المجلد الرابع - ذكر بيعة المثنى العبدي للمختار بالبصرة

وفي هذه السنة دعا المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة إلى بيعة المختار وكان ممن شهد عين الوردة مع سليمان بن صرد ثم رجع فبايع للمختار فسيره إلى البصرة يدعو بها إليه فقدم البصرة ودعا بها فأجابه رجال من قومه وغيرهم ثم أتى مدينة الرزق فعسكر عندها وجمعوا الميرة بالمدينة فوجه إليهم القباع أمير البصرة ودعا بها عباد بن حصين وهو على شرطته وقيس بن الهيثم في الشرط والمقاتلة فخرجوا إلى السبخة ولزم الناس بيوتهم فلم يخرج أحد وأقبل عباد فيمن معه فتواقف هو والمثنى فسار عباد نحو مدينة الرزق وترك قيسًا مكانه‏.‏

فلما أتى عباد مدينة الرزق أصعد على سورها ثلاثين رجلًا وقال لهم‏:‏ إذا سمعتم التكبير فكبروا ورجع عباد إلى قيس وأنشبوا القتال مع المثنى وسمع الرجال الذين في دار الرزق التكبير فكبروا وهرب من كان بالمدينة وسمع المثنى التكبير من ورائهم فهرب فيمن معه فكف عنهم قيس وعباد ولم يتبعاهم‏.‏

وأتى المثنى قومه عبد القيس فأرسل القباع عسكرًا إلى عبد القيس ليأتوه بالمثنى ومن معه‏.‏

فلما رأى زياد بن عمرو العتكي ذكل أقبل إلى القباع فقال له‏:‏ لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنهم‏.‏

فأرسل القباع الأحنف بن قيس وعمر بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا بين الناس فأصلح الأحنف الأمر على أن يخرج وأصحابه عنهم فأجابوه إلى ذلك وأخرجوهم عنهم فسار المثنى إلى الكوفة في نفر يسير من أصحابه‏.‏

مخربة بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء وكسرها ثم باء مفتوحة‏.‏

ذكر مكر المختار بابن الزبير

فلما أخرج المختار عامل ابن الزبير عن الكوفة وهو ابن مطيع سار إلى البصرة وكره أن يأتي ابن الزبير مهزومًا فلما استجمع للمختار أمر الكوفة أخذ يخادع ابن الزبير فكتب إليه‏:‏ قد عرفت مناصحتي إياك وجهدي على أهل عداوتك وما كنت أعطيتني إذا أنا فعلت ذلك من نفسك فلما وفيت لك لم تف بما عاهدتني عليه فإن ترد مراجعتي ومناصحتي فعلت والسلام‏.‏

وكان قصد المختار أن يكف ابن الزبير عنه ليتم أمره والشيعة لا يعلمون بشيء من أمره فأراد ابن الزبير أن يعلم أسلم هو أم حب فدعا عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي فولاه الكوفة وقال له‏:‏ إن المختار سامع مطيع فتجهز بما بين ثلاثين ألف درهم إلى أربعين ألفًا وسار نحو الكوفة‏.‏

وأتى الخبر إلى المختار بذلك فدعا المختار زائدة بن قدامة وأعطاه سبعين ألف درهم وقال له‏:‏ هذا ضعف ما أنفق عمر بن عبد الرحمن في طريقه إلينا وأمره أن يأخذ معه خمسمائة فارس ويسير حتى يلقاه بالطريق ويعطيه النفقة ويأمره بالعود فإن فعل وإلا فليره الخيل‏.‏

فأخذ زائدة بن قدامة المال وسار حتى لقي عمر فأعطاه المال وأمره بالانصراف فقال له‏:‏ إن أمير المؤمنين قد ولاني الكوفة ولابد من إتيانها‏.‏فدعا زائدة بالخيل وكان قد كمنها فلما رآها قد أقبلت أخذ المال وسار نحو البصرة فاجتمع هو وابن مطيع في إمارة الحارث بن أبي ربيعة وذلك قبل وثوب المثنى بن مخربة العبدي بالبصرة وقيل‏:‏ إن المختار كتب إلى ابن الزبير‏:‏ إني اتخذت الكوفة دارًا فإن سوغتني ذلك وأمرت لي بألف ألف درهم سرت إلى الشام فكفيتك ابن مروان‏.‏

فقال ابن الزبير‏:‏ إلى متى أماكر كذاب ثقيف ويماكرني ثم تمثل شعر‏:‏ عاري الجواعر من ثمود أصله عبدٌ ويزعم أنه من يقدم وكتب إليه‏:‏ والله ولا درهم‏:‏ ولا أمتري عبد الهوان ببدرتي وإني لآتي الحتف ما دمت أسمع ثم إن عبد الملك بن مروان بعث عبد الملك بن الحارث بن أبي الحكم بن أبي العاص إلى وادي القرى وكان المختار قد وادع ابن الزبير ليكف عنه ليتفرغ لأهل الشام‏.‏

فكتب المختار إلى ابن الزبير‏:‏ قد بلغني أن ابن مروان قد بعث إليك جيشًا فإن أحببت أمددتك بمدد‏.‏

فكتب إليه ابن الزبير‏:‏ إن كنت على طاعتي فبايع لي الناس قبلك وعجل إنفاذ الجيش ومرهم ليسيروا إلى من بوادي القرى من جند ابن مروان فليقاتلوهم والسلام‏.‏

فدعا المختار شرحبيل بن ورس الهمداني فسيره في ثلاثة آلاف أكثرهم من الموالي وليس فيهم من العرب إلا سبعمائة رجل وقال‏:‏ سر حتى تدخل المدينة فإذا دخلتها فاكتب إلي بذلك حتى يأتيك أمري‏.‏

وهو يريد إذا دخلوا المدينة أن يبعث عليهم أميرًا ثم يأمر ابن ورس بمحاصرة ابن الزبير بمكة‏.‏

وخشي ابن الزبير أن يكون المختار إنما يكيده فبعث من مكة عباس بن سهل بن سعد في ألفين وأمره أن يستنفر الأعراب وقال له‏:‏ إن رأيت القوم على طاعتي وإلا فكايدهم حتى تهلكهم‏.‏

فأقبل عباس بن سهل حتى لقي ابن ورس بالرقيم وقد عبأ ابن ورس أصحابه وأتى عباس وقد تقطع أصحابه ورأى ابن ورس على الماء وقد عبأ أصحابه فدنا منهم وسلم عليهم ثم قال لابن ورس سرًا‏:‏ ألستم على طاعة ابن الزبير قال‏:‏ بلى‏.‏قال‏:‏ فسر بنا على عدوه الذي بوادي القرى فقال ابن ورس‏:‏ ما أمرت بطاعتكم إنما أمرت أن آتي المدينة فإذا أتيتهما رأيت رأيي‏.‏

فقال له عباس‏:‏ إن كنتم في طاعة ابن الزبير فقد أمرني أن أسيركم إلى وادي القرى‏.‏

فقال‏:‏ لا أتبعك أقدم المدينة وأكتب إلى صاحبي فيأمرني بأمره‏.‏

فقال عباس‏:‏ رأيك أفضل وفطن لما يريد وقال‏:‏ إما أنا فسائرٌ إلى وادي القرى‏.‏

ونزل عباس أيضًا وبعث إلى ابن ورس بجزائر وغنم مسلخة وكانوا قد ماتوا جوعًا فذبحوا واشتغلوا بها واختلطوا على الماء وجمع عباس من أصحابه نحو ألف رجل من الشجعان وأقبل نحو فسطاط ابن ورس فلما رآهم نادى في أصحابه فلم يجتمع إليه مائة رجل حتى انتهى إليه عباس واقتتلوا يسيرًا فقتل ابن ورس في سبعين من أهل الحفاظ ورفع عباس راية أمانٍ لأصحاب ابن ورس فأتوها إلا نحو من ثلاثمائة رجل من سليمان بن حمير الهمداني وعباس بن جعدة الجدلي فظفر ابن سهل منهم بنحو من مائتين فقتلهم وأفلت الباقون فرجعوا فمات أكثرهم في الطريق‏.‏وكتب المختار بخبرهم إلى ابن الحنفية يقول‏:‏ إني أرسلت إليك جيشًا ليذلوا لك الأعداء ويحرزوا البلاد فلما قاربوا طيبة فعل بهم كذا وكذا فإن رأيت أن أبعث إلى المدينة جيشًا كثيفًا وتبعث إليهم من قبلك رجلًا يعلموا أني في طاعتك فافعل فإنك ستجدهم بحقك أعرف وبكم أهل البيت أرأف منهم بآل الزبير والسلام‏.‏

فكتب إليه ابن الحنفية‏:‏ أما بعد فقد قرأت كتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع الله فيه فأطع الله ما استطعت وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعًا والأعوان لي كثيرًا ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين‏.‏

وأمره بالكف عن الدماء‏.‏

ذكر حال ابن الحنفية مع ابن الزبير ومسير الجيش من الكوفة

ثم إن ابن الزبير دعا محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلًا من وجوه أهل الكوفة منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة له صحبة ليبايعوه فامتنعوا وقالوا‏:‏ لا نبايع حتى تجتمع الأمة فأكثر الوقيعة في ابن الحنفية وذمه فأغلظ له عبد الله بن هانىء الكندي وقال‏:‏ لئن لم يضرك إلا تركنا ببيعتك لا يضرك شيء وإن صاحبنا يقول‏:‏ لو بايعتني الأمة كلها غير سعد مولى معاوية ما قبلته‏.‏

وإنما عرض بذكر سعد لأن ابن الزبير أرسل إليه فقتله فسبه عبد الله وسب أصحابه وأخرجهم من عنده فأخبروا ابن الحنفية بما كان منهم فأمرهم بالصبر ولم يلح عليهم ابن الزبير‏.‏

فلما استولى المختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية خاف ابن الزبير أن يتداعى الناس إلى الرضا به فألح عليه وعلى أصحابه في البيعة له فحبسهم بزمزم وتوعدهم بالقتل والإحراق وإعطاء الله عهدًا إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به وضرب لهم في ذلك أجلًا‏.‏

فأشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختار يعلمه حالهم فكتب إلى المختار بذلك وطلب منه النجدة‏.‏

فقرأ المختار الكتاب على الناس وقال‏:‏ إن هذا مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تركوا محظورًا عليهم كما يحظر على الغنم ينتظرون القتل والتحريق في الليل والنهار لست أبا إسحاق إن لم أنصرهم نصرًا مؤزرًا وإن لم أسرب في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهلية الويل‏!‏ يعني ابن الزبير وذلك أن أم خويلد أبي العوام زهرة بنت عمرو من بني كاهل بن أسد بن خزيمة‏.‏

فبكى الناس وقالوا‏:‏ سرحنا إليه وعجل‏.‏

فوجه أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكبًا من أهل القوة ووجه ظبيان بن عمارة أخا بني تميم ومعه أربعمائة وبعث معه لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم وسير أبا المعمر في مائة وهانىء بن قيس في مائة وعمير بن طارق في أربعين ويونس بن عمران في أربعين‏.‏

فوصل أبو عبد الله الجدلي إلى ذات عرق فأقام بها حتى أتاه عمير ويونس في ثمانين راكبًا فبلغوا مائةً وخمسين رجلًا فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام ومعهم الرايات وهم ينادون‏:‏ يا لثارات الحسين‏!‏ حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم وكان قد بقي من الأجل يومان فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا‏:‏ خل بيننا وبين عدو الله ابن الزبير‏!‏ فقال لهم‏:‏ إني لا أستحل القتال في الحرم‏.‏

فقال ابن الزبير‏:‏ واعجبًا لهذه الخشبية‏!‏ ينعون الحسين كأني أنا قتلته والله لو قدرت على قتلته لقتلتهم‏.‏وإنما قيل لهم خشبية لأنهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهار السيوف في الحرم وقيل‏:‏ وقال ابن الزبير‏:‏ أتحسبون أني أخلي سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا فقال الجدلي‏:‏ إي ورب الركن والمقام لتخلين سبيله أو لنجادلنك بأسيافنا جدالًا يرتاب منه المبطلون‏!‏ فكف ابن الحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة‏.‏

ثم قدم باقي الجند ومعهم المال حتى دخلوا المسجد الحرام فكبروا وقالوا‏:‏ يا لثارات الحسين‏!‏ فخافهم ابن الزبير وخرج محمد بن الحنفية ومن معه إلى شعب علي وهم يسبون ابن الزبير ويستأذنون محمدًا فيه فأبى عليهم‏.‏

فاجتمع مع محمد في الشعب أربعة آلاف رجل فقسم بينهم المال وعزوا وامتنعوا‏.‏

فلما قتل المختار تضعضعوا واحتاجوا‏.‏

ثم إن البلاد استوثقت لابن الزبير بعد قتل المختار فارسل إلى ابن الحنفية‏:‏ ادخل في بيعتي وإلا نابذتك‏.‏

وكان رسوله عروة بن الزبير‏.‏

فقال ابن الحنفية‏:‏ بؤسًا لأخيك ما ألجه فيما أسخط الله وأغفله عن ذات الله‏!‏ وقال لأصحابه‏:‏ إن ابن الزبير يريد أن يثور بنا وقد أذنت لمن أحب الانصراف عنا فإنه لا ذمام عليه منا ولا لوم فإني عبد الرحمن بن أم الحكم لقيه أصحاب المختار معهم الكرسي يحملونه على بغل أشهب وهم يدعون الله له بالنصر ويستنصرونه وكان سادن الكرسي حوشب البرسمي فلما رآهم المختار قال‏:‏ مقيم حتى يفتح الله بيني وبين ابن الزبير وهو خير الفاتحين‏.‏

فقام إليه أبو عبد الله الجدلي وغيره فأعلموه أنهم غير مفارقيه‏.‏

وبلغ خبره عبد الملك بن مروان فكتب إليه يعلمه أنه إن قدم عليه أحسن إليه وأنه ينزل إلى الشام إن أراد حتى يستقيم أمر الناس فخرج ابن الحنفية وأصحابه إلى الشام وخرج معه كثير عزة وهو يقول شعر‏:‏ هديت يا مهدينا ابن المهتدي أنت الذي نرضى به ونرتجي أنت ابن خير الناس بعد النبي أنت إمام الحق لسنا نمتري يا بن عليٍ سر ومن مثل علي فلما وصل مدين بلغه غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد فندم على إتيانه وخافه فنزل أيلة وتحدث الناس بفضل محمد وكثرة عبادته وزهده وحسن هديه‏.‏

فلما بلغ ذلك عبد الملك ندم على إذنه له في قدومه بلده فكتب إليه‏:‏ إنه لا يكون في سلطاني من لم يبايعني‏.‏

فارتحل إلى مكة ونزل شعب بن أبي طالب فأرسل إليه ابن الزبير يأمره بالرحيل عنه وكتب إلى أخيه مصعب بن الزبير يأمره أن يسير نساء من مع ابن الحنفية فسير نساء منهن امرأة أبي الطفيل عامر بن واثلة فجاءت حتى قدمت عليه فقال الطفيل شعر‏:‏ إن يك سيرها مصعب فإني إلى مصعب متعب اقود الكتيبة مستلئمًا كأني أخو عزةٍ أحرب وألح ابن الزبير على ابن الحنفية بالانتقال إلى مكة فاستأذنه أصحابه في قتال ابن الزبير فلم يأذن لهم وقال‏:‏ اللهم ألبس ابن الزبير لباس الذل والخوف وسلط عليه وعلى أشياعه من يسومهم الذي يسوم الناس‏.‏

ثم سار إلى الطائف فدخل ابن عباس على ابن الزبير وأغلظ له فجرى بينهما كلام كرهنا ذكره‏.‏

وخرج ابن عباس أيضًا فلحق بالطائف ثم توفي فصلى عليه ابن الحنفية وكبر عليه أربعًا وبقي ابن الحنفية حتى حصر الحجاج ابن الزبير فأقبل من الطائف فنزل الشعب فطلبه الحجاج ليبايع عبد الملك فامتنع حتى يجتمع الناس‏.‏

فلما قتل ابن الزبير كتب ابن الحنفية إلى عبد الملك يطلب منه الأمان له ولمن معه وبعث إليه الحجاج يأمره بالبيعة فأبى وقال‏:‏ قد كتبت إلى عبد الملك فإذا جاءني جوابه بايعت‏.‏وكان عبد الملك كتب إلى الحجاج يوصيه بابن الحنفية فتركه فلما قدم رسول ابن الحنفية وهو أبو عبد الله الجدلي ومعه كتاب عبد الملك بأمانه وبسط حقه وتعظيم أهله حضر عند الحجاج وبايع لعبد الملك بن مروان وقدم عليه الشام وطلب منه أن لا يجعل للحجاج عليه سبيلًا فأزال حكم الحجاج عنه‏.‏

وقيل‏:‏ إن ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس وابن الحنفية أن يبايعا فقالا‏:‏ حتى يجتمع الناس على

إمام ثم نبايع فإنك في فتنة‏.‏

فعظم الأمر بينهما وغضب من ذلك وحبس ابن الحنفية في زمزم وضيق على ابن عباس في منزله واراد إحراقهما فأرسل المختار جيشًا كما تقدم فأزال عنهما ضرار ابن الزبير‏.‏

فلما قتل المختار قوي عليهما ابن الزبير وقال‏:‏ لا تجاوراني‏.‏

فخرجا إلى الطائف وأرسل ابن عباس ابنه عليًا إلى عبد الملك بالشام وقال‏:‏ لئن يربني بنو عمي أحب إلي من أن يربني رجل من بني أسد يعني ببني عمه بني أمية لأنهم جميعهم من ولد عبد مناف ويعني برجل من بني أسد ابن الزبير فإنه من بني أسد بن عبد العزى بن قصي‏.‏

ولما وصل علي بن عبد الله بن عباس إلى عبد الملك سأله عن اسمه وكنيته فقال‏:‏ اسمي علي والكنية أبو الحسن‏.‏

فقال‏:‏ لا يجتمع هذا الاسم وهذه الكنية في عسكري أنت أبو محمد‏.‏

ولما وصل ابن عباس إلى الطائف توفي به وصلى عليه ابن الحنفية‏.‏

ذكر الفتنة بخراسان

في هذه السنة كان حصار عبد الله بن خازم من كان بخراسان من بني تميم بسبب قتلهم ابنه محمدًا وقد تقدم ذكره فلما تفرقت بنو تميم بخراسان على ما تقدم أتى قصر فرتنا عدة من

فرسانهم ما بين السبعين إلى الثمانين فولوا أمرهم عثمان بن بشر بن المحتفز المازني ومعه شعبة بن ظهير النهشلي وورد بن الفلق العنبري وزهير بن ذؤيب العدوي وجيهان بن مشجعة الضبي والحجاج بن ناشب العدوي ورقية بن الحر في فرسان من تميم وشجعانهم فحاصرهم ابن خازم فكانوا يخرجون إليه فيقاتلونه ثم يرجعون إلى القصر‏.‏

فخرج ابن خازم يومًا في ستة آلاف وخرج إليه أهل القصر فقال لهم عثمان بن بشر‏:‏ ارجعوا فلن تطيقوه فحلف زهير بن ذؤئب بالطلاق أنه لا يرجع حتى يتعرض صفوفهم‏.‏

فاستبطن نهرًا قد يبس فلم يشعر به أصحاب عبد الله حتى حمل عليهم فحط أولهم على آخرهم واستدار وكر راجعًا واتعبوه يصيحون به ولم يجسر أحد أن ينزل إليه حتى رجع إلى موضعه فحمل عليهم فافرجوا له حتى رجع‏.‏

فقال ابن خازم لأصحابه‏:‏ إذا طاعنتم زهيرًا فاجعلوا في رماحكم كلاليب ثم علقوها في سلاحه‏.‏فخرج إليهم يومًا فطاعنهم فأعلقوا فيه أربعة أرماح بالكلاليب فالتفت إليهم ليحمل عليهم فاضطربت أيديهم وخلوا رماحهم فعاد يجر اربعة أرماح حتى دخل القصر‏.‏

فأرسل ابن خازم إلى زهير يضمن له مائة ألف وميسان طعمة ليناصحه فلم يجبه‏.‏

فلما طال الحصار عليهم أرسلوا إلى ابن خازم ليمكنهم من الخروج ليتفرقوا فقال‏:‏ لا إلا على حكمي فأجابوا إلى ذلك‏.‏

فقال زهير‏:‏ ثكلتكم أمهاتكم‏!‏ والله ليقتلنكم عن آخركم وإن طبتم بالموت نفسًا فموتوا كرامًا اخرجوا بنا جميعًا فإما أن تموتوا كرمًا وإما أن ينجو بعضكم ويهلك بعضكم وايم الله لئن شددتم عليهم شدةً صادقةً ليفرجن لكم فإن شئتم كنت أمامكم وإن شئتم كنت خلفكم‏.‏

فأبوا عليه‏.‏

فقال‏:‏ ساريكم‏.‏

ثم خرج هو ورقبة ابن الحر وغلام تركي وابن ظهير فحملوا على القوم حملةً منكرةً فأفرجوا لهم فمضوا فأما زهير فرجع ونجا أصحابه‏.‏

فلما رجع زهير إلى من بالقصر قال‏:‏ قد رأيتم أطيعوني‏:‏ قالوا‏:‏ إنا نضعف عن هذا ونطمع في الحياة‏.‏

فقال‏:‏ لا أكون أعجزكم عند الموت‏.‏

فنزلوا على حكم ابن خازم فأرسل إليهم فقيدهم وحملوا إليه رجلًا رجلًا فأراد أن يمن عليهم فأبى عليه ابنه موسى وقال له‏:‏ إن عفوت عنهم قتلت نفسي فقتلهم إلا ثلاثة‏:‏ أحدهم الحجاج بن ناشب فشفع فيه بعض من معه فأطلقه والآخر جيهان بن مشجعة الضبي الذي ألقى نفسه على محمد بن عبد الله كما تقدم والآخر رجل من بني سعد من تميم وهو الذي رد الناس عن ابن خازم يوم لحقوه وقال‏:‏ انصرفوا عن فارس مضر‏.‏

وقال‏:‏ ولما أرادوا حمل زهير بن ذؤيب وهو مقيد أبى واعتمد على رمحه فوثب الخندق ثم أقبل إلى ابن خازم يحجل في قيوده فجلس بين يديه فقال له ابن خازم‏:‏ كيف شكرك إن أطلقتك وأطعمتك ميسان قال‏:‏ لو لم تصنع بي إلا حقن دمي لشكرتك‏.‏

فلم يمكنه ابنه موسى من إطلاقه فقال له أبوه‏:‏ ويحك نقتل مثل زهير‏!‏ من لقتال عدو المسلمين من لحمى نساء العرب فقال‏:‏ والله لو شركت في دم أخي لقتلتك‏!‏ فأمر بقتله‏.‏

فقال زهير‏:‏ إن لي حاجة لا تقتلني ويخلط دمي بدماء هؤلاء اللئام فقد نهيتهم عما صنعوا وأمرتهم أن يموتوا كرامًا ويخرجوا عليكم مصلتين وايم الله لو فعلوا لأذعروا بنيك هذا وشغلوه بنفسه عن طلب ثأر أخيه فأبوا ولو فعلوا ما قتل منهم رجل حتى يقتل رجالًا‏.‏

فأمر به ابن خازم فقتل ناحيةً‏.‏

فلما بلغ الحريش قتلهم قال‏:‏ أعاذل إني لم ألم في قتالهم وقد عض سيفي كبشهم ثم صمما أعاذل ما وليت حتى تبددت رجالٌ وحتى لم أجد متقدما أعاذل أفناني السلاح ومن يطل مقارعة الأبطال يرجع مكلما أعيني إن أنزفتما الدمع فاسكبا دمًا لازمًا لي دون أن تسكبا دما أبعد زهيرٍ وابن بشرٍ تتابعا ووردٍ أرجي في خراسان مغنما أعاذ كم من يوم حربٍ شهدته أكر إذا ما فارس السوء أحجما يعني زهير بن ذؤيب وابن بشر هو عثمان وورد بن الفلق‏.‏

وفي هذه السنة لثمان بقين من ذي الحجة يوم السبت سار إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد وكان مسيره بعد فراغ المختار من وقعة السبيع بيومين وأخرج المختار معه فرسان أصحابه ووجوههم وأهل البصائر منهم ممن له تجربة وخرج معه المختار يشيعه فلما بلغ دير أما ورب المرسلات عرفا لنقتلن بعد صفٍ صفا وبعد ألف قاسطين ألف ثم ودعه المختار وقال له‏:‏ خذ عني ثلاثًا‏:‏ خف الله عز وجل في سر امرك وعلانيتك وعجل السير وإذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم‏.‏

ورجع المختار وسار إبراهيم فانتهى إلى أصحاب الكرسي وهم عكوف عليه قد رفعوا أيديهم إلى السماء يدعون الله فقال إبراهيم‏:‏ اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا هذه سنة بني إسرائيل والذي نفسي بيده إذ عكفوا على عجلهم ثم رجعوا وسار إلى قصده‏.‏

ذكر حال الكرسي الذي كان المختار يستنصر به قال الطفيل بن جعدة بن هبيرة‏:‏ أضقنا إضاقةً شديدة فخرجت يومًا فإذا جار لي زيات عنده كرسيٌّ ركبه الوسخ فقلت في نفسي‏:‏ لو قلت للمختار في هذا شيئًا فأخذته من الزيات

وغسلته فخرج عود نضار قد شرب الدهن وهو يبص قال فقلت للمختار‏:‏ إني كنت أكتمك شيئًا وقد بدا لي أن أذكره لك إن أبي جعدة كان يجلس على كرسي عندنا ويروي أن فيه أثرًا من علي‏.‏

قال‏:‏ سبحان الله أخرته إلى هذا الوقت‏!‏ ابعث به فأحضرته عنده وقد غشي فأمر لي باثني عشر ألفًا ثم دعا‏:‏ الصلاة جامعة فاجتمع الناس فقال المختار‏:‏ إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله وإنه كان في بني إسرائيل التابوت وإن هذا فينا مثل التابوت‏.‏فكشفوا عنه وقامت السبئية فكبروا‏.‏

ثم لم يلبثوا أن أرسل المختار الجند لقتال ابن زياد وخرج بالكرسي على بغل وقد غشي فقتل أهل الشام مقتلة عظيمة فزادهم ذلك فتنة فارتفعوا حتى تعاطوا الكفر فندمت على ما صنعت وتكلم الناس في ذلك تعيبه‏.‏

وقيل‏:‏ إن المختار قال لآل جعدة بن هبيرة وكانت أم جعدة أم هانىء أخت علي بن أبي طالب لأبويه‏:‏ إيتوني بكرسي علي‏.‏

فقالوا‏:‏ والله ما هو عندنا‏.‏

فقال‏:‏ لتكونن حمقى اذهبوا فأتوني به‏.‏

قال‏:‏ فظنوا أنهم لا يأتونه بكرسي غلا قال هذا هو وقبله منهم‏.‏

فأتوه بكرسي وقبضه منهم وخرجت شبام وشاكر ورؤوس أصحاب المختار وقد جعلوا عليه الحرير وكان أول من سدنه موسى بن أبي موسى الأشعري كان يلم بالمختار لأن أمه أم كلثوم بنت الفضل بن العباس فعتب الناس على موسى فتركه وسدنه حوشب البرسمي حتى هلك المختار وقال أعشى همدان في ذلك شعر‏:‏ شهدت عليكم أنكم سبئيةٌ وإني بكم يا شرطة الشرك عارف فأقسم ماكرسيكم بسكينةٍ وإن كان قد لفت عليه اللفائف وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت شبامٌ حواليه ونهدٌ وخارف وإني امرؤٌ أحببت آل محمدٍ وتابعت وحيًا ضمنته المصاحف وبايعت عبد الله لما تتابعت عليه قريشٌ شمطها والغطارف وقال المتوكل الليثي‏:‏ أبلغ أبا إسحاق إن جئته أني بكرسيكم كافر تروا شبام حول أغواده وتحمل الوحي له شاكر محمرةً أعينهم حوله كأنهن الحمص الحادر ذكر عدة حوادث وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير‏.‏

وكان على المدينة مصعب بن الزبير عاملًا لأخيه عبد الله وعلى البصرة عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي لابن الزبير أيضًا كان بالكوفة المختار متغلبًا عليها وبخراسان عبد الله بن خازم‏.‏

وفي هذه السنة توفي اسماء بن حارثة الأسلمي وله صحبة وهو من أصحاب الصفة وقيل‏:‏ بل مات بالبصرة في إمارة ابن زياد‏.‏

وتوفي جابر بن سمرة وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص وقيل‏:‏ مات في إمارة بشر بن هارون وتوفي أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري سيد قومه‏.‏

حارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وستين

ذكر مقتل ابن زياد

ولما سار إبراهيم بن الأشتر من الكوفة أسرع السير ليلقوا بن زياد قبل أن يدخل أرض العراق وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام فبلغ الموصل وملكها كما ذكرناه أولًا فسار إبراهيم وخلف أرض العراق وأوغل في أرض الموصل وجعل على مقدمته الطفيل بن لقيط النخعي وكان شجاعًا‏.‏

فلما دنا ابن زياد عبأ أصحابه ولم يسر إلا على تعبية واجتماع إلا أنه يبعث الطفيل على الطلائع حتى يبلغ نهر الخازر من بلد الموصل فنزل بقرية بارشيا‏.‏

وأقبل ابن زياد إليه حتى نزل قريبًا منهم على شاطئ الخازر وأرسل عمير بن الحباب السلمي وهو من أصحاب ابن زياد إلى ابن الأشتر أن القني وكانت قيس كلها مضطغنة على ابن مروان وقعة مرج راهط وجند عبد الملك يومئذٍ كلب‏.‏

فاجتمع عمير وابن الأشتر فأخبره عمير أنه على ميسرة ابن زياد وواعده أن ينهزم بالناس فقال له ابن الأستر‏:‏ ما رأيك أخندق علي وأتوقف يومين أو ثلاثة فقال عمير‏:‏ لا تفعل وهل يريدون إلا هذا فإن المطاولة خير لهم هم كثير أضعافكم وليس يطيق القليل الكثير في المطاولة ولكن ناجز القوم فإنهم قد ملئوا منكم رعبًا وإن هم شاموا أصحابك وقاتلوهم يومًا بعد يوم ومرة بعد مرة أنسوا بهم واجترأوا عليهم‏.‏

وقال إبراهيم‏:‏ الآن علمت أنك لي مناصح وبهذا أوصاني صاحبي‏.‏

قال عمير‏:‏ أطعه فإن الشيخ قد ضرسته الحرب وقاس منها ما لم يقاسه أحد وإذا أصبحت فناهضهم‏.‏

وعاد عمير إلى أصحابه وأذكى ابن الأشتر ضرسه ولم يدخل عينه غمض حتى إذا كان السحر الأول عبأ أصحابه وكتائبه وأمر أمراءه فجعل سفيان بن يزيد الأزدي على ميمنته وعلي بن مالك الجشمي على ميسرته وهو أخو أبي الأحوص وجعل عبد الرحمن بن عبد الله وهو أخوا إبراهيم بن الأشتر لأمه على الخيل وكانت خيله قليلة وجعل الطفيل بن لقيط على الرجالة وكانت رايته مع مزاحم بن مالك‏.‏

فلما انفجر الفجر صلى الصبح بغلس ثم خرج فصف أصحابه وألحق كل أمير بمكانه ونزل إبراهيم يمشي ويحرض الناس ويمنيهم الظفر وسار بهم رويدًا فأشرف على تل عظيم مشرف على القوم وإذا أولئك القوم لم يتحرك منهم أحد فأرسل عبد الله بن زهير السلولي ليأتيه بخبر القوم فعاد إليه وقال له‏:‏ قد خرج القوم على دهش وفشل لقيني رجل منهم وليس له الكلام إلا‏:‏ يا شيعة أبي تراب‏!‏ يا شيعة المختار وركب إبراهيم وسار على الرايات يحثهم ويذكر لهم فعل ابن زياد بالحسين وأصحابه وأهل بيته من السبي والقتل ومنع الماء وحرضهم على قتله‏.‏

وتقدم القوم إليه وقد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين بن نمير السكوني وعلى ميسرته عمير بن الحباب السلمي وعلى الخيل شر حيل بن ذي الكلاع الحميري‏.‏

فلما تدانى الصفان حمل الحصين بن نمير في ميمنة أهل الشام على ميسرة إبراهيم فثبت له علي بن مالك الجشمي فقتل في رجال من أهل البأس وانهزمت الميسرة فأخذ الراية عبد الله بن ورقاء بن جنادة السلولي ابن أخي حبشي بن جنادة صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستقبل المنهزمين فقال‏:‏ إلي يا شرطة الله‏.‏

فأقبل إليه أكثرهم‏.‏

فقال‏:‏ هذا أميركم يقاتل ابن زياد ارجعوا بينا إليه‏.‏فرجعوا وإذا إبراهيم كاشف رأسه ينادي‏:‏ إلي شرطة الله أنا ابن الأشتر إن خير فراركم كراركم ليس مسيئًا من أعتب‏.‏

فرجع إليه أصحابه وحملت ميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد وهم يرجون أن ينهزم عمير بن الحباب كما زعم فقاتلهم عمير قتالًا شديدًا وأنف من الفرار‏.‏

فلما رأى ذلك إبراهيم قال لأصحابه‏:‏ اقصدوا هذا السواد الأعظم فو الله لو هزمناه لانجفل من ترون يمنةً ويسرةً انجفال طير ذعرتها‏.‏

فمشى أصحابه إليهم فتطاعنوا ثم صاروا إلى السيوف والعمد فاضطربوا بها مليًا وكان صوت الضرب بالحديد كصوت القصارين وكان إبراهيم يقول لصاحب رايته‏:‏ انغمس برايتك فيهم‏.‏

فيقول‏:‏ ليس لي متقدم‏.‏

فيقول‏:‏ بلى فإذا تقدم شد إبراهيم بسيفه فلا يضرب به رجلًا إلا صرعه وكره إبراهيم الرجالة من بين يديه كأنهم الحملان وحمل أصحابه حملة رجل واحد‏.‏

واشتد القتال فانهزم أصحاب ابن زياد وقتل من الفريقين قتلى كثيرة‏.‏وقيل‏:‏ إن عمير بن الحباب أول من انهزم وإنما كان قتاله أولًا تعذيرًا‏.‏

فلما انهزموا قال إبراهيم‏:‏ إني قد قتلت رجلا تحت راية منفردة على شاطئ نهر الخازر فالتمسوه فإني شممت منه رائحة المسك شرقت يداه وغربت رجلاه‏.‏

فالتمسوه فغذا هو ابن زياد قتيلًا بضربة إبراهيم فقد قدته بنصفين وسقط كما ذكر إبراهيم فاخذ رأسه وأحرقت جثته‏.‏

وحمل شريك بن جدير التغلبي على الحصين بن نمير السكوني وهو يظنه عبيد الله بن زياد فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فنادى التغلبي‏:‏ اقتلوني وابن الزاني فقتلوا الحصين وقيل‏:‏ إن الذي قتل ابن زياد شريك بن جدير وكان هذا شريك شهد صفين مع علي وأصيبت عينه فلما انقضت أيام علي لحق شريك ببيت المقدس فأقام به فلما قتل الحسين عاهد الله تعالى إن ظهر من يطلب بدمه ليقتلن ابن زياد أو ليموتن دونه‏.‏

فلما ظهر المختار للطلب بثأر الحسين أقبل إليه وسار مع إبراهيم بن الأشتر فلما التقوا حمل على خيل الشام يهتكها صفًا صفًا مع أصحابه من ربيعة حتى وصلوا إلى ابن زياد وثار الرهج فلا يسمع إلا وقع الحديد فانفرجت عن الناس وهما قتيلان شريك وابن زياد‏.‏

والأول أصح‏.‏

وشريك هو القائل‏:‏ كل عيشٍ قد أراه باطلا غير ركز الرمح في ظل الفرس قال‏:‏ وقتل شر حبيل بن ذي الكلاع الحميري وادعى قتله سفيان بن يزيد الأزدي وورقاء بن عازب الأسدي وعبيد الله بن زهير السلمي وكان عيينة بن أسماء مع ابن زياد فلما انهزم أصحابه حمل أخته هند بنت أسماء وكانت زوجة عبيد الله بن زياد فذهب بها وهو يرتجز‏:‏ إن تصرمي حبالنا فربما أرديت في الهيجا الكمي المعلما ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم فكان من غرق أكثر ممن قتل وأصابوا عسكرهم وفيه من كل شيء‏.‏

وأرسل إبراهيم البشارة إلى المختار وهو بالمدائن وأنفذ إبراهيم عماله إلى اللاد فبعث أخاه عبد الرحمن بن عبيد الله إلى نصيبين وغلب على سنجار ودارا وما والاهما من أرض الجزيرة فولى زفر بن الحارث قرقيسيا وحاتم بن النعمان الاهلي حران والرهاء وسميساط وناحيتها وولى عمير بن الحباب السلمي كفرتوثا وطور عبدين‏.‏

وأقام إبراهيم بالموصل وأنفذ رأس عبيد الله بن زياد إلى المختار ومعه رؤوس قواده فألقيت في القصر فجاءت حية دقيقة فتخللت الرؤوس حتى دخلت في فم عبيد الله بن زياد ثم خرجت من منخره ودخلت في منخره وخرجت من فيه فعلت هذا مرارًا أخرج هذا الترمذي في جامعه‏.‏

وقال المغيرة‏:‏ أول من ضرب الزيوف في الإسلام عبيد الله بن زياد وقال بعض حجاب ابن زياد‏:‏ دخلت مهع القصر حين قتل الحسين فاضطرم في وجهه نارًا فقال بكمه هكذا على وجهه وقال‏:‏ لا تحدثن بهذا أحدًا‏.‏

وقال المغيرة‏:‏ قالت مرجانة لابنها عبيد الله بعد قتل الحسين‏:‏ يا خبيث قتلت ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا ترى الجنة أبدًا‏!‏ وقال ابن مفرغ حين قتل ابن زياد‏:‏ إن المنايا إذا ما زرن طاغيةً هتكن أستار حجابٍ وأبواب أقول بعدًا وسحقًا عند مصرعه لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي لا أنت زوحمت عن ملكٍ فتمنعه ولا متت إلى قومٍ بأسباب لا من نزارٍ ولا من جذم ذي يمنٍ جلمود ذا ألقيت من بين ألهاب

وقال سراقة البارقي يمدح إبراهيم بن الأشتر‏:‏ أتاكم غلام من عرانين مذحجٍ جري على الأعداء غير نكول فيا ابن زيادٍ بؤبأعظم مالكٍ وذق حد ماضي الشفرتين صقيل جزا الله خيرًا شرطة الله إنهم شفوا من عبيد الله أمس غليلي وقال عمير بن الحباب السلمي يذم جيش ابن زياد‏:‏ وما كان جيش يجمع الخمر والزنا محلًا إذا لا قى العدو لينصرا ذكر ولاية مصعب بن الزبير البصرة وفي هذه السنة عزل عبد الله بن الزبير الحارث بن أبي ربيعة وهو القباع عن البصرة واستعمل عليها أخاه مصعبًا‏.‏

فقدمها مصعب ملثمًا ودخل المسجد وصعد المنبر فقال الناس‏:‏ أمير أمير‏!‏ وجاء الحارث بن أبي ربيع وهو الأمير فسفر مصعب لثامه فعرفوه وأمر مصعب الحارث بالصعود إليه فأجلسه تحته بدرجة ثم قام مصعب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏من المفسدين‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 1‏:‏ 4‏]‏‏.‏ فأشار بيده نحو الشام و ‏{‏نريد أن نمن على

الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 5‏]‏‏.‏ وأشار نحو الحجاز ‏{‏ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 6‏]‏‏.‏ وأشار نحو الكوفة وقال‏:‏ يا أهل البصرة بلغني أنكم تلقبون أمراءكم وقد لقبت نفسي بالجزار‏.‏

ذكر مسير مصعب إلى المختار وقتل المختار

ولما هرب أشراف الكوفة من وقعة السبيع أتى جماعة منهم إلى مصعب فأتاه شبث بن ربعي على بغلة قد قطع ذنبها وطرف أنها وشق قباءه وهو ينادي‏:‏ يا غوثاه‏!‏ فرفع خبره إلى مصعب فقال‏:‏ هذا شبث بن ربعي فأدخل عليه فأتاه أشراف الكوفة فدخلوا عليه وأخبروه بما اجتمعوا عليه وسألوه النصر لهم والمسير إلى المختار معهم‏.‏

وقدم عليه محمد بن الأشعث أيضًا واستحثه على المسير فأدناه مصعب وأكرمه لشرفه وقال لأهل الكوفة حين أكثروا عليه‏:‏ لا أسير حتى يأتيني المهلب بن أبي صفرة‏.‏

وكتب إليه وهو عامله على فارس يستدعيه ليشهد معهم قتال المختار فأبطأ المهلب واعتل بشيء من الخراج لكراهية الخروج فأمر مصعب محمد بن الأشعث أن يأتي المهلب يستحثه فأتاه محمد ومعه كتاب مصعب فلما قرأه قال له‏:‏ أما وجد مصعب بريدًا غيرك فقال‏:‏ ما أنا ببريد لأحد غير أن نساءنا وأبناءنا وحرمنا غلبنا عليهم عبيدنا‏.‏

فأقبل المهلب معه بجموع كثيرة وأموال عظيمة فقدم البصرة وأمر مصعب بالعسكر عند الجسر الأكبر وأرسل عبد الرحمن بن مخنف إلى الكوفة فأمره أن يخرج إليه من قدر عليه وأن يثبط الناس عن المختار ويدعوهم إلى بيعة ابن الزبير سرًا ففعل ودخل بيته مستترًا ثم سار مصعب فقدم أمامه عباد بن الحصين الحطمي التميمي وبعث عمر بن عبيد الله بن معمر على ميمنته والمهلب على ميسرته وجعل مالك بن مسمع على بكر ومالك بن المنذر على عبد القيس والأحنف بن قيس على تميم وزياد بن عمر العتكي على الأزد وقيس بن الهيثم على أهل العالية‏.‏

وبلغ الخبر المختار فقام في أصحابه فأعلمهم ذلك وندبهم إلى الخروج مع أحمر بن شميط فخرج وعسكر بحمام أعين ودعا المختار رؤوس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر فبعث مع أحمر بن شميط فسار وعلى مقدمته ابن كامل الشاكري فوصلوا إلى المذار وأتى مصعب فعسكر قريبًا منه وعبأ كل واحد منهما جنده ثم تزاحفا فجعل ابن شميط ابن كامل على ميمنته وعلى الميسرة عبد الله بن وهيب الجشمي وجعل أبا عمرة مولى عرينة على الموالي‏.‏

فجاء عبد الله بن وهيب الجشمي إلى ابن شميط فقال له‏:‏ إن الموالي والعبيد أولو خور عند المصدوقة وإن معهم رجالًا كثيرًا على الخيل وأنت تمشي فمرهم فليمشوا معك فإني أتخوف أن يطيروا عليها ويسلموك‏.‏

وكان هذا غشًا منه للموالي لما كانوا لقوا منهم بالكوفة فأحب أن كانت عليهم الهزيمة وأن لا ينجو منهم أحد‏.‏

فلم يتهمه ابن شميط ففعل ما أشار به فنزل الموالي معه‏.‏

وجاء مصعب وقد جعل عباد بن الحصين على الخيل فدنا عباد من أحمر وأصحابه وقال‏:‏ إنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى بيعة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير وقال الآخرون‏:‏ إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى بيعة المختار وإلى أن نجعل هذا الأمر شورى في آل الرسول‏.‏

فرجع عباد فأخبر مصعبًا فقال له‏:‏ ارجع فاحمل عليهم‏.‏

فرجع وحمل على ابن شميط وأصحابه فلم ينزل منهم أحد ثم انصرف إلى موقفه وحمل المهلب على ابن كامل فجال بعضهم في بعض فنزل ابن كامل فانصرف عنه المهلب ثم قال المهلب لأصحابه‏:‏ كروا عليهم كرةً صادقةً فحملوا عليهم حملةً منكرة فولوا وصبر ابن كامل في رجال من همدان ساعة ثم انهزم وحمل عمر بن عبيد الله على عبد الله بن أنس فصبر ساعةً ثم انصرف وحمل الناس جميعًا على ابن شميط فقاتل حتى قتل وتنادوا‏:‏ يا معشر بجيلة وخثعم الصبر‏!‏ فناداهم المهلب‏:‏الفرار اليوم أنجى لكم علام تقتلون أنفسكم مع هذه العبيد ثم قال‏:‏ والله ما أرى كثرة القتل اليوم إلا في قومي‏.‏

ومالت الخيل على رجالة ابن شميط فانهزمت وبعث مصعب عبادًا على الخيل فقال‏:‏ أيما أسير أخذته فاضرب عنقه‏.‏

وسرح محمد بن الأشعث في خيل عظيمة من أهل الكوفة فقال‏:‏ دونكم ثأركم‏.‏

فكانوا أشد على المنهزيمن من أهل البصرة لا يدركون منهزمًا إلا قتلوه ولا يأخذون أسيرًا فيعفون عنه فلم ينج من ذلك الجيش إلا طائفة أصحاب الخيل وأما الرجالة فأبيدوا إلا قليلًا‏.‏

قال معاوية بن قرة المزني‏:‏ انتهيت إلى رجل فأدخلت السنان في عينه فأخذت أخضخض عينه به‏.‏

فقيل له‏:‏ أفعلت هذا فقال‏:‏ نعم إنهم كانوا عندنا أحل دماء من الترك والديلم‏.‏

وكان معاوية هذا قاضي البصرة‏.‏

فلما فرغ مصعب منهم أقبل حتى قطع من تلقاء واسط ولم تكن بنيت بعد فأخذ في كسكر ثم حمل الرجال وأثقالهم والضعفاء في السفن فأخذوا في نهر خرشاد ثم خرجوا إلى نهر قوسان ثم خرجوا إلى الفرات‏.‏

وأتى المختار خبر الهزيمة ومن قتل بها من فرسان أصحابه فقال‏:‏ ما من الموت بد وما من

ميتة أموتها أحب إلي من أن أموت ميتة ابن شميط‏.‏

فعلموا أنه إن لم يبلغ مايريد يقاتل حتى يقتل‏.‏

ولما بلغه أن مصعبًا قد أقبل إليه في البر والبحر سار حتى وصل السيلحين ونظر إلى مجتمع الأنهار‏:‏ نهر الخريرة ونهر السيلحين ونهر القادسية ونهر رسف فسكر الفرات فذهب ماؤها في هذه الأنهار وبقيت سفن أهل البصرة في الطين فلما رأوا ذلك خرجوا من السفن إلى ذلك السكر فأصلحوه وقصدوا الكوفة وسار المختار إليهم فنزل حروراء وحال بينهم وبين الكوفة وكان قد حصن القصر والمسجد وأدخل إليه عدة الحصار‏.‏

وأقبل مصعب وقد جعل على ميمنته المهلب وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله وعلى الخيل عباد بن الحصين وجعل المختار على ميمنته سليم بن يزيد الكندي وعلى ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني وعل الخيل عمرو بن عبد الله النهدي وعلى الرجال مالك بن عبد الله النهدي‏.‏

وأقبل محمد بن الأشعث فيمن هرب من أهل الكوفة فنزل بين مصعب والمختار‏.‏

فلما رأى ذلك المختار بعث إلى كل جيش من أهل البصرة رجلًا من أصحابه وتدانى الناس فحمل سعيد بن منقذ على بكر وعبد القيس وهم في ميمنة مصعب فاقتتلوا قتالًا شديدًا فأرسل مصعب إلى المهلب ليحمل على من بإزائه فقال‏:‏ ما كنت لأجزر الأزد خشية أهل الكوفة حتى

وبعث المختار إلى عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي فحمل على من بإزائه وهم أهل العالية فكشفهم فانتهوا إلى مصعب فجثا مصعب على ركبتيه وبرك الناس عنده فقاتلوا ساعةً وتحاجزوا‏.‏

ثم إن المهلب حمل في أصحابه على من بإزائه فحطموا أصحاب المختار حطمة منكرة فكشفوهم‏.‏

وقال عبد الله بن عمرو النهدي وكان ممن شهد صفين‏:‏ اللهم إني على ماكنت عليه بصفين اللهم أبرأ إليك من فعل هؤلاء لأصحابه حين انهزموا وأبرأ إليك من أنفس هؤلاء يعني أصحاب مصعب ثم جالد بسيفه حتى قتل‏.‏

وانقصف أصحاب المختار كأنهم أجمة قصب فيها نار وحمل مالك بن عمرو النهدي وهو على الرجالة ومعه نحو خمسين رجلًا وذلك عند المساء على أصحاب ابن الأشعث حملةً منكرةً فقتل ابن الأشعث وقتل عامة أصحابه‏.‏

وقاتل المختار على فم سكة شبث عامة ليلته وقاتل معه رجال من أهل البأس وقاتلت معه همدان أشد قتال وتفرق الناس عن المختار فقال له من معه‏:‏ أيها الأمير اذهب إلى القصر فجاء حتى دخله فقال له بعض أصحابه‏:‏ ألم تكن وعدتنا الظفر وأنا سنهزمهم فقال‏:‏ أما قرأت في كتاب الله تعالى ‏{‏يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 39‏]‏‏.‏

فقيل‏:‏ إن فلما أصبح مصعب أقبل يسير فيمن معه نحو السبخة فمر بالمهلب فقال له المهلب‏:‏ يا له فتحًا ما أهنأه لو لم يقتل محمد بن الأشعث‏.‏

قال‏:‏ صدقت‏.‏

ثم قال مصعب للمهلب‏:‏ إن عبيد الله بن علي بن أبي طالب قد قتل فاسترجع المهلب فقال مصعب‏:‏ قد كنت أحب أن يشهد هذا الفتح أتدري من قتله إنما قتله من يزعم أنه شيعة لأبيه‏.‏

ثم نزل السبخة فقطع عنهم الماء والمادة وقاتلهم المختار وأصحابه قتالًا ضعيفًا واجترأ الناس عليهم فكانوا إذا خرجوا رماهم الناس من فوق البيوت وصبوا عليهم الماء القذر وكان أكثر معاشهم من النساء تأتي المرأة متخفية ومعها القليل من الطعام والشراب إلى أهلها‏.‏

ففطن مصعب بالنساء فمنعهن فاشتد على المختار وأصحابه العطش وكانوا يشربون ماء البئر يعملون فيه العسل فكان ذلك ما يروي بعضهم‏.‏

ثم إن مصعبًا أمر أصحابه فاقتربوا من القصر واشتد الحصار عيهم فقال‏:‏ لهم المختار‏:‏ ويحكم إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفًا فانزلوا بنا فنقاتل حتى نقتل كرامًا إن نحن قتلنا فو الله ما أنا بآيس إن صدقتموهم أن ينصركم الله‏.‏

فضعفوا ولم يفعلوا‏.‏

فقال لهم‏:‏ أما أنا فوالله لا أعطي بيدي ولا أحكمهم في نفسي وإذا خرجت فقتلت لم تزدادوا إلا ضعفًا وذلا فغن نزلتم على حكمهم وثبت أعداؤكم فقتلوكم وبعضكم ينظر إلى بعض فتقولون‏:‏ يا ليتنا أطعنا المختار ولو فلما رأى عبد الله بن جعدة بن هبيرة ما عزم عليه المختار تدلى من القصر فلحق بناس من إخوانه فاختفى عندهم سرًا‏.‏

ثم إن المختار تطيب وتحنط وخرج من القصر في تسعة عشر رجلًا منهم السائب بن مالك الأشعري وكانت تحته عمرة بنت أي موسى الأشعري فولدت له غلامًا اسمه محمد فلما أخذ القصر وجد صبيًا فتركوه‏.‏

فلما خرج المختار قال للسائب‏:‏ ماذا ترى قال‏:‏ ما ترى أنت‏.‏

قال‏:‏ ويحك يا أحمق إنما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير قد وثب بالحجاز ورأيت نجدة وثب باليمامة ومروان بالشام وكنت فيها كأحدهم إلا أني قد طلبت بثأر أهل البيت إذ نامت عنه العرب فقاتل على حسبك إن لم يكن لك نية‏.‏

فقال‏:‏ إنا الله وإنا إليه راجعون ما كنت أصنع أن أقاتل على حسبي‏.‏

ثم تقدم المختار فقاتل حتى قتل قتله رجلان من بني حنيفة أخوان أحدهما طرفه والآخر طراف ابنا عبد الله بن دجاجة‏.‏

فلما كان الغد من قتله دعاهم بحير بن عبد الله المسكي ومن معه بالقصر إلى ما دعاهم المختار فأبوا عليه وأمكنوا أصحاب مصعب من أنفسهم ونزلوا على حكمه فأخرجهم مكتفين فأراد إطلاق العرب وقتل الموالي فأبى أصحابه عليه فعرضوا عليه فأمر بقتلهم وعرض عليه بحير المسكي فقال لمصعب‏:‏ الحمد الله الذي ابتلانا بالأسر وابتلاك بأن تعفو عنا هما منزلتان‏:‏

إحداهما رضاء الله والأخرى سخطه من عفا عفا الله عنه وزاد عزًا ومن عاقب لم يأمن القصاص يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم ولسنا تركًا ولا ديلمًا فإن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا فإما أن نكون أصبنا وأخطأوا وغما أن نكون أخطأنا وأصابوا فاقتتلنا بيننا كما اقتتل أهل الشام بينهم ثم اجتمعوا وكما اقتتل أهل البصرة واصطلحوا واجتمعوا وقد ملكتم فأسجحوا وقد قدرتم فاعفوا‏.‏

فما زال بهذا القول حتى رق لهم الناس ومصعب وأراد أن يخلي سبيلهم‏.‏

فقام عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الأشعث فقال‏:‏ أتخلي سبيلهم اخترنا أو اخترهم‏.‏

وقام محمد بن عبد الرحمن بن سعيد الهمداني فقال مثله وقام أشراف الكوفة فقالوا مثلهما فأمر بقتلهم فقالوا له‏:‏ يا ابن الزبير لا تقتلنا واجعلنا على مقدمتك إلى أهل الشام غدًا فما بكم عنا عنىً فإن قتلنا لم نقتل حتى نضعفهم لكم وإن ظفرنا بهم كان ذلك لكم‏.‏

فأبى عليهم‏.‏

فقال بحير المسكي‏:‏ لا تخلط دمي بدامائهم إذ عصوني‏.‏

فقتلهم‏.‏

وقال مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي‏:‏ ماتقول يا ابن الزبير لربك غدًا وقد قتلت أمةً من المسلمين حكموك في أنفسهم صبرًا اقتلوا منا بعدة من قتلنا منكم ففينا رجال لم يشهدوا موطنًا من حربنا يومًا واحدًا كانوا في السواد وجباية الخراج وحفظ الطرق‏.‏

فلم يسمع منه وأمر ولما أراد قتلهم استشار مصعب الأحنف بن قيس فقال‏:‏ أرى أن تعفو فإن العفو أقرب للتقوى‏.‏

فقال أشراف أهل الكوفة‏:‏ اقتلهم وضجوا فقتلهم‏.‏

فلما قتلوا قال الأحنف‏:‏ ما أدركتم بقتلهم ثأرًا فليته لا يكون في الآخرة وبالًا‏.‏

وبعثت عائشة بنت طلحة امرأة مصعب إليه في أطلاقهم فوجدهم الرسول قد قتلوا‏.‏

وأم مصعب بكف المختار بن أبي عبيدة فقطعت وسمرت بمسمار إلى جانب المسجد فبقيت حتى قدم الحجاج فنظر إليها وسأل عنها عقيل‏:‏ هذه كف المختار فأمر بنزعها‏.‏

وبعث مصعب عماله على الجبال والسواد وكتب إلى إبراهيم بن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول له‏:‏ إن أطعتني فلك الشام وأعنة الخيل وما غلبت عليه من أرض المغرب ما دام لآل الزبير سلطان أعطاه عهد الله على ذلك‏.‏

وكتب عبد الملك بن مروان إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول‏:‏ إن أنت أجبتني فلك العراق‏.‏

فاستشار إبراهيم أصحابه فاختلفوا فقال إبراهيم‏:‏ لو لم أكن أصبت ابن زياد وأشراف الشام لأجبت عبد الملك مع أني لا أختار على أهل مصري وعشيرتي غيرهم‏.‏

فكتب إلى مصعب بالدخول معه‏.‏

فكتب إليه مصعب أن أقبل فأقبل إليه بالطاعة فلما بلغ مصعبًا إقباله إليه بعث المهلب عل عمله بالموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان‏.‏

ثم إن مصعبًا دعا أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار وعمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية امرأته الأخرى فأحضرهما وسألهما عن المختار‏.‏

فقالت أم ثابت‏:‏ نقول فيه بقولك أنت فأطلقها وقالت عمرة‏:‏ رحمة الله كان عبدًا لله صالحًا فحبسها وكتب إلى أخيه عبد الله بن الزبير‏:‏ إنها تزعم أنه نبي فأمره بقتلها فقتلت ليلًا بين الكوفة والحيرة قتلها بعض الشرط ضربها ثلاث ضربات بالسيف وهي تقول‏:‏ يا أبتاه‏!‏ يا عثرتاه‏!‏ فرفع رجل يده فلطم القاتل وقال‏:‏ يا ابن الزانية عذبتها‏!‏ ثم تشحطت فماتت فتعلق الشرطي بالرجل وحمله إلى مصعب فقال‏:‏ خلوه فقد رأى أمرًا فظيعًا‏.‏

فقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي في ذلك‏:‏ إن من أعجب العجائب عندي قتل بيضاء حرةٍ عطبول قتلت هكذا على غير جرمٍ إن لله درها من قتيل كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذبول وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري في ذلك أيضًا‏:‏ أتى راكب بالأمر ذي النبإ العجب بقتل ابنه النعمان ذي الدين والحسب بقتل فتاةٍ ذات دلٍ ستيرةٍ مهذبة الأخلاق والخيم والنسب مطهرةٍ من نسل قومٍ أكارمٍ من المؤثرين الخير في سالف الحقب أتاني بأن الملحدين توافقوا على قتلها لا جنبوا القتل ولسلب فلا هنأت آل الزبير معيشة وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب كأنهم إذ أبرزوها وقطعت بأسيافهم فازوا بمملكة العرب ألم تعجب الأقوام من قتل حرةٍ من المحصنات الدين محمودة الأدب من الغافلات المؤمنات بريئةٍ من الذم والبهتان والشك والكذب علينا ديات القتل والبأس واجب وهن العفاف في الحجال وفي الحجب على دين أجدادٍ لها وأبوةٍ كرام مضت لم تخز أهلًا ولم ترب من الخفرات لا خروج بذية ولا دمة تنعى على جارها الجنب ولا الجار ذي القربي ولم تدر ما الخنا ولم تزدلف يومًا بسوءٍ ولم تجب عجبت لها إذ كتفت وهي حية ألا إن هذا الخطب من أعجب العجب وقيل‏:‏ إن المختار إنما أظهر الخلاف لابن الزبير عند قدوم مصعب البصرة وإن مصعبًا لما سار إليه فبلغه مسيره أرسل إليه أحمر بن شميط وأمره أن يواقعه بالمذار وقال‏:‏ إن الفتح بالمذار لأنه بلغه أن رجلًا من ثقيف يفتح عليه بالمذار فتح عظيم فظن أنه هو وإنما كان ذلك للحجاج في

وأمر مصعب عبادًا الحطمي بالمسير إلى جمع المختار فتقدم وتقدم معه عبيد الله بن علي بن أبي طالب وبقي مصعب على نهر البصريين وخرج المختار في عشرين ألفًا وزحف مصعب ومن معه فوافوه مع الليل فقال المختار لأصحابه‏:‏ لا يبرحن أحد منكم حتى يسمع مناديًا ينادي‏:‏ يا محمد فإذا سمعتوه فاحملوا‏.‏

فلما طلع القمر أمر مناديًا فنادى‏:‏ يا محمد فحملوا على أصحاب مصعب فهزموهم وأدخلوهم عسكرهم فلم يزالوا يقاتلونهم حتى أصبحوا وأصبح المختار وليس عنده أحد وأصحابه قد أوغلوا في أصحاب مصعب فانصرف المختار منهزمًا حتى دخل قصر الكوفة وجاء أصحابه حين أصبحوا فوقفوا مليًا فلم يروا المختار فقالوا‏:‏ قد قتل فهرب منهم من أطاق الهرب فاختفوا بدور الكوفة وتوجه منهم نحو القصر ثمانية آلاف فوجدوا المختار في القصر فدخلوا عليه وكانوا قد قتلوا تلك الليلة من أصحاب مصعب خلقًا كثيرًا منهم محمد بن الأشعث‏.‏

وأقبل مصعب فأحاط بالقصر وحاصرهم أربعة أشهر يخرج المختار كل يوم فيقاتلهم في سوق الكوفة‏.‏

ولما قتل لمختار بعث من في القصر يطلب الأمان فأبى مصعب فنزلوا على حكمه فقتل من العرب سبعمائة أو نحو ذلك وسائرهم من العجم وكان عدة القتلى ستة آلاف رجل‏.‏

قيل‏:‏ إن مصعبًا لقي ابن عمر فسلم عليه وقال له‏:‏ أنا ابن أخيك مصعب‏.‏

فقال له ابن عمر‏:‏ أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة غير ما بدا لك‏.‏

فقال مصعب‏:‏ إنهم كانوا كفرة فجرة‏.‏

فقال‏:‏ والله لو قتلت عدتهم غنمًا من تراث أبيك لكان ذلك سرفًا‏.‏

وقال ابن الزيبر لعبد الله بن عباس‏:‏ ألم يلغك قتل الكذاب قال‏:‏ ومن الكذاب قال‏:‏ ابن أبي عبيد‏.‏

قال‏:‏ قد بلغني قتل المختار‏.‏

قال‏:‏ كأنك نكرت تسميته كذابًا ومتوجع له‏.‏

قال‏:‏ ذاك رجل قتل قتلتنا وطلب ثأرنا وشفى غليل صدورنا وليس جزاؤه منا الشتم والشماتة‏.‏

وقال عروة بن الزبير لابن عباس‏:‏ قد قتل الكذاب المختار وهذا رأسه‏.‏

فقال ابن عباس‏:‏ قد بقيت لكم عقبة كؤود فإن صعد تموها فأنتم أنتم وإلا فلا يعني عبد الملك بن مروان‏.‏

وكانت هدايا المختار تأتي ابن عمر وابن الحنفية فيقبلانها وقيل‏:‏ رد ابن عمر هديته‏.‏ ‏ ‏