المقصد الثاني: في سعة لغة العرب

في سعة لغة العرب

صفحة : 9
في المزهر: قال أبو الحسن أحمد بن فارس في فقه اللغة: باب القول على لغة العرب، وهل يجوز أن يحاط بها، قال بعض الفقهاء: كلام العرب لا يحيط به إلا نبي. قال ابن فارس: وهذا كلام حري أن يكون صحيحا، وما بلغنا عن أحد ممن مضى أنه ادعى حفظ اللغة كلها، فأما الكتاب المنسوب إلى الخليل، وما في خاتمته من قوله: هذا آخر كلام العرب فقد كان الخليل أورع وأتقى لله تعالى من أن يقول ذلك. قال السيوطي: وهذا الذي نقله عن بعض الفقهاء نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه، فقال في أول الرسالة: لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلم أنه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه، والعلم عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا يعلم رجل جميع السنن، فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها ثم كان ما ذهب عليه منها موجودا عند غيره، وهم في العلم طبقات، منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه، ومنهم الجامع لأقل مما جمع غيره، وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمع أكثرها دليلا على أن يطلب علمه عند غير طبقته، من أهل العلم، بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، فتفرد جملة العلماء بجملتها، وهو درجات فيما وعوا منها، وهذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها لا يذهب منه شيء عليها، ولا يطلب عند غيرها، ولا يعلمه إلا من قبله منها، ولا يشركها فيه إلا من اتبعها في تعلمه منها ومن قبله منها فهو من أهل لسانها وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعم من علم أكثر السنن في العلماء. هذا نص الإمام الشافعي بحروفه، انتهى.

وقال ابن فارس في موضع آخر: اعلم أن لغة العرب لم تنته إلينا بكليتها، وأن الذي جاء عن العرب قليل من كثير، وأن كثيرا من الكلام ذهب بذهاب أهله، والله أعلم.