبل: بعد البازل. والقَهْبُ: العظيم. وقيل: الطويلُ من الجبال، وجمعُه قِهابٌ. وقيل: القِهابُ جبال سُود تُخالِطُها حُمْرة.
والأَقْهَبُ: الذي يَخْلِطُ بياضَه حُمْرة. وقيل: الأَقْهَبُ الذي فيه حُمْرَة إِلى غُبْرة؛ ويقال: هو الأَبيضُ الأَكْدَرُ؛ وأَنشد لامرئ القيس:
وأَدْرَكَهُنّ، ثانِياً من عِنـانِـه، |
|
كغَيْثِ العَشِيِّ الأَقْهَبِ المُتَوَدِّقِ |
الضمير الفاعل في أَدْرَكَ يَعُودُ على الغلام الراكبِ الفرس للصيد، والضمير المؤَنث المنصوبُ عائد على السِّرْبِ، وهو القَطِيعُ من البَقر والظباءِ وغيرهما؛ وقوله: ثانياً من عِنانِه أَي لم يُخْرِجْ ما عند الفرس من جَرْيٍ، ولكنه أَدْرَكَهُنَّ قبل أَن يَجْهَدَ؛ والأَقْهَبُ: ما كان لَوْنُه إِلى الكُدْرة مع البياض للسواد.
والأَقْهَبانِ: الفِيلُ والجامُوسُ؛ كل واحد منهما أَقْهَبُ، لِلَونه؛ قال رؤْبة يَصِفُ نَفْسَه بالشدَّة:
لَيْثٌ يَدُقُّ الأَسدَ الهَمُوسـا، |
|
والأَقْهَبَيْنِ: الفِيلَ والجامُوسا |
والاسم القُهْبة؛ والقُهْبة: لَوْنُ الأَقْهَبِ، وقيل: هو غُبْرة إِلى سَواد، وقيل: هو لونٌ إِلى الغُبْرة ما هو، وقد قَهِبَ قَهَباً. والقَهْبُ: الأَبيضُ تَعْلوه كُدْرة، وقيل: الأَبيضُ، وخَصَّ بعضُهم به الأَبيضَ من أَولاد المَعَز والبقر.
يقال: إِنه لقَهْبُ الإِهابِ، وقُهابُه، وقُهَابِيُّه، والأُنثى قَهْبةٌ لا غير؛ وفي الصحاح: وقَهْباء أَيضاً. الأَزهري: يقال إِنه لقَهْبُ الإِهابِ، وإِنه لقُهابٌ وقُهابيٌّ.
والقَهْبِيُّ: اليَعْقُوب، وهو الذَّكَر من الحَجَل؛ قال:
فأَضْحَتِ الدارُ قَفْراً، لا أَنِيسَ بها، |
|
إِلا القُهَابُ مع القَهْبيّ، والحَذَفُ |
والقُهَيْبةُ: طائر يكون بتِهامةَ، فيه بياضٌ وخُضْرة، وهو نوع من الحَجَل. والقَهَوْبَةُ والقَهَوْباةُ من نِصَالِ السِّهامِ: ذاتُ شُعَبٍ ثلاثٍ، وربما كانَتْ ذاتَ حَديدَتَيْنِ، تَنْضَمَّانِ أَحْياناً، وتَنْفَرِجانِ أُخْرى. قال ابن جني: حكى أَبو عبيدة القَهَوْباةُ، وقد قال سيبويه: ليس في الكلام فَعَوْلى، وقد يمكن أَن يحتج له، فيقال: قد يمكن أَن يأْتي مع الهاء ما لولا هي لما أَتى، نحو تَرْقُوَةٍ وحِذْرِيَةٍ، والجمع القَهَوْبات.
والقَهُوبات: السِّهامُ الصِّغارُ المُقْرْطِساتُ، واحدها قَهُوبَةٌ؛ قال الأَزهري: هذا هو الصحيح في تفسير القَهُوبَة؛ وقال رؤْبة:
عن ذي خَناذيذَ قُهَابٍ أَدْلَمُه |
قال أَبو عمرو: القُهْبَةُ سَواد في حُمْرة. أَقْهَبُ: بَيِّنُ القُهْبة. والأَدْلَم: الأَسْوَدُ. فالقَهْبُ: الأَبيضُ، والأَقْهَبُ: الأَدْلَم، كما تَرى.
القَهْبَسة: الأَتان الغليظة، وليس بثبَت.
القَهْبَلة: ضرب من المشي. والقَهْبلة: الأَتان الغليظة من الوحش.
الفراء: حيَّا الله قَهْبَلَته أَي حيَّا الله وجهَه. ابن الأَعرابي: حيَّا الله قَهْبَله ومُحيَّاه وسَمَامَتَه وطَلَله وآلَه. أَبو العباس: الهاء زائدة فيبقى حيَّا الله قَبَلَه أَي ما أَقبل منه، وقد تقدم. المؤرج: القَهْبَلة القَمْلة.
القَهْبَلِس: الضخمة من النساء. والقَهْبَلِس: الكَمَرَة؛ وقد توصف به، قال:
فَيْشَلَة قَهْبَلِس كُباس |
والقَهْبَلِس، مثال الجَحْمَرِش: الذَّكَر. والقَهْبَلِس: القملة الصغيرة. ابن الأَعرابي: يقال للقملة الصغيرة الهُنْبُغ والهُنْبوغ والقَهْبَلِس. والقَهْبَلِس: الأَبيض الذي تعلوه كُدْرة.
القَهْدُ: النَّقِيُّ اللوْنِ. والقَهْدُ: الأَبيض، وخص بعضهم به البِيضَ من أَولاد الظِّباءِ والبَقَر. والقَهْدُ: من أَولاد الضأْنِ يَضْرِبُ إِلى البياض، ويقال لولد البقرة قَهد أَيضاً. والساجِسِيَّةُ: غنم تكون بالجزيرة؛ وأَنشد:
نَقُودُ جِيادَهُنَّ ونَفْتَـلِـيهـا، |
|
ولا نَعْدُو التُّيُوسَ ولا القِهادا |
وقيل: القِهادُ شاءٌ حِجازية سُكُّ الأَذناب؛ وأَنشد الأَصمعي للحطيئة:
أَتَبْكي أَن يُساقَ القَهْدُ فِيكُم؟ |
|
فَمَنْ يَبْكي لأَهْلِ السَّاجِسيِّ؟ |
وقيل: القَهْدُ الصغير من البقر اللطيفُ الجسم؛ ويقال: القهد القصير الذنب، وقيل: القَهْدُ غنم سُود باليمن وهي الخرف والقَهْدُ: ضرب من الضأْن يعلوهن حمرة وتَصْغُر آذانهن، وقيل: القهد من الضأْن الصغير الأُحَيْمِر الأُكَيْلِفُ الوجهِ من شاءِ الحجاز. وقال ابن جبلة: القَهد الذي لا قرن له. والقهد: الجُؤْذَرُ؛ عن أَبي عبيدة؛ قال الراعي:
وساقَ النِّعاجَ الخُنْسَ، بَيْني وبينَها |
|
بِرَعْنِ أَشاءٍ، كلُّ ذي جُدَدٍ قَهْـد |
وقيل: القَهْدُ ولد الضأْن إذا كان كذلك، وجمع كل ذلك قِهاد. الجوهري: القَهْد مثل القَهْب وهو الأَبيض الكَدِر. وقال أَبو عبيد: أَبيض وقَهْب وقَهْد بمعنى واحد؛ وقال لبيد:
لمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَـنـازَعَ شِـلْـوَه |
|
غُبْسٌ كواسِبُ، لا يُمَنُّ طَعامُها |
وصَف بقرةً وحشية أَكلت السباعُ ولدَها فجعله قَهْداً لبياضه.
التهذيب: قَهَد في مشيه إذا قارب خَطْوَه ولم ينبسط في مشيه، وهو من مَشْيِ القِصار. والقَهْدُ: النَّرْجِسُ إذا كان جُنْبذاً لم يَتَفَتَّحْ، فإِذا تَفَتَّح فهي التفاتيحُ والتفاقيحُ والعُيون.
والقِهادُ: اسم موضع.
القَهْرُ: الغَلَبة والأَخذ من فوق. والقَهَّارُ: من صفات الله عز وجل. قال الأَزهري: والله القاهرُ القَهّار، قَهَرَ خَلْقَه بسلطانه وقدرته وصَرَّفهم على ما أَراد طوعاً وكرهاً، والقَهَّار للمبالغة. وقال ابن الأَثير: القاهر هو الغالب جميع الخلق. وقَهَرَه يَقْهَرُه قَهْراً: غلبه. وتقول: أَخَذْتُهُم قَهْراً أَي من غير رضاهم. وأَقْهَرَ الرجلُ: صار أَصحابُه مَقْهُورين. وأَقْهَرَ الرجلَ: وَجَدَه مقهوراً؛ وقال المُخَبَّل السَّعْدِي يهجو الزِّبْرِقانَ وقومه وهم المعروفون بالجِذاع:
تَمَنَّى حُصَيْنٌ أَن يَسُودَ جِذاعَه |
|
فأَمْسَى حُصَيْنٌ قد أُذلَّ وأُقْهِرا |
على ما لم يسم فاعله أَي وجد كذلك، والأَصمعي يرويه: قد أَذَلَّ وأَقْهَر أَي صار أَمره إِلى الذل والقَهْر. وفي الأَزهري: أَي صار أَصحابُه أَذِلاءَ مقهورين، وهو من قياس قولهم أَحْمَدَ الرجلُ صار أَمره إِلى الحمد.
وحُصَين: اسم الزِّبْرِقانِ، وجِذاعُه: رَهْطُه من تميم. وقُهِرَ: غُلِبَ.
وفخذٌ قَهِرَةٌ: قليلة اللحم. والقَهِيرة: مَحْضٌ يلقى فيه الرَّضْفُ فإِذا غَلى ذُرَّ عليه الدقيقُ وسِيطَ به ثم أُكل؛ قال ابن سيده: وجدناه في بعض نسخ لإِصلاح ليعقوب.
والقَهْر: موضع ببلاد بني جَعْدة؛ قال المُسَيَّبُ بن عَلَسٍ:
سُفلى العراق وأَنتَ بالقَهْرِ |
ويقال: أَخَذْتُ فلاناً قُهْرَةً، بالضم، أَي اضطراراً. وقُهِرَ اللحمُ إذا أَخذته النار وسال ماؤه؛ وقال:
فلما أَن تَلَهْوَجْنـا شِـواءً |
|
به اللَّهْبانُ مقهوراً ضَبِيحا |
يقال: ضبَحَتْه النارُ وضَبَتْه وقَهَرَتْه إذا غيرته.
القَهْرَمان: هو المُسَيْطِرُ الحَفِيظ على من تحت يديه؛ قال:
مَجْداً وعِزّاً قَهْرَماناً قَهْقَبا |
قال سيبويه: هو فارسي. والقُهْرمان: لغة في القَهْرمان؛ عن اللحياني.
وتُرْجُمان وتَرْجُمان: لغتان. قال أَبو زيد: يقال قَهْرمانٌ وقَرْهَمانٌ مقلوب. ابن بري: القَهرمان من أُمناء الملك وخاصته، فارسي معرب. وفي الحديث: كتَب إلى قَهرمانِه، هو كالخازِن والوكيل الحافظ لا تحت يده والقائم بأُمور الرجل بلغة الفرس.
القَهْزُ والقِهْزُ والقَهْزِيُّ: ضَرْبٌ من الثياب تتخذ من صوف كالمِرْعِزَّى؛ وقال ابن سيده: هي ثياب صوف كالمِرْعِزَّى وربما خالطها حرير، وقيل: هو القَزُّ بعينه وأَصله بالفارسية كهْزانه، وقد يشبَّه الشَّعَرُ والعِفاءُ به، قال رؤبة:
وادَّرَعَتْ من قَهْزِها سَرابِلا |
|
أَطارَ عنها الخِرَقَ الرَّعابِلا |
يصف حمر الوحش يقول: سقط عنها العِفاءُ ونبت تحته شَعَرٌ لَيِّنٌ. وقال أَبو عبيد: القَهْزُ والقِهْزُ ثيابٌ بيض يخالطها حرير؛ وأَنشد لذي الرمة يصف البُزاةَ والصُّقُور بالبياض:
من الزُّرْق أَو صُقْعٍ كأَنَّ رُؤوسَها |
|
من القِهْزِ والقُوهِيِّ، بيضُ المَقانِعِ |
وقال الراجز يصف حُمُرَ الوَحْش:
كأَن لَوْنَ القِهْزِ في خُصُورِها |
|
والقَبْطَرِيِّ البِيضِ في تأْزِيرِها |
وفي حديث عليّ، كرم الله وجه: أَن رجلاً أَتاه وعليه ثوبٌ من قَهْزٍ، هو من ذلك.
القَهْزَبُ: القصير.
القَهْوَسة: مشْيَة فيها سُرْعة. وجاء يَتَقَهْوَسُ إذا جاء مُنْحَنِياً يَضطرب. وقَهْوَسٌ: اسم. ورجل قَهْوَس: طويل ضخم، مثل السَّهْوَق والسَّوْهَق. قال شَمِر: الأَلفاظ الثلاثة بمعنى واحد في الطُّول والضِّخَم، والكلمة واحدة إِلا أَنها قدمت وأُخِّرت، كما قالوا عُقاب عَبَنْقاةٌ وعَقَنْباة وبَعَنْقاة.
روى ابن شميل عن أَبي خَيْرةَ قال: يقال قَهْقَعَ الدُّبُّ قِهْقاعاً، وهو حكاية صوت الدب في ضَحِكِه؛ قال أَبو منصور: وهي حكاية مؤلَّفةٌ.
القَهْقَبُّ أَو القَهْقَمُّ: الجمل الضَّخْم. وقال الليث: القَهْقَبُ، بالتخفيف: الطويل الرَّغِيبُ. وقيل: القَهْقَبُ، مثالُ قَرْهَبٍ، الضَّخْمُ المُسِنُّ. والقَهْقَبُّ: الضَّخْمُ؛ مَثَّل به سيبويه، وفَسَّره السيرافي. وقال ابن الأَعرابي: القَهْقَبُ البَاذِنْجَانُ. المحكم: القَهْقَبُ الصُّلْبُ الشديد. الأَزهري: القَهْقَابُ الارمى
القَهْقَرُ والقَهْقَرُّ، بتشديد الراء: الحجر الأَمْلَسُ الأَسود الصُّلْبُ، وكان أَحمد بن يحيى يقول وحده القَهْقارُ؛ وقال الجَعْدِيّ:
بأَخْضَرَ كالقَهْقَرِّ يَنْفُضُ رأْسَـه |
|
أَمامَ رِعالِ الخَيْلِ، وهي تُقَرَّبُ |
قال الليث: وهو القُهْقُور. ابن السكيت: القُهْقُرُّ قِشْرَة حمراء تكون على لُبّ النخلة؛ وأَنشد:
أَحْمَرُ كالقُهْقُرِّ وضَّاحُ البَلَقْ |
وقال أَبو خَيْرَة: القَهْقَرُ والقُهاقِرُ وهو ما سَهَكْتَ به الشيءَ؛ وفي عبارة أُخرى: هو الحجر الذي يُسْهَكُ به الشيء، قال: والقِهْرُ أَعظم منه؛ قال الكميت:
وكأَن، خَلْفَ حِجاجِها من رأْسِها |
|
وأَمامَ مَجْمَعِ أَخْدَعَيْها،القَهْقَـرا |
وغراب قَهْقَرٌ: شديد السواد. وحِنْطَةٌ قَهْقَرة: قد اسْوَدَّتْ بعد الخُضْرَة، وجمعها أَيضاً قَهْقَرٌ. والقَهْقَرة: الصَّخْرة الضخمة، وجمعها أَيضاً قَهْقَرٌ. والقَهْقَرَى: الرجوع إِلى خلف، فإِذا قلت: رَجَعْتُ القَهْقَرَى، فكأَنك قلت: رجعت الرجوعَ الذي يعرف بهذا الاسم لأَن القَهْقَرَى ضرب من الرجوع؛ وقَهْقَر الرجلُ في مِشْيَته: فعل ذلك. وتَقَهْقَر: تَراجَعَ على قفاه. ويقال: رجع فلانٌ القَهْقَرَى. والرجل يُقَهْقِرُ في مِشْيَته إذا تَراجَعَ على قفاه قَهْقَرة. والقَهْقَرَى: مصدر قَهْقَرَ إذا رجع على عقبيه. الأَزهري: ابن الأَنباري: إذا ثَنَّيْتَ القَهْقَرَى والخَوْزَلى ثَنَّيْتَه بإِسقاط الياء فقلت القَهْقَرانِ والخَوْزَلانِ، استثقالاً للياء مع أَلف التثنية وياء التثنية، وقد جاء في حديث رواه عكرمة عن ابن عباس عن عمر: أَن النبي،صلى الله عليه وسلم، قال: إِني أُمْسِكُ بحُجَزكُمْ هَلُمَّ عن النار وتَقاحَمُونَ فيها تَقاحُمَ الفَراشِ وتَرِدُونَ عَليَّ الحَوْضَ ويُذْهَبُ بكم ذاتَ الشمال فأَقول: يا رب، أُمَّتي، فيقال: إِنهم كانوا يمشونَ بَعْدَك القَهْقَرَى؛ قال الأَزهري: معناه الإرتداد عما كانوا عليه. وتكرر في لحديث ذكر القَهْقَرَى وهو المَشْيُ إِلى خَلْف من غير أَن يُعيدَ وَجْهه إِلى جهة مشيه، قيل: إِنه من باب القَهْرِ.
شمر: القَهْقَرُ، بالتخفيف، الطعام الكثير الذي في الأَوعية مَنْضُوداً؛ وأَنشد:
باتَ ابنُ أَدْماءَ يُسامي القَهْقَرا |
قال شمر: الطعام الكثير الذي في العَيْبَةِ. والقُهَيْقِرانُ: دُوَيْبَّةٌ. النضر: القَهْقَرُ العَلْهَبُ، وهو التيس المُسِنُّ، قال: وأَحْسبُه القَرْهَبَ.
القِهْقَمُّ: الذي يبتلع كل شيء. الأَزهري: القَهْقَم الفحل الضخم المغتلم. أَبو عمرو: القَهْقَبُّ والقَهْقَمُّ الجمل الضخم.
الليث: قَهْ يُحْكَى به ضَرْبٌ من الضَّحِك، ثم يُكَرَّرُ بتَصْريفِ الحكاية فيقال: قَهْقَهَ يُقَهْقِه قَهْقَهَةً إذا مدَّ وإذا رجَّع.
ابن سيده: قَهْقَهَ رجَّع في ضَحِكه، وقيل: هو اشتدادُ الضَّحِك، قال:وقَهْ قَهْ حكايةُ الضَّحِك. الجوهري: القَهْقَهَةُ في الضحك معروفةٌ، وهو أَن يقول قَهْ قَهْ. يقال: قَهَّ وقَهْقَهَ بمعنىً، وإذا خَفَّفَ قيل قَهَّ الضاحِكُ. قال الجوهري: وقد جاء في الشعر مخففاً؛ قال الراجز يَذْكُر النِّساء:
نَشَأْنَ في ظِلِّ النَّعِيمِ الأَرْفَهِ، |
|
فهُنَّ في تَهانُفٍ وفي قَـهِ |
قال: وإِنما خفف في الحكاية؛ وإن اضطر الشاعر إلى تثقيله جازَ له كقوله:
ظَلِلْنَ في هَزْرَقةٍ وقَةِّ، |
|
يَهْزَأْنَ مِنْ كلِّ عَبَامٍ فَهِّ |
وقَرَبٌ مُقَهْقِهٌ: وهو من القَهْقَهةِ في قَرَبِ الوِرْدِ، مشتقٌّ من اصْطِدامِ الأَحْمالِ لَعَجَلَة السير كأَنهم توهموا لجَرْسِ ذلك جَرْسَ نَغْمةٍ فضاعَفُوه؛ قال ابن سيده: وإِنما أَصله المُحَقْحِق، ثم قيل المُهَقْهِق على البدل، ثم قلب فقيل المُقَهْقِه. الأَزهري: قال غير واحد من أَئِمَّتِنا الأَصل في قَرَبِ الوِرْدِ أَن يقال قَرَبٌ حَقْحاقٌ، بالحاء، ثم أَبدلوا الحاء هاء فقالوا للحَقْحَقة هَقْهَقة وهَقْهاق، ثم قلبوا الهَقْهقة فقالوا قَهْقَهة، كما قالوا حَجْحَج وجَخْجَخَ إذا لم يُبْدِ ما في نفسه. قال الجوهري والقَهْقَهةُ في السير مثل الهَقْهَقة، مقلوبٌ منه؛ قال رؤبة:
جَدَّ ولا يَحْمَدْنَه أَنْ يَلْحَقا |
|
أأقَبُّ قَهْقاهٌ إذا ما هَقْهَقا |
وقال أَيضاً:
يُصْبِحْنَ بَعْدَ القَرَبِ المُقَهْقِـهِ |
|
بالهَيْفِ مِنْ ذاكَ البَعِيدِ الأَمْقَهِ |
أَنشدهما الأَصمعي، وقال في قوله القَرَبِ المُقَهْقِه: أَراد المُحَقْحِق فقلب، وأَصل هذا كلِّه من الحَقْحَقَة، وهو السيرُ المُتْعِب الشديد، وإذا انْتاطَت المَراعِي عن المياه حُمِل المالُ وَقْتَ وِرْدِها خِمْساً كان أَو رِبْعاً على السير الحثيثِ، فيقال خِمْسٌ حَقْحاقٌ وقَسْقاس وحَصْحاصٌ، وكل هذا السيرُ الذي ليست فيه وَتِيرةٌ ولا فُتُور، وإنما قَلَبَ رؤبة حَقْحَقة فجعلها هَقْهَقة، ثم جعل هَقْهَقة قَهْقَهة، فقال المُقْهْقِه لاضطراره إلى القافية؛ قال ابن بري: صواب هذا الرجز:
بالفَيْفِ مِنْ ذاكَ البعيد الأَمْقَهِ |
وقال بالفَيْفِ يريد القَفْر، والأَمْقَهُ: مثلُ الأَمْرَهِ وهو الأَبْيَضُ، وأَراد به القَفْرَ الذي لا نَبات به.
القَهَل: كالقَرَهِ في قَشَف الإِنسان وقَذَر جلدِه.ورجل مُتَقَهِّل: لا يتعهَّد جسده بالماء والنظافة. وفي الصحاح: رجل مُتَقَهِّل يابس الجلد سيِّء الحال مثل المُتَقَحِّل. وفي حديث عمر، رضي الله عنه: أَتاه شيخ مُتَقَهِّل أَي شِعث وسِخ.
يقال: أَقْهَل الرجلُ وتَقَهَّل. المحكم: قَهِلَ جلدُه وقَهَلَ وتَقَهَّل يِبس، فهو قاهِل قاحِل؛ وخص بعضهم به اليُبْس من العبادة قال:
من راهِبٍ مُتَبَتِّلٍ مُتَقَهِّـلٍ |
|
صادِي النهارِ لليلِه مُتَهَجِّد |
والقَهَل في الجسم: القشَف، واليُبس القَرَهُ. وقَهِل قَهَلاً وتَقَهَّل: لم يتعهَّد جسمه بالماء ولم ينظفه. والتَّقَهُّل: رَثاثة الملبَس والهيئةِ. ورجل مُتَقَهِّل إذا كان رَثَّ الهيئة متقشِّفاً. وأَقْهَل الرجل: دنَّس نفسه وتكلَّف ما يَعِيبه؛ وأَنشد:
خَلِيفة الله بلا إِقْهال |
والقَهْل: كُفران الإِحسان. وقَهَلَه يَقْهَلُه قَهْلاً: أَثنى عليه ثناء قبيحاً. وقَهِل الرجل قَهَلاً: استقلَّ العطية وكفَر النعمة.
وانْقَهَلَ: سقط وضعُف؛ فأَما قوله:
ورأَيتُه لمَّا مررتُ ببَيْتِـه |
|
وقد انْقَهَلَّ فما يُريد بَراحا |
فإِنه شدد للضرورة وليس في الكلام انْفَعَلَّ. الجوهري أَيضاً: انْقَهَل ضعُف وسقط؛ قال ابن بري: ذكر ابن السكيت في الأَلفاظ انْقَهَلَّ بتشديد اللام، قال: والانْقِهْلال السقوط والضعف؛ وأَورد البيت:
وقد انْقَهَلَّ فما يُريدُ بَراحا |
وقال: البيت لِرَيْسان بن عِنْترة المغني، قال: وعلى هذا يكون وزنه افْعَلَلَّ بمنزلة اشْمَأَزَّ، قال: ولا يكون انْفَعَلَّ. والتَّقَهُّل: شَكْوَى الحاجة؛ وأَنشد:
فلا تكوننَّ رَكِيكاً تَنْتَلا |
لَعْواً، إذا لاقَيْته تَقَهَّلا، |
وإِنْ حَطَأْتَ كَتِفَيه ذَرْمَلا |
الرَّكِيكُ: الضعيف، والتَّنْتَل: القذِر، والذَّرْمَلة: إِرْسال السَّلْح. وقال أَبو عبيد: قَهَل الرجل قَهْلاً إذا جَدَّف؛ قاله الأُموي.ورجل مِقْهال إذا كان مُجْدِّفاً كَفُوراً. وتَقَهَّل: مشَى مشياً بطيئاً.
وحيَّا الله هذه القَيْهَلة أَي الطَّلْعة والوَجْه. وقَيْهَلٌ: اسم.
القَهِمُ: القليل الأَكل من مرض أَو غيره. وقد أَقْهَمَ عن الطعام وأَقْهى أي أَمْسَكَ وصارلا يشتهيه، وقَهِيَ لبعض بني أَسد. وحكى ابن الأَعرابي: أَقْهَمَ عن الشراب والماء تركه. ويقال للقليل الطُّعْم: قد أَقْهَى وأَقْهَمَ. وقال أَبو زيد في نوادره: المُقْهِمُ الذي لا يَطْعَمُ من مرض أَو غيره، وقيل: الذي لا يشتهي الطعام من مرض أَو غيره. وروى ثعلب عن ابن الأَعرابي: أَقْهَمَ فلان إلى الطعام إقْهاماً إذا اشتهاه، وأَقْهَمَ عن الطعام إذا لم يَشتَهه؛ وأَنشد في الشهوة:
وهْو إلى الزّادِ شَدِيدُ الإقْهامُ |
وأَقْهَمتِ الإبل عن الماء إذا لم تُرده؛ وأَنشد لجَهْم ابن سَبَل:
ولـو أَنّ لُـؤْمَ ابْـنَـيْ سُـلَـيمـانَ فـي الـغَــضــى |
|
أَو الـصِّـلِّــيانِ، لم تَـذُقْــه الأَبــاعِــرُ |
أَو الحَمْضِ لاقْوَرَّتْ، أَو الماءِ أَقْهَمَتْعن الماء، حِمْضِيَّاتُهُنَّ الكَناعِرُ |
|
|
قال الأَزهري: من جعل الإقْهام شهوة ذهب به إلى الهَقِمِ، وهو الجائع، ثم قلبه فقال قَهِم، ثم بَنى الإقْهام منه. وقال أَبو حنيفة: أَقْهَمَت الحُمُر عن اليبيس إذا تركته بعد فِقدان الرَّطْب، وأَقهَمَ الرجلُ عنك إذا كَرِهَك، وأقهَمَت السماءُ إذا انقَشَعَ الغَيمُ عنها.
القَهْمَدُ: اللئيم الأَصل الدنِيءُ، وقيل: هو الدَّمِيمُ الوجه.
أَبو عمرو: القَهْمَزَةُ الناقة العظيمة البَطِيئَةَ؛ وأَنشد:
إِذا رَعَى شَدَّاتِهـا الـعَـوائِلا |
|
والرُّقْصَ من رَيْعانِها الأَوائِلا |
والقَهْمَزاتِ الدُّلَّحَ الـخَـواذِلا |
|
بذات جَرْسٍ، تَمْلأُ المَداخِـلا |
قوله إذا رعى شداتها إلى آخر البيتين هكذا في الأصل.
الليث: امرأَة قَهْمَزَةٌ قصيرة جدّاً. أَبو عمرو: القَهْمَزَى الإِحْضارُ؛ أَنشد ابن الأَعرابي لبعض بني عقيل يصف أتاناً:
من كلِّ قَبَّاءَ نَحُوصٍ جَرْيُهـا |
|
إِذا عَدَوْنَ القَهْمَزَى، غيرُ شَتِجْ |
أَي غير بطيء.
الليث: القوّة من تأْليف ق و ي، ولكنها حملت على فُعْلة فأُدغمت الياء في الواو كراهية تغير الضمة، والفِعالةُ منها قِوايةٌ، يقال ذلك في الحَزْم ولا يقال في البَدَن؛ وأَنشد:
ومالَ بأَعْتاقِ الكَرَى غالِباتُها |
|
وإِنِّي على أَمْرِ القِوايةِ حازِمُ |
قال: جعل مصدر القوِيّ على فِعالة، وقد يتكلف الشعراء ذلك في الفعل اللازم. ابن سيده: القُوَّةُ نقيض الضعف، والجمع قُوىً وقِوىً. وقوله عز وجل: يا يحيى خُذِ الكتاب بقُوَّةٍ؛ أَي بِجِدّ وعَوْن من الله تعالى، وهي القِوايةُ، نادر، إنما حكمه القِواوةُ أَو القِواءة، يكون ذلك في البَدن والعقل، وقد قَوِيَ فهو قَوِيّ وتَقَوَّى واقْتَوى كذلك، قال رؤبة:
وقُوَّةَ اللهِ بها اقْتَوَيْنا |
وقَوّاه هو. التهذيب: وقد قَوِيَ الرجل والضَّعيف يَقْوَى قُوَّة فهو قَوِيٌّ وقَوَّيْتُه أَنا تَقْوِيةً وقاوَيْتُه فَقَوَيْتُه أَي غَلَبْته.ورجل شديد القُوَى أَي شدِيدُ أَسْرِ الخَلْقِ مَمَرُّه. وقال سبحانه وتعالى: شدِيدُ القُوَى؛ قيل: هو جبريل، عليه السلام. والقُوَى: جمع القُوَّة، قال عز وجل لموسى حين كتب له الأَلواح: فخذها بقوَّة؛ قال الزجاج: أَي خذها بقُوَّة في دينك وحُجَّتك. ابن سيده: قَوَّى الله ضعفَك أَي أُبدَلك مكان الضعف قُوَّة، وحكى سيبويه: هو يُقَوَّى أَي يُرْمَى بذلك. وفرس مُقْوٍ: قويٌّ، ورجل مُقْوٍ: ذو دابة قَوِيّة. وأَقْوَى الرجلُ فهو مُقْوٍ إذا كانت دابته قَوِيَّة. يقال: فلان قَوِيٌّ مُقْوٍ، فالقَوِي في نفسه، والمُقْوِي في دابته. وفي الحديث أَنه قال في غزوة تبوك: لا يَخْرُجَنَّ معنا الاَّ رجل مُقْوٍ أَي ذو دابة قَوِيَّة. ومنه حديث الأَسود بن زيد في قوله عز وجل: وإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرون، قال: مُقْوون مُؤْدونَ أَي أَصحاب دَوابّ قَوِيّة كامِلُو أَداةِ الحرب. والقَوِيُّ من الحروف: ما لم يكن حرف لين. والقُوَى: العقل؛ وأَنشد ثعلب:
وصاحِبَيْنِ حازِمٍ قُواهُمـا |
نَبَّهْتُ، والرُّقادُ قد عَلاهُما |
إِلى أَمْونَيْنِ فَعَدَّياهـمـا |
القُوَّة: الخَصْلة الواحدة من قُوَى الحَبل، وقيل: القُوَّة الطاقة الواحدة من طاقاتِ الحَبْل أَو الوَتَر، والجمع كالجمع قُوىً وقِوىً. وحبل قَوٍ ووتَرٌ قَوٍ، كلاهما: مختلف القُوَى. وأَقْوَى الحبلَ والوَتر: جعل بعض قُواه أَغلظ من بعض. وفي حديث ابن الديلمي: يُنْقَضُ الإِسلامُ عُرْوَةً عُروة كما يُنْقَضُ الحبلُ قُوَّة قُوَّة. والمُقْوِي: الذي يُقَوِّي وتره، وذلك إذا لم يُجد غارَته فتراكبت قُواه. ويقال: وتَر مُقْوىً.أَبو عبيدة: يقال أَقْوَيْتَ حبلَك، وهو حبلٌ مُقْوىً، وهو أَن تُرْخِي قُوَّة وتُغير قوَّة فلا يلبث الحبل أَن يَتَقَطَّع، ويقال: قُوَّةٌ وقُوَّىً مثل صُوَّة وصُوىً وهُوَّة وهُوىً، ومنه الإِقواء في الشعر. وفي الحديث:يذهَب الدِّين سُنَّةً سُنة كما يذهب الحبل قُوَّة قُوَّة. أَبو عمرو بن العلاء: الإِقْواء أَن تختلف حركات الروي، فبعضه مرفوع وبعضه منصوب أَو مجرور. أَبو عبيدة: الإِقواء في عيوب الشعر نقصان الحرف من الفاصلة يعني من عَرُوض البيت، وهو مشتق من قوَّة الحبل، كأَنه نقص قُوَّة من قُواه وهو مثل القطع في عروض الكامل؛ وهو كقول الربيع بن زياد:
أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مالِك بـن زُهَـيْر |
|
تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهار؟ |
فنقَص من عَروضه قُوَّة.
والعَروض: وسط البيت: وقال أَبو عمرو الشيباني: الإِقْواء اختلاف إِعراب القَوافي؛ وكان يروي بيت الأَعشى:
ما بالُها بالليل زالَ زَوالُها |
بالرفع، ويقول: هذا إِقْواء، قال: وهو عند الناس الإِكفاء، وهو اختلاف إِعراب القَوافي، وقد أَقْوى الشاعر إِقْواء، ابن سيده: أَقْوَى في الشعر خالفَ بين قَوافِيه، قال: هذا قول أَهل اللغة. وقال الأَخفش: الإِقْواء رفع بيت وجرّ آخر نحو قول الشاعر:
لا بَأْسَ بالقَوْمِ من طُولٍ ومن عِظَمٍ |
|
جِسْمُ البِغال وأَحْلامُ العَصـافـيرِ |
ثم قال:
كأَنهم قَصَبٌ، جُوفٌ أَسافِلُه |
|
مُثَقَّبٌ نَفَخَتْ فيه الأَعاصيرُ |
قال: وقد سمعت هذا من العرب كثيراً لا أُحصي، وقَلَّت قصيدة ينشدونها إِلا وفيها إِقْواء ثم لا يستنكِرونه لأَنه لا يكسر الشعر، وأَيضاً فإِن كل بيت منها كأَنه شعر على حِياله. قال ابن جني: أَما سَمْعُه الإِقواء عن العرب فبحيث لا يُرتاب به لكن ذلك في اجتماع الرفع مع الجرّ، فأَما مخالطة النصب لواحد منهما فقليل، وذلك لمفارقة الأَلف الياء والواو ومشابهة كل واحدة منهما جميعاً أُختها؛ فمن ذلك قول الحرث بن حلزة:
فَمَلَكْنا بذلك الناسَ، حتـى |
|
مَلَكَ المُنْذِرُ بنُ ماءِ السَّماء |
مع قوله:
آذَنَتْنا بِبَيْنِهـا أَسْـمـاءُ |
|
رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْه الثَّواءُ |
وقال آخر أَنشده أَبو عليّ:
رَأَيْتُكِ لا تُغْنِينَ عَـنِّـى نَـقْـرَةً |
|
إِذا اخْتَلَفَت فيَّ الهَراوَى الدَّمامِكْ |
ويروى: الدَّمالِكُ.
فأَشْهَدُ لا آتِـيكِ مـا دامَ تَـنْـضُـبٌ |
|
بأَرْضِكِ، أَو صُلْبُ العَصا مِن رِجالِكِ |
ومعنى هذا أَن رجلاً واعدته امرأَة فعَثر عليها أَهلُها فضربوه بالعِصِيّ فقال هذين البيتين، ومثل هذا كثير، فأَما دخول النصب مع أَحدهما فقليل؛ من ذلك ما أَنشده أَبو عليّ:
فَيَحْيَى كان أَحْسَنَ مِنْكَ وَجْهاً |
|
وأَحْسَنَ في المُعَصْفَرَةِ ارْتِداآ |
ثم قال:
وفي قَلْبي على يَحْيَى البَلاء |
قال ابن جني: وقال أَعرابي لأَمدحنّ فلاناً ولأهجونه وليُعْطِيَنِّي، فقال:
يا أَمْرَسَ الناسِ إذا مَرَّسْتَـه |
|
وأَضْرَسَ الناسِ إذا ضَرَّسْتَه |
وأَفْقَسَ الناسِ إذا فَقَّسْـتَـه |
|
كالهِنْدُوَانِيِّ إذا شَمَّـسْـتَـه |
وقال رجل من بني ربيعة لرجل وهبه شاة جَماداً:
أَلم تَرَني رَدَدْت على ابن بَكْر |
|
مَنِيحَتَه فَـعَـجَّـلـت الأَداآ |
فقلتُ لِشاتِه لمَّـا أَتَـتْـنـي |
|
رَماكِ اللهُ مـن شـاةٍ بـداءِ |
وقال العلاء بن المِنهال الغَنَوِيّ في شريك بن عبد الله النخعي:
لَيتَ أَبا شَرِيكٍ كـان حَـيّاً |
|
فَيُقْصِرَ حِينَ يُبْصِرُه شَرِيكُ |
ويَتْرُكَ مِنْ تَدَرُّئِه علـينـا |
|
إِذا قُلنا له: هـذا أَبْـوكـا |
وقال آخر:
لا تَنْكِحَنَّ عَجُوزاً أَو مُطَلَّقةً |
|
ولا يسُوقَنَّها في حَبْلِك القَدَرُ |
أَراد ولا يسُوقَنَّها صَيْداً في حَبْلِك أَو جَنيبة لحبلك.
وإِنْ أَتَوْكَ وقالوا: إنها نَصَفٌ |
|
فإِنَّ أَطْيَبَ نِصْفَيها الذي غَبَرا |
وقال القُحَيف العُقَيْلي:
أَتاني بالعَقِيقِ دُعاءُ كَعْـبٍ |
|
فَحَنَّ النَّبعُ والأَسَلُ النِّهالُ |
وجاءَتْ مِن أَباطِحها قُرَيْشٌ |
|
كَسَيْلِ أَتِيِّ بيشةَ حين سالاَ |
وقال آخر:
وإِني بحَمْدِ اللهِ لا واهِنُ القُـوَى |
|
ولم يَكُ قَوْمِي قَوْمَ سُوءٍ فأَخْشعا |
وإِني بحَمْدِ اللهِ لا ثَوْبَ عاجِز |
|
لَبِسْتُ، ولا من غَدْرةٍ أَتَقَنَّعُ |
ومن ذلك ما أَنشده ابن الأَعرابي:
قد أَرْسَلُوني في الكَواعِبِ راعِـياً |
|
فَقَدْ، وأَبي راعِي الكواعِبِ، أَفْرِسُ |
أَتَـتْـه ذِئابٌ لا يُبـالِـينَ راعِـياً |
|
وكُنَّ سَواماً تَشْتَهِي أَن تُـفَـرَّسـا |
وأَنشد ابن الأَعرابي أَيضاً:
عَشَّيْتُ جابانَ حتى اسْتَدَّ مَغْرِضُـه |
|
وكادَ يَهْلِكُ لـولا أَنـه اطَّـافـا |
قُولا لجابانَ: فَلْيَلْحَـقْ بِـطِـيَّتـه |
|
نَوْمُ الضُّحَى بعدَ نَوْمِ الليلِ إِسْرافُ |
وأَنشد ابن الأَعرابي أَيضاً:
أَلا يا خيْزَ يا ابْنَةَ يَثْرُدانٍ |
|
أَبَى الحُلْقُومُ بَعْدكِ لا يَنام |
ويروى: أُثْردانٍ.
وبَرْقٌ للعَصِيدةِ لاحَ وَهْـنـاً |
|
كما شَقَّقْتَ في القِدْر السَّناما |
وقال: وكل هذه الأَبيات قد أَنشدنا كل بيت منها في موضعه. قال ابن جني: وفي الجملة إِنَّ الإِقواء وإِن كان عَيباً لاختلاف الصوت به فإِنه قد كثر، قال: واحتج الأَخفش لذلك بأَن كل بيت شعر برأْسه وأَنَّ الإِقواء لا يكسر الوزن؛ قال: وزادني أَبو علي في ذلك فقال إِن حرف الوصل يزول في كثير من الإِنشاد نحو قوله:
قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِل |
وقوله:
سُقِيتِ الغَيْثَ أَيَّتُها الخِيام |
وقوله:
كانت مُبارَكَةً مِن الأَيَّام |
فلما كان حرف الوصل غير لازم لأَن الوقف يُزيله لم يُحْفَل باختلافه، ولأَجل ذلك ما قلَّ الإِقواء عنهم مع هاء الوصل، أَلا ترى أَنه لا يمكن الوقوف دون هاء الوصل كما يمكن الوقوف على لام منزل ونحوه؟ فلهذا قل جدّاً نحو قول الأعشى:
ما بالُها بالليلِ زال زوالُها |
فيمن رفع. قال الأَخفش: قد سمعت بعض العرب يجعل الإِقواء سِناداً؛ وقال الشاعر:
فيه سِنادٌ وإِقْواءٌ وتَحْرِيدُ |
قال: فجعل الإِقواء غير السناد كأَنه ذهب بذلك إِلى تضعيف قول من جعل الإِقواء سناداً من العرب وجعله عيباً. قال: وللنابغة في هذا خبر مشهور، وقد عيب قوله في الداليَّة المجرورة:
وبذاك خَبَّرَنا الغُدافُ الأَسودُ |
فعِيب عليه ذلك فلم يفهمه، فلما لم يفهمه أُتي بمغنية فغنته:
مِن آلِ مَيّةَ رائحٌ أَو مُغْتَدِي |
ومدّت الوصل وأَشبعته ثم قالت:
وبذاك خَبَّرنا الغُدافُ الأَسودُ |
ومَطَلَت واو الوصل، فلما أَحسَّه عرفه واعتذر منه وغيَّره فيما يقال إِلى قوله:
وبذاكَ تَنْعابُ الغُرابِ الأَسْودِ |
وقال: دَخَلْتُ يَثْرِبَ وفي شعري صَنْعة، ثم خرجت منها وأَنا أَشْعر العرب.
واقْتَوى الشيءَ: اخْتَصَّه لنفسه. والتَّقاوِي: تزايُد الشركاء.
والقِيُّ: القَفْر من الأَرض، أبدلوا الواو ياء طلباً للخفة، وكسروا القاف لمجاورتها الياء. والقَواءُ: كالقِيّ، همزته منقلبة عن واو. وأَرض قَواء وقَوايةٌ؛ الأَخيرة نادرة: قَفْرة لا أَحد فيها. وقال الفراء في قوله عز وجل: نحن جَعَلْناها تَذْكِرة ومتاعاً للمُقْوِين، يقول: نحن جعلنا النار تذكرة لجهنم ومتاعاً للمُقْوِين، يقول: منفعةً للمُسافرين إذا نزلوا بالأَرض القِيّ وهي القفر. وقال أَبو عبيد: المُقْوِي الذي لا زاد معه، يقال: أَقْوَى الرجل إذا نَفِد زاده. وروى أَبو إسحق: المُقْوِي الذي ينزل بالقَواء وهي الأَرض الخالية. أَبو عمرو: القَواية الأَرض التي لم تُمْطَر. وقد قَوِيَ المطر يَقْوَى إذا احْتبس، وإنما لم يدغم قَوِيَ وأُدغمت قِيٌّ لاختلاف الحرفين، وهما متحركان، وأُدغمت في قولك لوَيْتُ لَيّاً وأَصله لَوْياً، مع اختلافهما، لأَن الأُولى منهما ساكنة، قَلَبْتَها ياء وأَدغمت. والقَواء، بالفتح: الأَرض التي لم تمطر بين أَرضين مَمطورتَين. شمر: قال بعضهم بلد مُقْوٍ إذا لم يكن فيه مطر، وبلد قاوٍ ليس به أَحد. ابن شميل: المُقْوِيةُ الأَرض التي لم يصبها مطر وليس بها كلأٌ، ولا يقال لها مُقْوِية وبها يَبْسٌ من يَبْسِ عام أَوَّل. والمُقْوِية: المَلْساء التي ليس بها شيء مثل إِقْواء القوم إذا نَفِد طعامهم؛ وأَنشد شمر لأَبي الصوف الطائي:
لا تَكْسَعَنّ بَعْدَهـا بـالأَغـبـار |
|
رِسْلاً، وإن خِفْتَ تَقاوِي الأَمْطار |
قال: والتَّقاوِي قِلَّته. وسنة قاويةٌ: قليلة الأَمطار. ابن الأَعرابي: أَقْوَى إذا اسْتَغْنَى، وأَقْوى إذا افتقَرَ، وأَقْوَى القومُ إذا وقعوا في قِيٍّ من الأَرض. والقِيُّ: المُسْتَوِية المَلْساء، وهي الخَوِيَّةُ أَيضاً. وأَقْوَى الرجلُ إذا نزل بالقفر. والقِيُّ: القفر؛ قال العجاج:
وبَلْدَةٍ نِياطُها نَطِـيُّ |
|
قِيٌّ تُناصِيها بلادٌ قِيُّ |
وكذلك القَوا والقَواء، بالمد والقصر. ومنزل قَواء: لا أَنِيسَ به؛ قال جرير:
أَلا حَيِّيا الرَّبْعَ القَواء وسَلِّمـا |
|
ورَبْعاً كجُثْمانِ الحَمامةِ أَدْهَما |
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: وبي رُخِّصَ لكم في صَعِيدِ الأَقْواءِ؛ الأَقْواءُ: جمع قَواء وهو القفر الخالي من الأَرض، تريد أَنها كانت سبب رُخصة التيمم لما ضاع عِقْدُها في السفر وطلبوه فأَصبحوا وليس معهم ماء فنزلت آية التيمم، والصَّعِيدُ: التراب. ودارٌ قَواء: خَلاء، وقد قَوِيَتْ وأَقْوَتْ. أَبو عبيدة: قَوِيَت الدار قَواً، مقصور، وأَقْوَتْ إِقواءً إذا أَقْفَرت وخَلَتْ. الفراء: أَرض قِيٌّ وقد قَوِيَتْ وأَقْوَتْ قَوايةً وقَواً وقَواء. وفي حديث سَلْمان: مَن صَلَّى بأَرْض قِيٍّ فأَذَّنَ وأَقامَ الصلاةَ صلَّى خَلْفَه من الملائكة ما لا يُرَى قُطْرُه، وفي رواية: ما من مسلم يصلي بِقِيٍّ من الأَرض؛ القيّ، بالكسر والتشديد: فِعْل من القَواء، وهي الأَرض القَفْر الخالية. وأَرض قَواء: لا أَهل فيها، والفِعْل أَقْوَت الأَرض وأَقْوَتِ الدار إذا خلت من أَهلها، واشتقاقه من القَواء. وأَقْوَى القومُ: نزلوا في القَواء. الجوهري: وبات فلان القَواء، وبات القَفْر إذا بات جائعاً على غير طُعْم؛ وقال حاتم طيِّء:
وإِني لأَختارُ القَوا طاوِيَ الحَشَى |
|
مُحافَظَةً مِـنْ أَنْ يُقـالَ لَـئِيمُ |
ابن بري: وحكى ابن ولاد عن الفراء قَواً مأْخوذ من القِيِّ، وأَنشد بيت حاتم؛ قال المهلبي: لا معنى للأَرض ههنا، وإِنما القَوَا ههنا بمعنى الطَّوَى. وأَقْوى الرجل: نَفِدَ طعامه وفَنِي زاده؛ ومنه قوله تعالى: ومتاعاً للمُقْوِين. وفي حديث سرية عبد الله بن جَحش: قال له المسلمون إِنَّا قد أَقْوَيْنا فأَعْطِنا من الغنيمة أَي نَفِدَت أَزْوادنا، وهو أَن يبقى مِزْوَدُه قَواء أَي خالياً؛ ومنه حديث الخُدْرِي في سَرِيَّةِ بني فَزارةَ: إِني قد أَقْوَيْت مُنْذُ ثلاث فخِفْت أَن يَحْطِمَني الجُوع؛ ومنه حديث الدعاء: وإِنَّ مَعادِن إِحسانك لا تَقْوَى أَي لا تَخْلُو من الجوهر، يريد به العطاء والإِفْضال. وأَقْوَى الرجل وأَقْفَرَ وأَرْمَلَ إذا كان بأَرض قَفْرٍ ليس معه زاد. وأَقْوَى إذا جاعَ فلم يكن معه شيء، وإِن كان في بيته وسْطَ قومه. الأَصمعي: القَواء القَفْر، والقِيُّ من القَواء فعل منه مأْخوذ؛ قال أَبو عبيد: كان ينبغي أَن يكون قُوْيٌ، فلما جاءت الياء كسرت القاف. وتقول: اشترى الشركاء شيئاً ثم اقْتَوَوْه أَي تزايدوه حتى بلغ غاية ثمنه. وفي حديث ابن سيرين: لم يكن يرى بأْساً بالشُّركاء يتَقاوَوْنَ المتاع بينهم فيمن يزيد؛ التَّقاوِي بين الشركاء: أَن يشتروا سلعة رخيصة ثم يتزايدوا بينهم حتى يَبْلُغوا غاية ثمنها. يقال: بيني وبين فلان ثوب فتَقاوَيْناه أَي أَعطيته به ثمناً فأَخذته أَو أَعطاني به ثمناً فأَخذه. وفي حديث عطاء: سأَل عُبَيْدَ اللهِ بنَ عبد الله بنِ عُتْبةَ عن امرأَة كان زوجها مملوكاً فاشترته، فقال: إِنِ اقْتَوَتْه فُرّق بينهما وإن أَعتقته فهما على نكاحهما أَي إِن اسْتخْدمَتْه، من القَتْوِ الخِدمةِ، وقد ذكر في موضعه من قَتا؛ قال الزمخشري: هو افْعَلَّ من القَتْوِ الخِدمةِ كارْعَوَى من الرَّعْوَى، قال: إِلا أَن فيه نظراً لأَن افْعَلَّ لم يَجئ متعَدِّياً، قال: والذي سمعته اقْتَوَى إذا صار خادماً، قال: ويجوز أَن يكون معناه افْتَعَل من القْتواء بمعنى الاستخلاص، فكَنى به عن الاستخدام لأَن من اقتوى عبداً لا بُدَّ أَن يستخدمه، قال: والمشهور عن أَئمة الفقه أَن المرأَة إذا اشترت زوجها حرمت عليه من غير اشتراط خدمة، قال: ولعل هذا شيء اختص به عبيد الله. وروي عن مسروق أَنه أَوصى في جارية له: أَن قُولوا لِبَنِيَّ لا تَقْتَوُوها بينكم ولكن بيعوها، إِني لم أَغْشَها ولكني جلست منها مجلِساً ما أُحِبُّ أَن يَجلِس ولد لي ذلك المَجْلِس، قال أَبو زيد: يقال إذا كان الغلام أَو الجارية أَو الدابة أَو الدار أَو السلعة بين الرجلين فقد يَتَقاوَيانِها، وذلك إذا قوّماها فقامت على ثمن، فهما في التَّقاوِي سواء، فإِذا اشتراها أَحدُهما فهو المُقْتَوِي دون صاحبه فلا يكون اقْتِواؤهما وهي بينهما إِلا أَن تكون بين ثلاثة فأَقول للاثنين من الثلاثة إذا اشتريا نصيب الثالث اقْتَوَياها وأَقْواهما البائع إِقْواء. والمُقْوِي: البائع الذي باع، ولا يكون الإِقْواء إِلا من البائع، ولا التَّقاوِي إِلا من الشركاء، ولا الاقتواء إِلا ممن يشتري من الشركاء، والذي يباع من العبد أَو الجارية أَو الدابة من اللَّذَيْنِ تَقاويا، فأَما في غير الشركاء فليس اقْتِواء ولا تَقاوٍ ولا إِقْواء. قال ابن بري: لا يكون الاقْتِواء في السلعة إِلا بين الشركاء، قيل أَصله من القُوَّة لأَنه بلوغ بالسلعة أَقْوَى ثمنها؛ قال شمر: ويروى بيت ابن كلثوم:
مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مُقْتَوِينا |
أَي متى اقْتَوَتْنا أُمُّك فاشترتنا. وقال ابن شميل: كان بيني وبين فلان ثوب فَتَقاوَيْناه بيننا أَي أَعطيته ثمناً وأَعطاني به هو فأَخذه أَحدنا. وقد اقْتَوَيْت منه الغلام الذي كان بيننا أَي اشتريت منه نصيبه.
وقال الأَسدي: القاوِي الآخذ، يقال: قاوِه أَي أَعْطِه نصيبه؛ قال النَّظَّارُ الأَسدي:
ويومَ النِّسارِ ويَوْمَ الجِـفـا |
|
رِ كانُوا لَنا مُقْتَوِي المُقْتَوِينا |
التهذيب: والعرب تقول للسُّقاة إذا كَرَعوا في دَلْوٍ مَلآنَ ماء فشربوا ماءه قد تَقاوَوْه، وقد تقاوَينا الدَّلْو تَقاوِياً. الأَصمعي: من أَمثالهم انقَطَع قُوَيٌّ من قاوِيةٍ إذا انقطع ما بين الرجلين أَو وجَبت بَيْعَةٌ لا تُسْتقال؛ قال أَبو منصور: والقاويةُ هي البيضة، سميت قاوِيةً لأَنها قَوِيَتْ عن فَرْخها. والقُوَيُّ: الفَرْخ الصغير، تصغير قاوٍ، سمي قُوَيّاً لأَنه زايل البيضة فَقَوِيَتْ عنه وقَوِيَ عنها أَي خَلا وخَلَتْ، ومثله: انْقَضَتْ قائبةٌ من قُوبٍ؛ أَبو عمرو: القائبةُ والقاوِيةُ البيضة، فإِذا ثقبها الفرخ فخرج فهو القُوبُ والقُوَيُّ، قال: والعرب تقول للدَّنيءِ قُوَيٌّ من قاوِية.وقُوَّةُ: اسم رجل. وقَوٌّ: موضع، وقيل: موضع بين فَيْدٍ والنِّباج؛ وقال امْرُؤ القَيْس:
سَما لَكَ شَوْقٌ بعدَ ما كان أَقْصَرا |
|
وحَلَّتْ سُلَيْمَى بطنَ قَوٍّ فعَرْعَرا |
والقَوقاةُ: صوت الدجاجة. وقَوْقَيْتُ: مثل ضَوْضَيْتُ. ابن سيده: قَوْقَتِ الدجاجة تُقَوْقي قيقاءً وقَوْقاةً صوّتت عند البيض، فهي مُقَوْقِيةٌ أَي صاحت، مثل دَهْدَيْتُ الحجر دِهْداء ودَهْداةً، على فَعْلَلَ فَعَللة وفِعْلالاً، والياء مبدلة من واو لأَنها بمنزلة ضَعْضَعْت كرّر فيه الفاء والعين؛ قال ابن سيده: وربما استعمل في الديك؛ وحكاه السيرافي في الإِنسان، وبعضهم يهمز فيبدل الهمزة من الواو المُتوهَّمة فيقول قَوْقَأَت الدجاجة. ابن الأَعرابي: القِيقاءة والقِيقايةُ، لغتان: مشْرَبَة كالتَّلْتلةِ؛ وأَنشد:
وشُرْبٌ بِقِيقاةٍ وأَنتَ بَغِيرُ |
قصره الشاعر. والقِيقاءة: القاعُ المستديرة في صلابة من الأَرض إِلى جانب سهل، ومنهم من يقول قِيقاةٌ؛ قال رؤبة:
إِذا جَرَى، من آلِها الرَّقْـراقِ |
|
رَيْقٌ وضَحْضاحٌ على القَياقي |
والقِيقاءة: الأَرض الغَليظة؛ وقوله:
وخَبَّ أَعْرافُ السَّفى على القِيَقْ |
كأَنه جمع قِيقةٍ، وإِنما هي قِيقاة فحذفت ألفها، قال: ومن قال هي قِيقة وجمعها قَياقٍ، كما في بيت رؤبة، كان له مخرج.
القَوْبُ: أَن تُقَوِّبَ أَرْضاً أَو حُفْرةً شِبْهَ التَّقْوير.
قُبْتُ الأَرضَ أَقُوبُها إذا حَفَرْتَ فيها حُفْرة مُقَوَّرة، فانْقَابَتْ هي. ابن سيده: قابَ الأَرضَ قَوْباً، وقَوَّبَها تَقْويباً: حَفَر فيها شِبْهَ التَّقْويرِ. وقد انْقَابَتْ، وتَقَوَّبَتْ، وتَقَوَّبَ من رأْسه مواضعُ أَي تَقَشَّرَ.
والأَسْوَدُ المُتَقَوِّبُ: هو الذي سَلخَ جِلْدَه من الحَيَّات.
الليث: الجَرَبُ يُقَوِّبُ جِلْدَ البعير، فتَرى فيه قُوباً قد انْجَرَدَتْ من الوَبَر، ولذلك سميت القُوَباءُ التي تَخْرُجُ في جلد الإِنسان، فتُداوَى بالرِّيق؛ قال:
وهل تُدَاوَى القُوَبا بالرِّيقَهْ |
وقال الفراء: القُوباء تؤَنث، وتذكر، وتُحرَّك، وتسكَّن، فيقال: هذه قُوَباءُ، فلا تصرف في معرفة ولا نكرة، وتلحق بباب فُقَهاءَ، وهو نادر.
وتقول في التخفيف: هذه قُوباءُ، فلا تصرف في المعرفة، وتصرف في النكرة.
وتقول: هذه قُوباءٌ، تَنْصَرِفُ في المعرفة والنكرة، وتُلْحقُ بباب طُومارٍ؛ وأَنشد:
به عَرَصاتُ الحَيِّ قَوَّبْنَ مَتْنَه، |
|
وجَرَّدَ، أَثْباجَ الجَراثِيم، حاطِبُه |
قَوَّبْنَ مَتْنَه أَي أَثرْنَ فيه بمَوْطئِهم ومَحَلِّهم؛ قال العجاج:
من عَرَصاتِ الحَيِّ أَمْسَتْ قُوبا |
أَي أَمْسَتْ مُقَوَّبة.
وتَقَوَّبَ جِلْدُه: تَقَلَّعَ عنه الجَرَبُ، وانْحَلَق عنه الشَّعَرُ، وهي القُوبةُ والقُوَبةُ والقُوباءُ والقُوَباءُ. وقال ابن الأَعرابي: القُوباء واحدةُ القُوبةِ والقُوَبةِ؛ قال ابن سيده: ولا أَدْري كيف هذا؟ لأَن فُعْلَة وفُعَلَةً لا يكونان جمعاً لفُعْلاء، ولا هما من أَبنية الجمع، قال: والقُوَبُ جمع قُوبةٍ وقُوَبة؛ قال: وهذا بَيِّن، لأَن فُعَلاً جمع لفُعْلة وفُعَلَةٍ.
والقُوباءُ والقُوَباءُ: الذي يَظْهَر في الجسد ويخرُج عليه، وهو داءٌ معروف، يَتَقَشَّر ويتسعُ، يعالج ويُدَاوى بالريق؛ وهي مؤَنثة لا تنصرف، وجمعها قُوَبٌ؛ وقال ابن قَنَانٍ الراجز:
يا عَجَبَا لهذه الفَـلِـيقَـهْ، |
|
هَلْ تَغْلِبَنَّ القُوَباءُ الريقَهْ؟ |
الفليقةُ: الداهية. ويروى: يا عَجَباً، بالتنوين، على تأْويل يا قوم اعْجَبُوا عَجَباً؛ وإِن شئتَ جعلته مُنادى منكوراً، ويروى: يا عَجَبَا، بغير تنوين، يريد يا عَجَبي، فأَبدَل من الياءِ أَلِفاً؛ عل حدّ قول الآخر:
يا ابْنَةَ عَمَّا لا تلُومي واهْجَعِي |
ومعنى رجز ابن قَنانٍ: أَنه تَعَجَّبَ من هذا الحُزاز الخَبيث، كيق يُزيلُه الريقُ، ويقال: إِنه مختص بريق الصائِم، أَو الجائِع؛ وقد تُسَكَّنُ الواو منها استثقالاً للحركة على الواو، فإِن سكنتها، ذَكَّرْتَ وصَرَفْتَ، والياء فيه للإِلحاق بقِرْطاس، والهمزة مُنْقلبة منها. قال ابن السكيت: وليس في الكلام فُعْلاء، مضمومة الفاء ساكنة العين، ممدودة الآخر، إِلاَّ الخُشَّاءَ وهو العظمُ الناتئ وراء الأُذن وقُوباءَ؛ قال: والأَصل فيهما تحريك العين، خُشَشَاءُ وقَوَباءُ. قال الجوهري: والمُزَّاءُ عندي مثلُهما فمن قال: قُوَباء، بالتحريك، قال في تصغيره: قُوَيْباء، ومن سَكَّنَ، قال: قُوَيْبيٌّ؛ وأَما قول رؤبة:
من ساحرٍ يُلْقي الحَصى في الأَكْوابْ، |
|
بنُـشْـرَةٍ أَثـارةٍ كـالأَقْـــوابْ |
فإِنه جمع قُوباءَ، على اعتِقادِ حذف الزيادة على أَقوابٍ. الأَزهري: قابَ الرجلُ: تَقَوَّب جِلْدُه، وقابَ يَقُوبُ قَوْباً إذا هَرَبَ. وقابَ الرجل إذا قَرُبَ. وتقول: بينهما قابُ قَوْسٍ، وقِيبُ قَوسٍ، وقادُ قَوْسٍ، وقِيدُ قَوس أَي قَدْرُ قَوْسٍ. والقابُ: ما بين المَقْبِضِ والسِّيَة. ولكل قَوْس قابانِ، وهما ما بين المَقْبِضِ والسِّيَةِ. وقال بعضهم في قوله عز وجل: فكان قابَ قَوْسَيْن؛ أَراد قابَيْ قوْس، فَقَلَبَه.
وقيل: قابَ قَوْسَيْن، طُولَ قَوْسَين. الفراء: قابَ قَوْسَين أَي قَدْرَ قَوْسين، عربيتين. وفي الحديث: لَقابُ قَوسِ أَحدكم، أَو موضعُ قِدِّه من الجنة، خيرٌ من الدنيا وما فيها. قال ابن الأَثير: القابُ والقِيبُ بمعنى القَدْرِ، وعينُها واو مِن قولهم: قَوَّبوا في الأَرض أَي أَثروا فيها بوَطْئِهم، وجعَلوا في مَساقيها علامات.
وقَوَّبَ الشيءَ: قَلَعَه من أَصله. وتَقَوَّبَ الشيءُ إذا انْقَلَعَ من أَصله.
وقابَ الطائرُ بيضَتَه أَي فَلَقَها، فانْقابت البيضةُ؛ وتَقَوَّبَتْ بمعنىً.
والقائبةُ والقابَةُ: البَيْضة.
والقُوبُ، بالضم: الفَرْخُ.
والقُوبِيُّ: المُولَعُ بأَكل الأَقْوابِ، وهي الفِراخُ؛ وأَنشد:
لهُنَّ وللمَشِيبِ ومَنْ عَلاهُ، |
|
من الأَمْثالِ، قائِبَةٌ وقُوبُ |
مَثَّلَ هَرَبَ النساءِ من الشيوخ بهَرَبِ القُوبِ، وهو الفَرْخُ، من القائبةِ، وهي البَيْضة، فيقول: لا تَرْجِعُ الحَسْناءُ إِلى الشيخ، كما لا يَرْجِعُ الفرخُ إِلى البيضة. وفي المثل: تَخَلَّصَتْ قائبةٌ من قُوبٍ، يُضْرَبُ مثلاً للرجل إذا انْفَصَلَ من صاحبه. قال أَعرابي من بني أَسَدٍ لتاجرٍ اسْتَخْفَره: إذا بَلَغْتُ بك مكان كذا، فَبَرِئَتْ قائِبةٌ من قُوبٍ أَي أَنا بريءٌ من خُفارَتِكَ. وتَقَوَّبَتِ البيضةُ إذا تَفَلَّقَتْ عن فَرْخها.
يقال: انْقَضَتْ قائبةٌ من قُوبِها، وانْقَضَى قُوبِيٌّ من قاوِبَةٍ؛ معناه: أَن الفَرْخ إذا فارقَ بيضَتَه، لم يَعُدْ إِليها؛ وقال:
فقائِبةٌ ما نَحْنُ يوماً، وأَنْـتُـمُ، |
|
بَني مالكٍ، إِن لم تَفيئوا وقُوبُها |
يُعاتِبُهم على تَحَوُّلِهم بنسَبهم إِلى اليمن؛ يقول: إِن لم ترجعوا إِلى نسبكم، لم تعودوا إِليه أَبداً. فكانت ثلْبةَ ما بيننا وبينكم.
وسُمِّيَ الفَرْخُ قُوباً لانقِيابِ البيضةِ عنه.
شمر: قِيبَتِ البيضةُ، فهي مَقُوبة إذا خَرَجَ فرْخُها.
ويقال: قَابَةٌ وقُوبٌ، بمعنى قائبةٍ وقُوبٍ. وقال ابن هانئ: القُوَبُ قُشْوُرُ البيض؛ قال الكميت يصِف بيضَ النَّعامِ.
على تَوائِم أَصْغَى من أَجِنَّتِهـا، |
|
إِلى وَساوِس، عنها قابتِ القُوَبُ |
قال: القُوَبُ: قشور البيض. أَصْغَى من أَجنتها، يقول: لما تحرَّك الولد في البيض، تَسَمَّع إِلى وسْواس؛ جَعَلَ تلك الحركة وسوسةً. قال: وقابَتْ تَفَلَّقَت. والقُوبُ: البَيْضُ. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه، أَنه نهى عن التَّمَتُّع بالعمرة إِلى الحج، وقال: إِنكم إِن اعتمرتم في أَشهر الحج، رأَيتموها مُجْزئةً من حجكم، فَفَرَغَ حَجكم، وكانت قائِبةً من قُوبٍ؛ ضرب هذا مثلاً لخَلاء مكة من المعتمرين سائر السنة. والمعنى: أَن الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إِليها، وكذا إذا اعْتَمروا في أَشهر الحج، لم يعودوا إِلى مكة.
ويقال: قُبْتُ البَيْضة أَقُوبُها قَوْباً، فانْقابَتِ انقِياباً. قال الأَزهري: وقيل للبيضة قائِبةٌ، وهي مَقُوبة، أَراد أَنها ذاتُ فَرْخٍ؛ ويقال لها قاوِبةٌ إذا خَرَجَ منها الفَرْخُ، والفرخُ الخارج يقال له: قُوبٌ وقُوبيّ؛ قال الكميت:
وأَفْرَخَ منْ بيضِ الأَنوقِ مَقُوبُها |
ويقال: انْقابَ المكانُ، وتَقَوَّبَ إذا جُرِّدَ فيه مواضعُ من الشجر والكلإِ.
ورجل مَليءٌ قُوَبَةٌ، مثل هُمَزة: ثابتُ الدارِ مُقِيمٌ؛ يقال ذلك للذي لا يبرح من المنزل.
وقَوِبَ من الغُبار أَي اغْبرَّ؛ عن ثعلب.
والمُقَوَّبةُ من الأَرضين: التي يُصِيبُها المطرُ فيبقَى في أَماكِنَ منها شجرٌ كان بها قديماً؛ حكاه أَبو حنيفة.
القُوتُ: ما يُمْسِكُ الرَّمَقَ من الرِّزْق. ابن سيده: القُوتُ، والقِيتُ، والقِيتَةُ، والقائِتُ: المُسْكة من الرزق. وفي الصحاح: هو ما يَقُوم به بَدَنُ الإِنسان من الطعام؛ يقال: ما عنده قُوتُ ليلةٍ، وقِيتُ ليلةٍ، وقِيتَةُ ليلةٍ؛ فلما كُسِرتِ القافُ صارت الواو ياء، وهي البُلْغة؛ وما عليه قُوتٌ ولا قُواتٌ، هذانِ عن اللحياني. قال ابن سيده: ولم يفسره، وعندي أَنه من القُوت.
والقَوْتُ: مصدرُ قاتَ يَقُوتُ قَوْتاً وقِياتَةً. وقال ابن سيده: قاتَه ذلك قَوْتاً وقُوتاً، الأَخيرة عن سيبويه.
وتَقَوَّتَ بالشيء، واقْتاتَ به واقْتاتَهُ: جَعَلَه قُوتَهُ. وحكى ابنُ الأَعرابي: أَن الاقْتِياتَ هو القُوتُ، جعله اسماً له. قال ابن سيده: ولا أَدري كيفَ ذلك؛ قال وقول طُفَيلٍ:
يَقْتاتُ فَضْلَ سَنامِها الرَّحْلُ |
قال: عندي أَنَّ يَقْتاته هنا يأْكله، فيجعله قُوتاً لنفسه؛ وأَما ابن الأَعرابي فقال: معناه يَذْهَبُ به شيئاً بعد شيء، قال: ولم أَسمع هذا الذي حكاه ابن الأَعرابي، إِلاّ في هذا البيت وحده، فلا أَدْري أَتَأَوُّلٌ منه، أَم سماعٌ سمعه؛ قال ابن الأَعرابي: وحَلَفَ العُقَيْليُّ يوماً، فقال: لا، وَقائتِ نَفَسِي القَصير؛ قال: هو من قوله:
يَقْتاتُ فَضْلَ سَنامِها الرَّحْلُ |
قال: والاقْتِياتُ والقَوتُ واحدٌ. قال أَبو منصور: لا، وقائِتِ نَفَسِي؛ أَراد بنَفَسِه روحَه؛ والمعنى: أَنه يَقْبِضُ رُوحَه، نَفَساً بعد نَفَسٍ، حتى يَتَوفَّاه كلَّه؛ وقوله:
يَقْتاتُ فَضْلَ سَنامِها الرَّحْلُ |
أَي يأْخذ الرحلُ، وأَنا راكبُه، شَحْمَ سَنام الناقةِ قليلاً قليلاً، حتى لا يَبْقَى منه شيءٌ، لأَنه يُنْضِيها. وأَنا أَقُوتُه أَي أَعُولُه برزقٍ قليلٍ. وقُتُّه فاقتاتَ، كما تقول رَزَقْتُه فارْتَزَقَ، وهو في قائِتٍ من العَيْش أَي في كِفايةٍ.
واسْتَقاتَه: سأَله القُوتَ؛ وفلانٌ يَتَقَوَّتُ بكذا. وفي الحديث: اللهم اجْعَلْ رِزْقَ آلِ محمدٍ قُوتاً أَي بقَدْرِ ما يُمْسِكُ الرَّمَقَ من المَطْعَم.
وفي حديث الدُّعاء: وجَعَلَ لكل منهم قِيتَةً مَقْسومةً من رِزْقِه، هي فِعْلَة من القَوْتِ، كمِيتَة من المَوتِ.
ونَفَخَ في النار نَفْخاً قُوتاً، واقْتاتَ لها: كلاهما رَفَقَ بها.
واقْتَتْ لنارِك قِيتةً أَي أَطْعِمْها؛ قال ذو الرمة:
فقلتُ له: خُذْها إِليكَ، وأَحْيِها |
|
بروحِكَ، واقْتَتْه لها قِيتةً قَدْرا |
وإِذا نَفَخَّ نافخٌ في النار، قيل له: انْفُخْ نَفْخاً قُوتاً، واقْتْ لها نَفْخَك قِيتةً؛ يأْمُرُه بالرِّفْقِ والنَّفْخِ القليل.
وأَقاتَ الشيءَ وأَقاتَ عليه: أَطاقَه؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
وبِما أَسْتَفِيدُ، ثـم أُقِـيتُ ال |
|
مالَ، إِني امْرُؤٌ مُقِيتٌ مُفِيدُ |
وفي أَسماء الله تعالى: المُقِيتُ، هو الحَفِيظ، وقيل: المُقْتَدِرٌ، وقيل: هو الذي يُعْطِي أَقْواتَ الخلائق؛ وهو مِن أَقاتَه يُقِيتُه إذا أَعطاه قُوتَه. وأَقاته أَيضاً: إذا حَفِظَه. وفي التنزيل العزيز: وكان اللهُ على كلِّ شيء مُقِيتاً. الفراء: المُقِيتُ المُقْتَدِرُ والمُقَدِّرُ، كالذي يُعْطِي كلَّ شيءٍ قوتَه. وقال الزجاجُ: المُقِيتُ القَديرُ، وقيل: الحفيظ؛ قال: وهو بالحفيظ أَشبه، لأَنه مُشْتَقُّ من القُوتِ.
يقال: قُتُّ الرجلَ أَقُوتُه قَوْتاً إذا حَفِظْتَ نَفْسَه بما يَقُوته. والقُوتُ: اسمُ الشيء الذي يَحْفَظُ نَفْسَه، ولا فَضْلَ فيه على قَدْرِ الحِفْظِ، فمعنى المُقِيتِ: الحفيظُ الذي يُعْطِي الشيءَ قَدْرَ الحاجة، من الحِفْظِ؛ وقال الفراس: المُقِيتُ المُقْتَدِرُ، كالذي يُعْطِي كلَّ رَجُلٍ قُوتَه. ويقال: المُقِيتُ الحافِظُ للشيء والشاهِدُ له؛ وأَنشد ثعلب للسَّمَوْأَل بن عادِياء:
رُبَّ شَتْمٍ سَمِعْتُه وتَـصـامَـمْ |
|
تُ، وعِيٍّ تَرَكْتُه. فـكُـفِـيتُ |
لَيتَ شِعْري، وأَشْعُرَنَّ إذا مـا |
|
قَرَّبُوها مَنْـشُـورةً، ودُعِـيتُ |
أَلِيَ الفَضْلُ أَمْ عَلـيَّ، إذا حُـو |
|
سِبْتُ؟ إِني عَلى الحِسابِ مُقِيتُ |
أَي أَعْرِفُ ما عَمِلْتُ من السُّوء، لأَن الإِنسان على نفسه بصيرة.
حكى ابن بري عن أَبي سعيد السيرافي، قال: الصحيح رواية من رَوَى:
رَبِّي على الحِسابِ مُقِيتُ |
قال: لأَن الخاضعَ لربِّه لا يَصِفُ نفسَه بهذه الصفة. قال ابن بري: الذي حَمَلَ السيرافيَّ على تصحيح هذه الرواية، أَنه بَنَى على أَن مُقِيتاً بمعنى مُقْتَدِرٍ، ولو ذَهَبَ مَذْهَبَ من يقول إِنه الحافظ للشيء والشاهد له، كما ذكر الجوهري، لم يُنْكِر الروايةَ الأَوَّلَة. وقال أَبو إِسحق الزجاج: إِن المُقِيتَ بمعنى الحافظ والحفيظ، لأَنه مشتق من القَوتِ أَي مأْخوذ من قولهم: قُتُّ الرجلَ أَقُوتُه إذا حَفِظْتَ نفسه بما يَقُوتُه. والقُوتُ: اسمُ الشيء الذي يَحْفَظُ نَفْسَه، قال: فمعنى المُقِيت على هذا: الحفيظُ الذي يُعْطِي الشيءَ على قدر الحاجة، مِن الحِفْظ؛ قال: وعلى هذا فُسِّرَ قولُه عز وجل: وكان اللهُ على كل شيء مُقِيتاً أَي حفيظاً. وقيل في تفسير بيت السَّمَوأَل: إِني على الحِسابِ مُقِيتُ؛ أَي مَوقوفٌ على الحساب؛ وقال آخر:
ثم بَعْدَ المَماتِ يَنشُرنـي مـن |
|
هو على النَّشْرِ، يا بُنَيَّ، مُقِيتُ |
أَي مُقْتَدِرٌ. وقال أَبو عبيدة: المُقِيتُ، عند العرب، المَوقُوفُ على الشيء. وأَقاتَ على الشيء: اقْتَدَرَ عليه. قال أَبو قَيْسِ بن رِفاعة، وقد رُوِيَ أَنه للزبَير بن عبد المطلب، عَمَّ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ وأَنشده الفراء:
وذي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عنه، |
|
وكنتُ على مَساءَتِه مُقِـيتـا |
وقوله في الحديث: كفَى بالمرء إِثماً أَن يُضَيِّعَ من يَقُوتُ؛ أَراد من يَلْزَمُهُ نَفَقَتُه من أَهله وعياله وعبيده؛ ويروى: من يَقِيتُ، على اللغة الأُخْرى. وقوله في الحديث: قُوتوا طعامَكم يُبارَك لكم فيه؛ سئِلَ الأَوزاعِيُّ عنه، فقال: هو صِغَرُ الأَرغِفَةِ؛ وقال غيره: هو مثل قوله: كِيلُوا طعامَكم.
قاحَ الجُرْحُ يَقُوح: انْتَبَرَ، وسيذكر في الياء؛ قال ابن سيده: لأَن الكلمة يائية واوية. وقاحَ البيتَ قَوْحاً وقَوَّحه: لغة في حاقَه أَي كنسه؛ عن كراع.
ابن الأَثير: في الحديث: إِن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، احتجم بالقاحةِ وهو صائم؛ هو اسم موضع بين مكة والمدينة على ثلاث مراحل منها، وهو من قاحة الدار أَي وسطها مثل ساحتها وباحتها.
قاخَ جوفُ الإِنسان قَوْخاً وقَخاً، مقلوب: فسد من داء.
وليلة قاخٌ: مظلمة سوداء؛ وأَنشد:
كم ليلة طَخياءَ قاخاً حِنْدِسـا، |
|
تَرى النجومَ من دُجاها طُمَّسا |
وليس نهار قاخ كذلك: عن كراع.
القَوْدُ: نقيض السَّوْق، يَقُودُ الدابَّة من أَمامِها ويَسُوقُها من خَلْفِها، فالقَوْدُ من أَمام والسَّوْقُ من خَلْف. قُدْتُ الفرس وغيره أَقُودهُ قَوْداً ومَقادَة وقَيْدُودة، وقاد البعيرَ واقْتادَه: معناه جَرَّه خلفه. وفي حديث الصلاة: اقْتادوا رَواحِلَهم؛ قاد الدابةَ قَوْداً، فهي مَقُودة ومَقْوُودَة؛ الأَخيرة نادرة وهي تميمية، واقْتادَها والاقْتِيادُ والقَوْدُ واحد، واقْتادَهُ وقادَهُ بمعنى. وقَوَّدَهُ: شدِّدَ للكثرة.
والقَوْدُ: الخيل، يقال: مَرَّ بنا قَوْد. الكسائي: فرس قَوُودٌ، بلا همز، الذي ينقاد، والبعير مثله، والقَوْد من الخيل التي تُقادُ بِمَقاوِدِها ولا تركب، وتكون مُودَعَة مُعَدّة لوقت الحاجة إِليها. يقال: هذه الخيلُ قَوْدُ فلان القائِد، وجمع قائد الخيل قادَة وقُوَّاد، وهو قائد بَيِّن القِيادة، والقائِدُ واحد القُوَّاد والقادةِ؛ ورجل قائد من قوم قُوَّد وقُوَّاد وقادة.
وأَقاده خيلاً: أَعطاه إِياها يَقُودها، وأَقَدْتُك خيلاً تَقُودُها.
والمِقْوَدُ والقِيادُ: الحبل الذي تقود به. الجوهري: المقود الحبل يشدّ في الزِّمام أَو اللِّجامِ تُقاد به الدابَّة. والمِقْوَدُ: خَيْط أَو سير يجعل في عنق الكلب أَو الدابة يقاد به. وفلان سَلِسُ القِياد وصَعْبُه، وهو على المثل. وفي حديث علي، رضوان الله عليه: فمن اللَّهِج باللذةِ السَّلِس القِيادِ للشَّهْوَةِ، واستعمل أَبو حنيفة القِيادَ في اليعاسِيب فقال في صِفاتها: وهي مُلوك النحل وقادَتُها.
وفي حديث السَّقِيفَةِ: فانطلق أَبو بكر وعمر يَتَقاودان حتى أَتَوْهُم أَي يَذْهبان مُسْرِعَين كأَن كل واحد منهما يَقُودُ الآخرَ لسُرْعَتِه.
وأَعطاه مَقادَتَه: انقادَ له. والانقيادُ: الخُضوعُ. تقول: قُدْتُهُ فانقادَ واستقادَ لي إذا أَعطاك مَقادتَه، وفي حديث عليّ: قُرَيْشٌ قادَة ذادَة أَي يَقُودونَ الجُيُوشَ، وهو جمع قائِدٍ. وروي أَنَّ قُصَيّاً قَسَمَ مَكارِمَه فأَعْطى قَوْدَ الجُيُوشِ عبدَ منافٍ، ثم وَلِيَها عبدُ شَمْسٍ، ثم أُمية بن حرب، ثم أَبو سفيان.
وفرس قَؤُود: سَلِسٌ مُنْقادٌ. وبعير قَؤُود وقيِّدٌ وقَيْدٌ، مثل مَيْت، وأَقْوَدُ: ذليل مُنْقاد، والاسم من ذلك كله القِيادةُ.
وجعلته مَقادَ المُهْرِ أَي على اليمين لأَن المهر أَكثر ما يُقادُ على اليمين؛ قال ذو الرمة:
وقد جَعَلُوا السَّبِيَّةَ عـن يمـينٍ |
|
مَقادَ المُهْرِ، واعْتَسَفُوا الرِّمالا |
وقادت الريحُ السحابَ على المَثَل؛ قالت أُم خالد الخثعمية:
لَيْتَ سِماكِيّاً يَحارُ رَبابُـه، |
|
يُقادُ إِلى أَهلِ الغَضا بِزِمامِ |
وأَقادَ الغَيثُ؛ فهو مُقِيدٌ إذا اتسع؛ وقول تميم بن مقبل يصف الغيث:
سَقاها، وإِن كانتْ عَلَيْنا بَخِيلَةً، |
|
أَغَرُّ سِماكِيٌّ أَقادَ وأَمْطَـرَا |
قيل في تفسيره: أَقاد اتَّسَع، وقيل: أَقاد أَي صار له قائد من السحاب بين يديه؛ كما قال ابن مقبل أَيضاً:
له قائدٌ دُهْمُ الرَّبابِ، وخَلْفَـه |
|
رَوايا يُبَجِّسْنَ الغَمَامَ الكَنَهْوَرا |
أَراد: له قائدٌ دُهْمٌ رَبابُه فلذلك جَمَع. وأَقادَ: تقدَّم وهو مما ذكر كأَنه أَعطَى مَقادَتَه الأَرضَ فأَخَذَتْ منها حاجتها؛ وقول رؤبة:
أَتْلَع يَسْمُو بِتَلِيلٍ قَوَّاد |
قيل في تفسيره: مُتَقَدّم. ويقال: انقادَ لي الطريق إِلى موضع كذا انقِياداً إذا وَضَح صَوْبُه؛ قال ذو الرمة في ماءٍ وَرَدَه:
تَنَزَّلَ عن زَيْزَاءَةِ القُفِّ، وارْتَقَى |
|
عن الرَّمْلِ، فانقادَتْ إِليه الموارِدُ |
قال أَبو منصور: سأَلتُ الأَصمعي عن معنى وانقادتْ إِليه المَواردُ، قال: تتابَعَتْ إِليه الطُّرُقُ.
والقائدةُ من الإِبلِ: التي تَقَدَّمُ الإِبِلَ وتَأْلَفُها الأُفْتاءُ. والقَيِّدَةُ من الإِبل: التي تُقادُ للصَّيْدِ يُخْتَلُ بها، وهي الدَّرِيئة. والقائدُ من الجَبَل: أَنْفُه. وقائد الجبل: أَنْفُه. وكلُّ مستطيلٍ من الأَرضِ: قائدٌ. التهذيب: والقِيادَةُ مصدر القائدِ. وكلُّ شيءٍ من جَبَلٍ أَو مُسَنَّاةٍ كان مستطيلاً على وجه الأَرض، فهو قائدٌ وظهر من الأَرض يَقُودُ ويَنْقادُ ويَتَقاوَدُ كذا وكذا ميلاً. والقائدَةُ: الأَكمَةُ تمتدُّ على وجه الأَرض.
والقَوْداءُ: الثَّنِيَّةُ الطويلةُ في السماءِ؛ والجبل أَقْوَدُ. وهذا مكان يَقُودُ من الأَرض كذا وكذا ويقتادُه أَي يُحاذِيه. والقائدُ: أَعظم فُلْجانِ الحَرْثِ؛ قال ابن سيده: وإِنما حملناه على الواو لأَنها أَكثر من الياء فيه. والأَقْوَدُ: الطويلُ العُنُق والظهر من الإِبلِ والناس والدوابِّ. وفرس أَقْوَدُ: بَيِّن القَوَد؛ وناقة قَوْداءُ؛ وفي قصيد كعب:
وعَمُّها خالُها قَوْداءُ شِمْلِيلُ |
القَوْداءُ: الطويلة؛ ومنه رمل مُنْقادٌ أَي مُسْتطِيلٌ؛ وخيل قُبٌّ قُودٌ، وقد قَوِد قَوَداً. والأَقْوَدُ: الجبَلُ الطويل.
والقَيْدُود: الطويل، والأُنثى قَيْدُودة. وفرس قَيْدُودٌ: طويلة العُنُق في انحناء؛ قال ابن سيده: ولا يوصَفُ به المذكر. والقَيادِيدُ: الطِّوالُ من الأُتُن، الواحد قَيْدُود؛ وأَنشد لذي الرمة:
راحَتْ يُقَحِّمُها ذُو أَزْمَلٍ وُسِقَتْ |
|
له الفَرائِشُ، والقُبُّ القَـيادِيدُ |
والأَقْوَدُ من الرجال: الشديدُ العنُق، سمي بذلك لقلة التفاته؛ ومنه قيل للبخيل على الزاد: أَقود لأَنه لا يتَلَفَّتُ عند الأَكل لئلا يرى إِنساناً فيحتاج أَن يَدْعُوَه. ورجل أَقْوَدُ: لا يتلفت؛ التهذيب: والأَقود من الناس الذي إذا أَقبَل على الشيء بوجهه لم يَكَدْ يصرف وجهه عنه؛ وأَنشد:
إِنَّ الكَريمَ مَنْ تَلَفَّتَ حَوْلَـه، |
|
وإِنَّ اللئِيمَ دَائِمُ الطَّرْفِ أَقْوَد |
اُ بن شميل: الأَقْوَدُ من الخيل الطويلُ العُنُق العظيمُه.
والقَوَدُ: قَتْلُ النفْسِ بالنفسِ، شاذٌّ كالحَوَكَة والخَوَنَة؛ وقد استَقَدْتُه فأَقادني. الجوهري: القَوَدُ القِصاصُ. وأَقَدْتُ القاتِلَ بالقتيل أَي قَتَلْتُه به. يقال: أَقاده السلطان من أَخيه. واستقدت الحاكم أَي سأَلته أَن يُقِيدَ القاتلَ بالقتيل. وفي الحديث: من قَتَلَ عَمْداً، فهو قَوَدٌ؛ القَوَدُ: القِصاصُ وقَتْلُ القاتِلِ بدل القتيل؛ وقد أَقَدْتُه به أُقِيدُه إِقادة. الليث: القَوَدُ قتْلُ القاتِلِ بالقتيل، تقول: أَقَدْتُه، وإِذا أَتى إِنسانٌ إِلى آخر أَمْراً فانتَقَم منه بِمثْلِها قيل: استقادَها منه؛ الأَحمر: فإِن قتله السلطانُ بِقَود قيل: أَقاد السلطانُ فلاناً وأَقَصَّه. ابن بُزُرج: تُقَيِّدُ أَرضٌ حَمِيضَة، سمِّيت تُقَيِّد لأَنها تُقَيِّدُ ما كان بها من الإِبل تَرْتعِيها لكثرة حَمْضِها وخُلَّتِها.
قارَ الرجلُ يَقُورُ: مَشَى على أَطراف قدميه ليُخْفِيَ مَشْيَه؛ قال:
زَحَفْتُ إِليها، بَعْدَما كنتُ مُزْمِعـاً |
|
على صَرْمِها، وانْسَبْتُ بالليلِ قائِرا |
وقارَ القانصُ الصيدَ يَقُورُه قَوْراً: خَتَله.
والقارَةُ: الجُبَيْلُ الصغير، وقال اللحياني: هو الجُبَيْلُ الصغير المُنْقَطع عن الجبال. والقارَةُ: الصخرة السوداء، وقيل: هي الصخرة العظيمة، وهي أَصغر من الجبل، وقيل: هي الجبيل الصغير الأَسود المنفردُ شِبْهُ الأَكَمَة. وفي الحديث: صَعِدَ قارَةَ الجبل، كأَنه أَراد جبلاً صغيراً فوق الجبل، كما يقال صَعِدَ قُنَّةَ الجبل أَي أَعلاه. ابن شميل: القارَةُ جُبَيْلٌ مُسْتَدِقٌّ مَلْمُومٌ طويل في السماء لا يَقُودُ في الأَرض كأَنه جُثْوَةٌ، وهو عَظِيمٌ مُسْتَدِير. والقارَةُ: الأَكَمَةُ؛ قال منظور بن مَرْثَدٍ الأَسَدِيّ:
هل تَعْرِفُ الدارَ بأَعلى ذي القُورْ |
|
قد دَرَسَتْ، غَيْرَ رَمادٍ مَكْفُـورْ |
مُكْتَئِبِ اللَّوْنِ، مَرُوحٍ مَمْـطُـورْ |
|
أَزْمانَ عَيْناءُ سُرُورُ المَسْـرُورْ |
قوله: بأَعلى ذي القور أَي بأَعلى المكان الذي بالقور، وقوله: قد درست غير رماد مكفور أَي دَرَسَتْ مَعالِمُ الدار إِلا رماداً مكفوراً، وهو الذي سَفَتْ عليه الريحُ الترابَ فغطاه وكَفَره، وقوله: مكتئب اللون يريد أَنه يَضْرِبُ إِلى السواد كما يكونُ وَجْهُ الكئيب، ومَروحٌ: أَصابته الريح، وممطور: أَصابه المطر، وعيناء مبتدأٌ وسُرور المَسْرورِ خبره، والجملة في موضع خفض بإِضافة أَزمان إِليها، والمعنى: هل تعرف الدار في الزمان الذي كانت فيه عيناء سُرور من رآها وأَحبهاف والقارَةُ: الحَرَّةُ، وهي أَرض ذات حجارة سود، والجمع قاراتٌ وقارٌ وقُورٌ وقِيرانٌ. وفي الحديث: فله مِثْلُ قُورِ حِسْمَى؛ وفي قَصِيد كعب:
وقد تَلَفَّعَ بالقُورِ العَساقِيلُ |
وفي حديث أُم زرع: على رأْسِ قُورٍ وَعْثٍ. قال الليث: القُورُ جمع القارة والقِيرانُ جمعُ القارَة، وهي الأَصاغر من الجبال والأَعاظم من الآكام، وهي متفرقة خشنة كثيرة الحجارة.
ودار قَوْراءُ: واسعة الجوف.
والقار: القطيع الضخم من الإِبل. والقارُ أَيضاً: اسم للإِبل، قال الأَغْلَبُ العِجْلي:
ما إِن رأَينا مَلِكاً أَغارا |
أَكثَرَ منه قِرَةً وقارا، |
وفارِساً يَسْتَلِبُ الهِجارا |
القِرَة والقارُ: الغنم. والهِجار: طَوْقُ المَلِكِ، بلغة حِمْيَر؛ قال ابن سيده: وهذا كله بالواو لأَن انقلاب الأَلف عن الواو عيناً أَكثر من انقلابها عن الياء.
وقارَ الشيءَ قَوْراً وقَوَّرَه: قطع من وَسَطه خرفاً مستديراً.
وقَوَّرَ الجَيْبَ: فعل به مثل ذلك. الجوهري: قَوَّرَه واقْتَوَره واقْتاره كله بمعنى قطعه. وفي حديث الاستسقاء: فتَقَوَّرَ السحابُ أَي تَقَطَّع وتَفَرَّقَ فِرَقاً مستديرة؛ ومنه قُوارَةُ القميص والجَيْبِ والبِطِّيخ. وفي حديث معاوية: في فِنائِه أَعْنُزٌ دَرُّهُن غُبْرٌ يُحْلَبْنَ في مثل قُوارَةِ حافِر البعير أَي ما استدار من باطن حافره يعني صِغَرَ المِحْلَب وضِيقَه، وصفه باللُّؤم والفقر واستعار للبعير حافراً مجازاً،وإِنما يقال له خف.
والقُوارَة: ما قُوِّرَ من الثوب وغيره، وخص اللحياني به قُوارةَ الأَديم. وفي أَمثال العرب: قَوِّرِي والْطُفي؛ إِنما يقوله الذي يُرْكَبُ بالظُّلْم فيسأَل صاحبه فيقول: ارْفُقْ أَبْقِ أَحْسِنْ؛ التهذيب: قال هذا المثل رجل كان لامرأَته خِدْنٌ فطلب إِليها أَن تتخذ له شِراكَيْن من شَرَجِ اسْتِ زوجها، قال: ففَظِعَتْ بذلك فأَب أَن يَرْضَى دون فعل ما سأَلها، فنظرت فلم تجد لها وجهاً ترجو به السبيل إِليه إِلا بفساد ابن لها، فَعَمَدَتْ فعَصَبَتْ على مبَالِه عَقَبَةً فأَخْفَتْها فعَسُرَ عليه البولُ فاستغاث بالبكاء، فسأَلها أَبوه عَمَّ أَبكاه، فقالت: أَخذه الأُسْرُ وقد نُعِتَ له دواؤه، فقال: وما هو؟ فقالت: طَرِيدَةٌ تُقَدُّ له من شَرَجِ اسْتِك، فاستعظم ذلك والصبي يَتَضَوَّرُ، فلما رأَى ذلك نَجِعَ لها به وقال لها: قَوِّرِي والْطُفي، فقطعتْ منه طَرِيدةً تَرْضِيَةً لخليلها، ولم تَنْظُرْ سَدادَ بَعْلِها وأَطلقت عن الصبي وسَلَّمَتِ الطَّريدةَ إِلى خليلها؛ يقال ذلك عند الأَمر بالاسْتِبْقاءِ من الغَرِير أَو عند المَرْزِئة في سُوء التدبير وطَلَبِ ما لا يُوصَلُ إِليه. وقارَ المرأَة: خَتَنها، وهو من ذلك؛ قال جرير:
تَفَلَّقَ عن أَنْفِ الفَرَزْدَقِ عارِدٌ |
|
له فَضَلاتٌ لم يَجِدْ من يَقُورُها |
والقارَة: الدُّبَّةُ. والقارَةُ: قومٌ رُماة من العرب. وفي المثل: قد أَنْصَفَ القارَةَ مَنْ راماها. وقارَةُ: قبيلة وهم عَضَلٌ والدِّيشُ ابنا الهُونِ بن خُزَيْمَةَ من كِنانَةَ، سُمُّوا قارَةً لاجتماعهم والْتِفافِهم لما أَراد ابن الشَّدَّاخ أَن يُفَرِّقَهم في بني كنانة؛ قال شاعرهم:
دَعَوْنا قارَةً لا تُنْفِـرُونـا |
|
فَنُجْفِلَ مثلَ إِجْفالِ الظَّلِيمِ |
وهم رُماةٌ. وفي حديث الهجرة: حتى إذا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لقيه ابن الدَّغِنَةِ وهو سَيِّدُ القارة؛ وفي التهذيب وغيره: وكانوا رُماةَ الحَدَقِ في الجاهلية وهم اليوم في اليمن ينسبون إلى أَسْدٍ، والنسبة إِليهم قارِيٌّ، وزعموا أَن رجلين التقيا: أَحدهما قارِيٌّ والآخر أَسْدِيّ، فقال القارِيّ: إن شئتَ صارعتُك وإِن شئتَ سابقتُك وإِن شئتَ راميتُك: فقال: اخْتَرْتُ المُراماةَ، فقال القارِيُّ: أَنْصَفْتَني؛ وأَنشد:
قد أَنْصَفَ القارَةَ من راماها، |
إِنَّا، إذا ما فِئَةٌ نَلْقاها، |
نَرُدُّ أُولاها على أُخْراها |
ثم انتزع له سهماً فَشَكَّ فُؤادَه؛ وقيل: القارَةُ في هذا المثل الدُّبَّةُ، وذكر ابن بري قال: بعض أَهل اللغة إِنما قيل: أَنْصَفَ القارَةَ من راماها لحرب كانت بين قريش وبين بكر بن عبد مناة بن كنانة، قال: وكانت القارَةُ مع قريش فلما التقى الفريقان راماهم الآخرون حين رَمَتْهُم القارَةُ، فقيل: قد أَنصفكم هؤلاء الذين ساوَوْكم في العمل الذي هو صناعَتُكم، وأَراد الشَّدَّاخُ أَن يُفَرِّق القارَةَ في قبائل كنانة فأَبَوْا، وقيل في مثلٍ: لا يَفْطُنُ الدُّبُّ الحجارَة.
ابن الأَعرابي: القَيِّرُ الأُسْوارُ من الرُّماةِ الحاذقُ، من قارَ يَقُور.
ويقال: قُرْتُ خُفَّ البعير قَوْراً واقْتَرْتُه إذا قَوَّرْتَه، وقُرْتُ البطيخة قَوَّرتها. والقُوارَة: مشتقة من قُوارَة الأَدِيم والقِرْطاس، وهو ما قَوَّرْتَ من وسطه ورَمَيْتَ ما حَوالَيْه كقُوارة الجَيْب إذا قَوَّرْته وقُرْتَه. والقُوارة أَيضاً: اسم لما قطعت من جوانب الشيء المُقَوَّر. وكل شيء قطعت من وسطه خرقاً مستديراً، فقد قَوَّرْتَه.
والاقْورارُ: تَشَنُّجُ الجلد وانحناءُ الصلب هُزالاً وكِبَراً.
واقْوَرَّ الجلدُ اقوراراً: تَشَنَّجَ؛ كما قال رُؤبةُ بن العَجَّاج:
وانْعاجَ عُودِي كالشَّظِيفِ الأَخْشَنِ |
|
بعد اقْورارِ الجِلْدِ والتَّـشَـنُّـنِ |
يقال: عُجْتُه فانعاج أَي عطفته فانعطف. والشظيف من الشجر: الذي لم يَجِدْ رِيَّه فصَلُبَ وفيه نُدُوَّةٌ. والتَّشَنُّنُ: هو الإِخلاقُ، ومنه الشَّنَّةُ القِرْبةُ البالية؛ وناقة مُقوَرَّةٌ وقد اقْوَرَّ جلدُها وانحنَت وهُزِلَتْ. وفي حديث الصدقة: ولا مُقْوَرَّةُ الأَلْياطِ؛ الاقْوِرارُ: الاسترخاء في الجُلُود، والأَلْياطُ: جمعُ لِيطٍ، وهو قشر العُودِ، شبهه بالجلد لالتزاقه باللحم؛ أَراد غير مسترخية الجلود لهُزالها. وفي حديث أَبي سعيد: كجلد البعير المُقْوَرِّ. واقْتَرْتُ حديثَ القوم إذا بَحَثْتَ عنه. وتَقَوَّرَ الليلُ إذا تَهَوَّرَ؛ قال ذو الرمة:
حتى تَرَى أَعْجازَه تَقَوَّرُ |
أَي تَذْهَبُ وتُدْبِرُ. وانقارتِ الرَّكِيَّة انْقِياراً إذا تَهَدَّمتِ؛ قال الأَزهري: وهو مأَخوذ من قولك قُرْتُه فانْقارَ؛ قال الهُذَلي:
جادَ وعَقَّتْ مُزْنَهُ الريحُ، وانْ |
|
قارَ به العَرْضُ ولم يَشْمَـلِ |
أَراد: كأَنَّ عَرْضَ السحاب انْقارَ أَي وقعت منه قطعة لكثرة انصباب الماء، وأَصله من قُرْتُ عَيْنَه إذا قلعتها.
والقَوَرُ: العَوَرُ، وقد قُرْتُ فلاناً فقأْت عينه، وتَقَوَّرَتِ الحيةُ إذا تَثَنَّت؛ قال الشاعر يصف حية:
تَسْرِي إلى الصَّوْتِ، والظلماءُ داجِنَةٌ |
|
تَقَوُّرَ السِّيْلِ لاقى الحَيْدَ فاطَّلَـعـا |
وانْقارَتِ البئرُ: انهدمت.
ويومُ ذي قارٍ: يومٌ لبني شَيْبانَ وكان أَبْرَوِيزُ أَغْزاهُمْ جيشاً فظَفِرَتْ بنو شيبان، وهو أَول يوم انتصرت فيه العرب من العجم.
وفلانٌ ابنُ عبدٍ القاريُّ: منسوب إلى القارَة، وعبد مُنَوَّنٌ ولا يضاف.والاقْورِارُ: الضُّمْرُ والتَّغيُّر، وهو أَيضاً السِّمَنُ ضِدٌّ؛ قال:
قَرَّبْنَ مُقْوَرّاً كـأَنَّ وَضِـينَـهُ |
|
بِنِيقٍ، إذا ما رامَه العُقْرَ أَحْجَما |
والقَوْرُ: الحَبْلُ الجَيِّدُ الحديثُ من القطن؛ حكاه أَبو حنيفة وقال مرة: هو من القطن ما زرع من عامه. ولقيت منه الأَقْوَرِينَ والأَمَرِّينَ والبُرَحِينَ والأَقْوَرِيَّاتِ: وهي الدواهي العظام؛ قال نَهارُ ابن تَوْسِعَةَ:
وكنا، قَبْلَ مُلْكِ بني سُلَـيْمٍ |
|
نَسُومُهُمُ الدَّواهِي الأَقْوَرِينا |
والقُورُ: الترابُ المجتمع. وقَوْرانُ: موضع.
الليث القارِيَةُ طائر من السُّودانِيَّاتِ أَكْثَرُ ما تأْكل العِنَبُ والزيتونُ، وجمعها قَوارِي، سميت قارِيَةً لسَوادها؛ قال أَبو منصور: هذا غَلط، لو كان كما قال سميت قارِيةً لسوادها تشبيهاً بالقارِ لقيل قارِيَّة، بتشديد الياء، كما قالوا عارِيَّةٌ من أَعار يُعير، وهي عند العرب قاريَةٌ، بتخفيف الياء. وروي عن الكسائي: القارِيَةُ طير خُضْر، وهي التي تُدْعَى القَوارِيرَ. قال: والقَرِيِّ أَولُ طير قُطُوعاً، خُضْرٌ سودُ المناقير طِوالُها أَضْخَمُ من الخُطَّافِ، وروى أَبو حاتم عن الأَصمعي: القارِيَةُ طير أَخضر وليس بالطائر الذي نعرف نحن، وقال ابن الأَعرابي: القارِيَةُ طائر مشؤوم عند العرب، وهو الشِّقِرَّاق.
واقْوَرَّت الأَرضُ اقْوِراراً إذا ذهب نباتها. وجاءت الإِبل مُقْوَرَّة أَي شاسِفَةً؛ وأَنشد:
ثم قَفَلْنَ قَفَلاً مُقْوَرّا |
قَفَلْنَ أَي ضَمَرْنَ ويَبِسْنَ؛ قال أَبو وَجْزةَ يصف ناقة قد ضَمُرَتْ:
كأَنما اقْوَرَّ في أَنْساعِها لَهَقٌ |
|
مُرَمَّعٌ، بسوادِ الليلِ، مَكْحُولُ |
والمُقْوَرُّ أَيضاً من الخيل: الضامر؛ قال بشر:
يُضَمَّرُ بالأَصائِل فهو نَهْدٌ |
|
أَقَبُّ مُقَلَّصٌ، فيه اقْوِرارُ |
القَوْزُ من الرَّمْلِ: صغير مستدير تشبَّه به أَرداف النساء؛ وأَنشد:
ورِدْفُها كالقَوْزِ بَيْنَ القَوْزَيْن |
قال الأَزهري: وسماعي من العرب في القَوْزِ أَنه الكَثِيبُ المُشْرِفُ.
وفي الحديث: مُحَمَّدٌ في الدَّهْمِ بهذا القَوْزِ؛ القَوْزُ، بالفتح: العالي من الرمل كأَنه جبل؛ ومنه حديث أُمِّ زَرْع: زَوْجي لَحْمُ جَمَلٍ غثّ، على رأْس قَوْزٍ وَعْثٍ؛ أَرادتْ شدَّة الصعود فيه لأَن المشي في الرمل شاق فكيف الصعود فيه لا سيما وهو وَعْثٌ؟ ابن سيده: القَوْزُ نَقاً مستدير منعطف، والجمع أَقْوازٌ وأَقاوِزُ؛ قال ذو الرمة:
إِلى ظُعُنٍ يَقْرِضْنَ أَقْوازَ مُشْرِفٍ |
|
شِمالاً، وعن أَيمانهنّ الفَـوارِسُ |
وقال آخر:
ومُخَلَّدات باللُّجَيْنِ، كأَنما |
|
أَعْجازُهُن أَقاوِزُ الكُثْبانِ |
قال: هكذا حكى أَهل اللغة أَقاوِز، وعندي أَنه أَقاوِيزُ، وأَن الشاعر احتاج فحذف ضرورة. مخلدات: في أَيديهن أَسورة؛ ومنه قوله تعالى: ولدانٌ مخلِّدُونَ، والكثير قِيزانٌ؛ قال:
لما رأَى الرَّمْلَ وقِيزانَ الغَضَا |
والبَقَرَ المُلَمَّعاتِ بالشَّوَى، |
بَكَى، وقال: هل تَرَوْنَ ما أَرَى؟ |
الجوهري: القَوْزُ، بالفتح، الكثيب الصغير؛ عن أَبي عبيدة، والله أَعلم.
القَوْس: معروفة، عجمية وعربية. الجوهري: القَوْس يذكَّر ويؤنَّث، فمن أَنَّث قال في تصغيرها قُوَيْسَة، ومن ذكَّر قال قُوَيْس. وقي المثل: هو من خير قُوَيْس سَهْماً. ابن سيده: القَوْس التي يُرْمى عنها، أُنثى، وتصغيرها قُوَيْس، بغير هاء، شذَّت عن القياس ولها نظائر قد حكاها سيبويه، والجمع أَقْوُسٌ وأَقْواس وأَقْياس على المُعاقبة، حكاها يعقوب، وقِياس، وقِسِيٌّ وقُسِيٌّ، كلاهما على القلْب عن قُوُوس، وإِن كان قُوُوس لم يستعمل استغَنوْا بقِسِيٍّ عنه فلم يأْتِ إِلا مقلوباً. وقِسْي، قال ابن جني: وفيه صَنعة قال أبو عبيد: جمع القَوْس قياس؛ قال القُلاخُ بن حَزْن:
ووَتَّرَ الأَساوِرُ القِياسا |
|
صُغْدِيَّةً تَنتزِعُ الأَنْفاسا |
الأَساوِرٌ: جمع أَسوار، وهو المقدَّم من أَساوِرة الفُرْس. والصُّغْد: جِيل من العجم، ويقال: إِنه اسم بلد. وقولهم في جمع القَوْس قِياس أَقْيَس من قول من يقول قُسيّ لأَن أَصلها قَوْس، فالواوُ منها قبل السين، وإِنما حوِّلت الواو ياء لكسرة ما قبلها، فإِذا قلت في جمع القَوْس قِسِيّ أَخرت الواو بعد السين، قال: فالقِياس جَمْعَ القَوْس أَحسن من القِسِيّ، وقال الأَصمعي: من القِياس الفَجَّاء. الجوهري: وكان أَصل قِسيّ قُووس لأَنه فُعُول، إِلا أَنهم قدَّموا اللام وصيَّروه قِسُوٌّ على فُلُوع، ثم قلبوا الواو ياء وكسروا القاف كما كَسَروا عين عِصِيّ، فصارت قِسِيّ على فِليعٍ، كانت من ذوات الثلاثة فصارت من ذوات الأَربعة، وإِذا نسبت إِليها قلت قُسَوِيّ لأَنها فُلُوع مغيّر من فُعُول فتردها إِلى الأَصل، وربما سمُّوا الذراع قَوساً.
ورجل مُتَقَوِّسٌ قَوْسَه أَي معه قَوْس.
والمِقْوَسُ، بالكسر: وعاء القَوْس.
ابن سيده: وقاوسَني فَقُسته؛ عن اللحياني، لم يَزِدْ على ذلك، قال: وأَراه أَراد حاسَنَني بقَوْسِه فكنت أَحسن قوساً منه كما تقول: كارَمَني فَكَرَمْتُه وشاعَرَني فشعَرْتُه وفاخَرَني فَفَخَرْتُه، إِلا أَن مثل هذا إِنما هو في الأَعراض نحو الكَرَم والفَخْر، وهو في الجواهر كالقَوْس ونحوها قليل، قال: وقد عَمِلَ سيبويه في هذا باباً فلم يذكر فيه شيئاً من الجواهر.
وقَوْس قَزَحَ: الخط المُنْعطف في السماء على شكل القَوْس، ولا يفصل من الإِضافة، وقيل: إِنما هو قوس اللَّه لأَن قُزَح اسم شيطان.
وقَوْس الرجل: ما انحنى من ظهره؛ هذه عن ابن الأعرابي، قال: أَراه على التشبيه. وتَقَوَّس قَوْسَه احتملها. وتَقَوَّس الشيءُ واسْتَقْوَس: انعطف. ورجل أَقْوَسُ ومُتَقَوِّس ومُقَوِّس: منعطِف؛ قال الراجز:
مُقَوِّساً قد ذَرِئَتْ مَجالِيهْ |
واستعاره بعض الرجَّاز لليوم فقال:
إِني إذا وجْه الشَّريب نكّسا |
وآضَ يومُ الوِرْد أَجْناً أَقْوَسا، |
أُوصِي بأُولى إِبلي أَن تُحْبَسا |
وشيخٌ أَقْوَس: مُنْحَني الظهر. وقد قَوَّسَ الشيخُ تَقْويساً أَي انحنى، واسْتَقْوَس مثله، وتَقَوَّس ظهره؛ قال امرُؤ القيس:
أَراهُنَّ لا يُحْبِبْنَ مَنْ قَلَّ مالُـه |
|
ولا مَنْ رأَيْنَ الشَّيْبَ فيه وقَوَّسا |
وحاجب مُقَوِّس: على التشبيه بالقَوْس. وحاجب مُسْتَقْوِس ونُؤْيٌّ مُسْتَقْوِس إذا صار مثل القَوْس، ونحو ذلك مما ينعطف انعطاف القَوْس؛ قال ذو الرمة:
ومُسْتَقْوِس قد ثَلَّمَ السَّيْلُ جُدْرَهُ |
|
شَبيه بأَعضادِ الخَبيطِ المُهَدَّمِ |
ورجل قَوَّاس وقَيَّاس: للذي يَبْري القِياس؛ قال: وهذا على المُعاقبة.
والقَوْسُ: القليل من التمر يبقى في أَسفل الجُلَّةِ، مؤنث أَيضاً، وقيل: الكُتْلة من التمر، والجمع كالجمع، يقال: ما بقي إِلا قَوْس في أَسفلها.
ويروى عن عمرو بن معد يكرب أَنه قال: تضيَّفْت خالد بن الوليد، وفي رواية: تضيَّفْت بني فلان فأَتَوْني بثَوْر وقَوْس وكَعْب؛ فالقوس الشيء من التمر يبقى في أَسفل الجُلَّة، والكعْب الشيء المجموع من السمن يبقى في النِّحْيِ، والثور القطعة من الأَقِط. وفي حديث وفْد عبد القَيْس: قالوا لرجُل منهم أَطعِمْنا من بقية القَوْس الذي في نَوْطِك.
وقَوْسى: اسم موضع. والقُوسُ، بضم القاف: رأْس الصَّوْمعة، وقيل: هو موضع الراهب، وقيل: صَوْمَعة الراهبْ، وقيل: هو الراهب بعينه؛ قال جرير وذكر امرأَة:
لا وَصْلَ، إِذ صرفتْ هندٌ، ولو وقَفَتْ |
|
لاسْتَفْتَنَتْني وذا المِسْحَيْن في القُوسِ |
قد كنتِ تِرْباً لنا يا هندُ، فاعْتـبِـري |
|
ماذا يَريبُك من شَيْبي وتَقْـويسـي؟ |
أَي قد كنتِ تِرْباً من أَتْرابي وشبتِ كما شِبْتُ فما بالُك يَريبُك شيبي ولا يَريبُني شيبك؟ ابن الأَعرابي: القُوس بيت الصائد.
والقُوسُ أَيضاً: زَجر الكلب إذا خَسَأْته قلت له: قُوسْ قُوسْ، قال: فإِذا دعوته قلت له: قُسْ قُسْ، وقَوْقَسَ إذا أَشلى الكلب.
والقَوِسُ: الزمان الصعب؛ يقال: زمان أَقْوَس وقَوِس وقُوسِيّ إذا كان صعباً، والأَقْوَسُ من الرمل: المشْرِفُ كالإِطارِ؛ قال الراجز:
أَثْنى ثِناءً من بَعيد المَحْـدِسِ |
|
مشهُورة تَجْتاز جَوْزَ الأَقْوَسِ |
أَي تقطع وسط الرمل. وجَوْزُ كل شيء: وسَطه والقَوْسُ: بُرْجٌ في السماء.وقِسْتُ الشيء بغيره وعلى غيره أَقِيسُ قَيْساً وقِياساً فانقاس إذا قدَّرته على مثاله؛ وفيه لغة أُخْرى: قُسْتُه أَقُوسُه قَوْساً وقِياساً ولا تقل أَقَسْته، والمِقْدار مِقْياس. ابن سيده: قُسْتُ الشيءَ قِسْتُه، وأَهل المدينة يقولون: لا يجوز هذا قي القَوْس، يريدون القياس. وقايَسْت بين الأَمرين مُقايَسة وقياساً. ويقال: قايَسْت فلاناً إذا جارَيْتَه في القِياس. وهو يَقْتاسُ الشيء بغيره أَي يَقِيسُه به، ويَقْتاس بأَبيه اقْتِياساً أَي يسْلك سبيله ويَقتدي به. والمِقْوَس: الحَبْل الذي تُصَفُّ عليه الخيل عند السِّباق، وجمعه مَقاوِس، ويقال المِقْبَصُ أَيضاً؛ قال أَبو العيال الهذلي:
إِنَّ البلاءَ لَدى المَقاوِس مُخْرِجٌ |
|
ما كان من غَيْبٍ، ورَجْمٍ ظُنُون |
قال ابن الأَعرابي: الفرَس يَجْري بِعتْقِه وعِرْقه، فإِذا وُضع في المِقْوَس جرى بِجِدِّ صاحبه. الليث: قام فلان على مِقْوَس أَي على حِفاظ.ولَيْل أَقْوَس: شديد الظلمة؛ عن ثعلب؛ أَنشد ابن الأعرابي:
يكون من لَيْلي ولَيْلِ كَهْمَسِ، |
ولَيْلِ سَلْمان الغَسِيّ الأَقْوَسِ، |
واللاَّمِعات بالنُّشُوعِ النُّوَّسِ |
وقَوَّسَت السحابة: تَفَجَّرت؛ عنه أَيضاً؛ وأَنشد:
سَلَبْتُ حُمَيَّاها فعادَتْ لنَجْرِها |
|
وآلَتْ كَمُزْنٍ قَوَّسَتْ بعُيونِ |
أَي تفجَّرت بعيون من المطَر. وروى المنذر عن أَبي الهيثم أَنه قال: يقال إِن الأَرنب قالت: لا يَدَّريني إِلا الأَجْنى الأَقْوَسُ الذي يَبْدُرُني ولا ييأَس؛ قوله لا يَدَّريني أي لا يختلني. والأجنى الأقوس: الممارس الداهية من الرجال. يقال: إنه لأجنى أقوس إذا كان كذلك، وبعضهم يقول: أحوى أقوس، يريدون بالأحوى الألوى، وحويت ولويت واحد وأنشد:
ولا يزال وهو أجنى أقوس |
|
يأكل أو يحسو دما ويلحس |
رجل قُوشٌ: قليل اللحم ضئِيلُ الجسم صغير الجثة، فارسيّ معرّب وهو بالفارسية كُوجَكْ؛ قال رؤبة:
في جِسْمِ شَخْتِ المَنْكِبَين قُوش |
والقُوشُ: الصغير أَصله أَعجمي أَيضاً. والقُوشُ: الدُّبُر.
قَوَّضَ البناء: نقَضَه من غير هَدْم، وتَقَوَّض هو: انْهَدَمَ مكانه، وتقَوَّضَ البيتُ تقَوُّضاً وقوَّضْتُه أَنا. وفي حديث الاعتكاف: فأَمرَ ببنائه فقُوِّضَ أَي قُلِع وأُزِيلَ، وأَراد بالبناء الخِباءَ، ومنه تقْويضُ الخِيام، وتقَوَّضَ القومُ وتقَوّضَتِ الحَلَقُ والصُّفوفُ منه.
وقوّضَ القومُ صُفوفَهم وتقَوَّضَ البيتُ وتقَوَّزَ إذا انهدم، سواء أَكان بيتَ مدَر أَو شعَر. وتقوّضت الحَلَقُ: انتقضتْ وتفرَّقتْ، وهي جمع حَلْقةٍ من الناس. وفي الحديث عن عبد اللّه بن مسعود قال: كنا مع النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، في سفَر فنزلنا منزلاً فيه قرْيةُ نَمل فأَحْرقناها، فقال لنا: لا تُعَذِّبوا بالنار فإِنه لا يُعذب بالنار إِلاَّ رَبُّها.
قال: ومررنا بشجرة فيها فَرْخا حُمّرةٍ فأَخذناهما فجاءت الحُمّرةُ إِلى النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، وهي تَقَوَّضُ فقال: من فَجَعَ هذه بفَرْخَيْها؟ قال: فقلنا نحن، قال: رُدُّوهما، فرددناهما إِلى موضعهما. قال أَبو منصور: تقَوَّضُ أَي تَجيء وتذْهَبُ ولا تَقَرُّ.
القَوْطُ: المائة من الغنم إِلى ما زادت وخصَّ بعضهم به الضأْن، وقيل: القَوْطُ هو القَطِيع اليسير منها؛ قال الراجز:
ما رَاعَنِي إِلا خَيالٌ هابِطـا، |
على البُيوتِ، قَوْطَه العُلابِطا |
ذاتَ فُضول تَلْعَطُ المَلاعِطا، |
فيها ترَى العُقَّر والعَوائطـا |
تَخالُ سِرْحانَ الفلاةِ النَّاشِطا،
إِذا اسْتَمى، ادبيَّها الغَطامِطا |
يَظَلُّ بَيْنَ فِئَتَيْهـا وابِـطـا |
ويروى:
ما راعني إِلا جناح هابطا |
العُلابِطُ: هي الخمسون والمائة إِلى ما بلغت من العدد، وهو اسم للنوع لا واحد له مثل النفَر والرهط. وأَديبها: وسطها. والوابِطُ: الذي تَكْثُر عليه فلا يَدْري أَيَّتها يأْخذ وهو المُعْيي. والمَلاعِطُ: ما حول البيوت: واسْتَمَيْت: اخْتَرْت خِيارها، وقَوطَه في البيت منصوب بهابِطا في البيت قبله، وهو الشاهد على هَبَطْته بمعنى أَهْبَطْتُه. وجَناحٌ: اسم راع، والجمع أَقْواطٌ.
وقُوطةُ: موضع.
قال أَبو علي: القَوْظُ في معنى القَيْظِ، وليس بمصدر اشتق منه الفعل لأَن لفظها واو ولفظ الفعل ياء.
قاعَ الفحلُ الناقةَ وعلى الناقة يَقُوعُها قَوْعاً وقِياعاً واقْتاعَها وتَقَوَّعَها: ضرَبَها، وهو قَلْبُ قَعا. واقْتاعَ الفحلُ إذا هاجَ؛ وقوله أَنشده ثعلب:
يَقْتاعُها كلُّ فَصِيلٍ مُكْـرَمِ |
|
كالحَبَشِيِّ يَرْتَقِي في السُّلَّمِ |
فسره فقال: يقتاعُها يقَعُ عليها، وقال: هذه ناقة طويلة وقد طال فُصْلانُها فركبوها.
وتَقَوَّعَ الحِرْباءُ الشجرةَ إذا عَلاها كما يَتَقَوّعُ الفحلُ الناقةُ.
والقَوَّاعُ: الذِّئبُ الصَّيّاحُ. والقَيّاعُ: الخِنْزِيرُ الجَبانُ.
والقاعُ والقاعةُ والقِيعُ: أَرض واسعةٌ سَهْلة مطمئنة مستوية حُرّةٌ لا حُزُونةَ فيها ولا ارْتِفاعَ ولا انْهِباطَ، تَنْفَرِجُ عنها الجبالُ والآكامُ، ولا حَصَى فيها ولا حجارةَ ولا تُنْبِتُ الشجر، وما حَوالَيْها أَرْفَعُ منها وهو مَصَبُّ المِياهِ، وقيل: هو مَنْقَعُ الماء في حُرِّ الطين، وقيل: هو ما استوى من الأَرض وصَلُبَ ولم يكن فيه نبات، والجمع أَقواعٌ وأَقْوُعٌ وقِيعانٌ، صرت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وقِيعةٌ ولا نظير له إِلاَّ جارٌ وجِيرةٌ، وذهب أَبو عبيد إِلى أَن القِيعةَ تكون للواحد، وقال غيره: القيعة من القاع وهو أَيضاً من الواو. وفي التنزيل: كسَرابٍ بِقِيعةٍ؛ الفراء: القِيعةُ جمع القاعِ، قال: والقاعُ ما انبسط من الأَرض وفيه يكون السَّرابُ نصف النهار. قال أَبو الهيثم: القاعُ الأَرض الحُرَّةُ الطينِ التي لا يخالطها رمل فيشرب ماءها، وهي مستوية ليس فيها تَطامُنٌ ولا ارْتِفاعٌ، وإِذا خالطها الرمل لم تكن قاعاً لأَنها تشرب الماء فلا تُمْسِكُه، ويُصَغِّرُ قُوَيْعةً من أَنَّث، ومن ذكَّر قال قُوَيْعٌ، ودلت هذه الواو أَنَ أَلفها مرجعها إِلى الواو. قال الأَصمعي: يقال قاعٌ وقِيعانٌ وهي طين حُرّ ينبت السِّدْرَ؛ وقال ذو الرمة في جمع أَقْواعٍ:
ووَدَّعْنَ أَقْواعَ الشَّمالِيلِ، بَعْدَمـا |
|
ذَوى بَقْلُها، أَحْرارُها وذُكورُها |
وفي الحديث أَنه قال لأُصَيْلٍ: كيف ترَكْتَ مكة؟ قال: ترَكْتُها قد ابْيَضَّ قاعُها؛ القاعُ: المكانُ المستوي الواسعُ في وَطاءَةٍ من الأَرض يعلوه ماء السماء فيمسكه ويستوي نباته، أَراد أَنَّ ماء المطر عسَله فابيضَّ أَو كثر عليه فبقي كالغَدِير الواحد. وفي الحديث: إِنما هي قِيعانٌ أَمْسَكَتِ الماءَ. قال الأَزهري: وقد رأَيت قِيعانَ الصّمّانِ وأَقمتُ بها شَتْوَتَيْنِ، الواحد منها قاعٌ وهي أَرض صُلْبةُ القِفافِ حُرَّةُ طينِ القِيعانِ، تُمْسِكُ الماء وتُنْبِتُ العُشْبَ، ورُبَّ قاعٍ منها يكون مِيلاً في مِيلٍ وأَقل من ذلك وأَكثر، وحَوالَيِ القِيعانِ سُلْقانٌ وآكامٌ في رُؤوس القِفافِ غليظةٌ تَنْصَبُّ مِياهُها في القِيعانِ، ومن قِيعانِها ما يُنْبِتُ الضالَ فتُرَى حَرجاتٍ، ومنها ما لا ينبت وهي أَرض مَرِيَّةٌ، إذا أَعْشَبَتْ رَبَّعَتِ العرب أَجمع. والقَوْعُ: مِسْطَحُ التمر أَو البُرِّ، عَبْدِيَّةٌ، والجمع أَقْواعٌ؛ قال ابن بري: وكذلك البَيْدَرُ والأَندَرُ والجَرينُ.
والقاعةُ: موضعُ مُنْتَهى السانِيةِ من مَجْذَبِ الدلو. وقاعةُ الدارِ: ساحَتُها مثل القاحةِ، وجمعها قَوَعاتٌ؛ قال وَعْلةُ الجَرْمي:
وهَلْ تَرَكْت نِساءَ الحَيِّ ضاحِـيةً |
|
في قاعةِ الدارِ، يَسْتَوْقِدْنَ بالغُبُطِ؟ |
وكذلك باحَتُها وصَرْحَتُها.
والقُواعُ: الذكر من الأَرانِب. وقال ابن الأَعرابي: القُواعةُ الأَرنب الأُنثى.
قُوفُ الرقبة وقُوفتُها: الشعر السائل في نُقْرتها. ابن الأعرابي: يقال خذ بقُوف قَفاه وبقوفة قفاه وبقافِيةِ قَفاه وبصوف قَفاه وصوفته وبظَليفه وبصَلِيفه وبصَلِيفَتِه كله بمعنى قفاه. أَبو عبيد: يقال أَخذته بقوف رقبته وصوف رقبته أَي أَخذته كله، وقيل: أَخذت بقوف رقبته وقاف رقبته وصوف رقبته؛ معناه أَن يأْخذ برقبته جَمْعاء، وقيل يأْخذ برقبته فيعْصِرها؛ وأَنشد الجوهري:
نَجَوْتَ بقُوفِ نَفْسِكَ. غَيْر أَني |
|
إخالُ بأَنع سَـيَيْتَـمُ أَو تَـئيمُ |
أَي نجوت بنفسك؛ قال ابن بري: أَي سَيَيْتَمُ ابنك وتَئيم زوجتك، قال: والبيت غُفل لا يعرف قائله. وقُوفُ الأُذن: أَعْلاها، وقيل: قوف الأُذن مُسْتدار سَمِّها.
والقائفُ: الذي يَعرف الآثار، والجمع القافةُ. يقال: قُفْت أَثره إذا اتَّبعْته مثل قَفَوْت أَثَره؛ وقال القطامي:
كذَبْت عليك لا تَزالُ تَقُوفُني |
|
كما قافَ آثارَ الوَسِيقةِ قائفُ |
فأغْراه بنفْسه أَي عليك بي. وقال ابن بري: البيت للأَسْود بن يَعْفُر.
وحكى أَبو حاتم عن الأَصمعي: أَن قوله لا تزال في موضع رفع على تقدير أَن تقديره أَن لا تزال، فلما سقطت أَن ارتفع الفعل وجعله على حد قولهم كذَب عليك الحج، وكذب زائدة، وكذلك كذبت في البيت زائدة. قال ابن بري: فهذا قول الأَصمعي، قال: ولا يصح عند النحويين، وقد تقدم ذكره في ترجمة كذب.
ويقال: هو أَقْوف الناس. وفي الحديث: أَن مُجَزِّزاً كان قائفاً؛ القائف الذي يتَتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبَه الرجل بأَخيه وأَبيه. ويقال: فلان يقُوف الأَثر ويَقْتافه قِيافة مثل قفا الأَثر واقتفاه. ابن سيده: قاف الأَثر قِيافة واقتافه اقتِيافاً وقافه يقُوفه قَوْفاً وتَقوَّفه تتَبَّعه؛ أَنشد ثعلب:
مُحَلّىً بأَطـواق عِـتـاق يَبـينُـهـا |
|
على الضَّزْنِ، أَغْبى الضأْن، لو يَتَقَوَّفُ |
الضَّزْنُ هنا: سُوء الحال من الجهل؛ يقول: كرمُه وجوده يبين لمن لا يفهم الخَبر فكيف من يفهم؟ منه قيل للذي ينظر إلى شبه الولد بأَبيه: قائف، والقِيافة: المَصْدر. وفلان يَتَقَوَّف عليَّ مالي أَي يَحْجُر عليّ فيه، وهو يَتَقَوَّفُني في المجلس أَي يأْخذ عليّ في كلامي، ويقول قل كذا وكذا. والقَفْوُ: القَذْف، والقَوْف مثل القَفْو؛ وأَنشد:
أَعوذُ باللّه الجَلِـيل الأَعْـظـمِ |
|
من قَوْفيَ الشيء الذي لم أَعلمِ |
والقاف: حرف هجاء، وهو حرف مجهور، يكون أَصلاً لا بدلاً ولا زائداً.
وقوله تعالى: ق والقرآن المجيد؛ جاء في التفسير أَن مجاز قاف مَجاز الحروف التي تكون في أَوائل السور نحو: ن، وأَلر؛ وقيل: معنى ق قُضِي الأَمر، كما قيل حم، حُمَّ الأَمر؛ وجاء في بعض التفاسير أَن قافاً جبل محيط بالدنيا من ياقوتة خَضْراء، وأَن السماء بيضاء وإنما اخضرَّت من خُضْرته؛ قال ابن سيده: قضينا أَنَّ أَلفها من الواو لأَن الأَلف إذا كانت عيناً فإبدالها من الواو أَكثر من إبدالها من الياء، واللّه أَعلم.
القُوقُ والقاقُ، غير مهموز، والقُوَاق: الطويل، وقيل: هو القبيح الطول. أبو الهيثم: يقال للطويل قاقٌ وقُوقٌ وقِيقٌ وأنْقُوق، والقُوق:الأهوج الطول؛ وأنشد:
أحْزَم لا قُوقٌ ولا حَزَنْبَلُ |
والقاقُ: الأحمق الطائش؛ وأَنشد:
لا طائشٌ قاقٌ ولا غَبيّ |
والقاقُ: طائر مائيّ طويل العنُق. والقُوقُ: طائر من طير الماء طويل العنق قليل نَحْضِ الجسم؛ وأنشد:
كأنك من بنات الماء قوق |
والقُوق: طائر لم يُحَلّ. أبو عبيدة: فرس قُوق، والأنثى قُوقة، للطويل القوائم، وإن شئت قلت قاقٌ وقاقةٌ، والقُوقةُ بالهاء للأصلع؛ عن كراع؛ وأنشد:
من القُنْبُصاتِ قُضاعِيّة |
|
لها ولدٌ قُوقَةٌ أحـدَبُ |
قال ابن بري: هذا البيت أنشده ابن السكيت في باب الدَّمامةِ والقِصَر ونسبه لبعض الهذليين، قال: وقال ابن السكيت القُوقةُ الأصلع وهذه رواية الألفاظ؛ وأما الذي في شعره فهو:
لِزَوْجةِ سوءٍ فَشا سـرُّهـا |
|
عليَّ جِهاراً، فَهِيْ تَضْرِبُ |
على غير ذنبٍ، قُضاعِيّةٍ، |
|
لها ولـد قُـوقَة أحْـدَبُ |
خفض قضاعية على البدل من زوجة. وقوق: بمعنى معاني لها مع زوجها، والشاعر غلام من هُذَيْل شكا في الشعر عُقوق أبيه، وأنه نفاه لأجل امرأَة كانت له، يريد نفاني لزوجة سوء؛ وأنشد ابن بري لآخر:
أيها القَسُّ الذي قـد |
|
حَلَقَ القُوقةَ حَلْقَهْ، |
لو رأَيت الدَّفّ منها، |
|
لَنَسَقْتَ الدَّفّ نَسْقَةْ |
والقُوقةُ: الصَّلعةُ. ورجل مُقَوَّق: عظيم الصَّلَعة.
وقُوق: ملك رُوميّ. والدنانير القُوقيَّة: من ضرب قَيْصَر كان يسمى قُوقاً. وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: أَجئتم بها هرقْلِيَّة قُوقِيَّةً؟ يريد:البيعةُ لأولاد الملوك سُنَّةُ الروم والعجم، قال ذلك لما أَراد معاوية أن يبايع أهلُ المدينة ابْنَهُ يزيد بولاية العهد. وَقُوق: اسم ملك من ملوك الروم، وإليه تنسب الدنانير القُوقِيّة، وقيل: كان لقب قيصر قُوقاً، وروى بالقاف والفاء من القَوْف الإتباع، كأَن بعضهم يتبع بعضاً. ودينار قُوقيّ: ينسب إليه.
وقَاقَ النعامُ: صَوَّت؛ قال النابغة:
كأَنَّ غَدِيرَهُمْ، بجنوب سِلَّى، |
|
نَعامٌ قَاقَ في بلدٍ قِـفَـارِ |
أَراد غَدِير نَعامٍ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ومعناه أي كان حالهم في الهزيمة حال نَعامٍ تغدو مذعورة، وهذا البيت نسبه ابن بري لشَقِيق ابن جَزْء بن رباح الباهلي، قال ابن سيده: وإنما قضيت على ألف قَاقَ بأنها واو لأنها عين والعين واواً أكثر منها ياء. والقَيْقُ والقَقْوُ والقَوْقُ: صوت الغِرْغِرَةِ إذا أرادت السِّفاد وهي الدجاجة السندية.
الأزهري: قُوْقُ المرأَة وسوسها صدع فرجها؛ وأَنشد:
نُفاثِيَّة أَيَّان ما شـاءَ أَهـلُـهـا، |
|
رأَوا قُوقَها في الخُصّ لم يَتَغَيَّبِ |
القَوْل: الكلام على الترتيب، وهو عند المحقِّق كل لفظ قال به اللسان، تامّاً كان أَو ناقصاً، تقول: قال يقول قولاً، والفاعل قائل، والمفعول مَقُول؛ قال سيبويه: واعلم أَن قلت في كلام العرب إِنما وقعت على أَن تحكي بها ما كان كلاماً لا قَوْلاً، يعني بالكلام الجُمَل كقولك زيد منطلق وقام زيد، ويعني بالقَوْل الأَلفاظ المفردة التي يبنى الكلام منها كزيد من قولك زيد منطلق، وعمرو من قولك قام عمرو، فأَما تَجوُّزهم في تسميتهم الاعتقادات والآراء قَوْلاً فلأَن الاعتقاد يخفَى فلا يعرف إِلاَّ بالقول، أَو بما يقوم مقام القَوْل من شاهد الحال، فلما كانت لا تظهر إِلا بالقَوْل سميت قولاً إِذ كانت سبباً له، وكان القَوْل دليلاً عليها، كما يسمَّى الشيء باسم غيره إذا كان ملابساً له وكان القول دليلاً عليه، فإِن قيل: فكيف عبَّروا عن الاعتقادات والآراء بالقَوْل ولم يعبروا عنها بالكلام، ولو سَوَّوْا بينهما أَو قلبوا الاستعمال فيهما كان ماذا؟ فالجواب: أَنهم إِنما فعلوا ذلك من حيث كان القَوْل بالاعتقاد أَشبه من الكلام، وذلك أن الاعتقاد لا يُفْهَم إِلاَّ بغيره وهو العبارة عنه كما أَن القَوْل قد لا يتمُّ معناه إِلاَّ بغيره، أَلا ترى أَنك إذا قلت قام وأَخليته من ضمير فإِنه لا يتم معناه الذي وضع في الكلام عليه وله؟ لأَنه إِنما وُضِع على أَن يُفاد معناه مقترِناً بما يسند إِليه من الفاعل، وقام هذه نفسها قَوْل، وهي ناقصة محتاجة إِلى الفاعل كاحتياج الاعتقاد إِلى العبارة عنه، فلما اشتبها من هنا عبِّر عن أَحدهما بصاحبه، وليس كذلك الكلام لأَنه وضع على الاستقلال والاستغناء عما سواه، والقَوْل قد يكون من المفتقِر إِلى غيره على ما قدَّمْناه، فكان بالاعتقاد المحتاج إِلى البيان أَقرب وبأَنْ يعبَّر عنه أَليق، فاعلمه. وقد يستعمل القَوْل في غير الإِنسان؛ قال أَبو النجم:
قالت له الطيرُ: تقدَّم راشدا |
|
إِنك لا ترجِعُ إِلا جامِـدا |
وقال آخر:
قالت له العينانِ: سمعاً وطاعةً |
|
وحدَّرتا كالدُّرِّ لمَّـا يُثَـقَّـب |
وقال آخر:
امتلأَ الحوض وقال: قَطْني |
وقال الآخر:
بينما نحن مُرْتعُون بفَلْـج |
|
قالت الدُّلَّح الرِّواءُ: إِنِيهِ، |
إِنِيهِ: صَوْت رَزَمة السحاب وحَنِين الرَّعْد؛ ومثله أَيضاً: قد قالتِ الأَنْساعُ للبَطْن الحَقِي وإِذا جاز أَن يسمَّى الرأْي والاعتقاد قَوْلاً، وإِن لم يكن صوتاً، كان تسميتهم ما هو أَصوات قولاً أَجْدَر بالجواز، أَلا ترى أَن الطير لها هَدِير، والحوض له غَطِيط، والأَنْساع لها أَطِيط، والسحاب له دَوِيّ؟ فأَما قوله:
قالت له العَيْنان: سَمْعاً وطاعة |
فإِنه وإِن لم يكن منهما صوت، فإِن الحال آذَنَتْ بأَن لو كان لهما جارحة نطق لقالتا سمعاً وطاعة؛ قال ابن جني: وقد حرَّر هذا الموضع وأَوضحه عنترة بقوله:
لو كان يَدْرِي ما المْحَاورة اشْتَكى |
|
أَو كان يَدْرِي ما جوابُ تَكَلُّمـي |
والجمع أَقْوال، وأَقاوِيل جمع الجمع؛ قال يقول قَوْلاً وقِيلاً وقَوْلةً ومَقالاً ومَقالةً؛ وأَنشد ابن بري للحطيئة يخاطب عمر، رضي الله عنه:
تحنّنْ علَيَّ، هَداكَ المَلِيك |
|
فإِنَّ لكلِّ مَقام مَـقـالا |
وقيل: القَوْل في الخير والشر، والقال والقِيل في الشرِّ خاصة، ورجل قائل من قوم قُوَّل وقُيَّل وقالةٍ. حكى ثعلب: إِنهم لَقالةٌ بالحق، وكذلك قَؤول وقَوُول، والجمع قُوُل وقُوْل؛ الأَخيرة عن سيبويه، وكذلك قَوّال وقَوّالةٌ من قوم قَوَّالين وقَوَلةٍ وتِقْوَلةٌ وتِقْوالةٌ؛ وحكى سيبويه مِقْوَل، وكذلك الأُنثى بغير هاء، قال: ولا يجمع بالواو والنون لأَن مؤَنثه لا تدخله الهاء. ومِقْوال: كمِقْول؛ قال سيبويه: هو على النسَب، كل ذلك حسَن القَوْل لسِن، وفي الصحاح: كثير القَوْل. الجوهري: رجل قَؤُول وقوم قُوُل مثل صَبور وصُبُر، وإِن شئت سكنت الواو. قال ابن بري: المعروف عند أَهل العربية قَؤُول وقُوْل، بإِسكان الواو، تقول: عَوان وعُوْن الأَصل عُوُن؛ ولا يحرك إِلا في الشعر كقول الشاعر:
تَمْنَحُه سُوُكَ الإِسْحِل |
قال: وشاهد قوله رجل قَؤُول قول كعب بن سعد الغَنَوي:
وعَوراء قد قِيلَتْ فلم أَلْتَفِـتْ لـهـا |
|
وما الكَلِمُ العُورانُ لـي بِـقَـبـيل |
وأُعرِضُ عن مولاي، لو شئت سَبَّني |
|
وما كلّ حين حلـمـه بـأَصِـيل |
وما أَنا، للشيء الذي ليس نافِـعِـي |
|
ويَغْضَب منه صاحبـي، بِـقَـؤُول |
ولستُ بِلاقي المَـرْء أَزْعُـم أَنـه |
|
خليلٌ، وما قَلْبـي لـه بـخَـلِـيل |
وامرأَة قَوَّالة: كثيرة القَوْل، والاسم القالةُ والقالُ والقِيل. ابن شميل: يقال للرجل إِنه لَمِقْوَل إذا كان بَيِّناً ظَرِيفَ اللسان.
والتِّقْولةُ، الكثيرُ الكلام البليغ في حاجته. وامرأَة ورجل تِقْوالةٌ: مِنْطِيقٌ. ويقال: كثُر القالُ والقِيلُ. الجوهري: القُوَّل جمع قائل مثل راكِع ورُكَّع؛ قال رؤبة:
فاليوم قد نَهْنَهَني تنَهْنُهِي، |
أَوَّل حلم ليس بالمُسَفَّـهِ، |
وقُـوَّل إِلاَّ دَهٍ فَــلا دَهِ |
وهو ابنُ أَقوالٍ وابنُ قَوَّالٍ أَي جيدُ الكلام فصيح. التهذيب: العرب تقول للرجل إذا كان ذا لسانٍ طَلِق إِنه لابنُ قَوْلٍ وابن أَقْوالٍ. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم: أَنه نهى عن قِيل وقال وإِضاعةِ المال؛ قال أَبو عبيد في قوله قيل وقال نحوٌ وعربيَّة، وذلك أَنه جعل القال مصدراً، أَلا تراه يقول عن قِيلٍ وقالٍ كأَنه قال عن قيلٍ وقَوْلٍ؟ يقال على هذا: قلتُ قَوْلاً وقِيلاً وقالاً، قال: وسمعت الكسائي يقول في قراءة عبد الله: ذلك عيسى بنُ مريم قالَ الحقِّ الذي فيه يَمْتَرُونَ؛ فهذ من هذا كأَنه قال: قالَ قَوْلَ الحق؛ وقال الفراء: القالُ في معنى القَوْل مثل العَيْب والعابِ، قال: والحق في هذا الموضع يراد به الله تعالى ذِكرُه كأَنه قال قَوْلَ اللهِ. الجوهري: وكذلك القالةُ. يقال: كثرتْ قالةُ الناس، قال: وأَصْل قُلْتُ قَوَلْتُ، بالفتح، ولا يجوز أَن يكون بالضم لأَنه يتعدّى. الفراء في قوله، صلى الله عليه وسلم: ونهيِه عن قِيل وقال وكثرة السؤَال، قال: فكانتا كالاسمين، وهما منصوبتان ولو خُفِضتا على أَنهما أُخرجتا من نية الفعل إِلى نية الأَسماء كان صواباً كقولهم: أَعْيَيْتني من شُبٍّ إِلى دُبٍّ؛ قال ابن الأَثير: معنى الحديث أَنه نهَى عن فُضُول ما يتحدَّث به المُتجالِسون من قولهم قِيلَ كذا وقال كذا، قال: وبناؤهما على كونهما فعلين ماضيين محكيَّيْن متضمِّنين للضمير، والإِعراب على إِجرائهما مجرى الأَسماء خِلْوَيْن من الضمير وإِدخال حرف التعريف عليهما لذلك في قولهم القِيل والقال، وقيل: القالُ الابتداء، والقِيلُ الجواب، قال: وهذا إِنما يصح إذا كانت الرواية قِيل وقال على أَنهما فِعْلان، فيكون النهي عن القَوْل بما لا يصح ولا تُعلم حقيقتُه، وهو كحديثه الآخر: بئس مَطِيَّةُ الرجل زعموا، وأَما مَنْ حكَى ما يصح وتُعْرَف حقيقتُه وأَسنده إِلى ثِقةٍ صادق فلا وجه للنهي عنه ولا ذَمَّ، وقال أَبو عبيد: إِنه جعل القال مصدراً كأَنه قال: نهى عن قيلٍ وقوْلٍ، وهذا التأْويل على أَنهما اسمان، وقيل: أَراد النهي عن كثرة الكلام مُبتدئاً ومُجيباً، وقيل: أَراد به حكاية أَقوال الناس والبحث عما لا يجدي عليه خيراً ولا يَعْنيه أَمرُه؛ ومنه الحديث: أَلا أُنَبِّئُكم ما العَضْهُ؟ هي النميمةُ القالةُ بين الناس أَي كثرة القَوْلِ وإِيقاع الخصومة بين الناس بما يحكي البعضُ عن البعض؛ ومنه الحديث: فَفَشَتِ القالةُ بين الناس، قال: ويجوز أَن يريد به القَوْل والحديثَ. الليث: تقول العرب كثر فيه القالُ والقِيلُ، ويقال إِن اشتِقاقَهما من كثرة ما يقولون قال وقيل له، ويقال: بل هما اسمان مشتقان من القَوْل، ويقال: قِيلَ على بناء فِعْل، وقُيِل على بناء فُعِل، كلاهما من الواو ولكن الكسرة غلبت فقلبت الواو ياء، وكذلك قوله تعالى: وسِيقَ الذين اتّقَوْا ربَّهم. الفراء: بنو أَسد يقولون قُولَ وقِيلَ بمعنى واحد؛ وأَنشد:
وابتدأَتْ غَضْبى وأُمَّ الرِّحالْ |
|
وقُولَ لا أَهلَ له ولا مالْ |
بمعنى وقِيلَ: وأَقْوَلَهُ ما لم يَقُلْ وقَوَّلَه ما لم يَقُل، كِلاهما: ادّعى عليه، وكذلك أَقاله ما لم يقُل؛ عن اللحياني. قَوْل مَقُولٌ ومَقْؤول؛ عن اللحياني أَيضاً، قال: والإتمام لغة أَبي الجراح. وآكَلْتَني وأَكَّلْتَني ما لم آكُل أَي ادّعَيْته عَليَّ. قال شمر: تقول قوَّلَني فُلان حتى قلتُ أَي علمني وأَمرني أَن أَقول، قال: قَوَّلْتَني وأَقْوَلْتَني أَي علَّمتني ما أَقول وأَنطقتني وحَمَلْتني على القَوْل. وفي حديث سعيد بن المسيب حين قيل له: ما تقول في عثمان وعلي، رضي الله عنهما؟ فقال: أَقول فيهما ما قَوَّلَني الله تعالى؛ ثم قرأَ: والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإِيمان. وفي حديث علي، عليه السلام: سمع امرأَة تندُب عمَر فقال: أَما والله ما قالتْه ولكن قُوِّلتْه أَي لُقِّنته وعُلِّمته وأُلْقي على لسانها يعني من جانب الإِلْهام أَي أَنه حقيق بما قالت فيه. وتَقَوَّل قَوْلاً: ابتدَعه كذِباً. وتقوَّل فلان عليَّ باطلاً أَي قال عَليَّ ما لم أَكن قلتُ وكذب عليَّ؛ ومنه قوله تعالى: ولو تقوَّل علينا بعضَ الأَقاويل. وكلمة مُقَوَّلة: قِيلتْ مرَّة بعد مرَّة. والمِقْوَل: اللسان، ويقال: إِنَّ لي مِقْوَلاً، وما يسُرُّني به مِقْوَل، وهو لسانه. التهذيب: أَبو الهيثم في قوله تعالى: زعم الذين كفروا أَن لن يُبْعَثوا، قال: اعلم أَنُ العرب تقول: قال إِنه وزعم أَنه، فكسروا الأَلف في قال على الابتداء وفتحوها في زعم، لأَن زعم فِعْل واقع بها متعدٍّ إِليها، تقول زعمت عبدَ الله قائماً، ولا تقول قلت زيداً خارجاً إِلاَّ أَن تدخل حرفاً من حروف الاستفهام في أَوله فتقول: هل تَقُوله خارجاً، ومتى تَقُوله فعَل كذا، وكيف تقوله صنع، وعَلامَ تَقُوله فاعلاً، فيصير عند دخول حروف الاستفهام عليه بمنزلة الظن، وكذلك تقول: متى تَقُولني خارجاً، وكيف تَقُولك صانعاً؟ وأَنشد:
فمتى تَقُول الدارَ تَجْمَعُنا |
قال الكميت:
عَلامَ تَقُول هَمْدانَ احْتَذَتْنـا |
|
وكِنْدَة، بالقوارِصِ، مُجْلِبينا؟ |
والعرب تُجْري تقول وحدها في الاستفهام مجرى تظنُّ في العمل؛ قال هدبة بن خَشْرم:
متى تَقُول القُلُصَ الرَّواسِما |
|
يُدْنِين أُمَّ قاسِمٍ وقاسِـمـا؟ |
فنصب القُلُص كما ينصب بالظنِّ؛ وقال عمرو بن معديكرب:
عَلامَ تَقُول الرُّمْحَ يُثْقِلُ عاتِـقـي |
|
إِذا أَنا لم أَطْعُنْ، إذا الخيلُ كَرَّتِ؟ |
وقال عمر بن أَبي ربيعة:
أَمَّا الرَّحِيل فدُون بعدَ غدٍ |
|
فمتى تَقُولُ الدارَ تَجْمَعُنا؟ |
قال: وبنو سليم يُجْرون متصرِّف قلت في غير الاستفهام أَيضاً مُجْرى الظنِّ فيُعدُّونه إِلى مفعولين، فعلى مذهبهم يجوز فتح انَّ بعد القَول. وفي الحديث: أَنه سَمِعَ صوْت رجل يقرأُ بالليل فقال أَتَقُوله مُرائياً أَي أَتظنُّه؟ وهو مختصٌّ بالاستفهام؛ ومنه الحديث: لمَّا أَراد أَن يعتَكِف ورأَى الأَخْبية في المسجد فقال: البِرَّ تَقُولون بهنَّ أَي تظنُّون وتَرَوْن أَنهنَّ أَردْنَ البِرَّ، قال: وفِعْلُ القَوْلِ إذا كان بمعنى الكلام لا يعمَل فيما بعده، تقول: قلْت زيد قائم، وأَقول عمرو منطلق، وبعض العرب يُعمله فيقول قلْت زيداً قائماً، فإِن جعلتَ القَوْلَ بمعنى الظنّ أَعملته مع الاستفهام كقولك: متى تَقُول عمراً ذاهباً، وأَتَقُول زيداً منطلقاً؟ أَبو زيد: يقال ما أَحسن قِيلَك وقَوْلك ومَقالَتك ومَقالَك وقالَك، خمسة أَوجُه. الليث: يقال انتشَرَت لفلان في الناس قالةٌ حسنة أَو قالةٌ سيئة، والقالةُ تكون بمعنى قائلةٍ، والقالُ في موضع قائل؛ قال بعضهم لقصيدة: أَنا قالُها أَي قائلُها. قال: والقالةُ القَوْلُ الفاشي في الناس.
والمِقْوَل: القَيْل بلغة أَهل اليمن؛ قال ابن سيده: المِقْوَل والقَيْل الملك من مُلوك حِمْير يَقُول ما شاء، وأَصله قَيِّل؛ وقِيلَ: هو دون الملك الأَعلى، والجمع أَقْوال. قال سيبويه: كسَّروه على أَفْعال تشبيهاً بفاعل، وهو المِقْوَل والجمع مَقاوِل ومَقاوِلة، دخلت الهاء فيه على حدِّ دخولها في القَشاعِمة؛ قال لبيد:
لها غَلَلٌ من رازِقيٍّ وكُرْسُفٍ |
|
بأَيمان عُجْمٍ، يَنْصُفُون المَقاوِلا |
والمرأَة قَيْلةٌ. قال الجوهري: أَصل قَيْل قَيِّل، بالتشديد، مثل سَيِّد من ساد يَسُود كأَنه الذي له قَوْل أَي ينفُذ قولُه، والجمع أَقْوال وأَقْيال أَيضاً، ومن جمَعه على أَقْيال لم يجعل الواحد منه مشدَّداً؛ التهذيب: وهم الأَقْوال والأَقْيال، الواحد قَيْل، فمن قال أَقْيال بناه على لفظ قَيْل، ومن قال أَقْوال بناه على الأَصل، وأَصله من ذوات الواو؛ وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه كتب لوائل بن حُجْر ولقومه: من محمدٍ رسول الله إِلى الأَقْوالِ العَباهِلة، وفي رواية: إِلى الأَقْيال العَباهِلة؛ قال أَبو عبيدة: الأَقْيال ملوك باليمن دون الملك الأَعظم، واحدُهم قَيْل يكون ملكاً على قومه ومِخْلافِه ومَحْجَره، وقال غيره: سمي الملك قَيْلاً لأَنه إذا قال قولاً نفَذ قولُه؛ وقال الأَعشى فجعلهم أَقْوالاً:
ثم دانَتْ، بَعْدُ، الرِّبابُ، وكانت |
|
كعَذابٍ عـقـوبةُ الأَقْـوالِ |
ابن الأَثير في تفسير الحديث قال: الأَقْوال جمع قَيْل، وهو الملك النافذ القَوْل والأَمرِ، وأَصله قَيْوِل فَيْعِل من القَوْل، حذفت عينه، قال: ومثله أَموات في جمع ميْت مخفف ميّت، قال: وأَما أَقْيال فمحمول على لفظ قَيْل كما قيل أَرْياح في جمع ريح، والشائع المَقِيس أَرْواح. وفي الحديث: سبحان مَنْ تَعَطَّف العِزَّ وقال بِه: تعطَّف العِزَّ أَي اشتمل بالعِزِّ فغلب بالعز كلَّ عزيز، وأَصله من القَيْل ينفُذ قولُه فيما يريد؛ قال ابن الأَثير: معنى وقال به أَي أَحبَّه واختصَّه لنفسه، كما يُقال: فلان يَقُول بفلان أَي بمحبَّته واختصاصِه، وقيل: معناه حَكَم به، فإِن القَوْل يستعمل في معنى الحُكْم. وفي الحديث: قولوا بقَوْلكم أَو بعض قَوْلِكم ولا يَسْتَجْرِيَنَّكم الشيطان أَي قُولوا بقَوْل أَهل دِينكم ومِلَّتكم، يعني ادعوني رسولاً ونبيّاً كما سمَّاني الله، ولا تسموني سيِّداً كما تسمُّون رؤساءكم، لأَنهم كانوا يحسَبون أَن السيادة بالنبوة كالسيادة بأَسباب الدنيا، وقوله بعض قولِكم يعني الاقتصادَ في المقال وتركَ الإِسراف فيه، قال: وذلك أَنهم كانوا مدحوه فكره لهم المبالغة في المدح فنهاهم عنه، يريد تكلَّموا بما يحضُركم من القَوْلِ ولا تتكلَّفوه كأَنكم وُكلاءُ الشيطان ورُسُلُه تنطِقون عن لسانه. واقْتال قَوْلاً: اجْتَرَّه إِلى نفسِه من خير أَو شر. واقْتالَ عليهم: احْتَكَم؛ وأَنشد ابن بري للغَطَمَّش من بني شَقِرة:
فبالخَيْر لا بالشرِّ فارْجُ مَوَدَّتي |
|
وإِنِّي امرُؤٌ يَقْتالُ مني التَّرَهُّبُ |
قال أَبو عبيد: سمعت الهيثم بن عدي يقول: سمعت عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز يقول في رُقْية النَّمْلة: العَرُوس تَحْتَفِل، وتَقْتالُ وتَكْتَحِل، وكلَّ شيء تَفْتَعِلْ، غير أَن لا تَعْصِي الرجل؛ قال: تَقْتال تَحْتَكِم على زوجها. الجوهري: اقْتال عليه أَي تحكَّم؛ وقال كعب بن سعد الغَنَويّ:
ومنزلَةٍ في دار صِدْق وغِبْطةٍ |
|
وما اقْتال من حُكْمٍ عَليَّ طَبيبُ |
قال ابن بري: صواب إِنشاده بالرفع ومنزلةٌ لأَن قبله:
وخَبَّرْ تُماني أَنَّما الموتُ في القُرَى |
|
فكيف وهاتا هَضْـبَةٌ وكَـثِـيبُ |
وماءُ سماء كان غـير مَـحَـمَّة |
|
بِبَرِّيَّةٍ، تَجْري عـلـيه جَـنُـوبُ |
وأَنشد ابن بري للأَعشى:
ولمِثْلِ الذي جَمَعْتَ لِرَيْبِ الد |
|
هر تَأْبى حكومة المُقْتـالِ |
وقاوَلْته في أَمره وتَقاوَلْنا أَي تَفاوَضْنا؛ وقول لبيد:
وإِنَّ الله نافِلةٌ تـقـاه |
|
ولا يَقْتالُها إِلا السَّعِيدُ |
أَي ولا يقولها؛ قال ابن بري: صوابه فإِنَّ الله، بالفاء؛ وقبله:
حَمِدْتُ اللهَ واللهُ الحميدُ |
والقالُ: القُلَةُ، مقلوب مغيَّر، وهو العُود الصغير، وجمعه قِيلان؛ قال:
وأَنا في ضُرَّاب قِيلانِ القُلَهْ |
الجوهري: القالُ الخشبة التي يضرَب بها القُلَة؛ وأَنشد:
كأَنَّ نَزْوَ فِراخِ الهامِ، بينَهُم |
|
نَزْوُ القُلاة، قلاها قالُ قالِينا |
قال ابن بري: هذا البيت يروى لابن مقبل، قال: ولم أَجده في شعره.
ابن بري: يقال اقْتالَ بالبعير بعيراً وبالثوب ثوباً أَي استبدله به، ويقال: اقْتال باللَّوْن لَوْناً آخر إذا تغير من سفرٍ أَو كِبَر؛ قال الراجز:
فاقْتَلْتُ بالجِدّة لَوْناً أَطْحَـلا |
|
وكان هُدَّابُ الشَّباب أَجْملا |
ابن الأَعرابي: العرب تقول قالوا بزيدٍ أَي قَتَلُوه، وقُلْنا به أَي قَتَلْناه؛ وأَنشد:
نحن ضربناه على نِطَابه |
|
قُلْنا به قُلْنا به قُلْنا بـه |
أَي قَتَلْناه، والنَّطابُ: حَبْل العاتِقِ. وقوله في الحديث: فقال بالماء على يَده؛ وفي الحديث الآخر: فقال بِثَوبه هكذا، قال ابن الأَثير: العرب تجعل القول عبارةً عن جميع الأَفعال وتطلِقه على غير الكلام واللسان فتقول قال بِيَده أَي أَخذ، وقال برِجْله أَي مشى؛ وقد تقدَّم قول الشاعر:
وقالت له العَيْنانِ: سمعاً وطاعة |
أَي أَوْمَأَتْ، وقال بالماء على يدِه أَي قَلب، وقال بثوب أَي رفَعَه، وكل ذلك على المجاز والاتساع كما روي في حديث السَّهْوِ قال: ما يَقُولُ ذو اليدين؟ قالوا: صدَق، روي أَنهم أَوْمَؤُوا برؤوسِهم أَي نعم ولم يتكلَّموا؛ قال: ويقال قال بمعنى أَقْبَلَ، وبمعنى مال واستراحَ وضرَب وغلَب وغير ذلك.
وفي حديث جريج: فأَسْرَعَت القَوْلِيَّةُ إِلى صَوْمَعَتِه؛ همُ الغَوْغاءُ وقَتَلَةُ الأَنبياء واليهودُ، وتُسمَّى الغَوْغاءُ قَوْلِيَّةً.
القيامُ: نقيض الجلوس، قام يَقُومُ قَوْماً وقِياماً وقَوْمة وقامةً، والقَوْمةُ المرة الواحدة. قال ابن الأَعرابي: قال عبد لرجل أَراد أن يشتريه: لا تشترني فإني إذا جعت أَبغضت قَوْماً، وإذا شبِعت أَحببت نَوْماً، أي أَبغضت قياماً من موضعي؛ قال:
قد صُمْتُ رَبِّي، فَتَقَبَّلْ صامتي، |
|
وقُمْتُ لَيْلي، فتقَبَّل قامَـتـي |
أَدْعُوك يا ربِّ من النارِ التـي |
|
أَعْدَدْتَ للكُفَّارِ في الـقِـيامةِ |
وقال بعضهم: إنما أَراد قَوْمَتي وصَوْمَتي فأَبدل من الواو أَلفاً، وجاء بهذه الأبيات مؤسَّسة وغير مؤسسة، وأَراد من خوف النار التي أَعددت؛ وأَورد ابن بري هذا الرجز شاهداً على القَوْمة فقال:
قد قمت ليلي، فتقبَّل قَوْمَتـي، |
|
وصمت يومي، فتقبَّل صَوْمَتي |
ورجل قائم من رجال قُوَّمٍ وقُيَّمٍ وقِيَّمٍ وقُيَّامٍ وقِيَّامٍ.
وقَوْمٌ: قيل هو اسم للجمع، وقيل: جمع. التهذيب: ونساء قُيَّمٌ وقائمات أَعرف. والقامةُ: جمع قائم؛ عن كراع. قال ابن بري رحمه الله: قد ترتجل العرب لفظة قام بين يدي الجمل فيصير كاللغو؛ ومعنى القِيام العَزْمُ كقول العماني الراجز للرشيد عندما همَّ بأَن يعهد إلى ابنه قاسم:
قُل للإمامِ المُقْتَدَى بأَمِّه: |
ما قاسِمٌ دُونَ مَدَى ابنِ أُمِّه، |
فَقَدْ رَضِيناهُ فَقُمْ فسَمِّه |
أي فاعْزِمْ ونُصَّ عليه؛ وكقول النابغة الذبياني:
نُبِّئتُ حِصْناً وحَيّاً مِن بَنـي أَسَـدٍ |
|
قامُوا فقالُوا؛ حِمانا غيرُ مَقْروبِ |
أَي عَزَموا فقالوا؛ وكقول حسان بن ثابت:
علاما قامَ يَشْتُمُني لَـئِيمٌ، |
|
كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ |
معناه علام يعزم على شتمي؛ وكقول الآخر:
لَدَى بابِ هِنْدٍ إذْ تَجَرَّدَ قائما |
ومنه قوله تعالى: وإنه لما قامَ عبد الله يدعوه؛ أي لما عزم. وقوله تعالى: إذ قاموا فقالوا ربُّنا ربُّ السموات والأرض؛ أي عزَموا فقالوا، قال: وقد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح؛ ومنه قوله تعالى: الرجال قوّامون على النساء، وقوله تعالى: إلا ما دمت عليه قائماً؛ أي ملازماً محافظاً. ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات. يقال للماشي: قف لي أي تحبَّس مكانَك حتى آتيك، وكذلك قُم لي بمعنى قف لي، وعليه فسروا قوله سبحانه: وإذا أَظلم عليهم قاموا؛ قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى وقَفُوا وثبتوا في مكانهم غير متقدّمين ولا متأَخرين، ومنه التَّوَقُّف في الأَمر وهو الوقُوف عنده من غير مُجاوَزة له؛ ومنه الحديث: المؤمن وَقَّافٌ متَأَنٍّ، وعلى ذلك قول الأَعشى:
كانت وَصاةٌ وحاجاتٌ لها كَفَفُ، |
|
لَوْ أَنَّ صْحْبَكَ، إذْ نادَيْتَهم، وقَفُوا |
أي ثبتوا ولم يتقدَّموا؛ ومنه قول هُدبة يصف فلاة لا يُهتدى فيها:
يَظَلُّ بها الهادي يُقلِّبُ طَرْفَـه، |
|
يَعَضُّ على إبْهامِه، وهو واقِفُ |
أَي ثابت بمكانه لا يتقدَّم ولا يتأَخر؛ قال: ومنه قول مزاحم:
أَتَعْرِفُ بالـغَـرَّيْنِ داراً تَـأبَّـدَتْ، |
|
منَ الحَيِّ، واستَنَّتْ عَليها العَواصِفُ |
وقَفْتُ بها لا قاضِـياً لـي لُـبـانةً، |
|
ولا أَنا عنْها مُسْتَمِـرٌّ فَـصـارِفُ |
قال: فثبت بهذا ما تقدم في تفسير الآية. قال: ومنه قامت الدابة إذا وقفت عن السير. وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح؛ ومنه قولهم: أقام بالمكان هو بمعنى الثبات. ويقال: قام الماء إذا ثبت متحيراً لا يجد مَنْفَذاً، وإذا جَمد أيضاً؛ قال: وعليه فسر بيت أبي الطيب:
وكذا الكَريمُ إذا أَقام بِبَلـدةٍ، |
|
سالَ النُّضارُ بها وقام الماء |
أي ثبت متحيراً جامداً. وقامَت السُّوق إذا نفَقت، ونامت إذا كسدت.
وسُوق قائِمة: نافِقة. وسُوق نائِمة: كاسِدة. وقاوَمْتُه قِواماً: قُمْت معه، صحَّت الواو في قِوام لصحتها في قاوَم. والقَوْمةُ: ما بين الركعتين من القِيام. قال أَبو الدُّقَيْش: أُصلي الغَداة قَوْمَتَيْنِ، والمغرب ثلاث قَوْمات، وكذلك قال في الصلاة.
والمقام: موضع القدمين؛ قال:
هذا مَقامُ قَدَمَي رَبـاحِ، |
|
غُدْوَةَ حتَّى دَلَكَتْ بَراحِ |
ويروى: بِراحِ. والمُقامُ والمُقامةُ: الموضع الذي تُقيم فيه.
والمُقامة، بالضم: الإقامة. والمَقامة، بالفتح: المجلس والجماعة من الناس، قال: وأما المَقامُ والمُقامُ فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القِيام، لأَنك إذا جعلته من قام يَقُوم فمفتوح، وإن جعلته من قام يُقِيمُ فَمضْموم، فإن الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم، لأَنه مُشَبَّه ببنات الأَربعة نحو دَحْرَجَ وهذا مُدَحْرَجُنا. وقوله تعالى: لا مقَامَ لكم، أي لا موضع لكم، وقُرئ لا مُقام لكم، بالضم، أي لا إقامة لكم. وحَسُنت مُستقَرّاً ومُقاماً؛ أَي موضعاً؛ وقول لبيد:
عَفَتِ الدِّيارُ: مَحلُّها فَمُقامُها |
|
بِمنىً، تأَبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها |
يعني الإقامة. وقوله عزَّ وجل: كم تركوا من جنات وعيون وزُروع ومَقام كَريم؛ قيل: المَقامُ الكريم هو المِنْبَر، وقيل: المنزلة الحسَنة. وقامت المرأَة تَنُوح أَي جعَلت تنوح، وقد يُعْنى به ضدّ القُعود لأَن أكثر نوائح العرب قِيامٌ؛ قال لبيد:
قُوما تَجُوبانِ مَعَ الأَنْواح |
وقوله:
يَوْمُ أَدِيمِ بَـقَّةَ الـشَّـــرِيمِ |
|
أَفضَلُ من يومِ احْلِقِي وقُومي |
إنما أَراد الشدّة فكنى عنه باحْلِقي وقومي، لأَن المرأَة إذا مات حَمِيمها أو زوجها أو قُتل حلَقَت رأْسها وقامَت تَنُوح عليه. وقولهم: ضَرَبه ضَرْبَ ابنةِ اقْعُدي وقُومي أي ضَرْبَ أمة، سميت بذلك لقُعودها وقِيامه في خدمة مواليها، وكأنَّ هذا جعل اسماً، وإن كان فِعْلاً، لكونه من عادتها كما قال: إن الله ينهاكم عن قِيلٍ وقالٍ. وأَقامَ بالمكان إقاماً وإقامةً ومُقاماً وقامةً؛ الأخيرة عن كراع: لَبِثَ. قال ابن سيده: وعندي أن قامة اسم كالطّاعةِ والطّاقَةِ. التهذيب: أَقَمْتُ إقامةً، فإذا أَضَفْت حَذَفْت الهاء كقوله تعالى: وإقام الصلاةِ وإيتاء الزكاةِ. الجوهري: وأَقامَ بالمكان إقامةً، والهاء عوض عن عين الفعل لأَن أصلَه إقْواماً، وأَقامَه من موضعه. وأقامَ الشيء: أَدامَه، من قوله تعالى: ويُقِيمون الصلاةَ، وقوله تعالى: وإنَّها لبِسَبيل مُقِيم؛ أراد إن مدينة قوم لوط لبطريق بيِّن واضح؛ هذا قول الزجاج.
والاسْتِقامةُ: الاعْتدالُ، يقال: اسْتَقامَ له الأمر. وقوله تعالى: فاسْتَقِيمُوا إليه أي في التَّوَجُّه إليه دون الآلهةِ. وقامَ الشيءُ واسْتقامَ: اعْتدَل واستوى. وقوله تعالى: إن الذين قالوا ربُّنا الله ثم اسْتَقاموا؛ معنى قوله اسْتَقامُوا عملوا بطاعته ولَزِموا سُنة نبيه، صلى الله عليه وسلم. وقال الأَسود بن مالك: ثم استقاموا لم يشركوا به شيئاً، وقال قتادة: استقاموا على طاعة الله؛ قال كعب بن زهير:
فَهُمْ صَرفُوكم، حينَ جُزْتُمْ عنِ الهُدَى،بأَسْيافِهِمْ حَتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ |
قال: القِيَمُ الاسْتِقامةُ. وفي الحديث: قل آمَنتُ بالله ثم اسْتَقِمْ؛ فسر على وجهين: قيل هو الاسْتقامة على الطاعة، وقيل هو ترك الشِّرك.
أَبو زيد: أَقمْتُ الشيء وقَوَّمْته فَقامَ بمعنى اسْتقام، قال: والاسْتِقامة اعتدال الشيء واسْتِواؤه. واسْتَقامَ فلان بفلان أي مدَحه وأَثنى عليه.
وقامَ مِيزانُ النهار إذا انْتَصفَ، وقام قائمٌ الظَّهِيرة؛ قال الراجز:
وقامَ مِيزانُ النَّهارِ فاعْتَدَلْ |
والقَوامُ: العَدْل؛ قال تعالى: وكان بين ذلك قَواماً؛ وقوله تعالى: إنّ هذا القرآن يَهْدِي للتي هي أَقْومُ؛ قال الزجاج: معناه للحالة التي هي أَقْوَمُ الحالاتِ وهي تَوْحِيدُ الله، وشهادةُ أن لا إله إلا الله، والإيمانُ برُسُله، والعمل بطاعته. وقَوَّمَه هو؛ واستعمل أبو إسحق ذلك في الشِّعر فقال: استقامَ الشِّعر اتَّزَنَ. وقَوّمَ دَرْأَه: أَزال عِوَجَه؛ عن اللحياني، وكذلك أَقامَه؛ قال:
أَقِيمُوا، بَني النُّعْمانِ، عَنَّا صُدُورَكُم، |
|
وإلا تُقِيموا، صاغِرِينَ، الرُّؤوسـا |
عدَّى أَقِيمُوا بعن لأَن فيه معنى نَحُّوا أَو أَزيلُوا، وأَما قوله: وإلاَّ تُقِيموا صاغرين الرُّؤوسا فقد يجوز أَن يُعْنى به عُني بأَقِيموا أي وإلا تُقيموا رؤوسكم عنا صاغرين، فالرُّؤوسُ على هذا مفعول بتُقيموا، وإن شئت جعلت أَقيموا هنا غير متعدّ بعن فلم يكن هنالك حرف ولاحذف، والرُّؤوسا حينئذ منصوب على التشبيه بالمفعول.
أَبو الهيثم: القامةُ جماعة الناس. والقامةُ أيضاً: قامةُ الرجل. وقامةُ الإنسان وقَيْمَتُه وقَوْمَتُه وقُومِيَّتُه وقَوامُه: شَطاطُه؛ قال العجاج:
أَما تَرَيني اليَوْمَ ذا رَثِيَّهْ، |
فَقَدْ أَرُوحُ غيرَ ذي رَذِيَّهْ |
صُلْبَ القَناةِ سَلْهَبَ القُومِيَّهْ |
وصَرَعَه من قَيْمَتِه وقَوْمَتِه وقامَته بمعنى واحد؛ حكان اللحياني عن الكسائي. ورجل قَوِيمٌ وقَوَّامٌ: حَسَنُ القامة، وجمعهما قِوامٌ.
وقَوام الرجل: قامته وحُسْنُ طُوله، والقُومِيَّةُ مثله؛ وأنشد ابن بري رجز العجاج:
أَيامَ كنتَ حسَنَ القُـومِـيَّهْ، |
|
صلبَ القناة سَلهبَ القَوْسِيَّهْ |
والقَوامُ: حُسْنُ الطُّول. يقال: هو حسن القامةِ والقُومِيَّة والقِمّةِ. الجوهري: وقامةُ الإنسان قد تُجمَع على قاماتٍ وقِيَمٍ مِثْل تاراتٍ وتِيَر، قال: وهو مقصور قيام ولحقه التغيير لأَجل حرف العلة وفارق رَحَبة ورِحاباً حيث لم يقولوا رِحَبٌ كما قالوا قِيَمٌ وتِيَرٌ. والقُومِيَّةُ: القَوام أَو القامةُ. الأَصمعي: فلان حسن القامةِ والقِمّة والقُوميَّة بمعنى واحد؛ وأَنشد:
فَتَمَّ مِنْ قَوامِها قُومِيّ |
ويقال: فلان ذُو قُومِيَّةٍ على ماله وأَمْره. وتقول: هذا الأَمر لا قُومِيَّة له أي لا قِوامَ له. والقُومُ: القصدُ؛ قال رؤبة:
واتَّخَذَ الشَّد لهنَّ قُوما |
وقاوَمَه في المُصارَعة وغيرها. وتقاوموا في الحرب أي قام بعضهم لبعض.
وقِوامُ الأمر، بالكسر: نِظامُه وعِماده. أَبو عبيدة: هو قِوامُ أهل بيته وقِيامُ أهل بيته، وهو الذي يُقيم شأْنهم من قوله تعالى: ولا تُؤتوا السُّفهاء أَموالكم التي جَعل الله لكم قِياماً. وقال الزجاج: قرئت جعل الله لكم قِياماً وقِيَماً. ويقال: هذا قِوامُ الأَمر ومِلاكُه الذي يَقوم به؛ قال لبيد:
أَفَتِلْكَ أمْ وَحْشِـيّةٌ مَـسْـبُـوعَةٌ |
|
خُذِلَتْ، وهادِيةُ الصِّوارِ قوامُها؟ |
قال: وقد يفتح، ومعنى الآية أي التي جعلَها الله لكم قِياماً تُقِيمكم فتَقُومون بها قِياماً، ومن قرأَ قِيَماً فهو راجع إلى هذا، والمعنى جعلها الله قِيمةَ الأَشياء فبها تَقُوم أُمورُكم؛ وقال الفراء: التي جعل الله لكم قِياماً يعني التي بها تَقُومون قياماً وقِواماً، وقرأَ نافع المدني قيَماً، قال: والمعنى واحد. ودِينارٌ قائم إذا كان مثقالاً سَواء لا يَرْجح، وهو عند الصيارفة ناقص حتى يَرْجَح بشيء فيسمى مَيّالاً، والجمع قُوَّمٌ وقِيَّمٌ. وقَوَّمَ السِّلْعة واسْتَقامها: قَدَّرها. وفي حديث عبد الله بن عباس: إذا اسْتَقَمْت بنَقْد فبِعْتَ بنقد فلا بأْس به، وإذا اسْتَقَمْت بنقد فبعته بِنَسيئة فلا خير فيه فهو مكروه؛ قال أَبو عبيد: قوله إذا استقمت يعني قوَّمت، وهذا كلام أهل مكة، يقولون: اسَتَقَمْتُ المَتاع أي قَوَّمْته، وهما بمعنى، قال: ومعنى الحديث أن يدفَعَ الرجلُ إلى الرجل الثوب فيقوّمه مثلاً بثلاثين درهماً، ثم يقول: بعه فما زاد عليها فلك، فإن باعه بأكثر من ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأْخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة بأَكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود ولا يجوز؛ قال أَبو عبيد: وهذا عند من يقول بالرأْي لا يجوز لأَنها إجارة مجهولة، وهي عندنا معلومة جائزة، لأَنه إذا وَقَّت له وَقْتاً فما كان وراء ذلك من قليل أو كثير فالوقت يأْتي عليه، قال: وقال سفيان بن عيينة بعدما روى هذا الحديث يَسْتَقِيمه بعشرة نقداً فيبيعه بخمسة عشر نسيئة، فيقول: أُعْطِي صاحب الثوب من عندي عشرة فتكون الخمسة عشر لي، فهذا الذي كره. قال إسحق: قلت لأَحمد قول ابن عباس إذا استقمت بنقد فبعت بنقد، الحديث، قال: لأنه يتعجل شيئاً ويذهب عَناؤه باطلاً، قال إسحق: كما قال قلت فما المستقيم؟ قال: الرجل يدفع إلى الرجل الثوب فيقول بعه بكذا، فما ازْدَدْتَ فهو لك، قلت: فمن يدفع الثوب إلى الرجل فيقول بعه بكذا فما زاد فهو لك؟ قال: لا بأْس، قال إسحق كما قال.
والقِيمةُ: واحدة القِيَم، وأَصله الواو لأَنه يقوم مقام الشيء.
والقيمة: ثمن الشيء بالتَّقْوِيم. تقول: تَقاوَمُوه فيما بينهم، وإذا انْقادَ الشيء واستمرّت طريقته فقد استقام لوجه. ويقال: كم قامت ناقتُك أي كم بلغت.
وقد قامَتِ الأمةُ مائة دينار أي بلغ قيمتها مائة دينار، وكم قامَتْ أَمَتُك أي بلغت. والاستقامة: التقويم، لقول أهل مكة استقَمْتُ المتاع أي قوَّمته. وفي الحديث: قالوا يا رسول الله لو قوَّمْتَ لنا، فقال: الله هو المُقَوِّم، أي لو سَعَّرْت لنا، وهو من قيمة الشيء، أي حَدَّدْت لنا قيمتها. ويقال: قامت بفلان دابته إذا كلَّتْ وأَعْيَتْ فلم تَسِر. وقامت الدابة: وَقَفَت. وفي الحديث: حين قام قائمُ الظهيرة أي قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت، والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسَط السماء أَبْطأَت حركةُ الظل إلى أن تزول، فيحسب الناظر المتأَمل أنها قد وقفت وهي سائرة لكن سيراً لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال وبعده، ويقال لذلك الوقوف المشاهد: قام قائم الظهيرة، والقائمُ قائمُ الظهيرة.
ويقال: قام ميزان النهار فهو قائم أي اعْتَدَل. ابن سيده: وقام قائم الظهيرة إذا قامت الشمس وعقَلَ الظلُّ، وهو من القيام. وعَيْنٌ قائمة: ذهب بصرها وحدَقَتها صحيحة سالمة. والقائم بالدِّين: المُسْتَمْسِك به الثابت عليه.
وفي الحديث: إنَّ حكيم بن حِزام قال: بايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لا أخِرَّ إلا قائماً؛ قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أمّا من قِبَلِنا فلا تَخِرُّ إلا قائماً أي لسنا ندعوك ولا نبايعك إلا قائماً أي على الحق؛ قال أبو عبيد: معناه بايعت أن لا أموت إلا ثابتاً على الإسلام والتمسُّك به. وكلُّ من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه. وقال تعالى: ليْسُوا سَواء من أهل الكتاب أُمَّةٌ قائمةٌ؛ إنما هو من المُواظبة على الدين والقيام به؛ الفراء: القائم المتمسك بدينه، ثم ذكر هذا الحديث. وقال الفراء: أُمَّة قائمة أي متمسكة بدينها. وقوله عز وجل: لا يُؤَدِّه إليك إلا ما دُمت عليه قائماً؛ أي مُواظِباً مُلازِماً، ومنه قيل في الكلام للخليفة: هو القائِمُ بالأمر، وكذلك فلان قائِمٌ بكذا إذا كان حافظاً له متمسكاً به. قال ابن بري: والقائِمُ على الشيء الثابت عليه، وعليه قوله تعالى: من أهل الكتاب أُمةٌ قائمةٌ؛ أي مواظِبة على الدين ثابتة. يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به؛ ومنه الحديث: اسْتَقِيموا لقُريش ما اسْتَقامُوا لكم، فإنْ لم يَفْعَلوا فضَعُوا سيُوفَكم على عَواتِقكم فأَبِيدُوا خضْراءهم، أي دُوموا لهم في الطاعة واثْبُتوا عليها ما داموا على الدين وثبتوا على الإسلام. يقال: قامَ واسْتَقامَ كما يقال أَجابَ واسْتجابَ؛ قال الخطابي: الخَوارِج ومن يَرى رأْيهم يتأَوَّلونه على الخُروج على الأَئمة ويحملون قوله ما اسْتقاموا لكم على العدل في السِّيرة، وإنما الاستقامة ههنا الإقامة على الإسلام، ودليله في حديث آخر: سيَلِيكم أُمَراءُ تَقْشَعِرُّ منهم الجلود وتَشْمَئِزُّ منهم القلوب، قالوا: يا رسول الله، أَفلا تُقاتلهم؟ قال: لا ما أَقاموا الصلاة، وحديثه الآخر: الأَئمة من قريش أَبرارُها أُمَراءُ أَبرارِها وفُجَّارُها أُمَراءُ فُجَّارِها؛ ومنه الحديث: لو لم تَكِلْه لقامَ لكم أي دام وثبت، والحديث الآخر: لو تَرَكَتْه ما زال قائماً، والحديث الآخر: ما زال يُقِيمُ لها أُدْمَها. وقائِمُ السيف: مَقْبِضُه، وما سوى ذلك فهو قائمة نحو قائمةِ الخِوان والسرير والدابة. وقَوائِم الخِوان ونحوها: ما قامت عليه. الجوهري: قائمُ السيف وقائمتُه مَقْبِضه. والقائمةُ: واحدة قوائم الدَّوابّ. وقوائم الدابة: أربَعُها، وقد يستعار ذلك في الإنسان؛ وقول الفرزدق يصف السيوف:
إذا هِيَ شِيمتْ فالقوائِمُ تَحْتها، |
|
وإنْ لمْ تُشَمْ يَوْماً علَتْها القَوائِمُ |
أَراد سُلَّت. والقوائم: مقَابِض السيوف.
والقُوام: داءٌ يأْخذ الغنم في قوائمها تقوم منه. ابن السكيت: ما فَعل قُوام كان يَعتري هذه الدابة، بالضم، إذا كان يقوم فلا يَنْبَعث. الكسائي: القُوام داءٌ يأْخذ الشاة في قوائمها تقوم منه؛ وقَوَّمت الغنم: أَصابها ذلك فقامت. وقامُوا بهم: جاؤوهم بأَعْدادهم وأَقرانِهم وأَطاقوهم. وفلان لا يقوم بهذا الأمر أي لا يُطِيق عليه، وإذا لم يُطِق الإنسان شيئاً قيل: ما قام به. الليث: القامةُ مِقدار كهيئة رجل يبني على شَفِير البئر يوضع عليه عود البَكْرة، والجمع القِيم، وكذلك كل شيء فوق سطح ونحوه فهو قامة؛ قال الأَزهري: الذي قاله الليث في تفسير القامة غير صحيح، والقامة عند العرب البكرة التي يستقى بها الماء من البئر، وروي عن أبي زيد أنه قال: النَّعامة الخشبة المعترضة على زُرْنُوقي البئر ثم تعلق القامة، وهي البَكْرة من النعامة. ابن سيده: والقامةُ البكرة يُستقَى عليها، وقيل: البكرة وما عليها بأَداتِها، وقيل: هي جُملة أَعْوادها؛ قال الشاعر:
لَمّا رأَيْتُ أَنَّها لا قامهْ، |
وأَنَّني مُوفٍ على السَّآمَهْ، |
نزَعْتُ نَزْعاً زَعْزَعَ الدِّعامهْ |
والجمع قِيَمٌ مثل تارةٍ وتِيَرٍ، وقامٌ؛ قال الطِّرِمّاح:
ومشَى تُشْـبِـهُ أَقْـرابُـه |
|
ثَوْبَ سْحْلٍ فوقَ أَعوادِ قامِ |
وقال الراجز:
يا سَعْدُ غَمَّ الماءَ وِرْدٌ يَدْهَمُه، |
يَوْمَ تَلاقى شاؤُه ونَعَمُهْ، |
واخْتَلَفَتْ أَمْراسُه وقِيَمُهْ |
وقال ابن بري في قول الشاعر:
لَمّا رأَيت أَنها لا قامه |
قال: قال أَبو عليّ ذهب ثعلب إلى أَن قامة في البيت جمع قائِم مثل بائِع وباعةٍ، كأَنه أَراد لا قائمين على هذا الحوض يَسْقُون منه، قال: ومثله فيما ذهب إليه الأَصمعي:
وقامَتي رَبِيعةُ بنُ كَعْبِ، |
|
حَسبُكَ أَخلاقُهمُ وحَسْبي |
أي رَبِيعة قائمون بأَمري؛ قال: وقال عديّ بن زيد:
وإنِّي لابنُ ساداتٍ |
|
كِرامٍ عنهمُ سُدْتُ |
وإنِّي لابنُ قاماتٍ |
|
كِرامٍ عنهمُ قُمْتُ |
أَراد بالقاماتِ الذين يقومون بالأُمور والأَحداث؛ ومما يشهد بصحة قول ثعلب أن القامة جمع قائم لا البكرة قوله:
نزعت نزعاً زعزع الدِّعامه |
والدِّعامة إنما تكون للبكرة، فإن لم تكن بكْرَةٌ فلا دعامة ولا زعزعةَ لها؛ قال ابن بري: وشاهد القامة للبكرة قول الراجز:
إنْ تَسْلَمِ القامةُ والمَنِينُ، |
|
تُمْسِ وكلُّ حائِمٍ عَطُونُ |
وقال قيس بن ثُمامة الأرْحبي في قامٍ جمع قامةِ البئر:
قَوْداءَ تَرْمَدُّ مِنْ غَمْزي لها مَرَطَى، |
|
كأَن هادَيهـا قـامٌ عـلـى بِـيرِ |
والمِقْوَم: الخَشَبة التي يُمْسكها الحرّاث. وقوله في الحديث: إنه أَذِنَ في قَطْع المسَدِ والقائمَتينِ من شجر الحَرَم، يريد قائمتي الرَّحْل اللتين تكون في مُقَدَّمِه ومُؤَخَّره.
وقَيِّمُ الأمر: مُقِيمهُ. وأمرٌ قَيِّمٌ: مُسْتقِيم. وفي الحديث: أتاني مَلَك فقال: أَنت قُثَمٌ وخُلُقُكَ قَيِّم أي مُسْتَقِيم حسَن. وفي الحديث: ذلك الدين القَيِّمُ أي المستقيم الذي لا زَيْغ فيه ولا مَيْل عن الحق. وقوله تعالى: فيها كُتب قيِّمة؛ أَي مستقيمة تُبيّن الحقّ من الباطل على اسْتِواء وبُرْهان؛ عن الزجاج.
وقوله تعالى: وذلك دِين القَيِّمة؛ أَي دين الأُمةِ القيّمة بالحق، ويجوز أَن يكن دين المِلة المستقيمة؛ قال الجوهري: إنما أَنثه لأَنه أَراد المِلة الحنيفية. والقَيِّمُ: السيّد وسائسُ الأَمر. وقَيِّمُ القَوْم: الذي يُقَوِّمُهم ويَسُوس أَمرهم. وفي الحديث: ما أَفْلَحَ قَوْمٌ قَيِّمَتُهُم امرأة. وقَيِّمُ المرأَةِ: زوجها في بعض اللغات. وقال أَبو الفتح ابن جني في كتابه الموسوم بالمُغْرِب. يروى أَن جاريتين من بني جعفر بن كلاب تزوجتا أَخوين من بني أَبي بكر ابن كلاب فلم تَرْضَياهما فقالت إحداهما:
أَلا يا ابْنَةَ الأَخْيار مِن آلِ جَعْفَـرٍ |
|
لقد ساقَنا منْ حَيِّنا هَجْمَتاهُـمـا، |
أُسَيْوِدُ مِثْـلُ الـهِـرِّ لا دَرَّ دَرُّه، |
|
وآخَرُ مِثْلُ القِرْدِ لا حَبَّذا هُمـا، |
يَشِينانِ وجْهَ الأَرْضِ إنْ يَمْشِيا بِها، |
|
ونَخْزَى إذا ما قِيلَ: مَنْ قَيِّماهُما؟ |
قَيِّماهما: بَعْلاهُما، ثنت الهَجّمتين لأَنها أَرادت القِطْعَتَين أَو القَطيعَيْنِ. وفي الحديث: حتى يكون لخمسين امرأَة قَيِّمٌ واحد؛ قَيِّمُ المرأَةِ: زوجها لأَنه يَقُوم بأَمرها وما تحتاج إليه. وقام بأَمر كذا.
وقام الرجلُ على المرأَة: مانَها. وإنه لَقَوّام علهيا: مائنٌ لها. وفي التنزيل العزيز: الرجالُ قَوَّامون على النساء؛ وليس يراد ههنا، والله أَعلم، القِيام الذي هو المُثُولُ والتَّنَصُّب وضدّ القُعود، إنما هو من قولهم قمت بأَمرك، فكأنه، والله أَعلم، الرجال مُتكفِّلون بأُمور النساء مَعْنِيُّون بشؤونهن، وكذلك قوله تعالى: يا أَيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاة؛ أَي إذا هَمَمْتم بالصلاة وتَوَجّهْتم إليها بالعِناية وكنتم غير متطهرين فافعلوا كذا، لا بدّ من هذا الشرط لأَن كل من كان على طُهر وأَراد الصلاة لم يلزمه غَسْل شيء من أعضائه، لا مرتَّباً ولا مُخيراً فيه، فيصير هذا كقوله: وإن كنتم جُنُباً فاطَّهروا؛ وقال هذا، أَعني قوله إذا قمتم إلى الصلاة فافعلوا كذا، وهو يريد إذا قمتم ولستم على طهارة، فحذف ذلك للدلالة عليه، وهو أَحد الاختصارات التي في القرآن وهو كثير جدّاً؛ ومنه قول طرفة:
إذا مُتُّ فانْعِينِي بما أَنا أَهْـلُـه، |
|
وشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ، يا ابنةَ مَعْبَدِ |
تأْويله: فإن مت قبلك، لا بدّ أَن يكون الكلام مَعْقوداً على هذا لأَنه معلوم أَنه لا يكلفها نَعْيَه والبُكاء عليه بعد موتها، إذ التكليفُ لا يصح إلا مع القدرة، والميت لا قدرة فيه بل لا حَياة عنده، وهذا واضح. وأَقامَ الصلاة إقامةً وإقاماً؛ فإقامةً على العوض، وإقاماً بغير عوض. وفي التنزيل: وإقامَ الصلاة. ومن كلام العرب: ما أَدري أَأَذَّنَ أَو أَقامَ؛ يعنون أَنهم لم يَعْتَدّوا أَذانَه أَذانَاً ولا إقامَته إقامةً، لأَنه لم يُوفِّ ذلك حقَّه، فلما وَنَى فيه لم يُثبت له شيئاً منه إذ قالوها بأَو، ولو قالوها بأَم لأَثبتوا أَحدهما لا محالة. وقالوا: قَيِّم المسجد وقَيِّمُ الحَمَّام. قال ثعلب: قال ابن ماسَوَيْهِ ينبغي للرجل أَن يكون في الشتاء كقَيِّم الحَمَّام، وأَما الصيف فهو حَمَّام كله وجمع قَيِّم عند كراع قامة. قال ابن سيده: وعندي أَن قامة إنما هو جمع قائم على ما يكثر في هذا الضرب.
والمِلَّة القَيِّمة: المُعتدلة، والأُمّة القَيِّمة كذلك. وفي التنزيل: وذلك دين القَيّمة؛ أي الأُمَّة القيمة. وقال أَبو العباس والمبرد: ههنا مضمرٍ، أَراد ذلك دِينُ الملَّةِ القيمة، فهو نعت مضمرٍ محذوفٌ محذوقٌ؛ وقال الفراء: هذا مما أُضيف إلى نفسه لاختلاف لفظيه؛ قال الأَزهري: والقول ما قالا، وقيل: أباء في القَيِّمة للمبالغة، ودين قَيِّمٌ كذلك. وفي التنزيل العزيز: ديناً قِيَماً مِلَّةَ إبراهيم. وقال اللحياني وقد قُرئ ديناً قَيِّماً أي مستقيماً. قال أَبو إسحق: القَيِّمُ هو المُسْتَقيم، والقِيَمُ: مصدر كالصِّغَر والكِبَر إلا أَنه لم يُقل قِوَمٌ مثل قوله: لا يبغون عنها حِوَلاً؛ لأَن قِيَماً من قولك قام قِيَماً، وقامَ كان في الأصل قَوَمَ أَو قَوُمَ، فصار قام فاعتل قِيَم، وأَما حِوَلٌ فهو على أَنه جار على غير فِعْل؛ وقال الزجاج: قِيَماً مصدر كالصغر والكبر، وكذلك دين قَوِيم وقِوامٌ.
ويقال: رمح قَوِيمٌ وقَوامٌ قَوِيمٌ أَى مستقيم؛ وأَنشد ابن بري لكعب بن زهير:
فَهُمْ ضَرَبُوكُم حِينَ جُرْتم عن الهُدَىبأَسْيافهم، حتَّى اسْتَقَمْتُمْ على القِيَمْ |
وقال حسان:
وأَشْهَدُ أَنَّكَ، عِنْد المَلِـي |
|
كِ، أُرْسلْتَ حَقّاً بِدِينٍ قِيَمْ |
قال: إلا أنّ القِيَمَ مصدر بمعنى الإستقامة. والله تعالى القَيُّوم والقَيَّامُ. ابن الأَعرابي: القَيُّوم والقيّام والمُدبِّر واحد. وقال الزجاج: القيُّوم والقيَّام في صفة الله تعالى وأَسمائه الحسنى القائم بتدبير أَمر خَلقه في إنشائهم ورَزْقهم وعلمه بأَمْكِنتهم. قال الله تعالى: وما من دابّة في الأَرض إلا على الله رِزْقُها ويَعلَم مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعها. وقال الفراء: صورة القَيُّوم من الفِعل الفَيْعُول، وصورة القَيَّام الفَيْعال، وهما جميعاً مدح، قال: وأَهل الحجاز أَكثر شيء قولاً للفَيْعال من ذوات الثلاثة مثل الصَّوَّاغ، يقولون الصَّيَّاغ. وقال الفراء في القَيِّم: هو من الفعل فَعِيل، أَصله قَوِيم، وكذلك سَيّد سَوِيد وجَيِّد جَوِيد بوزن ظَرِيف وكَرِيم، وكان يلزمهم أَن يجعلوا الواو أَلفاً لانفتاح ما قبلها ثم يسقطوها لسكونها وسكون التي بعدها، فلما فعلوا ذلك صارت سَيْد على فَعْل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بناء الحرف؛ وقال سيبويه: قَيِّم وزنه فَيْعِل وأَصله قَيْوِم، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن أَبدلوا من الواو ياء وأَدغموا فيها الياء التي قبلها، فصارتا ياء مشدّدة، وكذلك قال في سيّد وجيّد وميّت وهيّن وليّن. قال الفراء: ليس في أَبنية العرب فَيْعِل، والحَيّ كان في الأَصل حَيْواً، فلما إجتمعت الياء والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشدّدة. وقال مجاهد: القَيُّوم القائم على كل شيء، وقال قتادة: القيوم القائم على خلقه بآجالهم وأَعمالهم وأَرزاقهم. وقال الكلبي: القَيُّومُ الذي لا بَدِيء له. وقال أَبو عبيدة: القيوم القائم على الأشياء. الجوهري: وقرأَ عمر الحيُّ القَيّام، وهو لغة، والحيّ القيوم أَي القائم بأَمر خلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بمُسْتَقرِّهم ومستودعهم. وفي حديث الدعاء: ولكَ الحمد أَنت قَيّام السمواتِ والأَرض، وفي رواية: قَيِّم، وفي أُخرى: قَيُّوم، وهي من أبنية المبالغة، ومعناها القَيّام بأُمور الخلق وتدبير العالم في جميع أَحواله، وأَصلها من الواو قَيْوامٌ وقَيْوَمٌ وقَيْوُومٌ، بوزن فَيْعالٍ وفَيْعَلٍ وفَيْعُول. والقَيُّومُ: من أَسماء الله المعدودة، وهو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره، وهو مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يُتَصوَّر وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به.
والقِوامُ من العيش ما يُقيمك. وفي حديث المسألة: أَو لذي فَقْرٍ مُدْقِع حتى يُصِيب قِواماً من عيش أَي ما يقوم بحاجته الضرورية. وقِوامُ العيش: عماده الذي يقوم به.
وقِوامُ الجِسم: تمامه. وقِوام كل شيء: ما استقام به؛ قال العجاج:
رأْسُ قِوامِ الدِّينِ وابنُ رَأْس |
وإِذا أَصاب البردُ شجراً أَو نبتاً فأَهلك بعضاً وبقي بعض قيل: منها هامِد ومنها قائم. الجوهري: وقَوَّمت الشيء، فهو قَويم أي مستقيم، وقولهم ما أَقوَمه شاذ، قال ابن بري: يعني كان قياسه أَن يقال فيه ما أَشدَّ تَقْويمه لأَن تقويمه زائد على الثلاثة، وإنما جاز ذلك لقولهم قَويم، كما قالوا ما أَشدَّه وما أَفقَره وهو من اشتدّ وافتقر لقولهم شديد وفقير.
قال: ويقال ما زِلت أُقاوِمُ فلاناً في هذا الأَمر أي أُنازِله. وفي الحديث: مَن جالَسه أَو قاوَمه في حاجة صابَره. قال ابن الأَثير: قاوَمَه فاعَله من القِيام أَي إذا قامَ معه ليقضي حاجتَه صبَر عليه إلى أن يقضِيها.وفي الحديث: تَسْويةُ الصفّ من إقامة الصلاة أي من تمامها وكمالها، قال: فأَمّا قوله قد قامت الصلاة فمعناه قامَ أَهلُها أَو حان قِيامهم. وفي حديث عمر: في العين القائمة ثُلُث الدية؛ هي الباقية في موضعها صحيحة وإنما ذهب نظرُها وإبصارُها. وفي حديث أَبي الدرداء: رُبَّ قائمٍ مَشكورٌ له ونائمٍ مَغْفورٌ له أَي رُبَّ مُتَجَهِّد يَستغفر لأَخيه النائم فيُشكر له فِعله ويُغفر للنائم بدعائه. وفلان أَقوَمُ كلاماً من فلان أَي أَعدَلُ كلاماً.
والقَوْمُ: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل: هو للرجال خاصة دون النساء، ويُقوِّي ذلك قوله تعالى: لا يَسْخَر قَوم من قوم عسى أَن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أَن يَكُنَّ خيراً منهن؛ أَي رجال من رجال ولا نساء من نِساء، فلو كانت النساء من القوم لم يقل ولا نساء من نساء؛ وكذلك قول زهير:
وما أَدرِي، وسوفَ إخالُ أَدري، |
|
أَقَوْمٌ آلُ حِصْـنٍ أَمْ نِـسـاء؟ |
وقَوْمُ كل رجل: شِيعته وعشيرته. وروي عن أَبي العباس: النَّفَرُ والقَوْم والرَّهط هؤُلاء معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم للرجال دون النساء. وفي الحديث: إن نَسَّاني الشيطان شيئاً من هلاتي فليُسبِّح القومُ وليُصَفِّقِ النساء؛ قال ابن الأَثير: القوم في الأصل مصدر قام ثم غلب على الرجال دون النساء، ولذلك قابلن به، وسموا بذلك لأَنهم قوّامون على النساء بالأُمور التي ليس للنساء أَن يقمن بها. الجوهري: القوم الرجال دون النساء لا واحد له من لفظه، قال: وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لأَن قوم كل نبي رجال ونساء، والقوم يذكر ويؤَنث، لأَن أَسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر وقوم، قال تعالى: وكذَّبَ به قومك، فذكَّر، وقال تعالى: كذَّبتْ قومُ نوح، فأَنَّث؛ قال: فإن صَغَّرْتَ لم تدخل فيها الهاء وقلت قُوَيْم ورُهَيْط ونُفَير، وإنما يلحَقُ التأْنيثُ فعله، ويدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل الإبل والغنم لأَن التأنيث لازم له، وأَما جمع التكسير مثل جمال ومساجد، وإن ذكر وأُنث، فإنما تريد الجمع إذا ذكرت، وتريد الجماعة إذا أَنثت. ابن سيده: وقوله تعالى: كذَّبت قوم نوح المرسلين، إِنما أَنت على معنى كذبت جماعة قوم نوح، وقال المرسلين، وإن كانوا كذبوا نوحاً وحده، لأَن من كذب رسولاً واحداً من رسل الله فقد كذب الجماعة وخالفها، لأَن كل رسول يأْمر بتصديق جميع الرسل، وجائز أَن يكون كذبت جماعة الرسل، وحكى ثعلب: أَن العرب تقول يا أَيها القوم كفُّوا عنا وكُفّ عنا، على اللفظ وعلى المعنى. وقال مرة: المخاطب واحد، والمعنى الجمع، والجمع أَقْوام وأَقاوِم وأقايِم؛ كلاهما على الحذف؛ قال أَبو صخر الهذلي أَنشده يعقوب:
فإنْ يَعْذِرِ القَلبُ العَشِيَّةَ في الصِّبا |
|
فُؤادَكَ، لا يَعْذِرْكَ فيه الأَقـاوِمُ |
ويروى: الأقايِمُ، وعنى بالقلب العقل؛ وأَنشد ابن بري لخُزَز بن لَوْذان:
مَنْ مُبْلغٌ عَمْـرَو بـنَ لأ |
|
يٍ، حَيْثُ كانَ مِن الأَقاوِمْ |
وقوله تعالى: فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين؛ قال الزجاج: قيل عنى بالقوم هنا الأَنبياء، عليهم السلام، الذين جرى ذكرهم، آمنوا بما أَتى به النبي، صلى الله عليه وسلم، في وقت مَبْعثهم؛ وقيل: عنى به من آمن من أَصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأَتباعه، وقيل: يُعنى به الملائكة فجعل القوم من الملائكة كما جعل النفر من الجن حين قال عز وجل: قل أُوحي إليّ أَنه استمع نفر من الجن، وقوله تعالى: يَسْتَبْدِلْ قوماً غيركم؛ قال الزجاج: جاء في التفسير: إن تولى العِبادُ استبدل الله بهم الملائكة، وجاء: إن تَوَلَّى أهلُ مكة استبدل الله بهم أهل المدينة، وجاء أيضاً: يَسْتَبْدِل قوماً غيركم من أهل فارس، وقيل: المعنى إن تتولوا يستبدل قوماً أَطْوَعَ له منكم. قال ابن بري: ويقال قوم من الجنّ وناسٌ من الجنّ وقَوْمٌ من الملائكة؛ قال أُمية:
وفيها مِنْ عبادِ اللهِ قَـوْمٌ، |
|
مَلائِكُ ذُلِّلوا، وهُمُ صِعابُ |
والمَقامُ والمَقامة: المجلس. ومَقامات الناس: مَجالِسُهم؛ قال العباس بن مرداس أَنشده ابن بري:
فأَيِّي ما وأَيُّكَ كان شَـرّاً |
|
فَقِيدَ إلى المَقامةِ لا يَراها |
ويقال للجماعة يجتمعون في مَجْلِسٍ: مَقامة؛ ومنه قول لبيد:
ومَقامةٍ غُلْبِ الرِّقابِ كأَنَّهـم |
|
جِنٌّ، لدَى بابِ الحَصِيرِ، قِيامُ |
الحَصِير: المَلِك ههنا، والجمع مَقامات؛ أَنشد ابن بري لزهير:
وفيهِمْ مَقاماتٌ حِسانٌ وجُوهُهُمْ، |
|
وأَنْدِيةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْـلُ |
ومَقاماتُ الناسِ: مَجالِسهم أيضاً. والمَقامة والمَقام: الموضع الذي تَقُوم فيه. والمَقامةُ: السّادةُ.
وكل ما أَوْجَعَك من جسَدِك فقد قامَ بك. أَبو زيد في نوادره: قامَ بي ظَهْري أَي أَوْجَعَني، وقامَت بي عيناي.
ويومُ القِيامة: يومُ البَعْث؛ وفي التهذيب: القِيامة يوم البعث يَقُوم فيه الخَلْق بين يدي الحيّ القيوم. وفي الحديث ذكر يوم القِيامة في غير موضع، قيل: أَصله مصدر قام الخَلق من قُبورهم قِيامة، وقيل: هو تعريب قِيَمْثَا وهو بالسريانية بهذا المعنى. ابن سيده: ويوم القِيامة يوم الجمعة؛ ومنه قول كعب: أَتَظْلِم رجُلاً يوم القيامة؟ ومَضَتْ قُوَيْمةٌ من الليلِ أَي ساعةٌ أَو قِطْعة، ولم يَجِدْه أَبو عبيد، وكذلك مضَى قُوَيْمٌ من الليلِ، بغير هاء، أَي وَقْت غيرُ محدود.
ابن الأَعرابي: القَوْنَةُ القِطْعَةُ من الحديد أَو الصُّفْر يُرْقَعُ بها الإِناءُ. وقال الليث: قَوْنٌ وقُوَيْنٌ موضعان.
القُوهةُ: اللبَنُ الذي فيه طعم الحلاوة، ورواه الليث فُوهة، بالفاء، وهو تصحيف. قال ابن بري: قال أَبو عمرو القُوهةُ اللبَنُ الذي يُلْقَى عليه مِنْ سِقاءٍ رائبٍ شيءٌ ويَرُوبُ؛ قال جندل: والحَذْرَ والقُوهةَ والسَّدِيفا الجوهري: القُوهةُ اللبَنُ إذا تغيَّر طعمُه قليلاً وفيه حَلاوةُ الحَلَبِ: والقُوهِيُّ: ضَرْبٌ من الثياب بِيضٌ، فارسي. الأَزهري: الثِّياب القُوهِيَّةُ معروفة منسوبة إلى قُوهِسْتانَ؛ قال ذو الرمة:
من القَهْزِ والقُوهِيِّ بيضُ المَقانِعِ |
وأَنشد ابن بري لنُصَيْب:
سَوِدْتُ فلم أَمْلِكْ سَوادي، وتَحْتَـه |
|
قَميصٌ منَ القُوهِيِّ، بِيضٌ بَنائِقُهْ |
الليث: القاهِيُّ الرجلُ المُخْصِب في رَحْلِه. وإنه لفي عَيْشٍ قاهٍ أَي رَفيهٍ بيِّنِ القُهُوَّةِ والقَهْوة، وهم قاهِيُّون.