باب القاف والياء

قيأ

القَيْءُ، مهموز، ومنه الاسْتِقاءُ وهو التكَلُّفُ لذلك، والتَّقَيُّؤُ أَبلغ وأَكثر. وفي الحديث: لو يَعْلَمُ الشَّارِبُ قائماً ماذا عليه لاسْتَقاءَ ما شرب. قاءً يَقيءُ قَيْئاً، واسْتَقاءَ، وتَقَيَّأَ: تَكَلَّفَ القَيْءَ. وفي الحديث: أَن رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلم، اسْتَقَاءَ عامِداً، فأَفْطَرَ. هو اسْتَفْعَلَ من القَيْءِ، والتَّقَيُّؤُ أَبلغ منه، لأَنَّ في الاسْتِقاءَةِ تكلُّفاً أَكثر منه، وهو استِخراجُ ما في الجَوْفِ عامداً. وقَيَّأَه الدَّواءُ، والاسم القُيَاءُ. وفي الحديث: الراجِعُ في هِبَتِه كالراجِعِ في قَيْئِه. وفي الحديث: مَنْ ذَرَعَه القَيْءُ، وهو صائم، فلا شيءَ عليه، ومَنْ تَقَيَّأَ فعليه الإِعادةُ، أَي تَكَلَّفَه وتعَمَّدَه.
وقَيَّأْتُ الرجُلَ إذا فَعَلْتَ به فِعْلاً يَتَقَيَّأُ منه.
وقاءَ فلان ما أَكل يَقِيئُه قَيْئاً إذا أَلقاه، فهو قاءٍ. ويقال: به قُيَاءٌ، بالضم والمد، إذا جَعل يُكثِر القَيْءَ.
والقَيُوءُ، بالفتح على فَعُول: ما قَيَّأَكَ. وفي الصحاح: الدواءُ الذي يُشرب للقَيْءِ. ورجل قَيُوءٌ: كثير القَيْءِ. وحكى ابن الأَعرابي: رجل قَيُوٌّ، وقال: على مثال عَدُوٍّ، فإِن كان إِنما مثَّله بِعدُوٍّ في اللفظ، فهو وجِيهٌ، وإن كان ذَهَب به إلى أَنه مُعتلّ، فهو خَطَأٌ، لأَنَّا لم نعلم قَيَيْتُ ولا قَيَوْتُ، وقد نفى سيبويه مثل قَيَوْتُ، وقال: ليس في الكلام مثل حَيَوْتُ، فإذاً ما حكاه ابن الأَعرابي من قولهم قَيُوٌّ، إنما هو مخفف من رجل قَيُوءٍ كَمَقْرُوٍّ من مَقْرُوءٍ. قال: وإنما حكينا هذا عن ابن الأَعرابي لِيُحْتَرَسَ منه، ولئلا يَتَوَهَّمَ أَحد أَن قَيُوّاً من الواو أَو الياء، لا سيما وقد نظَّره بعدُوٍّ وهَدُوٍّ ونحوهما من بنات الواو والياء.
وقاءَتِ الأَرضُ الكَمْأَةَ: أَخرجَتْها وأَظْهَرَتْها. وفي حديث عائشة تصف عمر، رضي اللّه عنهما: وبَعَجَ الأَرضَ فَقَاءَتْ أُكْلَها، أَي أَظهرت نَباتَها وخَزائنَها. والأَرض تَقيءُ النَّدَى، وكلاهما على المثل.
وفي الحديث: تَقِيءُ الأَرضُ أَفْلاذَ كَبِدِها، أَي تُخْرِجُ كُنُوزَها وتَطْرَحُها على ظهرها.
وثوب يَقِيءُ الصَّبْغَ إذا كان مُشْبَعاً.
وتَقَيَّأَتِ المرأَةُ: تَعَرَّضَتْ لبَعْلِها وأَلْقَتْ نَفْسَها عليه.
الليث: تَقَيَّأَتِ المَرأَةُ لزوجها، وتَقَيُّؤُها: تَكَسُّرها له وإلقاؤُها نفسَها عليه وتَعَرُّضُها له. قال الشاعر:

تَقَيَّأَتْ ذاتُ الدَّلالِ والخَـفَـرْ

 

لِعابِسٍ، جافي الدَّلالِ، مُقْشَعِرْ

قال الأَزهري: تَقَيَّأَتْ، بالقاف، بهذا المعنى عندي: تصحيف، والصواب تَفَيَّأتْ، بالفاءِ، وتَفَيُّؤُها: تَثنِّيها وتَكَسُّرها عليه، من الفَيْءِ، وهو الرُّجوع.

قيح

القَيْحُ: المِدَّةُ الخالصة لا يخالطها دم؛ وقيل: هو الصديد الذي كأَنه الماء وفيه شُكْلَةُ دَمٍ؛ قاحَ الجُرْحُ يَقِيحُ قَيْحاً، وأَقاحَ. وفي الحديث: لأَنْ يَمْتَلئ جوفُ أَحدكم قَيْحاً حتى يَرِيَه خيرٌ له من أَن يمتلئ شعراً؛ القَيْحُ: المِدَّة؛ وقد قاحت القَرْحةُ وتَقَيَّحَتْ، وقَيَّح الجُرْحُ وتَقَيَّح الجُرْحُ. ويقال للجُرْحِ إذا انْتَبَرَ: قد تَقَوَّحَ. قال: وقاح الجُرْحُ يَقِيحُ، وقَيَّح وأَقاح. ابن الأَعرابي: أَقاحَ الرجل إذا صَمَّمَ على المنع بعد السؤال. وروي عن عمر أَنه قال: من ملأَ عينيه من قاحةِ بيت قبل أَن يؤذن له فقد فَجَر.
قال ابن الفرج: سمعت أَبا المِقْدامِ السُّلَمِيَّ يقول: هذا باحةُ الجار وقاحَتُها؛ ومثله: طين لازبٌ ولازقٌ، ونَبِيثة البئر ونَقِيثَتُها، وقد نَبَثَ عن الأَمر ونَقَثَ، عاقبت القافُ الباء. ابن زياد: مررت على دَوْقَرَةٍ فرأَيت في قاحَتها دَعْلَجاً شَظِيظاً؛ قال: قاحة الدار وسطها، وقاحة الدار ساحتها. والدَّعْلج: الجُوالِقُ. والدَّوْقَرة: أَرض نَقِيَّةٌ بين جبال أَحاطت بها.
ابن الأَعرابي: القُوحُ الأَرضون التي لا تُنْبِتُ شيئاً، يقال: قاحةٌ وقُوحٌ مثل ساحةٍ وسُوحٍ، ولابةٍ ولُوبٍ، وقارةٍ وقُورٍ.

قيد

القَيْدُ: معروف، والجمع أَقْيادٌ وقُيودٌ، وقد قَيَّدَه يُقَيِّدُه تَقْييداً وقَيَّدْتُ الدابَّة. وفرس قَيْدُ الأَوابِد أَي أَنه لسرعته كأَنه يُقَيِّدُ الأَوابد وهي الحُمُرُ الوحشيَّةُ بلحاقها؛ قال سيبويه: هو نكرة وإِن كان بلفظ المعرفة؛ وأَنشد قول امرئ القيس:

وقد أَغْتَدِي والطَّيرُ في وكَناتِها

 

بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأَوابدِ هَـيْكَـلِ

الوكَناتُ: جمع وَكْنَةٍ لِوَكْرِ الطائِر. والمِنْجَرِدُ: القصيرُ الشعر. والأَوابِدُ: الوحْشُ. يقال: تأَبَّدَ أَي تَوَحَّشَ والهَيْكَلُ: العظيم الخَلْقِ؛ وأَنشد أَيضاً لامرئ القيس:

بِمُنْجَـرِدٍ قَـيْدِ الأَوابِـدِ لاحَـه

 

طِرادُ الهَوادِي كلَّ شأْوٍ مُغَرِّبِ

قال ابن حني: أَصله تقييد الأَوابد ثم حذف زيادتيه فجاء على الفعل؛ وإِن شئت قلت وصف بالجوهر لما فيه من معنى الفعل نحو قوله:

فلولا اللَّهُ والمُهْرُ المُفَـدَّى،

 

لَرُحْتَ وأَنتَ غِرْبالُ الإِهابِ

وضَعَ غربالُ موضِعَ المُخَرَّقِ. التهذيب: يقال للفرس الجَوادِ الذي يَلْحَق الطرائدَ من الوحش: قَيْد الأَوابِدِ؛ معناه أَنه يلحق الوحش لجَوْدته ويمنعه من الفوات بسرعته فكأَنها مُقَيَّدَة له لا تعدو. وقالت امرأَة لعائشة، رضوان الله عليها: أَأُقَيِّدُ جَمَلي؟ أَرادت بذلك تَأْخِيذَها إِياه من النساءِ سِواها، فقالت لها عائشة بعدما فَهِمَت مرادها: وجْهِي من وجْهِك حرام؛ قال ابن الأَثير: أَرادت أَنها تعمل لزوجها شيئاً يمنعه عن غيرها من النساء فكأَنها تَرْبِطه وتُقَيِّدُه عن إِتيان غيرها. وفي الحديث: قَيَّدَ الإِيمانُ الفَتْك؛ معناه أَنَّ الإِيمانَ يمنع عن الفَتْك بالمؤمن كما يمنع ذا العَيْثِ عن الفَسادِ قَيْدُه الذي قُيِّدَ به. ومُقَيِّدَةُ الحِمار: الحُرَّةُ لأَنها تَعْقِلُه فكأَنها قَيْدٌ له؛ قال:

لَعمْرُكَ ما خَشِيتُ على عَدِي

 

سُيُوفَ بَني مُقَيِّدَة الحِمـارِ

ولكِني خَشِيتُ علـى عَـدِيّ

 

سُيُوفَ القَوْمِ أَو إِيَّاكَ حـارِ

عنى ببني مُقَيِّدَة الحِمارِ العَقارِبَ لأَنها هناك تكون. والقَيْدُ: ما ضَمَّ العَضُدَتَيْنِ المؤَخَّرَتَيْنِ من أَعلاهما من القِدِّ.
والقَيْدُ: القِدُّ الذي يَضُمُّ العَرْقُوَتَيْنِ من القَتبِ. والعرب تكني عن المرأَة بالقَيْد والغُلّ. وقَيْدُ الرَّحْل: قِدٌّ مَضْفُور بين حِنْوَيْهِ من فوق، وربما جُعِلَ للسرج قَيْدٌ كذلك، وكذلك كل شيء أُسِرَ بعضُه إِلى بعض. وقُيُودُ الأَسنان: لِثاتُها؛ قال الشاعر:

لَمُرْتَجَّةُ الأَرْدافِ، هِيفٌ خُصُورُها،

 

عِذابٌ ثَناياها، عِجـافٌ قُـيُودُهـا

يعني اللِّثاتِ وقلَّة لحمها. ابن سيده: وقيود الأَسنانِ عُمورها وهي الشرُفُ السابِلةُ بين الأَسنان؛ شبهت بالقُيودِ الحمر من سِمات الإِبلِ.
قَيْدُ الفرس: سِمَة في أَعناقها؛ وأَنشد:

كُومٌ على أَعناقِها قَيْدُ الفَرَسْ،

 

تَنْجُو إذا الليلُ تَدانَى والتَبَسْ

الجوهري: قَيْدُ الفَرَسِ سِمَة تكون في عنق البعير على صورة القَيْد.
وفي الحديث: أَنه أَمَرَ أَوْس بن عبدِ الله الأَسْلَمِي أَن يَسِمَ إِبله في أَعناقِها قَيدَ الفَرَسِ؛ هي سمة معروفة وصورتها حَلْقَتان بينهما مدة.
وهذه أَجمالٌ مقاييدُ أَي مُقَيَّدات. قال ابن سيده: إِبل مَقايِيدُ مُقَيَّدة، حكاه يعقوب وليس بشيء، لأَنه إذا ثبتت مُقَيَّدة فقد ثبتت مقايِيدُه. قال: والقيد من سِماتِ الإِبل وَسْمٌ مستطيل مثل القيد في عنقه ووجهه وفخذه؛ عن ابن حبيب من تذكرة أَبي عليّ. وقَيْدُ السيف: هو الممدود في أُصول الحمائل تُمْسِكُه البَكَرات.
وقَيَّد العِلم بالكتاب: ضَبَطَه؛ وكذلك قَيَّدَ الكتاب بالشَّكْل: شَكَلَه، وكلاهما على المثل. وتَقْييدُ الخط: تنقيطه وإِعجامه وشَكْلُه.
والمُقَيَّدُ من الشِّعْرِ: خلافُ المُطْلَق؛ قال الأَخفش: المُقَيَّدُ على وجهين: إِمَّا مُقَيَّد قد تمَّ نحو قوله: وقاتِمِ الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ قال: فإِن زدت فيه حركة كان فضلاً على البيت، وإِما مُقَيَّد قد مُدَّ على ما هو أَقصر منه نحو فَعُولْ في آخر المُتَقارَب مُدَّ عن فَعُلْ، فزيادته على فعل عوض له من الوصل. وهو منِّي قِيدَ رُمْحٍ، بالكسر، وقادَ رُمْح أَي قَدْرَه. وفي حديث الصلاة: حين مالت الشمسُ قِيدَ الشِّراكِ؛ الشراك أَحدُ سُيُور النعل التي على وجهها، وأَراد بِقِيدِ الشِّراكِ الوقت الذي لا يجوز لأَحد أَن يَتَقَدَّمه في صلاة الظهر، يعني فوق ظل الزوال فقدّره بالشراك لدقته وهو أَقل ما تَبِينُ به زيادة الظل حتى يعرف منه ميل الشمس عن وسط السماء؛ وفي الحديث رواية أُخرى: حتى ترتفع الشمس قِيدَ رُمح. وفي الحديث: لَقابُ قَوْسِ أَحدِكم من الجنةِ أَو قِيدُ سَوْطِه خيرٌ من الدنيا وما فيها.
والقَيِّدُ: الذي إذا قُدْتَه ساهَلَكَ؛ قال:

وشاعِرِ قَوْمٍ قد حَسَمْتُ خِصاءَه،

 

وكانَ له قَبْلَ الخِصاءِ كَتِـيتُ

أَشَمُّ خَبُوطٌ بالفراسِنِ مُصْعَـبٌ،

 

فأَصْبَحَ مني قَـيِّداً تَـرَبـوتُ

والقِيادُ: حبل تُقادُ به الدابة.
والقَيِّدَةُ: التي يُسْتَترُ بها من الرَّمِيَّةِ ثم تُرْمَى؛ حكاه ابن سيده عن ثعلب.
وابن قَيْدٍ: من رُجَّازِهم؛ عن ابن الأَعرابي. وقَيْد: اسم فرس كان لبني تَغْلِبَ؛ عن الأَصمعي. والمُقَيَّدُ: موضع القَيْدِ من رِجْل الفرس والخلخال من المرأَة. وفي حديث قَيْلَةَ: الدَّهْناءُ مُقَيَّد الجمل؛ أَرادت أَنها مُخْصِبَة مُمْرِعَة والجمل لا يَتَعدّى مَرْتَعَه.
والمُقَيَّدُ ههنا: الموضِعُ الذي يُقَيَّدُ فيه أَي أَنه مكانٌ يكون الجمل فيه ذا قَيْد. وفي الحديث: قَيَّدَ الإِيمانُ الفَتْك أَي أَن الإِيمان يمنع عن الفتك كما يمنع القَيْدُ عن التصرف، فكأَنه جَعَلَ الفَتْكَ مُقَيَّداً؛ ومنه قولهم في صفة الفرس: قَيْدُ الأَوابد.

قير

القيرُ والقارُ: لغتان، وهو صُعُدٌ يذابُ فيُسْتَخْرَجُ منه القارُ وهو شيء أَسود تطلى به الإِبل والسفن يمنع الماء أَن يدخل، ومنه ضرب تُحْشَى به الخَلاخيل والأَسْوِرَةُ. وقَيَّرْتُ السفينةَ: طليتها بالقارِ، وقيل: هو الزِّفت؛ وقد قَيَّرَ الحُبَّ والزِّقَّ، وصاحبه قَيَّارٌ، وذكره الجوهري في قور. والقارُ: شجر مُرٌّ؛ قال بِشْرُ بنُ أَبي خازم:

يَسُومونَ الصَّلاحَ بذات كَهْفِ

 

وما فيها لهم سَلَـعٌ وقـارُ

وحكى أَبو حنيفة عن ابن الأَعرابي: هذا أَقْيَرُ من ذلك أَي أَمَرُّ.
ورجل قَيُّورٌ: خامل النَّسَب. وقَيَّارٌ: اسم رجل وهو أَيضاً اسم فرس؛ قال ضابِئٌ البُرْجُمِيُّ:

فمن يَكُ أَمْسَى بالمـدينة رَحْـلُـه

 

فإِني، وقَيَّاراً بـهـا، لـغَـرِيبُ

وما عاجلاتُ الطير تُدْني من الفَتى

 

نَجاحاً، ولا عن رَيْثِهِـنَّ نَـحِـيبُ

ورُبَّ أُمورِ لا تَضِـيرُك ضَـيْرَةً

 

وللْقلب من مَخْشاتـهـنَّ وَجِـيبُ

ولا خَيْرَ فيمن لا يُوَطِّنُ نَـفْـسَـهُ

 

على نائباتِ الدَّهْرِ، حينَ تَـنُـوبُ

وفي الشَّكِّ تَفْريطٌ وفي الحزْمِ قُوَّةٌ

 

ويُخْطِئُ في الحَدْسِ الفَتى ويُصِيبُ

قوله: وما عاجلات الطير يريد التي تُقَدَّمُ للطيران فَيَزْجُرُ بها الإِنسانُ إذا خَرَجَ وإن أَبطأَت عليه وانتظرها فقد راثَتْ، والأَول عندهم محمود والثاني مذموم؛ يقول: ليس النُّجْحُ بأَن تُعَجِّلَ الطيرُ وليس الخَيْبَةُ في إبطائها. التهذيب: سمي الفرس قيَّاراً لسواده. الجوهري: وقَيَّار قيل اسم جمل ضابئ بن الحرث البُرْجُمِيِّ؛ وأَنشد:

فإني وقَيَّارٌ بها لَغَريبُ

قال: فيرفع قَيَّارٌ على الموضع، قال ابن بري: قَيّار قيل هو اسم لجمله، وقيل: هو اسم لفرسه؛ يقول: من كان بالمدينة بيته ومنزله فلست منها ولا لي بها منزل، وكان عثمان، رضي الله عنه، حَبَسهُ لفِرْيَة افترَاها وذلك أَنه استعار كلباً من بعض بني نَهْشَل يقال له قرْحانُ، فطال مكثه عنده وطلبوه، فامتنع عليهم فعَرَضُوا له وأَخذوه منه، فغضب فرَمَى أُمَّهم بالكلب، وله في ذلك شعر معروف، فاعْتَقَله عثمانُ في حبسه إلى أَن مات عثمان، رضي الله عنه، وكان هَمَّ بقتل عثمان لما أَمر بحبسه؛ ولهذا يقول:

هَمَمْتُ، ولم أَفْعَلْ، وكِدْتُ ولَيْتَني

 

تَرَكْتُ على عثمانَ تَبْكِي حَلائِلُهْ

وفي حديث مجاهد: يَغْدُو الشيطانُ بقَيْرَوانِه إلى السُّوق فلا يزال يهتز العرش مما يَعْلَم اللهُ ما لا يَعْلَم؛ قال ابن الأَثير: القَيْرَوان معظمُ العسكرِ والقافِلة من الجماعة، وقيل: إِنه مُعَرَّب كارَوان وهو بالفارسية القافلة، وأَراد بالقَيْرَوانِ أَصحابَ الشيطان وأَعوانه، وقوله: يعلم الله ما لا يعلم يعني أَنه يحمل الناس على أَن يقولوا يعلم الله كذا لأَشياءِ يعلم الله خلافها، فينسبون إلى الله علم ما يعلم خلافَه، ويعلم اللهُ من أَلفاظ القَسَم.

قيس

قاس لاشيء يقيسه وقياسا واقتاسه وقبسه إذا قدره على مثاله، قال:

فهن بالأيدي مقيساته

 

مقدرات ومخيطاته.

والمقياس: المقدار. وقاس الشيء يقوسه قوسا: لغة في قاسه يقيسه. ويقال: قسته وقسته أقوسه قوسا وقياسا، ولا يقال أقسته، بالألف. ولمقياس: ما قيس به.
والقيس والقاس: القدر، يقال: قيس رمح وقاسه. الليث: المقابسة مفاعلة من القياس. ويقال: هذه خشبة قيس أصبع أي قدر أصبع. ويقال: قايست بين شيئين إذا قادرت بينهما، وقاس الطبيب قعر الجراحة قيسا، وأنشد:

إذا قاسها الآسي النطاسي أدبرت

 

غثيثتها وازداد وهيا هزومهـا

وفي حديث الشعبي: أنه قضى بشهادة القائس مع يمين المشجوج أي الذي يقيس الشجة ويتعرف غورها بالميل الذي يدخله فيها ليعتبرها. وبينهما قيس رمح وقاس رمح أي قدر رمح. وفي الحديث: ليس ما بين فرعون من الفراعنة وفرعون هذه الأمة قيس شبر أي قدر شبر، القيس والقيد سواء.
وتقايس القوم: ذكروا مآربهم، وقايسهم إليه: قايسهم به، قال:

إذا نحن قايسنا الملوك إلى العلى

 

وإن كرموا لم يستطعنا المقايس.

ومن كلامهم: إن الليل لطويل ولا أقيس به، عن الليحاني، أي لا أكون قياسا لبلائه، قال: ومعناه الدعاء.
والقيس: الشدة، ومنه امرؤ القيس أي رجل الشدة. والقيس: الذكر، عن كراع، قال ابن سيده: وأراه كذلك، وأنشد:

دعاك الله من قيس بأفعى

 

إذا نام العيون سرت عليكا

التهذيب: والمقايسة تجري مجرى المقاساة التي هي معالجة الأمر الشديد ومكابدته وهو مقلوب حينئذ. ويقال: هو يخطو قيسا أي يجعل هذه الخطوة بميزان هذه. ويقال: قصر مقياسك عن مقياسي أي مثالك عن مثالي. وروي عن أبي الدرداء أنه قال: خير نسائكم التي تدخل قيسا وتخرج ميشا أي تدبر في صلاح بيتها لا تخرق في مهنتها، قال ابن الأثير: يريد أنها إذا مشت قاست بعض خطاها ببعض لم تعجل، فعل الخرقاء، ولم تبطئ، ولكنها تمشي مشيا وسطا معتدلا فكأن خطاها متساوية.
وقيس: اسم، والجمع أقياس، أنشد سيبويه:

ألا أبلغ الأقياس قيس بن نوفـل

 

وقيس بن أهبان، وقيس بن خالد

وكذلك مقيس قال:

لله عينا من رأى مثل مقـيس

 

إذا النفساء أصبحت لم تخرس

وقيس: قبيل، وحكى سيبويه: تقيس الرجل انتسب إليها. وأم قيس: الرخمة. وقيس: أبو قبيلة من مضر، وهو قيس عيلان، واسمه الناس بن مضر بن نزار، وقيس لقبه. يقال: تقيس فلان إذا تشبه بهم أو تمسك منهم بسبب إما بحلف أو جوار أو ولاء، قال رؤبة:

وقيس عيلان ومن تقيسا

قال ابن بري: الرجز للعجاج وليس لرؤبة، وصواب إنشاده: وقيس، بالنصب، لأن قبله:

وإن دعوت من تميم أرؤسا

وجواب إن في البيت الثالث:

تقاعس العز بنا فاقعنسسا

ومعنى تقاعس: ثبت وانتصب، وكذلك اقعنسس.
والقيسان من طي: قيس بن عناب بن أبي حارثة. وعبد القيس: أبو قبيلة من أسد، وهو عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة، والنسبة إليهم عبقسي، وإن شئت عبدي، وقد تعبقس الرجل كما يقال تعبشم وتقيس.

قيص

قاصَ الضرسُ قَيْصاً وتَقَيَّص وانْقاصَ: انْشَقَّ طولاً فسقط، وقيل: هو انشقاقه، كان طولاً أَو عرضاً. وقاصَت السِّنُّ تَقِيصُ إذا تحرّكت. ويقال: انْقاصَت إذا انشقَّت طولاً؛ قال أَبو ذؤيب:

فِراقٌ كقَيصِ السِّنِّ، فالصَّبْرَ إِنَّه،

 

لكل أُناسٍ، عَثْـرَةٌ وجُـبـورُ

وقيل: قاص تحرَّك، وانْقاص انْشَقَّ. وقَيْصُ السنِّ: سُقوطُها من أَصلها، وأَورد بيت أَبي ذؤيب أَيضاً قال: ويروى بالضاد. وانْقاصَت الرَّكِيَّةُ وغيرُها: انْهارَت، وسيذكر أَيضاً بالضاد؛ وأَنشد ابن السكيت:

يا رِيَّها مِنْ بارِدٍ قَلاَّصِ،

 

قد جَمَّ حتى هَمَّ بانْقِياصِ

والمُنْقاصُ: المُنْقَعِرُ من أَصله. والمُنْقاضُ، بالضاد المعجمة: المُنْشقّ طولاً. وقال أَبو عمرو: هما بمعنى واحد. وتَقَيَّصَت الحِيطان إذا مالَت وتهدَّمت.
ومِقْيَص بن صُبابة، بكسر الميم: رجل من قريش قتله النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، في الفتح.

قيض

القَيْضُ: قِشرةُ البَيْضة العُلْيا اليابسةُ، وقيل: هي التي خرج فرْخُها أَو ماؤها كلُّه، والمَقِيضُ موضِعُها. وتَقَيَّضَتِ البيضةُ تَقَيُّضاً إذا تكسرت فصارت فِلَقاً، وانْقاضَت فهي مُنْقاضةٌ: تَصدَّعَت وتشقَّقت ولم تَفَلَّقْ، وقاضَها الفرْخُ قَيضاً: شقها، وقاضَها الطائرُ أَي شقها عن الفرخ فانقاضت أَي انشقّت؛ وأَنشد:

إِذا شِئت أَن تَلْقَى مَقِيضاً بقَفْرةٍ،

 

مُفَلَّقةٍ خِرْشاؤها عن جَنِينِهـا

والقَيْضُ: ما تَفَلَّقَ من قُشور البيض. والقَيْضُ: البيض الذي قد خَرج فرْخُه أَو ماؤُه كله. قال ابن بري: قال الجوهري والقَيْضُ ما تفلَّق من قُشور البيض الأَعلى، صوابه من قِشْر البيض الأَعلى بإفراد القشر لأَنه قد وصفه بالأَعلى. وفي حديث عليّ، رضوان اللّه عليه: لا تكونوا كقَيْض بَيْضٍ في أَداحٍ يكون كسْرُها وِزْراً، ويخرج ضغانها شرّاً؛ القَيْضُ: قِشْر البيض.
وفي حديث ابن عباس: إذا كان يوم القيامة مُدّتِ الأَرضُ مَدّ الأَديم وزِيدَ في سَعَتها وجُمع الخلقُ جِنُّهم وإِنْسُهم في صَعيدٍ واحد، فإِذا كان كذلك قِيضَتْ هذه السماء الدنيا عن أَهلها فنُثِرُوا على وجه الأَرض، ثم تُقاضُ السمواتُ سماء فسماء، كلما قِيضَت سماء كان أَهلُها على ضِعْفِ مَن تحتَها حتى تُقاضَ السابعةُ، في حديث طويل؛ قال شمر: قِيضَت أَي نُقِضَتْ، يقال: قُضْتُ البِناء فانْقاضَ؛ قال رؤبة:

أَفْرخ قَيْض بَيْضِها المُنْقاضِ

وقيل: قِيضت هذه السماء عن أَهلها أَي شُقَّتْ من قاضَ الفرْخُ البيضةَ فانْقاضَتْ. قال ابن الأَثير: قُضْتُ القارُورةَ فانْقاضَت أَي انْصَدَعَت ولم تَتَفَلَّقْ، قال: ذكرها الهروي في قوض من تَقْوِيضِ الخِيام، وأَعاد ذكرها في قيض.
وقاضَ البئرَ في الصخْرةِ قَيْضاً: جابَها. وبئر مَقِيضةٌ: كثيرة الماء، وقد قِيضَتْ عن الجبلة. وتَقَيَّضَ الجِدارُ والكَثِيبُ وانْقاضَ: تهدَّم وانْهالَ. وانْقاضَت الرَّكِيَّةُ: تكسَّرت. أَبو زيد: انْقاضَ الجِدارُ انْقِياضاً أَي تصدّع من غير أَن يسقط، فإِن سقط قيل: تَقَيَّضَ تَقَيُّضاً، وقيل: انْقاضَت البئرُ انْهارَت. وقوله تعالى: جِداراً يُريد أَن يَنْقَضَّ، وقرئ: يَنْقاضَ ويَنْقاضَ، بالضاد والصاد، فأَمّا يَنْقَضَّ فيسقط بسرْعة من انقضاض الطير وهذا من المضاعف، وأَما يَنْقاضَ فإِنَّ المنذري روى عن أَبي عمرو انْقاضَ وانْقاضَ واحد أَي انشقّ طولاً، قال وقال الأَصمعي: المُنْقاضُ المُنْقَعِرُ من أَصله، والمُنْقاضُ المنشق طولاً؛ يقال: انْقاضَتِ الرَّكِيّةُ وانقاضَت السِّنّ أَي تشققت طولاً؛ وأَنشد لأَبي ذؤيب:

فِراقٌ كَقَيْضِ السنّ، فالصَّبْرَ، إِنّه

 

لكلِّ أُناسٍ عَـثْـرةٌ وجُـبـورُ

ويروى بالصاد. أَبو زيد: انْقَضَّ انْقِضاضاً وانْقاضَ انْقِياضاً كلاهما إذا تصدّع من غير أَن يسقُط، فإِن سقط قيل تَقَيَّضَ تَقَيُّضاً، وتقَوَّضَ تقَوُّضاً وأَنا قوّضْتُه. وانْقاضَ الحائطُ إذا انهدمَ مكانه من غير هَدْمٍ، فأَمّا إذا دُهْوِرَ فسقط فلا يقال إِلا انْقَضَّ انْقِضاضاً. وقُيِّضَ: حُفِرَ وشُقَّ.
وقايَضَ الرجلَ مُقايضةً: عارضه بمتاع؛ وهما قَيِّضانِ كما يقال بَيِّعانِ. وقايَضَهُ مُقايضةً إذا أَعطاه سِلْعةً وأَخذ عِوَضَها سِلْعةً، وباعَه فرَساً بفرسَيْن قَيْضَيْن. والقَيْضُ: العِوَضُ. والقَيْضُ: التمثيلُ. ويقال: قاضَه يَقِيضُه إذا عاضَه. وفي الحديث: إِن شئتَ أَقِيضُكَ به المُخْتارةَ من دُروعِ بدْر أَي أُبْدِلُكَ به وأُعَوِّضُكَ عنه. وفي حديث معاوية: قال لسعيد بن عُثمان بن عفّان: لو مُلِئَتْ لي غُوطةُ دِمَشْقَ رِجالاً مِثْلَكَ قِياضاً بيَزِيدَ ما قَبِلْتُهم أَي مُقايَضةً به.
الأَزهريُّ: ومن ذوات الياء. أَبو عبيد: هما قَيْضانِ أَي مِثْلان. وقَيَّضَ اللّه فلاناً لفلان: جاءه به وأَتاحَه له. وقَيَّضَ اللّه قَرِيناً: هَيَّأَه وسَبَّبَه من حيث لا يَحْتَسِبُه. وفي التنزيل: وقَيَّضْنا لهم قُرنَاء؛ وفيه: ومَن يَعْشُ عن ذِكر الرحمن نُقَيِّضْ له شَيْطاناً؛ قال الزجاج: أَي نُسَبِّبْ له شيطاناً يجعل اللّه ذلك جَزاءه. وقيضنا لهم قُرناء أَي سبَّبْنا لهم من حيث لم يَحْتَسِبوه، وقال بعضهم: لا يكون قَيَّضَ إِلا في الشرّ، واحتج بقوله تعالى: نقيض له شيطاناً، وقيضنا لهم قرناء؛ قال ابن بري: ليس ذلك بصحيح بدليل قوله، صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أَكْرَم شابٌّ شَيْخاً لسِنِّه إِلاَّ قَيَّضَ له اللّه مَن يُكْرِمُه عند سِنِّه.
أَبو زيد: تَقَيَّضَ فلان أَباه وتَقَيَّلَه تقَيُّضاً وتقَيُّلاً إذا نزَع إِليه في الشَّبَه. ويقال: هذا قَيْضٌ لهذا وقِياضٌ له أَي مساوٍ له. ابن شميل: يقال لسانه قَيِّضةٌ، الياء شديدة. واقْتاضَ الشيءَ: استأْصَلَه؛ قال الطرمّاح:

وجَنَبْنا إِليهِـم الـخـيلَ فـاقْـتِـي

 

ضَ حِماهم، والحَرْبُ ذاتُ اقْتِياضِ

والقَيِّضُ: حجر تُكْوى به الإِبل من النُّحاز، يؤخذ حجر صغير مُدَوَّر فيُسَخَّنُ، ثم يُصْرَعُ البعيرُ النَّحِزُ فيوضع الحجر على رُحْبَيَيْهِ؛ قال الراجز:

لَحَوْت عَمْراً مِثْلَ ما تُلْحَى العَصا

 

لَحْواً، لو انَّ الشَّيبَ يَدْمَى لَدَمـا

كَيَّكَ بالقَيْضِ قدْ كـان حَـمَـى

 

مواضِعَ النّاحِزِ قد كان طـنَـى

وقَيْضَ إِبله إذا وسَمَها بالقَيِّضِ، وهو هذا الحجر الذي ذكرناه.
أَبو الخطّابِ: القَيِّضةُ حجَر تُكْوى به نُقَرةُ الغنم.

قيظ

القَيْظُ: صَمِيمُ الصيْف، وهو حاقُّ الصيف، وهو من طلوع النجم إِلى طلوع سهيل، أَعني بالنجم الثريَّا، والجمع أَقْياظٌ وقُيوظٌ.
وعامَله مُقايَظةً وقُيوظاً أَي لزمن القيظ؛ الأَخيرة غريبة، وكذلك استأْجره مُقايَظة وقِياظاً؛ وقول امرئ القيس أَنشده أَبو حنيفة:

قايَظْنَنا يأْكلـن فـينـا

 

قُدّاً، ومَحْرُوتَ الجمال

إِنما أَراد قِظْنَ معنا. وقولهم اجتمع القَيْظُ إِنما هو على سعة الكلام، وحقيقته: اجتمع الناس في القيظ فحذفوا إِيجازاً واخْتصاراً، ولأَن المعنى قد عُلم، وهو نحو قولهم اجتمعت اليمامةُ يريدون أَهل اليمامة.
وقد قاظ يومُنا: اشتد حَرُّه؛ وقِظْنا بمكان كذا وكذا وقاظوا بموضع كذا، وقيَّظُوا واقتاظوا: أَقاموا زمن قيظهم؛ قال تَوْبةُ بن الحُمَيِّر:

تَرَبَّعُ لَيْلَى بالمُضَيَّحِ فالحِـمَـى،

 

وتَقْتاظُ من بَطْنِ العَقِيقِ السَّواقِيا

واسم ذلك الموضع: المَقِيظُ والمَقْيَظُ. وقال ابن الأَعرابي: لا مَقِيظَ بأَرض لا بُهْمَى فيها أَي لا مَرْعى في القيظ. والمَقِيظُ والمَصِيفُ واحد. ومَقِيظ القوم: الموضعُ الذي يقام فيه وقتَ القَيْظِ، ومَصِيفُهم: الموضعُ الذي يقام فيه وقتَ الصيف. قال الأَزهري: العرب تقول: السنة أَربعة أَزمان، ولكل زمن منها ثلاثة أَشهر، وهي فصول السنة: منها فصل الصيف وهو فصلُ ربيع الكَلإِ آذارُ ونَيْسانُ وأَيّارُ، ثم بعده فصل القيظ حَزِيرانُ وتَموزُ وآب، ثم بعده فصل الخريف أَيْلُولُ وتَشْرِين وتَشْرين، ثم بعده فصل الشتاء كانُونُ وكانونُ وسُباطُ.
وقَيَّظَني الشيءُ: كفاني لِقَيْظَتي. وفي حديث عمر، رضي اللّه عنه، أَنه قال حين أَمره النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، بتزويد وفْد مُزَينةَ: ما هي إِلا أَصْوُعٌ ما يُقَيِّظْن بَنِيَّ، يعني أَنه لا يكفيهم لقيْظهم يعني زمان شدّة الحر. والقيظُ: حَمَارَّةُ الصيف؛ يقال: قيَّظني هذا الطعام وهذا الثوب وهذا الشيء، وشَتّاني وصَيَّفَني أَي كفاني لقيظي؛ وأَنشد الكسائي:

مَنْ يكُ ذا بَتٍّ، فهذا بَتِّـي

 

مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَـتِّـي

تَخِذْتُه من نعَجـاتٍ سِـتِّ

 

سُودٍ، نِعاجٍ كنِعاجِ الدَّشْتِ

يقول: يكفيني القَيْظَ والصَّيفَ والشتاءَ، وقاظَ بالمكان وتَقَيَّظَ به إذا أَقام به في الصيف؛ قال الأَعشى:

يا رَخَماً قاظَ على مَطْلوبِ،

 

يُعْجِلُ كَفَّ الخارِئ المُطِيبِ

وفي الحديث: سِرنا مع رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وسلّم، في يوم قائظ أَي شدِيدِ الحرّ. وفي حديث أَشراط الساعة: أَن يكون الولد غَيْظاً والمطر قَيْظاً، لأَن المطر إَنما يُراد للنبات وبَرْدِ الهواء والقيظُ ضدّ ذلك.وفي الحديث ذكر قَيْظ، بفتح القاف، موضع بقُرب مكة على أَربعة أَميال من نخلة.
والمَقِيظةُ: نبات يبقى أَخْضَرَ إِلى القيظ يكون عُلْقةً للإِبل إذا يَبِس ما سواه. والمَقِيظةُ من النبات: الذي تدُوم خُضرته إِلى آخِرِ القَيْظ، وإِن هاجت الأَرض وجَفَّ البَقل.

قيق

القِيقَاةُ والقِيقاءَةُ، بالمد والقصر: الأرض الغليظة، وقيل المنقادة والهمزة مبدلة من الياء والياء الأُولى مبدلة من الواو، ويدلّك عليه قولهم في الجمع القَوَاقي، وهو فعْلاء ملحق بسِرْدَاح، وكذلك الزِّيزاءَة لأنه لا يكون في الكلام مثل القِلْقَالِ إلا مصدراً وقد يجمع على اللفظ فيقال قَيَاقٍ، والجمع قِيقاء وقَيَاقٍ؛ قال:

إذا تَمَطَّيْنَ على القَيَاقي،

 

لاقَيْنَ منه أُذُنَيْ عَنـاقِ

قال سيبويه: وقال بعضهم قَوَاق فجعل الياء في قَيَاقٍ بدلاً كما أَبدلها في قَيْل. ابن شميل: القِيقَاة جمعها قِيقاء من القَوَاقي وهو مكان ظاهر غليظ كثير الحجارة وحجارتها الأَظِرّةُ، وهي مستوية بالأرض وفيها نُشُوز وارتفاع مع النّشوز، نُثِرَتْ فيها الحجارة نَثْراً لا تكاد تستطيع أن تمشي فيها، وما تحت الحجارة المنْثورة حجارة غاصٌّ بعضها ببعض لا تقدر أن تحفرها، وحجارتها حمر تنبت الشجر والبقل؛ وقول الشاعر:

وخَبَّ أَعْرَافُ السَّفَا على القِيَقْ

كأَنه جمع قِيقَة وإنما هي قِيقَاة فحذف أَلفها، وقيل هي قِيقَةٌ، وجمعها قَيَاقٍ؛ الجوهري: وقول رؤبة:

واسْتَنَّ أَعرافُ السَّفا على القِيَقْ

القيق يريد جمع قِيقاءَةٍ كأنه أَخرجه على جمع قِيقةٍ. والقِيقاةُ والقيقايَةُ: وعاء الطَّلْع. ابن الأَعرابي: القَيْقُ صوت الدجاجة إذا دعت الديك للسِّفاد، وقال أيضاً: القِيقُ الجبل المحيط بالدنيا. الفراء:القِيقيةُ القشرة الرقيقة التي تحت القَيْضِ من البيض، وأَما الغِرْقِئ فالقشرة الملتزقة ببياض البيض، وقال اللحياني: يقال لبياض البيض القئْقئ ولصفرتها المُخّ؛ وقول الشاعر:

والجلْدُ منها غِرْقِئ القُوَيْقيَةْ

القُوَيْقِيةُ: كناية عن البيضة.
ك: قال الليث: أُهملت القاف والكاف ووجوههما مع سائر الحروف.

قيل

القائلة: الظهيرة. يقال: أتانا عند القائلة، وقد تكون بمعنى القيلولة أيضا، وهي النوم في الظهيرة. المحكم: القائلة نصف النهار. الليث: القيلولة نومة نصف النهار، وهي القائلة، قال يقيل، وقد قال القوم قيلا وقائلة وقيلولة ومقالا ومقيلا، الأخيرة عن سيبويه. والمقيل أيضا: الموضع. ابن بري: وقد جاء المقال لموضع القيلولة، قال الشاعر:

فما إن يرعوين لمحل سبت

 

وما إن يرعوين على مقال

وقالا قريش لسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قبل أن فتح الله عليه الفتوح: إنا لأكرم مقاما وأحسن مقيلا، فأنزل الله تعالى: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا، قال الفراء: قال بعض المحدثين يروى أنه يفرغ من حساب الناس في نصف ذلك اليوم فيقبل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، فذلك قوله تعالى: خير مستقرا وأحسن مقيلا، قال: وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا: هذا أحمق الرجلين ولا أعقل الرجلين، ويقولون: لا تقول هذا الرجلين ولا أعقل الرجلين إلا لعاقل يفضل على صاحبه، قال الفراء: وقد قال الله عز وجل خير مستقرا فجعل أهل الجنة خيرا مستقرا من أهل النار، وليس في مستقر أهل النار شيء من الخير، فاعرف ذلك من خطئهم، وقال أبو طالب: إنما جاز ذلك لأنه موضع فيقال هذا الموضع خير من ذلك الموضع، وإذا كان نعتا لم يستقم أن يكون نعت واحد لاثنين مختلفين، قال الأزهري: ونحو ذلك قال الزجاج وقال: يفرق بين المنازل والنعوت. قال أبو منصور: والقيلولة عند العرب، والمقيل الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم، والدليل على ذلك أن الجنة لانوم فيها. وروي في الحديث: قيلوا، فإن الشياطين لا تقبل. وفي الحديث: كان لا يقبل مالا ولا يبيته أي كان لا يمسك من المال ما جاءه صباحا إلى وقت القائلة، وما جاءه مساء لايمسكه إلى الصباح. والمقيل والقيلولة: الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم، يقال: قال يقيل قيلولة، فهو قائل. ومنه حديث زيد بن عمرو بن نفيل: ما مهاجر كمن قال: وفي رواية: ما مهجر، أي ليس من هاجر عن وطنه أو خرج في الهاجرة كمن سكن في بيته عند القائلة وأقام به، وفي حديث أم معبد:

رفيقين قالا خيمتي أم معبد

أي نزلا فيها عند القائلة إلا أنه عداه بغير حرف جر. وفي الحديث: أن رسول الله،صلى الله عليه وسلم، كان بتعهن وهو قائل السقيا، تعهن والسقيا: موضعان بين مكة والمدينة، أي أنه يكون بالسقيا وقت القائلة، أو هو من القول أي يذكر أنه يكون بالسقيا، ومنه حديث الجنائز: هذه فلانة ماتت ظهرا وأنت صائم قائل أي ساكن في البيت عند القائلة، وفي شعر ابن رواحة:

اليوم نضربكم على تنزيلـه

 

ضربا يزيل الهام عن مقيله

الهام: جمع هامة وهي أعلى الرأس، ومقيله: موضعه، مستعار من موضع القائلة، وسكون الباء من نضربكم من جائزات الشعر، وموضعها الرفع. وتقيلوا: ناموا في القائلة. قال سيبويه: ولا يقال ما أقيله، استغنوا عنه بما أنومه كما قالوا تركت ولم يقولوا ودعت لا لعلة. ورجل قائل والجمع قيل، بالتشديد، وقيال، والقيل اسم للجمع كالشرب والصحب والسفر، قال:

إن قال قيل لم أقل في القيل

فجاء بالجمعين، وقيل: هو جمع قائل. وما أكلأ قائلته أي نومه، فأما قول العجاج:

إذا بدا دهانج ذو أعدال

فقد يكون على الفعل الذي هو قال كضراب وشتام، قد يكون على النسب، كما قالوا نبال لصاحب النبل. وشربت الإبل قائلة أي في القائلة، كقولك شربت ظاهرة أي في الظهيرة، وقد يكون قائلة هنا مصدرا كالعافية. وأقالها هو وقيلها: أوردها ذلك الوقت. واقتال: شرب نصف النهار. والقيل: اللبن الذي يشر نصف النهار وقت القائلة، وقوله:

وكيف لا أبكي على علاتي

 

صبائحي غبائقي قيلاتـي

عنى به ذوات قيلاتي، فقيلات على هذا جمع قيلة التي هي المرة الواحدة من القيل، الأزهري: أنشدني أعرابي:

ما لي با أسقي حبيباتي

وهن يوم الورد أمهاتي

صبائحي غبائقي قيلاتي

أراد بحبيباته إبله التي يسقيها ويشرب ألبانها، جعلهن كأمهاته.
والقيول: كالقيل اسم كالصبوح والغبوق.
وقيل الرجل: سقاه القيل. وتقيل هوالقيل: شربه، أنشد ثعلب:

ولقد تقيل صاحبي من لقحة

 

لبنا يحل ولحمها لا يطعـم

الجوهري: يقال قيله فتقيل أي سقاه نصف النهار فشرب، قال الراجز:

يا رب مهر مزعوق

مقيل أو مغـبـوق

من لبن الدهم الروق

ويقال: هو شروب للقيل إذا كان مهيافا دقيق الخصر يحتاج إلى شرب نصف النهار. وقال يقي قيلا إذا شرب نصف النهار، وتقيل أيضا. وحكى ابن درستويه اقتال، ووزنه افتعل، وقد تقدم في ترجمة قول. واقتلت اقتيالا إذا شربت القيل. التهذيب: القيل شرب نصف النهار، وأنشد:  

يسقين رفها بالنهار واللـيل

 

من الصبوح والغبوق والقيل

جعل القيل ههنا شربة نصف النهار، وقالت أم تأبط شرا: ما سقيته غيلا، ولا حرمته قيلا. وفي حديث خزيمة: وأكتفي من حمله بالقيلة، القيلة والقيل: شرب نصف النهار يعني أنه يكتفي بتلك الشربة لا يحتاج إلى حملها للخصب والسعة.
وتقيل الناقة: حلبها عند القائلة، تقول: هذه قيلي وقيلتي. وفي ترجمة صبح: والقيل والقيلة الناقة التي تحلب في ذلك الوقت. قال الأزهري: سمعت العرب تقول للناقة التي يشربون لبنها نصف النهار قيلة، وهن قيلاتي للقاح التي يحتلبونها وقت القائلة. والمقبل: محلب ضخم يحلب فيه في القائلة، عن الهجري وأنشد:

عنز من السك ضبوب قنفل

 

تكاد من غزر تدق المقيل

وقاله البيع قيلا وأقاله إقالة، وحكى اللحياني أن قلته لغة ضعيفة. واستقالني: طلب إلي أن أقيله. وتقايل البيعان: تفاسخا صفقتهما. وتركتهما يتقابلان البيع أي يستقيل كل واحد منهما صاحبه. وقد تقايلا بعدما تبايعا أي تتاركا.
وأقلته البيع إقالة: وهو فسخة، قال: وربما قالوا قلته البيع فأقالني إياه. وفي الحديث: من أقال نادما أقاله الله من نار جهنم، وفي رواية: أقاله الله عثرته، أي وافقه على نقض البيع وأجابه إليه. يقال: أقاله يقيله إقالة. وتقايلا إذا فسخا البيع وعاد المبيع إلى مالكه والثمن إلى المشتري إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما، قال: وتكون الإقامة في البيعة والعهد. وفي حديث ابن الزبير: لما قتل عثمان قلت لا أستقيلها أبدا أي لا أقيل هذه العثرة ولا أنساها. والاستقالة: طلب الإقامة. وتقيل الماء في المكان المنخفض: اجتمع. أبو زيد: يقال تقيل فلان أباه وتقيضه تقيلا وتقيضا إذا نزع إليه في الشبه. ويقال: أقال الله فلانا عثرته بمعنى الصفح عنه. وفي الحديث: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، وأقال الله عثرتك وأقالكها.
والقيل: الملك من ملوك حمير يتقيل من قبله من ملوكهم يشبهه، وجمعه أقيال وقيول، ومنه الحديث: إلى قيل دي رعين أي ملكها، وهي قبيلة من اليمن تنسب إلى ذي رعين، وهو من أذواء اليمن وملوكها. وقال ثعلب: الأقيال الملوك من غير أن يخص بها ملوك حمير. واقتال شيئا بشيء: بدله، عن الزجاجي. ابن الأعرابي: يقال أدخل بعيرك السوق واقتل به غيره أي استبدل به، وأنشد:

واقتلت بالجدة لونا أطحلا

أي استبدلت، وأنشد ابن بري في ترجمة قول:

ورد هموم طرقت بالبلبال

 

وظلم ساع وأمير مقتال

والمقايلة والمقايضة المبادلة، يقال: قايضه وقايله إذا بادله.
والقيلة والقيلة: الأدرة. وفي حديث أهل البيت: ولا حامل القيلة، القيلة، بالكسر: الأدرة وهو انتفاخ الخصية. ورماه الله بقيلة، مكسورة، أي الأدر.
وقيل: اسم رجل من عاد. وقيل: وافد عاد. وقيلة: موضع. وقيلة: أم الأوس والخزرج. وفي حديث سلمان. ابني قيلة، يريد الأوس والخزرج قبيلتي الأنصار. وقيلة: اسم أم لهم قديمة، وهي قيلة بنت كاهل. وقيال، بكسر القاف: اسم جبل بالبادية عال.

قين

القَيْنُ: الحَدَّادُ، وقيل: كل صانع قَيْنٌ، والجمع أَقْيانٌ وقُيُونٌ. وفي حديث العباس: إِلا الإِذْخِرَ فإِنه لقُيُونِنا؛ القُيُونُ: جمع قَيْنٍ وهو الحَدَّاد والصَّانِعُ. التهذيب: كلُّ عامل الحديد عند العرب قَيْنٌ. ويقال للحَدَّاد: ما كان قَيْناً ولقد قانَ. وفي حديث خَبَّابٍ: كنتُ قَيْناً في الجاهلية. وقانَ يَقِينُ قِيانَةً وقَيْناً: صار قَيْناً. وقانَ الحديدة قَيْناً: عَمِلَها وسَوَّاها. وقانَ الإِناءَ يَقِينُه قَيْناً: أَصلحه؛ وأَنشد الكلابيُّ أَبو الغَمْرِ لرجل من أَهل الحجاز:

أَلا لَيْتَ شِعْري، هل تَغَـيَّرَ بـعـدَنـا

 

ظِبَاءٌ، بذي الحَصْحاصِ، نُجْلٌ عُيُونُها؟

ولي كَبِدٌ مَجْرُوحَةٌ قَـدْ بَـدَتْ بـهـا

 

صُدُوعُ الهَوَى، لو أَنَّ قَيْناً يَقِـينُـهـا

وكيف يَقِينُ القَيْنُ صَدْعاً فَتَشْـتَـفِـي

 

به كَبِدٌ أَبْتُ الـجُـرُوحِ أَنِـينُـهـا؟

ويقال: قِنْ إِناءَك هذا عند القَيْنِ. وقِنْتُ الشيءَ أَقِينُه قَيْناً: لَمَمْتُه؛ وقول زهير:

خَرَجْنَ من السُّوبانِ ثم جَزَعْنَهُ

 

على كل قَيْنِيٍّ قَشِيبٍ ومُفْـأَمِ

 يعني رَحْلاً قَيَّنَه النَّجَّارُ وعَمِلَه، ويقال: نسبه إلى بني القَيْنِ. قال ابن السكيت: قلت لعُمارَةَ إِن بعض الرواة زعم أَن كل عامل بالحديد قَيْنٌ، فقال: كذب، إِنما القَيْنُ الذي يعمل بالحديد ويعمل بالكِير، ولا يقال للصائغ قَيْنٌ ولا للنجار قَيْنٌ، وبنو أَسد يقال لهم القُيون لأَن أَوَّل من عَمِلَ عَمَلَ الحديد بالبادية الهالكُ بنُ أَسد بن خُزَيمة. ومن أَمثالهم: إذا سمعت بسُرى القَيْنِ فإِنه مُصْبِحٌ وهو سَعدُ القَين؛ قال أَبو عبيد: يضرب للرجل يعرف بالكذب حتى يُرَدُّ صِدْقُه؛ قال الأَصمعي: وأَصله أَن القَيْنَ بالبادية ينتقل في مياههم فيقيم بالموضع أَياماً فيَكْسُدُ عليه عمَله، فيقول لأَهل الماء إِني راحل عنكم الليلة، وإِن لم يُرِدْ ذلك، ولكنه يُشِيعُه ليَسْتعمِله من يريد استعماله، فكَثُر ذلك من قوله حتى صار لا يُصَدَّق؛ وقال أَوْسٌ:

بَكَرَتْ أُميَّةُ غُدْوةً برَهِـينِ

 

خانَتْك، إِن القَينَ غَير أَمِينِ

قال الجوهري: هو مثَل في الكذب. يقال: دُهْ دُرَّين سَعْدُ القَيْن.
والتَّقَيُّنُ: التزَيُّن بأَلوان الزينة. وتقَيَّنَ الرجلُ واقْتانَ: تَزَيَّن. وقانَتِ المرأَةُ المرأَةَ تَقِينُها قَيْناً وقَيَّنَتْها: زَيَّنَتْها. وتقَيَّن النبتُ واقتانَ اقتِياناً: حَسُن، ومنه قيل للمرأَة مُقَيِّنةٌ أَي أَنها تُزَيِّن؛ قال الجوهري: سميت بذلك لأَنها تزيِّن النساء، شُبِّهتْ بالأَمة لأَنها تصلح البيت وتزينه. وتقَيَّنتْ هي: تزَيَّنتْ.
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: كان لها دِرْعٌ ما كانت امرأَةٌ تُقَيَّنُ بالمدينة إِلاَّ أَرسلت تستعيره؛ تُقَيَّن أَي تُزَيَّن لزفافها.
والتَّقْيينُ: التزْيينُ. وفي الحديث: أَنا قَيَّنْتُ عَائشةَ. واقتانَت الروضةُ إذا ازْدانتْ بأَلوان زهرتها وأَخذَتْ زُخرُفها؛ وأَنشد لكثير:

فهُنَّ مُناخاتٌ عـلـيهـنَّ زينةٌ،

 

كما اقْتانَ بالنَّبْت العِهادُ المُحوَّف

والقَيْنةُ: الأَمة المُغنّية، تكون من التزَيُّن لأَنها كانت تَزَيَّنُ، وربما قالوا للمُتَزَيِّن باللباس من الرجال قَيْنة؛ قال: وهي كلمة هُذليّة، وقيل: القَيْنة الأَمة، مُغَنّية كانت أَو غير مغنية. قال الليث: عَوامُّ الناس يقولون القَيْنة المغنّية. قال أَبو منصور: إِنما قيل للمُغنّية قَيْنةٌ إذا كان الغناءُ صناعة لها، وذلك من عمل الإِماء دون الحرائر. والقَيْنةُ: الجارية تخدُمُ حَسْبُ. والقَيْنُ: العبد، والجمع قِيانٌ؛ وقول زهير:

رَدَّ القِيانُ جِمالَ الحيِّ فاحْتَمَلوا

 

إِلى الظَّهِيرة أَمرٌ بينهم لَبِـكُ

أَراد بالقِيان الإِماءَ أَنهنَّ ردَدْنَ الجِمالَ إِلى الحيِّ لشَدِّ أَقتابها عليها، وقيل: رَدَّ القِيانُ جمالَ الحيِّ العبيدُ والإِماءُ.
وبنات قَيْنٍ: اسم موضع كانت به وقعة في زمان عبد الملك بن مروان؛ قال عُوَيْف القَوافي:

صَبَحْناهم غَداةَ بناتِ قَـيْنٍ

 

مُلَمْلَمةً، لها لَجَبٌ، طَحونا

ويقال لبني القَيْن من بني أَسد: بَلْقَيْنِ، كما قالوا بَلْحرث وبَلْهُجَيم، وهو من شواذ التخفيف، وإِذا نسبت إِليهم قلت قَيْنيٌّ ولا تقل بَلْقَيْنِيٌّ. ابن الأَعرابي: القَيْنةُ الفَقْرة من اللحم، والقَيْنة الماشطة، والقَيْنة المغَنّية. قال الأَزهري: يقال للماشطة مُقَيِّنة لأَنها تزَين العرائس والنساء. قال أَبو بكر: قولهم فلانة قَيْنةٌ معناه في كلام العرب الصانعة. والقَيْنُ: الصانع. قال خَبَّابُ بن الأَرَتِّ: كنتُ قَيْناً في الجاهلية أَي صانعاً. والقَيْنةُ: هي الأَمة، صانعة كانت أَو غير صانعة. قال أَبو عمرو: كل عبد عند العرب قَيْنٌ، والأَمة قَيْنة، قال: وبعض الناس يظن القَيْنة المغنّية خاصة، قال: وليس هو كذلك. وفي الحديث: دخل أَبو بكر وعند عائشة، رضي الله عنهما، قَيْنَتان تُغَنّيان في أَيام مِنىً؛ القَينة: الأَمة غَنَّتْ أَو لم تُغَنِّ والماشطةُ، وكثيراً ما يطلق على المغنّية في الإِماء، وجمعها قَيْناتٌ. وفي الحديث: نهى عن بيع القَيْنات أَي الإِماء المغَنّيات، وتجمع على قِيانٍ أَيضاً. وفي حديث سلمان: لو بات رجلٌ يُعْطي البِيضَ القِيانَ، وفي رواية: يُعْطي القِيان البيضَ، وبات آخر يقرأُ القرآن لرأَيتُ أَن ذكر الله أَفضلُ؛ أَراد بالقِيان الإِماء أَو العبيد. والقَيْنة: الدُّبر، وقيل: هي أَدنى فَقْرة من فِقَر الظهر إِليه، وقيل: هي القَطَنُ، وهو ما بين الوركين، وقيل: هي الهَزْمة التي هُنالك. وفي حديث الزبير: وإِن في جسده أَمثال القُيون؛ جمع قَيْنة وهي الفَقارة من فَقار الظهر، والهَزْمة التي بين غُراب الفرس وعَجْب ذنَبه، يريد آثار الطَّعَنات وضربات السيوف، يصفه بالشجاعة. ابن سيده:والقَيْنة من الفرس نُقْرة بين الغُراب والعَجُز فيها هَزْمة. والقَيْنانِ: موضع القيد من الفرس ومن كل ذي أَربع يكون في اليدين والرجلين، وخَصَّ بعضهم به موضع القَيْد من قوائم البعير والناقة. وفي الصحاح: القَيْنان موضع القيد من وظيفي يَد البعير؛ قال ذو الرمة:

دانى له القَيْدُ في دَيمومةٍ قُذُفٍ

 

قَيْنَيْه، وانحسَرَتْ عنه الأَناعِيمُ

يريد جمع الأَنعام وهي الإِبل. الليث: القَيْنان الوَظيفان لكل ذي أَربع، والقَين من الإِنسان كذلك. وقانَني اللهُ على الشيءِ يَقِينُني: خَلَقني.
والقانُ: شجر من شجر الجبال، زاد الأَزهري ينبت في جبال تهامة، تُتخذ منه القِسِيُّ، استدل على أَنها ياء لوجود ق ي ن وعدم ق و ن؛ قال ساعدة بن جؤية:

يأْوى إِلى مُشْمَخِرّاتٍ مُصَعِّدةٍ

 

شُمٍّ، بهنَّ فُروعُ القانِ والنَّشَمِ

واحدته: قانةٌ؛ عن ابن الأَعرابي وأَبي حنيفة.

قيه

القاهُ: الطاعةُ؛ قال الزَّفَيان:

ما بالُ عيْنٍ شَوْقُها اسْتَبْكاها

في رَسْمِ دارٍ لَبِسَتْ بِلاهـا

تاللهِ لولا النارُ أَن نَصْلاها،

أَو يَدْعُوَ الناسُ علينا اللـهَ،

لمَا سَمِعْنا لأَمِـيرٍ قـاهـا

قال الأُمَوي: عرفَتْه بنو أَسد. وما لَه عليَّ قاهٌ أَي سُلْطانٌ. والقاهُ: الجاهُ. وفي الحديث: أَن رجلاً من أهل المدينة، وقيل من أَهل اليمن، قال للنبي، صلى الله عليه وسلم: إنّا أَهلُ قاهٍ، فإذا كان قاهُ أَحَدِنا دَعا مَنْ يُعِينه فعَمِلُوا له فأَطعَمَهُم وسَقاهم من شرابٍ يقال له المِزْرُ، فقال: أَله نَشْوَةٌ؟ قال: نعَمْ، قال: فلا تَشْرَبوه؛ أَبو عبيد: القاهُ سُرْعةُ الإجابة وحُسْنُ المُعاونة، يعني أَن بعْضَهم يُعاوِنُ بعضاً في أَعْمالِهم وأَصلُه الطاعةُ، وقيل: معنى الحديث إنَّا أَهلُ طاعةٍ لِمَنْ يَتَمَلَّكُ علينا، وهي عادَتُنا لا نَرى خِلافَها، فإذا أَمَرَنا بأَمْرٍ أَو نَهانا عن أَمْرٍ أَطَعْناه، فإذا كان قاه أَحَدِنا أَي ذُو قاهِ أَحَدِنا دَعانا إلى مَعُونتِه فأَطْعَمَنا وسَقانا. قال ابن الأَثير: ذكره الزمخشري في القاف والياء، وجعل عينه منقلبة عن ياء، ولم يذكره ابن الأَثير إلا في قوه. وفي الحديث: ما لي عنْدَه جاهٌ ولا لي عليه قاهٌ أَي طاعةٌ. الأَصمعي: القاهُ والأَقْهُ الطاعةُ. يقال: أَقاهَ الرجلُ وأَيْقَهَ. الدينوري: إذا تَناوَبَ أَهلُ الجَوْخانِ فاجتمعوا مَرَّة عند هذا ومرة عند هذا وتعاوَنُوا على الدِّياسِ، فإن أَهل اليمن يسمُّون ذلك القاهَ. ونَوْبةُ كلِّ رجل قاهُهُ، وذلك كالطاعة له عليهم لأَنه تَناوُبٌ قد أَلْزَمُوه أَنفسهم، فهو واجبٌ لبعضهم على بعض، وهذه الترجمة ذكرها الجوهري في قوه. قال ابن بري: قاه أَصلُه قَيَهَ، وهو مقلوب من يَقَه، بدليل قولهم اسْتَيْقَه الرجلُ إذا أَطاعَ، فكان صوابه أَن يقول في الترجمة قَيه، ولا يقول قوَه، قال: وحجة الجوهري أَنه يقال الوقْهُ بمعنى القاهِ، وهو الطاعةُ، وقد وَقِهْتُ، فهذا يدل على أَنه من الواو؛ وأَما قول المُخَبَّل: ورَدُّوا صُدورَ الخَيْلِ حتى تنَهْنَهُوا إلى ذي النُّهَى، واسْتَيْقَهُوا للمُحلِّم أَي أَطاعوه، إلا أَنه مقلوب، قدَّمَ الياء على القاف وكانت القافُ قبْلَها، وكذلك قولهم: جَذَبَ وجَبَذَ، ويروى: واسْتَيْدَهوا، قال ابن بري: وقيل إن المقلوب هو القاهُ دون اسْتَيْقَهوا. ويقال: اسْتَوْدَه واسْتَيْدَه إذا انْقادَ وأَطاعَ، والياء بدل من الواو. ابن سيده: والقاهُ سُرْعةُ الإجابةِ في الأَكل، قال: وإِنما قَضَيْنا بأَن أَلفَ قاه ياءٌ لقولهم في معناه أَيْقَهَ واسْتَيْقَهَ أَي أَطاعَ، وما جاء من هذا الباب لم يُقَلْ فيه أَبْقَهَ ولا تبيَّنَت فيه الياءُ بوجهٍ حُمِل على الواو.
وأَيقَهَ أَي فَهِمَ. يقال: أَيْقِهْ لهذا أي افهمه، والله تعالى أعلم.