المجلد الأول - ذكر الفواطم والعواتك

وإما الفواطم اللائي ولدن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمس‏:‏ قرشية وقيسيتان ويمانيتان‏.‏

أما القرشية فأم أبيه عبد الله بن عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران ابن مخزوم المخزومية‏.‏وأما القيسيتان فأم عمرو بن عايذ بن فاطمة ابنة عبد الله بن رزاح بن ربيعة ابن جحوش بن معاوية بن بكر بن هوازن وأمها فاطمة بنت الحارث بن بهثة بن ليم بن منصور‏.‏

وأما اليمانيتان فأم قصي بن كلاب فاطمة بنت سعد بن سيل بن أزد شنوءة وأم حبى بنت حليل بن حبشية بن كعب بن سلول وهي أم قصي فاطمة بنت نصر بن عوف بن عمرو بن ربيعة بن حارثة الخزاعية‏.‏

وأما العواتك فاثنتا عشرة‏:‏ اثنتان من قريش وواحدة من بني يخلد ابن النضر وثلاث من سليم وعدويتان وهذلية وقضاعية وأسدية‏.‏

فأما القرشيتان فأم أمه آمنة بنت وهب برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وأم برة أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى وأم أسد ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم وأمه أميمة بنت عامر الخزاعية وأمها عاتكة بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهم وأم هلال هند بنت هلال ابن عامر بن صعصعة وأم أهيب بن ضبة عاتكة بنت غالب بن فهر وأمها عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة‏.‏وأما السلميات فأم هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج ابن ذكوان بن بهثة بن سليم بن منصور وأم عبد مناف عاتكة بنت هلال بن فالج والثالثة أم جده لأمه وهب وهي عاتكة بنت الأوقص بن مرة ابن هلال‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ذكر بعض العلماء عواتك سليم وجعل أم عبد مناف عاتكة بنت مرة وليس بشيء فإن أم عبد مناف حبى بنت حليل الخزاعية وقال غيره‏:‏ أم هاشم عاتكة بنت مرة وأم مرة بن هلال عاتكة بنت جابر ابن قنفذ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم وأم هلال بن فالج عاتكة بنت عصية بن خفاف بن امرئ القيس‏.‏

وأما العدويتان فمن جهة أبيه عبد الله فإن أم عبد الله فاطمة بنت عمرو وأم فاطمة تخمر بنت عبد قصي وأمها هند بنت عبد الله بن الحارث بن وائلة بن الظرب وأمها زينب بنت مالك بن ناصرة بن كعب الفهمية‏.‏

وأما عاتكة بنت عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن بكر بن الحارث وهو عدوان بن عمرو بن قيس عيلان وأم مالك بن النضر عاتكة فهي عكرشة وهي الحصان بنت عدوان‏.‏

وأما الأزدية فأم النضر بن كنانة بنت مرة بن أد أخت تميم وأمها ماوية من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار وأمها عاتكة بنت الأزد بن الغوث وقد ولدته هذه الأزدية مرة أخرى من قبل غالب بن فهر فإن أم غالب ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل وأمها سلمى بنت طابخة بن إلياس ابن مضر وأمها عاتكة بنت الأزد هذه‏.‏

وأما الهذلية فعاتكة بنت سعد بن سيل هي أم عبد الله بن رزام جد عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم لأمه وعمر وجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبو أمه‏.‏

وأما القضاعية فأم كعب بن لؤي ماوية بنت القين بن جسر بن شيع الله بن أسد بن وبرة وأمها وحشية بنت ربيعة بن حرام بن ضنة العذرية وأمها عاتكة بنت رشدان بن قيس بن جهينة‏.‏

وأما الأسدية فأم كلاب بن مرة هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كلاب وأمها عاتكة بنت دودان بن أسد بن خزيمة‏.‏

وعايذ بن عمران بالياء المثناة من تحتها والذال المعجمة‏.‏

وسعد بن سل بفتح السين المهملة والياء المثناة من تحتها المفتحة‏.‏

حيي بضم الحاء المهملة وبالياء المثناة من تحتها وتشديد الياء الممالة‏.‏

وحليل بضم الحاء المهملة وبالياء المثناة من تحتها‏.‏

وجسر بفتح الجيم وتسكين السين المهملة‏.‏

حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة‏.‏

ووائلة بن الظرب بالياء المثناة من تحتها‏.‏

وضبة بن الحارث بالضاد المعجمة المفتوحة والباء المشددة الموحدة‏.‏

وشيع الله بالشين المعجمة المفتوحة والياء المثناة من تحتها الساكنة‏.‏

وحرام بفتح الحاء المهملة والراء المهملة‏.‏

وضنة العذري بكسر الضاد المعجمة والنون المشددة‏.‏

وعصية بالعين المهملة المضمومة وفتح الصاد والياء المثناة من تحتها‏.‏

عدنا إلى ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

توفي عبد المطلب بعد الفيل بثماني سنين وأوصى أبا طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فكان أبو طالب هو الذي قام بأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد جده ثم إن أبا طالب خرج إلى الشام فلما أراد المسير لزمه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرق له وأخذه معه ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسع سنين‏.‏

فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له وكان ذا علم في النصرانية ولم يزل بتلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم وبها كتاب يتوارثونه‏.‏

فلما رآهم بحيرا صنع لهم طعامًا كثيرًا وذلك لأنه رأى على رسول الله غمامةً تظلله من بين القوم ثم أقبلوا حتى نزلوا في ظل شجرة قريبًا منه فنظر إلى الشجرة وقد هصرت أغصانها حتى استظل بها فنزل إليهم من صومعته ودعاهم‏.‏

فلما رأى بحيرا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل يلحظه لحظًا شديدًا وينظر إلى أشياء من جسده كان يجدها من صفته‏.‏فلما فرغ القوم من الطعام وتفرقوا سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أشياء من حاله في يقظته ونومه فوجدها بحيرا موافقة لما عنده من صفته ثم نظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه ثم قال بحيرا لعمه أبي طالب‏:‏ ما هذا الغلام منك قال‏:‏ ابني‏.‏

قال‏:‏ ما ينبغي أن يكون أبوه حيًا‏.‏

قال‏:‏ فإنه ابن أخي مات أبوه وأمه حبلى به‏.‏

قال‏:‏ صدقت ارجع به إلى بلدك واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرًا فإنه كائن له شأن عظيم‏.‏

فخرج به عمه حتى أقدمه مكة‏.‏

وقيل‏:‏ بينما هو يقول لعمه في إعادته إلى مكة وتخوفهم عليه من الروم إذ أقبل سبعة نفر من الروم فقال لهم بحيرا‏:‏ ما جاء بكم قالوا‏:‏ جاءنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليها ناس وإنا بعثنا إلى طريقك‏.‏

قال‏:‏ أرأيتم أمرًا أراده الله هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا‏:‏ لا‏.‏

وتابعوا بحيرا وأقاموا عنده‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما هممت بشيء مما كان الجاهلية يعملونه غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني وبينه ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته قلت ليلة لغلام يرعى معي بأعلى مكة‏:‏ لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب‏.‏

فقال‏:‏ أفعل‏.‏

فخرجت حتى إذ كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفًا فقلت‏:‏ ما هذا فقالوا‏:‏ عرس فلان بفلانة فجلست أسمع فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا حر الشمس فعدت إلى صاحبي فسألني فأخبرته‏.‏

ثم قتل له ليلة أخرى مثل ذلك ودخلت مكة فأصابني مثل أول ليلة ثم ما هممت بعده بسوء‏.‏


ذكر نكاح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خديجة


ونكح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خديجة بنت خويلد وهو ابن خمس وعشرين سنة وخديجة يومئذ ابنة أربعين سنة‏.‏

وسبب ذلك أن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه وكانت قريش تجارًا فلما بلغها عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدق الحديث وعظم الأمانة وكرم الأخلاق أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشام تاجرًا وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره مع غلامها ميسرة‏.‏

فأجابها وخرج معه ميسرة حتى قدم الشام فنزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب فأطلع الراهب رأسه إلى ميسرة فقال‏:‏ من هذا قال ميسرة‏:‏ هذا رجل من قريش‏.‏

فقال الراهب‏:‏ ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي‏.‏ثم باع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واشترى وعاد فكان ميسرة إذا كانت الهاجرة يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره‏.‏

فلما قدم مكة ربحت خديجة ربحًا كثيرًا وحدثها ميسرة عن قول الراهب وما رأى من إظلال الملكين إياه‏.‏

وكانت خديجة امرأة حازمة عاقلة شريفة مع ما أراده الله من كرامتها فأرسلت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعرضت عليه نفسها وكان أوسط نساء قريش نسبًا وأكثرهن مالًا وشرفًا وكل قومها كان حريصًا على ذلك منها لو يقدر عليه‏.‏

فلما أرسلت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأعمامه وخرج ومعه حمزة بن عبد المطلب وأبو طالب وغيرهما من عمومته حتى دخل خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها فولدت له أولاده كلهم إلا إبراهيم‏:‏ زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكنى وعبد الله والطاهر والطيب‏.‏

وقيل‏:‏ إن عبد الله ولد في الإسلام هو والطاهر والطيب فأما القاسم والطاهر والطيب فهلكوا في الجاهلية وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه‏.‏

وقيل‏:‏ إن الذي زوجها عمها عمرو بن أسد وإن أباها مات قبل الفجار‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وهو الصحيح لأن أباها توفي قبل الفجار‏.‏

وكان منزل خديجة يومئذ المنزل الذي يعرف بها اليوم فيقال‏:‏ إن معاوية اشتراه وجعله مسجدًا وكان الرسول بين خديجة وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية وأسلمت يوم الفتح فبرها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأكرمها‏.‏

منية بالنون الساكنة والياء المثناة من تحتها‏.‏

ذكر حلف الفضول

قال ابن إسحاق‏:‏ وكان نفر من جرهم وقطوراء يقال لهم‏:‏ الفضيل بن الحارث الجرهمي والفضيل بن وداعة القطوري والمفضل بن فضالة الجرهمي اجتمعوا فتحالفوا أن لا يقروا ببطن مكة ظالمًا وقالوا‏:‏ لا ينبغي إلا ذلك لما عظم الله من حقها فقال عمرو بن عوف الجرهمي‏:‏ إنّ الفضول تحالفوا وتعاقدوا ألاّ يقرّ ببطن مكّة ظالم أمرٌ عليه تعاهدوا وتواثقوا فالجار والمعتّر فيهم سالم ثم درس ذلك فلم يبق إلا ذكره في قريش‏.‏

ثم إن قبائل من قريش تداعت إلى ذلك الحلف فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وسنه وكانوا بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب وتيم من مرة فتحالفوا وتعاقدوا أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف الفضول وشهده رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال حين أرسله الله تعالى‏:‏ لقد شهدت مع عمومتي حلفًا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت‏.‏

قال‏:‏ وقال محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي‏:‏ كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان منازعة في مال كان بينهما والوليد يومئذ أمير على المدينة لعمه معاوية فتحامل الوليد لسلطانة‏.‏

فقال له الحسين‏:‏ أقسم بالله لتنصفني أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم لأدعون بحلف الفضول‏.‏

فقال عبد الله بن الزبير وكان حاضرًا‏:‏ وأنا أحلف بالله لو دعا به لأجبته حتى ينصف من حقه أو نموت‏.‏

وبلغ المسور بن مخرمة الزهري فقال مثل ذلك وبلغ عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي فقال مثل ذلك‏.‏

فلما بلغ الوليد ذلك أنصف الحسين من نفسه حتى رضي‏.‏

ذكر هدم قريش الكعبة وبنائها


وفي سنة خمس وثلاثين من مولده ـ صلى الله عليه وسلم ـ هدمت قريش الكعبة‏.‏

وكان سبب هدمهم إياها أنها كانت رضيمة فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها وذلك أن وكان أمر غزالي الكعبة أن الله لما أمر إبراهيم وإسماعيل ببناء الكعبة ففعلا ذلك وقد تقدم ذكره وأقام إسماعيل بمكة وكان يلي البيت حياته وبعده وليه ابنه نبت‏.‏

فلما مات نبت ولم يكثر ولد إسماعيل غلبت جرهم على ولاية البيت فكان أول من وليه منهم مضاض ثم ولده من بعده حتى بغت جرهم واستحلوا حرمة البيت فظلموا من دخل مكة حتى قيل‏:‏ ان إسافًا ونائلة زنيا في البيت فمسخا حجرين‏.‏

وكانت خزاعة قد أقامت بتهامة بعد تفرق أولاد عمرو بن عامر من اليمن فأرسل الله على جرهم الرعاف أفناهم فاجتمعت خزاعة على إجلاء من بقي منهم ورئيس خزاعة عمرو بن ربيعة بن حارثة فاقتتلوا فلما أحس عامر بن الحارث الجرهمي بالهزيمة خرج بغزالي الكعبة والحجر الأسود يلتمس التوبة وهو يقول‏:‏ لاهمّ إنّ جرهمًا عبادك النّاس طرفٌ وهم تلادك بهم قديمًا عمرت بلادك فلم تقبل توبته فدفن غزالي الكعبة ببئر زمزم وطمها وخرج بمن بقي من جرهم إلى أرض جهينة فجاءهم سيل فذهب بهم أجمعين وقال عمرو بن الحارث‏:‏ كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا أنيسٌ ولم يسمر بمكّة سامر وولي البيت بعد جرهم عمرو بن ربيعة وقيل‏:‏ وليه عمرو بن الحارث الغساني ثم خزاعة بعده غير أنه كان في قبائل مضر ثلاث خلال‏:‏ الإجازة بالحج من عرفة وكان ذلك إلى الغوث بن مر بن أد وهو صوفة والثانية الإضافة من جمع إلى منى وكانت إلى بني زيد بن عدوان وآخر من ولي ذلك منهم أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد والثالثة النسيء للشهور الحرم فكان ذلك إلى القلمس وهو حذيفة بن فقيم بن كنانة ثم إلى بنيه من بعده ثم صار ذلك إلى أبي ثمامة وهو جنادة بن عوف بن قلع بن حذيفة وقام الإسلام وقد عادت الأشهر الحرم إلى أصلها فأبطل الله عز وجل النسيء‏.‏

ثم وليت البيت بعد خزاعة قريش وقد ذكرنا ذلك عند ذكر قصي بن كلاب‏.‏

ثم حفر عبد المطلب زمزم فأخرج الغزالين كما تقدم‏.‏

وكان الذي وجد الغزالان عنده دويك مولى لبني مليح بن خزاعة فقطعت قريش يده وكان فيمن اتهم في ذلك‏:‏ عامر بن الحارث بن نوفل وأبو هارب بن عزيز وأبو لهب بن عبد المطلب‏.‏

وكان البحر قد ألقى سفينة إلى جدة لتاجر رومي فتحطمت فأخذوا خشبها فأعدوا لسقفها فتهيأ لهم بعض ما يصلحها‏.‏

وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتشرف على جدار الكعبة وكان لا يدنو منها أحد إلا كشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها فبينما هي يومًا على جدار الكعبة اختطفها طائرٌ فذهب بها فقالت قريش‏:‏ إنا لنرجو أن يكون الله عز وجل قد رضي ما أردناه‏.‏

وكان ذلك ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابن خمس وثلاثين سنة وبعد الفجار بخمس عشرة سنة‏.‏

فلما أرادوا هدمها قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فتناول حجرًا من الكعبة فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال‏:‏ يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها إلا طيبًا ولا تدخلوا فيه مهر بغيٍّ ولا بيع ربًا ولا مظلمة أحد‏.‏

وقيل‏:‏ إن الوليد بن المغيرة قال هذا‏.‏

ثم إن الناس هابوا هدمها فقال الوليد بن المغيرة‏:‏ أنا أبدأكم به فأخذ المعول فهدم فتربص الناس به تلك الليلة وقالوا‏:‏ ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا فأصبح الوليد سالمًا وغدا إلى عمله فهدم والناس معه حتى انتهى الهدم إلى الأساس ثم أفضوا إلى حجارة خضر آخذ بعضها ببعض فأدخل رجل من قريش عتلةً بين حجرين منها ليقلع به أحدهما‏.‏

فلما تحرك الحجر انتقضت مكة بأسرها ثم جمعوا الحجارة لبنائها ثم بنوا حتى بلغ البنيان موضع الركن فأرادت كل قبيلة رفعه إلى موضعه حتى تحالفوا وتواعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنةً مملوءة دمًا ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم فسموا لعقة الدم بذلك فمكثوا على ذلك أربع ليال ثم تشاوروا‏.‏

فقال أبو أمية بن المغيرة وكان أسن قريش‏:‏ اجعلوا بينكم حكمًا أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينكم فكان أول من دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رأوه قالوا‏:‏ هذا الأمين قد رضينا به وأخبروه الخبر فقال‏:‏ هلموا إلي ثوبًا فأتي به فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه ثم قال‏:‏ لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعًا ففعلوا‏.‏

فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بني عليه‏.‏

ذكر الوقت الذي أرسل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم

بعث الله نبيه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعشرين سنة مضت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان وكان على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي عاملًا للفرس على العرب‏.‏

قال ابن عباس من رواية حمزة وعكرمة عنه وأنس بن مالك وعروة ابن الزبير‏:‏ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث وأنزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة‏.‏

وقال ابن عباس من رواية عكرمة أيضًا عنه وسعيد بن المسيب‏:‏ إنه أنزل عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وكان نزول الوحي عليه يوم الاثنين بلا خلاف‏.‏

واختلفوا في أي الأثانين كان ذلك فقال أبو قلابة الجرمي‏:‏ أنزل الفرقان على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان وقال آخرون‏:‏ كان ذلك لتسع عشرة مضت من رمضان‏.‏

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يظهر له جبرائيل يرى ويعاين آثارًا من آثار من يريد الله إكرامه بفضله وكان من ذلك ما ذكرت من شق الملكين بطنه واستخراجهما ما في قلبه من الغل والدنس ومن ذلك أنه كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه فكان يلتفت يمينًا وشمالًا فلا يرى أحدًا وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة قومها بذلك‏.‏

قال عامر بن ربيعة‏:‏ سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول‏:‏ إنا لننتظر نبيًا من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي فإن طالت بك حياة ورأيته فأقرئه مني السلام وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفي عليك‏.‏

قلت‏:‏ هلم‏.‏

قال‏:‏ هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بكثير الشعر ولا بقليلة ولا تفارق عينيه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه واسمه أحمد وهذا البلد مولده ومبعثه ثم يخرجه قومه ويكرهون ما جاء به ويهاجر إلى يثرب فيظهر بها أمره فإياك أن تنخدع عنه فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم فكل من أسأله من اليهود والنصارى والمجوس يقول‏:‏ هذا الدين وراءك وينعتونه مثل ما نعته لك قال عامر‏:‏ فلما أسلمت أخبرت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قول زيد وأقرأته السلام‏.‏

فرد عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وترحم عليه وقال‏:‏ قد رأيته في الجنة يسحب ذيولًا‏.‏

وقال جبير بن مطعم‏:‏ كنا جلوسًا عند صنم سوانة قبل أن يبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشهر‏.‏

نحرنا جزورًا فإذا صائح يصيح من جوف الصنم‏:‏ اسمعوا إلى العجب ذهب استراق الوحي ونرمى بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد مهاجره إلى يثرب‏.‏

قال‏:‏ فأمسكنا وعجبنا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

والأخبار عن دلائل نبوته كثيرة وقد صنف العلماء في ذلك كتبًا كثيرًا ذكروا فيها كل عجيبة ليس هذا موضع ذكرها‏.‏


ذكر ابتداء الوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ كان أول ما ابتدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجيء مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان بغار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق فأتاه جبرائيل فقال‏:‏ يا محمد أنت رسول الله‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فجثوت لركبتي ثم رجعت ترجف بوادري فدخلت على خديجة فقلت‏:‏ زملوني زملوني‏!‏ ثم ذهب عني الروع ثم أتاني فقال‏:‏ يا محمد أنت رسول الله‏.‏

قال‏:‏ فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق فتبدى لي حين هممت بذلك فقال‏:‏ يا محمد أنا جبرائيل وأنت رسول الله قال‏:‏ اقرأ‏.‏

قلت‏:‏ وما أقرأ فأخذني فغتني ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد ثم قال‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1‏]‏‏.‏ فقرأت‏.‏

فأتيت خديجة فقلت‏:‏ لقد أشفقت على نفسي وأخبرتها خبري فقالت‏:‏ أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق‏.‏

ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل فقالت‏:‏ اسمع من ابن أخيك‏.‏

فسألني فأخبرته خبري‏.‏

فقال‏:‏ هذا الناموس الذي أنزل على موسى بن عمران ليتني كنت حيًا حين يخرجك قومك‏.‏

قلت‏:‏ أمخرجي هم قال‏:‏ نعم إنه لم يجيء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ولئن أدركني يومك لأنصرنك نصرًا مؤزرًا‏.‏

ثم إن أول ما نزل عليه من القرآن بعد اقرأ‏:‏ ‏{‏ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 1‏]‏‏.‏ و ‏{‏يَا أيُّهَا المُدَّثِّرُ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏]‏‏.‏ وقالت خديجة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما تثبته فيما أكرمه الله به من نبوته‏:‏ يا ابن عم أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال‏:‏ نعم‏.‏

فجاءه جبرائيل فأعلمها‏.‏

فقالت‏:‏ قم فاجلس على فخذي اليسرى فقام ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجلس عليها‏.‏

فقالت‏:‏ هل تراه قال‏:‏ نعم‏.‏

قالت‏:‏ فتحول فاقعد على فخذي اليمنى‏.‏

فجلس عليها فقالت‏:‏ هل تراه قال‏:‏ نعم‏.‏

فتحسرت فألقت خمارها ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجرها ثم قالت‏:‏ هل تراه قال‏:‏ لا‏.‏

قالت‏:‏ يا ابن عم اثبت وأبشر فوالله إنه ملكٌ وما هو بشيطان‏!‏ وقال يحيى بن أبي كثير‏:‏ سألت أبا سلمة عن أول ما نزل من القرآن قال‏:‏ نزلت ‏{‏يَا أيُّها المُدَّثِّرُ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏]‏‏.‏ أول‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ إنهم يقولون ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 1‏]‏‏.‏

قال‏:‏ سألت جابر بن عبد الله قال‏:‏ لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فسمعت صوتًا فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ونظرت عن يساري فلم أر شيئًا ونظرت خلفي وأمامي فلم أر شيئًا فرفعت رأسي فإذا هو يعني الملك جالس على عرش بين السماء والأرض فخشيت منه فأتيت خديجة فقلت‏:‏ دثروني دثروني وصبوا علي ماء ففعلوا فنزلت‏:‏ ‏{‏يَا أيُّها المُدَّثَّرُ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 1‏]‏‏.‏ هذا حديث صحيح‏.‏قال هشام بن الكلبي‏:‏ أتى جبرائيل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أول ما أتاه ليلة السبت وليلة الأحد ثم ظهر له برسالة الله يوم الاثنين فعلمه الوضوء والصلاة وعلمه‏:‏ ‏{‏اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ وكان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أربعون سنة‏.‏

قال الزهري‏:‏ فتر الوحي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فترةً فحزن حزنًا شديدًا وجعل يغدو إلى رؤوس الجبال ليتردى منها فكلما رقي ذروة جبل تبدى له جبرائيل فيقول‏:‏ إنك رسول الله حقًا‏.‏

فيسكن لذلك جأشه وترجع نفسه‏.‏

فلما أمر الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينذر قومه عذاب الله على ما هم عليه من عبادة الأصنام دون الله الذي خلقهم ورزقهم وأني حدث بنعمة ربه عليه وهي النبوة في قول ابن إسحاق فكان يذكر ذلك سرًا لمن يطمئن إليه من أهله فكان أول من آمن به وصدقه من خلق الله تعالى خديجة بنت خويلد زوجته‏.‏

قال الواقدي‏:‏ أجمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خديجة‏.‏

ثم كان أول شيء فرض الله من شرائع الإسلام عليه بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان الصلاة وان الصلاة لما فرضت عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتاه جبرائيل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت فيه عين فتوضأ جبرائيل وهو ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة ثم توضأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثله ثم قام جبرائيل فصلى به وصلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصلاته ثم انصرف‏.‏

وجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خديجة فعلمها الوضوء ثم صلى بها فصلت بصلاته‏.‏

ذكر المعراج برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اختلف الناس في وقت المعراج فقيل‏:‏ كان قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل‏:‏ بسنة واحدة واختلفوا في الموضع الذي أسري برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه فقيل‏:‏ كان نائما بالمسجد في الحجر فأسري به منه وقيل‏:‏ كان نائمًا في بيت أم هانئ بنت أبي طالب وقائل ها يقول‏:‏ الحرم كله مسجد‏.‏

وقد روى حديث المعارج جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة‏.‏

قالوا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أتاني جبرائيل وميكائيل فقالا‏:‏ بأيهم أمرنا فقالا‏:‏ أمرنا بسيدهم ثم ذهبا ثم جاءا من القابلة وهم ثلاثة فألفوه وهو نائم فقلبوه لظهره وشقوا بطنه وجاؤوا بماء زمزم فغسلوا ما كان في بطنه من غل وغيره وجاؤوا بطست مملوء إيمانًا وحكمةً فمليء قلبه وبطنه إيمانًا وحكمةً‏.‏

قال‏:‏ وأخرجني جبرائيل من المسجد وغذا أنا بدابة وهي البراق وهي فوق الحمار ودون البغل يقوع خطوه عند منتهى طرفه فقال‏:‏ اركب فلما وضعت يدي عليه تشامس واستصعب‏.‏

فقال جبرائيل‏:‏ يا براق ما ركبك نبي أكرم على الله من محمد فانصب عرقًا وانخفض لي حتى ركبته وسار بي جبرائيل نحو المسجد الأقصى فأتيت بإنائين أحدهما لبن والآخر خمر فقيل لي‏:‏ اختر أحدهما فأخذت اللبن فشربته فقيل لي‏:‏ أصبت الفطرة أما إنك لو شربت الخمر لغوت أمتك بعدك‏.‏

ثم سرنا فقال لي‏:‏ انزل فصل فنزلت فصليت فقال‏:‏ هذه طيبة وإليها المهاجر‏.‏

ثم سرنا فقال لي‏:‏ انزل فصل فنزلت فصليت فقال‏:‏ هذا طور سيناء حيث كلم الله موسى‏.‏

ثم سرنا فقال‏:‏ انزل فصل فنزلت فصليت فقال‏:‏ هذا بيت لحم حيث ولد عيسى‏.‏

ثم سرنا حتى أتينا بين المقدس فلما انتهينا إلى باب المسجد أنزلني جبرائيل وربط البراق بالحلقة التي كان يربط بها الأنبياء‏.‏

فلما دخلت المسجد إذا أنا بالأنبياء حوالي وقيل‏:‏ بأرواح الأنبياء الذين بعثهم الله قبلي فسلموا علي فقلت‏:‏ يا جبرائيل من هؤلاء قال‏:‏ إخوانك من الأنبياء زعمت قريشٌ أن الله شريكًا وزعمت النصارى أن لله ولدًا سل هؤلاء النبيين هل كان لله عز وجل شريك أو ولد فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْألْ مَنْ أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 45‏]‏‏.‏ فأقروا بالوحدانية لله عز وجل ثم جمعهم جبرائيل وقدمني فصليت بهم ركعتين‏.‏

ثم انطلق بي جبرائيل إلى الصخرة فصعد بي عليها فإذا معراج إلى السماء لا ينظر الناظرون إلى شيء أحسن منه ومنه تعرج الملائكة أصله في صخرة بيت المقدس ورأسه ملتصق بالسماء فاحتملني جبرائيل ووضعني على جناحه وصعد بي إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبرائيل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ وقد بعث إليه قال نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏!‏ ففتح فدخلنا فإذا أنا برجل تام الخلقة عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة فإذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى‏.‏

فقلت‏:‏ من هذا وما هذان البابان فقال‏:‏ هذا أبوك آدم والباب الذي عن يمينه باب الجنة فإذا نظر إلى من يدخلها من ذريته ضحك والباب الذي عن يساره باب جهنم إذا نظر إلى من يدخلها من ذريته بكى وحزن‏.‏

ثم صعد بي إلى السماء الثانية فاستفتح فقيل‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبرائيل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ وقد بعث إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ حياه الله مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏!‏ ففتح لنا‏.‏

فدخلنا فإذا بشابين فقلت‏:‏ يا جبرائيل من هذان فقال‏:‏ هذان عيسى بن مريم ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبرائيل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ وقد بعث إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏!‏ فدخلنا فإذا أنا برجل قد فضل الناس بالحسن‏.‏

قلت‏:‏ من هذا يا جبرائيل قال‏:‏ هذا أخوك يوسف‏.‏

ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح قيل‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبرائيل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ وقد بعث إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏!‏ فدخلنا فإذا أنا برجل فقلت‏:‏ من هذا قال‏:‏ إدريس رفعه الله مكانًا عليًا‏.‏

ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فاستفتح فقيل‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبرائيل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ وقد بعث إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏!‏ فدخلنا فإذا رجل جالس وحوله قوم يقص عليهم‏.‏

قلت‏:‏ من هذا قال‏:‏ هذا هارون والذين حوله بنو إسرائيل‏.‏

ثم صعد بي إلى السماء السادسة فاستفتح فقيل‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبرائيل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ وقد بعث إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏!‏ فدخلنا فإذا أنا برجل جالس فجاوزناه فبكى الرجل فقلت‏:‏ يا جبرائيل من هذا قال‏:‏ هذا موسى‏.‏

قلت‏:‏ فما باله يبكي قال‏:‏ يزعم بنو إسرائيل أني أكرم على الله من آدم وهذا الرجل قال‏:‏ ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل‏:‏ من هذا قال‏:‏ جبرائيل‏.‏

قيل‏:‏ ومن معك قال‏:‏ محمد‏.‏

قيل‏:‏ وقد بعث إليه قال‏:‏ نعم‏.‏

قيل‏:‏ مرحبًا به ونعم المجيء جاء‏!‏ فدخلنا فإذا رجل أشمط جالس على كرسي على باب الجنة وحوله قوم بيض الوجوه أمثال القراطيس وقوم في ألوانهم شيء فقال الذين في ألوانهم شيء فاغتسلوا في نهر وخرجوا وقد صارت وجوههم مثل وجوه أصحابهم‏.‏

فقلت‏:‏ من هذا قال‏:‏ أبوك إبراهيم وهؤلاء البيض الوجوه قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم وأما الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا فتابوا فتاب الله عليهم وإذا إبراهيم مستند إلى بيت فقال‏:‏ هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة لا يعودون إليه‏.‏

قال‏:‏ وأخذني جبرائيل فانتهينا إلى سدرة المنتهى وإذا نبقها مثل قلال هجر يخرج من أصلها أربعة أنهار‏:‏ نهران باطنان ونهران ظاهران فأما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات قال‏:‏ وغشيها من نور الله ما غشيها وغشيها الملائكة كأنهم جراد من ذهب من خشية الله وتحولت حتى ما يستطيع أحد أن ينعتها وقام جبرائيل في وسطها فقال جبرائيل‏:‏ تقدم يا محمد‏.‏

فتقدمت وجبرائيل معي إلى حجاب فأخذ بي ملكٌ وتخلف عني جبرائيل فقلت‏:‏ إلى أين فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنَّا إلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏ 164‏]‏‏.‏ وهذا منتهى الخلائق‏.‏ فلم أزل كذلك حتى وصلت إلى العرش فاتضع كل شيء عند العرش وكل لساني من هيبة الرحمن ثم أنطق الله لساني فقلت‏:‏ التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله وفرض الله علي وعلى أمتي في كل يوم وليلة خمسين صلاة‏.‏

ورجعت إلى جبرائيل فأخذ بيدي وأدخلني الجنة فرأيت القصور من الدر والياقوت والزبرجد ورأيت نهرًا يخرج من أصله ماء أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل يجري على رضراض من الدر والياقوت والمسك فقال‏:‏ هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ثم عرض علي النار فنظرت إلى أغلاها وسلاسلها وحياتها وعقاربها وما فيها من العذاب‏.‏

ثم أخرجني فانحدرنا حتى أتينا موسى فقال‏:‏ ماذا فرض عليك وعلى أمتك قلت‏:‏ خمسين صلاة‏.‏

قال‏:‏ فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك وعالجتهم أشد المعالجة على أقل من هذا فلم يفعلوا فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‏.‏

فرجعت إلى ربي وسألته فخفف عني عشرًا‏.‏

فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال‏:‏ ارجع واسأله التخفيف‏.‏

فرجعت فخفف عني عشرًا فلم أزل بين ربي وموسى حتى جعلها خمسًا فقال‏:‏ ارجع فاسأله التخفيف فقلت‏:‏ إني قد استحيت من ربي وما أنا براجع فنوديت‏:‏ إني قد فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة والخمس بخمسين وقد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي‏.‏فلما رجع إلى مكة علم أن الناس لا يصدقونه فقعد في المسجد مغمومًا فمر به أبو جهل فقال له كالمستهزئ‏:‏ هل استفدت الليلة شيئًا قال‏:‏ نعم أسري بي الليلة إلى بيت المقدس‏.‏

قال‏:‏ ثم أصبحت بين ظهرانينا فقال‏:‏ نعم‏.‏

فخاف أن يخبر بذلك عنه فيجحده النبي فقال‏:‏ أتخبر قومك بذلك فقال‏:‏ نعم‏.‏

فقال أبو جهل‏:‏ يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا فأقبلوا‏.‏

فحدثهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمن بين مصدق ومكذب ومصفق وواضع يده على رأسه‏.‏

وارتد الناس ممن كان آمن به وصدقه‏.‏

وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر فقالوا‏:‏ إن صاحبك يزعم كذا وكذا‏!‏ فقال‏:‏ إن كان قال ذلك فقد صدق إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة فسمي أبو بكر الصديق من يومئذ‏.‏

قالوا‏:‏ فانعت لنا المسجد الأقصى‏.‏

قال‏:‏ فذهبت أنعت حتى التبس على قال‏:‏ فجيء بالمسجد وإني أنظر إليه فجعلت أنعته‏.‏

قالوا‏:‏ فأخبرنا عن عيرنا‏.‏

قال‏:‏ قد مررت على عير بني فلان بالروحاء وقد أضلوا بعيرًا لهم وهم في طلبه فأخذت قدحًا فيه ماء فشربته فسلوهم عن ذلك ومررت بعير بني فلان وفلان وفلان فرأيت راكبًا وقعودًا بذي مر فنفر بكرهما مني فسقط فلان فانكسرت يده فسلوهما‏.‏

قال‏:‏ ومررت بعيركم بالتنعيم يقدمها جمل أورق عليه فخرجوا إلى الثنية فجلسوا ينظرون طلوع الشمس ليكذبوه إذ قال قائل‏:‏ هذه الشمس قد طلعت‏.‏

فقال آخر‏:‏ والله هذه العير قد طلعت يقدمها بعير أورق كما قال‏.‏

فلم يفلحوا وقالوا‏:‏ إن هذا سحر مبين‏.‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏  ‏ ‏