المجلد الأول - قصة شعيب عليه السلام

قيل‏:‏ إن اسم شعيب يثرون بن ضيعون بن عنقا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم وقيل‏:‏ هو شعيب بن ميكيل من ولد مدين وقيل‏:‏ لم يكن شعيب من ولد إبراهيم وإنما هو من ولد بعض من آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى الشام ولكنه ابن بنت لوط فجدّة شعيب ابنة لوط وكان ضرير البصر وهو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإنا لنراك فينا ضعيفًا‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 91‏]‏‏.‏ أي ضرير وكان النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ذكره قال‏:‏ ذاك خطيب الأنبياء بحسن مراجعته قومه وإن الله أرسله إلى أهل مدين وهم أصحاب الأيكة والأيكة‏:‏ شجر ملتفّ وكانوا أهل كفر بالله وبخس للناس في المكاييل والموازين وإفساد أموالهم وكان الله وسع عليهم في الرزق وبسط لهم في العيش استدراجًا لهم منه مع كفرهم بالله فقال لهم شعيب‏:‏ ‏{‏يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 84‏]‏‏.‏

فلما طال تماديهم في غيّهم وضلالهم ولم يزدهم تذكير شعب إيّاهم وتحذيره عذاب الله إياهم إلا تماديًا ولما أراد إهلاكهم سلّط عليهم عذاب يوم الظّلّة وهو ما ذكره ابن عباس في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأخذهم عذاب يوم الظلّة إنه كان عذاب يوم عظيم‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 189‏]‏‏.‏ فقال‏:‏ بعث الله عليهم وقدة وحرًّا شديدًا فأخذ بأنفسهم فخرجوا من البيوت هرابًا إلى البرية فبعث الله عليهم سحابة فأظلّتهم من الشمس فوجدوا لها بردًا ولذّة فنادى بعضهم بعضًا حتى اجتمعوا تحتها فأرسل الله عليهم نارًا قال عبد الله بن عبّاس‏:‏ فذلك عذاب يوم الظلّة‏.‏

وقال قتادة‏:‏ بعث الله شعيبًا الي أمّتين‏:‏ إلى قومه أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة وكانت الأيكة من شجر ملتف فلما أراد الله أن يعذبهم بعث عليهم حرًّا شديدًا ورفع لهم العذاب كأنه سحابة فلما دنت منهم خرجوا إليها رجاء بردها فلمّا كانوا تحتها أمطرت عليهم نارًا قال‏:‏ فذلك قوله‏:‏ ‏{‏فأخذهم عذاب يوم الظلّة‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 189‏]‏‏.‏

وأما أهل مدين فمنهم من ولد مدين بن إبراهيم الخليل فعذّبهم الله بالرجفة وهي الزلزلة فأهلكوا‏.‏

قال بعض العلماء‏:‏ كان قوم شعيب عطلوا حدًّا فوسع الله عليهم في الرزق ثم عطلوا حدًّا فوسع الله عليهم في الرزق فجعلوا كلّما عطلوا حدًّا وسع الله عليهم في الرزق حتى إذا أراد هلاكهم سلّط عليهم حرًّا لا يستطيعون أن يتقارّوا ولا ينفعهم ظلّ ولا ماد حتي ذهب ذاهب منهم فاستظل تحت ظلّة فودج روحًا فنادى أصحابه‏:‏ هلمّوا إلى الروح فذهبوا اليه سراعًا حتى إذا اجتمعوا إليها ألهبها الله عليهم نارًا فذلك عذاب يوم الظلّة‏.‏

وقد روى عامر عن ابن عباس أنه قال له‏:‏ من حدثك ما عذاب يوم الظلّة فكذّبه وقال مجاهد‏:‏ عذاب يوم الظلّة هو إظلال العذاب على قوم شعيب وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 7‏]‏‏.‏ قال‏:‏ مما كان ينهاهم عنه قطع الدراهم‏.‏ قال أهل الكتاب‏:‏ إن موسى صاحب الخضر هو موسى بن منشى بن يوسف بن يعقوب والحديث الصحيح عن النبيّ ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ أن موسى صاحب الخضر هو موسى بن عمران على ما نذكره وكان الخضر ممّن كان في أيام أفريدون الملك ابن اثغيان في قول علماء أهل الكتاب الأول قبل موسى بن عمران وقيل‏:‏ إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكب الذي كان في أيام إبراهيم الخليل وإنه بلغ مع ذي القرنين نهر الحياة فرشب من مائه ولا يعلم ذو القرنين ومن معه فخلّد وهو حيّ عندهم إلى الآن وزعم بعضهم‏:‏ أنّه كان من ولد من آمن مع إبراهيم وهاجر معه واسمه يليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وكان أبوه ملكًا عظيمًا وقال آخرون‏:‏ ذو القرنين الذي كان على عهد إبراهيم أفريدون بن اثغيان وعلى مقدمته كان الخضر‏.‏

قال عبد الله بن شوذب‏:‏ الخضر من ولد فارس والياس من بني إسرائيل يلتقيان كلّ عام بالموسم وقال ابن اسحاق‏:‏ استخلف الله على بني إسرائيل رجلًا منهم يقال له ناشية بن أموص فبعث الله لهم الخضر معه نبيًّا قال‏:‏ واسم الخضر فيما يقول بنو إسرائيل إرميا بن حلقيا وكان من سبط هارون بن عمران وبين هذا الملك وبين أفرويدون أكثر من ألف عام‏.‏

وقول من قال إن الخضر كان في أيّام أفريدون وذي القرنين الأكبر قبل موسى بن عمران أشبه للحديث الصحيح أنّ موسى بن عمران أمره الله بطلب الخضر ورسول الله ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ كان أعلم الخلق بالكائن من الأمور فيحتمل أني كون الخضر على مقدمة ذي القرنين قبل موسى وأنه شرب من ماء الحياة فطال عمره ولم يرسل في أيّام إبراهيم وبعث في أيام ناشية بن أموص وكان ناشية هذا في أيّام بشتاسب بن لهراسب والحديث ما رواه أبيّ بن كعب عن النبي ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ‏.‏

قال سعيد بن جبير‏:‏ قلت لابن عباس‏:‏ إنّ نوفا يزعم أنّ الخضر ليس بصاحب موسى بن عمران قال‏:‏ كذب عدوّ الله حذّثني أبيّ بن كعب عن النبيّ ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ قال‏:‏ إن موسى قام في بني إسرائيل خطيبًا فقيل له‏:‏ أيّ الناس أعلم فقال‏:‏ أنا فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إليه فقال‏:‏ يا ربّ هل هناك أعلم مني قال‏:‏ بلى عبد لي بمجمع البحرين قال‏:‏ يا رب كيف لي به قال‏:‏ تأخذ حوتًا فتجعله في مكتل فحيث تفقده فهو هناك فأخذ حوتًا فجعله في مكتل ثمّ قال لفتاه‏:‏ إذا فقدت هذا الحوت فأخبرني فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا الصخرة وذلك الماء وهو ماء الحياة فمن شرب منه خلد ولا يقاربه شيد ميت إلاّ حيي فمسّ الحوت منه فحيي وكان موسى راقدًا واضطرب الحوت في المكتل فخرج في البحر فأمسك الله عنه جرية الماء فصار مثل الطاق فصار للحوت سربًا وكان لهما عجبًا ثم انطلقا فلما كان حين الغداء قال موسى لفتاه‏:‏ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا قال‏:‏ ولم يجد موسى النصب حتى تجاوز حيث أمره الله فقال‏:‏ ‏{‏أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبًا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 63‏:‏ 64‏]‏‏.‏ قال‏:‏ يقصّان آثارهما حتى أتيا الصخرة فإذا رجل نائم مسجّى بثوبه فسلّم موسى عليه فقال‏:‏ وأنَّى بأرضنا السلام قال‏:‏ أنا موسى قال‏:‏ موسى بني إسرائيل قال‏:‏ نعم قال‏:‏ يا موسى إني على علم من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله لا أعلمه قال‏:‏ فإني أتبعك علي أن تعلّمني مما علّمت رشدًا ‏{‏قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتى أحدث لك منه ذكرًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 70‏]‏‏.‏ فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ثمّ ركبا سفينة فجاء عصفور فقعد على حرف السفينة فنقر في الماء فقال الخضر لموسى‏:‏ ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مقدار ما نقر هذا العصفور من البحر‏.‏

قال‏:‏ فبينا هم في السفينة لم يفجأ موسي إلا وهو يوتد وتدًا أو ينزع تختًا منها فقال له موسى‏:‏ حملنا بغير نول فتخرقها ‏{‏لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 71‏:‏ 73‏]‏‏.‏ قال‏:‏ وكانت الأولى من موسى نسيانًا قال‏:‏ فخرجا فانطلقا يمشيان فأبصرا غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ برأسه فقتله فقال له موسى‏:‏ ‏{‏أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 74‏:‏ 77‏]‏‏.‏ فلم يجدا أحدًا يطعمهما ولا يسقيهما ‏{‏فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض فأقامه‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 77‏]‏‏.‏ فقال له موسى‏:‏ لم يضيّفونا ولم ينزلونا ‏{‏لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 77‏:‏ 79‏]‏‏.‏ وفي قراءة أبيّ‏:‏ سفينة صالحة - ‏{‏وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه زكاة وأقرب رحمًا وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 80: 82‏]‏‏.‏- إلى - ‏{‏ما لم تسطع عليه صبرًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 80 - 82‏]‏‏.‏

فكان ابن عبّاس يقول‏:‏ ما كان الكنز إلا علمًا قيل لابن عبّاس‏:‏ لم نسمع لفتى موسى بذكر فقال‏:‏ شرب الفتى من الماء فخلّد فأخذه العالم فطابق به سفينته ثمّ أرسلها في البحر فإنها الحديث يدلّ على أن الخضر كان قبل موسى وفي أيّامه ويدلّ على خطأ من قال إنه إرميا لأنّ إرميا كان أيّام بخت نصّر وبين أيام موسى وبخت نصّر من المدة ما لا يشكل على عالم بأيام الناس فإن موسى إنما نُبّئ في أيام منوجهر وكان ملكه بعد جدّه أفريدون‏.‏

ذكر الخبر عن منوجهر والحوادث في أيامه ثمّ ملك بعد أفريدون بن اثغيان بن كاو منوجهر وهو من ولد إيرج بن أفريدون وكان مولده بدُنباوند وقيل الريّ فلما ولد منوجهر أخفى أمره خوفًا من طوج وسلم عليه ولما كبر منوجهر سار إلى جدّه أفريدون فتوسّم فيه الخير وجعل له ما كان جعله لجدّه إريج من المملكة وتوجه بتاجه‏.‏

وقد زعم بعضهم أنّ منوجهر بن شجر بن افريقش بن اسحاق بن إبراهيم انتقل إليه الملك واستشهد بقول جرير بن عطية‏:‏ وأبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا حمائل موتٍ لابسين السنورا إذا انتسبوا عدّوا الصّبهبذ منهم وكسرى وعدّوا الهرمزان وقيصرا وكان كتاب فيهم ونبوّة وكانوا باصطخر الملوك وتسترا فيجمعنا والغرّ أبناء فارس أب لا نبالي بعده من تأخرا وأما الفرس فتنكر هذا النسب ولا تعرف لها ملكًا إلا في أولاد أفريدون ولا تقرّ بالملك لغيرهم‏.‏

قلت‏:‏ والحقّ ما قاله الفرس فإن أسماء ملوكهم قبل الإسكندر معروفة وبعد أيامه ملوك الطوائف وإذا كان منوجهر أيّام موسى وكل ما بين موسى واسحاق خمسة آباء معروفون ولم يزالوا بمصر ففي أيّ زمان كثروا وانتشروا وملكوا بلاد الفرس ومن أين لجرير هذا العلم حتى يكون قوله حجّة لا سيّما وقد جعل الجميع أبناء إسحاق قال هشام بن الكلبي‏:‏ ملك طوج وسلم الأرض بعد أخيهما إيرج ثلاثمائة سنة ثمّ ملك منوجهر مائة وعشرين سنة ثمّ وثب به ابن لطوج التركيّ على رأس ثمانين سنة فنفاه عن بلاد العراق اثنتي عشرة سنة ثمّ أديل منه منوجهر فنفاه عن بلاده وعاد إلى ملكه وملك بعد ذلك ثمانيًا وعشرين سنة‏.‏

وكان منوجهر يوصف بالعدل والإحسان وهو أول من خندق الخنادق وجمع آلة الحرب وأول من وضع الدهقنة فجعل لكلّ قرية دهقانًا وأمر أهلها بطاعته ويقال‏:‏ إنّ موسى ظهر في سنة ستين من ملكه‏.‏

وقال غير هشام إنه لما ملك سار نحو بلاد الترك طالبًا بدم جدّه إيرج بن أفريدون فقتل طوج بن أفريدون وأخاه سلمًا ثم إنّ افراسياب بن فشنج بن رستم بن ترك الذي ينسب إليه الأتراك من ولد طوج بن أفريدون حرب منوجهر بعد قتله طوج بستين سنة وحاصره بطبرستان ثمّ اصطلحا أن يجعلا حدّ ما بين ملكيهما منتى رمية سهم رجل من أصحاب منوجهر اسمه إيرشى وكان رايمًا شديد النزع فرمى سهمًا من طبرستان فوقع بنهر بلخ وصار النهر حدّ ما بين الترك ولد طوج وعمل منوجهر‏.‏

قلت‏:‏ وهذا من أعجب ما يتداوله الفرس في أكاذيبهم أن رمية سهم تبلغ هذا كله‏.‏

وقد ذكر أن منوجهر اشتق من الفرات ودجلة ونهر بلخ أنهارًا عظامًا وأمر بعمارة الأرض وقيل‏:‏ إن الترك تناولت من أطراف رعيته بعد خمس وثلاثين سنة من ملكه فوبّخ قومه وقال لهم‏:‏ أيها الناس إنكم لم تلدوا الناس كلهم وإنما الناس ناس ما عقلوا من أنفسهم ودفعوا العدوّ عنهم وقد نالت الترك من أطرافكم وليس ذلك إلا بترككم جهاد عدوّكم وإن الله أعطانا هذا الملك ليبلونا أنشكر أم نكفر فيعاقبنا فإذا كان غد فاحضروا‏.‏

فحضر الناس والأشراف فقام على قدميه فقام له الناس فقال‏:‏ اقعدوا إنما قمت لأسمعكم فجلسوا فقال‏:‏ أيها الناس إنما الخلق للخالق والشكر للمنعم والتسليم للقادر ولا بدّ مما هو كائن وإنه لا أضعف من مخلوق طالبًا كان أو مطلوبًا ولا أقوى من خالق ولا أقدر ممن طلبته في يده ولا أعجز ممن هو في يد طالبه وإن التفكّر نور والغفلة ظلمة فالضلالة جهالة وقد ورد الأوّل ولا بدّ للآخر من اللحاق بالزوّل إن الله أعطانا هذا الملك فله الحمد ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين وإنه لا بدّ أن يكون للملك على أهل مملكته حقّ ولأهل مملكته عليه حقّ فحقّ الملك عليهم أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوّه وحقّهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في زوقاتها إذ لا معوّل لهم إلا عليها وإنه خازنهم وحق الرعية علي الملك أن ينظر إليهم ويرفق بهم ولا يحملهم على ما لا يطيقون وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم أن يسقط عنهم خراج ما نقص وإن اجتاحتهم مصيبة أن يعوضهم ما يقوّيهم على عمارتهم ثمّ يأخذ منهم بعد ذلك قدر ما لا يجحف بهم في سنة أو سنتين ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث خصال‏:‏ أن ذلك قدر ما لا يجحف بهم في سنة أو سنتين ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث خصال‏:‏ أن يكون صدوقًا لا يكذب وأن يكون سخيًّا لا يبخل وأن يملك نفسه عند الغضب فإنه مسلط ويده مبسوطة والخراج يأتيه فلا يستأثر عن جنده ورعيّته بما هم أهل له وأن يكثر العفو فإنه لا ملك أقوى ولا أبقى من ملك فيه العفو فإن الملك إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة‏.‏

ألا وإنّ الترك قد طمعت فيكم فاكفونا فإنّما تكفون أنفسكم وقد أمرت لكم بالسلاح والعدّة وأنا شريككم في الرأي وإنّما لي من هذا الملك اسمه مع الطاعة منكم ألا وإنما الملك ملك إذا أطيع فإن خولف فهو مملوك وليس بملك ألا وإن أكمل الأداة عند المصيبات الزخذ بالصبر والراحة إلي اليقين فمن قُتل في مجاهدة العدوّ ورجوت له بفوز رضوان الله وإنما هذه الدنيا سفر لأهلها لا يحلّون عقد الرحال إلاّ في غيرها وهي خطبة طويلة‏.‏

ثم أمر بالطعام فزكلوا وشربوا وخرجوا وهم له شاكرون مطيعون‏.‏

وكان ملكه مائة وعشرين سنة‏.‏

وزعم ابن الكلبيّ أنّ الرايش واسمه الحرث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يعرب بن قحطان وكان قد ملك اليمن بعد يعرب بن قحطان كان ملكه باليمن أيّام ملك منوجهر وإنما سمّي الرايش لغنيمة غنمها فأدخلها اليمن فسمّي الرايش ثمّ غزا الهند فتل بها وأسر وغنم ورجع إلى اليمن ثمّ سار على جبلي طيّء ثمّ على الأنبار ثم على الموصل ووجه منها خيله وعليها رجل من أصحابه يقال له شمر بن العطّاف فدخل على الترك بزرض أذربيجان فقتل المقاتلة وسبهى الذرّية وكتب ما كان من مسيره على حجرين وهما معروفان بأذربيجان‏.‏

ثمّ ملك بعده ابنه أبرهة ولقبه ذو المنار وإنما لقّب بذلك لأنه غزا بلاد المغرب وأوغل فيها برًّا وبحرًا وخاف على جيشه الضلال عند قفوله فبنى المنار ليهتدوا بها وقد زعم أهل اليمن أنه وجه ابنه العبد بن أبرهة في غزواته إلى ناحية من أقاصي المغرب فغنم وقدم بسبي له وحشة وإنما ذكرت من ذكرت من ملوك اليمن ها هنا لقول من زعم أن الرايش كان أيام منوجهر وأن ملوك اليمن كانوا عمالًا لملوك فارس‏.‏ ‏