المجلد الأول - قصة إبليس لعنه الله وابتداء أمره وإطغائه آدم عليه السلام

فأوّلهم وإمامهم ورئيسهم إبليس وكان الله تعالى قد حسّن خلقه وشرّفه وملّكه على سماء الدنيا والأرض فيما ذكر وجعله مع ذلك خازنًا من خُزّان الجنّة فاستكبر على ربّه وادّعى الربوبية ودع من كان تحت يده إلى عبادته فمسخه الله تعالى شيطانًا رجيمًا وشوّه خلقه وسلبه ما كان خوله ولعنه وطرده عن سمواته في العاجل ثمّ جعل مسكنه ومسكن أتباعه في الآخرة نار جهنم نعوذ بالله تعالى من نار جهنم ونعوذ بالله تعالى من غضبه ومن الحور بعد الكور‏.‏

ونبدأ بذكر الأخبار عن السلف بما كان الله أعطاه من الكرامة وبادعائه ما لم يكن له ونتبع ذلك بذكر أحداث في سلطانه وملكه إلى حين زوال ذلك عنه والسبب الذي به زال عنه إن شاء الله تعالى‏.‏


ذكر الأخبار بما كان لإبليس لعنه الله من الملك

وذكر الأحداث في ملكه روي عن ابن عباس وابن مسعود أن إبليس كان له ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سمّوا الجنّ لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنًا قال ابن عبّاس‏:‏ ثم إنه عصى الله تعالى فمسخه شيطانًا رجيمًا‏.‏

وروي عن قتادة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يقل منهم إني إله من دونه‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 29‏]‏‏.‏ إنما كانت هذه الآية في إبليس خاصة لما قال ما قال لعنه الله تعالى وجعله شيطانًا رجيمًا وقال‏:‏ ‏{‏فذلك نجزيه جهنَّم كذلك نجزي الظالمين‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 29‏]‏‏.‏ وروي عن ابن جريح مثله‏.‏وأما الأحداث التي كانت في ملكه وسلطانه فمنها ما روي عن الضحّاك عن ان عبّاس قال‏:‏ كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة وكان خازنًا من خزّان الجنة قال‏:‏ وخُلقت الملائكة من نور وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت وخلق الإنسان من طين فأوّل من سكن في الأرض الجن فاقتتلوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا قال‏:‏ فبعث الله تعالى إليهم إبليس في جند من الملائكة وهم هذا الحيّ الذين يقال لهم الجن فقاتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلمّا فعل ذلك اغترّ في نفسه وقال‏:‏ قد صنعتُ ما لم يصنعه أحد فاطّلع الله تعالى على ذلك من قلبه ولم يطلع عليه أحد من الملائكة الذين معه‏.‏

وروي عن أنس نحوه‏.‏

وروى أبو صالح عن ابن عبّاس ومُرّة الهمداني عن ابن مسعود أنهما قالا‏:‏ لما فرغ الله تعالى من خلق ما أحبّ استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سمّوا الجن لأنهم من خزنة الجنّة وكان إبليس مع ملكه خازنًا فوقع في نفسه كبر وقال‏:‏ ما أعطاني الله تعالى هذا الأمر إلاّ لمزية لي على الملائكة فاطلع الله على ذلك منه فقال‏:‏ إني جاعل في الأرض خليفة قال ابن عباس‏:‏ وكان اسمه عزازيل وكان من أشدّ الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا فدعاه ذلك إلى الكبر وهذا قولٌ ثالث في سبب كبره‏.‏

وروى عكرمة عن ابن عباس أن الله تعالى خلق خلقًا فقال‏:‏ اسجدوا لآدم فقالوا‏:‏ لا نفعل فبعث عليهم نارًا فأحرقتهم ثمّ خلق خلقًا آخر فقال‏:‏ إني خالق بشرًا من طين فاسجدوا لآدم فأبوا فبعث الله تعالى عليهم نارًا فأحرقتهم ثمّ خلق هؤلاء الملائكة فقال‏:‏ اسجدوا لآدم قالوا‏:‏ نعم وكان إبليس من أولئك الذين لم يسجدوا‏.‏

وقال شهر بن حوشب‏:‏ إن إبليس كان من الجن الذين سكنوا الأرض وطردهم الملائكة وأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء وروي عن سعيد بن مسعود نحو ذلك‏.‏

وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 50‏]‏‏.‏ وجائز أن يكون فسوقه من إعجابه بنفسه لكثرة عبادته واجتهاده وجائز أن يكون لكونه من الجن‏.‏

ومرّة الهمداني بسكون الميم والدال المهملة نسبة إلى همدان‏:‏ قبيلة كبيرة من اليمن‏.‏

ذكر خلق آدم عليه السلام

ومن الأحاديث في سلطانه خلق أبينا آدم عليه السلام وذلك لما أراد الله تعالى أن يطلع ملائكته على ما علم من انطواء إبليس على الكبر ولم يعلمه الملائكة حتى دنا أمره من البوار وملكه من الزوال فقال للملائكة‏:‏ ‏{‏إني جاعل في الأرض خليفةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏‏.‏ روي عن ابن عباس أن الملائكة قالت ذلك للذي كانوا عهدوا من أمره وأمر الجنّ الذين كانوا سُكان الأرض قبل ذلك فقالوا لربهم تعالى‏:‏ أتجعل فيها من يكون مثل الجن الذين كانوا يسفكون الدماء فيها ويفسدون ويعصونك ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقال الله لهم‏:‏ ‏{‏إني أعلم ما لا تعلمون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏ ‏.‏ يعني من انطواء إبليس على الكبر والعزم على خلاف أمري واغتراره وأنا مبد ذلك لكم منه لتروه عيانًا فلما أراد الله أن يخلق آدم أمر جبرائيل أن يأتيه بطين من الأرض فقالت الأرض‏:‏ أعوذ بالله منك أن تنقص مني وتشينني فرجع ولم يأخذ منها شيئًا وقال‏:‏ يا ربّ إنها عاذت بك فأعذتها فبعث ميكائيل فاستعاذت منه فأعاذها فرجع وقال مثل جبرائيل فبعث إليها ملك الموت فعاذت منه فقال‏:‏ أنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمر ربي فأخذ من وجه الأرض فخلطه ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء وطينًا لازبًا فلذلك خرج بنو آدم مختلفين‏.‏

وروى أبو موسى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيّب‏)‏‏.‏ ثم بلّت طينته حتى صارت طينًا لازبًا ثم تركت حتى صارت حمًا مسنونًا ثم تركت حتى صارت صلصالًا كما قال ربّنا تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 26‏]‏ واللازب‏:‏ الطين الملتزب بعضه ببعض ثمّ تُرك حتى تغيّر وأنتن وصار حمًا مسنونًا يعني منتنًا ثمّ صار صلصالًا وهو الذي له صوت‏.‏

وإنما سمّي آدم لأنه خلق من أديم الأرض قال ابن عباس‏:‏ أمر الله بتربة آدم فرفعت فخلق ادم من طين لازب من حمأ مسنون وإنما كان حمأ مسنونًا بعد التزاب فخلق منه آدم بيده لئلا يتكبّر إبليس عن السجود له قال‏:‏ فمكث أربعين ليلة وقيل‏:‏ أربعين سنة جسدًا ملقىً فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل أي يصوِّت قال‏:‏ فهو قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏من صلصال كالفخار‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 14‏]‏‏.‏ يقول‏:‏ منتن كالمنفوخ الذي ليس بمصمت ثم يدخل من فيه فيخرج من دبره ويدخل من دبره ويخرج من فيه ثم يقول‏:‏ لست شيئًا ولشيء ما خلقت ولئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت عليّ لأعصينك فكانت الملائكة تمرّ به فتخافه وكان إبليس أشدّهم منه خوفًا‏.‏فلما بلغ الحين الذي أراد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة‏:‏ ‏{‏فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 29‏]‏‏.‏ فلما نفخ الروح فيه دخلت من قبل رأسه وكان لا يجري شيء من الروح في جسده إلا صار لحمًا فلما دخلت الروح رأسه عطس فقالت له الملائكة‏:‏ قل الحمد لله وقيل‏:‏ بل ألهمه الله التحميد فقال‏:‏ الحمد لله رب العالمين فقال الله له‏:‏ رحمك ربك يا آدم فلما دخلت الروح عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما بلغت جفوه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فلذلك يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏خلق الإنسان من عجل‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 37‏]‏‏.‏ فسجد له الملائكة كلهم إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين فقال الله له‏:‏ يا إبليس ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال‏:‏ أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين فلم يسجد كبرًا وبغيًا وحسدًا فقال الله له‏:‏ ‏{‏يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لأملأنّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 85‏]‏‏.‏ فلما فرغ من إبليس ومعاتبته وأبى إلا المعصية أوقع عليه اللعنة وأيأسه من رحمته وجعله شيطانًا رجيمًا وأخرجه من الجنة‏.‏

قال الشعبيّ‏:‏ أُنزل إبليس مشتمل الصّمّاء عليه عمامة أعور في إحدى رجليه نعل‏.‏

وقال حميد بن هلال‏:‏ نزل إبليس مختصرًا فلذلك كره الاختصار في الصلاة ولما أنزل قال‏:‏ يا ربّ أخرجتني من الجنة من أجل آدم وإنني لا أقوى عليه إلا بسلطانك قال‏:‏ فأنت مسلّط قال‏:‏ زدني قال‏:‏ لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله قال‏:‏ زدني قال‏:‏ صدورهم مساكن لك وتجري منهم مجرى الدم قال‏:‏ زدني قال‏:‏ أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم‏.‏

قال آدم‏:‏ يا ربّ قد أنظرته وسلّطته عليَّ وإنني لا أمتنع منه إلا بك قال‏:‏ لا يولد لك ولد إلا وكّلت به من يحفظه من قرناء السوء قال‏:‏ يا ربّ زدني قال‏:‏ الحسنة بعشر أمثالها وأزيدها والسيئة بواحدة وأمحوها قال‏:‏ يا ربّ زدني قال‏:‏ ‏{‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 53‏]‏‏.‏ قال‏:‏ يا رب زدني قال‏:‏ التوبة لا أمنعها من ولدك ما كانت فيهم الروح قال‏:‏ يا ربّ زدني قال‏:‏ أغفر ولا أبالي قال‏:‏ حسبي ثمّ قال الله لآدم‏:‏ إيتِ أولئك النفر من الملائكة فقل السلام عليكم فأتاهم فسلّم عليهم فقالوا له‏:‏ وعليك السلام ورحمة الله ثمّ رجع إلى ربّه فقال‏:‏ هذه تحيّتك وتحيّة ذريتك بينهم‏.‏

فلمّا امتنع إبليس من السجود وظهر للملائكة ما كان مستترًا عنهم علّم الله آدم الأسماء كلها‏.‏

واختلف العلماء في الأسماء فقال الضحّاك عن ابن عباس‏:‏ علمه الأسماء كلها التي تتعارف بها الناس‏:‏ إنسان ودابّة وأرض وسهل وجبل وفرس وحمار وأشباه ذلك حتى الفُسْوة والفُسَية وقال ابن زيد‏:‏ عُلّم أسماء ذرّيته وقال الربيع‏:‏ علم أسماء الملائكة خاصة فلما علمها عرض الله أهل الأسماء على الملائكة فقال‏:‏ ‏{‏أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 31‏]‏‏.‏ إني إن جعلت الخليفة منكم أطعتموني وقدّستموني ولم تعصوني وإن جعلته من غيركم أفسد فيها وسفك الدماء فإنكم إن لم تعلموا أسماء هؤلاء وأنتم تشاهدونهم فبأن لا تعلموا ما يكون منكم ومن غيركم وهو مغيب عنكم أولى وأحرى وهذا قول ابن مسعود ورواية أبي صالح عن ابن عباس‏.‏

وروي عن الحسن وقتادة أنهما قالا‏:‏ لما أعلم الله الملائكة بخلق آدم واستخلافه و ‏{‏قالوا‏:‏ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏‏.‏ و ‏{‏قال إني أعلم ما لا تعلمون‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 30‏]‏‏.‏ قالوا فيما بينهم‏:‏ ليخلق ربّنا ما يشاء فلن يخلق خلقًا إلا كنا أكرم على الله منه وأعلم منه فلمّا خلقه وأمرهم بالسجود له علموا أنّه خير منهم وأكرم على الله منهم فقالوا‏:‏ إن يكُ خيرًا منّا وأكرم على الله منا فنحن أعلم منه فلمّا أعجبوا بعلمهم ابتلوا بأن علمه الأسماء كلها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال‏:‏ ‏{‏أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 31‏]‏‏.‏ إني لا أخلق أكرم منكم ولا أعلم منكم ففزعوا إلى التوبة وإليها يفزع كل مؤمن فـ ‏{‏قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 32‏]‏‏.‏ قالا‏:‏ وعلمه اسم كل شيء من هذه‏:‏

ذكر اسكان آدم الجنة وإخراجه منها

فلما ظهر للملائكة من معصية إبليس وطغيانه ما كان مستترًا عنهم وعاتبه الله على معصيته بتركه السجود لآدم فأصرّ على معصيته وأقام على غيّه لعنه الله وأخرجه من الجنة وطرده منها وسلبه ما كان إليه من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنّة فقال الله له‏:‏ ‏{‏اخرج منها‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 77‏]‏‏.‏- يعني من الجنة - ‏{‏فإنّك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 77‏:‏ 78‏]‏‏.‏ واسكن آدم الجنة‏.‏

قال ابن عباس وابن مسعود‏:‏ فلما اسكن آدم الجنة كان يمشي فيها فردًا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة واستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها فقال‏:‏ من أنت قالت‏:‏ امرأة قال‏:‏ ولم خلقت قالت‏:‏ لتسكن إليّ قالت له الملائكة لينظروا مبلغ علمه‏:‏ ما اسمها قال‏:‏ حواء قالوا‏:‏ ولم سميت حواء قال‏:‏ لأنها خلقت من حي وقال الله له‏:‏ ‏{‏يا ادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 35‏]‏‏.‏

وقال ابن إسحاق فيما بلغه عن أهل الكتاب وغيرهم منهم عبد الله بن عباس قال‏:‏ ألقى الله تعالى على آدم النوم وأخذ ضلعًا من أضلاعه من شقّه الأيسر ولأم مكانه لحمًا وخلق منه حوًا وآدم نائم فلمّا استيقظ رآها إلى جنبه فقال‏:‏ لحمي ودمي وروحي فسكن إليها فلما زوجه الله تعالى وجعل له سكنًا من نفسه قال له‏:‏ ‏{‏يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 35‏]‏‏.‏

وعن مجاهد وقتادة مثله‏:‏ فلمّا أسكن الله آدم وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كلّ ما أرادا من كل ثمارها غير ثمرة شجرة واحدة ابتلاءً منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما فوسوس لهما الشيطان وكان سبب وصوله إليهما أنه أراد دخول الجنة فمنعته الخزنة فأتى كلّ دابة من دواب الأرض وعرض نفسه عليها أنها تحمله حتى يدخل الجنة لكلّم آدم وزوجته فكلّ الدواب أبى عليه حتى أتى الحية وقال لها‏:‏ أمنعك من ابن آدم فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني فجعلته بين نابين من أنيابها ثم دخلت به وكانت كاسية على أرع قوائم من أحسن دابّة خلقها الله كأنها بختيّة فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ اقتلوها حيث وجدتموها واخفروا ذمّة عدوّ الله فيها‏.‏

فلمّا دخلت الحية الجنة خرج إبليس من فيها فناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها فقالا له‏:‏ ما يبكيك قال‏:‏ أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك في أنفسهما ثم أتاهما فوسوس لهما وقال‏:‏ ‏{‏يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 120‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 20‏]‏‏.‏ ‏{‏أن تكونا ملكين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 20‏]‏‏.‏ أو تخلدان إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فدلاهما بغرور‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 22‏]‏‏.‏ وكان انفعال حواء لوسوسته أعظم فدعاها آدم لحاجته فقالت‏:‏ لا إلا أن تأتي ها هنا فلما أتى قالت‏:‏ لا إلا أن تأكل من هذه الشجرة وهي الحنطة قال‏:‏ فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وكان لباسهما الظفر فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قيل‏:‏ كان ورق التين وكانت الشجرة من أكل منها أحدث وذهب آدم هاربًا في الجنة فناداه ربّه‏:‏ أن يا آدم مني تفرّ قال‏:‏ لا ياربّ ولكن حياء منك فقال‏:‏ يا آدم من أين أتين قال‏:‏ من قبل حواء يا رب فقال الله‏:‏ فإن لها عليّ أن أدميها في كل شهر وأن أجعلها سفيهة وقد كنت خلقتها حليمة وأن أجعلها تحمل كرهًا وتضع كرهًا وتشرف على الموت مرارًا قد كنت جعلتها تحمل يسرًا وتضع يسرًا ولوا بليّتها لكان النساء لا يحضن ولَكُنّ حليمات ولكن يحملن يسرًا ويضعن يسرًا وقال الله تعالى له‏:‏ لألعنن الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول بها ثمارها شوكًا ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة أفضل من الطلح والسدر‏.‏وقال للحيّة‏:‏ دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي ملعونة أنتِ لعنةً يتحوّل بها قوائمك في بطنك ولا يكون لك رزق إلا التراب أنت عدوّة بني آدم وهم أعداؤك حيث لقيت واحدًا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ آدم وإبليس والحيّة فأهبطهم إلى الأرض وسلب الله آدم وحواء كلّ ما كانا فيه من النعمة والكرامة‏.‏

قيل‏:‏ كان سعيد بن المسيّب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن سقته حوّاء الخمر حتى سكر فلمّا سكر قادته إليها فأكل‏.‏

قلت‏:‏ والعجب من سعيد كيف يقول هذا والله يقول في صفة خمر الجنة ‏{‏لا فيها غول‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 47‏]‏‏.‏

ذكر اليوم الذي أسكن آدم فيه الجنة واليوم الذي أخرج فيه منها واليوم الذي تاب فيه

روى أبو هريرة عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خُلق آدم وفيه أسكن الجنة وفيه أهبط منها وفيه تاب الله عليه وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة يقلّلها لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إيّاه‏)‏‏.‏ قال عبد الله بن سلام‏:‏ قد وقال أبو العالية‏:‏ أخرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة منه وأهبط إلى الأرض لتسع ساعات مضين من ذلك اليوم وكان مكثه في الجنّة خمس ساعات منه وقيل‏:‏ كان مكثه ثلاث ساعات منه‏.‏

فإن كان قائل هذا القول أراد أنه سكن الفردوس لساعتين مضتا من يوم الجمعة من أيّام الدنيا التي هي على ما هي به اليوم فلم يبعد قوله من الصواب لأن الأخبار كذا كانت واردة عن السلف من أهل العلم بأن آدم خُلق آخر ساعة من اليوم السادس التي مقدار اليوم منها ألف سنة من سنينا فمعلوم أن الساعة الواحدة من ذلك اليوم ثلاثة وثمانون عامًا من أعوامنا وقد ذكرنا أنّ آدم بعد أن خمّر ربنا طينته بقي قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين عامًا وذلك لا شكّ أنه عنى به أعوامنا ثمّ بعد أن نفخ فيه الروح إلى أن تناهى أمره وأسكن الجنّة وأهبط إلى الأرض غير مستنكر أن يكون مقدار ذلك من سنينا قدر خمس وثلاثين سنة وإن كان أراد أنّه سكن الجنّة لساعتين مضتا من نهار يوم الجمعة من الأيام التي مقدار اليوم منها ألف سنة من سنينا فقد قال غير الحقّ لأنّ كل من له قول في ذلك من أهل العلم يقول إنّه نفخ فيه الروح آخر نهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس‏.‏

وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنّ مكث آدم كان في الجنّة نصف يوم كان مقداره خمسمائة

ذكر الموضع الذي أهبط فيه آدم وحواء من الأرض

قيل‏:‏ ثمّ إن الله تعالى أهبط آدم قبل غروب الشمس من اليوم الذي خلقه فيه وهو يوم الجمعة مع زوجته حوّاء من السماء فقال عليّ وابن عباس وقتادة وأبو العالية‏:‏ إنّه أهبط بالهند على جبل يقال له نود من أرض سرنديب وحواء بجدّة قال ابن عباس‏:‏ فجاء في طلبها فكان كلّما وضع قدمه بموضع صار قرية وما بين خطوتيه مفاوز فسار حتى أتى جمعًا فازدلفت إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة وتعارفا بعرفات فلذلك سميت عرفات واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعًا وأهبطت الحيّة بأصفهان وإبليس بميسان وقيل‏:‏ أهبط آدم بالبرية وإبليس بالأبلة‏.‏

قال أبو جعفر‏:‏ وهذا ما لا يصول الى معرفة صحته إلا بخبر يجيء مجيء الحجة ولا نعلم خبرًا في ذلك غير ما ورد في هبوط آدم بالهند فإنّ ذلك مما لا يدفع صحته علماء الإسلام‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ فلما أهبط آدم على جبل نود كانت رجلاه تمسان الأرض ورأسه بالسماء يسمع تسبيح الملائكة فكانت تهابه فسألت الله أن ينقص من طوله فنقص طوله الى ستين ذراعًا فحزن آدم لما فاته من الأنس بأصوات الملائكة وتسبيحهم فقال‏:‏ يا ربّ كنت جارك في دارك ليس لي ربّ غيرك أدخلتني جنّتك آكل منها حيث شئت وأسكن حيث شئت فأهبطتني إلى الجبل المقدس فكنت أسمع أصوات الملائكة وأجد ريح الجنة فحططتني إلى ستين ذراعًا فقد انقطع عني الصوت والنظر وذهبت عني ريح الجنّة فأجابه الله تعالى‏:‏ بمعصيتك يا ادم فعلت بك ذلك‏.‏

فلما رأى الله تعالي عريّ آدم وحواء أمره أن يذبح كبشًا من الضأن من الثمانية الأزواج التي أنزل الله من الجنة فأخذ كبشًا فذبحه وأخذ صوفه فغزلته حواء ونسجه آدم فعمل لنفسه جبّة ولحواء درعًا وخمارًا فلبسا ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ أرسل إليهما ملكًا يعلمهما ما يلبسانه من جلود الضأن والأنعام وقيل‏:‏ كان ذلك لباس أولاده وأمّا هو وحوّاد فكان لباسهما ما كانا خصفا من ورق الجنّة فأوحى الله إلى آدم‏:‏ إن لي حرمًا حيال عرشي فانطلق وابن لي بيتًا فيه ثم حفّ به كما رأيت ملائكتي يحفون بعرشي فهنالك أتسجيب لك ولولدك من كان منهم في طاعتي فقال آدم‏:‏ يا ربّ وكيف لي بذلك لست أقوى عليه ولا أهتدي إليه فقيّض الله ملكًا فانطلق به نحو مكّة وكان آدم إذا مرّ بروضة قال للملك‏:‏ انزل بنا ها هنا فيقول الملك‏:‏ مكانك حتى قدم مكّة فكان كلّ مكان نزله آدم عمرانًا وما عداه مفاوز فبنى البيت من خمسة أجبل‏:‏ من طور سينا وطور زيتون ولبنان والجودي وبنى قواعده من حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات فزراه المناسك التي يفعلها الناس اليوم ثم قدم به مكّة فطاف بالبيت أسبوعًا ثم رجع إلى الهند فمات على نود‏.‏

فعلى هذا القول أهبط حواء وآدم جميعًا وإن آدم بنى البيت وهذا خلاف الذي نذكره إن شاء الله تعالى منه‏:‏ أنّ البيت أنزل من السماء‏.‏

وقيل‏:‏ حج آدم من الهند أربعين حجّة ماشيًا ولما نزل إلى الهند كان على رأسه إكليل من شجر الجنة فلما وصل الى الأرض يبس فتساقط ورقه فنبتت منهن أنواع الطيب بالهند وقيل‏:‏ بل الطيب من الورق الذي خصفه آدم وحواء عليهما‏.‏

وقيل‏:‏ لما أمر بالخروج من الجنة جعل لا يمر بشجرة منها إلاّ أخذ منها غصنًا فهبط وتلك الأغصان معه فكان أصل الطيب بالهند منها وزوّده الله من ثمار الجنّة فثمارنا هذه منها غير أن هذه تتغيّر وتلك لا تتغيّر وعلمه صنعة كلّ شيء ونزل معه من طيب الجنة والحجر الأسود وكان أشدّ بياضًا من الثلج وكان من ياقوت الجنة ونزل معه عصا موسى وهي من آس الجنّة ومن لبان وأنز بعد ذلك العلاة والمطرقة والكلبتان‏.‏وكان حسن الصورة لا يشبهه من ولده غير يوسف وأنزل عليه جبرائيل بصرّة فيها حنطة فقال آدم‏:‏ ما هذا قال‏:‏ هذا الذي أخرجك من الجنة فقال‏:‏ ما أصنع به فقال‏:‏ انثره في الأرض ففعل فأنبته الله من ساعته ثمّ حصده وجمعه وفركه وذرّاه وطحنه وعجنه وخبزه كل ذلك بتعليم جبرائيل وجمع له جبرائيل الحجر والحديد فقدحه فخرجت منه النار وعلّمه جبرائيل صنعة الحديد والحراثة وأنزل إليه ثورًا فكان يحرث عليه قيل هو الشقاء الذي ذكره الله تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 117‏]‏‏.‏

ثم إن الله أنزل آدم من الجبل وملّكه الأرض وجميع ما عليها من الجن والدوابّ والطير وغير ذلك فشكا الى الله تعالى وقال‏:‏ يا رب أما في هذه الأرض من يسبحك غيري فقال الله تعالى‏:‏ سأخرج من صلبك من يسبّحني ويحمدني وسأجعل فيها بيوتًا ترفع لذكري وأجعل فيها بيتًا أختصه بكرامتي وأسمّيه بيتي وأجعله حرمًا آمنًا فمن حرّمه بحُرمتي فقد استوجب كرامتي ومن أخاف أهله فيه فقد خفر ذمّتي وأباح حرمتي أوّل بيت وضع للناس فمن اعتمده لا يريد غيره فقد وفد إليّ وزارني وضافني ويحقّ على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلًا بحاجته تعمره أنت يا آدم ما كنت حيًّا ثمّ تعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمّة بعد أمّة ثمّ أمر آدم أن يأتي البيت الحرام وكان قد أهبط من الجنّة ياقوتة واحدة وقيل‏:‏ درّة واحدة وبقي كذلك حتى أغرق الله قوم نوح عليه السلام فرفع وبقي أساسه فبوّأ الله لإبراهيم عليه السلام فبناه على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وسار آدم إلى البيت ليحجّه ويتوب عنده وكان قد بكى هو وحواء على خطيئتهما وما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يومًا ثم أكلا وشربا بعدها ومكث آدم لم يقرب حوّاء مائة عام فحج البيت وتلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 23‏]‏‏.‏

نود بضم النون وسكون الواو وآخره دال مهملة‏.‏

ذكر إخراج ذريّة آدم من ظهره وأخذ الميثاق

روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال‏:‏ أخذ الله الميثاق على ذرية آدم بنعمان من عرفة فأخرج من ظهره كل ذرية ذرأها إلى أن تقوم الساعة فنثرهم بين يديه كالذّرّ ثم كلمهم قبلًا وقال‏:‏ ‏{‏ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 172‏]‏ - إلى قوله -‏:‏ ‏{‏بما فعل المبطلون‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 172‏:‏ 173‏]‏‏.‏ وقيل عن ابن عباس أيضًا‏:‏ إنه أخذ عليهم الميثاق بدحنا موضع وقال السدي‏:‏ أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبطه الى الأرض من السماء ثم مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج ذرية كهيئة الذّرّ بيضاء مثل اللؤلؤ فقال لهم‏:‏ ادخلوا الجنّة برحمتي ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منها كهيئة الذرّ سوداء فقال‏:‏ ادخلوا النار ولا أبالي فذلك حين يقول‏:‏ أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم أخذ منهم الميثاق فقال‏:‏ ألست بربكم قالوا‏:‏ بلى فأعطوه الميثاق طائفة طائعين وطائفة على وجه التقيّة

ذكر الأحداث التي كانت في عهد آدم في الدنيا


وكان أول ذلك قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل وأهل العلم مختلفون في اسم قابيل فبعضهم يقول‏:‏ قين وبعضهم يقول‏:‏ قائين وبعضهم يقول‏:‏ قاين وبعضهم يقول‏:‏ قابيل‏.‏

واختلفوا أيضًا في سبب قتله فقيل‏:‏ كان سببه أن آدم كان يغشى حوّاء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت له فيها بقابيل بن آدم وتوأمته فلم تجد عليهما وحمًا ولا وصبًا ولم تجد عليهما طلقًا حين ولدتهما ولم تر معهما دمًا لطهر الجنّة فلما أكلا من الشجرة وهبطا إلى الأرض فاطمأنا بها تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته فودجت عليهما الوحم والوصب والطلق حين ولدتهما ورأت معهما الدم وكانت حواء فيما يذكرون لا تحمل إلا توأمًا ذكرًا وأنثى فولدت حواء لآدم أربعين ولدًا لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطنًا وكان الولد منهم أي أخواته شاء تزوج إلا توأمته التي تولد معه فإنها لا تحل له وذلك أنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم وأمهم حوّاء فأمر آدم ابنه قابيل أن ينكح توأمة هابيل وأمر هابيل أن ينكح توأمة أخيه قابيل‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان آدم غائبًا وكان لما أراد السير قال للسماء‏:‏ احفظي ولدي بالأمانة فأبت وقال للأرض فأبت وللجبال فأبت وقال لقابيل فقال‏:‏ نعم تذهب وترجع وستجد كما يسرك فانطلق ادم فكان ما نذكره وفيه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 73‏]‏‏.‏ فلما قال آدم لقابيل وهابيل في معنى نكاح أختيهما ما قال لهما سلم هابيل لذلك ورضي به وأبى ذلك قابيل وكرهه تكرّهًا عن أخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل وقال‏:‏ نحن من ولادة الجنّة وهما من ولادة الأرض فأنا أحقّ بأختي‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ إن أخت قابيل كانت من أحسن الناس فضنّ بها على أخيه وأرادها لنفسه وإنهما لم يكونا من ولادة الجنّة إنما كانا من ولادة الأرض والله أعلم فقال له أبوه آدم‏:‏ يا بنيّ إنها لا تحلّ لك فأبى أن يقبل ذلك من أبيه فقال له أبوه‏:‏ يا بني فقرّب قربانًا ويقرب أخوك هابيل قربانًا فأيّكما قبل الله قربانه فهو أحقّ بها وكان قابيل على بذر الأرض وهابيل على رعاية الماشية فقرّب قابيل قمحًا وقرب هابيل أبكارًا من أبكار غنمه وقيل‏:‏ قرب بقرةً فأرسل الله نارًا بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل وبذلك كان يُقبل القربان إذا قبله الله فلمّا قبل الله قربان هابيل وتركت قربان قابيل وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله الله فلمّا قبل الله قربان هابيل وكان في ذلك القضاء له بأخت قابيل غضب قابيل وغلب عليه الكبر واستحوذ عليه الشيطان وقال‏:‏ لأقتلنّك حتى لا تنكح أختي قال هابيل‏:‏ ‏{‏إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 27‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ فطوعت له نفسه قتل أخيه‏[‏المائدة‏:‏ 27 ‏:‏31‏]‏‏.‏ فاتبعه وهو في ماشيته فقتله فهما اللذان قص الله خبرهما في القرآن فقال‏:‏ ‏{‏واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانًا قتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 27‏]‏‏.‏ إلى آخر القصة‏.‏

قال‏:‏ فلمّآ قتله سقط في يده ولم يدر كيف يواريه وذلك أنّه كان فيما يزعمون أوّل قتيل من بني آدم ‏{‏فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 31‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لمسرفون‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 32‏]‏‏.‏ فلمّا قتل أخاه قال الله تعالى‏:‏ يا قابيل أين أخوك هابيل قال‏:‏ لا أدري ما كنت عليه رقيبًا فقال الله تعالى‏:‏ إن صوت دم أخيك يناديني من الأرض الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فبلعت دم أخيك فإذا أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعًا تائهًا في الأرض فقال قابيل‏:‏ عظمت خطيئتي إن لم تغفرها‏.‏

قيل‏:‏ كان قتله عند عقبة حراء ثم نزل من الجبل آخذًا بيد أخته فهرب بها إلى عدن من اليمن‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ لما قتل أخاه أخذ بيد أخته ثم هبط بها من جبل نود إلى الحضيض فقال له آدم‏:‏ اذهب فلا تزال مرعوبًا لا تأمن من تراه فكان لا يمرّ به أحد من ولده إلاّ رماه فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له فقال للأعمى ابنه‏:‏ هذا أبوك قابيل فارمه فرمى الأعمى أباه قابيل فقتله فقال ابن الأعمى لأبيه‏:‏ قتلت أباك فرفع الأعمى يده فلطم ابنه فمات فقال‏:‏ يا ويلتي قتلت أبي برميتي وابني بلطمتي‏.‏

ولما قتل هابيل كان عمره عشرين سنة وكان لقابيل يوم قتله خمس وعشرون سنة‏.‏

وقال الحسن‏:‏ كان الرجلان اللذان ذكرهما الله تعالى في القرآن بقوله‏:‏ ‏{‏واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 27‏]‏‏.‏ من بني إسرائيل ولم يكونا من بني آدم لصلبه وكان آدم أوّل من مات‏.‏

وقال أبو جعفر‏:‏ الصحيح عندنا أنهما ابنا آدم لصلبه للحديث الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ منها وذلك لأنه أوّل من سنّ القتل‏)‏ فبان بهذا أنهما لصلب آدم فإن القتل مازال بين بني آدم قبل بني إسرائيل وفي هذا الحديث أنه أول من سنّ القتل ومن الدليل على أنه مات من ذريّة آدم قبله ما ورد في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 189‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏جعلا له شركاء فيما آتاهما‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 189‏]‏‏.‏

عن ابن عبّاس وابن جبير والسّدّيّ وغيرهم قالوا‏:‏ كانت حواء تلد لآدم فتعبّدهم أي تسميهم عبد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال‏:‏ لو سميتما بغير هذه الأسماء لعاش ولدكما فولدت ولدًا فسمته عبد الحارث وهو اسم إبليس فنزلت‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم من نفس واحدة‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 189‏]‏‏.‏ الآيات وقد روى هذا المعنى مرفوعًا‏.‏

قلت‏:‏ إنما كان الله تعالى يميت أولادهم أولًا وأحيا هذا المسمى بعبد الحارث امتحانًا واختبارًا وإن كان الله تعالى يعلم الأشياء بغير امتحان لكن علمًا لا يتعلّق به الثواب والعقاب‏.‏

ومن الدليل على أن القاتل والمقتول ابنا آدم لصلبه ما رواه العلماء عن علي بن أبي طالب أنّ آدم قال لما قتل هابيل‏.‏

تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبرّ قبيح في أبيات غيرها‏.‏

وقد زعم أكثر علماء الفرس أن جيومرث هو آدم وزعم بعضهم أنه ابن آدم لصلبه من حواء وقالوا فيه أقوالًا كثيرة يطول بذكرها الكتاب إذ كان قصدنا ذكر الملوك وأيامهم ولم يكن ذكر الاختلاف في نسب ملك من جنس ما أنشأنا له الكتاب فإن ذكرنا من ذلك شيئًا فلتعريف من ذكرنا ليعرفه من لم يكن عارفًا به وقد خالف علماء الفرس فيما قالوا من ذلك آخرون من غيرهم ممن زعم أنّه آدم ووافق علماء الفرس على اسمه وخالفهم في عينه وصفته فزعم أن جيومرث الذي زعمت الفرس أنه آدم إنما هو حام بن يافث بن نوح وأنه كان معمّرًا سيّدًا نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان من أرض المشرق وتملك بها وبفارس وعظم أمره وأمر ولده حتى ملكوا بابل وملكوا في بعض الأوقات الأقاليم كلها وابتنى جيومرث المدن والحصون وأعدّ السّلاح وأتخذ الخيل وتجبّر في آخر أمره وتسمى بآدم وقال‏:‏ من سمّاني بغيره قتلته وتزوج ثلاثين امرأة فكثر منهنّ نسله وان ماري ابنه وماريانة أخته ممن كانا ولدًا في آخر عمره فأعجب بهما وقدّمهما فصار الملوك من نسلهما‏.‏

قال أبو جعفر‏:‏ وإنما ذكرت من أمر جيومرث في هذا الموضع ما ذكرتُ لأنّه لا تدافع بين علماء الأمم أنّه أبو الفرس من العجم وإنما اختلفوا فيه هل هو آدم أبو البشر أم غيره على ما ذكرنا ومع ذلك فلأنّ ملكه وملك أولاده لم يزل منتظمًا على سياق متّصل بأرض المشرق وجبالها إلى أن قتل يزدجرد بن شهريار بمرور أيّام عثمان بن عفان والتاريخ على أسماء ملوكهم أسهل بيانًا وأقرب إلى التحقيق منه على أعمار ملوك غيرهم من الأمم إذ لا يُعلم أمّة من الأمم الذين ينتسبون إلى آدم دامت لهم المملكة واتصل الملك لملوكهم يأخذه آخرهم عن أولهم وغابرهم عن سالفهم سواهم‏.‏

وأنا ذاكر ما انتهى إلينا من القول في عمر آدم وأعمار من بعده من ولده من الملوك والأنبياء وجيومرث أبي الفرس فأذكر ما اختلفوا فيه من أمرهم الى الحال التي اجتمعوا عليها واتفقوا على ملك منهم في زمان بعينه أنه هو امللك في ذلك الزمان إن شاء الله‏.‏

وكان آدم مع ما أعطاه الله تعالى من ملك الأرض نبيًّا رسولًا إلى ولده وأنزل الله عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها آدم بيده علمّه إيّاها جبرائيل‏.‏

روى أبو ذرّ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله كم الرسل من ذلك قال‏:‏ ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا يعني كثيرًا طيّبًا قال‏:‏ قلت‏:‏ من أولهم قال‏:‏ آدم قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله وهو نبي مرسل قال‏:‏ نعم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبلًا وكان ممن أنزل عليه تحريم الميتة والدم ‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏

ذكر ولادة شيث

ومن الأحداث في أيامه ولادة شيث وكانت ولادته بعد مضيّ مائة وعشرين سنة لآدم وبعد قتل هابيل بخمس سنين وقيل‏:‏ ولد فردًا بغير توأم وتفسير شيث هبة الله ومعناه أنه خلف من هابيل وهو وصيّ آدم وقال ابن عباس‏:‏ كان معه توأم ولما حضرت آدم الوفاة عهد الى شيث وعلّمه ساعات الليل والنهار وعبادة الخلوة في كل ساعة منها وأعلمه بالطوفان وصارت الرياسة بعد آدم إليه وأنزل الله عليه خمسين صحيفة وإليه أنساب بني آدم كلّهم اليوم‏.‏

وأما الفرس الذين قالوا إن جيومرث هو آدم فإنهم قالوا‏:‏ ولد لجيومرث ابنته ميشان أخت ميشى وتزوج ميشى أخته ميشان فولدت له سيامك وسيامي وفولد لسيامك بن جيومرث افروال ودقس وبواسب واجرب واوراش وأمهم جيمعًا سيامي ابنه ميشي وهي أخت أبيهم وذكروا أن الأرض كلها سبعة أقاليم فأرض باب وما يوصل إليه مما يأتيه الناس برًا وبحرًا فهو من إقليم واحد وسكانُه ولد افروال بن سيامك وأعقابهم فولد لافروال ابن سيامك من افرى ابنة سيامك أو شهنج بيشداد الملك وهو الذي خلف جدّه جيومرث في الملك وهو أول من جميع ملك الأقاليم السبعة وسنذكر أخباره‏.‏وكان بعضهم يزعم أن اوشهنج هذا هو ابن آدم لصلبه من حواء‏.‏

وأما ابن الكلبي فإنه زعم أن أول من ملك الأرض أو شهنق بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح قال‏:‏ والفرس تزعم أنه كان بعد آدم بمائتي سنة وإنما كان بعد نوح بمائتي سنة ولم تعرف الفرس ما كان قبل نوح‏.‏

والذي ذكره هشام بن الكلبيّ لا وجه له لاأن أوشهنج مشهور عند الفرس وكل قوم أعلم بأنسابهم وأيامهم من غيرهم قال‏:‏ وقد زعم بعض نسّابة الفرس أن أوشهنج هذا هو مهلائيل وأنّ أباه أفروال هو قينان وأنّ سيامك هو أنوش أبو قينان وأن ميشي هو شيث أبو أنوش وأنّ جيومرث هو آدم فإن كان الأمر كما زعم فلا شكّ أن أوشهنج كان في زمن آدم رجلًا وذلك لأنّ مهلائيل فيما ذكر في الكتب الأولى كانت ولادة أمّه دينة ابنة براكيل بن محويل بن حنوخ بن قين بن آدم وأتاه بعدما مضى من عمر آدم ثلاثمائة سنة وخمس وتسعون سنة وقد كان له حين وفاة أبيه آدم ستمائة سنة وخمس وستون سنة على حساب أن عمر آدم كان ألف سنة وقد زعمت الفرس أن ملك أوشهنج كان أربعين سنة فإن كان الأمر على ما ذكره النسّابة الذي ذكرت عنه ما ذكرت فيما يبعد من قال‏:‏ إن ملكه كان بعد وفاة آدم بمائتي سنة‏.‏

ذكر وفاة آدم عليه السلام

ذكر أن آدم مرض أحد عشر يومًا وأوصي إلى ابنه شيث وأمره أن يخفي علمه عن قابيل وولده لأنه قتل هابيل حسدًا منه له حين خصّه آدم بالعلم فأخفى شيث وولده ما عندهم من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به‏.‏

وقد روى أبو هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ قال الله تعالى لآدم حين خلقه‏:‏ إئتِ أولئك النفر من الملائكة قل السلام عليكم فأتاهم فسلّم عليهم وقالوا له‏:‏ عليك السلام ورحمة الله ثم رجع الى ربّه فقال له‏:‏ هذه تحيّتك وتحية ذريتك بينهم ثم قبض له يديه فقال له‏:‏ خذ واختر فقال‏:‏ أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين ففتحها له فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة وإذا قوم عليهم النور فقال‏:‏ يا رب من هؤلاء الذين عليهم النور فقال‏:‏ هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الى عبادي وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نورًا ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة فقال آدم‏:‏ يا ربّ هذا من أضوئهم نورًا ولم تكتب له إلا أربعين سنة بعد أن أعلمه أنه داود عليه السلام فقال‏:‏ ذلك ما كتبت له فقال‏:‏ يا ربّ انقص له من عمري ستين سنة فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أهبط الى الأرض كان يعدّ أيّامه فلما أتاه ملك الموت لقبضه قال له آدم‏:‏ عجلت يا ملك الموت قد بقي من عمري ستون سنة فقال له ملك الموت‏:‏ ما بقي شيء سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود فقال‏:‏ ما فعلت فقال النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ فنسي آدم فنسيت ذرّيته وجحد فجحدت ذرّيّته فحينئذٍ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود‏.‏

وروي عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت آية الدين قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ إنّ أول من جحد آدم ثلاث مرار وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على آدم فرأى منهم رجلًا يزهر قال‏:‏ أي ربّ أيّ بنيّ هذا قال‏:‏ ابنك داود قال‏:‏ كم عمره قال‏:‏ ستون سنة قال‏:‏ زده من العمر قال الله تعالى‏:‏ لا إلا أن تزيده أنت وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له أربعين سنة فكتب عليه بذلك كتابًا وأشهد عليه الملائكة فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه فقال‏:‏ قد بقي من عمري أربعون سنة قالوا‏:‏ إنك قد وهبتها لابنك داود قال‏:‏ ما فعلتُ ولا وهبتُ له شيئًا فأنزل الله عليه الكتاب وأقام الملائكة شهودًا فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة‏.‏

وروي مثل هذا عن جماعة منهم سعيد بن جبير وقال ابن عباس‏:‏ كان عمر آدم تسعمائة سنة وستًّا وثلاثين سنة وأهل التوراة يزعمون أن عمر آدم تسعمائة سنة وثلاثون سنة والأخبار عن رسول الله والعلماء ما ذكرنا ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم الخلق‏.‏وعلى رواية أبي هريرة التي فيها أنّ آدم وهب داود من عمره ستين سنة لم يكن كثير اختلاف بين الحديثين وما في التوراة سوى ما وهبه لداود‏.‏

قال ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال‏:‏ بلغني أن آدم حين مات بعث الله بكفنه وحنوطه من الجنّة ثمّ وليت الملائكة قبره ودفنه حتى غيّبوه‏.‏

وروى أبي بن كعب عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أن آدم حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه وكفنه من الجنّة فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم فقال‏:‏ خلّي عني وعن رسل ربي فما لقيت ما لقيت إلا منك ولا أصابني ما أصابني إلا فيك فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وترًا وكفنوه في وتر من الثياب ثم لحدوا له ودفنوه ثم قالوا‏:‏ هذه سنّة ولد آدم من بعده‏)‏‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ لما مات آدم قال شيث لجبرائيل‏:‏ صلّ عليه فقال‏:‏ تقدّمْ أنت فصلّ على أبيك فكبّر عليه ثلاثين تكبيرة فأمّا خمس فهي الصلاة وأما خمس وعشرون فتفضيلًا لآدم‏.‏

وقيل‏:‏ دفن في غار في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز وقال ابن عباس‏:‏ لما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس‏.‏

وكانت وفاته يوم الجمعة كما تقدّم وذكر أن حوّاء عشات بعده سنة ثمّ ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان واستخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة فلما غاضت الأرض الماء ردّهما إلى مكانهما الذي انا فيه قبل الطوفان قال‏:‏ وكانت حواء فيما ذكر قد غزلت ونسجت وعجنت وخبزت وعملت أعمال النساء كلها‏.‏

وإذ قد فرغنا من ذكر آدم وعدوّه إبليس وذكر أخبارهما وما صنع الله بعدوّه إبليس حين تجبّر وتكبر من تعجيل العقوبة وطغى وبغى من الطرد والإبعاد والنظرة الى يوم الدين وما صنع بآدمٍ إذ أخطأ ونسي من تعجيل العقوبة له ثم تغمّده إيّاه بالرحمة إذ تاب من زلّته فأرجع إلى ذكر قابيل وشيث ابني آدم وأولادهما إن شاء الله‏.‏