المجلد الرابع - ذكر إمارة عمر بن عبد العزيز بالمدينة

وفي هذه السنة عزل الوليد هشام بن إسماعيل عن المدينة لسبع ليال خلون من ربيع الأول وكانت إمارته عليها أربع سنين غير شهر أو نحوه وولى عمر بن عبد العزيز المدينة فقدمها واليًا في ربيع الأول وثقله على ثلاثين بعيرًا فنزل دار مروان وجعل يدخل عليه الناس فيسلمون فلما وصل الظهر دعا عشرةً من الفقهاء الذين في المدينة‏:‏ عروة بن الزبير وأبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عبيد الله بن عمر وعبد الله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد فدخلوا عليه فقال لهم‏:‏ إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانًا على الحق ولا أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو بر أيمن حضر منكم فإن رأيتم أحدًا يتعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلام فأحرج الله على من بلغه ذلك إلا بلغني‏.‏

فخرجوا يجزونه خيرًا وافترقوا‏.‏

وكتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز يأمره أن يقف هشام بن إسماعيل للناس وكان سيء الرأي فيه وكان هشام بن إسماعيل يسيء جوار علي بن الحسين فخافه هشام فتقدم علي بن

الحسين إلى خاصته ألا يعرض له أحد بكلمة ومر به علي وقد وقف للناس ولم يعرض له فناداه هشام‏:‏ ‏{‏الله أعلم حيث يجعل رسالته‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 124‏]‏‏.‏

ذكر صلح قتيبة ونيزك


ولما صالح قتيبة ملك شومان كتب إلى نيزك طرخان صاحب باذغيس في إطلاق من عنده من أسراء المسلمين وكتب إليه يتهدده فخافه نيزك فأطلق الأسرى وبعث بهم إليه وكتب إليه قتيبة مع سليم الناصح مولى عبيد الله بن أبي بكرة يدعوه إلى الصلح وإلى أن يؤمنه وكتب إليه بحلف بالله لئن لم يقدم عليه ليغزونه ثم ليطلبنه حيث كان حتى يظفر به أو يموت دونه‏.‏

فقدم سليم بالكتاب فقال له نيزك وكان يستنصحه‏:‏ يا سليم ما أظن عند صاحبك خيرًا كتب إلي كتابًا لا يكتب إلى مثلي‏.‏

فقال له سليم‏:‏ إنه رجل شديد في سلطانه سهل إذا سوهل صعب إذا عوسر فلا يمنعك منه غلظة كتابه إليك فأحسن حالك عنده‏.‏

فقام نيزك مع سليم فصالحه أهل باذعيس على أن لا يدخلها قتيبة‏.‏

ذكر غزو الروم


قيل‏:‏ وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك الروم فقتل منهم عددًا كبيرًا بسوسنة من ناحية

المصيصة وفتح حصونًا‏.‏

وقيل‏:‏ إن الذي غزا في هذه السنة هشام بن عبد الملك ففتح حصن بولق وحصن الأخرم وحصن بولس وقمقم وقتل من المتعربة نحوًا من ألف مقاتل وسبى ذريتهم ونساءهم‏.‏

ذكر غزو قتيبة بيكند


ولما صالح قتيبة نيزك أقام إلى وقت الغزو فغزا بي كند سنة سبع وثمانين وهي أدنى مدائن بخاري إلى النهر فلما نزل بهم استنصروا السعد واستمدوا من حولهم فأتوهم في جمع كثير وأخذوا الطرق على قتيبة فلم ينفذ لقتيبة رسول ولم يصل إليه خبر شهرين وأبطأ خبره على الحجاج فأشفق على الجند فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد وهم يقتلون كل يوم‏.‏

وكان لقتيبة عين من العجم يقال له تندر فأعطاه أهل بخارى مالًا ليرد عنهم قتيبة فأتاه فقال له سرًا من الناس‏:‏ إن الحجاج قد عزل وقد أتى عامل إلى خراسان فلو رجعت بالناس كان أصلح‏.‏

فأمر به فقتل خوفًا من أن يظهر الخبر فيهلك الناس ثم أمر أصحابه بالجد في القتال فقاتلهم قتالًا شديدًا فانهزم الكفار يريدون المدينة وتبعهم المسلمون قتلًا وأسرًا كيف شاؤوا وتحصن من دخل المدينة بها فوضع قتيبة الفعلة ليهدم سورها فسألوه الصلح وقتلوا العامل ومن معه فرجع قتيبة فنقب سورهم فسقط فسألوه الصلح فلم يقبل ودخلها عنوةً وقتل من كان بها من المقاتلة‏.‏

وكان فيمن أخذوا في المدينة رجل أعور هو الذي استجاش الترك على المسلمين فقال لقتية‏:‏ أنا أفدي نفسي بخمسة آلاف حريرة قيمتها ألف ألف‏.‏

فاستشار قتيبة الناس فقالوا‏:‏ هذه زيادة في الغنائم وما عسى أن يبلغ كيد هذا‏!‏ قال‏:‏ لا والله لا يروع بك مسلم أبدًا‏!‏ فأمر به فقتل‏.‏

وأصابوا فيها من الغنائم والسلاح وآنية الذهب والفضة ما لا يحصى ولا أصابوا بخراسان مثله فقوي المسلمون وولي قسم الغنائم عبد الله بن وألان العدوي أحد بني نلكان وكان قتيبة يسميه الأمين ابن الأمين فإنه كان أمينًا‏.‏

وكان من حديث أمانة أبيه أن مسلمًا الباهلي أبا قتيبة قال لو ألان‏:‏ إن عندي مالًا أحب أن أستودعكه ولا يعلم به أحد‏.‏

قال وألان‏:‏ ابعث به مع رجل تثق به إلى موضع كذا وكذا ومره إذا رأى في ذلك الموضع رجلًا أن يضع المال إلى موضع كذا وكذا فإذا رأيت رجلًا جالسًا فخل البغل وانصرف‏.‏

ففعل المولى ما أمره وأتى المكان وكان وألان قد سبقه إليه وانتظر وأبطأ عليه رسول مسلم فظن أنه قد بدا له البغل ورجع فأخذ التغلبي البغل والمال ورجع إلى منزله وظن مسلم أن المال قد أخذه وألان فلم يسأله حتى احتاج إليه فلقيه فقال‏:‏ مالي‏!‏ فقال‏:‏ ما قبضت شيئًا ولا لك عندي مال فكان مسلم يشكوه إلى الناس فشكاه يومًا والتغلبي جالس فخلا به التغلبي وسأله عن المال فأخبره فانطلق به إلى منزله وسلم المال إليه وأخبره الخبر فكان مسلم يأتي الناس والقبائل فيذكر لهم عذر وألان ويخبرهم الخبر‏.‏

قال‏:‏ فلما فرغ قتيبة من فتح بيكند رجع إلى مرو‏.‏

ذكر عدة حوادث

حج بالناس هذه السنة عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة‏.‏

وكان على قضاء المدينة أبو بكر بن عمرو بن حزم‏.‏

وكان على العراق وخراسان الحجاج وكان خليفته على البصرة هذه السنة الجراح بن عبد الله الحكمي وعلى قضائها عبد الله بن أذينة وكان على قضاء الكوفة أبو بكر بن موسى الأشعري‏.‏

وفيها مات عبيد الله بن عباس بالمدينة وقيل باليمن وكان أصغر من عبد الله بسنة وفيها مات مطرف بن عبد الله بن الشخير في طاعون الجارف بالبصرة‏.‏

وفيها مات المقدام بن معدي كرب الكندي له صحبة وقيل مات سنة إحدى وتسعين‏.‏

وفيها مات أمية بن عبد الله بن أسيد‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وثمانين

ذكر فتح طوانة من بلد الروم

في هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك بلد الروم وكان الوليد قد كتب إلى صاحب أرمينية يأمره أن يكتب إلى ملك الروم يعرفه أن الخزر وغيرهم من ملوك جبال أرمينية قد اجتمعوا على قصد بلاده ففعل ذلك وقطع الوليد البعث على أهل الشام إلى أرمينية وأكثر وأعظم جهازه وساروا نحو الجزيرة قم عطفوا منها إلى بلد الروم فاقتتلوا هم والروم فانهزم الروم ثم رجعوا فانهزم المسلمون فبقي العباس في نفر منهم ابن محيريز الجمحي فقال العباس‏:‏ أين أهل القرآن الذين يريدون الجنة فقال ابن محيريز‏:‏ نادهم يأتوك‏.‏

فنادى العباس‏:‏ يا أهل القرآن‏!‏ فأقبلوا جميعًا فهزم الله الروم حتى دخلوا طوانة وحصرهم المسلمون وفتحوها في جمادى الأولى‏.‏

قيل‏:‏ وفيها ولد الوليد بن يزيد بن عبد الملك‏.‏

ذكر عمارة مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ


قيل‏:‏ وفي هذه السنة كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز في ربيع الأول يأمره بإدخال حجر

أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يشتري ما في نواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع ويقول له‏:‏ قدم القبلة إن قدرت وأنت تقدر لمكان أخوالك وإنهم لا يخالفونك فمن أبى منهم فقوموا ملكه قيمة عدل واهدم عليهم وادفع الأثمان إليهم فإن لك في عمر وعثمان أسوة‏.‏

فأحضرهم عمر وأقرأهم الكتاب فأجابوه إلى الثمن فأعطاهم إياه وأخذوا في هدم بيون أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبنى المسجد وقدم عليهم الفعلة من الشام أرسلهم الوليد وبعث الوليد إلى ملك الروم يعلمه أنه قد هدم مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليعمره فبعث إليه ملك الروم مائة ألف مثقال ذهب ومائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين جملًا فبعث الوليد بذلك إلى عمر بن عبد العزيز وحضر عمر ومعه الناس فوضعوا أساسه وابتدأوا بعمارته‏.‏

قيل‏:‏ وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك الروم أيضًا ففتح ثلاثة حصون‏:‏ أحدها حصن قسطنطين وغزالة وحصن الأخرم وقتل من المستعربة نحوًا من ألف وأخذ الأموال‏.‏

ذكر غزو نومشكث ورامثنة

قيل‏:‏ وفي هذه السنة غزا قتيبة بن مسلم نومشكث واستخلف على مرو أخاه يسار بن مسلم فتلقاه أهلها فصالحهم ثم سار إلى رامثنة فصالحه أهلها وانصرف عنهم‏.‏

وزحف إليه الترك ومعهم الصغد وأهل فرغانة في مائتي ألف وملكهم كور نعابون ابن أخت ملك الصين فاعترضوا المسلمين فلحقوا عبد الرحمن بن مسلم أخا قتيبة وهو على الساقة وبينه وبين قتيبة وأوائل العسكر ميل فلما قربوا منه أرسل إلى قتيبة بخيره وأدركه الترك فقاتلوه ورجع قتيبة فانتهى إلى عبد الرحمن وهو يقاتل الترك وقد كاد الترك يظهرون فلما رأى المسلمون قتيبة طابت نفوسهم وقاتلوا إلى الظهر وأبلى يومئذٍ نيزك وهو مع قتيبة فانهزم الترك ورجع قتيبة فقطع النهر عند ترمذ وأتى مرو‏.‏

ذكر ما عمل الوليد من المعروف

وفي هذه السنة كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار وأمره أن يعمل الفوارة بالمدينة فعملها وأجرى ماءها فلما حج الوليد ورآها أعجبته فأمر لها بقوام يقومون عليها وأمر أهل المسجد أن يستقوا منها وكتب إلى البلدان جميعها فإصلاح الطرق وعمل الآبار ومنع المجذمين من الخروج على الناس وأجرى لهم الأرزاق‏.‏

وحج الناس هذه السنة عمر بن عبد العزيز ووثل جماعةً من قريش وساق معه بدنًا وأحرم من ذي الحيلفة فلما كان بالتنعيم أخبر أن مكة قليلة الماء وأنهم يخافون على الحاج العطس فقال عمر‏:‏ تعالوا ندع الله تعالى فدعا ودعا معه الناس فما وصلوا البيت إلا مع المطر وسال الوادي فخاف أهل مكة من شدته ومطرت عرفة ومكة وكثر الخصب‏.‏

وقيل‏:‏ إنما حج هذه السنة عمر بن الوليد بن عبد الملك‏.‏

وكان العمال من تقدم ذكرهم‏.‏

وفيها مات سهل بن سعد الساعدي وقيل‏:‏ بل سنة إحدى وتسعين وله مائة سنة‏.‏

وعبد الله بن بسر المازني من مازن بن منصور وكان ممن صلى القبلتين وهو آخر من مات بالشام من الصحابة‏.‏

بسر بضم الباء الموحدة وبالسين المهملة‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وثمانين

ذكر غزو الروم


قيل‏:‏ في هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك الروم فافتتح

وقيل‏:‏ إن ملسمة قصد عمورية فلقي بها جمعًا من الروم كثيرًا فهزمهم وافتتح هرقلة وقمونية وغزظا العباس الصائفة من ناحية البذندون‏.‏

ذكر غزو قتيبة بخارى

في هذه السنة أتى قتيبة كتاب الحجاج يأمره بقصد وردان خذاه فعبر النهر من زم فلقي الصغد وأهل كش ونسف في طريق المفازة فقاتلوه فظفر بهم ومضى إلى بخارى فنزل خرقانة السفلى عن يمين وردان فلقوه في جمع كثير فقاتلهم يومين وليلتين فظفر بهم وغزا وردان خذاه ملك بخارى فلم يظفر بشيء فرجع إلى مرو وكتب إلى الحجاج بخبره فكتب إليه الحجاج أن صورها لي فبعث إليه بصورتها فكتب إليه الحجاج أن تب إلى الله جل ثناؤه مما كان منك وأتها من مكان كذا وكذا وكتب إليه‏:‏ أن كس بكش وانسف نسف ورد وردان وإياك والتحويط ودعنب من ثنيات الطريق‏.‏

وقيل‏:‏ إنما كان فتح بخارى سنة تسعين على ما نذكره‏.‏

ذكر ولاية خالد بن عبد الله القسري مكة

قيل‏:‏ وفي هذه السنة ولي خالد بن عبد الله القسري مكة فخطب أهلها فقال‏:‏ أيها الناس أيهما أعظم خليفة الرجل على أهله أو رسوله إليهم والله لو مل تعلموا فضل الخليفة إلا أن إبراهيم خليل الرحمن استسقاه فسقاه ملحًا أجاجًا واستسقاه الخليفة فسقاه عذبًا فراتًا يعني بالملح زمزم وبالماء الفرات بئرًا حفرها الوليد بثينة طوىً في ثنية الحجون وكان ماؤها عذبًا وكان ينقل ماءها ويضعه في حوض إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم فغارت البئر وذهب ماؤها فلا يدرى أين هو اليوم‏.‏

وقيل‏:‏ وليها سنة إحدى وتسعين وقيل‏:‏ سنة أربع وتسعين وقد ذكرناه هناك‏.‏

ذكر قتل ذاهر ملك السند

في هذه السنة قتل محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي يجتمع هو والحجاج في الحكم ذاهر بن صعصعة ملك السند وملك بلاده وكان الحجاج بن يوسف استعمله على ذلك الثغر وسير معه ستة آلاف مقاتل وجهزه بكل ما يحتاج إليه حتى المسال والإبر والخيوط فسار محمد إلى مكران فأقام بها أيامًا ثم أتى قنزبور ففتحها ثم سار إلى ارمائيل ففتحها ثم سار إلى الديبل فقدمها يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة فخندق حين نزل الديبل بد عظيم عليه دقل عظيم وعلى الدقل راية حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة وكانت تدور والبد صنم في بناء عظيم تحت منارة عظيمة مرتفعة وفي رأس المنارة هذا الدقل وكل ما يعبد فهو عندهم بد‏.‏

فحصرها وطال حصارها فرمى الدقل بحجر العروس فكسره فتطير الكفار بذلك ثم إن محمد أتى وناهضهم وقد خرجوا إليه فهزمهم حتى ردهم إلى البلد وأمر بالسلاليم فنصبت وصعد عليها الرجال وكان أولهم صعودًا رجل من مراد من أهل الكوفة ففتحت عنوة وقتل فيها ثلاثة أيام وهرب عامل ذاهر عنها وأنزلها محمد أربعة آلاف من المسلمين وبنى جامعها وسار عنها إلى البيرون وكان أهلها بعثوا إلى الحجاج فصالحوه فلقوا محمدًا بالميرة وأدخلوه مدينتهم وسار عنها وجعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر نهرًا دون مهران فأتاه أهل سربيدس فصالحوه ووظف عليهم الخراج وسار عنهم إلى سهبان ففتحها ثم سار إلى نهر مهران فنزل في وسطه‏.‏

وبلغ خبره ذاهر فاستعد لمحاربته وبعث جيشًا إلى سدوستان فطلب أهلها الأمان والصلح فآمنهم ووظف عليهم الخراج ثم عبر محمد مهران مما يلي بلاد راسل الملك على جسر عقده وذاهر مستخف به فلقيه محمد والمسلمون وهو على فيل وحوله الفيلة ومعه التكاكرة فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع بمثله وترجل ذاهر فقتل عند المساء ثم انهزم الكفار وقتلهم الملمون كيف

الخيل تشهد يوم ذاهر والقنا ومحمد بن القاسم بن محمد أني فرجت الجمع غير معردٍ حتى علوت عظيمهم بمهند فتركته تحت العجاج مجندلًا متعفر الخدين غير موسد فلما قتل ذاهر غلب محمد على بلاد السند وفتح مدينة راور عنوةً وكان بها امرأة لذاهر فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها‏.‏

ثم سار إلى برهمناباذ العتيقة وهي على فرسخين من المنصورة ولم تكن المنصورة يومئذٍ كان موضعها غيضة وكان المنهزمون من الكفار بها فقاتلوه ففتحها محمد عنوةً وقتل بها بشرًا كثيرًا وخربت‏.‏

وسار يريد الرور وبغرور فلقيه أهل ساوندرى فطلبوا الأمان فأعطاهم إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين ثم أسلم أهلها بعد ذلك‏.‏

ثم تقدم إلى بسمد وصالح أهلها ووصل إلى الرور وهي من مدائن السند على جبل فحصرهم شهورًا فصالحوه وسار إلى السكة ففتحها ثم قطع نهر بياس إلى الملتان فقاتله أهلها وانهزموا فحصرهم محمد فجاءه إنسان ودله على قطع الماء الذي يدخل المدينة فقطعه فعطشوا فألقوا بأيديهم ونزلوا على حكمه فقتل المقاتلة وسبى الذرية وسدنة البد وهم ستة آلاف وأصابوا ذهبًا كثيرًا فجمع في بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية أذرع يلقى إليه من كوة في وسطه فسميت الملتان فرج بيت الذهب والفرج الثغر وكان بد الملتان تهدى إليه من كوة في وسطه فسميت الملتان فرج بيت الذهب والفرج الثغر وكان بد الملتان تهدى إليه الأموال ويحج من البلاد ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده ويزعمون أن صنمه هو أيوب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعظمت فتوحه ونظر الحجاج في النفقة على ذلك الثغر فكانت ستين ألف ألف درهم ونظر في الذي حمل فكان مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف فقال‏:‏ ربحنا ستين ألفًا وأدركنا ثأرنا ورأس ذاهر‏.‏

ثم مات الحجاج ونذكر أمر محمد عند موت الحجاج إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر استعمال موسى بن نصير على إفريقية


في هذه السنة استعمل الوليد بن عبد الملك موسى بن نصير على إفريقية وكان نصير والده على حرس معاوية فلما سار معاوية إلى صفين لم يسر معه فقال له‏:‏ ما يمنعك من المسير معي إلى قتل علي ويدي عنك معروفة فقال‏:‏ لا أشركك بكفر من هو أولى بالشكر منك وهو الله عز وجل‏.‏ فسكت عنه معاوية‏.‏

فوصل موسى إلى إفريقية وبها صالح الذي استخلفه حسان على إفريقية وكان البربر قد طمعوا في البلاد بعد مسير حسان فلما وصل موسى عزل صالحًا وبلغه أن بأطراف البلاد قومًا خارجين عن الطاعة فوجه إليه ابنه عبد الله فقاتلهم فظفر بهم وسبى منهم ألف رأس وسيره في البحر إلى جزيرة ميورقة فنهبها وغنم منها مالا يحصى وعاد سالمًا فوجه ابنه هارون إلى طائفة أخرى فظفر بهم وسبى منهم نحو ذلك وتوجه هو بنفسه إلى طائفة أخرى فغنم نحو ذلك فبلغ الخمس ستين ألف رأس من السبي ولم يذكر أحد أنه سمع بسبي أعظم من هذا‏.‏

ثم إن إفريقية قحطت واشتد بها الغلاء فاستسقى بالناس وخطبهم ولم يذمر الوليد وقيل له في ذلك فقال‏:‏ هذا مقام لا يدعى فيه لأحد ولا يذكر إلا الله عز وجل فسقى الناس ورخصت الأسعار ثم خرج غازيًا إلى طنجة يريد من بقي من البربر وقد هربوا خوفًا منه فتبعهم وقتلهم قتلًا ذريعًا حتى بلغ السوس الأدنى لا يدافعه أحد فاستأمن البربر إليه وأطاعوه واستعمل على طنجة مولاه طارق بن زياد ويقال‏:‏ إنه صدفي‏.‏

وجعل معه جيشًا كثيفًا جلهم من البربر وجعل معهم من يعلمهم القرآن والفرائض وعاد إلى إفريقية‏.‏

فمر بقلعة مجانة فتحصن أهلها منه وترك عليها من يحاصرها مع بشر بن فلان ففتحها فسميت قلعة بشر إلى الآن وحينئذٍ لم يبق له في إفريقية من ينازعه‏.‏

وقيل‏:‏ كانت ولاية موسى سنة ثمان وسبعين استعمله عليها عبد العزيز بن مروان وهو حينئذٍ على مصر لأخيه عبد الملك‏.‏

ذكر عدة حوادث


في هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك الترك من ناحية أذربيجان ففتح حصونًا ومدائن هناك‏.‏

وحج بالناس عمر بن عبد العزيز وكان العمال من تقدم ذكرهم‏.‏

وفي هذه السنة مات عبد الله بن ثعلبة بن صغير العذري حليف بني زهرة وكان مولده قبل الهجرة بأربع سنين وقيل‏:‏ ولد سنة ست من الهجرة‏.‏

صعير بضم الصاد وفتح العين المهملتين‏.‏

وفيها مات ظليم مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بإفريقية‏.‏

ظليم بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام‏.‏

ثم دخلت سنة تسعين  ‏  ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏