المجلد الرابع - ذكر فتح الأندلس

وفيها غزا طارق بن زياد مولى موسى بن نصير الأندلس في اثني عشر ألفاً فلقي ملك الأندلس واسمه اذرينوق وكان من أهل أصبهان وهم ملوك عجم الأندلس فزحف له طارق بجميع من معه وزحف الأذرينوق وفتح الأندلس سنة اثنتين وتسعين‏.‏

هذا جميعه ذكره أبو جعفر في فتح الأندلس وبمثل ذلك الإقليم العظيم والفتح المبين لا يقتصر فيه على هذا القدر وأنا أذكر فتحها على وجه أتم من هذا إن شاء الله تعالى من تصانيف أهلها إذ هم أعلم ببلادهم‏.‏

قالوا‏:‏ أول من سكنها قوم يعرفون بالأندلش بشين معجمه فسمي البلد بهم ثم عرب بعد ذلك

بسين مهملة والنصارى يسمون الأندلس اشبانية باسم رجل صلب فيها يقال له اشبانس وقيل‏:‏ باسم ملك كان بها في الزمان الأول اسمه إشبان بن طيطس وهذا هو اسمها عند بطلميوس‏.‏

وقيل‏:‏ سميت بأندلس بن يافث بن نوح وهو أول من عمرها قيل‏:‏ أول من سكن الأندلس بعد الطوفان قوم يعرفون بالأندلس فعمروها وتداولوا ملكها دهراً طويلاً وكانوا مجوساً ثم حبس الله عنهم المطر وتوالى عليهم القحط فهلك أكثرهم وفر منها من أطاق الفرار فخلت الأندلس مائة سنة ثم ابتعث الله لعمارتها الأفارقة فدخل إليها قوم منهم أجلاهم ملك إفريقية تخففاً منهم لقحط توالى على بلاده حتى كاد يفنى أهلها فحملها في السفن مع أمير من عنده فأرسوا بجزيرة قاس ورأوا الأندلس قد أخصبت بلادها وجرت أنهارها فسكنوها وعمروها ونصبوا لهم ملوكاً يضبطون أمرهم وهم على دين من قبلهم وكانت دار مملكتهم طالقة الخراب من أرض إشبيلية بنوها وسكنوها وأقاموا مدة تزيد على مائة وخمسين سنة ملك منهم فيها أحد عشر ملكاً‏.‏

ثم أرسل الله عليهم عجم رومة وملكهم إشبان بن طيطس فغزاهم ومزقهم وقتل فيهم وحاصرهم بطالقة وقد تحصنوا فيها فابتنى عليهم إشبانية وهي إشبيلية واتخذها درا مملكته وكثرت جموعه وعتا وتجبر وغزا بين المقدس فغنم ما فيه وقتل فيه مائة ألف ونقل المرمر منه إلى إشبيلية وغيرها وغنم أيضاً مائدة سليمان بن داود عليه السلام وهي التي غنمها طارق من طيطلة لما افتتحها وغنم أيضاً قليلة الذهب والحجر الذي لقي بماردة‏.‏

وكان هذا إشبان قد وقف عليه الخضر وهو يحرث الأرض فقال له‏:‏ يا إشبان سوف تحظى وتملك وتعلو فإذا ملكت إيلياء فارفق بذرية الأنبياء‏.‏

فقال‏:‏ أتسخر مني كيف ينال مثلي الملك فقال‏:‏ قد جعله فيك من جعل عصاك هذه كما ترى‏.‏

فنظر إليه فإذا هي قد أورقت فارتاع وذهب عنه الخضر وقد وثق إشبان بقوله فداخل الناس فارتقى حتى ملك ملكاً عظيماً وكان ملكه عشرين سنة ودام ملك الإشبانيين بعده إلى أن ملك منهم خمسة وخمسون ملكاً‏.‏

ثم دخل عليهم من عجم رومة أمة يدعون البشنوليات وملكهم طويش بن نيطة وذلك حين بعث الله المسيح فغلبوا عليها واسترلوا على ملكها وكانت مدينة ماردة دار مملكتهم وملك منهم سبعة وعشرون ملكاً‏.‏

ثم دخلت عليهم أمة القوط مع ملك لهم فغلبوا على الأندلس فاقتطعوها من يومئذٍ عن صاحب رومة وكان ابتداء ظهورهم من ناحية إيطالية شرق الأندلس فأغارت على بلاد مدونية من تلك الناحية وذلك في أيام قليوذيوس قيصر ثالث القياصرة فخرج إليهم وهزمهم

وقتل فيهم ولم يظهروا بعدها إلى أيام قسطنطين الأكبر وأعادوا الغارة فسير إليهم جيشاً فلم يثبتوا له وانقطع خبرهم إلى ثلث دولة قيصر فإنهم قدموا على أنفسهم أمير اسمه لذريق وكان يعبد الأوثان فسار إلى رومة ليحمل النصارى على السجود لأوثانه فظهر منه سوء سيرته فتخاذل أصحابه عنه ومالوا إلى أخيه وحاربوه فاستعان بصاحب رومة فبعث إليه جيشاً فهزم أخاه ودان بدين النصارى وكانت ولايته ثلاث عشرة سنة ثم ولي بعده اقريط وبعده املريق وبعده وغديش وكانوا قد عادوا إلى عبادة الأوثان فجمع من أصحابه مائة ألف وسار إلى رومة فسير إليه ملك الروم جيشاً فهزموه وقتلوه‏.‏

ثم بعده اطلوف ست سنين وخرج عن بلد إيطالية وأقام ببلد غاليس مجاوراً أقصى الأندلس ثم انتقل منها إلى برشلونة‏.‏

ثم بعده أخوه ثلاث سنين ثم بعده والياً ثم بوردزاريش ثلاثاً وثلاثين سنة ثم ابنه طرشمند ثم بعده أخوه لذريق ثلاث عشرة سنة ثم بعده أوريق سبع عشرة سنة ثم بعده الريق بطلوشة ثلاثاً وعشرين سنة ثم عشليق ثم امليق سنتين ثم توذيوش سبع عشرة سنة وخمسة أشهر ثم بعده ليوبا ثلاث أشهر ثم بعده اثله خمس سنين ثم بعده اطلنجة خمس عشرة سنة ثم بعده ليوبا ثلاث أشهر ثم بعده اثله خمس سنين ثم بعده اطلنجة خمس عشرة سنة ثم بعده طودتقليس سنة وثلاث أشهر ثم بعده اثله خمس سنين ثم بعده اطلنجة خمس عشرة سنة ثم بعده ليوبا ثلاث سنين ثم بعده أخوه لويلد وهو أولمن اتخذ طليطلة دار ملك ونزلها ليكون متوسطاً لملكه ليحارب من خرج عن طاعته عن قريب فلم يزل يحارب من خرج عن طاعته حتى احتوى على جميع الأندلس وبنى مدينة رقوبل وأتقنها وأكثر بساتينها وهو على القرب من طليطلة وسماها باسم ولده وغزا بلاد البشقنس حتى أذلهم وخطب إلى ملك الفرنج ابنته لولده ارمنجلد فزوجه وأسكنه إشبيلية فحسنت له عصيان والده ففعل فسار إليه أبوه وحصرهما وضيق عليه وطال مقامه إلى أن أخذه عنوة وسجنه إلى أن مات‏.‏

ثم ملك بعد لويلد ابنه ركرد وكان حسن السيرة فجمع الأساقفة وغير سيرة أبيه وسلم البلاد إليهم وكانوا نحو ثمانين أسقفاً وكان تقياً عفيفاً قد لبس ثياب الرهبان وهو الذي بنى الكنيسة المعروفة بالوزقة بإزاء مدينة وادي آش‏.‏

ثم بعده ابنه ليوبا فسار كسيرة أبيه فاغتاله رجل من القوط يقال له بتريق فقتله وملك بعده بتريق رضا أهل الأندلس وكان مجرماً طاغياً فاسقاً فثار عليه رجل من خاصته فقتله‏.‏

ثم ملك من بعده غندمار سنتين ثم ملك بعده سيسيفوط وكانت ولايته تسع سنين وكان حسن السيرة ثم بعده ابنه ركريد وكان صغيراً عمره ثلاثة أشهر ومات ثم ملك شنتله وكان ملكه عند البعث وكان مشكوراً ثم بعده سشنند خمس سنين ثم بعده خنتلة ستة أعوام ثم بعده خندس أربعة أعوام ثم بعده بنبان ثمانية أعوام ثم بعده أروى سبع سنين‏.‏

وكان في دولته قحط شديد حتى كادت بلاد الأندلس تخرب لشدة الجوع‏.‏

ثم بعده ابقه خمس عشرة سنة وكان جائراً مذموماً ثم ملك بعده ابنه غيطشه وكانت ولايته سنة سبع وسبعين للهجرة وكان حسن السيرة لين العريكة وأطلق كل محبوس كان في سجن أبيه وأدى الأموال إلى أربابها‏.‏

ثم توفي وخلف ولدين فلم يرض بهما أهل الأندلس وتراضوا برجل يقال له رذريق وكان شجاعاً وليس من بيت الملك وكانت عادة ملوك الأندلس إنهم يبعثون أولادهم الذكور والإناث إلى مدينة طليطلة يكونون في خدمة الملك لا يخدمه غيرهم يتأدبون بذلك فإذا بلغوا الحلم أنكح بعضهم بعضاً وتولى تجهيزهم فلما ولي رذريق أرسل إليه يوليان وهو صاحب الجزيرة الخضراء وسبتة وغيرهما ابنةً له فاستحسنها رذريق وافتضها فكتبت إلى أبيها فأغضبه ذلك فكتب إلى موسى بن نصير عامل الوليد بن عبد الملك على إفريقية بالطاعة واستدعاه إليه فسار إليه فأدخله يوليان مدائنه وأخذ عليه العهود له ولأصحابه بما يرض به ثم وصف له الأندلس ودعاه إليها وذلك آخر سنة تسعين‏.‏

فكتب موسى إلى الوليد بما فتح الله عليه وما دعاه إليه يوليان‏.‏

فكتب إليه الوليد‏:‏ خضها بالسرايا ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال‏.‏

فكتب إليه موسى‏:‏ إنه ليس ببحر متسع وإنما هو خليج يبين ما وراءه‏.‏

فكتب إليه الوليد أن اختبرها بالسرايا وإن كان الأمر على ما حكيت‏.‏

فبعث رجلاً من مواليه يقال له طريف في أربعمائة رجل ومعهم مائة فرس فسار في أربع سفائن فخرج في جزيرة بالأندلس فسميت جزيرة طريف لنزوله فيها ثم أغار على الجزيرة الخضراء فأصاب غنيمةً كثيرة ورجع سالماً في رمضان سنة إحدى وتسعين‏.‏

فلما رأى الناس ذلك تسرعوا إلى الغزو‏.‏

ثم إن موسى دعا مولى له كان على مقدمات جيوشه يقال له طارق بن زياد فبعثه في سبعة آلاف من المسلمين أكثرهم البربر والموالي وأقلهم العرب فساروا في البحر وقصد إلى جبل منيف وهو متصل بالبر فنزله فسمي الجبل جبل طارق إلى اليوم ولما ملك عبد المؤمن البلاد أمر ببناء مدينة على هذا الجبل وسماه جبل الفتح فلم يثبت له هذا الاسم وجرت الألسنة على الأول‏.‏

وكان حلول طارق فيه في رجب سنة اثنتين وتسعين من الهجرة‏.‏

ولما ركب طارق البحر غلبته عينه فرأى النبي ومعه المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف ونكبوا القسي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا طارق تقدم لشأنك‏.‏

وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد فنظر طارق فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد دخلوا الأنلدلس أمامه فاستيقظ من نومه مستبشراً وبشر أصحابه وقويت نفسه ولم يشك في الظفر‏.‏

فلما تكامل أصحاب طارق بالجبل نزل إلى الصحراء وفتح الجزيرة الخضراء فأصاب بها عجوزاً فقالت له‏:‏ إني كان لي زوج وكان عالماً بالحوادث وكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم فيغلب عليه ووصف من نعته أنه ضخم الهامة وان في كتفه اليسرى شامة عليها شعر فكشف طارق ثوبه فإذا الشامة كما ذكرت فاستبشر طارق أيضاً هو ومن معه‏.‏

ونزل من الجبل إلى الصحراء وافتتح الجزيرة الخضراء وغيرها وفارق الحصن الذي في الجبل‏.‏

ولما بلغ ذريق غزو طارق بلاده عظم ذلك عليه وكان غائباً في غزاته فرجع منها طارق قد دخل بلاده فجمع له جمعاً يقال بلغ مائة ألف فلما بلغ طارقاً الخبر كتب إلى موسى يستمده ويخبره بما فتح وأنه زحف إليه ملك الأندلس بما لا طاقة له به‏.‏

فبعث إليه بخمسة آلاف فتكامل المسلمون اثني عسر ألفاً ومعهم يوليان يدلهم على عورة البلاد ويتجسس لهم الأخبار‏.‏

فأتاهم رذريق في جنده فالتقوا على نهر لكة من أعمال شذونة لليلتين بقيتا من رمضان سنة اثنتين وتسعين واتصلت الحرب ثمانية أيام وكان على ميمنته وميسرته ولدا الملك الذي كان قبله وغيرهما من أبناء الملوك وافتقوا على الهزيمة بغضاً لرذريق وقالوا‏:‏ إن المسلمين إذا امتلأت أيديهم من الغنيمة عادوا إلى بلادهم وبقي الملك لنا‏.‏

فانهزموا وهزم الله رذريق ومن معه وغرق رذريق في النهر وسار طارق إلى مدينة إستجة متبعاً لهم فلقيه أهلها ومعهم من المنهزمين خلق كثير فقاتلوه قتالاً شديداً ثم انهزم أهل الأندلس ولم يلق المسلمون بعدها حرباً مثلها‏.‏

ونزل طارق على عين بينها وبين مدينة إسجة أربعة أميال فسميت عين طارق إلى الآن‏.‏

ولما سمعت القوط بهاتين الهزيمتين قذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا يظنون أنه يفعل فعل طريف فهربوا إلى طليطلة وكان طريف قد أوهمهم أنه يأكلهم هو ومن معه‏.‏

فلما دخلوا لطيلطلة وأخلوا مدائن الأندلس قال له يوليان‏:‏ قد فرغت من الأندلس ففرق جيوشك وسر أنت إلى طيطلة‏.‏

ففرق جيوشه من مدينة إستجة وبعث جيشاً إلى قرطبة وجيشاً إلى غرناطة وجيشاً إلى مالقة وجيشاً إلى تدمير وسار إلى قرطبة فإنهم دلهم راعٍ على ثغرة في سورها فدخلوا منها البلد وملكوه‏.‏

وأما الذين قصدوا تدمير فلقيهم صاحبها واسمه تدمير وبه سميت وكان اسمها أرويولة وكان معه جيش كثيف فقاتلهم قتالاً شديداً ثم انهزم فقتل من أصحابه خلق كثير فأمر تدمير النساء فلبسن السلاح ثم صالح المسلمين عليها وفتح سائر الجيوش ما قصدوا إليه من البلاد‏.‏وأما طارق فلما رأى طليطلة فازغة ضم إليها اليهود وترك معهم رجالاً من أصحابه وسار

هو إلى وادي الحجارة فقطع الجبل من فج فيه فسمي بفج طارق إلى اليوم‏.‏

وانتهى إلى مدينة خلف الجبل تسمى مدينة المائدة وفيها وجد مائدة سليمان بن داود عليه السلام وهي من زبرجد خضر حافاتها وأرجلها منها مكللة باللؤلؤ والمرجان والياقوت وغير ذلك وكان لها ثلاثمائة وستون رجلاً‏.‏

ثم مضى إلى مدينة ماية فغنم منها ورجع إلى طليطلة في سنة ثلاث وتسعين‏.‏

وقيل‏:‏ اقتحم أرض جليقية فخرقها حتى انتهى إلى مدينة استرقة وانصرف إلى طليطلة ووافته جيوشه التي وجهها من إستجة بعد فراغهم من فتح تلك المدن التي سيرهم إليها‏.‏

ودخل موسى بن نصير الأندلس في رمضان سنة ثلاث وتسعين في جمع كثير وكان قد بلغه ما صنعه طارق فحسده فلما عبر إلى الأندلس ونزل الجزيرة الخضراء قيل له‏:‏ تسلك طريق طارق فأبى فقال له الأدلاء‏:‏ نحن ندلك على طريق اشرفن طريقه ومدائن لم تفتح بعد ووعده يوليان بفتح عظيم فسر بذلك وكان قد غمه‏.‏

فساروا به إلى مدينة ابن السليم فافتتحها عنوة ثم سار إلى مدينة قرمونة وهي أحصن مدن الأندلس فقدم إليها يوليان وخاصته فأتوهم على الحال المنهزمين معهم السلاح فأدخلوهم مدينتهم فأرسل موسى إليهم الخيل ففتحوها لهم ليلاً فدخلها المسلمون وملكوها ثم سار موسى إلى إشبيلية وهي من أعظم مدائن الأندلس بنياناً وأعزها آثاراً فحصرها أشهراً وفتحها وهرب من بها فأنزلها موسى اليهود وسار إلى مدينة ماردة فحصرها وقد كان أهلها خرجوا إليه فقاتلوه قتالاً شديداً فكمن لهم موسى ليلاً في مقاطع الصخر فلم يرهم الكفار فلما أصبحوا زحف إليهم فخرجوا إلى المسلمين على عادتهم فخرجوا عليهم من الكمين وأحدقوا بهم وحالوا بينهم وبين البلد وقتلوهم قتلاً ذريعاً ونجا من نجا منهم فدخل المدينة وكانت حصينة فحصرهم بها شهراً وقاتلهم وزحف إليهم بدبابة عملها ونقبوا سورها فخرج أهلها على المسلمين فقتلوهم عند البرج فسمي برج الشهداء إلى اليوم ثم افتتحها آخر رمضان سنة أربع وتسعين يوم الفطر صلحاً على جميع أموال القتلى يوم الكمين وأموال الهاربين إلى جليقية وأموال الكنائس وحيلها للمسلمين‏.‏

ثم إن أهل إشبيلية اجتمعوا وقصدوها فقتلوا من بها من المسلمين فسير موسى إليها ابنه عبد العزيز بجيش فحصرها وملكها عنوةً وقتل من بها من أهلها وسار عنها إلى لبلة وباجة فملكها وعاد إلى إشبيلية‏.‏

وسار موسى من مدينة ماردة في شوان يريد طليطلة فخرج إليه طارق فلقيه فلما أبصره نزل إليه فضربه موسى بالسوط على رأسه ووبخه على ما كان من خلافه ثم سار به إلى مدينة

طليطلة فطلب منه ما غنم والمائدة أيضاً فأتاه بها وقد انتزع رجلاً من أرجلها فسأله عنها فقال‏:‏ لا علم لي كذلك وجدتها فعمل عوضها من ذهب‏.‏

وسار موسى إلى سرقسطة ومدائنها فافتتحها وأوغل في بلاد الفرنج فانتهى إلى مفازة كبيرة وأرض سهلة ذات آثار فأصاب فيها صنماً قائماً فيه مكتوب بالنقر‏:‏ يا بني إسماعيل هاهنا منتهاكم فارجعوا وإن سألتم إلى ماذا ترجعون أخبرتكم أنكم ترجعون إلى الإختلاف فيما بينكم حتى يضرب بعضكم أعناق بعض وقد فعلتم‏.‏فرجع ووافاه رسول الوليد في أثناء ذلك يأمره بالخروج عن الأندلس والقفول إليه فساءه ذلك ومطل الرسول وهو يقصد بلاد العدو في غير ناحية الصنم يقتل ويسبي ويهدم الكنائس ويكسر النواقيس حتى بلغ صخرة بلاي على البحر الأخضر وهو في قوة وظهور فقدم عليه رسول آخر للوليد يستحثه وأجذ بعنان بغلته وأخرجه وكان موافاة الرسول بمدينة لك بجليقية وخرج على الفج المعروف بفج موسى ووافاه طارق من الثغر الأعلى معه ومضيا جميعاً‏.‏

واستخلف موسى على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى فلما عبر البحر إلى سبتة استخلف عليها وعلى طنجة وما والاهما ابنه عبد الملك واستخلف على إفريقية وأعمالها ابنه الكبير عبد الله وسار إلى الشام وحمل الأموال التي غنمت من الأندلس والذخائر والمائدة ومعه ثلاثون ألف بكر من بنات ملوك القوط وأعيانهم ومن نفيس الجوهر والأمتعة ما لا يحصى فورد الشام وقد مات الوليد بن عبد الملك واستخلف سليمان بن عبد الملك وكان منحرفاً عن موسى بن نصير فعزله عن جميع أعماله وأقصاه وحبسه وأغرمه حتى احتاج أن يسأل العرب في معونته‏.‏

وقيل‏:‏ إنه قدم الشام والوليد حي وكان قد كتب إليه وادعى أنه هو الذي فتح الأندلس وأخبره خبر المائدة فلما حضر عنده عرض عليه ما معه وعرض المائدة ومعه طارق فقال طارق‏:‏ أنا غنمتها‏.‏ فكذبه موسى‏.‏

فقال طارق للوليد‏:‏ سله عن رجلها المعدومة‏.‏

فسأله عنها فلم يكن عنده علم فأظهرها طارق وذكر أنه أخفاها لهذا السبب‏.‏

فعلم الوليد صدق طارق وإنما فعل هذا لأنه كان حبسه وضربه حتى أرسل الوليد فأخرجه وقيل لم يحبسه‏.‏

قالوا‏:‏ ولما دخلت الروم بلاد الأندلس كان في مملكتهم بيت إذا ولي ملك منهم أقفل عليه قفلاً فلما ملكت القوط فعلوا كفعلهم فلما ملك رذريق أراد فتح الأقفال فنهاه أكابر أهل البلاد عن ذلك فلم يقبل منهم وفتح الأقفال فرأى في البيت صور العرب وعليهم العمائم الحمر على خيول شهب وفيه كتاب‏:‏ إذا فتح هذا البيت دخل هؤلاء القوم هذا البلد‏.‏

ففتحت الأندلس تلك السنة‏.‏

فهذا القدر كاف في فتح الأندلس ونذكر باقي أخبار الأندلس عنه أوقات حدوثها على ما شرطنا إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر غزوة جزيرة سردانية

هذه الجزيرة في بحر الروم وهي من أكبر الجزائر ما عدا جزيرة صقلية وأقريطش وهي كثيرة الفواكه ولما فتح موسى بلاد الأندلس سير طائفة من عسكره في البحر إلى هذه الجزيرة سنة اثنتين وتسعين فدخلوها وعمد النصارى إلى ما لهم من آنية ذهب وفضة فألقوا الجميع في الميناء الذي لهم وجعلوا أموالهم في سقف بنوه للبيعة العظمى التي لهم تحت السقف الأول وغنم المسلمون فيها ما لا يحد ولا يوصف وأكثروا الغلول‏.‏

فاتفق أن رجلاً من المسلمين اغتسل في الميناء فعلقت رجله في شيء فأخرجه فإذا صفحة من فضة وفإذا المسلمون جميع ما فيه ثم دخل رجل من المسلمين إلى تلك الكنيسة فنظر إلى حمام فرماه بسهم فأخطأ ووقع في السقف وانكسر لوح فنزل منه شيء من الدنانير وأخذوا الجميع وازداد المسلمون غلولاً فكان بعضهم يذبح الهرة ويرمي ما في جوفها فيملأه دنانير ويخيط عليها ويلقيها في الطريق فإذا خرج أخذها وكان يضع قائم سيفه على الجفن ويملأه ذهباً‏.‏

فلما ركبوا في البحر سمعوا قائلاً يقول‏:‏ اللهم غرقهم فغرقوا عن آخرهم فوجدوا أكثر الغرقى والدنانير على أوساطهم‏.‏

وفي سنة خمس وثلاثين ومائة غزاها عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة الفهري فقتل من بها قتلاً ذريعاً ثم صالحوه على الجزية فأخذت منهم وبقيت ولم يغزها بعده أحد فعمرها الروم‏.‏

فلما كانت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة أخرج إليها المنصور بن القائم العلوي صاحب إفريقية أسطولاً من المهدية فمروا بجنوة ففتحوا المدينة وأوقعوا بأهل سردانية وسبوا فيها وأحرقوا مراكب كثيرة وأخربوا جنوة وغنموا ما فيها‏.‏

وفي سنة ست وأربعمائة غزاها مجاهد العامري من دانية وكان صاحبها في البحر في مائة وعشرين مركباً ففتحها وقتل فأكثر وسبى النساء والذرية فسمع بذلك ملوك الروم فجمعوا إليه وساروا إليه من البر الكبير في جمع عظيم فاقتتلوا وانهزم المسلمون وأخرجوا من جزيرة سردانية وأخذت بعض مراكبهم وأسر أخو مجاه وابنه علي بن مجاهد ورجع بمن بقي إلى دانية ولم تغز بعد ذلك‏.‏

وإنما ذكرنا جميع أخبارها هاهنا لقتلتها وإذا تفرقت لم تعرف كما يجب‏.‏

في هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ففتح حصوناً ثلاثة وجلا أهل سوسنة إلى بلاد الروم‏.‏

وفي هذه السنة غزا قتيبة سجستان في قول بعضهم وأراد قصد رتبيل الأعظم فلما نزل قتيبة سجستان أرسل رتبيل إليه رسلاً بالصلح فقبل ذلك وانصرف واستعمل عليهم عبد ربه بن عبد الله الليثي‏.‏

وحج بالناس هذه السنة عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم‏.‏

وفيها مات مالك بن أوس بن الحدثان البصري من ولد نصر بن معاوية بالمدينة وله أربع وتسعون سنة‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين

ذكر صلح خوارز مشاه وفتح خام جرد

وفي هذه السنة صالح قتيبة خوارز مشاه‏.‏

وكان سبب ذلك أن ملك خوارزم كان ضعيفاً فغلبه أخوه خرزاد على أمره وكان أصغر منه وكان إذا بلغه أن عند أحد ممن هو منقطع إلى الملك جارية أو مالاً أو دابة أو بنتاً أو أختاً أو

امرأة جميلة أرسل إليه وأخذه منه وكان لا يمتنع عليه أحد ولا الملك فإذا قيل للملك قال‏:‏ لا أوى به وهو مغتاظ عليه‏.‏

فلما طال ذلك عليه كتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه ليسلمها إليه واشترط عليه أن يدفع إليه أخاه وكل من يضاده ليحكم فيهم بما يرى ولم يطلع أحد من مرازبته على ذلك فأجابه قتيبة إلى ما طلب وتجهز للغزو وأظهر قتيبة أنه يريد الصغد وسار من مرو وجمع خوارز مشاه أجناده ودهاقنته فقال‏:‏ إن قتيبة يريد الصغد وليس يغازيكم فهلموا نتنعم في ربيعنا هذا‏.‏

فأقبلوا على الشرب والتنعم فلم يشعروا حتى نزل قتيبة في هزار سب فقال خوارز مشاه لأصحابه‏:‏ ما ترون قالوا‏:‏ نرى أن نقاتله‏.‏

قال‏:‏ لكني لا أرى ذلك لأنه قد عجز عنه من هو أقوى منا وأشد شوكة ولكن أصرفه بشيء أؤديه إليه‏.‏

فأجابوه إلى ذلك‏.‏

فسار خوارز مشاه فنزل بمدينة الفيل من وراء النهر وهي أحصن بلاده وقتيبة لم يعبر النهر فأرسل إليه خوارز مشاه فصالحه على عشرة آلاف رأس وعين ومتاع وعلى أن يعينه على خام جرد فقبل قتيبة ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ صالحه على مائة ألف رأس ثم بعث قتيبة أخاه عبد الرحمن إلى خام جرد وكان يغازي خوارز مشاه فقاتله فقتله عبد الرحمن وغلب على أرضه وقدم منهم بأربعة آلاف

أسير فقتلهم قتيبة وسلم قتيبة إلى خوارز مشاه أخاه ومن كان يخالفه فقتلهم ودفع أموالهم إلى قتيبة ودخل قتيبة إلى فيل فقبل بن خوارزم شاه ما صالحه عليه ثم رجع إلى هزار سب‏.‏

ذكر فتح سمرقند

فلما قبض قتيبة صلح خوارز مشاه قال إليه المجشر بن مزاحم السلمي‏.‏

فقال له سراً‏:‏ إن أردت الصغد يوماً من الدهر فالآن فإنهم آمنون من أن يأتيهم عامل هذا وإنما بينك وبينهم عشرة أيام‏.‏

قال‏:‏ أشار عليك بهذا أحد قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فسمعه منك أحد قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك‏.‏

فلما كان الغد أمر أخاه عبد الرحمن فسار في الفرسان والرماة وقدم الأثقال إلى مرو فسار يومه فلما أمسى كتب إليه قتيبة‏:‏ إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو وسر بالفرسان والرماة نحو الصغد واكتم الأخبار فإني في الأثر‏.‏

ففعل عبد الرحمن ما أمره وخطب قتيبة الناس وقال لهم‏:‏ إن الصغد شاغره برجلها وقد نقضوا العهد الذي بيننا وصنعوا ما بلغكم وإني أرجو أن يكون خوارزم والصغد كقريظة والنضير‏.‏

ثم سار فأتى الصغد فبلغها بعد عبد الرحمن بثلاث أو أربع وقدم معه أهل خوارزم وبخارى فقاتلوه شهراً من وجه واحد وهم محصورون‏.‏

وخاف أهل الصغد طوال الحصار فكتبوا إلى ملك الشاش وخاقان واخشاد فرغانة‏:‏ إن العرب إن ظفروا بنا أتوكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم ومعهما كان عندك من قوة فابذلوها‏.‏

فنظروا وقالوا‏:‏ إنما نؤتى من سفلتنا فإنهم لا يجدون كوجدنا‏.‏

فانتخبوا من أولاد الملوك وأهل النجدة من أبناء المرازبة والأساورة والأبطال وأمروهم أن يأتوا عسكر قتيبة فيبيتوه فإنه مشغول عنه بحصار سمر قند وولوا عليه ابناً لخاقان فساروا‏.‏

وبلغ قتيبة الخبر فانتخب من عسكره أربعمائة وقيل‏:‏ ستمائة من أهل النجدة والشجاعة وأعلمهم الخبر وأمرهم بالمسير إلى عدوهم فساروا وعليهم صالح بن مسلم فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم فجعل صالح له كمينين فلما مضى نصف الليل جاءهم عدوهم فلما رأوا صالحاً حملوا عليه فلما اقتتلوا شد الكمينان عن يمين وشمال فلم ير قوم كانوا أشد من أولئك‏.‏

قال بعضهم‏:‏ إنا لنقاتلهم إذ رأيت تحت الليل قتيبة وقد جاء سراً فضربت ضربةً أعجبتني‏.‏

فقلت‏:‏ كيف نرى بأمي وأبي قال‏:‏ اسكت فض الله فاك‏.‏

قال‏:‏ فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد وحوينا أسلابهم وسلاحهم فاحتززنا رؤوسهم وأسرنا منهم أسرى فسألناهم عمن قتلنا فقالوا‏:‏ ما قتلتم إلا ابن ملك أو عظيماً أو بطلاً كان الرجل يعد بمائة رجل وكتبنا أسماءهم على آذانهم ثم دخلنا العسكر حين أصبحنا فلم يأت أحد بمثل ما جئنا به من القتلى والأسرى والخيل ومناطق الذهب والسلاح قال‏:‏ وأكرمني قتيبة وأكرم معي جماعة وظننت أنه رأى منهم مثل الذي رأى مني‏.‏

ولما رأى الصغد ذلك انكسروا ونصب قتيبة عليهم المجانيق فرماهم وثلم ثلمةً فقام عليها رجل شتم قتيبة فرماه بعض الرماة فقتله فأعطاه قتيبة عشرة آلاف‏.‏

وسمع بعض المسلمين قتيبة وهو يقول كأنما يناجي نفسه‏:‏ حتى متى يا سمرقند يعشش فيك الشيطان أما والله لئن أصبحت لأحاولن من أهلك أقصى غاية‏.‏

فانصرف ذلك الرجل فقال لأصحابه‏:‏ كم من نفس تموت غداً‏!‏ وأخبر الخبر‏.‏

فلما أصبح قتيبة أمر الناس بالجد في القتال فقاتلوهم واشتد القتال وأمرهم قتيبة أن يبلغوا ثلمة المدينة فجعلوا الترسة على وجوههم وحملوا فبلغوها ووقفوا عليها ورماهم الصغد بالنشاب فلم يبرحوا‏.‏

فأرسل الصغد إلى قتيبة فقالوا له‏:‏ انصرف عنا اليوم حتى نصالحك غداً‏.‏

فقال قتيبة‏:‏ لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثملة وقيل‏:‏ بل قال قتيبة‏:‏ جزع العبيد انصرفوا على ظفركم فانصرفوا فصالحهم من الغد على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف فارس وأن يخلوا المدينة لقتيبة فلا يكون لهم فيها مقاتل فيبني فيها مسجداً ويدخل ويصلي ويخطب ويتغدى ويخرج‏.‏فلما تم الصلح وأخلوا المدينة وبنوا المجد دخلها قتيبة في أربعة آلاف انتخبهم فدخل المسجد

فصلى فيه وخطب وأكل طعاماً ثم أرسل إلى الصغد‏:‏ من أراد منكم أن يأخذ متاعه فليأخذ فإني لست خارجاً منها ولست آخذ منكم إلا ما صالحتكم عليه غير أن الجند يقيمون فها‏.‏

وقيل‏:‏ إنه شرط عليهم في الصلح مائة ألف فارس وبيوت النيران وحلية الأصنام فقبض ذلك وأتي بالأصنام فكانت كالقصر العظيم وأخذ ما عليها وأمر بها فأحرقت‏.‏فجاءه غوزك فقال‏:‏ إن شكرك علي واجب لا تتعرض لهذه الأصنام فإن منها أصناماً من أحرقها هلك‏.‏

فقال قتيبة‏:‏ أنا أحرقها بيدي فدعا بالنار فكبر ثم أشعلها فاحترقت فوجدوا من بقايا مسامير الذهب خمسين ألف مثقال‏.‏

وأصاب بالصغد جارية من ولد يزدجرد فأرسلها إلى الحجاج فأرسلها الحجاج إلى الوليد فولدت له يزيد بن الوليد‏.‏

وأمر غوزك بالانتقال عنها فانتقل‏.‏

وقيل‏:‏ إن أهل سمرقند خرجوا على المسلمين وهم يقاتلونهم يوم فتحها وقد أمر قتيبة يومئذٍ بسرير فأبرز وقعد عليه فطاعنوهم حتى جازوا قتيبة وإنه لمحتبٍ بسيفه ما حل حبوته وانطوت مجنبتا المسلمين على الذين هزموا القلب فهزموهم حتى ردوهم إلى عسكرهم وقتل من المشركين عدد كثير ودخلوا المدينة فصالهم وصنع غوزك طعاماً ودعا قتيبة فأتاه في عدة من

أصحابه فلما بعد استوهب منه سمرقند وقال للملك‏:‏ انتقل عنها فلم نجد بداً من طاعته ولا قتيبة قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى ‏"‏ النجم‏:‏ 50 - 51‏.‏

وحكي عن الذي أرسله قتيبة إلى الحجاج بفتح سمرقند قال‏:‏ فأرسلني الحجاج إلى الوليد فقدمت دمشق قبل طلوع الفجر فدخلت المسجد فإذا إلى جنبي رجل ضرير فسألني‏:‏ من أين أنت فقلت‏:‏ من خراسان وأخبرت خبر سمرقند‏.‏

فقال‏:‏ والذي بعث محمداً بالحق ما افتتحتموها إلا غدراً‏!‏ وإنكم يا أهل خراسان الذين تسلبون بني أمية ملكهم ثم تنقضون دمشق حجراً حجراً‏.‏

فلما فتح قتيبة سمرقند قيل‏:‏ إن هذا لأعدى العيرين لأنه فتح سمرقند وخوارزم في عام واحد وذلك أن الفارس إذا صرع في طلق واحد عيرين قيل‏:‏ عادى عيرين فلما فتحها قتيبة دعا نهار بن توسعة فقال‏:‏ يا نهار أين قولك‏.‏

ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ومات الندى والجود بعد المهلب أقاما بمرو الروذ رهن ضريحه وقد غيبا عن كل شرقٍ ومغرب أفغزو هذا قال‏:‏ لا هذا أحسن وأنا الذي أقول‏:‏ وما كان مذ كنا ولا كان قبلنا ومات الندى والجود بعد المهلب أعم لأهل الشرك قتلاً بسيفه وأكثر فينا مقسماً بعد مقسم كانت سمرقند أحقاباً يمانيةً فاليوم تنسبها قيسيةً مضر وقال كعب الأشقري وقيل رجل من جعفى‏:‏ كل يوم يحوي قتيبة نهباً ويزيد الأموال مالاً جديدا باهلي قد ألبس التاج حتى شاب منه مفارق كن سودا دوخ الصغد بالكتائب حتى ترك الصغد بالعراء قعودا فوليد يبكي لفقد أبيه وأب موجع يبكي الوليدا ثم رجع قتيبة إلى مرو وكان أهل خراسان يقولون‏:‏ إن قتيبة غدر بأهل سمرقند فملكها غدراً‏.‏

وكان عمله على خوارزم إياس بن عبد الله على حربها وكان ضعيفاً وكان على خراجها عبيد الله بن أبي عبيد الله مولى مسلم‏.‏

فاستضعف أهل خوارزم إياساً فجمعوا له فكتب عبيد الله إلى قتيبة فبعث قتيبة أخاه عبد الله عاملاً وأمره أن يضرب إياساً وحيان النبطي مائةً مائةً ويحلقهما‏.‏

فلما قرب عبد الله من خوارزم أرسل إلى إياس فأنذره فتنحى وقدم عبد الله وأخذ حيان فضربه وحلقه‏.‏

ثم وجه قتيبة الجنود إلى خوارزم مع المغيرة بن عبد الله فبلغها ذلك فلما قدم المغيرة اعتزل أبناء الذين قتلهم خوارزمشاه وقالوا‏:‏ لا نعينك فهرب إلى بلاد الترك وقدم المغيرة فقتل وسبى فصالحه الباقون على الجزية وقدم على قتيبة فاستعمله على نيسابور‏.‏

ذكر فتح طليطلة من الأندلس

قال أبو جعفر‏:‏ وفي هذه السنة غضب موسى بن نصير على مولاه طارق فسار إليه في رجب منها واستخلف على إفريقية ابنه عبد الله بن موسى وعبر موسى إلى طارق في عشرة آلاف فتلقاه وترضاه فرضي عنه وقبل عذره وسيره إلى طليطلة وهي من عظام بلاد الأندلس وهي من قرطبة على عشرين يوماً ففتحها وأصاب فها مائدة سليمان بن داود عليه السلام وما فيها من الذهب والجوهر والله أعلم به‏.‏

قلت‏:‏ لم يزد على هذا وقد ذكرت في سنة اثنتين وتسعين من فتح الأندلس ودخول موسى بن نصير إلى طارق ما فيه كفاية فلا حاجة إلى إعادته إلا أن أبا جعفر قد ذكر أن موسى هو الذي سير طارقاً وهو بالأندلس ففتح مدينة طليطلة والذي ذكره أهل الأندلس في تواريخهم ما تقدم ذكره‏.‏

ذكر عزل عمر بن عبد العزيز عن الحجاز

وكان سبب ذلك أن عمر كتب إلى الوليد يخبره بعسف الحجاج أهل العراق واعتدائه عليهم وظلمه لهم بغير حق فبلغ ذلك الحجاج فكتب إلى الوليد‏:‏ إن من عندي من المراق وأهل الشقاق قد جلوا عن العراق ولحقوا بالمدينة ومكة وإن ذلك وهن‏.‏

فكتب إليه الوليد يستشيره فيمن يوليه المدينة ومكة فأشار عليه بخالد بن بد الله وعثمان بن حيان فولى خالدًا مكة وعثمان المدينة وعزل عمر عنهما‏.‏

فلما خرج عمر من المدينة قال‏:‏ إني أخاف أن أكون ممن نفته المدينة يعني بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تنفي خبثها‏.‏

وكان عزله في شعبان ولما قدم خالد مكة أخرج من بها من أهل العراق كرهًا وتهدد من أنزل عراقيًا أو أجره دارًا واشتد على أهل المدينة وعسفهم وجار فيهم ومنعهم من إنزال عراقي وكانوا أيام عمر بن عبد لعزيز كل من خاف الحجاج لجأ إلى مكة والمدينة‏.‏

وقيل‏:‏ إنما استعمل على المدينة عثمان بن حيان وقد تقدم سنة إحدى وتسعين ولاية خالد مكة في قول بعضهم‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا العباس بن الوليد الروم ففتح سبسطية والمرزبانين وطرسوس‏.‏

وفيها غزا مروان بن الوليد فبلغ خنجرة‏.‏

وفيها غزا مسلمة الروم أيضًا ففتح ماسيسة وحصن الحديد وغزالة من ناحية ملطية‏.‏

وفيها أجدب أهل إفريقية فاستسقى موسى بن نصير فسقوا‏.‏

وفيها كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز قبل أن يعزله يأمره بضرب خبيب بن عبد الله بن الزبير ويصب على رأسه ماءً باردًا فضربه خمسين سوطًا وصب عليه ماءً باردًا في يوم شاتٍ ووقفه على باب المسجد فمات من يومه‏.‏

خبيب بضم الخاء المعجمة وبائين موحدتين بينهما ياء تحتها نقطتان‏.‏

وحج بالناس هذه السنة عبد العزيز بن الوليد‏.‏

وكان على الأمصار من تقدم ذكرهم إلا المدينة فإن عاملها عثمان بن حيان قدمها في شوال لليلتين بقيتا منه وقد تقدم ذكر ولاية خالد بن عبد الله مكة في سنة تسع وثمانين وفي سنة إحدى وتسعين قد ذكرنا أنه وليها هذه السنة‏.‏

وفيها مات أبو الشعثاء جابر بن زبد‏.‏

وألو العالية البراء واسمه زيدا بن فيروز وكان مولى لأعرابية من بني رياح وليس بأبي العالية الرياحي ذاك كان موته سنة تسعين‏.‏

وفيها مات بلال بن أبي الدرداء الأنصاري قاضي دمشق‏.‏

ذكر قتل سعيد بن جبير

قيل‏:‏ وفي هذه السنة قتل سعيد بن جبير‏.‏

وكان سبب قتله خروجه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وكان الحجاج قد جعله على عطاء الجند حين وجه عبد الرحمن إلى رتبيل لقتاله فلما خلع عبد الرحمن الحجاج كان سعيد فيمن خلع فلما هزم عبد الرحمن ودخل بلاد رتبيل هرب سعيد إلى أصبهان فكتب الحجاج إلى عامل بأخذ سع فخرج العامل من ذلك‏.‏

فأرسل إلى سعيد يعرفه ذلك ويأمره بمفارقته فسار عنه فأتى أذربيجان فطال عليه القيام فاغتم بها فخرج إلى مكة فكان بها هو وأناس أمثاله يستخفون فلا يخبرون أحدًا أسماءهم‏.‏

فلما ولي خالد بن عبد الله مكة قيل لسعيد‏:‏ إنه رجل سوء فلو سرت عن مكة‏.‏

فقال والله لقد فررت حتى استحييت من الله وسيجيئني ما كتب الله لي‏.‏

فلما قدم خالد مكة كتب إليه الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج فاخذ سعيد بن جبير ومجاهدًا وطلق بن حبيب فأرسلهم إليه فمات طلق بالطريق وحبس مجاهد حتى مات الحجاج‏.‏

وكان سيرهم مع حرسين فانطلق أحدهما لحاجة وبقي الآخر فقال لسعيد وقد استيقظ من نومه ليلًا‏:‏ يا سعيد إني أبرأ إلى الله من دمك إني رأيت في منامي فقيل لي‏:‏ ويلك‏!‏ تبرأ من دم سعيد بن جبير‏!‏ فاذهب حيث شئت فإني لا أطلبك‏.‏

فأبى سعيد فرأى ذلك الحرس مثل تلك الرؤيا ثلاثًا ويأذن لسعيد في الذهاب وهو لا يفعل‏.‏

فقدموا به الكوفة فانزل في داره وأتاه قراء الكوفة فجعل يحدثهم وهو يضحك وبنية له في حجره فلما نظرت إلى القيد في رجله بكت ثم أدخلوه على الحجاج فلما أتي به قال‏:‏ لعن الله ابن النصرانية‏!‏ يعني خالدًا وكان هو أرسله أما كنت أعرف مكانه بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة‏.‏

ثم أقبل عليه فقال‏:‏ يا سعيد ألم أشركك في إمامتي ألم أفعل ألم أستعملك قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فما أخرجك علي قال‏:‏ إنما أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرة ويصيب مرة‏.‏

فطابت نفس الحجاج قم عاوده في شيء فقال‏:‏ إنما كانت بيعة في عنقي فغضب الحجاج وانتفخ وقال‏:‏ يا سعيد ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير وأخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين وتوفي بواحدة للحائك ابن الحائك والله لأقتلنك قال‏:‏ إني إذًا لسعد كما سمتني أمي‏.‏

فأمر به فضربت رقبته فبدر رأسه عليه كمة بيضاء لاطية فلما سقط رأسه هلل ثلاثًا افصح بمرة ولم يفصح بمرتين‏.‏

فلما قتل التبس عقل الحجاج فجعل يقول‏:‏ قيودنا قيودنا‏!‏ فظنوا أنه يرد القيود فقطعوا رجلي سعيد من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود وكان الحجاج إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه فيقول‏:‏ يا عدو الله فيم قتلتني فيقول‏:‏ مالي ولسعيد بن جبير‏!‏ مالي ولسعيد بن جبير‏!‏ ذكر غزوة الشاش وفرغانة في هذه السنة قطع قتيبة النهر وفرض على أهل بخارى وكش ونسف وخوارزم عشرين ألف مقاتل فساروا معه فوجههم إلى الشاش وتوجه هو إلى فرغانة فأتى خجندة فجمع له أهلها فلقوه فاقتتلوا مرارًا كل ذلك يكون الظفر للمسلمين‏.‏

ثم إن قتيبة أتى كاشان مدينة فرغانة وأتاه الجنود الذين وجههم إلى اشاش وقد فتحوها وأحرقوا أكثرها وانصرف إلى مرو وقال سحبان يذكر قتالهم بخجندة فقال‏:‏ فسل الفوارس في خجن دة تحت مرهقة العوالي هل كنت أجمعهم إذا هزموا وأقدم في القتال أم كنت أضرب هامةال عافي وأصبر للعوالي هذا وأنت قريع قي سٍ كلها ضخم النوال وفضلت قيسًا في الندى وأبوك في الحجج الخوالي تمت مروءتكم ونا غى عزكم غلب الجبال ذكر عدة حوادث في هذه السنة غزا العباس بن الوليد أرض الروم ففتح إنطاكية‏.‏

وفيها غزا عبد العزيز بن الوليد فبلغ غزالة وبلغ الوليد بن هشام المعيطي برج الحمام ويزيد بن أبي كبشة أرض سورية‏.‏

وفيها كانت الزلازل بالشام ودامت أربعين يومًا فخربت البلاد وكان عظم ذلك في إنطاكية‏.‏

وفيها افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند‏.‏

وتوفي في هذه السنة علي بن الحسين في أولها‏.‏

ثم عروة بن الزبير‏.‏

ثم سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏

واستقضى الوليد على الشام سليمان بن حبيب‏.‏

وحج بالناس مسلمة بن عبد الملك وقيل‏:‏ عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك وكان العامل بمكة خالد بن عبد الله وبالمدينة عثمان بن حيان وبمصر قرة بن شريك وبخراسان قتيبة من قبل الحجاج‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وتسعين

ذكر غزوة الشاش

قيل‏:‏ وفي هذه السنة بعث الحجاج جيشًا من العراق إلى قتيبة فغزا بهم فلما كان بالشاش أو بكشماهان أتاه موت الحجاج في شوال منها فغمه ذلك وتمثل يقول‏:‏ لعمري لنعم المرء من آل جعفرٍ بحوران أمسى أعلقته الحبائل فإن نحي لي أملك حياتي وإن تمت فما في حياةٍ بعد موتك طائل ورجع إلى مرو وتفرق الناس فأتاه كتاب الوليد‏:‏ قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجدك واجتهادك في جهاد أعداء المسلمين وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك الذي يجب لك فالمم مغازيك وانتظر ثواب ربك ولا تغب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كأني أنظر إلى بلائك والثغر الذي أنت فيه‏.‏

ذكر وفاة الحجاج بن يوسف

قيل‏:‏ إن عمر بن عبد العزيز ذكر عنده ظلم الحجاج وغيره من

ولاة الأمصار أيام الوليد بن عبد الملك فقال‏:‏ الحجاج بالعراق والوليد بالشام وقرة بمصر وعثمان بالمدينة وخالد بمكة اللهم قد امتلأت الدنيا ظلمًا وجورًا فأرح الناس‏!‏ فلم يمض غير قليل حتى توفي الحجاج وقرة بن شريك في شهر واحد ثم تبعهما الوليد وعزل عثمان وخالد واستجاب الله لعمر‏.‏

وما أشبه هذه القصة بقصة ابن عمر مع زياد بن أبيه حيث كتب إلى معاوية يقول له‏:‏ قد ضبطت العراق بشمالي ويميمني فارغة‏.‏

يعرض بإمارة الحجاز‏.‏

فقال ابن عمر لما بلغه ذلك‏:‏ اللهم أرحنا من يمين زياد وأرح أهل العراق من شماله‏.‏

فكان أول خبر جاءه موت زياد‏.‏

وكانت وفاة الحجاج في شوال سنة خمس وتسعين وقيل‏:‏ كانت وفاته لخمس بقين من شهر رمضان وله من العمر أربع وخمسون سنة وقيل‏:‏ ثلاث وخمسون سنة وكانت ولايته العراق عشرين سنة ولما حضرته الوفاة استخلف على الصلاة ابنه عبد الله بن الحجاج واستخلف على حرب الكوفة والبصرة يزيد بن أبي كبشة وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم فأقرهما الوليد بعد موته ولم يغير أحدًا من عمال الحجاج‏.‏

ذكر نسبة وشيء من سيرته

هو الحجاج ين يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف أبو محمد الثقفي‏.‏

قال قتيبة بن مسلم‏:‏ خطبنا الحجاج فذكر القبر فما زال يقول‏:‏ إنه بيت الوحدة إنه بيت الغربة وبيت كذا وكذا حتى بكى وأبكى ثم قال‏:‏ سمعت أمرر المؤمنين عبد الملك يقول‏:‏ سمعت مروان يقول في خطبته‏:‏ خطبنا عثمان فقال في خطبته‏:‏ ما نظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى قبر أو ذكره إلا بكى‏.‏

وقد روي أحاديث غير هذا عن ابن عباس وأنس‏.‏

وقال ابن عوف‏:‏ كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ عرفت أنه طالما درس القرآن‏.‏

وقال أبو عمرو بن العلاء‏:‏ ما رأيت أفصح من الحجاج ومن الحسن وكان الحسن أفصح‏.‏

وقال عبد الملك بن عمير‏:‏ قال الحجاج يومًا‏:‏ من كان له بلاء فليقم فنعطيه على بلائه‏.‏

فقام رجل فقال‏:‏ أعطني على بلائي‏.‏

قال‏:‏ وما بلاؤك قال‏:‏ قتلت الحسن‏.‏

قال‏:‏ فكيف قتلته قال‏:‏ دسرته بالرمح درسرًا وهبرته بالسيف هبرًا وما أشركت معي في قتله أحدًا‏.‏

قال‏:‏ فإنك لا تجتمع أنت وهو في مكان واحد‏.‏

وقال‏:‏ اخرج‏!‏ ولم يعطه شيئًا‏.‏

قيل‏:‏ كتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره بقتل أسلم بن عبد البكري بشيء بلغه عنه فأحضره الحجاج وقال‏:‏ أمير المؤمنين غائب وأنت حاضر والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 6‏]‏‏.‏ الآية والذي بلغه عني باطل فاكتب إلى أمير المؤمنين أني أعول أربعًا وعشرين امرأة وهن بالباب فاحضرهن فهذه أمه وهذه عمته وزوجته وابنته وكان في آخر هن جارية قاربت عشر سنين‏.‏

فقال لها‏:‏ من أنت منه قالت ابنته أصلح الله الأمير‏!‏ ثم أنشأت تقول‏:‏ أحجاج لم تقبل به أن قتله ثمانًا وعشرًا واثنتين وأربعا أحجاج من هذا يقوم مقامه علينا فمهلًا إن تزدنا تضعضعا أحجاج إما أن تجود بنعمةٍ علينا وإما أن تقتلنا معا فبكى الحجاج وقال‏:‏ والله لا أعنت الدهر عليكن ولا زدتكن تضعضعًا وكتب إلى عبد الملك بخبر الرجل والجارية فكتب إليه عبد الملك‏:‏ إن كان الأمر كما ذكرت فأحسن صلته وتفقد الجارية‏.‏ ففعل‏.‏

وقال عاصم بن بهدلة‏:‏ سمعت الحجاج يقول‏:‏ اتقوا الله ما استطعتم هذا والله مثنوية واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرًا لأنفسكم ليس في مثنوية والله لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلت لي دماؤكم ولا أجد أحدًا يقرأ علي قراءة ابن أم عبد يعني ابن مسعود إلا ضربت عنقه ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير قد ذكر ذلك عند الأعمش‏.‏

فقال‏:‏ وأنا سمعته يقول‏:‏ فقلت في نفسي لأقرأنها على رغم أنفك‏.‏

قال الأوزاعي‏:‏ قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم‏.‏

قال منصور‏:‏ سألنا إبراهيم الشجاعي عن الحجاج فقال‏:‏ ألم يقل الله ‏{‏ألا لعنة الله على الظالمين‏}‏ ‏[‏هو‏:‏ 18‏]‏‏.‏ قال الشافعي‏:‏ بلغني أن عبد الملك بن مروان قال للحجاج‏:‏ ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه فعب نفسك ولا تخبأ منها شيئًا‏.‏

قال‏:‏ يا أمير المؤمنين أنا لجوج حقود‏.‏

فقال له عبد الملك‏:‏ إذًا بينك وبين إبليس نسب‏.‏

فقال‏:‏ إن الشيطان إذا رآني سالمني‏.‏

قال الحسن‏:‏ سمعت عليًا على المنبر يقول‏:‏ اللهم ائتمنتهم فخافوني ونصحتهم فغشوني اللهم فسلط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم بحكم الجاهلية‏!‏ فوصفه وهو يقول‏:‏ الزيال مفجر الأنهار يأكل خضرتها ويلبس فروتها‏.‏

قال الحسن‏:‏ هذه والله صفة الحجاج‏.‏

قال حبيب بن أبي ثابت‏:‏ قال علي لرجل‏:‏ لا تموت حتى تدرك فتى ثقيف‏.‏

قيل له‏:‏ يا أمير المؤمنين ما فتى ثقيف قال‏:‏ ليقالن له يوم القيامة اكفنا زاوية من زوايا جهنم رجل يملك عشرين أو بضعًا وعشرين سنة لا يدع الله معصية إلا ارتكبها حتى لو لم تبق إلا معصية واحدة وبينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها يقتل بمن أطاعه من عصاه‏.‏

وقيل‏:‏ أحصي من قتله الحجاج صبرًا فكانوا مائة ألف وعشرين ألفًا‏.‏

وقيل‏:‏ إن الحجاج مر بخالد بن يزيد بن معاوية وهو يخطر في مشيته فقال رجل لخالد‏:‏ من هذا قال خالد‏:‏ بخ بخ‏!‏ هذا عمرو بن العاص‏.‏

فسمعهما الحجاج فرجع وقال‏:‏ والله ما يسرني أن العاص ولدني ولكني ابن الأشياخ من ثقيف والعقائل من قريش وأنا الذي ضربت بسيفي هذا مائة ألف كلهم يشهد أن أباك كان يشرب الخمر ويضمر الكفر‏.‏

ثم ولى وهو يقول‏:‏ بخ بخ عمرو بن العاص‏!‏ فهو قد

ذكر ما فعله محمد بن القاسم بعد موت الحجاج وقتله

لما مات الحجاج بن يوسف كان محمد بن القاسم بالملتان فأتاه خبر وفاته فرجع إلى الرور والبغرور وكان قد فتحهما فأعطى الناس ووجه إلى البيلمان جيشًا فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة وسأله أهل سرشت وهي مغزى أهل البصرة وأهلها يقطعون في البحر ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم دوهر وهرب وقيل‏:‏ بل قتل ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى قال الشاعر‏:‏

نحن قتلنا ذاهرًا ودوهرًا ** والخيل تردي منسرًا فمنسرا

ومات الوليد بن عبد الملك وولي سليمان بن عبد الملك فولى يويد بن أبي كبشة السكسكي السند فأخذ محمدًا وقيده وحمله إلى العراق فقال محمد متمثلًا‏:‏ أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوخمٍ كريهةٍ وسداد ثغر فبكى أهل السند على محمد فلما وصل إلى العراق حبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط فقال‏:‏ فلئن ثويت باسطٍ وبأرضها رهن الحديد مكبلًا مغلولا فلرب قينة فارسٍ قد رعتها ولرب قرنٍ قد تركت قتيلًا ولو كنت أجمعت الفرار لوطئت إناث أعدت للوغى وذكور وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ولا كان من عكٍ علي أمير وما كنت للعبد المزوني تابعًا فيا لك دهر بالكرام عثور فعذبه صالح في رجال من آل أبي عقيل حتى قتلهم وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح وكان يرى رأي الخوارج وقال حمزة بن بيض الحنفي يرثي محمدًا‏:‏ إن المروءة والسماحة والندى لمحمد بن قاسم بن محمد ساس الجيوش لسبع عشرة حجةً ياقرب ذلك سؤددًا من مولد وقال آخر‏:‏ ساس الرجال لسبع عشرة حجةً ولداته إذ ذاك في أشغال ومات يزيد بن أبي كبشة بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يومًا واستعمل سليمان بن عبد الملك على السند حبيب بن المهلب فقدمها وقد رجع ملوك السند إلى ممالكهم ورجع جيشبه بن ذاهر إلى برهمناباذ فنزل حبيب على شاطئ مهران فأعطاه أهل الور الطاعة وحارب قومًا فظفر بهم‏.‏

ثم مات سليمان واستخلف عمر بن عبد العزيز فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام

والطاعة على أن يملكهم ولهم ما للمسلمين وعليهم‏.‏

فأسلم جيشبه والملوك وتسموا بأسماء العرب‏.‏

وكان عمرو بن مسلم الباهلي عامل على ذلك الثغر فغزا بعض الهند فظفر‏.‏

ثم إن الجنيد بن عبد الرحمن ولي السن أيام هشام بن عبد الملك فأتى الجنيد شط مهران فمنعه جيشبه بن ذاهر العبور أرسل إليه‏:‏ إني قد أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي ولست آمنك‏.‏

فأعطاه رهنًا وأخذ منه رهنًا على خراج بلاده ثم ترادا وكفر جيشبه وحارب وقيل‏:‏ إنه لم يحارب ولكن الجنيد تجنى عليه فأتى الهند فجمع جموعًا وأعد السفن واستعد للحرب فسار إليه الجنيد بالسفن فالتقوا في بطيحة فأخذ جيشبه أسيرًا وقد جنحت سفينته فقتله الجنيد وهرب صصه بن ذاهر وهو يريد أن يمضي إلى العراق فيشكو غدر الجنيد فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده في يده فقتله‏.‏

وغزا الجنيد الكيرج وكانوا قد نقضوا فاتخذوا كبشًا وصك بها سور المدينة فثلمه ودخلها فقتل وسبى ووجه العمال إلى المرمذ والمندل ودهنج وبرونج‏.‏

وكان الجنيد يقول‏:‏ القتل في الجزع أكبر منه في الصبر‏.‏

ووجه جيشًا إلى أزين فأغاروا عليها وحرقوا ربضها وفتح البيلمان وحصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف وحمل مقلها وولى الجنيد تميم بن زيد القيني فضعف وفي أيامه خرج المسلمون عن بلاد الهند ورفضوا مراكزهم ثم ولي الحكم بن عوام الملبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة فبنى مدينةً سماها المحفوظة وجعلها مأوى للمسلمين وكان معه عمرو بن محمد بن القاسم وكان يفوض إليه عظيم الأمور فأغزاه من المحفوظة فلما قدم عليه وقد ظفر أمره فبنى مدينة وسماها المنصورة فهي التي نزلها الأمراء واستخلص ما كان قد غلب عليه العدو ورضي الناس بولايته وكان خالد القسري يقول‏:‏ واعجبا‏!‏ وليت فتى العرب يعني تميمًا فرفض وترك ووليت أبخل العرب فرضي به‏.‏

ثم قتل الحكم وكان العمال يقتلون العدو فكانوا يفتتحون ناحيةً ويأخذون ما تيسر لهم لضعف الدولة الأموية بعد ذلك إلى أن جاءت الدولة المباركة العباسية ونحن نذكر إن ساء الله أيام المأمون بقية أخبار السند‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا العباس بن الوليد الروم ففتح هرقلة وغيرها‏.‏

وفيها فتح آخر الهند إلا الكيرج والمندل‏.‏

وفي هذه السنة افتتح العباس بن الوليد قنسرين‏.‏

وفيها قتل الوضاحي بأرض الروم ونحو ألف رجل معه‏.‏

وفيها ولد المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس‏.‏

وفيها مات أبو عثمان النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل وكان عمره مائة وثلاثين سنة وقيل في موته غير ذلك‏.‏

وفيها مات سعد بن أياس أبو عمرو الشيباني وله مائة وعشرون سنة‏.‏

وفي إمارة الحجاج مات سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي هذه السنة مات سالم بن أبي الجعد‏.‏

وفيها مات جعفر بن عمرو بن أمية الضمري وهو أخو عبد الله بن مروان من الرضاعة‏.‏

وفي إمارة الحجاج قتل أبو الأحوص عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الكوفي قتله الخوارج‏.‏

ثم دخلت سنة ست وتسعين ‏  ‏  ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏