قيل :في هذه السنة كان مسير مَنْ سار مِنْ أهل مصر إلى ذي خُشُبومسير مَنْ سار مِنْ أهل العراق إلي ذي المروة، وكان سبب ذلك أنّ عبد الله بن سبأ كان يهودياً [ من أهل صنعاء أمه سوداء ] وأسلم أيام عثمان ثم تنقل في الحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة ثم بالشام يريد إضلال الناس فلم يقدر منهم على ذلك فأخرجه أهل الشام ، فأتي مصر فأقام فيهم وقال لهم : " العجبُ ممّن يصدق أنّ عيسى يرجع ويكذِّب أنَّ محمداً يَرْجِع [ وقد قال الله عز وجل : )إنَ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَادُّكَ إلَي مَعَاد ) محمدٌ أحق بالرجوع من عيسى ]”. فوضع لهم الرجعة فقُبلت منه .
ثم قال لهم بعد ذلك : " إنه كان لكل نبيّ وَصِيٍّ ، وعليٌّ وصيٌّ محمد، فمن أظلم ممن لم يُجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب علي وَصيهِ ! وإن عثمان أخذها بغير حق فانهضوا في هذا الأمر وابدؤا بالطعن علي أمرائكم ، وأظهِرُوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس لما. وبثّ دُعَاته ، وكَاتَبَ مَنْ استفسد في الأمصار وكاتبوه ، ودعوا في المبمر إلي ما عليه رأيهم ، وصاروا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عَيْب ولاتهم ، ويكتب أهلُ كل مِصْرٍ منهم إلي مِصْرٍ آخر بما يصنعون حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا بذلك الأرض إذاعة فيقول أهل كل مصر: " إنا لفي عافيةٍ مما ابتلي به هؤلاء” إلاّ أهلُ المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا : إنّا لفي عافية مما فيه الناس فأتوا عثمان فقالوا : يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ فقال : "[لاوالله ] ما جاءني إلا السلامة، وأنتم شركائي وشهود المؤمنين . فأشيروا علي " . قالوا : نشير عليك أنْ تبعث رجالاً ممن تثقُ بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم . فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلي مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام ، وفرّق رجالاً سِواهم فرجعوا جميعاً قَبْل عمار فقالوا : ما أنكرنا شيئاً أيها الناس ، ولا أنكره أعلامُ المسلمين ولا عَوَامهم . وتأخر عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل ، فوصل كتاب من عبد الله بن أبي سرح يذكر أنّ عماراً قد استماله قومٌ وانقطعوا إليه منهم : عبد الله بن السوداء، وخالد بن مُلَجم ، وسُودان بن حُمْران ،وكنِانة بن بِشْر، فكتب عثمان إلي أهل الأمصار.
" [ أمّا بعد ] فإني اخِذٌ عُمالي بموافاتي كل موسم ، وقد رفع إليّ أهل المدينة أنْ أقواماً يُشْتَمُون ويُضْرَبُون ، فمن ادعي شيئاً مِنْ ذلك فليوافِ الموسم يأخذ حقه حيثُ كان مني أو مِنْ عمالي ،، أو تَصَدَّقُوا فإنّ الله يجزي المتصدقين .
فلما قُرِئَ في الأمصار بكى الناس ، وَدَعوا لعثمان وبعث إلى عُمّال الأمصار فَقدِموا عليه في. المَوْسِم : عبد الله بن عامر ، وعبدالله بن سعد ، ومعاوية ، وأدخل معهم [ في المشورة ] سعيد بن العاص ، وعَمْراً. فقال : وشحكم ما هذه الشكاية والإِذاعة إني والله لخائفٌ أنْ تكونوا مَصْدُوقاً عليكم وما يُعْصَب هذا إلاّ بي . فقالوا له : ألم تبعث ؟ ألم يرجع إليك الخبر عن العَوَامّ ؟ ألم يرجع رُسُلُك ولم يشافههم أحدٌ بشيء ؟ واللّه ما صدقوا، ولا بروا، ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً، ولا يحل الأخذ بهذه الإذاعة . فقال أشيروا علي . فقال سعيد: هذا أمرٌ مصنوع يلقَى في السر فيتحدث به الناس ، ودواءُ ذلك طلبُ هؤلاء، وقَتْل الذين يَخْرُج هذا من عندهم . وقال عبد الله بن سعد : خُذْ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنّه خيرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُم . وقال معاوية : قد وليتني فوليتُ قوماً ولا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتهما(1)، والرأي حُسْنُ الأدب . وقال عَمرو: أري أنك قد لِنْتَ لهم ، ورخيتَ عليهم وزدتهم على ما كان يصنع عُمر،فأري أنْ تلزم طريقة صاحبيك [ فتشتد ] في موضع الشدة وتلين في موضع اللين .
فقال عثمان : ( قد سمعتُ كلَّ ما أشرتم به عليَّ ولكلِ أمر بابٌ يؤتى منه ، إن هذا الأمر الذي يُخاف على هذه الأمة كائنً ، وإن بابه الذي يغلِقُ عليه ليفتحن ، فنكفكفه باللين والمواتاه إلا في حدود الله ، فإنْ فُتح فلا يكون لأحدٍ عليّ حجّة، وقد علم الله أنّي لم آلُ الناس خيراً وإنّ وحي الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إنْ مات ولم يُحَركْهَا . سَكنوا الناس ، وهِبُوا لهم حقوقهم ، فإذا تُعُوطِيِتْ حقوقُ الله فلا تُدْهِنُوا فيها، فلما نفر عثمان وشخص معاوية والأمراء معه ، واستقل جملى الطريق رجز به الحادي فقال :
قَدْ عَلِمَتْ ضَوامِرُ المَطِيِّ وضَامِرَاتُ عَوَج القِسِي
أنَ الأمِيْرَ بعدَه عَليٌّ وفي الزبَيْر خَلَف رَضِيٌّ
طلحةُ الحامي لها وَبن
فقال كعب : كذبتَ بل يلي بعده صاحبُ البغلةَ الشهباء -يعني معاوية –فطمع فيها من يومئذ . فلما قدم عثمان المدينة، دعا علياً، وطلحة، والزبير، وعنده معاوية فحمد الله معاوية ثم قال : أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخِيْرَتِهِ مِنْ خلقه وولاة أمر هذه الامة، لا يطمع فيه أحدٌ غيركم ، اخترتم صاحبيهم عن غير غَلَبَة ولا طمع ، وقد كبر وولَّى عُمُره ، ولو انتظرتم به الهَرَم له صان قريباً مع أني أرجو أنْ يكون أكرم على الله أنْ يبلِّغه ذلك ، وقد فشَتْ مقالةٌ خِفْتَها عليكم فما عتبتم فيه من شيء ،فهذه يدي لكم به ،ولا تُطَمِّعُوا الناس في أمركم ، فوالله إنْ طَمِعُوا فيه لا رأيتم منها أبداً إلاَّ إدباراً .
قال علي : مالك ونذلك لا أمَّ لك . قال : دَعْ أمي فإنها ليستْ بشر أمهاتِكُمْ ، قد أسلمتْ ،وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأجبني عما أقول لك .
فقال عثمان : " صَدَقَ ابنُ أخي أنا أخبركم عني وعما وليتُ إنّ صاحبيَ اللذَينكانا قَبلي ظَلَمَا أنفُسَهُمَا ومَنْ كان منهما بسبيل احتساباً، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعْطِي قرابته وأنا فى رهطٍ أهلِ عَيْلَة وقلة معاش فبسطتُ يدي في شيء من ذلك أ المال ] لما أقوم به فيه ، فإن رأيتم ذلك خَطَأ فرُدوه فأمري لأمركم تَبَغ فقالوا له : قد أصبتَ وأحسنتَ ، قد أعطيتَ عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفاً، وأعطيتَ مروان خمسة عشر ألفاًفأخذ منهما ذلك فَرَضُوا وخرجوا راضين .
وقال معاوية لعثمان : اخرج معي إلى الشام فإنّهم على الطاعة قبل أنْ يهجم عليك مَنْ لا قِبَل لك به . فقال : لا أبيع جِوَار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإنْ كان فيه خبط عنقي قال : إنْ بعثتُ إليك جنداً منهم يقيم معك لنائبة إنْ نابت ؟ قال : لا أضَيقُ على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : والله لتُغْتَالَن ولَتُغْزَيَن . فقال : حسبيَ اللهُ ونعم الوكيل . ثم خرج معاوية فمرّ على نفر من المهاجرين فيهم علي ، وطلحة ، والزبير، وعليهثياب السفر. فقام عليهم وقال : " إنكم قد علمتم أنّ هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بَعَثَ اللّهُ نبيه صلى الله عليه وسلم وكانوا يتفاضلون بالسابقة، والقدمة ، والاجتهاد، فإنْ أخذوا بذلك فالأمر أمرهم والناس لهم تَبَع ، وإنْ طلبوا الدنيا بالتغالب سُلِبُوا ذلك وَرَدَّه الله إلي غيرهم ، وإن الله على البدل لقادر، وإنّى قد خَلقْتُ فيكم شيخاً فاستوصوا به خيراً، وكاتفوه تكونوا أسعد منه بذلك " . ثم ودعهم ومضى فقال علي : [ ما ]كنتُ أري في هذا خيراً . فقال الزبير: والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه اليوم ، واتّعد المنحرفون عن عثمان يوماً يخرجون فيه بالأمصار جميعها إذا سار عنها الأمراء فلم يتهيأ لهم ذلك ، ولما رجع الأمراء ولم يتم لهم الوثوب صاروا يكاتبون في القدوم إلى المدينة لينظروا فيما يريدون ، ويسألوا عثمان عن أشياء لتطير في الناس ، وكان بمصر محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة يُحرضان على عثمان .
فلما خرج المصريون خرج فيهم عبد الرحمن بن عُدَيْس البلويّ في خمسمائة،وقيل : في ألف ، وفيهم كنانة بن بشر الليثي ، وسُودان بن حُمران السكونيّ ، وقُتيرة بن فلان السَّكُّوني ، وعليهم جميعاً الغافقي بن حرب العَكّي ، وخرج أهل الكوفة وفيهم : زيد بن صُوحان العبدي ، والأشتر النخعي ، وزياد بن النضر الحارثي ، وعبدالله بن الأصم العامري وهم في عِدَاد أهل مصر [ وعليهم جميعاً عَمْرو بن الأصم ]، وخرج أهلُ البصرة فيهم حَكِيْم بن جبلة العبديّ ، وذُرَيح بن عباد، وبشر بن شُرَيْح القيسي ،
وابن المحترش وهم بعدَاد أهل مصر وأميرهم حُرقوص بن زهير السعديّ ، فخرجوا جميعاً في شوال ، وأظهَروا أنهم يريدون الحج ، فلما كانوا من المدينة على ثلاثٍ تقدّم ناس مِنْ أهل البصرة فنزلوا ذا خُشب وكان هَوَاهُم في طلحة، وتقدم ناس مِنْ أهل الكوفة وكان هواهم في الزبير ونزلوا الأعَوص ، وجاءهم ناس من أهل مصر وكان هواهم في عليّ ونزلوا عامتهم بذي المرْوَةَ، ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم وقالا لهم : " لا تعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد لكم فقد بلغنا أنّهم عسكروا لنا، فوالله إنْ كان هذا حقاً واستحلوا قتالنا بعد عِلْمِ حالنا إنّ أمرنا لباطل ، وإنْ كان الذي بلغنا رجعنا إليكم بالخبر " .
قالوا : أذهبا . فذهبا، فدخلا المدينة فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وعَلِيُّا، وطلحة،والزبير فقالا : "إنما نريد هذا البيت ونستعفي مِنْ بعض عُمالنا" ، واستأذناهم في الدخول ، فكلمهما أبَيّ ونهاهما، فرجعا إلى أصحابهما فاجتمع نفرٌ من أهل مصر فأتوا عليا ونفر من أهل البصرة فأتوا طلحة ونفر من أهل الكوفة فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم : إنْ بايَعَنَا صاحِبُنا وإلّا كذبناهم وفرَّقنا جماعتهم ، ثم رجعنا عليهم حتى نبغِتهم . .
فأتَى المِصْريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت متقلداً سيفه وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن أجتمع إليه فسلموا عليه ، وعرضوا عليه ، فصاح بهم وطردهم وقال : " لقد علم الصالحون أنّ جيش ذي المروة، وجيش ذي خُشب ، والأعوَص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم " . فانصرفوا عنه ، وأتى البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك ، وكان قد أرسل ابنيه إلى عثمان ، وأتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك وكان قد أرسل ابنه عبد الله إلى عثمان ، فرجعوا وتفرقوا عن ذي خشُب وذي المروة ، والأعوص إِلى عسكرهم ليتفرق أهل المدينة ثم يرجعوا إليهم ، فلما بلغوا عسكرهم تفرق أهل المدينة فرجعوا بهم فلم يشعر أهلُ المدينة إلا والتكبير في نواحيها ونزلوها وأحاطوا بعثمان وقالوا : مَن كفّ يده فهو آمنوصلى عثمان بالناس أياماً ولزم الناسُ بيوتَهم ، ولم يمنعوا الناس مِنْ كلامه ، وأتاهم أهلُ المدينة وفيهم عليّ فقال لهم : ما ردكم بعد ذهابكم ؟ فقالوا : أخذنا مع بريدٍ كِتاباً بقتلنا. وأتى طلحة الكوفيين فسألهم عن عودهم فقالوا مثل ذلك ، وأتى الزبير البصريين فقالوا مثل ذلك ، وكلٍ منهم يقول : نحن نمنع إخواننا وننصرهم ، كأنما كانوا على ميعاد . فقال لهم علي : " كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهلُ مصر وقد سرتم مراحل حتي رجعتم علينا هذا واللّه أمرٌ أبرم بليل . فقالوا : ضعوه كيف شئتم ، ولا حاجة لنا في هذا الرجل ، ليعتزل عنا وعثمان يصلي بهم ، وهم يصلون خلفه وهم أدق في عينه من التراب ، وكانوا [ لا ] يمنعون الناس مِن الاجتماع .
وكتب عثمان إلي أهل الأمصار يستنجدهم ويأمرهم بالحث للمنع عنه ، ويعرفهم ما الناس فيه ، فخرج أهل الأمصار على الصعب .والذلول ، فبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهريّ ، وبعث عبد الله بن سعد معاوية بن حديج ، وخرج من الكوفة القعقاع بن عمرو، وقام بالكوفة نفرٌ يحضُون على إعانة أهل المدينة منهم عقبة بن عامر، وعبدالله بن أبي أوفى ، وحنظلة الكاتب ، وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن التابعين : مسروق ، والأسود ، وشريح ، وعبد الله بن عكيم ، وغيرهم ، وقام بالبصرة عمران بن حصين ، وأنسى بن مالك ، وهشام بن عامر، وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين كعب بن سور، وهرم بن حيان ، وغيرهما، وقام بالشام جماعة من الصحابة والتابعين وكذاك بمصر.
ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال : " يا هؤلاء : الله الله ، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنّكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، فامحوا الخطأ بالصواب “. فقام محمد بن مسلمة فقال : أنا أشهد بذلك . فأقعده حكَيم بن جبلة، وقام زيد بن ثابت فأقعده محمد بن أبي قتيرة، ،ثار القوم بأجمعهم ، فحصبوا الناس حَتّى أخرجوهم من المسجد، وحصبواعثمان حَتى صُرع عن المنبر مغشيّا عليه ، فأدخِل داره ، واستقتل نفرٌ مِنْ أهل المدينة مع عثمان منهم سعد بن أبي وقاص ، والحسين بن علي ، وزيد بن ثابت ، وأبو هريرة فأرسل إليهم عثمان يعزم عليهم بالأنصراف فانصرفوا ، وأقبل عليّ ، وطلحة ، والزبير فدخلوا على عثمان يعودونه مِنْ صرعته ويشكون إليه ما يجدون ، وكان عند عثمان نفر ينْ نجني أمية فيهم مَرْوان بن الحَكم فقالوا كلهم لعلي : أهلكتنا وصنعتَ هذا الصنيع ، والله لئن بلغتَ الذي تريد لتمرنّ عليك الدنيا . فقام مغضباً وعاد هو والجماعة إلى منازلهم ، وصلى عثمان بالناس بعد ما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوماً، ثم منعوه الصلاة ، وصلى بالناس أميرهم الغافقي ، [ ودان له المصريون ، والكوفيون ، والبصريون ]، وتفرّق أهل المدينة في حيطانهم ، ولزموا بيوتهم ، لا يجلس أحد ولا يخرج إلا بسيفه ليتمنع به ، وكان الحصار أربعين يرماً، ومَنْ تعرّض لهم وضعوا فيه السلاح .
وقد قيل إنّ محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة،كانا بمصر يحرضان على عثمان ، وسار محمد بن أبي بكر مع مَنْ سار إلى عثمان ، وأقام ابن أبي حذيفة بمصر وغلب عليها لما سار عنها عبد الله بن سعد على ما يأتي ، فلقا خرج المصريون إلى قصد عثمان أظهروا أنهم يريدون العُمرة، وخرجوا في رجب وعليهم عبد الرحمن بن عديس البلويّ ، وبعث عبد الله بن سعد رسولاً إلى عثمان يخبره بحالهم وأنهم قد أظهروا العمرة وقصدهم خلعه أو قتله فخطب عثمان الناس وأعلمهم حالهُم وقال لهم : ( إنهم قد أسرعوا إلي الفتنة ، واستطالوا عمري ، والله لئن فارقتهم ليتمنون أن عمري كان عليهم مكان كل يوم سنة بما يرون من الدماء المسفوكة، والإحن ، والأثرة الظاهرة ، والأحكام ا لمغيَّرة ا .
وكان عبد الله بن سعد خرج إلى عثمان في آثار المصريين بإذنه له ، فلما كان بأيْلة بلغه أن المصريين رجعوا إلى عثمان فحصروه وأن محمد بن أبي حذيفة غلبعلى مصر واستجابوا له فعاد عبد الله إلى مصر فمُنِعَ عنها فأتى فلسطين فأقام بها حتى قُتِلَ عثمان .
فلما نزل القوم ذا خُشُب يريدون قتل عثمان إنْ لم ينزع عما يكرهون ، ولما رأى عثمان ذلك جاء إلى عليّ فدخل عليه بيته فقال له : " يا بن عم إنّ قرابتي قريبة، ولي عليك حق عظيم ، وقد جاء ما تري مِنْ هؤلاء القوم وهم مُصَبحِيَّ ولك عند الناس قَدْرٌ ، وهم يسمعون منك ، وأحِب أنْ تركب إليهم فتردهُم عني فإنّ في دخولهم علي ترهينا لأمري ، وجُرأة علي " . فقال علي : على أي شيء أردهمٍ عنك ؟ قال : على أنْ أصير إلى ما أشرتَ إليه ورأيتَه لي . فقال علي : إني قد كلمتُك مرة بعد أخرى فَكُل ذلك نخرج ونقول ثم ترجع عنه وهذا مِنْ فِعل مروان وابن عامر، ومعاوية، وعبدالله بن سعد فإنك أطعتهم وعصيتني . قال عثمان : فأنا أعصيهم وأطيعُك . فأمر الناس فركب معه مِنْ المهاجرين والأنصار ثلاثون رجلاً فيهم سعيد بن زيد، وأبو جهم العدوي ، وجُبَيْر بن مطَعم ، وحكيم بن حزام ، ومَرْوان ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن عتاب بن أسِيْد ، ومِن الأنصار أبو أسَيْد الساعدي ، وأبو حميد، وزيد بن ثابت ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، ومن العرب نيار بن مكرز فأتوا المصريين فكلّموهم وكان الذي يكلمهم عليّ ، ومحمد بن مسلمة فسمعوا مقالتهما ورجعوا إلى مصر فقال ابن عديس لمحمد بن مسلمة: أتوصينا بحاجة؟ قال : نعم تتقي الله ، وتردّ مَنْ قبلك عن إِمامهم ، فإنّه قد وعدنا أنْ يرجع وينزع . قال ابن عديس : أفعلْ إنْ شاء الله . ورجع عليّ ومَنْ معه إلى المدينة فدخل على عثمان فأخبره برجوعهم وكلمه بما فىِ نفسه ثم خرج مِنْ عنده ، فمكث عثمان ذلك اليوم وجاءه مَرْوان بُكرة الغد فقال له : "تكلم ، وأعلِم الناس أنَ أهل مصر قد رَجِعُوا، وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلاً قبل أنْ يجيء الناس إليك مِنْ أمصارهم ويأتيك ما لا تستطيع دفعه " . ففعل عثمان ، فلما خطب الناس قال له عمرو بن العاص : أتقِ الله يا عثمان فإنك قد ركبتَ أموراً وركبناها معك فتُبْ إلى الله نَتُب . فناداه عثمان : (وإنك هناك يابن النابغة؟ قملتْ والله جُئتُك منذ عزلتك عن العمل " .
فنوديَ مِن ناحيةٍ أخري تُبْ إلي الله فرفع يديه وقال : اللهم إِني أول تائب.
[ ورجع إلى منزله ]، وخرج عمرو بن العاص إلى منزله بفلسطين ، وكان يقول : والله إني كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان . وأتى علياً ، وطلحة ، والزبير فحرضهم على عثمان فبينما هو بقصره بفلسطين ومعه ابناه محمد، وعبد الله ، وسلامة بن روح الجذامي إذْ مَرّ بهم راكب من المدينة ، فسأله عَمرو عن عثمان فقال : هو محصور. قال عمرو : أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار .
ثم مز به راكب آخر فسأله فقال : قُتل عثمان . فقال عمرو : أنا أبو عبد الله إذا حَكَكْتُ قَرْحَة نكأتها فقال له سلامة بن روح : يا معشر قريش كان بينكم وبين العرب باب [ وَثيْق ] فكسرتموه ، 1 فما عملكم على ذلك ؟ ] فقال : أردنا أنْ نُخْرِجَ الحق مِنْ خاصرة الباطل ليكون الناس في الحق شرعاً سواء .
وقيل : إنّ عَليا لما رجع مِنْ عند المِصْريين بعد رجوعهم إلى عثمان فقال له :
تكلمْ كلاماً يسمعه الناس منك ، ويشهدون عليك ، ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع ، والامانة، فإن البلاد قد تمخضتْ عليك فلا آمن أنْ يجيء رَكْبٌ آخر من الكوفة والبصرة، فتقول : يا عليّ أَركبْ إِليهم ، فإنْ لم أفعل رأيتني قد قطعتُ رَحِمَك ، واستخففتُ بحقك . فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناسَ مَنْ نفسه التوبة وقال : " أنا أول من اتعظ ، أستغفرُ الله مما فعلتُ وأتوبُ إليه ، فمثل نزع وتاب فإذا نزلتُ فليأتني أشرافُكم فليرَوا في رأيهم فوالله لئن ردني الحق عبداً لأستَن بسنةِ العبد ولأذلن ذُل العبد وما عن الله مذهب إلا إليه ، فوالله لأعطينكم الرضا، ولأنحيّن مروان وذويه ، ولا أحتجب عنكم " ، فرق الناسُ وبكوا حتى أخضلوا لحاهم وبكى هو أيضاً .
فلما نزل عثمان وجد مروان ، وسعيداً، ونفراً من بني أمية في منزله لم يكونوا شهوداً خطبته فلما جلس قال مروان : يا أمير المؤمنين أتكلم أم أسكت ؟ فقالت نائلة بنت الفرافضة امرأة عثمان : لا بل اصمتْ فإنهم والله قاتِلُوه ومؤثموه ، إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها فقال لها مَروان : ما أنتِ وذاك ! فوالله قد مات أبوك وما يحسن يتوضأ؟ فقالت : مهلا يا مروان عَنْ ذكر الأباء تخبرُ عن أبي وهو غائب تكذِبُ عليه وإن أباكَ لا يستطيع أنْ يدفع عن نفسه أما والله لولا أنه عمه وأنه يناله غمه لأخبرنك عنه ما لن أكذب عليه . قالت : فأعرض عنها مروان فقال : يا أمير المؤمنين أتكلم أم أسكت ؟ قال : تكلم . فقال مروان : بأبي أنت وأمي والله لوددتُ أن مقالتَك هذه كانت وأنت ممتنع فكنتُ أول مَنْ رضيَ بها وأعان عليها ولكنك قلتَ ما قلتَ وقد بلج الحزامُ الطُّبْيَيْن ، وبلغ السيلُ الزبى، وحين أعطى الخطة الذليلةَ الذليلُ والله لإقامة على خطيئةٍ ويستغفرُ منها أجملُ مِنْ توبةٍ يخوف عليها وأنت إنْ شئتَ تَقَربتَ بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة وقد أجتمع بالباب أمثالُ الجبال من الناص . فقال عثمان : فاخرجْ إليهم فكلمْهُم فإني أستحي أن أكلمهم فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضاً فقال : " ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جشم لنهب ! شاهت الوجوهُ إلى مَنْ أريد، جئتم تريدون أن تنزِعُوا مُلْكَنا مِنْ أيدينا! أخرجوا عًنا . والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غبّ رأيكم ، ارجعوا إلى منازلكم فإنا والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا .
فرجع الناسُ ، وأتي بعضهم علياً فأخبره الخبر فأقبل عليٌّ على عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فقال : أحَضْرتَ خطبة عثمان ؟ قال : نعم . قال : أفحضرتَ مقالةَ مَروان للناس ؟ قال : نعم . فقال علي : أيْ عباد الله : يا للمسلمين إنّي إنْ قعدتُ في بيتي قال لي : تركتني وقرابتي وحقي ، وإنّي إنْ تكلمتُ فجاء ما يريدُ يلعبُ به مَرْوان فصار سَيْقة له يسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وصُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وقام مغضباً حتى دخل على عثمان فقال له :" أما رضيت مِنْ مروان ولا رضيَ منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقادُ حيثُ يشاء ربه والله ما مروان بذي رأيٍ في دينه ولا نفسه ، وأيم الله إني لأراه يوردك ولا يصدرك ، وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبتَ شرفَك ، وغُلبتَ على رأيك " .
فلما خرج عليٌّ دخلتْ عليه امرأته نائلة ابنة الفرافصة فقالت : ( قد سمعتُ قولَ علي لك وليس يُعاودك ، وقد أطعتَ مروان يقودك حيث شاء . قال : فما أصنع ؟ قالت : تتقي الله وتتبع سنة صاحبَيْك [ من قبلك ] فإنك متى أطعتَ مروان قتلك ، ومروان ليس له عند الناس قدْر، ولا هَيْبَة، ولا محبة، وإنما تركك الناسُ لمكانه ، فأرسِلْ إلي علي فاستصلحه فإنّ له قرابةً أ منك ] وهولا يُعْصَى. فأرسل عثمان إلى عليّ فلم يأته وقال : " قد أعلمتُه أني غير عائد " . فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجلس بين يدي عثمان فقال . " يا ابنة الفرافصة " فقال عثمان : "لا تَذْكُرَنهَا بحرفٍ فاهـ سؤدُ وجهك ، فهي والله أنصحُ لي [ منك ] " . فكف مروان .
وأتى عثمان إلي عليّ بمنزله لَيْلاً وقال له : إني غير عائد، وإنّي فاعل. فقال له علي : بعد ما تكلمت علي منبرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيتَ مِنْ نفسِك ثم دخلتَ بيتك فخرج مروان إلى الناس يشتمهم على بابك ويؤذيهم !
فخرج عثمان من عنده وهو يقول : [قطعتَ رَحِمِي ، لا خذلتِنِي ، وجَرأتَ الناس علي . فقال علي : " والله إني لأكثر الناس ذَبّا عنك ، ولكني كلما جئتَ بشيءٍ أظنه لك رضا جاء مروان بأخري فسمعتَ قوله وتركتَ قولي “ . ولم يَعُدْ عليّ يعمل ما كان يعمل إلى أنْ مُنع عثمان الماء فقال علي لطلحة : أريد أنْ تُدخل عليه الروايا وغضب غضباً شديداً حتى دخلت الروايا على عثمان . قال : وقد قيل إن علياً كان عند حَصْر عثمان بخيبر فقدِم المدينة والناس مجتمعون عند طلحة وكان ممن له فيه أثر، فلما قدم عليّ أتاه عثمان وقال له : أما بعد فإن لي حق الإسلام ، وحق الإخاء،والقرابة، والصهر، ولو لم يكن من ذلك شيء وكنا في الجاهلية لكان عاراً على بني عبد مناف أنْ ينتزع أخو بني تيم -يعني طلحة-أمرهم . فقال له علي : سيأتيك الخبر. ثم خرج إلى المسجد فرأى أسامة فتوكأ على يده حتى دخل دار طلحة وهو في خلوة من الناس فقال له : ياطلحة ما هذا الأمر الذي وقعتَ فيه . فقال : يا أبا الحسن بعد ما مس الحزام الطبيين ! فانصرف علي حتى أتى بيت المال فقال : افتحوه ، فلم يجدوا المفاتيح فكسر الباب وأعطى الناس فانصرفوا مِنْ عند طلحة حتى بقيَ وحده ، وسُر بذلك عثمان ، وجاء طلحة فدخل على عثمان وقال له ة يا أمير المؤمنين أردتُ أمراً فحال الله بيني وبينه . فقال عثمان : والله ما جئت تائباً، ولكن جئتَ مغلوباً الله حسيبك يا طلحة.
ذكر مقتل عثمان
قد ذكرنا سبب مَسِير الناسُ إِلى قتل عثمان ، وقد تركنا كثيراً من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلي قتله لِعِلَلٍ دعت إلى ذلك ، ونذكر الآن كيف قُتِل وما كان بدء ذلك وابتداء الجُرأة عليه قبل قتله ، فكان من ذلك أنّ إبلاً من إبل الصدقة قدِم بها على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم ، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأخذها وقسّمها بين الناس وعثمان في الدار.
قيل : وكان أول مَنْ اجترأ على عثمان بالمنطق جبلة بن عمرو الساعدي مَرّ به عثمان وهو في نادي قومه وبيده جامعة فسلّم فرد القومُ فقال جبلة : " لم تردون على رجل فعل كذا وكذا؟ ثم قال لعثمان : والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه الخبيثة مروان ، وابن عامر، وابن سعد ، مِنْهم مَنْ نزل القران بذمهِ وأباحَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم دَمَه ا . فاجترأ الناسُ عليه ، وقد تقدم قول عمرو بن العاص له في خطبته .
قيل : وخطب يوماً وبيده عصا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وعمر يخطبون عليها فأخذها جهجاه الغفاري من يده وكسرها على ركبته [ اليمنى ] فرُمي في ذلك المكان بأكلة .
وقيل ة كتب جمْعٌ من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى مَنْ بالأفاق منهم : "إنْ أردتم الجهاد فهلُموا إليه فإنّ دين محمد صلى الله عليه وسلم قد أفسَدَه خليفتكم فأقيموه " .
فاختلفتْ قلوبُ الناس على ما تقدم ذِكْره . وجاء المصريون كما ذكرنا إلى المدينة فخرج إليهم عليّ ، ومحمد بن مسلمة كما تقدم فكلماهم فعادوا ثم رجعوا فلما رجعوا انطلق إليهم محمد بن مسلمة يسألهم عن سبب عودهم فأخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص وقالوا : وجدنا غلام عثمان بالبويب على بعير من إبل الصدقة ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذه الصحيفة يأمر فيها بجَلْد عبد الرحمن بن عديس ، وعمرو بن الحمق ، وعروة بن البياع وحبسهم وحَلْق رؤوسهم ولحَاهُم وصَلْب بعضهم.
وقيل : إنّ الذي أخِذَتْ منه الصحيفة " أبو الأعور السلمي ، فلما رأوه سألوه عَنْ مسيره ، وهل معه كتاب فقال : لا. فسألوه : في أيّ شيءٍ هو؟ فتغيّر كلامه ، فأنكروه ، وفتشوه ، وأخذوا الكتاب منه ، وعادوا ، وعاد الكوفيون والبصريون.
فلما عاد أهلُ مصر أخبروا بذلك محمد بن سلمة وقالوا له : قد كلّمنا علياً ووعدنا أنْ يكلمه ، وكلّمنا سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد فقالا: لا ندخل في أمركم . وقالوا لمحمد بن مسلمة : لتحضر مع علي عند عثمان بعد الظهر. فوعدهم بذلك ، فدخل علي ، ومحمد بن مسلمة على عثمان فاستأذنا للمِصريين عليه وعنده مَرْوان فقال : دعني أكلمهم . فقال عثمان : أسكتْ فَضّ اللّهُ فاك . ما أنتْ وهذا الأمر! اخرجْ عني . فخرج مروان ، وقال علي ومحمد لعثمان ما قال المصريون ، فأقسم بالله ما كتبتُه ، ولا عِلْم لي به فقال محمد : " صَدَق . هذا مِنْ عمل مروان".
ودخل عليه المصريون فلم يسلِّموا عليه بالخلافة، فعرفوا الشر فيهم ، وتكلموا فذكر ابنُ عديس ما فعل عبد الله بن سعد بالمسلمين وأهلِ الذمة والاستثمار في الغنائم فإذا قيل له في ذلك قال : " هذا كتاب أمير المؤمنين [ إلي ] ! . وذكروا شيئاً مما أحدث بالمدينة، وقال له : وخرجنا من مصر ونحن نريدُ قَتْلك فردنا عليّ ، ومحمد بن مسلمة وضَمِنَا لنا النزوع عن كُلَ ما تكلمنا فيه فرجعنا إلي بلادنا فرأينا غلامك وكتابك وعليه خاتمك تأمر عبد الله بجلدنا والمثلة بنا وطول الحبس .
فحلف عثمان أنّه ما كتب ، ولا أمَرَ، ولا عَلِم . فقال علي ، ومحمد : صَدَقَ عثمان . قال المصريون : فمن كتبه ؟ قال : لا أدري قالوا : فيجتَرأ عليك ، وُيبْعَثُ غلامك ، وجملٌ من الصَدَقة، ويُنْقَشُ على خاتمك ، ويبعث إلى عامِلِك بهذه الأمور العظيمة وأنت لا تعلم ! قال : نعم . قال : ما أنت إلا صادق أو كاذب ، فإنْ كنت كاذباً فقد استحققتَ الخَلْعَ لما أمرتَ به مِنْ قَتْلِنا بغير حق ، وإنْ كنتَ صادقاً فقد استحققتَ أنْ تخلع نفسك لضعفك عن هذا الأمر، وغفلتك ، وخُبث بِطَانَتِك ، ولا ينبغي لنا أنْ نترك هذا الأمر بيد مَنْ تُقْطَعُ الأمور دونه لضعفه وغفلته . فاخنع نفسك منه كما خلعك الله. فقال : لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله ولكني أتربُ وأنزع قالوا : لو كان هذا أوّل ذنب تبتَ منه قَبِلْنا ولكنّا رأيناك تتوبُ ثم تعود، ولسنا منصرفين حتى نخلعك ، أو نقتلك ، أو تلحق أرواحنا بالله تعالى ، وإنْ منعك أصحابك وأهلك قاتلناهم حتى نخلص إليك. فقال : أما أنْ أتبرأ من خلافة الله فالقتل أحمتُ إليّ مِنْ ذلك ، وأما قولكم تقاتلون مَنْ منعني فإني لا آمرُ أحداً بقتالكم فمن قاتلكم فبغير أمري قاتل ، ولو أردتُ قِتَالكم لكتبتُ إلى الأجناد فقدموا علي أو لحقتُ ببعض أطرافي .
وكثرت الأصوات واللغط فقام علي فخرج وأخرج المصريين ، ومضى عليّ إلى منزله ، وحصر المصريون عثمان ، وكتب إلي معاوية ، وابن عامر وأمراء الأجناد يستنجدهم ويأمرهم بالعَجل وإرسال الجنود إليه ، فتربّص به معاوية فقام في أهل الشام يزيد بن أسد القسري -جد خالد بن عبد الله القسري - فتبعه خلقٌ كثير، فسار بهم إلي عثمان فلما كانوا بوادي القرى بَلَغَهُم قَتْل عثمان فرَجِعُوا .
وقيل : بل سار مِنْ الشام حبيب بن مسلمة الفهري ، وسار مِن البصرة مجاشع بن مسعود السلمي فلما وصلوا الربذة ونزلتْ مُقَدَمَتُهُم صراراً بناحية المدينة أتاهم قَتْل عثمان فرجعوا . وكان عثمان قد استشار نُصَحَاءه في أمره فأشاروا عليه أنْ يرسل إلى علي يطلب إليه أنْ يَرُدهم ويعطيهم ما يرضيهم ليطاوِلَهم حتى يأتيه أمدادُه فقال : "إنهم لا يَقْبَلُون التعلل ، وقد كان مِنّي في المرة الأولى ما كان "ا . فقال مروان : أعطهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك ، فإنهم قومٌ بَغَوا عليك ولا عَهْدَ لهم . فدعا علياً فقال له : قد تري ما كان من الناس ، ولستُ آمنهم على دمي فاردُدهم عني فإني أعطيهم ما يريدون من الحقّ من نفسي وغيري . فقال علي : الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ، ولا يرضون إلاّ بالرضا، وقد كنتَ أعطيتهم أولاً عهداً فلم تفِ به فلا تعوزني هذه المرة فإنّي معطيهم عليك الحق . فقال : أعطهم فوالله لأفين لهم .
فخرج عليّ إلي الناس فقال لهم : إنّما طلبتم الحق وقد أعطيتموه ، وقد زعم أنه منصفكم من نفسه . فقال الناس : قَبِلْنا، فاستوثقْ منه لنا فإنا لا نرضي بقولٍ دون فِعْل . فدخل عليه علي فأعلمه فقال : اضربْ بيني وبينهم أجَلاً فإني لا أقدرُ على أنْ أرد ما كَرِهُوا في يوم واحد. فقال علي : أمّا ما كان بالمدينة فلا أجَلَ فيه ، وما غاب فأجله وصوار أمرك .ً قال : نعم فأجِّلني فيما في المدينة ثلاثة أيام . فأجابه إلي ذلك ، وكتب بينهم كتاباً على ردّ كل مظلمة وعزل كل عامل كَرهوه ، فكفّ الناسُ عنه فجعل يتأهّبللقتال ويستعد بالسلاح واتّخذ جُنْداً .
فلما مضتْ الأيامُ الثلاثة ولم يتغيّر شيئاً ثار به الناس ، وخرج عَمْرو بن حزم الأنصاري إلي المصريين فأعلمهم الحال وهم بذي خُشُب ، فقدِموا المدينة وطلبوا منه عزل عُمّاله ، ورد مظالمهم فقال : إنْ كنتُ مستعملاً مَنْ أردتم وعازلاً مَنْ كَرِهْتُم فلستُ في شيءٍ والأمر أمركم . فقالوا : والله لتفعلنَ ، أو لتخلعنّ ، أو لتقتلن . فأبى عليهم وقال : لا أنزِع سِرْبَالاً سربلنيه اللهُ فحصروه واشتد الحصار عليه فأرسل إلى علي ، وطلحة، والزبير، فحضروا فأشرف عليهم فقال : " يا أيها الناس اجلسوا " . فجلسوا المُحَارِب والمُسَالم . فقال لهم : " يا أهل المدينة استودعكم الله وأسأله أنْ يُحْسِن عليكم الخلافة مِنْ بعدي " .
ثم قال : "أنشدكم بالله هل تعلمون أنكم دعوتم الله عند مصاب عُمر أنْ يختار لكم ويجمعكم على خَيْركم ؟ أتقولون أنّ اللهّ لم يستجب لكم وهُنْتُم عليه وأنتم أهل حَفَ ؟ أم تقولون هان على الله دِينَهُ فلم يُبالِ مَنْ وَلي والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون : لم يكن أخذ عن مشورة إنما كان مُكَابرة فوكل الله الأمة إذ عصته ولم يشاوِرُوا في الإمامة ؟ أم تقولون : إنّ الله لم يعلم عاقبة أمري ؟ وأنشدكم بالله أتعلمون لي مِنْ سابقة خير وقَدَم خيرٍ قدمه الله لي يحق على كل مَنْ جاء بعدي أنْ يعرفوا لي فضلها ؟ فمهلا لا تقتلوني فإنّه لا يحل إلا قتل ثلاثة رجل زنى بعد إحصانه ، أو كفر بعد إيمانه ، أو قتل نفساً بغير حق ، فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رِقَابِكُم ثم لم يرفع الله عنكم الِإختلاف أبداً .
قالوا : " أما ما ذكرت مِن استخارة الناس بعد عمر ثم ولُوَك فإن كل ما صنع اللهُ خيرة ، ولكن اللهّ جعلك بلية ابتلى بها عباده . وأما ما ذكرتَ مِنْ قدمك وسلفك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كنت كذلك وكنتَ أهلاً للولاية، ولكن أحدثتَ ما علمته ولا نترك إقامة الحق عليك مخافة الفتنة عاماً قابلا، وأما قولك : إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة فإنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت : قتل مَنْ سعى في الأرض فساداً، وقَتْل من بغى ثم قاتل على بغيه ، وقتل مَنْ حال دون شيء من الحق ومنعه وقاتل دونه ، وقد بغيتَ ، ومنعتَ ، وحلتَ دونه ، وكابرتَ عليه ، ولم تقد مِنْ نفسك مَنْ ظلمت ، وقد تمسكتَ بالِإمارة علينا ، فإنْ زعمتَ أنّك لم تكابرنا عليها فإن الذين قاموا دونك ومَنَعُوك منا إنّمايقاتلون لتمسكك بالامارة فلو خلعتَ نفسك لانصرفوا عن القتال معك. فسكت عثمان ولزم الدار وأمر أهل المدينة بالرجوع وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن بن علي ، وابن عباس ، ومحمد بن طلحة، وعبد الله بن الزبير وأشباهاً لهم ، واجتمع إليه ناسٌ كثير فكانت مدة الحصار أربعين يوماً .
فلما مضت ثمان عشرة ليلة قدِم رُكبان مِن الأمصار فأخبروا بخبر مَنْ تهيّأ إليهم من الجنود، وشجّعوا الناس فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كُلَّ شيءٍ حتى الماء، فأرسل عثمان إلى عليّ سِرًا ، وإلى طلحة ، والزبير، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنّهم قد منعوني الماء فإنْ قدرتم أنْ تُرْسِلوا إلينا ماءً فافعلوا . فكان أوّلهم إجابةً علي ، وأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء عليّ في الغلس فقال : " يا أيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين فلا تقطعوا عن هذا الرجل الماء ولا المادة، فإنّ الروم ، وفارس لتأسر فتُطْعِم وتسقي ا . فقالوا : لا والله ولا نِعْمَة عين . فرمى بعمامته في الدار بائي قد نهضت ورجعت ، وجاءت أمَّ حبيبة على بغلة لها مشتملة على إداوة فضربوا وجه بغلتها فقالت : إنّ وصايا بني أمية عند هذا الرجل فأحببتُ أنْ أسأله عنها لئلا تهلك أموال الأيتام ، والأرامل .
فقالوا : كاذِبة، وقطعوا حبل البغلة بالسيف فنفرتْ وكادت تسقط عنها، فتلقاهاالناسُ فأخذوها وذهبوا بها إلي بيتها، فأشرف عثمان يوماً فسلم عليهم ثم قال : (أنشدكم الله هل تعلمون إني اشتريتُ بئر رومة بمالي ليُسْتَعذب بها فجعلتُ رشائي فيها كرجلٍ من المسلمين ؟ قالوا: نعم . قال : فلم تمنعوني أنْ أشرب منها حتى أفطر على ماءِ البحر!
ثم قال : أنشدكم بالله هل تعلمون أنّي اشتريتُ أرض كذا فزدتها في المسجد؟ قيل : نعم . قال : فهل علمتم أن أحداً مُنع أن يصلي فيه قبلي ؟ ثم قال :أنشدكم باللهّ أتعلمون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال عني كذا وكذا - أشياء في شأنه - ففشى النهيُ في الناس يقولون : مهلاً عن أمير المؤمنين ، فقام الأشتر فقال : لعله مكر به وبكم .
وخرجت عائشة إلى الحج واستتبعتْ أخاها محمداً فأبى فقالت : (1)"والله لئناستطعتُ أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلن ا. فقال له حنظلة الكاتب : تستتبُعُك أم المؤمنين فلا تتبعها وتتبع ذؤبان العرب إلى ما لا يحل ! وإنّ هذا الأمر إنْ صار إلي التَّغَالِبُ غلبك عليه بنو عبد مناف ! ثم رجع حنظلة إلى الكوفة وهو يقول :
عجِبْتُ لِمَا يَخُوضُ النَاسُ فيهِ يَرُومُونَ الخِلاَفَةَ أنْ تَزُولَا
وَلَوْ زَالَتْ لَزَالَ الخَيْر عَنْهُمْ وَلَاقَوْا بَعْدَهَا ذلّا ذَلِيْلاَ
وَكَانُوا كاليَهُودِ وَكَالنَصَارَي سَواءً كُتُهُمْ ضَلًّوا السبِيْلاَ
وبلغ طلحة ، والزبير ما لقي عليّ ، وأم حبيبة فلزِموا بيوتهم وبقي عثمان يسقيه آلُ حزم في الغفلات ، فأشرف عثمان على الناس فاستدعى ابنَ عباس فأمره أنْ يحجّ بالناس -وكان ممن لزم الباب - فقال : " جهادُ هؤلاء أحبُّ إليَّ مِن الحج “ . فأقسمَ عليه فانطلق .
قال عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة: دخلتُ على عثمان فأخذ بيدي فأسمعني كلام مَن على بابه فمنهم من يقول : ما تنتظرون به ؟ ومنهم مَنْ يقول : انظروا عسي أنْ يراجع قال : فبينما نحن واقفون إذ مر طلحة فقال : أين ابن عديس ؟ فقام إليه فناجاه ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه : لا تتركوا أحداً يدخل على عثمان ولا يخرج من عنده . فقال لي عثمان : هذا ما أمر به طلحة اللهم اكفني طلحة فإنّه حمل على هؤلاء وألبهم علي ، والله إني لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يسفك دمه . قال : فأردتُ أن أخرج فمنعوني حى أمرهم محمد بن أبي بكر فتركوني أخرج.
وقيل : إن الزبير خرج من المدينة قبل أن يقتل عثمان ، وقيل : أدرك قتله .
ولما رأي المصريون أن أهل المَوْسم يريدون قصدهم وأنْ يجمعوا ذلك إلي حجهم مع ما بلغهم من مسير أهل الأمصار قالوا : لا يُخرجنا مِنْ هذا الأمر الذي وَقَعْنَا فيه إلاّ قَتْلَ هذا الرجل فيشتغل الناس عنا بذلك ، فراموا الباب فمنعهم الحسن ، وابن الزبير، ومحمد بن طلحة، ومَرْوان ، وسعيد بن العاص ، ومن معهم مِنْ أبناء الصحابة،
واجتلدوا فزجرهم عثمان وقال : " أنتم في حِلٍ مِنْ نُصْرَتِي " . فأبَوا فَفَتَح الباب لمنعهم ، فلما خرج ورآه المصريون رجعوا فركبهم هؤلاء، وأقسم عثمان على أصحابه ليدخُلُن فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين ، فقام رجلٌ من أسلم يقال له نيار بن عياض - وكان من الصحابة - فنادي عثمان فبينا هو يناشده أنْ يعتزلهم إذْ رماه كثير بن الصلت الكندي بسهم فقتله .
فقالوا لعثمان عند ذلك : ادفع إلينا قاتله لنقتله به . قال : لم ممن لأقتل رجلاً نضرني وأنتم تريدون قتلي . فلما رأوا ذلك ثاروا إلى الباب فلم يمنعهم أحد منه وألبابُ مغلق لا يقدرون على الدخول منه فجاؤوا بنارٍ فأحرقوه والسقيفة التي على الباب وثار أهلُ الدار، وعثمان يُصَلي قد أفتتح ( طه ) فما شغله ما سمع ما يخطىء وما يتتعتع حتى أتى عليها، فلما فرغ جلس إلي المصحف يقرأ فيه ، وقرأ ( الذِينَ قَالَ لَهُمُ الناسُ إن الناسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاًخْشَوْهُم فَزَادَهُم إيْماناً وقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ ونعْمَ الوَكِيْلُ ) فقال لمن عنده بالدار: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عَهدَ عهداً فأنا صابرٌ عليه ، ولم يحرقوا الباب إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه ، فأحرج (3) على رجل أنْ يستقتل أو يقاتل "، وقال للحسن : " إنّ أباك الآن لفي أمرٍ عظيمٍ مِنْ أمرك ، فاقسمتُ عليك لما خرجتَ إليه ". فتقدموا فقاتلوا ولم يسمعوا قوله ، فبرز المغيرة بن الأخنس بن شريق وكان قد تعجل من الحج في عصابة لينصروا عثمان وهو معه في الدار وارتجز يقول : .
قَدْ عَلِمَتْ ذَاتُ القُرُونِ الميلِ والحَلْي والأنَامِلِ الطفُولِ
لتصْدُقَن بَيْعَتِي خَليلي بصَارِم ذي روْنَقٍ مَصْقُولِ
لا اسْتَقِيلُ إذَ أقَلْت قيلي
وخرج الحسن بن علي وهو يقول :لَا دِيْنُهُمْ دِيْني وَلَا أنَا مِنْهُمُ حَتى أسِيْرَ إلَى طَمَارِ شَمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول :أنَا أبنُ مَنْ حَامَى عَلَيه بأحُدْ وَرَد أحْزَاباً عَلَى رَغْمِ مَعَدّ وخرج سعيد بن العاص وهو يقول :
صَبَرْنَا غَدَاةَ الذارِ وَالمَوْتُ وَاقِف بأسْيَافِنَا دُونَ ابنِ أرْوَى نُضَارِبُ وَكُنَّا غَدَاةَ الروْعِ فِي الذارِ نُصْرَةً نُشَافِهُهم بِالضرْبِ والمَوْت نائب وكان آخر مَنْ خرج عبد الله بن الزبير فكان يحدث عن عثمان بأخر ما كان عليه.
وأقبل أبو هريرة والناس محجمون فقال : هذا يوم طاب فيه الضرب ، ونادي : يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار . وبرز مروان وهو يقول :
َدْ عَلِمَتْ ذَاتُ القُرُونِ المِيلِ وَالكَف والأنامِلِ الطفُولِ
أني أرُوعُ أولَ الرعِيْلِ بِغَارِةٍ مِثْلِ القَطَا الشَّلِيْل
فبرز إليه رجل من بني ليث يدعى النباع فضربه مَرْوان ، وضرب هو مَرْوان على رقبته فأثبته وقطع أحَدَ علباويه (7)فعاش مروان بعد ذلك أوقص ، وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليذفف عليه فقامت فاطمة أمُّ إبراهيم بن عدي - وكانت أرضعت مروان وأرضعت له - فقالت : " إنْ كنتَ تريدُ قتله فقد قُتِل ، وإنْ كنتَ تريدُ أنْ تلعبَ بلحمهفهذا قبيح ، فتركه ، وادخلته بيتها، فعرف لها بنوه ذلك ، واستعملوا ابنها إبراهيم بعد . ونزل إِلى المغيرة بن الأخنس بن شريق رجلَ فقتل المغيرة قال : فلما سمع الناس يذكرونه قال : إنا لله وإنا إليه راجعون .
فقال له عبد الرحمن بن عديس : مالك ؟ فقال : رأيتُ فيما يري النائم هاتفاً يهتف فقال : بَشَرْ قاتلَ المغيرة بن الأخنس بالنار فابتليتُ به واقتحم الناس الدارَ مِن الدور التي حولها ودخلوا مِنْ دار عمرو بن حزم إلى دار عثمان حتى ملؤها ولا يشعر مَنْ بالباب ، وغلب الناس على عثمان وندبوا رجلاً يقتله ، فانتدب له رجلٌ فدخل عليه البيت فقال : اخلعها وندعك . فقال : وشك ، والله ما كشفتُ امرأةً في جاهلية ولا إسلام ، ولا تَغنَيْتُ ، ولا تَمَنيْتُ ، ولا وضعتُ يميني على عَوْرَتِي منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ؟لستُ خالعاً قميصاً كسانيه الله تعالى ، [ وأنا على مكاني ] حتى يكرم الله أهل السعادة وُيهين أهل الشقاوة . فخرج عنه فقالوا : ما صنعت ؟ فقال : والله لا ينجينا من الناس إلا قتله ، ولا يحل لنا قتله .
فأدخلوا عليه رجلاً من بني ليث فقال : [ ممن الرجل ؟ فقال : ليثي فقال ] له : لست بصاحبي لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا لك أن تحفظ يوم كذا وكذا ولن تُضَيع فرجع عنه وفارق القوم ، ودخل عليه رجلٌ من قريش فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفرَ لك يوم كذا وكذا فلن تقَارِفَ دماً حراماً فرجع وفارق أصحابه . وجاء عبد الله بن سلام ينهاهم عن قتله فقال : " يا قوم لا تَسُلوا سيف الله فيكم فوالله إنْ سللتموه لا تغمدوه ، ويلكم إنّ سلطانكم اليوم يقومُ بالدرة فإنْ قتلتموه لا يقوم إلاّ بالسيف ، ويلكم إنّ مدينتكم محفوفة بالملائكة فإنْ قتلتموه لتتركنها، فقالوا : يا بن اليهودية ما أنت وهذا . فرجع عنهم .
وكان آخر مَنْ دخل عليه ممن رجع محمد بن أبي بكر فقال له عثمان : ويلك أعلن الله تنضب ؟ هل لي إليك جُرم إلا حقه أخذته منك ؟ فأخذ محمد لحيته وقال : قد أخزاك الله يا نعثل فقال : لست بنعثل ولكني عثمان وأمير المؤمنين . وكانوا يلقبون به عثمان . فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية، وفلان وفلان . فقال عثمان : يا بن أخي
فما كان أبوك ليقبض عليها . فقال محمد : لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك ، والذي أريد بك أشد من قبضي عليها . فقال عثمان : أستنصرُ الله عليك ، واستعينُ به فتركه وخرج ، وقيل : بل طعن جبينه بمشقص كان في يده . والأول أصخ .
قال : فلما خرج محمد وعرفوا انكساره ثار قتيرة ، وسودان بن حمران ، والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه ، وضرب المصحف برجله فاستدار المصحف واستقرّ بين يديه ، وسالت عليه الدماء، وجاء سودان ليضربه فأكبّت عليه امرأته ، واتّقت السيف بيدها فنفح أصابعها فأطنّ أصابع يدها وولّت فغمز أوراكها وقال : " إنها لكبيرة العجز "، وضرب عثمان فقتله .
وقيل الذي قتله كنانة بن بشر التجيبي وكان عثمان رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلةيقول له : " إنّك تُفْطِرُ الليلة عندنا ". فلما قُتل سقط من دمه على قوله تعالى : ( فَسَيَكْفِيْكَهُمُ اللهُ ) ودخل غِلمة لعثمان مع القوم لينصروه وكان عثمان قد اعتق مَنْ كفّ يده منهم ، فلما ضربه سودان ضرب بعض الغلمان رقبة سودان فقتله ، ووثب قتيرة على الغلام فقتله ، وانتهبوا ما في البيت وخرجوا ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى ، فلما خرجوا وثب غلامٌ لعثمان على قتيرة فقتله ، وثار القومُ فأخذوا ما وجدوا حتى أخذوا ما علي النساء، وأخذ كلثوم التجيبي ملاءة من علي نائلة فضربه غلامٌ لعثمان فقتله ، وتنادَوا : " أدركوا بيتَ المال ، ولا تُسْبَقُوا إليه لا . فسمع أصحابُ بيت المال كلامهم وليس فيه إلا غِرارَتَان فقالوا : النجاة فإن القوم إنما يحاولون الدنيا . فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه ، وماج الناس .
وقيل : إنهم ندموا على قتله ، وأما عمرو بن الحمق فوثب على صدره وبه رمق فطعنه تِسْع طعنات قال : " فأما ثلاث منها فإني طعنتهن إياه لله تعالى، وأمّا ستُّ فلِمَا كان في صدري عليه ، وأرادوا قطع رأسه فوقعتْ نائلة عليه ، وأمّ البنين فصِحْن وضربن الوجوه فقال ابن عديس : اتركوه . وأقبل عمير بن ضابىء فوثب عليه فكسر ضلْعاً مِنْ أضلاعه ، وقال : سجنتَ أبي حتى مات في السجن .
وكان قتله لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين يوم الجمعة،وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلاّ أثني عشر يوماً، وقيل : إلا ثمانية أيام ، وقيل : بل كان قتله سنة ست وثلاثين لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ، وقيل : بل قتل أيام التشريق وكان عمره اثنتين وثمانين سنة، وقيل : ثمانياً وثمانين سنة، وقيل : تسعين سنة، وقيل : خمساً وسبعين سنة، وقيل : ستاً وثمانين سنة.
ذكر الموضع الذي دفن فيه ومن صلى عليه
قيل : بقيَ عثمان ثلاثة أيام لا يُدْفن ثم إنّ حكيم بن حزام القرشي ، وجبير بن مطعم كلما عليه في أن يَأذن في دفنه ففعل ، فلما سمِع مِنْ قصده بذلك قعدوا له في الطرية، بالحجارة ، وخرج به ناسٌ يسير من أهله وغيرهم وفيهم الزبير، والحسن ، وأبوجهم بن حذيفة، ومَرْوان بين المغرب والعشاء فأتوا به حائطاً من حيطان المدينة يسمى حَشّ كوكب وهو خارج البقيع فصلَّى عليه جبير بن مطعم ، وقيل : حكيم بن حزام ، وقيل : مروان ، وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة عليه ثم تركوهم خوفاً من الفتنة، وأرسل عليّ إلى من أراد أنْ يرجم سريره ممن جلس على الطريق لَمّا سمع بهم فمنعهم عنه ، ودُفن في حش كوكب فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بذلك الحائط فَهُدِم ، وأدخل في البقيع ، وأمر الناس فدفنوا أمواتهم حول قبره حتى أتصل الدفنُ بمقابر المسلمين . وقيل : إنما دفن بالبقيع مما يلي حش كوكب . وقيل : شهد جنازته علي ، وطلحة ، وزيد بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعامة مَنْ ثم مِن أصحابه قال : وقيل لم يغسل وكُفن في ثيابه .
ذكر بعض سيرة عثمان
قال الحسن البصري : دخلتُ المسجد فإذا أنا بعثمان متكئاً على ردائه فأتاه سَقًاء ان يختصمان إليه فقضى بينهما. وقال الشعبي : لم يمت عمر بن الخطاب حتى مَلّته قريش وقد كان حصرهم بالمدينة [ فامتنع عليهم ] وقال : ( أخْوَفُ ما أخافُ على هذه الأمة انتشاركم في البلاد ، ، فإنْ جاء الرجلُ منهم ليستأذنه في الغزو فيقول : " قد كان لك في غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُبلَغُك ؛ وخير لك مِنْ غزوك اليوم أنْ لا ترى الدنيا ولا تراك ، . وكان يفعل هذا بالمهاجرين من قريش ولم يكن يفعله بغيرهم من أهل مكة، فلما وُلي عثمان خَلى عنهم فانتشروا في البلاد وانقطع إليهم الناس وكان أحب إليهم من عمر. قيل : وحج عثمان بالناس سنوات خلافته كلها . وحج بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يصنع عمر، وكتب إلى الأمصار أن يوافيه العمال في الموسم ومن يشكو منهمٍ ، وأنْ يأمروا بالمعروف وينهوا عن المعكر، وأنّه مع الضيف على القَوِيّ ما دام مظلوما، وقيل : كان أول مُنْكَر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا طيران الحمام والرمي على الجلاهقات -وير قوس البندق -، واستعمل عليها عثمان رجلاً من بني ليث سنة ثمان من خلافته فقصّ الطيور، وكسر الجلاهقات.
قيل : وسأل رجل سعيد بن المسيب عن محمد بن أبي حذيفة ما دعاه إلىالخروجٍ على عثمان ؟ فقال : كان يتيماً في حِجر عثمان وكان والي أيتام أهل بيته ومحتملا كلهم فسأل عثمان العمل فقال : يا بني لو كنتَ رضا لاستعملتك . قال : فأذنْ لي فأخرج فأطلب الرزق قال : اذهب حيثُ شئت . وجهَّزه مِنْ عنده ، وحمله ، وأعطاه ، فلم! وقع إلى مصر كان فيمن أعان عليه حيث منعه الإمارة، قيل : وعمار بن ياسر كان بينه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام فضربهما عثمان فأورث ذلك تعادياً بين أهل عمار وأهل عباس وكان تقاذفاً .
قيل : سُئل سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر ما دعاه إلى ركوب عثمان ؟ قال : الغضب والطمع كان مِنْ الإسلام بمكان فغزه أقوامٌ فطمع ، وكانت له دالة فلزمه حق فأخذه عثمان من ظهره ، فاجتمع هذا إلى ذلك فصار مذمماً بعد أنْ كان محمداً ، قيل : واستخف رجل بالعباس بن عبد المطلب فضربه عثمان فاستحسن منه ذلك ، وقال : ا أيفخمُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَمه وأرَخِّصُ في الاستخفاف به لقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ورضي به "! قيل : وكان كعب بن ذي الحبكة النهدي يلعب بالنار نجيات فبلغ عثمان فكتب إلى الوليد أن يُوجعه ضرباً فعزره وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان ، وفيه : إنّه قد جَذ بكم فجدوا ، لإياكم والهزل ! فغضب كعب وكان في الذين خرجوا عليه وكان سَيره إلى دُنْباوَنْدفقال في ذلك للوليد:
لَعَمْرِي لَئِنْ طَردتَنِي مَا إلَي ائتِي طَمِعْتَ بهَا مِنْ سَقْطَتِي لَسَبِيْلُ
رَجَوْتُ رُجُوعِي يَا بن أرْوَي وَرَجْعَتِي إلَى الحقِّ دَهْراً غَال ذلك غُولُ
فإنّ اغْتِرَابِي فِي البِلَادِ وَجَفْوَتي وَشَتْمِي فِي ذَاتِ الإلَهِ قَلِيْلُ
وَإنّ دُعَائِي كُل يَوْمٍ وَليلة عَلَيْكَ بِدُنْبا وَنْدِكُمْ لَطَويلُ
قال : وأما ضابىء بن الحارث البرجمىِ فإنه استعار في زمن الوليد بن عقبة مِنْ
قوم من الأنصار كلباً يدعى قرحان يصيد الظباء فحبسه عنهم فانتزعه الأنصاريون منه (1) قهراً فهجاهم وقال :
تَجَشمَ دُوني وَقدُ قرحانَ خطةً تَضلُّ لَهَا الوَجْعَاءُ وَهْيَ حَسِيْرُ
فَبَاتُواشِباعاً طَاعِمِيْن كأنّما حَبَاهُم بَيتِ المرزُبان أميرُ
فَكَلْبُكُمُ لَاتَتْرُكُوا فَهوَ أمُّكُمْ فَإنّ عُقُوقَ الأمهَاتِ كبيرُ
فاستعدَوْا عليه عثمان فعزره وحبسه فما زال في السجن حتى مات فيه . وقال في الفتك معتذراً إلى أصحابه :
هَمَمْتُ وَلَمْ أفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي تركتُ على عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهُ
وَقَائِلَةً قَدْ مَاتَ فِي السِّجْنِ ضابىءُ ألَا مَنْ لَخصْمٍ لم يَجِدِ مَنْ يُحاوِلُه
فلذلك صار ابنه عمير سبئيا، قال : وأما كُمَيْل بن زياد، وعمير بن ضابىء فإنَّهما سارا إلى المدينة لقتل عثمان ، فأما عمير فإنه نكل عنه ؛ وأما كميل فانه جسر وثاوره فوجأ عثمان وَجْهَه فوقع على إسته فقالي : أوجعتني يا أمير المؤمنين قال : أو لست بفاتك ؟قال : لا والله فقال عثمان : فاسْتَقِدْمنَي وقال دونك . فعفا عنه . وبقيا إلى أيام الحجاج فقتلهما، وسَيَرِد ذكر ذلك إنْ شاء الله تعالى .
قيل : وكان لعثمان علن طلحة لن عبيدالله خمسون ألفاً فقال له يوماً: قد تهيأ مالك فاقبضه. قال هو لك معونة على مرُوتك ، قيل : فلما حضر عثمان قال علي لطلحة : أنشدك الله إلا رددتَ الناس عن عثمان . قال : لا والله حتى تعطيني بنو أمية الحق من أنفسها وكان عثمان يلقب ذا النورين لأنّه جمع بين ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم . قال الأصمعي :
استعمل عبد الله بن عامر قطن بن عبد عوف على كرْمان فأقبل جيشٌ للمسلمين فمنعهم سيلٌ في وادٍ من العبور وخشى قطن الفوت فقال : " منْ عبر له ألف درهم ". فحملوا أنفسهم وعبروا وكانوا أربعة آلاف فأعطاهم أربعة آلاف درهم ، فأبى ابن عامر أنْ يجري ذلك له وكتب إلى عثمان فكتب عثمان أنْ أحسبها له فإنه إِنما أعان بها في سبيل الله فلذلك سميت " الجوائز " لإجازة الوادي . وقال حسان بن زيد : سمعتُ عليا وهو يخطب الناس ويقول بأعلى صوته : " يا أيها الناس إنكم تكْثرُون فى وفي عثمان فإن مَثَلِي ومَثَله كما قال لله تعالى : (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِل إخْواناً علَى سُرُرٍ مُتَقابِلِين ) . وقال أبو حميد الساعدي - وهو بدري وكان مجانباً لعثمان - فلما قتل عثمان قال : " والله ما أردنا قتله ، اللهم لك عليّ أن لا أفعل كذا وكذا، ولا أضحك حق ألقاك " .
ذكر نَسَبِهِ وصِفَتِه وكُنْيَتهِ
أما نسبه فهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . وأمه : أروي بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأمها : أم حكيم بنت عبد المطلب . وأما صِفته : فإنه كان رجلاً ليس بالطويل ، ولا بالقصير، حَسَن الوجه ، رقيق البشرة، بوجهه أثَر جدري ، كبير اللحية عظيمها أسمر اللون ، أصلع ، عظيم الكراديس ، عظيم ما بين المنكبين ، يصفر لحيته ، وقيل : كان كثير شعر الرأس ، أروح الرجلين .
وأما كنيته : فإنه كان يكن أبا عبد الله بولد جاءه مِنْ رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله توفي وعمره ست سنين نقره ديكٌ في عينه فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة، وقيل : كاز، يكنى أبا عمرو.
ذِكْر وَقْت إسلامه وهجرته
قيل : كان إسلامه قديماً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وكان ممن هاجر [ من مكة ] إِلى الحبشة الهجرة الأولى والثانية ومعه فيهما أمرأته رُقَية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر أزواجه وأولاده
تزوج رقية؟ وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له رقية : عبد الله ، وتزوج فاختة بنت غزوان فولدت له : عبد الله الأصغر هلك ، وتزوٍ ج أم عمرو بنت جندب بن عمرو بن حممة الدوسية ولدت له : عَمْراً ، وخالداً ، وأبَانا ، وعُمر، ومَرْيم ، وتزوج فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية ولدت له : الوليد، وسعيداً ، وأم سعيد، وتزوج أم البنين بنت عُيينة بن حصن الفزارية ولدت له عبد الملك هلك ، ولَزوج رملة بنت شيبة بن ربيعة ولدت له : عائشة، وأم أبان ، .وأم عمرو، وتزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية ولدت له : مريم بنت عثمان ، وقيل : ولدت له أم البنين بنت عيينة عبد الملك ، وعتبة، وولدت له نائلة عنبسة، وكان له منها أيضاً ابنة تدعى أم البنين ، وكانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان . وقتل عثمان وعنده رملة ابنة شيبة، ونائلة، وأم البنين ابنة عيينة، وفاختة بنت غزوان غير أنه طلق أم البنين وهو محصور، فهؤلاء أزواجه في ا لجاهلية والإسلام ، وأولاده .
ذكر أسماء عماله في هذه السنة
كان عماله في هذه السنة: على مكة عبد الله بن الحضرمي ، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي ، وعلى صنعاء يعلى بن مُنْية، وعلى الجَنَد عبد الله بن ربيعة، وعلى البصرة عبد الله بن عامر خرج منها، ولم يول عثمان عليها أحداً، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان ، وعامل معاوية على حِمْص عبد الرحمن بن خالد [ بن الوليد ]، وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة الفهري ، وعلى الأردن أبو الأعور السلمي ، وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني ، وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري ، وعلى القضاء أبو الدرداء في قول بعضهم : والصحيح أنه كان قد توفي قبل قتل عثمان . وكان عامل عثمان على الكوفة أبو موسى على الصلاة، وعلى خَرَاج السواد جابر بن فلان المزني ، وهو صاحب المسناة إلى جانب الكوفة، وشماك الأنصاري ، وعلى . حربها القعقاع بن عمرو، وعلى قرقيسيا جرير بن عبد الله ، وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس الكنديّ ، وعلى حُلْوان عتيبة بن النهاس ، وعلى ماه مالك بن حبيب ، وعلى همذان النسير، وعلى الري سعيد بن قيس ، وعلى أصبهان السائب بن الأقرع ، وعلى ماسبذان حبيش وعلى بيت المال عقبة بن عامر، وكان على قضاء عثمان زيد بن ( عتيبة بن النهاس ) بالتاء فوقها نقطتان وبعدها ياء تحتها نقطان وآخره باء موحدة، ( عيينة بن حصن ) بالياء تحتها نقطتان وياء ثانية وآخره نون تصغير عين [ والنسير ] بالنون والسين المهملة تصغير نسر.
ذكر الخبر عمن كان يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حين حصر عثمان
قيل : وجاء ذلك اليوم الذي منع فيه عثمان الصلاة سعد القرظ وهو المؤذن إلي علي بن أبي طالب فقال : من يصلي بالناس ؟ فقال : ادع خالد بن زيد . فدعاه فصلى بالناس ، فهو أول يوم عرف أن اسم أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد فصلى أياماً ثم صلى بعد ذلك بالناس . وقيل : بل أمر علي سهل بن حنيف فصلى بالناس مِنْ أول ذي الحجة إلى يوم العيد، ثم صلى عليّ بالناس العيد، ثم صلى بهم حتى قُتل عثمان ؛ وقد تقدم غير ذلك في ذِكْر قتله .
ذكر ما قيل فيه من الشعر
قال حسان بن ثابت الأنصاري :
أتَرَكْتُم غَزْوَ الدُّرُوبِ وَرَاءكُمْ وَغَزَوْتُمُونَا عِنْدَ قَبْرِ مُحَمدِ!
فَلَبِئْسَ هَدْيُ المُسْلِمِيْن هَدَيْتُمُ وَلَبِئْسَ أمْرُ الفَاجِرِ المُتَعَمِّدِ!
إنْ تُقْدِمُوا نَجْبَلْ قِرَي سَرَوَاتِكُمْ حَوْلَ المَدِينَةِ كُل ليْنٍ مِذْوَدِ
أوْ تُدْبِرُوا فَلَبِئسَ مَا سَافَرْتم وَلَمِثْلُ أمَرِ أميرِكم لم يَرْشَدِ
وَكَأن أصْحَابَ النبِيٌّ عَشِية بُدْن تُذَبَّحُ عنْدَ بَابِ المَسْجِد
أبْكِي أبا عَمْرٍ ولحُسْنِ بَلَائِهِ أمسَى ضَجِيْعاً(3)في بَقيْعِ الغَرْقَدِ
وقال أيضاً :
إنْ تمسِ دَارُ ابن أرْوَي اليَوْمَ خَاوِيَةً باب صَرِيع وباب مُحْرَق خَرِبُ
فَقَد يُصَادِفُ باغي الخَيْر حَاجتَه فيها ويهوِي إليهَا الذكْرُ والحَسَبُ
يَا أيُّها الناصُ أبْدُوا ذَاتَ أنْفُسِكُمْ لَا يَسْتَوِي الصدْقُ عِنْد الله والكَذِبُ
قُومُوا بحَق مَلِيْكِ الناسِ تَعْتَرِفُوا بِغارةٍ عُصَب مِنْ خَلْفِهَا عُصَبُ
فيهم حبيبٌ شِهَابُ الموتِ يَقْدُمُهُمْ مُسْتَلْئِماً قَدْ بَدًا فِي وَجْهِهِ الغَضَبُ
وقال أيضاً :
مَنْ سَرهُ الموتُ صِرْفاً لَا مِزَاجَ لَهُ فليأتِ مَأسَدَةً فِي دَارِ عُثْمَانَا مستْشعِرِي حَلَقِ الماذِيّ قَد شُفِعَتْ قبلَ المخاطِمِ بَيْض زَانَ أبْدَانَا
صَبْراً فِدًى لَكُم أمّي وَمَا وَلَدَتْ قَدْ يَنْفعُ الصبْرُ في المَكْرُوهِ أحْيَانَا لقَدْ رَضِيْنَا بأهْلِ الشَّأمِ نَافِرَةً وبالأمير وبالِإخوانِ إخْوَانَا
إنِّي لَمِنْهُم وإنْ غَابُوا وإنْ شَهِدُوا ما دُمْتُ حيًا وَمَا سُمَيْتُ حَسانَا لَتَسْمَعَن وَشِيْكاً فِي دِيَارِهِمْ اللّهُ أكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا
ضَحُوا بأشْمطَ عنوان السُجُودِ بِهِ يُقْطَعُ الليْلَ تَسْبِيحاً وَقُرْآنا
وقال أبو عمر بن عبد البر : وقد ذكر بعض هذه الأبيات وقد زاد فيها أهل الشام ولم أر لذكره وجهاً يعني ما فيها من ذكر علي وهو:
يَا لَيْتَ شعْرِي وَلَيْتَ الطيْرَ تُخْبِرُني مَا كَانَ بَيْنَ عَلِي وَابْن عَفانَا
وقال الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط يحرض أخاه عمارة.
ألاَ إنّ خَيْرَ النَاسِ بَعْد ثَلاَثَةٍ قَتِيْلُ التُّجَيْبِيّ الذي جَاءَ مِنْ مِصْرِ
فَإنْ يَك ظَني بابْنِ أقَي صَادِقاً عُمَارَةَ لَا يَطْلُبْ بِذَحْلٍ وَلَا وِتْرِ
يَبِيْتُ أوْتَارُ ابْنِ عَفانَ عِنْدَه مخيمةُ بين الخورْنَقِ وَالقَصْرِ
فأجابه الفضل بن العباس :
أتَطْلُبُ ثَأراً لَسْتَ مِنْهُ وَلَالَهُ وَأيْنَ ابْنُ ذَكْوَانَ الصفورِي مِنْ عَمْرو كما اتَّصَلَتْ بنْتُ الحِمَارِ بأمهَا وَتَنْسَى أبَاهَا إذْ تَسَامى أولي الفَخْرِ
ألَا إنَّ خَيْرَ النًاسِ بَعْدَ ثلاثة وَصيّ النبي المصطفى عِنْدَ ذِي الذكْرِ وَأوَّلْ مَنْ صَلىَ وصِنْوَ نَبِئه وَأولُ مَنْ أرْدَى الغُوَاةَ لَدَىَ بَدْرِ
فَلَوْ رأتِ الأنْصَارُ ظُلْمَ ابْنِ أمِّكُم - بِزَعْمِكُم - كَانُوا لَهُ حَاضِرِي النَّصْرِ كَفَى ذَاكَ عَيْباً أنْ يُشِيْرُوا بِقَتْلِهِ وَأنْ يُسْلِمُوهُ لِلأحَابِيْشِ مِنْ مِصْرِ
(قوله : وأين ابن ذكوان ) فإنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو اسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس ، ويذكر جماعة من النسابين أنّ ذكوان مولى لأمية فتبناه وكناه أبا عمرو، ويعني أنّك مولى لست من بني أمية حتى تكون ممن يطلب بثأر عثمان ، وقال بعضهم من الشعراء أيضاً غيرهم بعد مقتله فمن بين مادح وهاج ومن ناع وباك ، ومن سار فرح ، فمس مدحه حسان كما تقدم . وكعب بن مالك في آخرين غيرهم كذلك.