المجلد الثالث - ذكر ابتداء أمر وقعة الجمل

فبينما هم كذلك على التجهز لأهلِ الشام أتاهم الخبرُ عن طلحة، والزبير، وعائشة ، وأهل مكة بنحوٍ آخر وأنهم على الخِلاف ، فأعلَم عليّ الناسَ ذلك وأن عائشة ، وطلحة، والزبير قد سخطوا إمارته ودعوا الناس إلي الإصلاح وقال لهم : سأصبرُ ما لم أخَفْ على جماعتكم ، وأكفُ إنْ كَفُّوا، واقتصرُ على ما بلغني .

ثم أتاه أنّهم يريدون البصرة فسره ذلك وقال : " إن الكوفة فيها رجالُ العرب و بيوتا تهم " .

فقال له ابن عباس : إن الذي سَرك مِنْ ذلك ليسؤني . إن الكوفة فسطاطٌ فيه مِنْ أعلام العرب ، ولا يحملهم عِدّة القوم ، ولا يزال فيها مَنْ يسمو إلي أمرٍ لا يناله ، فإذا كان كذلك شَغَّب على الذي قد نال ما يريد حتى تكسر حدته ". فقال علي : ( إن الأمر ليشبه ما تقول " . وتهيأ للخروج إليهم ، فندب أهلَ المدينة للمسير معهم فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلاً النخعي فجاء به فدعاه إلى الخروج معه فقال : إنما أنا مِنْ أهل المدينة وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلتُ معهم فإنْ يخرجوا أخرجْ معهم وإنْ يقعدوا أقعد.

قال : فاعطني كفيلاً. قال : لا أفعل .

فقال له عليّ : لولا ما أعرفُ مِنْ سؤ خلقك صغيراً وكبيراً لأنكرتني ، دعوه فأنا كفيله. فرجع ابنُ عمر إلي المدينة وهم يقولون : والله ما ندري كيف نصنع ، إن الأمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضيء لنا.

فخرجِ من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم ابنة علي وهي زوجة عمر بالذي سَمِع وأنّه يخرج معتمراَ مقيماً على طاعة عليّ ما خلا النهوض ، فأصبح علي فقيل له : حدث الليلة حَدَث هو أشذُ مِنْ طلحة ، والزبير ، وعائشة ،ومعاوية .

قال : وما ذاك ؟ قالوا : خرج ابن عمر إلى الشام . فأتي السوق وأعذ الظهر، والرجال ، وأخذ لكل طريق طلاباً، وماج الناس ، فسمعت أم كلثوم فأتت علياً فأخبرته الخبر فطابت نفسُه وقال : "انصرفوا والله ما كَذَبَتْ ولا كذب . واللهّ إنّه عندي ثقة"ا . فانصرفوا .

وكان سبب اجتماعهم بمكة أنّ عائشة كانت خرجتْ إليها - وعثمان محصور-،ثم خرجت من مكة تريد المدينة فلما كانت بِسَرف  لقيها رجلٌ من أخوالها مِنْ بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة وهو ابن أم كلاب فقالت له : مهيم ؟

قال : قُتلَ عثمان وبقوا ثمانياً. قالت : ثم صنعوا ماذا؟ قال : اجتمعوا على بيعة عليّ . فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه إنْ تَمَّ الأمرُ لصاحبك . رُذُوني رُدوني . فانصرفت إلى مكة وهي تقول : "قُتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه ". فقال لها : ولم ؟ والله إنّ أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر. قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خيرٌ مِنْ قولي الأول . فقال لها ابن أم كلاب :

فَمِنْك البَداءُ ومِنْك الغِيَرْ ومِنْك الريَاحُ ومِنْك المَطَرْ

وأنْتِ أمَرْت بقَتْل الإمَام وقُلْت لنَا إنّه قدْ كَفَرْ

فَهَبْتَ أطَعْنَاك في قَتْلِه وَقاتِلُهُ عِنْدَنَا مَنْ أمَرْ

ولَمْ يَسْقُطِ السقفُ مِنْ فَوْقَنا ولم يَنْكَسِف شَمْسُنَا وَالقَمَرْ

وَقَدْ بايعَ الناس ذا تُدْرَأ يُزيل الشبَا ويقيم الصَّغَرْ

وَيلْبِسُ للحَرْبِ أثْوَابَهَا وَمَا مَنْ وَفَى مِثْل مَنْ قَدْ غَدَرْ

فانصرفتْ إلى مكة فقصدت الحِجْر فسترتْ فيه ، فاجتمع الناسُ حولها فقالت :

" أيها الناسُ إنّ الغوغاءَ من أهل الامصار، وأهل المياه ، وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلماً بالأمس ونقموا عليه استعمال مَنْ حَدَثَتْ سِنُه ، وقد استعمل أمثالهم قبله ، ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها، فلما لم يجدوا حُجة ولا عُذْراً بادروا بالعُدوان فسفكوا الدم الحرام ، واستحلوا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، وأخذوا المال الحرام والله لأصبعٍ من عثمان خيرٌ من طِبَاق الأرض أمثالهم ، وواللّه لو أنّ الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب مِنْ خبثه أو الثوب مِنْ دَرَنِه إذْ ما صوه كما يماص الثوب بالماء - أي يغسل -.

فقال عبد اللهّ بن عامر الحضرمي - وكان عامل عثمان على مكة-: ها أنا أول طالب . فكان أول مجيب ، وتبعه بنو أميّة على ذلك . وكانوا هربوا مِنْ المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة، ورفعوا رؤوسهم ، وكان أول ما تكلموا بالحجاز، وتبعهم سعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة، وسائر بني أمية، وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمالٍ كثير ، وجملى بن أمية - وهو ابن منية -من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم فأناخ بالأبطح ، وقدم طلحة ، والزبير من المدينة فلقيا عائشة فقالت : ما وراءكما؟ فقالا إنّا تحملنا هراباً من المدينة مِنْ غوغاء، واعراب ، وفارقنا قوماً حياري لا يعرفون حقاً ولا ينكرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم . فقالت : انهضوا إلف هذه الغوغاء . فقالوا : نأتي الشام . فقال ابن عامر: قد كفاكم الشام معاوية، فأتوا البصرة فإن لي بها صنائع ، ولهم في طلحة هوي .

قالوا ة قبّحك اللهّ ، فواللّه ما كنتَ بالمُسَالم ولا بالمحارب ، فهلا أقمتَ كما أقام معاوية فنكفى بك ثم نأتي الكوفة فنسد علن هؤلاء القوم المذاهب. فلم يجدوا عنده جواباً مقبولاً فاستقام الرأي على البصرة ، وقالوا لها : نترك المدينة فإنا خرجنا فكان معنا من لا يطيق مَنْ بها من الغوغاء ونأتي بلداً مضيعاً سيحتجون علينا ببيعة عليّ فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة [ ثم تقعدين ] فإنْ أصلح اللهُ الأمرَ كان الذي أردنا، وإلاّ دفعنا بجهدنا حتى يقضي اللّهُ ما أراد .

فأجابتهم إلى ذلك ، ودعوا عبد الله بن عمر ليسير معهم فأبى وقال : أنا مِنْ أهل المدينة أفعلُ ما يفعلون . فتركوه ، وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معها على قصد المدينة فلّما تغير رأيها إلى البصرة تركن ذلك وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم فمنعها أخوها عبد الله بن عمر، وجهزهم يعلى بن منية بستمائة بعير وستمائة ألف درهم ، وجهزهم ابن عامر بمال كثير، ونادي مناديها إنّ أم المؤمنين وطلحة، والزبير شاخِصون إلى البصرة فمَنْ أراد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان [ ومَنْ ] ليس له مركب وجهاز فليأت .
فحملوا ستمائة على ستمائة بعير وساروا في ألف ، وقيل : في تسعمائة من أهل المدينة ومكة، ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل ،وبعثت أم الفضل بنت الحارث أم عبد الله بن عباس رجلاً مِنْ جهينة يدعى ظفراً فاستأجرته على أنْ يأتي علياً بالخبر، فقدِم على علي بكتابها، وخرجت عائشة ومَنْ معها مِنْ مكة فلمّا خرجوا منها أذِن مَرْوان بن الحكم ثم جاء حتى وقف على طلحة، والزبير فقال : "على أيكما أسلّم بالإمرة وأؤذن بالصلاة).

فقال عبد الله بن الزبير: على أبي عبد الله - يعني أباه الزبير-، وقال محمد بن طلحة على أبي محمد - يعني أباه طلحة - ، فأرسلتْ عائشة إلي مروان وقالت له : أتريدُ أنْ تفرّق أمرنا! ليصل بالناس ابن أختي - تعني عبد الله بن الزبير.

وقيل : بلْ صلى بالناس عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد حتى قُتل فكان معاذ بن عبيد [ الله ] يقول : والله لو ظفرنا لاقتتلنا، ما كان الزبير يترك طلحة والأمر، ولا كان طلحة يترك الزبير والأمر.

وتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الإسلام فلم ير يوم كان أكثر باكياً وباكية من ذلك اليوم فكان يسمى " يوم النحيب "، فلما بلغوا ذات عرق لقي سعيد بن العاص مَرْوان بن الحكم وأصحابه بها فقال : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم ؟ يعني عائشة ، وطلحة ، والزبير ؟ اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم .

فقالوا : نسير فلعلنا نقتل قَتَلَة عثمان جميعاً . فخلا سعيد بطلحة، والزبير فقال : إنْ ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني . قالا : نجعله لأحدنا أينا أختاره الناس . قال : بل تجعلونه لولد عثمان ، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه .

فقالا: نَدَعُ شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام ! قال : فلا أراني أسعى إلا لإخراجها مِنْ بني عبد مناف . فرجع ورجع جمد الله بن خالد بن أسيد، وقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما قال سعيد من كان ههنا من ثقيف فليرجع . فرجع ومضى القومُ ومعهم أبان ، والوليد ابنا عثمان ، وأعطى يعلى بن منية عائشة جملاً اسمه " عسكر " اشتراه بثمانين ديناراً فركبته ، وقيل : بل كان جملها لرجل من عرينة قال العرني : بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقان : أتبيع جملك ، قلت : نعم قال : بكم ؟ قلت : بألف درهم . قال : أمجنون أنت ؟ قلت : ولم ؟ والله ما طلبتُ عليه أحداً إلا أدركته ، ولا طلبني وأنا عليه أحدٌ إلا فُتُّه . قال : لو تعلم لمن نريده ، إنما نريده لأم المؤمنين عائشة. فقلت : خذه بغير ثمن . قال : بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم قال : فرجعتُ معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة وقالوا لي : يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق ؟ قلت : أنا مِنْ أدل الناس .

قالوا : فسِرْ معنا . فسرتُ معهم فلا أمر على واد [ ولا ماء ] إلا سألوني عنه ، حتى طَرَقْنا ( الحوأب "  وهو ماء فنبحتنا كلابه فقالوا: أي ماء هذا؟ فقلت : هذا ماء الحوأب . فصرختْ عائشة بأعلى صوتها [ ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ] وقالت : ( إنا لله وإنا إليه راجعون إنَي لهية سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه : " ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب " . ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت : "ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب “ .

فأناخوا حولها يوماً وليلة فقال لها عبد الله بن الزبير: ". إنه كَذب " ولم يزل بها وهي تمتنع فقال لها: " النجاء النجاء قد أدرككم عليّ بن أبي طالب ".

فأرتحلوا نحو البصرة، فلما كانوا بفنائها لقيهم عمير بن عبد الله التميمي ، وقال : يا أم المؤمنين أنشدك الله أن تقدمي اليوم على قوم لم تراسلي منهم أحداً فعجلي ابن عامر فإنّ له بها صنائع فليذهب إليهم ليلقوا الناس إلي أن تقدمي ويسمعوا ما جئتم به . فأرسلته فاندسّ إلى البصرة فأتى القوم ، وكتبتْ عائشةُ إلى رجال من أهل البصرة وإلى الأحنف بن قيس ، وصبرة بن شيمان ، وأمثالهم ، وأقامت " بالحَفِيْر " ( تنتظر الجواب .

ولما بلغ ذلك أهلُ البصرة دعا عثمان بن حنيف  عِمْران بن حُصَيْن وكان رجل عامة وألزمه بابي الأسود الدؤَليّ وكان رجل خاصة وقال لهما : " انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما عِلْمَهَا وعِلْم من معها ".

فخرجا فانتهيا إليها بالحفير فأذنت لهما فدخلا وسئما وقالا : " إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا "؟

فقالت : والله ما مثلي يغطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء، ونُزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما نالوا مِنْ قَتْل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام ، وسفكوه ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلُّوا البلد الحرام والشهر الحرام ، فخرجتُ في المسلمين أعلمهم ما أتي هؤلاء، وما الناس فيه وراءنا، وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة وقرأت ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيْرٍ مِنْ نَجْوَاهُم ) الآية فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه .
فخرج عمران ، وأبو الأسود مِنْ عندها فأتيا طلحة وقالا : ما أقدمك ؟ فقال : الطلب بدم عثمان . فقالا : ألم تبايع علياً؟ فقال : بلى والسيفُ على عُنُقِي وما أستقيل علياً البيعة إنْ هو لم يَحُلْ بيننا وبين قَتَلَة عثمان .

ثم أتيا الزبير فقالا له مثل قولهما لطلحة وقال لهما مثل قول طلحة فرجعا إلى عثمان بن حنيف ونادي مناديها بالرحيل فدخلا على عثمان فبادر أبو الاسود عمران فقال :

يَا بْنَ حُنَيْفٍ قَدْ أتيتَ فانْفِرِ وَطاعِنِ القَوْمَ وجالدْ وَأصْبِرِ

وَابْرُزْ لَهُمْ مُسْتَلِئْماً وَشَمِّرْ

فقال عثمان : " إنا لله وإنّا إليه راجعون دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زَيَفَان  تَزِيْف ، فقال عمران : أي والله لتعرُكنَّكم عركاً(2) طويلاً . فقال : فأشر علي يا عمران . فقال : أعتزلْ فإنى قاعدٌ . قال عثمان : بل أمنعهم حتى يأتيَ أمير المؤمنين .

فانصرف عمران إلى بيته ، وقام عثمان في أمره فاتاه هشام بن عامر فقال : إنّ هذا الأمر الذي تريده يسلم إلي شَرٍّ مما تكره ، إنّ هذا فَتْقٌ لا يُرْتَق ، وصَدْعٌ لا يُجْبَر فارفق بهم وسامحهم حتى يأتيَ أمرُ عليّ. فأبي ، ونادي عثمان في الناس ، وأمَرَهُم بلبس السلاح فاجتمعوا إلى المسجد، وأمرهم بالتجهز، وأمر رجلاً دسه إلى الناس خَدِعاً كوفيّاً قيسيّاً فقام فقال : أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي إنّ هؤلاء القوم إنْ كانوا جاءوا خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيه الطير، وإنْ كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقَتَلَة عثمان فأطيعوني ورُدُّوهم مِنْ حيث جاءوا .

فقام الأسود بن سريع السعدي فقال : أ و زعموا أنّا قتلة! إنما أتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا.

فحصبه الناس ، فعرف عثمان أنّ لهم بالبصرة ناصراً فكسره ذلك ، فأقبلت عائشة فيمن سها حتى انتهوا إلي المِرْبَد  فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه ، وخرج إليها مِنْ أهل البصرة مَنْ أراد أنْ يكون معها، فاجتمع القوم بالمِرْبَد فتكلّم طلحة وهو في ميمنة المربد وعثمان في ميسرته فأنصتوا له ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وذكر عثمان وفَضْله ، وما استحل منه ، ودعا إلي الطلب بدمه ، وحثَّهم عليه ، وكذلك الزبير فقال مَنْ في ميمنة المِرْبد : صدقا وبرا . وقال مَنْ في ميسرته : فَجَرَا وغَدَرَا وأمرا بالباطل فقد بايعا عطياً ثم جاءا يقولان ، وتحاثى الناس ، وتحاصبوا ، وارهجوا ، فتكلمت عائشة وكانت جهورية الصوت فحمدت الله وقالت : كان الناسُ يتجنُّون علن عثمان ، ويزرون على عُمّاله ، ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ، فننظر   في ذلك فنجده بريئاً تقياً وفتاً ونجدهم فجرة، غَدَرَة، كَذَبَة، وهم يحاولون غير ما يُظْهِرُون ، فلما قووا كاثروه ، واقتحموا عليه داره ، واستحلوا الدم الحرام ، والشهر الحرام ، والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر. ألا إن ممًا ينبني لا ينبغي لكم غيره أخْذ قَتَلَة عثمان ، وإقامة كتاب الله. وقَرَأتْ ( أَلَمْ تَرَ إلى ائذِيْنَ أوتُوا نَصِيْباً مِن الكِتَاب يُدْعَوْن إلَى كِتَابِ الله ) . الآية .

فافترق أصحاب عثمان فِرقتين : فرقة قالت : صَدَقَتْ وبرت ، وقال الآخرون : كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به .

فتحاثوا وتحاصبوا ، فلما رأتْ عائشة ذلك انحدرتْ ، وانحدر أهلُ الميمنة مفارقين لعثمان بن حنيف حتى وقفوا في المِربْد في موضع الدباغين ، وبقي أصحابُ عثمان على حالهم ، ومال بعضُهم إلي عائشة وبقي بعضُهم مع عثمان ، وأقبل جارية بن قدامة السعدي وقال : " يا أم المؤمنين : والله لَقَتْل عثمان أهون مِنْ خُرُوجِك مِنْ بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح . إنه قد كان لكِ مِن الله ستروحُرْمة، فهتكتِ سترك ، وأبحتِ حرمتك . إنّه مَنْ رأي قتالك يري قَتْلَك ، لئن كنتِ أتيتْينَا طائعةً فارجِعي إلى منزلِكِ ، وإنْ كنتِ أتيِتْينَا مكرهة فاستعيني بالناس " .

وخرج غلامٌ شاب من بني سعد إلى طلحة، والزبير فقال : " أما أنت يا زبير فحواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمّا أنت يا طلحة فَوَقَيْت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيدك ، وأري أمّكما معكما فهل جئتما بنسائكما؟ قالا: لا.

قال : " فما أنا منكم في شيء " . وأعْتَزَلَ وقال في ذلك :

صُنْتُمْ حَلَالكم وقُدْتُم أمكُمْ  هَذَا لَعَمْرُكَ قِلةُ الإنْصَافِ

أمِرَتْ بجَرُ ذيُولهَا فِي بَيْتِهَا فَهَوَتْ تَشُقُّ البِيْدَ بالإيْجَافِ

غَرَضاً يُقاتَلُ دونَها أبْناؤها بالنًبْلِ والخَطِّيٌّ والأسْيافِ

هُتِكَتْ بطَلْحَة والزبَيْرِ سُتُورُهَا هَذا المُخبرُ عَنْهُم وَالكَافِي

وأقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو علي الخيل فانشب القتال  وأشرع أصحابُ عائشة رماحهم وأمسكوا ليُمْسك حكيم وأصحابه فلم ينتهِ وقاتلهم أصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها فاقتتلوا على فم السكة، وأمرتْ عائشة أصحابها فتيامنوا إلي مقبرة بني مازن وحجز الليل بينهم ، ورجع عثمان إلى القصر، وأتى أصحاب عائشة إِلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبّون ، وبات الناسُ يأتونهم ، واجتمعوا بساحة دار الرزق فغاداهم حكيم بن جبلة وهو يسبّ وبيده الرمح ، فقال له رجلٌ من عبد القيس : منْ هذا الذي تسبه ؟ قال : عائشة : قال : يا بن الخبيثة ألأم المؤمنين تقول هذا؟ فطعنه حكيم فقتله ، ثم مر بامرأة وهو يسبّها أيضاً فقالت له : ألأم المؤمنين تقول هذا يا بن الخبيثة؟ فطعنها فقتلها، ثم سار فاقتتلوا بدار الرزق قتالاً شديداً إلي أنْ زال النهار، وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف ، وكثر الجراح في الفريقين ، فلما عضّتهم الحرب تنادَوا إلي الصلح ، وتوادعوا فكتبوا بينهم كتاباً  على أنْ يبعثوا رسولاً إلي المدينة يسأل أهلها فإنْ كان طلحة، والزبير أكرها خرج عثمان بن حنيف عن البصرة وأخلاها لهما، لانْ لم يكونا أكِرهَا خرج طلحة، والزبير، وكتبوا بينهم كتاباً بذلك ، وسار كعب بن سور إلي أهل المدينة يسألهم ، فلما قدمها اجتمع الناس إليه وكان يوم جمعة فقام وقال : " يا أهل المدينة أنا رسولُ أهل البصرة نسألكم هل اكرِه طلحة والزبير على بيعة عليّ أم أتياها طائعين ؟ فلم يجبه أحد إلا أسامة بن زيد فإنّه قام وقال : إنهما بايعا وهما مُكْرهان . فأمر به تمام بن العباس فواثبه سهل بن حنيف والناس ، وثار صهيب ، وأبو أيوب في عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا أنْ يُقتل أسامة فقالوا : " اللهم نعم ،. فتركوه ، وأخذ

صهيب أسامة بيده إلي منزله وقال له : أما وَسِعَك ما وَسِعَنا من السكوت . قال : ما كنت أظنّ أنّ الأمر كما أري .

فرجع كعب وبلغ علياً الخبر، فكتب إلى عثمان يحجزه وقال : ( والله ما أكرها على فرقة، ولقد أكرها على جَمَاعةٍ وفَضْل فإنْ كانا يريدان الخلع فلا عُذْر لهما، وإنْ كانا يريدان غير ذلك نَظَرْنَا ونظروا .

فقدم الكتابُ علي عثمان ، وقدم كعب بن سور فأرسلوا إلى عثمان ليخرج فاحتج بالكتاب وقال : " هذا أمرٌ آخر غير ما كنا فيه " . فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان فقدَّما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوها فيهم فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا وهم أربعون رجلاً فأدخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما فما وصل إليهما وقد بقي في وجه شعرة فاستعظما ذلك ، وأرسلا إلى عائشة يعلمانها الخبر، فأرسلت إليهما أن خَلّوا سبيله .

وقيل : لما أخذ عثمان أرسلوا إلى عائشة يستشيرونها في أمره فقالتْ : اقتلوه .

فقالت لها امرأة : نشدتُك الله في عثمان وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لهم : احبسوه . فقال لهم مجاشع بن مسعود : اضربوه وانتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه .

فضربوه أربعين سوطاً ونتفوا لحيته ، وحاجبيه ، وأشفار عينيه ، وحبسوه ثم أطلقوه ، وجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق .

وقد قيل في إخراج عثمان غير ما تقدم ، وذلك أن عائشة وطلحة والزبير لما قَدِموا البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صُوْحَان: " من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد : فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا فإنْ لم تفعل فخذِّل الناسَ عن عليّ .

فكتب إليها " أمّا بعد : فأنا ابنك الخالص إنْ اعتزلتِ ورجعتِ إلي بيتك وإلاّ فأنا أول مَنْ نابذك " .

وقال زيد : " رَحِمَ الله أم المؤمنين أمِرَتْ أنْ تلزم بيتها وأمِرْنَا أنْ نقاتل فتركت ما أمِرَتْ به وأمرتنا به ، وصنعتْ ما أمرنا به ونهتنا عنه " .
وكان على البصرة عند قدومها " عثمان بن حنيف “ فقال لهم : ما نَقِمْتم على صاحبكم ؟
فقالوا : لم نره أولى بها مِنَّا، وقد صنع ما نصع . قال : فإنّ الرجل أمَّرَني فاكتب إليه فأعلمه ما جئتم به على أن أصليَ أنا بالناس حتى يأتينا كتابَه .

فوقفوا عنه ، فكتب فلم يلبث إلا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند مدينة الرزق فظفروا به ، وأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه ، وضربوه ، وحبسوه ، وقام طلحة والزبير خطيَبيْن فقالا : يا أهلَ البصرة توبة لَحِوْبَة  إنما أردنا أنْ نستعتب أميرَ المؤمنين عثمانَ فغلب السفهاء الحلماء فقتلوه .

فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد قد كَانت كُتُبُكَ تأتينا بغير هذا. فقال الزبير: هل جاءكم مني كتاب في شأنه ؟ ثم ذكر قَتْل عثمان وأظهر عَيْب عليّ ، فقام إليه رجلٌ مِنْ عبد القيس فقال : ( أيها الرجل انصت حتي نتكلم " . فأنصت فقال العبدي :

" يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لكم بذلك فضل ،ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم ، فلما تُوُفيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعتم رجلاً منكم فرضينا وسلَمنا ولم تستأمرونا في شيء من ذلك فجعل الله للمسلمين في إمارته بركة، ثم مات واستخلف عليكم رجلاً فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلَّمنا، فلما توفي جعلِ أمركم إلى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عَنْ غير مشورتنا، ثم أنكرتم منه شيئاَ فقتلتموه عن غير مشورة منا، ثم بايعتم علي عن غير مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله ؟ هل استأثر بفَيءٍ أو عمل بغير الحق أو أتي شيئاً تُنكرونه فنكون معكم عليه وإلاّ فما هذا؟

فهمُّوا بقَتْل ذلك الرجل فمنعته عشيرتُه ، فلما كان الند وثبوا عليه وعلى مَنْ معه فقتلوا منهم سبعين ، وبقي طلحة والزبير بعد أخذ عثمان بالبصرة ومعهم بيت المال والحرس والناس معهما ومَنْ لم يكن معهما استتر وبلغ حُكيم بن جبلة ما صُنِعَ بعثمان بن حنيف فقال : لستُ أخاف الله إنْ لم أنصره . فجاء في جماعة من عبد القيس ومَنْ تبعه من ربيعة وتوجّه نحو دار الرزق وبها طعام أراد عبد الله بن الزبير أنْ يرزقه أصحابَه ، فقال له عبد الله : مالك يا حكيم ؟

قال : نريد أنْ نرتزق من هذا الطعام ، وأن تُخَلُّوا عثمان فيقيم في دار الامارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم عليّ ، وأيم الله لو أجدُ أعواناً عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قَتَلْتُم ، ولقد أصبحتُم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم ، أما تخافون الله ! بم تستحلون الدم الحرام ؟ قال : بدم عثمان . قال : فالذين قتلتم هم قَتَلُوا عثمان ! أما تخافون مقتَ الله ؟

فقال له عبد الله : لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نُخَلي سبيلَ عثمان حتى تخلج علياً . فقال حكيم : اللهم إنّك حَكَمٌ عدل فاشهد. وقال لأصحابه : لستُ في شك مِن قتال هؤلاء القوم ، فمن كان في شَكٍ فلينصرف . وتقدَّم فقاتلهم ، فقال طلحة والزبير: " الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا مِن أهل البصرة، اللهم لا تُبْقِ منهم أحداً ".

فاقتتلوا قتالاً شديداً ومع حُكيم أربعة قواد، فكان حُكَيْم بحيال طلحة وذُرَيْح بحيال الزبير، وابن المحترش  بحيال، عبد الرحمن بن عتاب ، وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمائة وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول :

أضْرِبُهُمْ بِاليَابسِ ضَرْبَ غُلَامٍ عَابِس

مِن الحياةِ آَيِس فِي الغُرُفَاتِ نَافِس

فضرب رجلٌ رِجْلَه فقطعها فحبا حتى أخذها فرمي بها صاحبه فصرعَه ، وأتاه فقتله ، ثم اتكأ عليه وقال :

يَاسَاقي لَنْ تُرَاعِي إنَ مَعِيَ ذِرَاعِي

أحْمِي بِهَا كُرَاعِي

وقال أيضاً :

لَيْسَ عَلى أنْ أمُوتَ عَار وَالعَارُ في النَّاسِ هُو الفرار

وَالمَجْدُ لا يفضحه الدَّمَار

فأتي عليه رجلٌ وهو رثيث رأسه على اخر فقال : مالك يم ا حكيم ؟

قال : قُتِلْتُ . قال : مَنْ قتلك ؟. قال : وسادتي. فاحتمله وضمّه في سبعين مِنْ أصحابه ، وتكلّم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رِجْلِ واحدة وإنّ السيوف لتأخدهم وما يتتعتع ويقول : " إنّا خَلفْنَا هذان ، وقد بايعا علياً وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالِفَيْن محاربَيْن يطلبان بدم عثمان ففرقا بيننا ونحن أهل دارٍ وجوار! اللهم إنهما لم يُرِيْدَا عثمان ا.

فناداه مُنَادٍ : " يا خبيث جزعتَ مِنْ نصبك وأصحابك حين عَضَّك نَكَالُ الله بمَا ركبتم من الإمَام المظلوم ، وفرّقتم الجماعة وأصبتم من الدماء ، فَذُقْ وَبَالَ الله وانتقامِهِ إلى كلام "  .

وقتلوا وقتل معهم قتله " يزيد بن الأسحم الحداني " فوجد حُكيم قتيلاً بين يزيد وأخيه كعب .

وقيل : قتله رجلٌ يقال له " ضخيم " وقُتل معه ابنه الأشرف ، وأخوه الرعل بن جبلة .

ولما قُتِلَ حُكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف فقال لهم : أما إنّ سهلاً بالمدينة فإنْ قتلتموني انتصر فخلوا سبيله ، فقصد علياً، وقُتل ذَرِيح ومَنْ معه ، وأفلت حُرْقُوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجأوا إلي قومهم ، فنادي منادي طلحة والزبير: مَنْ كان فيهم أحدٌ ممن غزا المدينة فليأتنا بهم . فجيء بهم فقُتِلُوا ولم ينج منهم إلاّ حُرْقوص بن زهير فإنّ عشيرته بني سعد منعوه - وكان منهم - فنالهم من ذلك أمرٌ شديد وضربوا فيه أجلاً وخشنوا صدور بني سعد وكانوا عثمانية فاعتزلوا، وغضبتْ عبدُ القيس حين غضبت سعد لمن قُتِلَ منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلي ما هم عليه مِنْ لزوم الطاعة لعليّ ، فأمر طلحة والزبير للناس بأعطياتهم وأرزاقهم وفَضَّلا أهل السمع والطاعة فخرجت عبدُ القيس وكثيرٌ مِنْ بكر بن وائل حين منعوهم الفُضُول فبادروهم إلي بيت المال ، وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم ، وخرجوا حتي نزلوا على طريق عليّ ، وأقام طلحة والزبير وليس معهما ثأر إلا حرقوص بن زهير وكتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا وصاروا إليه .

وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم وتأمرهم أنْ يُثَبَطُوا الناس عن عليّ وتحثهم على طلب قتلة عثمان ، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلي أهل المدينة بما كان منهم أيضاً، وسيرتَ الكتبَ  . وكانت هذه الوقعة لخمس ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين . لم وبايع أهلُ البصرة طلحة والزبير فلما بايعوهما قال الزبير: " إلا ألف فارس أسيرُ بهم إلى عليّ أقتله بياتاً أو صباحاً قبل أنْ يَصِلَ إلينا " فلم يُجِبْه أحد فقال : " إنّ هذه لَلْفِتنة التي كنا نُحدَث عنها ". فقال له مولاه : " أتسميها فتنة وتقاتِلُ فيها “؟

قال : ويلك إنّا تُبَصّر ولا تبصر! ما كان أمرٌ قط إلاّ وأنا أعلم موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإنّي لا أدري أمقبلٌ أنا فيه أم مدبر؟

وقال علقمة بن وَقَّاص الليثي : لما خرج طلحة والزبير وعائشة رأيتُ طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على صدره  فقلت : يا أبا محمد أرى أحبَّ المجالس إليك أخلاها وأنت ضاربٌ بلحيتك على صدرك ، إنْ كرهتَ شيئاً  فاجلس . قال :فقال لي :يا علقمة بينا نحن يدٌ واحدة على مَنْ سِوَانا أذْ صِرْنَا جبلين مِن حديد يطلبُ بعضنَا بعضاً، إنه كان مني في عثمان شيء ليس توبتي إلا أنْ يُسْفَك دمي في طلب دمه . قال : فقلت : فردَ ابنك محمداً فإن لك ضيعة وعيالاً فإن يك شيء يخلفك. قال : فامنَعْه . قال : فأتيتُ محمداً ابنه فقلتُ له : لو أقمتَ فإنْ حدث به حدث كُنْتَ تخلفه في عياله وضيعته . قال : ما أحب أنْ أسأل عنه الركبان .

( يعلى بن مُنْيَة ) بضم الميم وسكون النون والياء المعجمة باثنتين من تحتها وهي أمه ، وأسم أبيه أمية .

( عبد الله بن خالد بن أسِيْد ) بفتح همزة أسِيْد.

( جارية بن قدامة ) بالجيم.

(حُكَيْم بن جبلة ) بضم الحاء وفتح الكاف ، وقيل بفتح الحاء وكسر الكاف .

( وصُوحان ) بضم الصاد وآخره نون .‏ ‏ ‏ ‏ ‏ ‏  ‏ ‏