المجلد الرابع - ذكر بناء ابن الزبير الكعبة

لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشام عبد الله بن الزبير أيام يزيد تركها ابن الزبير يشنع بذلك على أهل الشام فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبير شرع في بنائها فأمر بهدمها حتى ألحقت بالأرض وكانت قد مالت حيطانها من حجارة المنجنيق وجعل الحجر الأسود عنده وكان الناس يطوفون من وراء الأساس وضرب عليها السور وأدخل فيها الحجر واحتج بأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعائشة‏:‏ لولا حدثان عهد قومك بالكفر لرددت الكعبة على أساس إبراهيم وأزيد فيها الحجر‏.‏

فحفر ابن الزبير فوجد أساسًا أمثال الجمال فحركوا منها صخرة فبرقت بارقة فقال‏:‏ أقروها على أساسها وبنائها وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر‏.‏وقيل‏:‏ كانت عمارتها سنة أربع وستين‏.‏ذكر الحرب بين ابن خازم وبني تميم في هذه السنة كانت الحرب بين ابن خازم السلمي وبني تميم بخراسان‏.‏

وسبب ذلك أن من كان بخراسان من بني تميم أعانوا ابن خازم على من بها من ربيعة وقد تقدم ذكر ذلك فلما صفت له خراسان جفا بني تميم وكان قد جعل ابنه محمدًا على هراة وجعل على شرطته بكير بن وساج وضم إليه شماس بن دثار العطاردي وكانت أم محمد تميمية فلما جفا ابن خازم بني تميم أتوا ابنه محمدًا بهراة فكتب ابن خازم إلى ابنه محمد وإلى بكير وشماس يأمرهم بمنعهم عن هراة فأما شماس فصار مع بني تميم وأما بكير فإنه منعهم فأقاموا ببلاد هرا فأرسل بكير إلى شماس‏:‏ إني أعطيتك ثلاثين ألفًا فأعط كل رجل من بني تميم ألفًا على أن ينصرفوا‏.‏

فأبوا عليه وأقاموا يترصدون محمدًا فخرج يتصيد فأخذوه وشدوه وثاقًا وشربوا ليلتهم وجعلوا يبولون عليه كلما أرادوا البول فقال لهم شماس‏:‏ أما إذا بلغتم هذا منه فاقتلوه بصاحبيكما اللذين قتلهما بالسياط‏.‏

وكان قد ضرب رجلين من تميم بالسياط حتى ماتا‏.‏

فقاموا إليه ليقتلوه فنهاهم عنه حيان بن مشحبة الضبي وألقى نفسه عليه فلم يقبلوا منه وقتلوا محمدًا‏.‏

فشكر ابن خازم لجيهان ذلك فلم يقتله فيمن قتل يوم فرتنا‏.‏

وكان الذي تولى قتل محمد رجلان اسم أحدهما عجلة واسم الآخر كسيب‏.‏

فقال ابن خازم‏:‏ بئس ما اكتسب كسيب لقومه ولقد عجل عجلة لقومه شرًا‏.‏

وأقبلت تميم إلى مرو وأمروا عليهم الحريش بن هلال القريعي وأجمع أكثرهم على قتال ابن خازم فقاتل الحريش بن هلال عبد الله بن خازم سنتين فلما طالت الحرب خرج الحريش فنادى ابن خازم وقال له‏:‏ طالت الحرب بيننا فعلام تقتل قومي وقومك ابرز إلي فأينا قتل فقال له ابن خازم‏:‏ قد أنصفت‏.‏

فبرز إليه فتضاربا وتصاولا تصاول الفحلين لا يقدر أحدهما على صاحبه ثم غفل ابن خازم فضربه الحريش على رأسه فألقى فروة رأسه على وجهه وانقطع ركاب الحريش وانتزع السيف ولزم ابن خازم عنق فرسه راجعًا إلى أصحابه ثم غاداهم القتال فمكثوا بذلك بعد الضربة أيامًا ثم مل الفريقان فتفرقوا ثلاث فرق‏:‏ فرقة إلى نيسابور مع بحير بن ورقاء وفرقة إلى ناحية أخرى وفرقة فيها الحريش إلى مرو الروذ فاتبعه ابن خازم إلى قرية تسمى الملحمة والحريش في اثني عشر رجلًا وقد تفرقت عنه أصحابه وهم في خربة فلما انتهى إليه ابن خازم خرج إليه في أصحابه فحمل مولىً لابن خازم على الحريش فضربه فلم يصنع شيئًا فقال الحريش لرجل معه‏:‏ إن سيفي لا يصنع في سلاحه شيئًا فأعطني خشبة فأعطاه عودًا من عناب فحمل على المولى فضربه فسقط وقيذًا ثم قال لابن خازم‏:‏ ما تريد مني وقد خليتك والبلاد قال‏:‏ إنك تعود إليها‏.‏

قال‏:‏ لا أعود فصالحه على أن يخرج من خراسان ولا يعود إلى قتاله فأعطاه اب خازم أربعين ألفًا وفتح له الحريش باب القصر فدخله ابن خازم وضمن له وفاء دينه وتحدثا طويلًا‏.‏

وطارت قطنةٌ عن الضربة التي برأس ابن خازم فأخذها الحريش ووضعها مكانها فقال له ابن خازم‏:‏ مسك اليوم ألين من مسك أمس‏.‏

فقال الحريش‏:‏ معذرة إلى الله وإليك أما والله لولا أن أزال عظم ذراعي عن مركبه حمل الرديني في الإدلاج بالسحر حولين ما اغتمضت عيني بمنزلةٍ إلا وكفي وسادٌ لي على حجر بزي الحديد وسربالي إذا هجعت عني العيون مجال الفالح الذكر بحير بن ورقاء بفتح الباء الموحدة والحاء المهملة المكسورة‏.‏

والحريش بالحاء والراء المهملتين والشين المعجمة‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة وقع طاعون الجارف بالبصرة وعليها عبيد الله بن معمر فهلك به خلق كثير فماتت أم عبيد الله فلم يجدوا لها من يحملها حتى استأجروا من حملها وهو الأمير‏.‏

وحج بالناس عبد الله بن الزبير‏.‏

وكان على المدينة مصعب وعلى الكوفة ابن مطيع وعلى البصرة الحارث بن ربيعة المخزومي وعلى خراسان عبد الله بن خازم‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي وكان قد عمي آخر عمره وكات وفاته بمصر وقيل‏:‏ توفي سنة ثمان وستين‏.‏

ثم دخلت سنة ست وستين

في هذه السنة رابع عشر ربيع الأول وثب المختار بالكوفة وأخرج عنها عبد الله بن مطيع عامل عبد الله بن الزبير‏.‏

وسبب ذلك أن سليمان بن صرد لما قتل قدم من بقي من أصحابه الكوفة فلما قدموا وجدوا المختار محبوسًا قد حبسه عبد الله بن يزيد الخطمي وإبراهيم بن محمد بن طلحة وقد تقدم ذكر ذلك فكتب إليهم من الحبس يثني عليهم ويمنيهم الظفر ويعرفهم أنه هو الذي أمره محمد بن علي المعروف بابن الحنفية بطلب الثأر فقرأ كتابه رفاعة بن شداد والمثنى بن مخربة العبدي وسعد بن حذيفة بن اليمان ويزيد بن أنس وأحمر بن شميط الأحمسي وعبد الله بن شداد البجلي وعبد الله بن كامل فلما قرأوا كتابه بعثوا إليه ابن كامل يقولون له‏:‏ إننا بحيث يسرك فإن شئت أن نأتيك ونخرجك من الحبس فعلنا‏.‏

فأتاه فأخبره فسر بذلك وقال لهم‏:‏ إني أخرج في أيامي هذه‏.‏وكان المختار قد أرسل إلى ابن عمر يقول له‏:‏ إنني قد حبست مظلومًا ويطلب إليه أن يشفع فيه إلى عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة فكتب إليهما ابن عمر في أمره فشفعاه وأخرجاه من السجن وضمناه وحلفاه أنه لا يبغيهما غائلةً ولا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان فإن فعل فعليه ألف بدنة ينحرها عند الكعبة ومماليكه أحرار ذكرهم وأنثاهم‏.‏

فلما خرج نزل بداره فقال لمن يثق به‏:‏ قاتلهم الله ما أحمقهم حين يرون أني أفي لهم‏!‏ أما حلفي بالله فإنني إذا حلفت على يمين فرأيت خيرًا منها كفرت عن يميني وخروجي عليهم خير من كفي عنهم وأما هدي البدن وعتق المماليك فهو أهون علي من بصقة فوددت أن تم لي أمري ولا أملك بعده مملوكًا أبدًا‏.‏

ثم اختلفت إليه الشيعة واتفقوا على الرضى به ولم يزل أصحابه يكثرون وأمره يقوى حتى عزل ابن الزبير عبد الله بن يزيد الخطمي وإبراهيم بن محمد بن طلحة واستعمل عبد الله بن مطيع على عملهما بالكوفة فلقيه بحير بن رستان الحميري عند مسيره إلى الكوفة فقال له‏:‏ لا تسر الليلة فإن القمر بالناطح فلا تسر فقال له‏:‏ وهل نطلب إلا النطح‏!‏ فلقي نطحًا كما يريد فكان البلاء موكلًا بمنطقه وكان شجاعًا‏.‏

وسار إبراهيم إلى المدينة وكسر الخراج وقال‏:‏ كانت فتنة فسكت عنه ابن الزبير‏.‏

وكان قدوم ابن مطيع في رمضان لخمس بقين منه وجعل على شرطته إياس بن أبي مضارب العجلي وأمره بحسن السيرة والشدة على المريب ولما قدم صعد المنبر فخطبهم وقال‏:‏ أما بعد فإن أمير المؤمنين بعثني على مصركمك وثغوركم وأمرني بجابية فيئكم وأن لا أحمل فضل فيئكم عنكم إلا برضى منكم وأن أتبع وصية عمر بن الخطاب التي أوصى بها عند وفاته وسيرة عثمان بن عفان فاتقوا الله واستقيموا ولا تختلفوا وخذوا على أيدي سفهائكم فإن لم تفعلوا فلوموا أنفسكم ولا تلوموني فوالله لأوقعن بالسقيم العاصي ولأقيمن درء الأصعر المرتاب‏.‏

فقام إليه السائب بن مالك الأشعري فقال‏:‏ أما حمل فيئنا برضانا فإنا نشهد أنا لا نرضى أن يحمل عنا فضله وأن لا يقسم إلا فينا وأن لا يسار فينا إلا بسيرة علي بن أبي طالب التي سار بها في بلادنا هذه حتى هلك ولا حاجة لنا في سيرة عثمان في فيئنا ولا في أنفسنا ولا في سيرة عمر بن الخطاب فينا وإن كانت أهون السيرتين علينا وقد كان يفعل بالناس خيرًا‏.‏

فقال يزيد بن أنس‏:‏ صدق السائب وبر‏.‏

فقال ابن مطيع‏:‏ نسير فيكم بكل سيرة أحببتموها‏.‏

ثم نزل‏.‏وجاء إياس بن مضارب إلى ابن مطيع فقال له‏:‏ إن السائب بن مالك من رؤوس أصحاب المختار فابعث إلى المختار فليأتك فإذا جاء فاحبسه حتى يستقيم أمر الناس فإن أمره قد استجمع له وكأنه قد وثب بالمصر‏.‏

فبعث ابن مطيع إلى المختار زائدة بن قدامة وحسين بن عبد الله البرسمي من همدان فقالا‏:‏ أجب الأمير فعزم على الذهاب فقرأ زائدة‏:‏ ‏{‏وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 30‏]‏‏.‏ الآية فألقى المختار ثيابه وقال‏:‏ ألقوا علي قطيفةً فقد وعكت إني لأجد

ووجه المختار إلى أصحابه فجمعهم حوله في الدور وأراد أن يثب في الكوفة في المحرم فجاء رجلٌ من أصحاب شبام وشبام حي من همدان وكان شريفًا اسمه عبد الرحمن بن شريح فلقي سعيد بن منقذ الثوري وسعر بن أبي سعر الحنفي والأسود بن جراد الكندي وقدامة بن مالك الجشمي فقال لهم‏:‏ إن المختار يريد أن يخرج بنا ولا ندري أرسله ابن الحنفية أم لا فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية نخبره بما قدم علينا به المختار فإن رخص لنا في اتباعه تبعناه وإن نهانا عنه اجتنبناه فوالله ما ينبغي أن يكون شيء من الدنيا آثر عندنا من سلامة ديننا‏.‏

قالوا له‏:‏ أصبت‏.‏

فخرجوا إلى ابن الحنفية فلما قدموا عليه سألهم عن حال الناس فأخبروه عن حالهم وما هم عليه وأعلموه حال المختار وما دعاهم إليه واستأذنوه في اتباعه‏.‏فلما فرغوا من كلامهم قال لهم بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر فضيلة أهل البيت والمصيبة بقتل الحسين ثم قال لهم‏:‏ وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلب بدمائنا فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه ولو كره لقال لا تفعلوا‏.‏

فعادوا وناس من الشيعة ينتظرونهم ممن أعلموه بحالهم وكان ذلك قد شق على المختار وخاف أن يعودوا بأمر يخذل الشيعة عنه فلما قدموا الكوفة دخلوا على المختار قبل دخولهم إلى

بيوتهم فقال لهم‏:‏ ما وراءكم فقد فتنتم وارتبتم‏!‏ فقالوا له‏:‏ إنا قد أمرنا بنصرك‏.‏

فقال‏:‏ الله أكبر اجمعوا إلي الشيعة فجمع من كان قريبًا منهم فقال لهم‏:‏ إن نفرًا قد أحبوا أن يعلموا مصداق ما جئت به فرحلوا إلى الإمام المهدي فسألوه عما قدمت به عليكم فنبأهم أني وزيره وظهيره ورسوله وأمركم باتباعي وطاعتي فيما دعوتكم إليه من قتال المحلين والطلب بدماء أهل بيت نبيكم المصطفين‏.‏

فقام عبد الرحمن بن شريح وأخبرهم بحالهم ومسيرهم وأن ابن الحنفية أمرهم بمظاهرته ومؤازرته وقال لهم‏:‏ ليبلغ الشاهد الغائب واستعدوا وتأهبوا‏.‏

وقام جماعة من أصحابه فقالوا نحوًا من كلامه‏.‏

فاستجمعت له الشيعة وكان من جملتهم الشعبي وأبوه شراحيل فلما تهيأ أمره للخروج قال له بعض أصحابه‏:‏ إن أشراف أهل الكوفة مجمعون على قتالكم مع ابن مطيع فإن أجابنا إلى أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوة على عدونا فإنه فتىً رئيس وابن رجل شريف له عشيرة ذات عز وعدد‏.‏

فقال لهم المختار‏:‏ فالقوه وادعوه‏.‏

فخرجوا إليه ومعهم الشعبي فأعلموه حالهم وسألوه مساعدتهم عليه وذكروا له ما كان أبوه عليه من ولاء علي وأهل بيته‏.‏

فقال لهم‏:‏ إني قد أجبتكم إلى الطلب بدم الحسين وأهل بيته على أن تولوني الأمر‏.‏

فقالوا له‏:‏ أنت لذلك أهل ولكن ليس إلى ذلك سبيل هذا المختار قد جاءنا من قبل المهدي وهو المأمور بالقتال وقد أمرنا بطاعته‏.‏

فسكت إبراهيم ولم يجبهم فانصرفوا عنه فأخبروا المختار فمكث ثلاثًا ثم سار في بضعة عشر من أصحابه والشعبي وأبوه فيهم إلى إبراهيم فدخلوا عليه فألقى لهم الوسائد فجلسوا عليها وجلس المختار معه على فراشه فقال له المختار‏:‏ هذا كتاب من المهدي محمد بن علي أمير المؤمنين وهو خير أهل الأرض اليوم وابن خير أهلها قبل اليوم بعد أنبياء الله ورسله وهو يسألك أن تنصرنا وتؤازرنا‏.‏

قال الشعبي‏:‏ وكان الكتاب معي فلما قضى كلامه قال لي‏:‏ ادفع الكتاب إليه فدفعه إليه الشعبي فقرأه فإذا فيه‏:‏ من محمد المهدي إلى إبراهيم بن مالك الأشتر سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد بعثت إليكم وزيري وأميني الذي ارتضيته لنفسي وأمرته بقتال عدوي والطلب بدماء أهل بيتي فانهض معهم بنفسك وعشيرتك ومن أطاعك فإنك إن تنصرني وأجبت دعوتي كانت لك بذلك عندي فضيلة ولك أعنة الخيل وكل جيشٍ غازٍ وكل مصر ومنبر وثغر ظهرت عليه فيما بين الكوفة وأقصى بلاد الشام‏.‏

فلما فرغ من قراءة الكتاب قال‏:‏ قد كتب إلي ابن الحنفية قبل اليوم وكتبت فلم يكتب إلي إلا باسمه واسم أبيه‏.‏

قال المختار‏:‏ إن ذلك زمان وهذا زمان‏.‏

قال‏:‏ فمن يعلم أن هذا كتابه إلي فشهد جماعة ممن معه منهم‏:‏ زيد بن أنس وأحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وجماعتهم إلا الشعبي‏.‏

فلما شهدوا تأخر إبراهيم عن صدر الفراش وأجلس المختار عليه وبايعه ثم خرجوا من عنده وقال إبراهيم للشعبي‏:‏ قد رأيتك لم تشهد مع القوم أنت ولا أبوك أفترى هؤلاء شهدوا على حق فقال له‏:‏ هؤلاء سادة القراء ومشيخة المصر وفرسان العرب ولا يقول مثلهم إلا حقًا‏.‏

فكتب أسماءهم وتركها عنده ودعا إبراهيم عشيرته ومن أطاعه وأقبل يختلف إلى المختار كل عشية عند المساء يدبرون أمورهم واجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة ست وستين‏.‏

فلما كان تلك الليلة عند المغرب صلى إبراهيم بأصحابه ثم خرج يريد المختار وعليه وعلى أصحابه السلاح وقد أتى إياس بن مضارب عبد الله بن مطيع فقال له‏:‏ إن المختار خارج عليك بإحدى هاتين الليلتين وقد بعثت ابني إلى الكناسة فلو بعثت في كل جبانة عظيم بالكوفة رجلًا من أصحابك في جماعة من أهل الطاعة لهاب المختار وأصحاب الخروج عليك‏.‏

فبعث ابن مطيع عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني إلى جبانة السبيع وقال‏:‏ اكفني قومك ولا تحدثن بها حدثًا‏.‏

وبعث كعب بن أبي كعب الخثعمي إلى جبانة بشر‏.‏

وبعث زحر بن قيس الجعفي إلى جبانة كندة‏.‏

وبعث عبد الرحمن بن مخنف إلى جبانة الصائدين‏.‏وبعث شمر بن ذي الجوشن إلى جبانة سالم وبعث يزيد بن رويم إلى جبانة المراد وأوصى كلًا منهم أن لا يؤتى من قبله‏.‏

وبعث شبث بن ربعي إلى السبخة وقال‏:‏ إذا سمعت صوت القوم فوجه نحوهم‏.‏

وكان خروجهم إلى الجبابين يوم الاثنين وخرج إبراهيم بن الأشتر يريد المختار ليلة الثلاثاء وقد بلغه أن الجبابين قد ملئت رجالًا وأن إياس بن مضارب في الشرط قد أحاط بالسوق والقصر فأخذ معه من أصحابه نحو مائة دارع وقد لبسوا عليها الأقبية فقال له أصحابه‏:‏ تجنب الطريق‏.‏

فقال‏:‏ والله لأمرن وسط السوق بجنب القصر ولأرعبن عدونا ولأرينهم هوانهم علينا‏.‏

فسار على باب الفيل ثم على دار عمرو بن حريث فلقيهم إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح‏.‏

فقال‏:‏ من أنتم فقال إبراهيم‏:‏ أنا إبراهيم بن الأشتر‏.‏

فقال إياس‏:‏ ما هذا الجمع الذي معك وما تريد لست بتاركك حتى آتي بك الأمير‏.‏

فقال إبراهيم‏:‏ خل سبيلًا‏.‏

قال‏:‏ لا أفعل وكان مع إياس بن مضارب رجل من همدان يقال له أبو قطن وكان يكرمه وكان صديقًا لابن الأشتر فقال له ابن الأشتر‏:‏ ادن مني يا أبا قطن فدنا منه وهو يظن أن إبراهيم يطلب منه أن يشفع فيه إلى إياس فلما دنا منه أخذ رمحًا كان معه وطعن به إياسًا في ثغرة نحره فصرعه فبعث مكانه ابنه راشد بن إياس على الشرط وبعث مكان راشد إلى الكناسة سويد بن عبد الرحمن المنقري أبا القعقاع بن سويد‏.‏

وأقبل إبراهيم بن الأشتر إلى المختار وقال له‏:‏ إنا اتعدنا للخروج القابلة وقد جاء أمر لابد من الخروج الليلة وأخبره الخبر ففرح المختار بقتل إياس وقال‏:‏ هذا أول الفتح إن شاء الله تعالى‏!‏ ثم قال لسعيد بن منقذ‏:‏ قم فأشعل النيرا في الهوادي والقصب وارفعها وسر أنت يا عبد الله بن شداد فناد‏:‏ يا منصور أمت وقم أنت يا سفيان بن ليلى وأنت يا قدامة بن مالك فناديا‏:‏ يا لثارات الحسين‏!‏ ثم لبس سلاحه‏.‏

فقال له إبراهيم‏:‏ إن هؤلاء الذين في الجبابين يمنعون أصحابنا من إتياننا فلو سرت إلى قومي بمن معي ودعوت من أجابني وسرت بهم في نواحي الكوفة ودعوت بشعارنا لخرج إلينا من أراد الخروج ومن أتاك حبسته عندك إلى من معك فإن عوجلت كان عندك من يمنعك إلى أن آتيك‏.‏

فقال له‏:‏ افعل وعجل وإياك أن تسير إلى أميرهم تقاتله ولا تقاتل أحدًا وأنت تستطيع أن لا تقاتله إلا أن يبدأك أحد بقتال‏.‏

فخرج إبراهيم وأصحابه حتى أتى قومه واجتمع إليه جل من كان أجابه وسار بهم في سكك المدينة ليلًا طويلًا وهو يتجنب المواضع التي فيها الأمراء الذين وضعهم ابن مطيع فلما انتهى إلى مسجد السكون أتاه جماعة من خيل زحر بن قيس الجعفي ليس عليهم أمير فحمل عليهم

إبراهيم فكشفهم حتى أدخلهم جبانة كندة وهو يقول‏:‏ اللهم إنك تعلم أنا غضبنا لأهل بيت نبيك وثرنا لهم فانصرنا على هؤلاء‏.‏

ثم رجع إبراهيم عنهم بعد أن هزمهم ثم سار إبراهيم حتى أتى جبانة أثير فتنادوا بشعارهم فوقف فيها فأتاه سويد بن عبد الرحمن المنقري ورجا أن يصيبهم فيحظى بها عند ابن مطيع فلم يشعر به إبراهيم إلا وهو معه فقال إبراهيم لأصحابه‏:‏ يا شرطة الله انزلوا فإنكم أولى بالنصر من هؤلاء الفساق الذين خاضوا في دماء أهل بيت نبيكم‏.‏

فنزلوا ثم حمل عليهم إبراهيم حتى أخرجهم إلى الصحراء فانهزموا فركب بعضهم بعضًا وهم يتلاومون وتبعهم حت أدخلهم الكناسة فقال لإبراهيم أصحابه‏:‏ اتبعهم واغتنم ما دخلهم من الرعب‏.‏

فقال‏:‏ لا ولكن نأتي صاحبنا يؤمن الله بنا وحشته ويعلم ماكان من نصرنا له فيزداد هو وأصحابه قوةً مع أني لا آمن أن يكون قد أتي‏.‏

ثم سار إبراهيم حتى أتى باب المختار فسمع الأصوات عاليةً والقوم يقتتلون وقد جاء شبث بن ربعي من قبل السبخة فعبأ له المختار يزيد بن أنس‏.‏

وجاء حجار بن أبجر العجلي فجعل المختار في وجهه أحمر بن شميط‏.‏

فبينما الناس يقتتلون إذ جاء إبراهيم من قبل القصر فبلغ حجارًا وأصحابه أن إبراهيم قد أتاهم من ورائهم فتفرقوا في الأزقة قبل أن يأتيهم وجاء قيس بن طهفة النهدي في قريب من مائة وهو من أصحاب المختار فحمل على شبث بن ربعي وهو يقاتل يزيد بن أنس فخلى لهم الطريق حتى اجتمعوا وأقبل شبث إلى ابن مطيع وقال له‏:‏ اجمع الأمراء الذين بالجبابين وجميع الناس ثم أنفذ إلى هؤلاء القوم فقاتلهم فإن أمرهم قد قوي وقد خرج المختار وظهر واجتمع له أمره‏.‏

فلما بلغ قوله المختار خرج في جماعة من أصحابه حتى نزل في ظهر دير هند في السبخة وخرج أبو عثمان النهدي فنادى في شاكر وهم مجتمعون في دورهم يخافون أن يظهروا لقرب كعب الخثعمي منهم وكان قد أخذ عليهم أفواه السكك‏.‏

فلما أتاهم أبو عثمان في جماعة من أصحابه نادى‏:‏ يا لثارات الحسين‏!‏ يا منصو أمت أمت‏!‏ يا أيها الحي المهتدون إن أمين آل محمد ووزيرهم قد خرج فنزل دير هند وبعثني إليكم داعيًا ومبشرًا فاخرجوا رحمكم الله‏!‏ فخرجوا يتداعون‏:‏ يا لثارات الحسين‏!‏ وقاتلوا كعبًا حتى خلى لهم الطريق فأقبلوا إلى المختار فنزلوا معه وخرج عبد الله بن قتادة في نحو من مائتين فنزل مع المختار وكان قد تعرض لهم كعب فلما عرفهم أنهم من قومه خلى عنهم‏.‏

وخرجت شبام وهم حي من همدان من آخر ليلتهم فبلغ خبرهم عبد الرحمن بن سعيد الهمداني فأرسل إليهم‏:‏ إن كنتم تريدون المختار فلا تمروا على جبانة السبيع‏.‏

فلحقوا بالمختار فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثني عشر ألفًا كانوا بايعوه فاجتمعوا له قبل الفجر فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلى بأصحابه بغلس‏.‏وأرسل ابن مطيع إلى الجبابين فأمر من بها أن يأتوا المسجد وأمر راشد بن إياس فنادى في الناس‏:‏ برئت الذمة من رجل لم يأت المسجد الليلة‏.‏فاجتمعوا فبعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو ثلاثة آلاف إلى المختار وبعث راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط‏.‏

فسار شبث إلى المختار فبلغه خبره وقد فرغ من صلاة الصبح فأرسل من أتاه بخبرهم وأتى إلى المختار ذلك الوقت سعر بن أبي سعر الحنفي وهو من أصحابه لم يقدر على إتيانه إلا تلك الساعة فرأى راشد بن إياس في طريقه فأخبره المختار خبره أيضًا فبعث إبراهيم بن الأشتر إلى راشد في سبع مائة وقيل في ستمائة فارس وستمائة راجل وبعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة بن هبيرة في ثلاثمائة فارس وستمائة راجل وأمره بقتال شبث ابن ربعي ومن معه وأمرهما بتعجيل القتال وأن لا يستهدفا لعدوهما فإنه أكثر منهما فتوجه إبراهيم إلى راشد وقدم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث بن ربعي في تسعمائة أمامه فتوجه نعيم إلى شبث فقاتله قتالًا شديدًا فجعل نعيم سعر بن أبي سعر على الخيل ومشى هو في الرجالة فقاتلهم حتى أشرقت الشمس وانبسطت فانهزم أصحاب شبث حتى دخلوا البيوت فناداهم شبث وحرضهم فرجع إليه منهم جماعة فحملوا على أصحاب نعيم وقد تفرقوا فهزمهم وصبر نعيم فقتل وأسر سعر بن أبي سعر وجماعة من أصحابه فأطلق العرب وقتل الموالي وجاء شبث حتى أحاط بالمختار وكان قد وهن لقتل نعيم‏.‏

وبعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رويم في ألفين فوقفوا في أفواه السكك وولى المختار يزيد بن أنس خيله وخرج هو في الرجالة فحملت عليه خيل شبث فلم يبرحوا مكانهم فقال لهم يزيد بن أس‏:‏ يا معشر الشيعة إنكم كنتم تقتلون وتقطع أيديكم وأرجلكم وتسمل أعينكم وترفعون على جذوع النخل في حب أهل بيت نبيكم وأنتم مقيمون في بيوتكم وطاعة عدوكم فما ظنكم بهؤلاء القوم إذا ظهروا عليكم اليوم والله لا يدعون منكم عينًا تطرف وليقتلنكم صبرًا ولترون منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت خير منه والله لا ينجيكم منهم إلا الصدق والصبر والطعن الصائب والضرب الدراك فتهيأوا للحملة‏.‏

فتيسروا ينتظرون أمره وجثوا على ركبهم‏.‏

وأما إبراهيم بن الأشتر فإنه لقي راشدًا فإذا معه أربعة آلاف فقال إبراهيم لأصحابه‏:‏ لا يهولنكم كثرة هؤلاء فوالله لرب رجل خير من عشرة والله مع الصابرين‏.‏

وقدم خزيمة بن نصر إليهم في الخيل ونزل هو يمشي في الرجالة وأخذ إبراهيم يقول لصاحب رايته‏:‏ تقدم برايتك واقتتل الناس قتالًا شديدًا وحمل خزيمة بن نصر العبسي على راشد فقتله ثم نادى‏:‏ قتلت راشدًا ورب الكعبة‏!‏ وانهزم أصحاب راشد وأقبل إبراهيم وخزيمة ومن معهما بعد قتل راشد نحو المختار وأرسل البشير إلى المختار بقتل راشد فكبر هو وأصحابه وقويت نفوسهم ودخل أصحاب بن مطيع الفشل‏.‏

وأرسل ابن مطيع حسان بن فائد بن بكر العبسي في جيش كثيف نحو ألفين فاعترض إبراهيم ليرده عمن بالسبخة من أصحاب ابن مطيع فقدم إليهم إبراهيم فانهزموا من غير قتال وتأخر حسان يحمي أصحابه فحمل عليه خزيمة فعرفه فقال‏:‏ يا حسان لولا القرابة لقتلتك فانج بنفسك‏.‏

فعثر به فرسه فوقع فابتدره الناس فقاتل ساعةً فقال له خزيمة‏:‏ أنت آمن فلا تقتل نفسك وكف عنه الناس وقال لإبراهيم‏:‏ هذا ابن عمي وقد آمنته فقال‏:‏ أحسنت‏!‏ وأمر بفرسه فأحضر فأركبه وقال‏:‏ الحق بأهلك‏.‏

وأقبل إبراهيم نحو المختار وشبث بن ربعي محيط به فلقيه يزيد بن الحارث بن رويم وهو على أفواه السكك التي تلي السبخة فأقبل إلى إبراهيم ليصده عن شبث وأصحابه فبعث إبراهيم إليه طائفةً من أصحابه مع خزيمة بن نصر وسار نحو المختار وشبث فيمن بقي معه فلما دنا منهم إبراهيم حمل على شبث وحمل يزيد بن أنس فانهزم شبث ومن معه إلى أبيات الكوفة

وحمل خزيمة بن نصر على يزيد بن الحارث بن رويم فهزمه وازدحموا على أفواه السكك وفوق البيوت وأقبل المختار‏.‏فلما انتهى إلى أفواه السكك رمته الرماة بالنبل فصدوه عن الدخول إلى الكوفة من ذلك الوجه‏.‏

ورجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع وجاءه قتل راشد بن إياس فسقط في يده فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي‏:‏ أيها الرجل لا تلق بيدك واخرج إلى الناس واندبهم إلى عدوك فإن الناس كثير وكلهم معك إلا هذه الطائفة التي خرجت والله يخزيها وأنا أول منتدب فانتدب معي طائفةً ومع غيري طائفة‏.‏

فخرج ابن مطيع فقام في الناس ووبخهم على هزيمتهم وأمرهم بالخروج إلى المختار وأصحابه ولما رأى المختار أنه قد منعه يزيد بن الحارث من دخول الكوفة عدل إلى بيوت مزينة وأحمس وبارق وبيوتهم منفردة فسقوا أصحابه الماء ولم يشرب هو فإنه كان صائمًا فقال أحمر بن شميط لابن كامل‏:‏ أتراه صائمًا قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ لو أفطر كان أقوى له‏.‏

قال‏:‏ إنه معصوم وهو أعلم بما يصنع‏.‏

فقال أحمر‏:‏ صدقت أستغفر الله‏.‏

فقال المختار‏:‏ نعم المكان للقتال هذا‏.‏

فقال إبراهيم‏:‏ إن القوم قد هزمهم الله وأدخل الرعب في قلوبهم سر بنا فوالله ما دون القصر مانع‏.‏

فترك المختار هناك كل شيخ ضعيف ذي علة ونقله واستخلف عليهم أبا عثمان النهدي وقدم إبراهيم أمامه وبعث ابن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفين فخرج عليهم فأرسل المختار إلى إبراهيم أن اطوه ولا تقم عليه فطواه وأقام وأمر المختار يزيد بن أنس أن يواقف عمرو بن الحجاج فمضى إليه وسار المختار في أثر إبراهيم ثم وقف في موضع مصلى خالد بن عبد الله ومضى إبراهيم ليدخل الكوفة من نحو الكناسة فخرج إليه شمر بن ذي الجوشن في ألفين فسرح إليه المختار سعيد بن منقذ الهمداني فواقعه وأرسل إلى إبراهيم يأمره بالمسير فسار حتى انتهى إلى سكة شبث فإذا نوفل بن مساحق في ألفين وقيل خمسة آلاف وهو الصحيح وقد أمر ابن مطيع مناديًا فنادى في الناس أن الحقوا بابن مساحق‏.‏

وخرج ابن مطيع فوقف بالكناسة واستخلف شبث بن ربعي على القصر فدنا ابن الأشتر من ابن مطيع فأمر أصحابه بالنزول وقال لهم‏:‏ لا يهولنكم أن يقال جاء شبث وآل عتيبة بن النهاس وآل الأشعث وآل يزيد بن الحارث وآل فلان فسمى بيوتات أهل الكوفة ثم قال‏:‏ إن هؤلاء لو وجدوا حر السيوف لانهزموا عن ابن مطيع انهزام المعزى من الذئب‏.‏

ففعلوا ذلك‏.‏

وأخذ ابن الأشتر أسفل قبائه فأدخله في منطقته وكان القباء على الدرع فلم يلبثوا حين حمل عليهم أن انهزموا يركب بعضهم بعضًا على أفواه السكك وازدحموا وانتهى ابن الأشتر إلى ابن مساحق فأخذ بعنان دابته ورفع السيف عليه فقال له‏:‏ يا ابن الأشتر أنشدك الله هل بيني وبينك من إحنة أو تطلبني بثأر فخلى سبيله وقال‏:‏ اذكرها‏.‏

فكان يذكرها له‏.‏

ودخلوا الكناسة في آثارهم حتى دخلوا السوق والمسجد وحصروا ابن مطيع ومعه الأشراف من الناس غير عمرو بن حريث فإنه أتى داره ثم خرج إلى البر وجاء المختار حتى نزل جانب السوق‏.‏

وولى إبراهيم حصار القصر ومعه يزيد بن أنس وأحمر بن شميط فحصروهم ثلاثًا فاشتد الحصار عليهم فقال شبثٌ لابن مطيع‏:‏ انظر لنفسك ولمن معك فوالله ما عندهم غناء عنك ولا عن أنفسهم‏.‏

فقال‏:‏ أشيروا علي‏.‏

فقال شبث‏:‏ الرأي أن تأخذ لنفسك ولنا أمانًا وتخرج ولا تهلك نفسك ومن معك‏.‏

فقال ابن مطيع‏:‏ إني لأكره أن آخذ منه أمانًا والأمور لأمير المؤمنين مستقيمة بالحجاز والبصرة‏.‏قال‏:‏ فتخرج ولا يشعر بك أحد فتنزل بالكوفة عند من تثق إليه حتى تلحق بصاحبك‏.‏

وأشار بذلك عبد الرحمن بن سعيد وأسماء بن خارجة وعبد الرحمن بن مخنف وأشراف الكوفة فأقام حتى أمسى وقال لهم‏:‏ قد علمت أن الذين صنعوا هذا بكم إنهم أراذلكم وأخساؤكم وأن أشرافكم وأهل الفضل منكم سامعون مطيعون وأنا مبلغٌ ذلك صاحبي ومعلمه طاعتكم وجهادكم حتى كان الله الغالب على أمره‏.‏

فأثنوا عليه خيرًا‏.‏

وخرج عنهم وأتى دار أبي موسى فجاء ابن الأشتر ونزل القصر ففتح أصحابه الباب وقالوا‏:‏ يا ابن الأشتر آمنون نحن قال‏:‏ أنتم آمنون‏.‏

فخرجوا فبايعوا المختار ودخل المختار القصر فبات فيه وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر وخرج المختار فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال‏:‏ الحمد لله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر وجعله فيه إلى آخر الدهر وعدًا مفعولًا وقضاء مقضيًا وقد خاب من افترى أيها الناس إنا رفعت لنا رايةٌ ومدت لنا غاية فقيل لنا في الراية‏:‏ أن ارفعوها وفي الغاية‏:‏ أن اجروا إليها ولا تعدوها فسمعنا دعوة الداعي ومقالة الواعي فكم من ناعٍ وناعية لقتلى في الواعية وبعدًا لمن طغى وأدبر وعصى وكذب وتولى ألا فادخلوا أيها الناس وبايعوا بيعة هدى فلا والذي جعل السماء سقفًا مكفوفًا والأرض فجاجًا سبلًا ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب وآل علي أهدى منها‏!‏ ثم نزل ودخل عليه أشراف الكوفة فبايعوه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين والدفع عن الضعفاء وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا‏.‏

وكان ممن بايعه المنذر بن حسان وابنه حسان فلما خرجا من عنده استقبله سعيد بن منقذ الثوري في جماعة من الشيعة فلما رأوهما قالوا‏:‏ هذان والله من رؤوس الجبارين فقتلوا المنذر وابنه حسان فنهاهم سعيد حتى يأخذوا أمر المختار فلم ينتهوا فلما سمع المختار ذلك كرهه وأقبل المختار يمني الناس ويستجر مودة الأشراف ويحسن السيرة‏.‏

وقيل له‏:‏ إن ابن مطيع في دار أبي موسى فسكت فلما أمسى بعث له بمائة ألف درهم وقال‏:‏ تجهز بهذه فقد علمت مكانك وأنك لم يمنعك من الخروج إلا عدم النفقة‏.‏

وكان بينهما صداقة‏.‏

ووجد المختار في بيت المال تسعة آلاف ألف فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر وهم ثلاثة وخمسمائة لكل رجل منهم خمسمائة درهم وأعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعدما أحاط بالقصر وأقاموا معه تلك الليلة وتلك الأيام الثلاثة مائتين مائتين واستقبل الناس بخير وجعل الأشراف جلساءه وجعل على شرطته عبد الله بن كامل الشاكري وعلى حرسه كيسان أبا عمرة‏.‏

فقام أبو عمرة على رأسه ذات يوم وهو مقبل على الأشراف بحديثه ووجهه فقال لأبي عمرة بعض أصحابه من الموالي‏:‏ أما ترى أبا إسحاق قد أقبل على العرب ما ينظر إلينا فسأله المختار عما قالوا له فأخبره فقال‏:‏ قل لهم لا يشق عليهم ذلك فأنتم مني وأنا منكم وسكت طويلًا ثم قرأ‏:‏ ‏{‏إنا من المجرمين منتقمون‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 22‏]‏‏.‏

فلما سمعوها قال بعضهم لبعض‏:‏

وكان أول راية عقدها المختار لعبد الله بن الحارث أخي الأشتر على أرمينية وبعث محمد بن عمير بن عطارد علىأذربيجان وبعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل وبعث إسحاق بن مسعود على المدائن وأرض جوخى وبعث قدامة بن أبي عيسى بن زمعة النصري حليف ثقيف على بهقباذ الأعلى وبعث محمد بن كعب بن قرظة على بهقباذ الأوسط وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان وأمره بقتال الأكراد وإقامة الطرق‏.‏

وكان ابن الزبير قد استعمل على الموصل محمد بن الأشعث بن قيس فلما ولي المختار وبعث عبد الرحمن بن سعيد إلى الموصل أميرًا سار محمد عنها إلى تكريت ينظر ما يكون من الناس ثم سار إلى المختار فبايعه‏.‏

فلما فرغ المختار مما يريد صار يجلس للناس ويقضي بينهم ثم قال‏:‏ إن لي فيما أحاول لشغلًا عن القضاء ثم أقام شريحًا يقضي بين الناس ثم خافهم شريح فتمارض وكانوا يقولون‏:‏ إنه عثماني وإنه شهد على حجر بن عدي وإنه لم يبلغ هانىء بن عروة ما أرسله به وإن عليًا عزله عن القضاء‏.‏

فلما بلغ شريحًا ذلك منهم تمارض فجعل المختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم إن عبد الله مرض فجعل مكانه عبد الله بن مالك الطائي‏.‏

رضي الله عنه وفي هذه السنة وثب المختار بمن بالكوفة من قتلة الحسين‏.‏

وكان سبب ذلك أن مروان بن الحكم لما استوسق له الشام بعث جيشين‏:‏ أحدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني وقد ذكرنا أمره وقتله والجيش الآخر إلى العراق مع عبد الله بن زياد وقد ذكرنا ما كان من أمره وأمر التوابين وكان قد جعل لابن زياد ما غلب عليه وأمره أن ينهب الكوفة ثلاثًا فاحتبس بالجزيرة وبها قيس عيلان مع زفر بن الحارث على طاعة ابن الزبير فلم يزل عبيد الله بن زياد مشتغلًا بهم عن العراق نحو سنة‏.‏

فتوفي مروان وولي بعده ابنه عبد الملك بن مروان فأقر ابن زياد على ما كان أبوه ولاه وأمره بالجد في أمره‏.‏

فلما لم يمكنه في زفر ومن معه من قيس شيء أقبل إلى الموصل فكتب عبد الرحمن بن سعيد عامل المختار يخبره بدخول ابن زياد أرض الموصل وأنه قد تنحى له عن الموصل إلى تكريت فدعا المختار يزيد بن أنس الأسدي وأمره أن يسير إلى الموصل فينزل بأداني أرضها حتى يمده بالجنود فقال له يزيد‏:‏ خلني أنتخب ثلاثة آلاف فارس وخلني مما توجهني إليه فإن احتجت

كتبت إليك أستمدك‏.‏

فأجابه المختار فانتخب ثلاثة آلاف وسار عن الكوفة وسار معه المختار والناس يشيعونه فلما ودعه قال له‏:‏ إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم وإذا مكنتك الفرصة فلا تؤخرها وليكن خبرك كل يوم عندي وإن احتجت إلى مددٍ فاكتب إلي مع أني ممدك وإن لم تستمد لأنه أشد لعضدك وأرعب لعدوك‏.‏ودعا له الناس بالسلامة ودعوا له فقال لهم‏:‏ اسألوا الله لي بالشهادة فوالله لئن فاتني النصر لا تفوتني الشهادة‏.‏

فكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد أن خل بين يزيد وبين البلاد‏.‏

فسار يزيد إلى المدائن ثم سار إلى أرض جوخى والرذانات إلى أرض الموصل فنزل بباتلى وبلغ خبره ابن زياد فقال‏:‏ لأبعثن إلى كل ألف ألفين فأرسل ربيعة بن مخارق الغنوي في ثلاثة آلاف وعبد الله بن جملة الخثعمي في ثلاثة آلاف فسار ربيعة قبل عبد الله بيوم فنزل بيزيد بن أنس بباتلي فخرج يزيد بن أنس وهو مريض شديد المرض راكب على حمار يمسكه الرجال فوقف على أصحابه وعبأهم وحثهم على القتال وقال‏:‏ إن هلكت فأميركم ورقاء بن العازب الأسدي فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري فإن هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي وجعل على ميممنته عبد الله وعلى ميسرته سعرًا وعلى الخيل ورقاء ونزل هو فوضع بين الرجال على سرير وقال‏:‏ قاتلوا عن أميركم إن شئتم أو فروا عنه وهو يأمر الناس بما يفعلون ثم يغمى عليه ثم يفيق‏.‏

واقتتل الناس عند فلق الصبح يوم عرفة واشتد قتالهم إلى ارتفاع الضحى فانهزم أهل الشام وأخذ عسكرهم وانتهى أصحاب يزيد إلى ربيعة بن مخارق وقد انهزم عنه أصحابه وهو نازل ينادي‏:‏ يا أولياء الحق أنا ابن مخارق إنما تقاتلون العبيد الأباق ومن ترك الإسلام وخرج منه‏!‏ فاجتمع إليه جماعة فقاتلوا معه فاشتد القتال ثم انهزم أهل الشام وقتل ربيعة بن مخارق قتله عبد الله ابن ورقاء الأسدي وعبد الله بن ضمرة العذري فلم يسر المنهزمون غير ساعة حتى لقيهم عبد الله بن جملة في ثلاثة آلاف فرد معه المنهزمين‏.‏

ونزل يزيد بباتلى فباتوا ليلتهم يتحارسون فلما أصبحوا يوم الأضحى خرجوا إلى القتال فاقتتلوا قتالًا شديدًا ثم نزلوا فصلوا الظهر ثم عادوا إلى القتال فانهزم أهل الشام وترك ابن جملة في جماعة فقاتل قتالًا شديدًا فحمل عليه عبد الله بن قراد الخثعمي فقتله وحوى أهل الكوفة عسكرهم وقتلوا فيهم قتلًا ذريعًا وأسروا منهم ثلاثمائة أسير وأمر يزيد بن أنس بقتلهم وهو بآخر رمق فقتلوا ثم مات آخر النهار فدفنه أصحابه وسقط في أيديهم‏.‏

وكان قد استخلف ورقاء بن عازب الأسدي فصلى عليه ثم قال لأصحابه‏:‏ ماذا ترون إنه قد بلغني أن ابن زياد قد أقبل إليكم في ثمانين ألفًا وإنما أنا رجل منكم فأشيروا علي فإني لا أرى لا بأهل الشام طاقة على هذه الحال وقد هلك يزيد وتفرق عنا بعض من معنا فلو انصرفنا

اليوم من تلقاء أنفسنا لقالوا‏:‏ إنما رجعنا عنهم لموت أميرنا ولم يزالوا لنا هائبين وإن لقيناهم اليوم كنا مخاطرين فإن هزمونا اليوم لم تنفعنا هزيمتنا إياهم بالأمس‏.‏

فقالوا‏:‏ نعم ما رأيت‏.‏

فانصرفوا‏.‏

فبلغ ذلك المختار وأهل الكوفة فأرجف الناس بالمختار وقالوا‏:‏ إن يزيد قت ولم يصدقوا أنه مات‏.‏

فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر وأمره على سبعة آلاف وقال له‏:‏ سر فإذا لقيت جيش يزيد بن أنس فأنت الأمير عليهم فارددهم معك حتى تلقى ابن زياد وأصحابه فتناجزهم‏.‏

فخرج إبراهيم فعسكر بحمام أعين وسار فلما سار اجتمع أشراف الكوفة عند شبث بن ربعي وقالوا‏:‏ والله إن المختار تأمر علينا بغير رضى منا ولقد أدنى موالينا فحملهم على الدواب وأعطاهم فيئنا‏.‏

وكان شبث شيخهم وكان جاهليًا إسلاميًا فقال لهم شبث‏:‏ دعوني حتى ألقاه‏.‏

فذهب إليه فلم يدع شيئًا أنكروه إلا ذكره له فأخذ لا يذكر خصلة إلا قال له المختار‏:‏ أنا أرضيهم في هذه الخصلة وآتي لهم كل ما أحبوا وذكر له الموالي ومشاركتهم في الفيء فقال له‏:‏ إن أنا تركت مواليكم وجعلت فيئكم لكم تقاتلون معي بني أمية وابن الزبير وتعطوني على الوفاء عهد الله وميثاقه وما أطمئن إليه من الأيمان فقال شبث‏:‏ حتى أخرج إلى أصحابي فأذكر لهم فاجتمع شبث بن ربعي ومحمد بن الأشعث وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس وشمر حتى دخلوا على كعب بن أبي كعب الخثعمي فكلموه في ذلك فأجابهم إليه فخرجوا من عنده حتى دخلوا على عبد الرحمن بن مخنف الأزدي فدعوه إلى ذلك فقال لهم‏:‏ إن أطعتموني لم تخرجوا‏.‏

فقالوا له‏:‏ لم فقال‏:‏ لأني أخاف أن تتفرقوا وتختلفوا ومع الرجل شجعانكم وفرسانكم مثل فلان وفلان ثم معه عبيدكم ومواليكم وكلمة هؤلاء واحدة ومواليكم أشد حنقًا عليكم من عدوكم فهم مقاتلوكم بشجاعة العرب وعداوة العجم وإن انتظرتموه قليلًا كفيتموه بقدوم أهل الشام أو مجيء أهل البصرة فتكفونه بغيركم ولم تجعلوا بأسكم بينكم‏.‏فقالوا‏:‏ ننشدك الله أن تخالفنا وتفسد علينا رأينا وما أجمعنا عليه‏!‏ فقال‏:‏ إنما أنا رجل منكم فإذا شئتم فاخرجوا‏.‏

فوثبوا بالمختار بعد مسير إبراهيم بن الأشتر وخرجوا بالجبابين كل رئيس بجبانة‏.‏فلما بلغ المختار خروجهم أرسل قاصدًا مجدًا إلى إبراهيم بن الأشتر فلحقه وهو بساباط يأمره بالرجوع والسرعة وبعث المختار إليهم في ذلك‏:‏ أخبروني ماذا تريدون فإني صانع كل ما أحببتم‏.‏

قالوا‏:‏ نريد أن تعتز لنا فإنك زعمت أن ابن الحنفية بعثك ولم يبعثك‏.‏

قال‏:‏ فأرسلوا إليه وفدًا من قبلكم وأرسل أنا إليه وفدًا ثم انظروا في ذلك حتى يظهر لكم‏.‏

وهو يريد أن يرثيهم بهذه المقالة حتى يقدم عليه إبراهيم بن الأشتر وأمر أصحابه فكفوا أيديهم وقد أخذ عليهم أهل الكوفة بأفواه السكك فلا يصل إليهم شيء إلا القليل‏.‏

وخرج عبد الله بن سبيع في الميدان فقاتله بنو شاكر قتالًا شديدًا فجاءه عقبة بن طارق الجشمي فقاتل معه ساعة حتى ردهم عنه ثم أقبل فنزل عقبة مع شمر ومعه قيس عيلان في جبانة سلول ونزل عبد الله بن سبيع مع أهل اليمن في جبانة السبيع‏.‏

ولما سار رسول المختار وصل إلى ابن الأشتر عشية يومه فرجع ابن الأشتر بقية عشيته تلك الليلة ثم نزل حتى أمسى وأراحوا دوابهم قليلًا ثم سار ليلته كلها ومن الغد فوصل العصر وبات ليلته في المسجد ومعه من أصحابه أهل القوة‏.‏

ولما اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف‏:‏ هذا أول الاختلاف قدموا الرضى فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد البجلي ففعلوا فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة‏.‏

ثم إن المختار عبأ أصحابه في السوق وليس فيه بنيان فأمر ابن الأشتر فسار إلى مضر وعليهم شبث بن ربعي ومحمد بن عمير بن عطارد وهم بالكناسة وخشي أن يرسله إلى أهل اليمن فلا يبالغ في قتال قومه‏.‏

وسار المختار نحو أهل اليمن بجبانة السبيع ووقف عند دار عمرو بن سعيد وسرح بين يديه أحمر بن شميط البجلي وعبد الله بن كامل الشاكري وأمر كلًا منهما بلزوم طريقٍ ذكره له يخرج إلى جبانة السبيع وأسر إليهما أن شبامًا قد أرسلوا إليه يخبرونه أنهم يأتون القوم من ورائهم فمضيا كما أمرهما‏.‏

فبلغ أهل اليمن مسيرهما فافترقوا إليهما واقتتلوا أشد قتال رآه الناس ثم انهزم أصحاب أحمر بن شميط وأصحاب ابن كامل ووصلوا إلى المختار فقال‏:‏ ما وراءكم قالوا‏:‏ هزمنا وقد نزل أحمر بن شميط ومعه ناس من أصحابه‏.‏

وقال أصحاب ابن كامل‏:‏ ما ندري ما فعل ابن كامل‏.‏

فأقبل بهم المختار نحو القوم حتى بلغ دار أبي عبد الله الجدلي فوقف ثم أرسل عبد الله بن قراد الخثعمي في أربعمائة إلى ابن كامل وقال له‏:‏ إن كان قد هلك فأنت مكانه وقاتل القوم وإن كان حيًا فاترك عنده ثلاثمائة من أصحابك وامض في مائة حتى تأتي جبانة السبيع فتأتي أهلها من ناحية حمام قطن‏.‏

فمضى فوجد ابن كامل يقاتلهم في جماعة من أصحابه قد صبروا معه فترك عنده ثلاثمائة رجل وسار في مائة حتى أتى مسجد عبد القيس وقال لأصحابه‏:‏ إني أحب أن يظهر المختار وأكره أن تهلك أشراف عشيرتي اليوم ووالله لأن أموت أحب إلي من أن يهلكوا على يدي ولكن قفوا فقد سمعت أن شبامًا يأتونهم من ورائهم فلعلهم يفعلون ذلك ونعافى نحن منه‏.‏

فأجابه إلى ذلك فبات عند مسجد عبد القيس‏.‏

وبعث المختار مالك بن عمرو النهدي وكان شجاعًا وعبد الله بن شريك النهدي في أربعمائة إلى أحمر بن شميط فانتهوا إليه وقد علاه القوم وكثروه فاشتد قتالهم عند ذلك‏.‏

وأما ابن الأشتر فإنه مضى إلى مضر فلقي شبث بن ربعي ومن معه فقال لهم إبراهيم‏:‏ ويحكم انصرفوا فما أحب أن يصاب من مضر على يدي‏.‏

فأبوا وقاتلوه فهزمهم وجرح حسان بن فائد العبسي فحمل إلى أهله فمات فكان مع شبث وجاءت البشارة إلى المختار بهزيمة مضر فأرسل إلى أحمر بن شميط وابن كامل يبشرهما فاشتد أمرهما‏.‏

فاجتمع شبام وقد رأسوا عليهم أبا القلوص ليأتوا أهل اليمن من ورائهم فقال بعضهم لبعض‏:‏ لو جعلتم جدكم على مضر وربيعة لكان أصوب وأبوا القلوص ساكتٌ فقالوا‏:‏ ما تقول فقال‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قاتلوا الذين يلونكم من الكفار‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 123‏]‏‏.‏ فساروا معه نحو أهل اليمن فلما خرجوا إلى جبانة السبيع لقيهم على فم السكة الأعسر الشاكري فقتلوه ونادوا في الجباة وقد دخلوها‏:‏ يا لثارات الحسين‏!‏ فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران الهمداني فقال‏:‏ يا لثارات عثمان‏!‏ فقال لهم رفاعة بن شداد‏:‏ ما لنا ولعثمان‏!‏ لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان‏.‏

فقال له ناس من قومه‏:‏ جئت بنا وأطعناك حتى إذا رأينا قومنا تأخذهم السيوف قلت انصرفوا ودعوهم‏!‏ فعطف عليهم وهو يقول شعر‏:‏

لأصلين اليوم فيمن يصطلي بحر نار الحرب غير مؤتل فقاتل حتى قتل‏.‏

وكان رفاعة مع المختار فلما رأى كذبه أراد قتله غيلةً قال‏:‏ فمنعني قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏من ائتمنه رجل على دمه فقتله فأنا منه بريءٌ‏)‏‏.‏

فلما كان هذا اليوم قاتل مع أهل الكوفة فلما سمع يزيد بن عمير يقول‏:‏ يا لثارات عثمان عاد عنهم فقاتل مع المختار حتى قتل وقتل يزيد بن عمير بن ذي مران والنعمان بن صهبان الجرمي وكان ناسكًا وقتل الفرات بن زحر بن قيس وجرح أبوه زحر وقتل عبد الله بن سعيد بن قيس وقتل عمر بن مخنف وقاتل عبد الرحمن بن مخنف حتى جرح وحملته الرجال على أيديهم وما يشعر وقاتل حوله رجالٌ من الأزد وانهزم أهل اليمن هزيمةً قبيحةً وأخذ من دور الوادعيين خمسمائة أسير فأتى بهم المختار مكتفين فأمر المختار بإحضارهم وعرضهم عليه وقال‏:‏ انظروا من شهد منهم قتل الحسين فأعلموني‏.‏

فقتل كل من شهد قتل الحسين فقتل منهم مائتين وثمانية وأربعين قتيلًا وأخذ أصحابه يقتلون كل من كان يؤذيهم‏.‏

فلما سمع المختار بذلك أمر بإطلاق كل من بقي من الأسارى وأخذ عليهم المواثيق أن لا يجامعوا عليه عدوًا ولا يبغوه وأصحابه غائلة ونادى منادي المختار‏:‏ من أغلق بابه فهو آمن إلا وكان عمرو بن الحجاج الزبيدي ممن شهد قتل الحسين فركب راحلته وأخذ طريق واقصة فلم ير له خبر حتى الساعة وقيل‏:‏ أدركه أصحاب المختار وقد سقط من شدة العطش فذبحوه وأخذوا رأسه‏.‏

ولما قتل فرات بن زحر بن قيس أرسلت عائشة بنت خليفة بن عبد الله الجعفية وكانت امرأة الحسين إلى المختار تسأله أن يأذن لها في دفنه ففعل فدفنته‏.‏

وبعث المختار غلامًا له يدعى زربي في طلب شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحابه فلما دنوا منه قال شمر لأصحابه‏:‏ تباعدوا عني لعلي يطمع في فتباعدوا عنه فطمع زربي عن أصحابه ثم حمل عليه شمر فقتله وسار شمر حتى نزل مساء ساتيدما ثم سار حتى نزل منه قرية يقال لها الكلتانية على شاطىء نهر إلى جانب تل ثم أرسل إلى أهل تلك القرية فأخذ منها علجًا فضربه وقال‏:‏ امض بكتابي هذا إلى مصعب بن الزبير‏.‏

فمضى العلج حتى دخل قرية فيها أبو عمرة صاحب المختار وكان قد أرسله المختار إلى تلك القرية ليكون مسلحة بينه وبين أهل البصرة فلقي ذلك العلج علجًا آخر من تلك القرية فشكا إليه ما لقي من شمر فبينا هو يكلمه إذ مر به رجل من أصحاب أبي عمرة اسمه عبد الرحمن بن أبي الكنود فرأى الكتاب وعنوانه‏:‏ لمصعب بن الزبير من شمر فقالوا للعلج‏:‏ أين هو فأخبرهم فإذا ليس بينه وبينهم إلا ثلاثة فراسخ قال‏:‏ فأقبلوا يسيرون إليه‏.‏

وكان قد قال لشمر أصحابه‏:‏ لو ارتحلت بنا من هذه القرية فإنا نتخوف بها‏.‏

فقال‏:‏ أوكل هذا فزعًا من الكذاب‏!‏ والله لا أتحول منها ثلاثة أيام ملأ الله قلوبهم رعبًا‏.‏

فإنهم لنيام إذ سمع وقع الحوافر فقالوا في أنفسهم‏:‏ هذا صوت الدبا ثم اشتد فذهب أصحابه ليقوموا فإذا بالخيل قد أشرفت من التل فكبروا وأحاطوا بالأبيات فولى أصحابه هاربين وتركوا خيولهم وقام شمر وقد اتزر ببرد وكان أبرص فظهر بياض برصه من فوق البرد وهو يطاعنهم بالرمح وقد عجلوه عن لبس ثيابه وسلاحه وكان أصحابه قد فارقوه فلما أبعدوا عنه سمعوا التكبير وقائلًا يقول‏:‏ قتل الخبيث قتله ابن أبي الكنود وهو الذي رأى الكتاب مع العلج وألقيت جثته للكلاب قال‏:‏ وسمعته بعد أن قاتلنا بالرمح ثم ألقاه وأخذ السيف فقاتلنا به وهو يرتجز شعر‏:‏ نبهتم ليث عرين باسلا جهمًا محياه يدق الكاهلا لم ير يومًا عن عدوٍ ناكلا إلا كذا مقاتلًا أو قاتلا ينزحهم ضربًا ويروي العاملا وأقبل المختار إلى القصر من جبانة السبيع ومعه سراقة بن مرداس البارقي أسيرًا فناداه شعر‏:‏ امنن علي اليوم يا خير معد وخير من حل بنجر والجند فأرسله المختار إلى السجن ثم أحضره من الغد فأقبل إليه وهو يقول شعر‏:‏ ألا أبلغ أبا إسحاق أنا نزونا نزوةً كانت علينا خرجنا لا نرى الضعفاء شيئًا وكان خروجنا بطرًا وحينا لقينا منهم ضربًا طلحفًا وطعنًا صائبًا حتى انثينا كنصر محمدٍ في يوم بدرٍ ويوم الشعب إذ لاقى حنينا فأسجح إذ ملكت فلو ملكنا لجرنا في الحكومة واعتدينا تقبل توبةً مني فإني سأشكر إن جعلت النقد دينا قال‏:‏ فلما انتهى إلى المختار قال‏:‏ أصلح الله الأمير أحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت الملائكة تقاتل معك على الخيول البلق بين السماء والأرض‏.‏

فقال له المختار‏:‏ اصعد المنبر فأعلم الناس‏.‏

فصعد فأخبرهم بذلك ثم نزل فخلا به المختار فقال له‏:‏ إني قد علمت أنك لم تر شيئًا وإنما أردت ما قد عرفت أن لا أقتلك فاذهب عني حيث شئت لا تفسد علي أصحابي فخرج إلى البصرة فنزل عند مصعب وقال شعر‏:‏ ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهمًا مصمتات كفرت بوحيكم وجعلت نذرًا علي قتالكم حتى الممات وقتل يومئذٍ عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني وادعى قتله سعر بن أبي سعر وأبو الزبير الشبامي وشبام من همدان ورجل آخر فقال ابن عبد الرحمن لأبي الزبير الشبامي‏:‏ أتقتل أبي عبد الرحمن سيد قومك فقرأ‏:‏ ‏{‏لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله‏}‏ الآية ‏[‏المجادلة‏:‏ 22‏]‏‏.‏

وانجلت الوقعة عن سبعمائة وثمانين قتيلًا من قومه وكان أكثر القتل ذلك اليوم في أهل اليمن‏.‏

وكانت الوقعة لست ليال بقين من ذي الحجة سنة ست وستين‏.‏

وخرج أشراف الناس فلحقوا بالبصرة وتجرد المختار لقتلة الحسين وقال‏:‏ ما من ديننا أن نترك قتلة الحسين أحياء بئس ناصر آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنا إذًا في الدنيا أنا إذًا الكذاب كما سموني وإني أستعين بالله عليهم فسموهم لي ثم اتبعوهم حتى تقتلوهم فإني لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض مهم‏.‏

فدل على عبد الله بن أسيد الجهني ومالك بن بشير البدي وحمل بن مالك المحاربي فبعث إليهم المختار فأحضرهم من القادسية فلما رآهم قال‏:‏ يا أعداء الله ورسوله‏!‏ أين الحسن بن علي أدوا إلي الحسين قتلتم من أمرتم بالصلاة عليهم‏.‏

فقالوا‏:‏ رحمك الله‏!‏ بعثا كارهين فامنن علينا واستبقنا‏.‏

فقال لهم‏:‏ هلا مننتم على الحسين ابن بنت نبيكم فاستبقيتموه وسقيتموه وكان البدي صاحب برنسه فأمر بقطع يديه ورجليه وترك يضطرب حتى مات وقتل الآخرين وأمر بزياد بن مالك الضبعي وبعمران بن خالد القشيري وبعبد الرحمن بن أبي خشارة البجلي وبعبد الله بن قيس الخولاني فأحضروا عنده فلما رآهم قال‏:‏ يا قتلة الصالحين وقتلة سيد شباب أهل الجنة قد أقاد الله منكم اليوم لقد جاءكم الورس في يوم نحس‏.‏

وكانوا نهبوا من الورس الذي كان مع الحسين‏.‏

ثم أمر بهم فقتلوا‏.‏

وأحضر عنده‏:‏ عبد الله وعبد الرحمن ابنا صلخت وعبد الله بن وهب بن عمرو الهمداني وهو ابن عم أعشى همدان فأمر بقتلهم فقتلوا وأحضر عنده‏:‏ عثمان بن خالد بن أسيد الدهماني الجهني وأبو أسماء بشر بن شميط القانصي وكانا قد اشتركا في قتل عبد الرحمن بن عقيل وفي سلبه فضرب أعناقهما وأحرقا بالنار‏.‏

ثم أرسل إلى خولي بن يزيد الأصبحي وهو صاحب رأس الحسين فاختفى في مخرجه فدخل أصحاب المختار يفتشون عليه فخرجت امرأته واسمها العيوف بنت مالك وكات تعاديه منذ جاء برأس الحسين فقالت لهم‏:‏ ما تريدون فقالوا لها‏:‏ أين زوجك قالت‏:‏ لا أدري وأشارت بيدها إلى المخرج فدخلوا فوجدوه وعلى رأسه قوصرة فأخرجوه وقتلوه إلى جانب أهله وأحرقوه بالنار‏.‏

ممن شهد قتل الحسين ثم إن المختار قال يومًا لأصحابه‏:‏ لأقتلن غدًا رجلًا عظيم القدمين غائر العينين مترف الحاجبين يسر قتله المؤمنين والملائكة المقربين‏.‏

وكان عنده الهيثم بن الأسود النخعي فعلم أنه يعني عمر بن سعد فرجع إلى منزله وأرسل إلى عمر مع ابنه العريان يعرفه ذلك فلما قاله له قال‏:‏ جزى الله أباك خيرًا كيف يقتلني بعد العهود والمواثيق وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أكرم الناس على المختار لقرابته بعلي وكلمه عمر بن سعد ليأخذ له أمانًا من المختار ففعل وكتب له المختار أمانًا وشرط فيه أن لا يحدث وعنى بالحدث دخول الخلاء ثم إن عمر بن سعد خرج من بيته بعد عود العريان عنه فأتى حمامه فأخبر مولى له بما كان منه وبأمانه‏.‏

فقال له مولاه‏:‏ وأي حدث أعظم مما صنعت تركت أهلك ورحلك وأتيت إلى هاهنا ارجع ولا تجعل عليك سبيلًا‏.‏

فرجع وأتى المختار فأخبره بانطلاقه فقال‏:‏ كلا إن في عنقه سلسلة سترده‏.‏وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة فأتاه وقال‏:‏ أجب الأمير‏.‏

فقام عمر فعثر في جبة له فضربه أبو عمرة بسيفه فقتله وأخذ رأسه فأحضره عند المختار‏.‏

فقال المختار لابنه حفص بن عمر وهو جالسٌ عنده‏:‏ أتعرف من هذا‏.‏

قال‏:‏ نعم ولا خير في العيش بعده‏!‏ فأمر به فقتل وقال المختار‏:‏ هذا بحسين وكان السبب في تهيج المختار على قتله أن يزيد بن شراحيل الأنصاري أتى محمد بن الحنفية وسلم عليه وجرى الحديث إلى أن تذاكرا المختار فقال ابن الحنفية‏:‏ إنه يزعم أنه لنا شيعة وقتلة الحسين عنده على الكراسي يحدثونه‏.‏

فلما عاد يزيد أخبر المختار بذلك فقتل عمر بن سعد وبعث برأسه ورأس ابنه إلى ابن الحنفية وكتب إليه يعلمه أنه قد قتل من قدر عليه وأنه في طلب الباقين ممن حضر قتل الحسين‏.‏قال عبد الله بن شريك‏:‏ أدركت أصحاب الأزدية المعلمة وأصحاب البرانس السود من أصحاب السواري إذا مر بهم عمرو بن سعد قالوا‏:‏ هذا قاتل الحسين وذلك قبل أن يقتله‏.‏

وقال ابن سيرين‏:‏ قال علي لعمر بن سعد‏:‏ كيف أنت إذا قمت مقامًا تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار ثم إن المختار أرسل إلى حكيم بن طفيل الطائي وكان أصاب سلب العباس بن علي ورمى الحسين بسهم وكان يقول‏:‏ تعلق سهمي بسرباله وما ضره فأتاه أصحاب المختار فأخذوه وذهب أهله فشفعوا بعدي بن حاتم فكلمهم عدي فيه فقالوا‏:‏ ذلك إلى المختار‏.‏

فمضى عدي إلى المختار ليشفع فيه وكان المختار قد شفعه في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع فقالت الشيعة‏:‏ إنا نخاف أن يشفعه المختار فيه فقتلوه رميًا بالسهام كما رمى الحسين حتى صار كأنه القنفذ ودخل عدي بن حاتم على المختار فأجلسه معه فشفع فيه عدي فقال المختار‏:‏ أتستحل أن تطلب في قتلة الحسين فقال عدي‏:‏ إنه مكذوبٌ عليه‏.‏

قال‏:‏ إذًا ندعه لك‏.‏

فدخل ابن كامل فأخبر المختار بقتله فقال‏:‏ ما أعجلكم إلى ذلك ألا أحضرتموه عندي وكان قد سره قتله‏.‏فقال ابن كامل‏:‏ غلبتني عليه الشيعة‏.‏

فقال عدي لابن كامل‏:‏ كذبت ولكن ظننت أن من هو خير منك سيشفعني فقتلته‏.‏

فسبه ابن كامل فنهاه المختار عن ذلك‏.‏

وبعث المختار إلى قاتل علي بن الحسين وهو مرة بن منقذ من عبد القيس وكان شجاعًا فأحاطوا بداره فخرج إليهم على فرسه وبيده رمحه فطاعنهم فضرب على يده وهرب منهم فنجا ولحق بمصعب بن الزبير وشلت يده بعد ذلك‏.‏

وبعث المختار إلى زيد بن رقاد الحباني كان يقول‏:‏ لقد رميت فتىً منهم بسهم وكفه على جبهته يتقي النبل فأثبت كفه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته وكان ذلك الفتى عبد الله بن مسلم بن عقيل وإنه قال حين رميته‏:‏ اللهم إنهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا‏!‏ ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر وكان يقول‏:‏ جثته وهو ميت فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه فلم أزل أنضنضه من جبهته حتى أخذته وبقي النصل فلما أتاه أصحاب المختار خرج إليهم بالسيف فقال لهم ابن كامل‏:‏ لا تطعنوه ولا تضربوه بالسيف ولكن ارموه بالنبل والحجارة‏.‏

ففعلوا ذلك به فسقط فأحرقوه حيًا‏.‏

وطلب المختار سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل الحسين فرآه قد هرب إلى البصرة فهدم داره وطلب عبد الله بن عقبة الغنوي فوجده قد هرب إلى الجزيرة فهدم داره وكان قد قتل منهم غلامًا‏.‏

وطلب آخر من بني أسد يقال له حرملة بن الكاهن كان قد قتل رجلًا من أهل الحسين ففاته‏.‏

وطلب أيضًا رجلًا من خثعم اسمه عبد الله بن عروة الخثعمي كان يقول‏:‏ رميت فيهم باثني عشر سهمًا ففاته ولحق بمصعب بن الزبير فهدم داره‏.‏

وطلب أيضًا عمرو بن الصبيح الصدائي كان يقول‏:‏ لقد طعنت فيهم وجرحت وما قتلت منهم أحدًا فأتي ليلًا فأخذ وأحضر عند المختار فأمر بإحضار الرماح وطعن بها حتى مات‏.‏

وأرسل إلى محمد بن الأشعث وهو في قرية له إلى جنب القادسية فطلبوه فلم يجدوه وكان قد هرب إلى مصعب فهدم المختار داره وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الكندي كان زياد قد هدمها‏.‏

بحير بن ريسان بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة‏.‏

شبام بكسر الشين المعجمة والباء الموحدة‏:‏ بطن من همدان وهمدان بسكون الميم وبالدال المهملة‏.‏

وسعر بكسر السين المهملة‏.‏

وأحمر بن شميط بالحاء المهملة والراء المهملة وشميط بالشين المعجمة‏.‏

وشبث بفتح الشين المعجمة واباء الموحدة‏.‏

جبانة أثير بضم الهمزة وبالثاء المثلثة وبالياء المثناة من تحت وبالراء المهملة‏.‏عتيبة بن النهاس بالعين المهملة وبالتاء المثناة من فوق ثم بالياء المثناة من تحت وبالباء الموحدة‏.‏

حسان بن فائد بالفاء‏.‏ ‏