المجلد الثاني - الخلفاء الراشدين

خِلافَة أبي بكر الصِّدِّيق رضي اللَّهُ عنه وأرضاه

ذكر إنفاذ جيش أسامة بن زيد


قد ذكرنا استعمال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسامة بن زيد على جيش وأمره بالتوجه إلى

الشام وكان قد ضرب البعث على أهل المدينة ومن حولها وفيهم عمر بن الخطاب فتوفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يسر الجيش وارتدت العرب إما عامة أو خاصةً من كل قبيلة وظهر النفاق واشرأبت يهود والنصرانية وبقي المسلمون كالغنم في الليلة المطيرة لفقد نبيهم وقلتهم وكثرة عدوهم‏.‏

فقال الناس لأبي بكر‏:‏ إن هؤلاء يعنون جيش أسامة جند المسلمين والعرب - على ما ترى - قد انتقضت بك فلا ينبغي أن تفرق جماعة المسلمين عنك‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تختطفني لأنفذت جيش أسامة كما أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

فخاطب الناس وأمرهم بالتجهز للغزو وأن يخرج كل من هو من جيش أسامة إلى معسكره بالجرف فخرجوا كما أمرهم وجيش أبو بكر من بقي من تلك القبائل التي كانت لهم الهجرة في ديارهم فصاروا مسايح حول قبائلهم وهم قليل‏.‏

فلما خرج الجيش إلى معسكرهم بالجرف وتكاملوا أرسل أسامة عمر بن الخطاب وكان معه في جيشه إلى أبي بكر يستأذنه أن يرجع بالناس وقال‏:‏ إن معي وجوه الناس وحدهم ولا آمن على خليفة رسول الله وحرم رسول الله والمسلمين أن يتخطفهم المشركون‏.‏

وقال من مع أسامة من الأنصار لعمر بن الخطاب‏:‏ إن أبا بكر خليفة رسول الله فإن أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلًا أقدم سنًا من أسامة‏.‏

فخرج عمر بأمر أسامة إلى أبي بكر فأخبره بما قال أسامة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏لو خطفتني الكلاب والذئاب لأنفذته كما أمر به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا أرد قضاء قضى به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته‏.‏

قال عمر‏:‏ فإن الأنصار تطلب إليك أن تولي أمرهم رجلًا أقدم سنًا من أسامة‏.‏

فوثب أبو بكر وكان جالسًا وأخذ بلحية عمر وقال‏:‏ ثكلتك أمك يا ابن الخطاب‏!‏ استعمله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتأمرني أن أعزله ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم وأشخصهم وشيعهم وهو ماشٍ وأسامة راكب فقال له أسامة‏:‏ يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن‏!‏ فقال‏:‏ ‏(‏والله لا نزلت ولا أركب وما علي أن أغبر قدمي ساعةً في سبيل الله‏!‏ فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وسبعمائة سيئة تمحى عنه‏)‏‏.‏

فلما أراد أن يرجع قال لأسامة‏:‏ إن رأيت أن تعينني بعمرٍ فافعل فأذن له ثم وصاهم فقال‏:‏ لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقًا‏.‏

اندفعوا وأوصى أسامة أن يفعل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فسار وأوقع بقبائل من ناس قضاعة التي ارتدت وغنم وعاد وكانت غيبته أربعين يومًا وقيل‏:‏ سبعين يومًا‏.‏

وكان إنفاذ جيش أسامة أعظم الأمور نفعًا للمسلمين فإن العرب قالوا‏:‏ لو لم يكن بهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه‏.‏

ذكر أخبار الأسود العنسي باليمن

واسمه عيهلة بن كعب بن عوف العنسي بالنون وعنس بطن من مذحج وكان يلقب ذا الخمار لأنه كان معتمًا متخمرًا أبدًا‏.‏

وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد جمع لباذان حين أسلم وأسلم أهل اليمن عمل اليمن جميعه وأمره على جميع مخاليفه فلم يزل عاملًا عليه حتى مات‏.‏

فلما مات باذان فرق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمراءه في اليمن فاستعمل عمرو بن حزم على نجران وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران وزبيد وعامر بن شهر على همدان وعلى صنعاء شهر ابن باذان وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة وعلى مأرب أبا موسى وعلى الجند يعلى بن أمية وكان معاذ معلمًا يتنقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت واستعمل على أعمال حضرموت زياد بن لبيد الأنصاري وعلى السكاسك والسكون عكاشة بن ثور وعلى بني معاوية ابن كندة عبد الله أو المهاجر فاشتكى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يذهب حتى وجهه أبو بكر فمات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهؤلاء عماله على اليمن وحضرموت‏.‏

وكان أول من اعترض الأسود الكاذب شهر وفيروز وداذويه وكان الأسود العنسي لما عاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حجة الوداع وتمرض من السفر غير مرض موته بلغه ذلك فادعى النبوة وكان مشعبذًا يريهم الأعاجيب فاتبعه مذحج وكانت ردة الأسود أول ردة في الإسلام على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغزا نجران فأخرج عنها عمرو ابن حزم وخالد بن سعيد ووثب قيس بن عبد يغوث بن مكشوح على فروة ابن مسيك وهو على مراد فأجلاه ونزل منزله وسار الأسود عن نجران إلى صنعاء وخرج إليه شهر بن باذان فلقيه فقتل شهر لخمس وعشرين ليلة من خروج الأسود وخرج معاذ هاربًا حتى لحق بأبي موسى وهو بمأرب فلحقا بحضرموت ولحق بفروة من تم على إسلامه من مذحج‏.‏

واستتب للأسود ملك اليمن ولحق أمراء اليمن إلى الطاهر بن أبي هالة إلا عمرًا وخالدًا فإنهما رجعا إلى المدينة والطاهر بجبال عك وجبال صنعاء وغلب الأسود على ما بين مفازة

حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والأحساء إلى عدن واستطار أمره كالحريق وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهرًا سوى الركبان واستغلظ أمره وكان خليفته في مذحج عمرو ابن معدي كرب وكان خليفته على جنده قيس بن عبد يغوث وأمر الأبناء إلى فيروز وداذويه‏.‏

وكان الأسود تزوج امرأة شهر بن باذان بعد قتله وهي ابنة عم فيروز‏.‏

وخاف من بحضرموت من المسلمين أن يبعث إليهم جيشًا أو يظهر بها كذاب مثل الأسود فتزوج معاذ إلى السكون فعطفوا عليه‏.‏

وجاء إليهم وإلى من باليمن من المسلمين كتب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمرهم بقتال الأسود فقام معاذ في ذلك وقويت نفوس المسلمين وكان الذي قدم بكتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبر بن يحنس الأزدي قال جشنس الديلمي‏:‏ فجاءتنا كتب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمرنا بقتاله إما مصادمةً أو غيلةً يعني إليه وإلى فيروز وداذويه وأن نكاتب من عنده دين‏.‏

فعملنا في ذلك فرأينا أمرًا كثيفًا وكان قد تغير لقيس بن عبد يغوث فقلنا‏:‏ إن قيسًا يخاف على دمه فهو لأول دعوة فدعوناه وأبلغناه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكأنما نزلنا عليه من السماء فأجابنا وكاتبنا الناس‏.‏

فأخبره الشيطان شيئًا من ذلك فدعا قيسًا فأخبره أن شيطانه يأمره قبتله لميله إلى عدوه فحلف قيس‏:‏ لأنت أعظم في نفسي من أن أحدث نفسي بذلك‏.‏

ثم أتانا فقال‏:‏ يا جشنس ويا فيروز ويا داذويه فأخبرنا بقول الأسود‏.‏

فبينا نحن معه يحدثنا إذ أرسل إلينا الأسود فتهددنا فاعتذرنا إليه ونجونا منه ولم نكد وهو مرتاب بنا ونحن نحذره‏.‏

فبينا نحن على ذلك إذ جاءتنا كتب عامر بن شهر وذي زودٍ مران وذي الكلاع وذي ظليم يبذلون لنا النصر فكاتبناهم وأمرناهم أن لا يفعلوا شيئًا حتى نبرم أمرنا وإنما اهتاجوا لذلك حين كاتبهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكتب أيضًا إلى أهل نجران فأجابوه وبلغ ذلك الأسود وأحس بالهلاك‏.‏

قال‏:‏ فدخلت على آزاد وهي امرأته التي تزوجها بعد قتل زوجها شهر ابن باذان فدعوتها إلى ما نحن عليه وذكرتها قتل زوجها شهر وإهلاك عشيرتها وفضيحة النساء‏.‏

فأجابت وقالت‏:‏ والله ما خلق الله شخصًا أبغض إلي منه ما يقوم لله على حق ولا ينتهي عن محرم فأعلموني أمركم أخبركم بوجه الأمر‏.‏

قال‏:‏ فخرجت وأخبرت فيروز وداذويه وقيسًا‏.‏

قال‏:‏ وإذ قد جاء رجل فدعا قيسًا إلى الأسود فدخل في عشرة من مذحج وهمدن فلم يقدر على قتله معهم وقال له‏:‏ ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب إنه يعني شيطانه يقول لي‏:‏ إلا تقطع من قيس يده يقطع رقبتك‏.‏

فقال قيس‏:‏ إنه ليس من الحق أن أهلك وأنت رسول الله فمرني بما أحببت أو اقتلني فموته أهون من موتات‏.‏

فرق له وتركه وخرج قيس فمر بنا وقال‏:‏ اعملوا عملكم‏.‏

ولم يعقد عندنا‏.‏

فخرج علينا الأسود في جمع فقمنا له وبالباب مائة ما بين بقرة وبعير فنحرها ثم خلاها ثم قال‏:‏ أحق ما بلغني عنك يا فيروز - وبوأ له الحربة - لقد هممت أن أنحرك‏.‏

فقال‏:‏ اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء فلو لم تكن نبيًا لما بعنا نصيبنا منك بشيء فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الدنيا والآخرة فإنا بحيث تحب فقال له‏:‏ اقسم هذه فقسمها ولحق به وهو يسمع سعاية رجل بفيروز وهو يقول له‏:‏ أنا قاتله غدًا وأصحابه ثم التفت فإذا فيروز فأخبره بقسمتها ودخل الأسود ورجع فيروز فأخبرنا الخبر فأرسلنا إلى قيس فجاءنا فاجتمعنا على أن أعود إلى المرأة فأخبرها بعزيمتنا ونأخذ رأيها فأتيتها فأخبرتها فقالت‏:‏ هو متحرز وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا فإذا أمسيتم فانقبوا عليه فإنكم من دون الحرس وليس دون قتله شيء وستجدون فيه سراجًا وسلاحًا‏.‏

فخرجت فتلقاني الأسود خارجًا من بعض منازله فقال‏:‏ ما أدخلك علي ووجأ رأسي حتى سقطت وكان شديدًا فصاحت المرأة فأدهشته عني ولولا ذلك لقتلني وقالت‏:‏ جاءني ابن عمي زائرًا ففعلت به هذا فتركني فأتيت أصحابي فقلت‏:‏ النجاء‏!‏ الهرب‏!‏ وأخبرتهم الخبر‏.‏

فإنا على ذلك حيارى إذ جاءنا رسولها يقول‏:‏ لا تدعن ما فارقتك عليه فلم أزل به حتى

اطمأن‏.‏

فقلنا لفيروز‏:‏ إيتها فتثبت منها‏.‏

ففعل فلما أخبرته قال‏:‏ ننقب على بيوت مبطنة فدخل فاقتلع البطانة وجلس عندها كالزائر فدخل عليها الأسود فأخذته غيرة فأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم فأخرجه‏.‏

فلما أمسينا عملنا في أمرنا وأعملنا أشياعنا وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين فنقبنا البيت من خارج ودخلنا وفيه سراج تحت جفنة واتقينا بفيروز كان أشدنا فقلنا‏:‏ انظر ماذا ترى فخرج ونحن بينه وبين الحرس‏.‏

فلما دنا من باب البيت سمع غطيطًا شديدًا والمرأة قاعدة فلما قام على باب البيت أجلسله الشيطان وتكلم على لسانه وقال‏:‏ ما لي ولك يا فيروز‏!‏ فخشي إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل فأخذ برأسه فقتله ودق عنقه ووضع ركبته في ظهره فدقه ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه وهي ترى أنه لم يقتله‏.‏

فقال‏:‏ قد قتلته وأرحتك منه وخرج فأخبرنا فدخلنا معه فخار كما يخور الثور فقطعت رأسه بالشفرة وابتدر الحرس المقصورة يقولون‏:‏ ما هذا فقالت المرأة‏:‏ النبي يوحى إليه‏!‏ فخمدوا وقعدنا نأتمر بيننا فيروز وداذويه وقس كيف نخبر أشياعنا فاجتمعنا على النداء‏.‏

فلما طلع الفجر نادينا بشعارنا الذي بيننا وبين أصحابنا ففزع المسلمون والكافرون ثم نادينا بالأذان فقلت‏:‏ أشهد أن محمدًا رسول الله وأن عيهلة كذاب‏!‏ وألقينا إليهم رأسه وأحاط بنا أصحابه وحرسه وشنوا الغارة وأخذوا صبيانًا كثيرة وانتهبوا‏.‏

فنادينا أهل صنعاء من عنده منهم فأمسكه ففعلوا‏.‏

فلما خرج أصحابه فقدوا سبعين رجلًا فراسلونا وراسلناهم على أن يتركوا لنا ما في أيديهم ونترك ما في أيدينا ففعلنا ولم يظفروا منا بشيء وترددوا في ما بين صنعاء ونجران‏.‏

وتراجع أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أعمالهم وكان يصلي بنا معاذ بن جبل وتبنا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخبره وذلك في حياته‏.‏

وأتاه الخبر من ليلته وقدمت رسلنا وقد توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأجابنا أبو بكر‏.‏

قال ابن عمر‏:‏ أتى الخبر من السماء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلته التي قتل فيها فقال‏:‏ ‏(‏قتل العنسي قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين‏)‏‏.‏ قيل‏:‏ من قتله قال‏:‏ ‏(‏قتله فيروز‏)‏‏.‏

قيل‏:‏ كان أول أمر العنسي إلى آخره ثلاثة أشهر وقيل قريب من أربعة أشهر وكان قدوم البشير بقتله في آخر ربيع الأول بعد موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان أول بشارة أتت أبا بكر وهو بالمدينة‏.‏

قال فيروز‏:‏ لما قتلنا الأسود عاد أمرنا كما كان وأرسلنا إلى معاذ بن جبل فصلى بنا ونحن

راجون مؤملون لم يبق شيء نكرهه إلا تلك الخيول من أصحاب الأسود فأتى موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فانتقضت الأمور واضطربت الأرض‏.‏

العنسي بالعين والنون‏.‏

وفي هذه السنة ماتت فاطمة بنت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان وهي ابنة تسع وعشين سنة أو نحوها وقيل‏:‏ توفيت بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثلاثة أشهر وقيل‏:‏ بستة أشهر وغسلها علي وأسماء بنت عميس وصلى عليها العباس بن عبد المطلب ودخل قبرها العباس وعلي والفضل بن العباس‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أبي بكر الصديق وكان أصابه سهم بالطائف وهو مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رماه به أبو محجن ثم انتفض عليه فمات في شوال‏.‏

وفي هذا العام الذي بويع فيه أبو بكر ملك يزدجر بلاد فارس‏.‏

وفيه أعني سنة إحدى عشرة اشترى عمر بن الخطاب مولاه أسلم بمكة من ناس من الأشعريين‏.‏

ذكر أخبار الردة

قال عبد الله بن مسعود‏:‏ لقد قمنا بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقامًا كدنا نهلك فيه لولا أن الله من علينا بأبي بكر أجمعنا على أن لا نقاتل على ابنة مخاض وابنة لبون وأن نأكل قرى عربية ونعبد الله حتى يأتينا اليقين فعزم الله لأبي بكر على قتالهم فوالله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية فأما الخطة المخزية فأن يقروا بأن من قتل منهم في النار ومن قتل منا في الجنة وأن يدوا قتلانا ونغنم ما أخذنا منهم وأن ما أخذوا منا مردودٌ علينا‏.‏

وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم‏.‏

وأما أخبار الردة فإنه لما مات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسير أبو بكر جيش أسامة ارتدت العرب وتضرمت الأرض نارًا وارتدت كل قبيلة عامة أو خاصة إلا قريشًا وثقيفًا واستغلظ أمر مسيلمة وطليحة واجتمع على طليحة عوام طيئ وأسد وارتدت غطفان تبعًا لعيينة بن حصن فإنه قال‏:‏ نبي من الحليفين يعني أسدًا وغطفان أحب إلينا من نبي من قريش وقد مات محمد وطليحة حي فاتبعه وتبعته غطفان‏.‏

وقدمت رسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اليمامة وأسد وغيرهما وقد مات فدفعوا كتبهم لأبي بكر وأخبروه الخبر عن مسيلمة وطليحة فقال‏:‏ لا تبرحوا حتى تجيء رسل أمرائكم وغيرهم بأدهى مما وصفتهم فكان كذلك وقدمت كتب أمراء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كل مكان بانتفاض العرب عامة أو خاصة وتسلطهم

على المسلمين فحاربهم أبو بكر بما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحاربهم بالرسل فرد رسلهم بأمره وأتبع رسلهم رسلًا وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة فكان عمال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قضاعة وكلب امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي وعلى القين عمرو بن الحكم وعلى سعد هذيم معاوية الوالبي فارتد وديعة الكلبي فيمن تبعه وبقي امرؤ القيس على دينه وارتد زميل بن قطبة القيني وبقي عمرو وارتد معاوية فيمن اتبعه من سعد هذيم فكتب أبو بكر إلى امرىء القيس وهو جد سكينة بنت الحسين فسار بوديعة إلى عمرو فأقام لزميل وإلى معاوية العذري وتوسطت خيل أسامة ببلاد قضاعة فشن الغارة فيهم فغنموا وعادوا سالمين‏.‏

ذكر خبر طليحة الأسدي


وكان طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة قد تنبأ في حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوجه إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضرار بن الأزور عاملًا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه فضربه بسيف فلم يصنع فيه شيئًا فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه فكثر جمعه‏.‏ ومات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم على ذلك فكان طليحة يقول‏:‏ إن جبرائيل يأتيني وسجع للناس الأكاذيب وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول‏:‏ إن الله لا يصنع بتعفر وجوهم وتقبح أدباركم شيئًا اذكروا الله أعفة قيامًان إلى غير ذلك وتبعه كثير من العرب عصبيةً فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيئ‏.‏

فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة وأقامت طيئ على حدود أراضيهم وأسد بسميراء واجتمعت عبس وثعلبة ابن سعد ومرة بالأبرق من الربذة واجتمع إليهم ناس من بني كنانة فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين أقامت فرقة بالأبرق وسارت فرقة إلى ذي القصة وأمدهم طليحة بأخيه حبال فكان عليهم وعلى من معهم من الدئل وليث ومدلج وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة فقال أبو بكر‏:‏ ‏(‏والله لو منعوني عقالًا لجاهدتهم عليه‏)‏‏.‏ وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم فرجع وفدهم فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها‏.‏

وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب المدينة عليًا وطلحة والزبير وابن مسعود وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم فما لبثوا إلا ثلاثًا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلفوا بعضهم بذي حسى ليكونوا لهم ردءًا فوافوا ليلًا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر فأرسل إليهم أبو بكر أن الزموا أماكنكم ففعلوا فرج إلى

أهل المسجد على النواضح فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسىً فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال ثم دهدهوها بأرجلهم على الأرض فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلمٌ‏.‏

وظن الكفار بالمسلمين الوهن وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر فقدموا عليهم وبات أبو بكر يعبي الناس وخرج على تعبية يمشي وعلى ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد ابن مقرن‏.‏

فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة وكان أول الفتح ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد ورجع إلى المدينة فذل له المشركون‏.‏

فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة وازداد المسلمون قوة وثباتًا‏.‏

وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعي بن حاتم وذلك لتمام ستين يومًا من مخرج أسامة وقدم أسامة بعد ذلك بأيام وقيل‏:‏ كانت غزوته وعوده في أربعين يومًا‏.‏

فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر على المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم ثم خرج فيمن كان معه فناشده المسلمون ليقيم فأبى وقال‏:‏ لأواسينكم بنفسي‏.‏

وسار إلى ذي حسىً وذي القصة حتى نزل بالأبرق فقاتل من به فهزم الله المشركين وأخذ الحطيئة أسيرًا فطارت عبس وبنو بكر وأقام أبو بكر بالأبرق أيامًا وغلب علي بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم‏.‏

ولما انهزمت عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو ببزاخة وكان رحل من سميراء إليها فأقام عليها وعاد أبو بكر إلى المدينة‏.‏

فلما استراح أسامة وجنده وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليهم قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية فعقد أحد عشر لواء عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له وعقد لعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة وعقد للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح ومن أعانه من أهل اليمن عليهم ثم يمضي إلى كندة بحضرموت وعقد لخالد بن سعيد وبعثه إلى الحمقتين من مشارف الشام وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلى قضاعة وعقد لحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهما أن يجتمعا وكل واحد منهما على صاحبه في عمله‏.‏

وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أب جهل وقال‏:‏ إذا فرغ من اليمامة فالحق بقضاعة وأنت على خيلك تقاتل أهل الردة‏.‏

وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن وعقد للعلاء بن الحضرمي وأمره بالبحرين ففصلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أمير جنده وعهد إلى كل أمير وكتب إلى جميع المرتدين نسخة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم وسير الكتب إليهم مع رسله‏.‏

ولما انهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلى طليحة ببزاخة أرسل إلى جديلة والغوث من طيئ يأمرهم باللحاق به فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم باللحاق بهم فقدموا على طليحة‏.‏

وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلى طيئ وأتبعه خالدًا وأمره أن يبدأ بطيئ ومنهم يسير إلى بزاخة ثم يثلث بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له‏.‏

وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلى خيبر بجيش حتى يلاقي خالدًا يرهب العدو بذلك‏.‏

وقدم عدي على طيئ فدعاهم وخوفهم فأجابوه وقالوا له‏:‏ استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم‏.‏

فاستقبل عدي خالدًا وأخبره بالخبر فتأخر خالد وأرسلت طيئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم فعادت طيئ إلى خالد بإسلامهم ورحل خالد يريد جديلة فاستمهله عدي عنهم ولحق بهم عدي بهم يدعوهم إلى الإسلام فأجابوه فعاد إلى خالد بإسلامهم ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم وكان خير مولود في أرض طيئ وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعةً فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخو سلمة فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتًا ورجعا‏.‏

وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتًا قتيلين فجزع لذلك المسلمون وانصرف بهم خالد نحو طيئ فقالت له طيئ‏:‏ نحن نكفيك قيسًا فإن بني أسد حلفاؤنا‏.‏

فقال‏:‏ قاتلوا أي الطائفتين شئتم‏.‏

فقال عدي بن حاتم‏:‏ لو نزل هذا على الذين هم أسرتي فالأدنى لجاهدتهم عليه والله لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم‏.‏

فقال له خالد‏:‏ إن جهاد الفريقين جهادٌ لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط ثم تعبى لقتالهم ثم سار حتى التقيا على بزاخة وبنو عامر قريبًا يتربصون على من تكون الدائرة قال‏:‏ فاقتتل الناس على بزاخة‏.‏

وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة فقاتلوا قتالًا شديدًا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم فلما اشتدت الحر كر عيينة على طليحة وقال له‏:‏ هل جاءك جبرائيل بعد قال‏:‏ لا فرجع فقاتل ثم كر على طليحة فقال له‏:‏ لا أبا لك‏!‏ أجاءك جبرائيل قال‏:‏ لا‏.‏

فقال عيينة‏:‏ حتى متى والله بلغ منا‏!‏ ثم رجع فقاتل قتالًا شديدًا ثم كر على طليحة فقال‏:‏ هل جاءك جبرائيل قال‏:‏ نعم‏.‏

فماذا قال لك قال‏:‏ قال لي‏:‏ إن لك رحًا كرحاه وحديثًا لا تنساه‏.‏

فقال عيينة‏:‏ قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب فانصرفوا وانهزم الناس‏.‏

وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال‏:‏ يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل‏.‏

ثم انهزم فلحق بالشام ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه أن أسدًا وغطفان قد أسلموا ولم يزل مقيمًا في كلب حتى مات أبو بكر‏.‏

وكان خرج معتمرًا في إمارة أبي بكر ومر بجنبات المدينة فقيل لأبي بكر‏:‏ هذا طليحة‏!‏ فقال‏:‏ ما أصنع به قد أسلم‏!‏ ثم أتى عمر فبايعه حين استخلف‏.‏

فقال له‏:‏ أنت قاتل عكاشة وثابت والله لا أحبك أبدًا‏!‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما‏!‏ فبايعه عمر وقال له‏:‏ ما بقي من كهانتك فقال‏:‏ نفخة أو نفختان بالكير‏.‏

ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق‏.‏

ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن فقدم به على أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف‏:‏ يا عدو الله أكفرت بعد إيمانك فيقول‏:‏ والله ما آمنت بالله طرفة عين‏.‏

فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه‏.‏

وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالمًا به فسأله خالد عما كان يقول فقال‏:‏ إن مما أتى به‏:‏ والحمام واليمام والصرد الصوام قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغن ملكنا العراق والشام‏.‏

قال‏:‏ ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم كانوا قد أحرزوا حريمهم فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشية على عيالاتهم فآمنهم‏.‏

حبال بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وبعد الألف لام‏.‏

وذو القصة بفتح القاف والصاد المهملة‏.‏

وذو حسىً بضم الحاء المهملة والسين المهملة المفتوحة‏.‏

ودبا بفتح الدال المهملة وبالباء الموحدة‏.‏

وبزاخة بضم الباء الموحدة وبالزاي والخاء المعجمة‏.‏

ذكر ردة بني عامر وهوازن وسليم

وكانت بنو عامر تقدم إلى الردة رجلًا وتؤخر أخرى وتنظر ما تصنع أسد وغطفان‏.‏

فلما أحيط بهم وبنو عامر على قادتهم وسادتهم كان قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها وكان أسلم ثم ارتد في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولحق بالشام بعد فتح الطائف فلما توفي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقبل مسرعًا حتى عسكر في بني كعب‏.‏

فبلغ ذلك أبا بكر فبعث إليه سرية عليها القعقاع بن عمرو وقيلك بل قعقاع بن سور وقال له ليغير على علقمة لعله يقتله أو يستأسره‏.‏

فخرج حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة وكان لا يبرح إلا مستعدًا فسابقهم على فرسه فسبقهم مراكضة وأسلم أهله وولده وأخذه القعقاع وقدم بهم على أبي بكر فجحدوا أن يكونوا على حال علقمة ولم يبلغ أبا بكر عنهم أنهم فارقوا دارهم وقالوا له‏:‏ ما ذنبنا فيما صنع علقمة فأرسلهم ثم أسلم فقبل ذلك منه‏.‏

وأقبلت بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة يقولون‏:‏ ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله وأتوا خالدًا فبايعهم على ما بايع أهل بزاخة وأعطوه بأيديهم على الإسلام وكانت بيعته‏:‏ عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله ولتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم فيقولون‏:‏ نعم ولم يقبل من أحد من أسد وغطفان وطيئ وسليم وعامر إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على الإسلام في حال ردتهم فأتوه بهم فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ورمى بهم من الجبال ونكسهم في الآبار وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل وأرسل إليه قرة ابن هبيرة ونفرًا معه موثقين وزهيرًا أيضًا‏.‏

وأما أم زمل فاجتمع فلال غطفان وطيئ وسليم وهوازن وغيرها إلى أم زمل سلمى بنت مالك بن حذيفة بن بدر وكانت أمها أم قرفة بنت ربيعة بن بدر وكانت أم زمل قد سبيت أيام أمها أم قرفة وقد تقدمت الغزوة فوقعت لعائشة فأعتقتها ورجعت إلى قومها وارتدت واجتمع إليها الفل فأمرتهم بالقتال وكثف جمعها وعظمت شوكتها‏.‏

فلما بلغ خالدًا أمرها سار إليها فاقتتلوا قتالًا شديدًا أول يوم وهي واقفة على جمل كان لأمها وهي في مثل عزها فاجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها وقتل حول جملها مائة رجل وبعث بالفتح إلى أبي بكر‏.‏

وأما خبر الفجاءة السلمي واسمه إياس بن عبد ياليل فإنه جاء إلى أبي بكر فقال له‏:‏ أعني بالسلاح أقاتل به أهل الردة‏.‏

فأعطاه سلاحًا وأمره إمرةً فخالف إلى المسلمين وخرج حتى نزل بالجواء وبعث نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن فبلغ ذلك أبا بكر فأرسل إلى طريفة بن حاجز فأمره أن يجمع له ويسير إليه وبعث إليه عبد الله بن قيس الحاشي عونًا فنهضا إليه وطلباه فلاذ منهما ثم لقياه على الجواء فاقتتلوا وقتل نخبة وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره ثم بعث به إلى أبي بكر فلما قدم أمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمي به فيها مقموطًا‏.‏

وأما خبر أبي شجرة بن عبد العزى السلمي وهو ابن الخنساء فإنه كان قد ارتد فيمن ارتد من سليم وثبت بعضهم على الإسلام مع معن بن حاجز وكان أميرًا لأبي بكر‏.‏

فلما سار خالد إلى طليحة كتب إلى معن أن يلحقه فيمن معه على الإسلام من بني سليم فسار واستخلف على صحا القلب عن ميٍّ هواه وأقصرا وطاوع فيها العاذلين فأبصرا ألا أيها المدلي بكثرة قومه وحظك منهم أن تضام وتقهرا سل الناس عنا كل يوم كريهةٍ إذا ما التقينا دارعين وحسرا ألسنا نعاطي ذا الطماح لجامه ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا فرويت رمحي من كتيبة خالدٍ وإني لأرجو بعدها أن أعمرا ثم إن أبا شجرة أسلم فلما كان زمن عمر قدم المدينة فرأى عمر وهو يقسم في المساكين فقال‏:‏ أعطني فإني ذو حاجة فقال‏:‏ ومن أنت فقال‏:‏ أنا أبو شجرة بن عبد العزى السلمي‏.‏

قال‏:‏ أي عدو الله لا والله‏!‏ ألست الذي تقول‏:‏ فرويت رمحي من كتيبة خالدٍ وإني لأرجو بعدها أن أعمرا وجعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدوًا إلى ناقته فركبها ولحق بقومه وقال‏:‏ ضن علينا أبو حفصٍ بنائله وكل مختبطٍ يومًا له ورق في أبيات‏.‏

ذكر قدوم عمرو بن العاص من عمان

كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أرسل عمرو بن العاص إلى جيفر عند منصرفه من حجه الوداع‏.‏ فمات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعمرو بعمان فأقبل حتى انتهى إلى البحرين فوجد المنذر بن ساوى في الموت‏.‏

ثم خرج عنه إلى بلاد بني عامر فنزل بقرة بن هبيرة وقرة يقدم رجلًا ويؤخر أخرى ومعه عسكر من بني عامر فذبح له وأكرم مثواه‏.‏

فلما اراد الرحلة خلا به قرة وقال‏:‏ يا هذا إن العرب لا تطيب لكم نفسًا بالإتاوة فإن أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم‏.‏

فقال له عمرو‏:‏ أكفرت يا قرة أتخوفنا بالعرب فوالله لأوطئن عليك الخيل في حفش أمك والحفش‏:‏ بيت تنفرد فيه النفساء‏.‏

وقدم على المسلمين بالمدينة فأخبرهم فأطافوا به يسألونه فأخبرهم أن العساكر معسكرة من دبا إلى المدينة‏.‏

فتفرقوا وتحلقوا حلقًا وأقبل عمر يريد التسليم على عمرو فمر على حلقة فيها علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد‏.‏

فلما دنا عمر منهم سكتوا فقال‏:‏ فيم أنتم فلم يجيبوه‏.‏

فقال لهم‏:‏ إنكم تقولون ما أخوفنا على قريش من العرب‏!‏ قالوا‏:‏ صدقت‏.‏

قال‏:‏ فلا تخافوهم أنا والله منكم على العرب أخوف مني من العرب عليكم والله لو تدخلون معاش قريش جحرًا لدخلته العرب في آثاركم فاتقوا الله فيهم‏.‏

ومضى عمر فلما قدم بقرة بن هبيرة على أبي بكر أسيرًا استشهد بعمرو على إسلامه

فأحضر أبو بكر عمرًا فسأله فأخبره بقول قرة إلى أن وصل إلى ذكر الزكاة فقال قرة‏:‏ مهلًا يا عمرو‏!‏ فقال‏:‏ كلا والله لأخبرنه بجميعه‏.‏

فعفا عنه أبو بكر وقبل إسلامه‏.‏

ذكر بني تميم وسجاح

وأما بنو تميم فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرق فيهم عماله فكان الزبرقان منهم وسهل بن منجاب وقيس بن عاصم وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمرو ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة‏.‏

فلما وقع الخبر بموت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سار صفوان بن صفوان إلى أبي بكر بصدقات بني عمرو وأقام قيس عاصم ينظر ما الزبرقان صانع ليخالفه فقال حين أبطأ عليه الزبرقان في عمله‏:‏ واويلتاه من ابن العكلية‏!‏ والله لقد مزقني ما أدري ما أصنع لئن أنا بعثت بالصدقة إلى أبي بكر وبايعته لينحرن ما معه في بني سعد فيسودني فيهم ولئن نحرتها في بني سعد ليأتين أبي بكر فيسودني عنده‏.‏

فقسمها على المقاعس والبطون ووافى الزبرقان فاتبع صفوان بن صفوان بصدقات الرباب - وهي ضبة بن أد بن طابخة وعدي وتيم وعكل وثور بنو عبد مناة بن أد - وبصدقات عوف والأبناء وهذه بطون من تميم‏.‏

ثم ندم قيس بعد ذلك فلما أظله العلاء بن الحضرمي أخرج الصدقة فتلقاه بها ثم خرج معه وتشاغلت تميم بعضها ببعض‏.‏

وكان ثمامة بن أثال الحنفي تأتيه أمداد تميم فلما حدث هذا الحدث أضر ذلك بثمامة وكان مقاتلًا لمسيلمة الكذاب حتى قدم عليه عكرمة بن أبي جهل فبينما الناس ببلاد تميم مسلمهم بإزاء من أراد الردة وارتاب إذ جاءتهم سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة‏.‏

وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب تقود أفناء ربيعة معها الهذيل بن عمران في بني تغلب وكان نصرانيًا فترك دينه وتبعها وعقة بن هلال في النمر وزياد بن فلان في إياد والسليل بن قيس في شيبان فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم والتشاغل فيما بينهم‏.‏

وكان سجاح تريد غزو أبي بكر فأرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب الموادعة فأجابها وردها عن غزوها وحملها على أحياء من بني تميم فأجابته وقالت‏:‏ أنا امرأة من بني يربوع فإن كان ملك فهو لكم‏.‏

وهرب منها عطارد بن حاجب وسادة بني مالك وحنظلة إلى بني العنبر وكرهوا ما صنع وكيع وكان قد وادعها وهرب منها أشباههم من بني يربوع وكرهوا ما صنع مالك بن نويرة واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت‏:‏ أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب‏.‏

فساروا إليهم فلقيهم ضبة وعبد مناة فقتل بينهم قتلى كثيرة وأسر بعضهم من بعض ثم تصالحوا وقال قيس بن عاصم شعرًا ظهر فيه ثم سارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النباج فأغار عليهم أوس ابن خزيمة الهجيمي في بني عمرو فأسر الهذيل وعقة ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ولا يطأ أرض أوس ومن معه‏.‏

ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة وقالت‏:‏ عليكم باليمامه ودفوا دفيف الحمامة فإنها غزوة صرامه لا يلحقكم بعدها ملامه‏.‏

فقصدت بني حنيفة فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بن حسنة والقبائل التي حولهم على حجر وهي اليمامة فأهدى لها ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها فآمنته فجاءها في أربعين من بني حنيفة فقال مسيلمة‏:‏ لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش‏.‏

وكان مما شرع لهم مسيلمة أن من أصاب ولدًا واحدًا ذكرًا لا يأتي النساء حتى يموت ذلك الولد فيطلب الولد حتى يصيب ابنًا ثم يمسك‏.‏

وقيل‏:‏ بل تحصن منها فقالت له‏:‏ انزل فقال لها‏:‏ أبعدي أصحابك‏.‏

ففعلت وقد ضرب لها قبة وخمرها لتذكر بطيب الريح الجماع واجتمع بها فقالت له‏:‏ ما أوحى إليك ربك فقال‏:‏ ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى أخرج منها نسمةً تسعى بين سفاق وحشىً قالت‏:‏ وماذا أيضًا قال‏:‏ إن الله خلق النساء أفراجًا وجعل الرجال لهن أزواجًا فتولج فيهن قعسًا إيلاجًا ثم تخرجها إذا تشاء إخراجًا فينتجن لنا سخالًا إنتاجًا‏.‏

قالت‏:‏ أشهد أنك نبي‏.‏

قال‏:‏ هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ألا قومي إلى النيك فقد هيي لك المضجع فإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع قالت‏:‏ بل به أجمع فإنه أجمع للشمل‏.‏

قال‏:‏ بذلك أوحي إلي‏.‏

فأقامت عنده ثلاثًا ثم انصرفت إلى قومها فقالوا لها‏:‏ ما عندك قالت‏:‏ كان على الحق فتبعته وتزوجته‏.‏

قالوا‏:‏ هل أصدقك شيئًا قالت‏:‏ لا‏.‏

قالوا‏:‏ فارجعي فاطلبي الصداق فرجعت‏.‏

فلما رآها أغلق باب الحصن وقال‏:‏ ما لك قالت‏:‏ أصدقني‏.‏

قال‏:‏ من مؤذنك قالت‏:‏ شبث بن ربعي الرياحي فدعاه وقال له‏:‏ ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد‏:‏ صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة‏.‏

فانصرفت ومعها أصحابها منهم‏:‏ عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعي فقال عطارد بن حاجب‏:‏

وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف فأخذت النصف وانصرفت إلى الجزيرة وخلفت الهذيل وعقة وزيادًا لأخذ النصف الباقي فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا‏.‏

فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها وانتقلت إلى البصرة وماتت بها وصلى عليها سمرة ابن جندب وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة‏.‏

وقيل‏:‏ إنها لما قتل مسيلمة سارت إلى أخوالها تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها بذكر‏.‏

ذكر مالك بن نويرة

لما رجعت سجاح إلى الجزيرة ارعوى مالك بن نويرة وندم وتحير في أمره وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا فراجعا رجوعًا حسنًا ولم يتجبرا وأخرجا الصدقات فاستقبلا بها خالدًا‏.‏

وسار خالد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان وأسد وطيئ يريد البطاح وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا‏:‏ ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن الخليفة عهد إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا‏.‏

فقال خالد‏:‏ قد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ولو لم يأتي كتاب ما رأيته فرصةً وكنت إن أعلمته فاتتني لم أعلمه حتى انتهزها وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس فيه منه عهد لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به فأنا قاصد إلى مالك ومن معي ولست أكرههم‏.‏

ومضى خالد وندمت الأنصار وقالوا‏:‏ إن أصاب القوم خيرًا حرمتموه وإن أصيبوا ليجتنبنكم الناس‏.‏ فلحقوه‏.‏

ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد بها أحدًا وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال‏:‏ يا بني يربوع إنا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة وإذا الأمر لا يسوسه الناس فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر‏.‏

فتفرقوا على ذلك ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع أن يقتلوه وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلًا فإن أذن القوم فكفوا عنهم وإن لم يؤذنوا فاقتلوا وانهبوا وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم‏.‏

قال‏:‏ فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع فاختلفت السرية فيهم وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في

ليلة باردة لا يقوم لها شيء فأمر خالد مناديًا فنادى‏:‏ أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكًا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال‏:‏ إذا أراد الله أمرًا أصابه وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة‏:‏ هذا عملك فزبره خالد فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر فغضب أبو بكر حتى كلمه عمر فيه فلم يرض إلا أن يرجع إليه فرجع إليه حتى قدم معه المدينة وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك‏.‏

فقال عمر لأبي بكر‏:‏ إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك‏.‏

فقال‏:‏ هيه يا عمر‏!‏ تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشيم سيفًا سله الله على الكافرين‏.‏ وودى مالكًا وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ودخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد وقد غرز في عمامته أسهمًا فقام إليه عمر فنزعها وحطمها وقال له‏:‏ أرثاء قتلت أمرًا مسلمًا ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك‏!‏ وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب‏.‏

فخرج خالد وعمر جالسٌ فقال‏:‏ هلم إلي يا ابن أم سلمة‏.‏

فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه‏.‏

وقيل‏:‏ إن المسلمين لما غشوا مالكًا وأصحابه ليلًا أخذوا السلاح فقالوا‏:‏ نحن المسلمون‏.‏

فقال أصحاب مالك‏:‏ ونحن المسلمون‏.‏

قالوا لهم‏:‏ ضعوا السلاح فوضعوه ثم صلوا وكان يعتذر في قتله أنه قال‏:‏ ما إخال صاحبكم إلا قال كذا وكذا‏.‏

فقال له‏:‏ أو ما تعده لك صاحبًا ثم ضرب عنقه‏.‏

وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكًا من بيت المال‏.‏

ولما قدم على عمر قال له‏:‏ ما بلغ بك الوجد على أخيك قال‏:‏ بكيته حولًا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة وما رأيت نارًا قط إلا كدت أنقطع أسفًا عليه لأنه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه‏.‏

قال‏:‏ فصفه لي‏.‏

قال‏:‏ كان يركب الفرس الحرون ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوختين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت معتقلًا رمحًا خطلًا فيسري ليلته ثم يصبح وكأن وجهه فلقة قمر‏.‏

قال‏:‏ أنشدني بعض ما قلت فيه‏.‏

فأنشده مرثيته التي يقول فيها‏:‏ وكنا كندماني جذيمة حقبةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكًا لطول اجتماعٍ لم نبت ليلةً معًا فقال عمر‏:‏ لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيدًا‏.‏

فقال متمم‏:‏ ولا سواء يا أمير المؤمنين لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به‏.‏

وفي هذه الوقعة قتل الوليد وأبو عبيدة ابنا عمارة بن الوليد وهما ابنا أخي خالد لهما صحبة‏.‏

ذكر مسيلمة وأهل اليمامة

قد ذكرنا فيما تقدم مجيء مسيلمة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما مات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة فعجل عكرمة ليذهب بصوتها فواقعهم فنكبوه وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر‏.‏

فكتب إليه أبو بكر‏:‏ لا أرينك ولا تراني لا ترجعن فتوهن الناس امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة ثم تسير أنت وجندك تستبرون الناس حتى تلقى مهاجر بن أبي أمية باليمن وحضرموت‏.‏

فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة‏.‏فلما رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه قبل عذره ورضي عنه ووجهه إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطاب وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه‏.‏

فلما وصلوا إليه سار إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذٍ كثيرون كانت عدتهم أربعين ألف مقاتل وعجل شرحبيل ابن حسنة وبادر خالدًا بقتال مسيلمة فنكب فلامه خالد وأمد أبو بكر خالدًا بسليط ليكون ردءًا له لئلا يؤتى من خلفه‏.‏

وكان أبو بكر يقول‏:‏ لا أستعمل أهل بدر أدعهم حتى يلقوا الله بصالح أعمالهم فإن الله يدفع بهم وبالصالحين أكثر مما ينتصر بهم‏.‏

وكان عمر يرى استعمالهم على الجند وغيره‏.‏

وكان مع مسيلمة نهارٌ الرجال بن عنفوة وكان قد هاجر إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقرأ القرآن وفقه في الدين وبعثه معلمًا لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة فكان أعظم فتنةً على بني حنيفة من مسيلمة شهد أن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ إن مسيلمة قد أشرك معه فصدقوه واستجابوا له وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره وكان يؤذن له عبد الله بن النواجة والذي يقيم له حجير بن عمير فكان حجير يقول‏:‏ أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله‏.‏

فقال له مسيلمة‏:‏ أفصح حجير فليس في المجمجمة خير‏.‏

وهو أول من قالها‏.‏

وكان مما جاء به وذكر أنه وحي‏:‏ ‏{‏يا ضفدع بنت ضفدع نقي ما تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين‏)‏‏.‏

وقال أيضًا‏:‏ ‏(‏والمبديات زرعًا والحاصدات حصدًا والذاريات قمحًا والطاحنات طحنًا والخابزات خبزًا والثاردات ثردًا واللاقمات لقمًا إهالة وسمنًا لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المذر ريقكم فامنعوه والمعيي فأووه والباغي فناوئوه‏)‏‏.‏

وأتته امرأة فقالت‏:‏ إن نخلنا لسحيق وإن آبارنا لجزرٌ فادع الله لمائنا ونخلنا كما دعا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل هزمان‏.‏

فسأل نهارًا عن ذلك فذكر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كل نخلة وأطلعت فسيلًا قصيرًا مكممًا ففعل مسيلمة ذلك فغار ماء الآبار ويبس النخل وإنما ظهر ذلك بعد مهلكه‏.‏

وقال له نهار‏:‏ أمر يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمد ففعل وأمر يده على رؤوسهم وحنكهم فقرع كل صبي مسح رأسه ولثغ كل صبي حنكه وإنما استبان ذلك بعد مهلكه‏.‏

وقيل‏:‏ جاءه طلحة النمري فسأله عن حاله فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمة فقال‏:‏ أشهد أنك الكاذب وأن محمدًا صادق ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر‏.‏فقتل معه يوم عقرباء كافرًا‏.‏

ولما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بعقرباء وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأرًا لهم في بني عامر فأخذه المسلمون وأصحابه فقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره فقال شرحبيل بن مسيلمة‏:‏ يا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سبيات وينكحن غير خطيبات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم‏.‏

فاقتتلوا بعقرباء وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة وكانت قبله مع عبد الله بن حفص بن غانم فقتل فقالوا‏:‏ تشى علينا من نفسك فقال‏:‏ بئس حامل القرآن أنا إذًا‏!‏ وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس وكانت العرب على راياتهم والتقى الناس وكان أول من لقي المسلمين نهارٌ الرجال بن عنفوة فقتل قتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربًا مثلها قط وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى مجاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجاعة وهو عند امرأة خالد وكان سلمة إليها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال‏:‏ أنا لها جار فتركوها وقال لهم‏:‏ عليكم بالرجال فقطعوا الفسطاط‏.‏

ثم إن المسلمين تداعوا فقال ثابت بن قيس‏:‏ بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين‏!‏ اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء يعني أهل اليمامة وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء يعني المسلمين ثم قاتل حتى قتل‏.‏

وقال زيد بن الخطاب‏:‏ لا نحور بعد الرجال والله لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم أو أقتل فأكلمه بحجتي‏.‏

غضوا أبصاركم وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدمًا‏.‏

وقال أبو حذيفة‏:‏ يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال‏.‏

وحمل خالد في الناس حتى ردوهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وتذامرت بنو حنيفة وقاتلت قتالًا شديدًا وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين وتارة للكافرين وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من أولي البصائر‏.‏

فلما رأى خالد ما الناس فيه قال‏:‏ امتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حي ولنعلم من أين نؤتى‏.‏

فامتازوا وكان أهل البوادي قد جنبوا المهاجرين والأنصار وجنبهم المهاجرون والأنصار‏.‏

فلما امتازوا قال بعضهم لبعض‏:‏ اليوم يستحى من الفرار فما رئيس يوم كان أعظم نكاية من ذلك اليوم ولم يدر أي الفريقين كان أعظم نكاية غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في أهل البوادي‏.‏

وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه فعرف خالدٌ أنها لا تركد إلا بقتل مسيلمة ولم تحفل بنو حنيفة بمن قتل منهم‏.‏

ثم برز خالد ودعا إلى البراز ونادى بشعارهم وكان شعارهم‏:‏ يا محمداه‏!‏ فلم يبرز إليه أحدٌ إلا قتله‏.‏

ودارت رحا المسلمين ودعا خالد مسيلمة فأجابه فعرض عليه أشياء مما يشتهي مسيلمة فكان إذا هم بجوابه أعرض ليستشير شيطانه فينهاه أن يقبل‏.‏

فأعرض بوجهه مرة وركبه خالد وأرهقه فأدبر وزال أصحابه وصاح خالد في الناس فركبوهم فكانت هزيمتهم وقال لمسيلمة‏:‏ أين ما كنت عدنا‏.‏

فقال‏:‏ قاتلوا عن أحسابكم‏.‏

ونادى المحكم‏:‏

وكان البراء بن مالك وهو أخو أسد بن مالك إذا حضر الحرب أخذته رعدة حتى يقعد عليه الرجال ثم يبول فإذا بال ثار كما يثور الأسد فأصابه ذلك فلما بال وثب وقال‏:‏ إلي أيها الناس أنا البراء بن مالك‏!‏ إلي إلي‏!‏ وقاتل قتالًا شديدًا فلما دخلت بنو حنيفة الحديقة قال البراء‏:‏ يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة‏.‏

فقالوا‏:‏ لا نفعل‏.‏

فقال‏:‏ والله لتطرحنني عليهم بها‏!‏ فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا أشد قتال وكثر القتلى في الفريقين لاسيما في بني حنيفة فلم يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة‏.‏

واشترك في قتله وحشي مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار أما وحشي فدفع عليه حربته وضربه الأنصاري بسيفه قال ابن عمر‏:‏ فصرخ رجل‏:‏ قتله العبد الأسود فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمةً وأخذهم السيف من كل جانب وأخبر خالد بقتل مسيلمة فخرج بمجاعة يرسف في الحديد ليدله على مسيلمة فجعل يكشف له القتلى حتى مر بمحكم اليمامة وكان وسيمًا فقال‏:‏ هذا صاحبكم فقال مجاعة‏:‏ لا هذا والله خير منه وأكرم هذا محكم اليمامة ثم دخل الحديقة فإذا رويجلٌ أصيفر أخينس فقال مجاعة‏:‏ هذا صاحبكم قد فرغتم منه‏.‏

وقال خالد‏:‏ هذا الذي فعل بكم ما فعل‏.‏

وكان الذي قتل محكم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر رماه بسهم في نحره وهو يخطب

ويحرض الناس فقتله‏.‏

وقال مجاعة لخالد‏:‏ ما جاءك إلا سرعان الناس وإن الحصون مملوة فهلم إلى الصلح على ما ورائي فصالحه على كل شيء دون النفوس وقال‏:‏ أنطلق إليهم فأشاورهم‏.‏

فانطلق إليهم وليس في الحصون إلا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفى فألبسهم الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهن ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم‏.‏

فرجع إلى خالد فقال‏:‏ قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت فرأى خالد الحصون مملوة وقد نهكت المسلمين الحرب وطال اللقاء وأحبوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو كائن وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستون ومن المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل وقتل ثابت بن قيس قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله وقتل من بني حنيفة بعقرباء سبعة آلاف وبالحديقة مثلها وفي الطلب نحو منها‏.‏

وصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي وقيل ربعه‏.‏

فلما فتحت الحصون لم يكن فيها إلا النساء والصبيان والضعفاء فقال خالد لمجاعة‏:‏ ويحك خدعتني‏!‏ فقال‏:‏ هم قومي ولم أستطع إلا ما صنعت‏.‏

ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كلم حتلم وكان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر‏.‏ولما رجع الناس قال عمر لابنه عبد الله وكان معهم‏:‏ ألا هلكت قبل زيد هلك زيد وأنت

حي‏!‏ ألا واريت وجهك عني فقال عبد الله‏:‏ سأل الله الشهادة فأعطيها وجهدت أن تساق إلي فلم أعطها‏.‏

وفي هذه السنة بعد وقعة اليمامة أمر أبو بكر بجمع القرآن لما رأى من كثرة من قتل من الصحابة لئلا يذهب القرآن وسيرد مبينًا سنة ثلاثين‏.‏

من قتل باليمامة

وممن قتل باليمامة شهيدًا من الصحابة عباد بن بشر الأنصاري شهد بدرًا وغيرها‏.‏

وقتل عباد بن الحارث الأنصاري وكان شهد أحدًا‏.‏

وقتل بها عمير بن أوس بن عتيك الأنصاري وكان شهد أحد‏.‏

وفيها قتل عامر بن ثابت بن سلمة الأنصاري‏.‏

وفيها قتل عمارة بن حزم الأنصاري أخو عمرو وكان بدريًا‏.‏

وفيها قتل علي بن عبيد الله بن الحارث بن بني عامر بن لؤي وكان له صحبة‏.‏

وقتل بها عائذ بن ماعص الأنصاري وقيل‏:‏ قتل يوم بئر معونة‏.‏

وقتل فيها فروة بن النعمان وقيل ابن الحارث بن النعمان الأنصاري وكان قد شهد أحدًا وما بعدها‏.‏

وفيها قتل قيس بن الحارث بن عدي الأنصاري عم البراء بن عازب وقيل بل قتل بأحد‏.‏

وقتل بها سعد بن جماز الأنصاري وكان قد شهد أحدًا‏.‏

وقتل بها أبو دجانة الأنصاري وهو بدري وقيل بل عاش بعد ذلك وشهد صفين مع علي ـ رضي الله عنه ـ والله أعلم‏.‏

وقتل باليمامة سلمة بن مسعود بن سنان الأنصاري‏.‏

وقتل فيها السائب بن عثمان بن مظعو الجمحي وهو من مهاجرة الحبشة وشهد بدرًا‏.‏

وقتل أيضًا السائب بن العوام أخو الزبير لأبويه‏.‏

وقتل بها الطفيل بن عمرو الدوسي شهد خيبر‏.‏

وقتل بها زرارة بن قيس الأنصاري له صحبة‏.‏

وقتل فيها مالك بن عمرو السلمي حليف بني عبد شمس وهو بدري‏.‏

وقتل مالك بن أمية السلمي وهو بدري‏.‏

ومالك بن عوس بن عتيك الأنصاري وهو ممن شهد أحدًا‏.‏

وقتل بها معن بن عدي بن الجد البلوي حليف الأنصار شهد العقبة وبدرًا وغيرهما‏.‏

ومسعود بن سنان الأسود حليف بني غانم وشهد أحدًا‏.‏

وفيها قتل النعمان بن عصر بن الربيع البلوي وهو بدري‏.‏

وقيل هو بكسر العين وسكون الصاد وقيل بفتحهما‏.‏

وفيها قتل صفوان ومالك ابنا عمرو السلمي وهما بدريان‏.‏

وضرار ابن الأزور الأسدي وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد‏.‏

وفيها قتل عبد الله بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي وقيل قتل عبد الله بالطائف هو وأخوه السائب‏.‏

وفيها قتل عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى العامري عامر قيس وشهد بدرًا وغيرها‏.‏

وفيها قتل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وهو بدري‏.‏

وعبد الله بن عتيك الأنصاري وهو قاتل ابن أبي الحقيق وهو بدري‏.‏

وفيها قتل شجاع بن أبي وهب الأسدي أسد خزيمة شهد بدرًا‏.‏

وهريم بن عبد الله المطلبي القرشي وأخوه جادة‏.‏

والوليد ابن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ابن عم خالد‏.‏

وقتل ورقة بن إياس ابن عمرو الأنصاري وهو بدري‏.‏

ويزيد بن أوس حليف بني عبد الدار أسلم يوم الفتح‏.‏

وأبو حبة بن غزية الأنصاري شهد أحدًا‏.‏وأبو عقيل البلوي حليف الأنصار وهو بدري‏.‏

وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي من مهاجرة الحبشة شهد أحدًا‏.‏

ويزيد بن ثابت أخو زيد بن ثابت‏.‏

الرجال بن عنفوة بالزاء المفتوحة وبالجيم المشددة وقيل بالحاء المهملة والأول أكثر‏.‏

ومجاعة بتشديد الجيم‏.‏

ومحكم اليمامة بالحاء المهملة والكاف المشددة‏.‏

وسعد بن جماز بالجيم والميم المشددة وآخره زاي‏.‏

ذكر ردة أهل البحرين

لما قدم الجارود بن المعلى العبدي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتفقه ردة إلى قومه عبد القيس فكان فيهم‏.‏

فلما مات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان المنذر بن ساوى العبدي مريضًا فمات بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقليل‏.‏

فلما مات المنذر بن ساوى ارتد بعده أهل البحرين فأما بكر فتمت على ردتها وأما عبد القيس فإنهم جمعهم الجارود وكان بلغه أنهم قالوا‏:‏ لو كان محمد نبيًا لم يمت‏.‏

فلما اجتمعوا إليه قال لهم‏:‏ أتعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فما فعلوا قالوا‏:‏ ماتوا‏.‏

قال‏:‏ فإن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد مات كما ماتوا وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله‏.‏

فأسلموا وثبتوا على إسلامهم‏.‏

وحصرهم أصحاب المنذر بعده حتى استنقذهم العلاء بن الحضرمي‏.‏

واجتمعت ربيعة بالبحرين على الردة إلا الجارود ومن تبعه وقالوا‏:‏ نرد الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر وكان يسمى الغرور‏.‏

فلما أسلم كان يقول‏:‏ أنا المغرور ولست بالغرور‏.‏

وخرج الحطم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة في بكر بن وائل فاجتمع إليه من غير المرتدين ممن لم يزل مشركًا حتى نزل القطيف وهجر واستغووا الخط ومن بها من الزط والسبابجة وبعث بعثًا إلى دارين وبعث إلى جواثا فحصر المسلمين فاشتد الحصر على من بها فقال عبد الله بن حذف وقد قتلهم الجوع‏:‏ ألا أبلغ أبا بكرٍ رسولًا وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم إلى قومٍ كرامٍ قعودٍ في جواثا محصرينا كأن دماءهم في كل فجٍّ شعاع الشمس يغشى الناظرينا توكلنا على الرحمن إنا وجدنا النصر للمتوكلينا وكان سبب استنقاذ العلاء بن الحضرمي إياهم أن أبا بكر كان قد بعثه على قتال أهل الردة بالبحرين فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال الحنفي في مسلمة بني حنيفة ولحق به أيضًا قيس بن عاصم المنقري وأعطاه بدل ما كان قسم من الصدقة من موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانضم إليه عمرو والأبناء وسعد بن تميم والرباب أيضًا لحقته في مثل عدته فسلك بهم الدهناء حتى إذا كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا الله ووصى بعضهم بعضًا فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال‏:‏ ما هذا الذي غلب عليكم من الغم فقالوا‏:‏ كيف نلام ونحن إن بلغنا غدًا لم تحم الشمس حتى نهلك‏.‏

فقال‏:‏ لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل الله وأنصار الله فأبشروا فوالله لن تخذلوا‏.‏

فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا معه فلمع لهم الماء فمشوا إليه وشربوا واغتسلوا‏.‏

فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه فأناخت إليهم فسقوها‏.‏

وكان أبو هريرة فيهم فلما ساروا عن ذلك المكان قال لمجاب بن راشد‏:‏ كيف علمك بموضع الماء قال‏:‏ عارف به‏.‏

فقال له‏:‏ كن معي حتى تقيمني عليه‏.‏

قال‏:‏ فرجعت به إلى ذلك المكان فلم نجد إلا غدير الماء فقلت له‏:‏ والله لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء قبل اليوم

وإذا إداوة مملوة ماء‏.‏

فقال أبو هريرة‏:‏ هذا والله المكان ولهذا رجعت بك وملأت إداوتي ثم وضعتها على شفير الغدير وقلت‏:‏ إن كان منا من المن عرفته وإن كان عينًا عرفته فإذا من المن فحمد الله‏.‏

ثم ساروا فنزلوا بهجر وأرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه وسار هو فيمن معه حتى نزل عليه مما يلي هجر فاجتمع المشركون كلهم إلى الحطم إلا أهل دارين واجتمع المسلمون إلى العلاء وخندق المسلمون على أنفسهم والمشركون وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم فكانوا كذلك شهرًا‏.‏

فبينا هم كذلك سمع المسلمون ضوضاء هزيمة أو قتال العلاء‏:‏ من يأتينا بخبر القوم فقال عبد الله بن حذف‏:‏ أنا فخرج حتى دنا من خندقهم فأخذوه‏.‏

وكانت أمه عجلية فجعل ينادي‏:‏ يا أبجراه‏!‏ فجاء أبجر من بجير فعرفه فقال‏:‏ ما شأنك فقال‏:‏ علام أقبل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وغيرهما فلخصه فقال له‏:‏ والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك‏.‏

فقال‏:‏ دعني من هذا وأطعمني فقد مت جوعًا‏.‏

فقرب له طعامًا فأكل ثم قال‏:‏ زودني واحملني يقول هذا الرجل قد غلب عليه السكر فحمله على بعير وزوده وجوزه فدخل عسكر المسلمين فأخبرهم أن القوم سكارى فخرج المسلمون عليهم فوضعوا فيهم السيف كيف شاؤوا وهرب الكفار فمن بين فأما أبجر فأفلت وأما الحطم فقتل قتله قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي رجله‏.‏

وطلبهم المسلمون فأسر عفيفٌ المنذر بن النعمان بن المنذر الغرور فأسلم‏.‏

وأصبح العلاء فقسم الأنفال ونفل رجالًا من أهل البلاء ثيابًا فأعطى ثمامة بن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحطم يباهي بها‏.‏

فلما رجع ثمامة بعد فتح دارين رآها بنو قيس بن ثعلبة فقالوا له‏:‏ أنت قتلت الحطم‏!‏ فقال‏:‏ لم أقتله ولكني اشتريتها من المغنم‏.‏

فوثبوا عليه فقتلوه‏.‏

وقصد عظم الفلال إلى دارين فركبوا إليها السفن ولحق الباقون ببلاد قومهم‏.‏

فكتب العلاء إلى من ثبت على إسلامه من بكر بن وائل منهم عتيبة ابن النهاس والمثنى بن حارثة وغيرهما يأمرهما بالقعود للمنهزمين والمرتدين بكل طريق ففعلوا وجاءت رسلهم إلى العلاء بذلك فأمر أن يؤتى من وراء ظهره فندب حينئذٍ الناس إلى دارين وقال لهم‏:‏ قد أراكم الله من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم واستعرضوا البحر‏.‏

وارتحل وارتحلوا حتى اقتحم البحر على الخيل والإبل والحمير وغير ذلك وفيهم الراجل ودعا ودعوا‏.‏

وكان من دعائهم‏:‏ ‏(‏يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا‏)‏‏!‏ فاجتازوا ذلك الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل وبين الساحل ودارين يوم وليلة لسفن البحر فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا فظفر المسلمون وانهزم المشركون وأكثر المسلمون القتل فيهم فما تركوا بها مخبرًا وغنموا وسبوا فلما فرغوا رجعوا حتى عبروا وضرب الإسلام فيها بجرانه‏.‏

وكتب العلاء إلى أبي بكر يعرفه هزيمة المرتدين وقتل الحطم‏.‏

وكان مع المسلمين راهب من أهل هجر فأسلم فقيل له‏:‏ ما حملك على الإسلام قال‏:‏ ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني الله بعدها‏:‏ فيض في الرمال وتمهيد أثباج البحر ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء سحرًا‏:‏ ‏(‏اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك والبديع فليس قبلك شيء والدائم غير الغافل الحي الذي لا يموت وخالق ما يرى وما لا يرى وكل يوم أنت في شأن علمت كل شيء بغير علم‏)‏‏.‏

فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على حق فكان أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمعون هذا منه بعد‏.‏

عتيبة بعد العين تاء معجمة باثنتين من فوقها وياء تحتها نقطتان ثم باء موحدة‏.‏

وحارثة بحاء مهملة وثاء مثلثة‏.‏ ‏‏
‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏  ‏ ‏