المجلد الثاني - ذكر غزوة حمراء الأسد

لما كان الغد من يوم الأحد أذن مؤذن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالغزو وقال‏:‏ لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس فخرج ليظن الكفار به قوة وخرج معه جماعة جرحى يحملون نفوسهم وساروا حتى بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على سبعة أميال فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ومر به معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتهامة وكان معبد مشركًا فقال‏:‏ يا محمد لقد عز علينا ما أصابك‏.‏

ثم خرج من عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليستأصلوا المسلمين بزعمهم فلما رأى أبو سفيان معبدًا قال‏:‏ ما وراءك قال‏:‏ محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قد جمع معه من تخلف عنه وندموا على ما صنعوا وما ترحل حتى ترى نواصي الخيل‏.‏

قال‏:‏ فوالله قد أجمعنا الرجعة لنستأصل بقيتهم‏.‏

قال‏:‏ إني أنهاك عن هذا فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه‏.‏

ومر بأبي سفيان ركب من عبد القيس فقال لهم‏:‏ بلغوا عني محمدًا رسالة وأحمل لكم إبلكم هذه زبيبًا بعكاظ‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصلهم‏.‏

فمروا بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بحمراء الأسد فأخبروه فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ حسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

ثم عاد إلى المدينة وظفر في طريقه بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص وبأبي عزة عمرو بن عبيد الله الجمحي وكان قد تخلف عن المشركين بحمراء الأسد ساروا وتركوه نائمًا وكان أبو عزة قد أسر يوم بدر فأطلقه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بغير فداء لأنه شكا إليه فقرًا وكثرة عيال فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه العهود أن لا يقاتله ولا يعين على قتاله فخرج معهم يوم أحد وحرض على المسلمين فلما أتي به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له‏:‏ يا محمد امنن علي‏.‏

قال‏:‏ المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين‏.‏

وأمر به فقتل‏.‏

وأما معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية وهو الذي جدع أنف حمزة ومثل به مع من مثل به وكان قد أخطأ الطريق فلما أصبح أتى دار عثمان بن عفان فلما رآه قال له عثمان‏:‏ أهلكتني وأهلكت نفسك‏.‏

فقال‏:‏ أنت أقربهم مني رحمًا وقد جئتك لتجيرني‏.‏

وأدخله عثمان داره وقصد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليشفع فيه فسمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ إن معاوية بالمدينة فاطلبوه فأخرجوه من منزل عثمان وانطلقوا به إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال عثمان‏:‏ والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأطلب له أمانًا فهبه لي فوهبه له وأجله ثلاثة أيام وأقسم لئن أقام بعدها ليقتلنه فجهزه عثمان وقال له‏:‏ ارتحل‏.‏

وسار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حمراء الأسد وأقام معاوية ليعرف أخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما كان اليوم الرابع قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن معاوية أصبح قريبًا ولم يبعد فاطلبوه فطلبه زيد بن حارثة وعمار فأدركاه بالحماة فقتلاه‏.‏

وهذا معاوية جد عبد الملك بن مروان بن الحكم لأمه‏.‏

وفيها قيل ولد الحسن بن علي في النصف من شهر رمضان‏.‏

وفيها علقت فاطمة بالحسين وكان بين ولادتها وحملها خمسون يومًا‏.‏

وفيها حملت جميلة بنت عبد الله بن أبي عامر غسيل الملائكة في شوال‏.‏

ودخلت السنة الرابعة من الهجرة

في هذه السنة في صفر كانت غزوة الرجيع‏.‏

وكان سببها أن رهطًا من عضل والقارة قدموا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا‏:‏ إن فينا إسلامًا فابعث لنا نفرًا يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن‏.‏

فبعث معهم ستة نفر وأمر عليهم عاصم بن ثابت وقيل‏:‏ مرثد بن أبي مرثد فلما كانوا بالهدأة غدروا واستصرخوا عليهم حيًا من هذيل يقال لهم بنو لحيان فبعثوا لهم مائة رجل فالتجأ المسلمون إلى جبل فاستنزلوهم وأعطوهم العهد فقال عاصم‏:‏ والله لا أنزل على عهد كافر اللهم خبر نبيك عنا‏!‏ وقاتلهم هو مرثد وخالد بن البكير ونزل إليهم ابن الدثنة وخبيب بن عدي ورجل آخر فأوثقوهم فقال الرجل الثالث‏:‏ هذا أول الغدر والله لا أتبعكم‏!‏ فقتلوه وانطلقوا بخبيب وابن الدثنة فباعوهما بمكة فأخذ خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو الذي قتل الحارث بأحد فأخذوه ليقتلوه بالحارث فبينما خبيب عند بنات الحارث استعار من بعضهن موسى يستحد بها للقتل فدب صبي لها فجلس على فخذ خبيب والموسى في يده فصاحت المرأة فقال خبيب‏:‏ أتخشين أن أقتله إن الغدر ليس من شأننا‏.‏

فكانت المرأة تقول‏:‏ ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب لقد رأيته وما بمكة ثمرة وإن في يده لقطفًا من عنب يأكله ما كان إلا رزقًا رزقه الله خبيبًا‏.‏

فلما خرجوا من الحرم بخبيب ليقتلوه قال‏:‏ ردوني أصل ركعتين فتركوه فصلاهما فجرت سنة ولست أبالي حين أقتل مسلمًا على أيّ شيء كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزّع اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا‏!‏ ثم صلبوه‏.‏

وأما عاصم بن ثابت فإنهم أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد وكانت نذرت أن تشرب الخمر في رأس عاصم لأنه قتل ابنيها بأحد فجاءت النحل فمنعته فقالوا‏:‏ دعوه حتى يمسي فنأخذه‏.‏

فبعث الله الوادي فاحتمل عاصمًا وكان عاهد الله أن لا يمس مشركًا ولا يمسه مشرك فمنعه الله في مماته كما منع في حياته‏.‏

وأما ابن الدثنة فإن صفوان بن أمية بعث به مع غلامه نسطاس إلى التنعيم ليقتله بابنيه فقال نسطاس‏:‏ أنشدك الله أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك قال‏:‏ ما أحب أن محمدًا الآن مكانه الذي هو فيه شوكة تؤذيه وأنا جالسٌ في أهلي‏.‏

فقال أبو سفيان‏:‏ ما رأيت من الناس أحدًا يجب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا‏.‏

ثم قتله نسطاس‏.‏

خبيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها ياء تحتها نقطتان وآخره باء موحدة أيضًا‏.‏

والبكير بضم الباء الموحدة تصغير بكر‏.‏ولما قتل عاصم وأصحابه بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمرو ابن أمية الضمري إلى مكة مع رجل من الأنصار وأمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب قال عمرو‏:‏ فخرجت أنا ومعي بعير لي وبرجل صاحب علةٌ فكنت أحمله على بعيري حتى جئنا بطن يأجج فعقلنا بعيرنا في الشعب وقلت لصاحبي‏:‏ انطلق بنا إلى أبي سفيان لنقتله فإن خشيت شيئًا فاحلق بالبعير فاركبه والحق برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبره الخبر عني‏.‏

وأوغل بالبلد يحث السياق‏.‏

فدخلنا مكة ومع يخنجر قد أعددته إن عاقني إنسان ضربته به فقال لي صاحبي‏:‏ هل لك أن نبدأ فنطوف ونصلي ركعتين فقلت‏:‏ إن أهل مكة يجلسون بأفنيتهم وأنا أعرف بها‏.‏

فلم نزل حتى أتينا البيت فطفنا وصلينا ثم خرجنا فمررنا بمجلس لهم فعرفني بعضهم فصرخ بأعلى صوته‏:‏ هذا عمرو بن أمية‏!‏ فثار أهل مكة إلينا وقالوا‏:‏ ما جاء إلا لشر وكان فاتكًا متشيطنًا في الجاهلية فقلت لصاحبي‏:‏ النجاء‏!‏ هذا الذي كنت أحذر أما أبو سفيان فليس إليه سبيل فانج بنفسك‏.‏

فخرجنا نشتد حتى صعدنا الجبل فدخلنا غارًا فبتنا فيه ليلتنا ننتظر أن يسكن الطلب‏.‏

قال‏:‏ فوالله إني لفيه إذ أقبل عثمان بن مالك التيمي يختل بفرس له فقام على باب الغار فخرجت إيه فضربته بالخنجر فصاح صيحةً أسمع أهل مكة فأقبلوا إليه ورجعت إلى مكاني فوجدوه وبه رمق فقالوا‏:‏ من ضربك قال‏:‏ عمرو بن أمية ثم مات ولم يقدر يخبرهم بمكاني وشغلهم قتل صاحبهم عن طلبي فاحتلموه ومكثنا في الغار يومين حتى سكن عنا الطلب ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا بخشبة خبيب وحوله حرس فصعدت خشبته واحتملته على ظهري فما مشيت به إلا نحو أربعين خطوة حتى نذروا بي فطرحته فاشتدوا في أثري فأخذت الطريق فأعيوا ورجعوا وانطلق صاحبي فركب البعير وأتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره‏.‏

وأما خبيب فلم ير بعد ذلك وكأن الأرض ابتلعته‏.‏

قال‏:‏ وسرت حتى دخلت غارًا بضجنان ومعي قوسي وأسهمي فبينا أنا فيه إذ دخل علي رجل من بني الدئل أعور طويل يسوق غنمًا فقال‏:‏ من الرجل قلت‏:‏ من بني الدئل فاضطجع معي ورفع عقيرته يتغنى ويقول‏:‏ وست بمسلمٍ ما دمت حيًّا ولست أدين دين المسلمينا ثم نام فقتله ثم سرت فإذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرميت أحدهما بسهم فقتلته وأستأسرت الآخر فقدمت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبرته الخبر فضحك ودعا لي بخير‏.‏

وفي هذه السنة تزوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زينب بنت خزيمة أم المساكين من بني وولي المشركون الحج في هذه السنة‏.‏

ذكر بئر معونة

في هذه السنة في صفر قتل جمع من المسلمين ببئر معونة‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا براء بن عازب بن عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة سيد بني عامر بن صعصعة قدم المدينة وأهدى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هدية فلم يقبلها وقال‏:‏ يا أبا براء لا أقبل هدية مشرك ثم عرض عليه الإسلام فلم يبعد عنه ولم يسلم وقال‏:‏ إن أمرك هذا حسنٌ فلو بعثت رجلًا من أصحابك إلى أهل نجد يدعوهم إلى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك‏.‏

فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخشى عليهم أهل نجد‏.‏

فقال أبو براء‏:‏ أنا لهم جارٌ‏.‏

فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبعين رجلًا فيهم‏:‏ المنذر بن عمرو الأنصاري المعنق ليموت والحارث بن الصمة وحرام بن ملحان وعامر بن فهيرة وغيرهم وقيل‏:‏ كانوا أربعين فساروا حتى نزلوا ببئر معونة بين أرض بني عامر وحرة بني سليم فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر إلى الكتاب وعدا على حرام فقتله فلما طعنه قال‏:‏ الله أكبر فزت ورب الكعبة‏!‏ واستصرخ بني عامر فلم يجيبوه وقالوا‏:‏ لن نخفر أبا براء فقد أجارهم فاستصرخ بني سليم‏:‏ عصية ورعلًا وذكوان فأجابوه وخرجوا حتى أحاطوا بالمسلمين فقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد الأنصاري فإنهم تركوه وبه رمق فعاش حتى قتل يوم الخندق‏.‏

وكان في سرح القوم عمرو بن أمية ورجل من الأنصار فرأيا الطير تحوم على العسكر فقالا‏:‏ إن لها شأنًا فأقبلا ينظران فإذا صرعى وإذا الخيل واقفة فقال عمرو‏:‏ نلحق برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنخبره الخبر‏.‏

فقال الأنصاري‏:‏ لا أرغب بنفسي عن موطن فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل فأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا‏.‏

فلما علم عامر أنه من سعد أطلقه وخرج عمرو حتى إذا كان بالقرقرة لقي رجلين من بني عامر فنلا معه ومعهما عقد من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يعلم به عمرو فقتلهما ثم أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخبر فقال له‏:‏ لقد قتلت قتيلين لأدينهما‏.‏

ثم قال رسول الله‏:‏ هذا عمل أبي براء فشق عليه ذلك‏.‏

وكان فيمن قتل عامر بن فهيرة فكان عامر بن الطفيل يقول‏:‏ من الرجل منهم لما قتل رفع بين السماء والأرض قالوا‏:‏ هو عامر بن فهيرة‏.‏

وقال حسان بن ثابت يحرض بني أبي براء على عامر بن الطفيل‏:‏ تهكّم عامرٍ بأبي براء ليخفره وما خطأٌ كعمد في أبيات له‏.‏

فقال كعب بن مالك‏:‏ لقد طارت شعاعًا كلّ وجهٍ خفارة ما أجار أبو براء في أبيات أخرى‏.‏

فلما بلغ ربيعة بن أبي براء ذلك حمل على عامر بن الطفيل فطعنه فخر عن فرسه فقال‏:‏ إن مت فدمي لعمي‏.‏

وأنزل الله عز وجل في أهل بئر معونة قرآنًا‏:‏ بلغوا قومنا عنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت‏.‏

معونة بفتح الميم وضم العين المهملة وبعد الواو نون‏.‏

وحرام بالحاء المهملة والراء‏.‏

وملحان بكسر الميم وبالحاء المهملة‏.‏

ذكر إجلاء بني النضير

وكان سبب ذلك أن عامر بن الطفيل أرسل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطلب دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية وقد ذكرنا ذلك‏.‏

فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بني النضير يستعينهم فيها ومعه جماعة من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي فقالوا‏:‏ نعم نعينك على ما أحببت ثم خلا بعضهم ببعض وتآمروا على قتله وهو جالسٌ إلى جنب جدار فقالوا‏:‏ من يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله ويريحنا منه فانتدب له عمرو بن جحاش فنهاهم عن ذلك سلام بن مشكم وقال‏:‏ هو يعلم فلم يقبلوا منه وصعد عمرو بن جحاش فأتى الخبر من السماء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما عزموا عليه فقام وقال لأصحابه‏:‏ لا تبرحوا حتى آتيكم وخرج راجعًا إلى المدينة فلما أبطأ قام أصحابه في طلبه فأخبرهم الخبر وأمر المسلمين بحربهم ونزل بهم فتحصنوا منه في الحصون فقطع النخل وأحرق وأرسل إليهم عبد الله بنأبي وجماعة معه أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن خرجتم خرجنا معكم وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من الأموال إلا السلاح فأجابهم إلى ذلك فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام فكان ممن سار إلى خيبر كنانة بن الربيع وحيي بن أخطب وكان فيهم يومئذ أم عمرو صاحبة عروة بن الورد التي ابتاعوا منه وكانت غفارية‏.‏

فكانت أموال النضير لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحده يضعها حيث شاء فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرًا فأعطاهما‏.‏

ولم يسلم من بني النضير إلا يامين بن عمير بن كعب وهو ابن عم عمرو بن جحاش وأبو سعيد بن وهب وأحرزا أموالهما‏.‏

واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وكانت رايته على علي بن أبي طالب‏.‏

سلام بتشديد اللام‏.‏

ومشكم بكسر الميم وسكون الشين المعجمة والكاف‏.‏

غزوة ذات الرقاع

أقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة بعد بني النضير شهري ربيع ثم غزا نجدًا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلًا وهي غزوة الرقاع سميت بذلك لأجل جبل كانت الوقعة به فيه سواد وبياض وحمرة فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان فلقي المشركين ولم يكن قتال وخاف الناس بعضهم بعضًا فنزلت صلاة الخوف وقد اختلف الرواة في صلاة الخوف وهو مستقصى في كتب الفقه‏.‏

وجاء رجل من محارب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فطلب منه أن ينظر إلى سيفه فأعطاه السيف فلما أخذه وهزه قال‏:‏ يا محمد أما تخافني قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أما تخافني وفي يدي السيف قال‏:‏ لا يمنعني الله منك فرد السيف إليه‏.‏

وأصاب المسلمون امرأة منهم وكان زوجها غائبًا فلما أتى أهله أخبر الخبر فحلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دمًا وخرج يتبع أثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ من يحرسنا الليلة فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فأقاما بفم شعب نزله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واضطجع المهاجري وحرس الأنصاري أول الليل وقام يصلي وجاء زوج المرأة فرأى شخصه فعرف أنه ربيئة القوم فرماه بسهم فوضعه فيه فانتزعه وثبت قائمًا يصلي ثم رماه بسهم آخر فأصابه فنزعه وثبت يصلي ثم رماه بالثالث فوضعه فيه فانتزعه ثم ركع وسد ثم أيقظ صاحبه وأعلمه فوثب فلما رآهما الرجل علم أنهما علما به فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري قال‏:‏ سبحان الله ألا أيقظتني أول ما رماك قال‏:‏ كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها فلما تابع علي الرمي أعلمتك وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها‏.‏

وقيل‏:‏ إن هذه الغزوة كانت في المحرم سنة خمس من الهجرة‏.‏

ذكر غزوة بدر الثانية

سميت أيضًا غزوة السويق وفي شعبان منها خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بدر لميعاد أبي سفيان بن حرب حتى نزل بدرًا فأقام عليها ثماني ليالٍ ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة إلى مر الظهران وقيل‏:‏ إلى عسفان ثم رجع ورجعت قريش معه فسماهم أهل مكة جيش السويق يقولون‏:‏ إنما خرجتم تشربون السويق‏.‏

واستخلف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المدينة عبد الله بن رواحة‏.‏

وفيها تزوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم سلمة‏.‏

وفيها أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود‏.‏

وفيها في جمادى الأولى مات عبد الله بن عثمان بن عفان وأمه رقية بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان عمره ست سنين‏.‏

وفيها ولد الحسين بن علي بن أبي طالب في قولٍ‏.‏

وولي الحج فيها المشركون‏.‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏  ‏ ‏