المجلد الرابع - ذكر موت سليمان بن عبد الملك

في هذه السنة توفي سليمان بن عبد الملك بن مروان لعشر بقين من صفر فكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام وقيل توفي لعشر مضين من صفر فتكون ولايته سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام وصلى عليه عمر بن عبد العزيز‏.‏

وكان الناس يقولون‏:‏ سليمان مفتاح الخبر ذهب عنهم الحجاج وولي سليمان فأطلق الأسرى وأخلى السجون وأحسن إلى الناس واستخلف عمر بن عبد العزيز‏.‏

وكان موته بدابق من أرض قنسرين لبس يومًا حلةً خضراء وعمامة خضراء ونظر في المرآة فقال‏:‏ أنا الملك الفتى فما عاش جمعة ونظرت إليه جارية فقال‏:‏ ما تنظرين فقالت‏:‏ أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للإنسان ليس فيما علمته فيك عيب كان في الناس غير أنك فان قيل‏:‏ وشهد سليمان جنازة بدابق فدفنت في حقل فجعل سليمان يأخذ من تلك التربة ويقول‏:‏ ما أحسن هذه التربة وأطيبها‏!‏ فما أتى عليه جمعة حتى دفن إلى جانب ذلك القبر‏.‏

قيل‏:‏ حج سليمان وحج الشعراء فلما كان بالمدينة قافلًا تلقوه بنحو أربعمائة أسير من الروم فقعد سليمان وأقربهم منه مجلسًا عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب فقدم بطريقهم فقال‏:‏ يا عبد الله اضرب عنقه‏!‏ فأخذ سيفًا من حرسي فضربه فأبان الرأس وأطن الساعد وبعض الغل ودفع البقية إلى الوجوه يقتلونهم ودفع إلى جرير رجلًا منهم فأعطاه بنو عبس سيفًا جيدًا فضربه فأبان رأسه ودفع إلى الفرزدق أسيرًا فأعطوه سيفًا رديًا لا يقطع فضرب به الأسير ضربات فلم يصنع شيئًا فضحك سليمان والقوم وشمت به بنو عبس أخوال سليمان وألقى السيف وأنشأ يقول‏:‏ فسيف بني عبسٍ وقد ضربوا به نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد كذاك سوف الهند تنبو ظباتها وتقطع أحيانًا مناط القلائد ورقاء هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي ضرب خالد بن جعفر ابن كلاب وخالد قد أكب على أبيه زهير وضربه بالسيف فصرعه فأقبل ورقاء فضرب خالدًا ضربات فلم يصنع شيئًا فقال ورقاء بن زهير رأيت زهيرًا تحت كلكل خالدٍ فأقبلت أسعى كالعجول أبادر فشلت يميني يوم أضرب خالدًا ويمنعه مبني الحديد المظاهر

ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز


في هذه السنة استخلف عمر بن عبد العزيز‏.‏

وسبب ذلك أن سليمان بن عبد الملك لما كان بدابق مرض على ما وصفنا فلما ثقل عهد في كتاب كتبه لبعض بنيه وهو غلام لم يبلغ فقال له رجاء بن حيوة‏:‏ ما تصنع يا أمير المؤمنين إنه مما يحفظ الخليفة في قبره أن يستخلف على الناس الرجل الصالح‏.‏

فقال سليمان‏:‏ أنا أستخير الله وأنظر‏.‏

ولم أعزم فمكث سليمان يومًا أو يومين ثم خرقه ودعا رجاء فقال‏:‏ ما ترى في ولدي دواد قال الرجاء‏:‏ رأيك‏.‏

قال‏:‏ فكيف ترى في عمر بن العزيز قال رجاء‏:‏ فقلت‏:‏ أعلمه والله خيرًا فاضلًا سليمًا‏.‏

قال سليمان‏:‏ هو على ذلك ولئن وليته ولم أول أحدًا سواه لتكونن فتنة ولا يتركونه أبدًا يلي عليهم إلا أن يجعل أحدهم بعده وكان عبد الملك قد عهد إلى الوليد وسليمان أن يجعلا أخاهما يزيد ولي عهد فأمر سليمان أن يجعل يزيد بن عبد الملك بعد عمر وكان يزيد غائبًا في الموسم‏.‏

قال رجاء‏:‏ قلت رأيك‏.‏

فتكب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز إني قد وليتك الخلافة بعدي ومن بعدك يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم‏.‏ وختم الكتاب‏.‏

وأرسل إلى كعب بن جابر العبسي صاحب شرطته فقال‏:‏ ادع أهل بيتي‏.‏ فجمعهم كعب‏.‏

ثم قال سليمان لرجاء بعد اجتماعهم‏:‏ اذهب بكتابي إليهم و أخبرهم بكتابي ومرهم فيبايعوا من وليت فيه‏.‏

ففعل رجاء فقالوا‏:‏ ندخل ونسلم على أمير المؤمنين قال‏:‏ نعم‏.‏

فدخلوا فقال لهم سليمان‏:‏ في هذا الكتاب وهو يشير إلى الكتاب الذي في يد رجاء بن حيوة عهدي فاسمعوا وأطيعوا لمن سيمت فيه‏.‏

فبايعوه رجلًا رجلًا وتفرقوا‏.‏

وقال رجاء‏:‏ فأتاني عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ أخشى أن يكون هذا أسند إلي شيئًا من هذا الأمر فأنشدك الله وحرمتي ومودتي إلا أعلمتني إن كان ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن تأتي حال لا أقدر فيها على ذلك‏.‏

قال رجاء‏:‏ ما أنا بمخيبرك حرفًا قال‏:‏ فذهب عمر عني غضبان‏.‏

قال رجاء‏:‏ ولقيني هشام بن عبد الملك فقال‏:‏ إن لي بك حرمةً وموده قديمة وعندي شكر فأعلمني بهذا الأمر فإن كان إلى غيري تكلمت والله علي أن لا أذكر شيئًا من ذلك أبدًا‏.‏

قال رجاء‏:‏ فأبيت أن أخبره حرفًا فانصرف هشام وهو يضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو يقول‏:‏ فإلى من إذًا نحيت عني أتخرج من بني عبد الملك قال رجاء‏:‏ ودخلت على سليمان فإذا هو يموت فجعلت إذا أخذته سكرة من سكرات الموت حرفته إلى القبلة فيقول حين يفيق‏:‏ لم يأن بعد‏.‏

ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثًا فلما كانت الثالثة قال‏:‏ من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئًا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فحرفته فمات فلما غمضته وسجيته وأغلقت الباب أرسلت إلي زوجته فقالت‏:‏ كيف أصبح فقلت‏:‏ هو نائم قد تغطى‏.‏

ونظر إليه الرسول متغطيًا فرجع فأخبرها فظنت أنه نائم قال‏:‏ فأجلست على الباب من أثق به وأوصيته أن لا يبرح ولا يترك أحدًا يدخل على الخليفة‏.‏

قال‏:‏ فخرجت فأرسلت إلى كعب بن جابر فجمع أهل بيت سليمان فاجتمعوا في مسجد دابق فقلت‏:‏ بايعوا‏.‏

فقالوا قد بايعنا مرة‏.‏

قلت‏:‏ وأخرى هذا عهد أمير المؤمنين‏.‏ فبايعوا الثانية فلما بايعوا بعد موته رأيت أني قد أحكمت الأمر فقلت‏:‏ قوموا إلى صاحبكم فقد مات‏.‏

قالوا‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏!‏ وقرأت الكتاب فلما انتهيت إلى ذكر عمر بن عبد العزيز قال هشام‏:‏ لا نبايعه والله أبدًا‏.‏

قلت‏:‏ أضرب واله عنقك قم فبايع فقام يجر رجليه‏.‏

قال رجاء‏:‏ فأخذت بضبعي عمر بن عبد العزيز فأجلسته على المنبر وهو يسترجع لما وقع فيه وهشام يسترجع لما أخطأه‏.‏ فبايعوه‏.‏

وغسل سليمان وكفن وصلى عليه عمر بن عبد العزيز ودفن‏.‏

فلما دفن أتي عمر بمراكب الخلافة ولكل دابة سائس فقال‏:‏ ماهذا فقيل‏:‏ مراكب الخلافة‏.‏

قال‏:‏ دابتي أوفق لي وركب دابته وصرفت تلك الدواب ثم أقبل سائرًا فقيل له‏:‏ أمنزل الخلافة فقال‏:‏ فيه عيال أبي أيوب يعني سليمان وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا‏.‏فأقام في منزله حتى فرغوه‏.‏

قال رجاء‏:‏ فأعجبني ما صنع في الدواب ومنزل سليمان ثم دعا كاتبًا فأملى عليه كتابًا واحدًا وأمره أن ينسخه ويسيره إلى كل بلد‏.‏

وبلغ عبد العزيز بن الوليد وكان غائبًا عن موت سليمان ولم يعلم ببيعة عمر فعقد لواء ودعا إلى نفسه فبلغه بيعة عمر بعهد سليمان وأقبل حتى دخل عليه فقال له عمر‏:‏ بلغني أنك بايعت من قبلك وأردت دخول دمشق‏!‏ فقال‏:‏ قد كان ذاك وذلك أنه بلغني أن سليمان لم يكن عهد لأحد فخفت على الأموال أن تنهب‏.‏

فقال عمر‏:‏ لو بايعت وقمت بالأمر لم أنازعك فيه ولقعدت في بيتي‏.‏

فقال عبد العزيز‏:‏ ما أحب أنه ولي هذا الأمر غيرك وبايعه وكان يرجى لسليمان بتوليته عمر بن عبد العزيز وترك ولده‏.‏

فلما استقرت البيعة لعمر بن عبد العزيز قال لأمرأته فاطمة بنت عبد الملك‏:‏ أن أردت صحبتي فردي ما معك من مال وحلى وجوهر إلى بيت مال المسلمين فإنه لهم فإني لا أجتمع أنا وأنت وهو في بيت واحد‏.‏ فرددته جميعه‏.‏

فلما توفي عمر وولي أخوها يزيد رده عليها وقال‏:‏ أنا أعلم أن عمر ظلمك‏.‏

قالت‏:‏ كلا والله‏.‏

وامتنعت من أخذه وقالت‏:‏ ما كنت أطيعه حيًا وأعصيه ميتًا‏.‏

فأخذه يزيد وفرقه على أهله‏.‏

ذكر ترك سب أمير المؤمنين علي عليه السلام


كان بنو أمية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فترك ذلك وكتب إلى العمال في الآفاق بتركه‏.‏

وكان سبب محبته عليًا أنه قال‏:‏ كنت بالمدينة أتعلم العلم وكنت ألزم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فبلغه عني شيء من ذلك فأتيته يومًا وهو يصلي فأطال الصلاة فقدت أنتظر فراغه فلما فرغ من صلاته التفت إلي فقال لي‏:‏ متى عملمت أن الله غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم قلت‏:‏ لم أسمع ذلك‏.‏

قال‏:‏ فما الذي بلغني عنك في علي فقلت‏:‏ معذرة إلى الله وإليك‏!‏ وتركت ما كنت عليه وكان أبي إذا خطب فنال من علي رضي الله عنه تلجلج فقلت‏:‏ يا أله إنك تمضي في خطبتك فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرًا قال‏:‏ أوفطنت لذلك قلت‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ يا بني إن الذين حولنا لو يعلمون من علي ما نعلم تفروا عنا إلى أولاده‏.‏

فلما ولي الخلافة لم يكن عنده من الرغبة في الدينا ما يرتكب هذا الأمر العظيم لأجلها فترك ذلك وكتب بتركه وقرأ عوضه‏:‏ ‏{‏إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 90‏]‏‏.‏ الآية فحل هذا الفعل عند الناس محلا حسنًا وأكثروا مدحه بسببه فمن ذلك قوله كثير عزة‏:‏ وليت فلم تشتم عليًا ولن تخف بريًا ولم تتبع مقالة مجرم تكلمت بالحق المبين وإنما تبين آيات الهدى بالتكلم وصدقت معروف الذي قلت بالذي فعلت فأضحى راضيًا كل مسلم ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه من الأود البادي ثقاف المقوم فقال عمر حين أنشده هذا الشعر‏:‏ أفلحنا إذًا‏.‏

وفي هذه السنة وجه عمر بن عبد العزيز إلى مسلمة وهو بأرض الروم يأمره بالقفول منها بمن معه من المسلمين ووجه له خيلًا عتاقًا وطعامًا كثيرًا وحث الناس على معونتهم‏.‏

وفيها أغارت الترك على أذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة فوجه عمر حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الترك ولم يفلت منهم إلا اليسير وقدم على عمر منهم بخمسن أسيرًا‏.‏

وفيها عزل يزيد بن المهلب عن العراق ووجه إلى البصرة عدي بن أرطاة الفزاري وعلى الكوفة عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زبد بن الخطاب العدوي القرشي وضم إليه أبا الزناد وكان كاتبه وبعث عدي في أثر يزيد بن المهلب موسى بن الوجيه الحميري‏.‏

وحج بالناس هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حازم وكان عامل عمر على المدينة‏.‏

وكان العامل على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد‏.‏

وعلى الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن وعلى القضاء بها عامر الشعبي‏.‏

وكان على البصرة عدي بن أرطاة وعلى القضاء الحسن بن فعزله عدي واستقضى أياسًا‏.‏

واستعمل عمر بن عبد العزيز على خراسان الجراح بن عبد الله الحمي‏.‏

في هذه السنة مات نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بالمدينة‏.‏

ومود ابن الربيع ولد على عهد رسول الله مطلوب وأبو ظبيان بن حصين بن جندب الجنبي والد قابوس ظبيان بالظاء المعجمة‏.‏

وفيها توفي أو هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب من سم سقيه عند عوده من الشام وضع عليه سليمان بن عبد الملك من سقاه فلما أحس بذلك عاد إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وهو بالحميمة فعرفه حاله وأعلمه أن الخلافة صائرة إلى ولده وأعلمه أن الخلافة صائرة إلى ولده وأعلمه كيف يصنع ثم مات عنده‏.‏

وفي أيام سليمان توفي عبيد الله بن شريح المغني المشهول‏.‏

وعبد الرحمن بن كعب بن مالك أبو الخطاب‏.‏

ثم دخلت سنة مائة

ذكر خروج شوذب الخارجي

في هذه السنة خرج شوذب واسمه بسطام من بني يشكر في جوخى وكان في ثمانين رجلًا فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد عاملة بالكوفة أن لا يحركهم حتى سفكوا دماء وفسدوا في الأرض فإن فعلوا وجه إليهم رجلًا صليبًا حازمًا في جند‏.‏

فبعث عبد الحميد محمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين وأمره بما كتب به عمر وكتب عمر إلى بسطام يسأله عن مخرجه فقدم كتاب عمر عليه وقد وقدم عليه محمد بن جرير فقام بإزائه لا يترحك‏.‏

فكان في كتاب عمر‏:‏ بلغني أنك خرجت غضبًا لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني فهلم إلي أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس وإن كان في يدك نظرنا في أمرك‏.‏

فكتب بسطام إلى عمر‏:‏ قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرنك‏.‏

وأرسل إلى عمر مولى لبني شيبان حبشيًا اسمه عاصم ورجلًا من بني يشكر فقدما على عمر بخناصرة فدخلا إليه فقال لهما‏:‏ ما أخرجكما هذا المخرج وما الذي نقمتم فقال عاصم‏:‏ ما نقمنا سيرتك إنك لتتحرى العدل والإحسان فاخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضًا من الناس ومشورة أم ابتززتم أمرهم فقال عمر‏:‏ ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم عليها وعهد إلي رجل كان قبلي فقمت ولم ينكره على أحد ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصف من كان من الناس فاتركوني ذلك الرجل فإن خالفت الحق ورغبت عنه فلا طاعة لي عليكم‏.‏

قالا‏:‏ بيننا وبينك أمر واحد قال‏:‏ ما هو‏.‏

قالا‏:‏ رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم فإن كنت على هدىً وهم على الضلالة فالعنهم وأبرأ منهم‏.‏

فقال عمر‏:‏ قد علمت أنكم لم تخرجوا طلبًا للدنيا ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم طريقها وإن الله عز وجل لم يبعث رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعانًا وقال إبراهيم ‏{‏فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 36‏]‏‏.‏

وقال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 90‏]‏‏.‏

وقد سميت أعمالهم ظلمًا وكفى بذلك ذمًا ونقصًا وليس لعن أهل الذنوب فريضة لا بد منها فإن قلتم إنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون قال‏:‏ ما أذكر متى لعنته‏.‏

قال‏:‏ أفيسعك أن لا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق وشرهم ولا يسعني أن لا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون‏!‏ قال‏:‏ أما هم كفار بظلمهم قال‏:‏ لا لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا الناس إلى الإيمان فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه فإن أحدث حدثًا أقيم عليه الحد‏.‏

فقال الخارجي‏:‏ إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل من عنده‏.‏

قال عمر‏:‏ فليس أحد منهم يقول لا أعمل بسنة رسول الله ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه محرم عليهم ولكن غلب عليهم الشقاء‏.‏

قال عاصم‏:‏ فابرأ مما خالف عملك ورد أحكامهم‏.‏

قال عمر‏:‏ أخبراني عن أبي بكر وعمر أليسا على حق قالا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ أتعلمان أن أبا بكر حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم وسبى الذراري وأخذ الأموال قالا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ أتعلمان أن عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية قالا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فهل برئ عمر من أبي بكر قالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفتراون أنتم من واحد منهما قالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فأخبراني عن أهل النهروان وهم أسلافكم هل تعلمان أن أهل الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دمًا ولم يأخذوا مالًا وأن من خرج إليهم من أهل البصرة قتلوا عبد الله بن خباب وجاريته وهي حامل قالا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فهل برئ من لم يقتل ممن قتل واستعرض قالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفتبرأون أنتم من أحد من الطائفتين قالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفيسعكم أن تتلوا أبابكر وعمر وأهل البصرة وأهل الكوفة وقد علمتم اختلاف أهمالهم ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد‏!‏ فاتقوا الله‏!‏ فإنكم جهال تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتردون عليهم ما قبل ويأمن عندكم من خاف عنده ويخاف عندكم من أمن عنده فإنكم يخاف عندكم من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وكان من فعل ذلك عند رسول الله آمنا وحقن دمه وماله وأنتم تقتلونه ويامن عندكم سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم وأموالهم‏.‏

قال اليشكري‏:‏ أرأيت رجلًا ولي قومًا وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون أتراه أدى الحق الذي يلزمه لله عز وجل أو تراه قد سلم قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق قال‏:‏ إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي‏.‏

قال‏:‏ أفترى ذلك من صنع من ولاه حقًا فبكى عرم وقال‏:‏ أنظراني ثلاثًا‏.‏

فخرجا من عنده ثم عاد إليه فقال عاصم‏:‏ أشهد أنك على حق‏.‏

فقال عمر لليسكري‏:‏ ما تقول أنت قال‏:‏ ما أحسن ما وصفت ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر أعرض عليهم ما قلت وأعلم ما حجتهم‏.‏

فأما عاصم فأقام عند عمر فأمر له عمر بالعطاء فتوفي بعد خمسة عشر يومًا‏.‏

فكان عم بن عبد العزيز يقول‏:‏ أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه فأستغفر الله‏.‏

فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد ولاية العهد فوضعوا على عمر من سقاه سمًا فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثًا حتى مرض ومات ومحمد بن جرير مقابل الخوارج لا يتعرض إليهم ولا يتعرضون إليه كل منهم ينتظر عود الرسل من عند عمر بن عبد العزيز فتوفي والأمر على ذلك‏.‏

ذكر القبض على يزيد بن المهلب واستعمال الجراح على خراسان

قيل‏:‏ وفي هذه السنة كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة يأمره بإنفاذ يزيد بن المهلب إليه موثقًا وكان عمر قد كتب إليه أن يستخلف على عمله ويقبل إليه فاستخلف مخلدًا ابنه وقدم من خراسان ونزل واسطًا ثم ركب السفن يريد البصرة فبعث عدي بن أرطاة موسى بن الوجيه الحميري فلحقه في نهر معقل عند الجسر فأوثقه وبعث به إلى عمر بن عبد العزيز فدعا به عمر وكان يبغض يزيد وأهل بيته ويقول‏:‏ هؤلاء جبابرة ولا أحب مثلهم‏.‏

وكان يزيد ببغض عمر ويقول‏:‏ إنه مراءٍ لما ولي عمر عرف يزيد أنه بعيد من الرياء وملا دعا عمر يزيد سأله عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان فقال‏:‏ كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت وإنما كتبت إلى سليمان لأسمع الناس به وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني به‏.‏فقال له‏:‏ لا أجد في أمرك إلا حبسك فاتق الله وأد ما قبلك فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها‏.‏

وحبسه بحصن حلب وبعث الجراح بن عبد الله الحكمي فسرحه إلى خراسان أميرًا عليها وأقبل مخلد بن يزيد من خراسان يعطي الناس ففرق أموالًا عظيمة ثم قدم على عمر فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الله صنع لهذه الأمة بولايتك وقد ابتلينا بك فلا نكن نحن أشقى الناس بولايتك علام تحبس هذا السيخ أنا أتحمل ما عليه فصالحنني على ما تسأل‏.‏

فقال عمر فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الله صنع لهذه الأمة بولايتك وقد ابتلينا بك فلا نكن نحن أشقى الناس بولايتك علام تحبس هذا الشيخ أنا أتحمل ما عليه فصالحني على ما تسأل‏.‏

فقال عمر‏:‏ لا ألا أن يحمل الجميع‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن كانت لك بينة فخذ بها وإلا فصدق مقالة يزيد واستحلفه فإن لم يفعل فصالحه‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما آخذه إلا بجميع المال‏.‏

فخرج مخلد من عنده فقال عمر‏:‏ هذا خير من أبيه‏.‏

ثم لم يلبث مخلد إلا قليلًا حتى مات فصلى عليه عمر بن عبد العزيزي فقال‏:‏ اليوم مات فتى العرب وأنشد‏:‏ بكوا حذيفة لم يبكوا مثله حتى تبيد خلائق لم تخلق فلما أبى يزيد أن يؤدي إلى عمر شيئًا ألبسه جبة صوف وحمله على جمل وقال‏:‏ سيروا به إلى دهلك‏.‏

فلما خرج ومروا به على الناس أخذ يقول‏:‏ أما لي عشيرة إنما يذهب إلى دهلك الفاسق واللص‏.‏

فدخل سلامة بن نعيم الخولاني على عمر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين اردد يزيد إلى محبسه فإني أخاف إن أمضيته أن ينزعه قومه فإنهم قد عصبوا له‏.‏

فرده إلى محبسه فبقى فيه حتى بلغه مرض عمر‏.‏

ذكر عزل الجراح واستعمال عبد الرحمن بن نعيم القشيري

وعبد الرحمن بن عبد الله وقيل‏:‏ في هذه السنة عزل عمر الجراح بن عبد الله الحكمي عن خراسان واستعمل عليها عبد الرحمن بن نعيم القشيري وكان عزل الجراح في رمضان‏.‏

وكان سبب ذلك أن يزيد لما عزل عن خراسان أرسل عامل العاق عاملًا على جرجان فأخذ جهم بن زحر الجعفي وكان على جرجان عاملًا ليزيد بن المهلب فحبسه وقيده وحبس رهطًا قدموا معه ثم خرج إلى الجراح بخراسان فأطلق أهل جرجان عاملهم وقال الجراح لجهم‏:‏ لولا أنك ابن عمي لم أوسغك هذا فقال جهم‏:‏ لولا أنك ابن عمي لم آتك‏.‏

وكان جهم سلف الجراح من قبل ابنتي الحصين بن الحارث وأما كونه ابن عمه فلأن الحكم والجعفي ابنا سعد القشيري‏.‏

فقال له الجراح‏:‏ خالفت إمامك فاغز لعلك تظفر فيصلح أمرك عنده‏.‏

فوجهه إلى الختل فغنم منهم ورجع وأوفد الجراح إلى عمر وفدًا رجلين من العرب ورجلًا من الموالي يكنى أبا الصيد فتكلم العربيان والمولى ساكت فقال عمر‏:‏ ما أنت من الوفد قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فما يمنعك من الكلام فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين عشرون ألفًا من الموالي يغزون بلا عطاء ولا رزق ومثلهم قد اسلموا من الذمة يؤخذون بالخراج فأميرنا عصبي جافٍ يقوم على منبرنا فيقول‏:‏ أتيتكم حفيًا وأنا اليوم عصبي والله لرجل من قومي أحب إلي من مائة من غيرهم‏.‏

وهو بعد سيف من سيوف الحجاج قد عمل بالظلم والعدوان‏.‏

قال عمر‏:‏ إذن بمثلك يوفد‏.‏

فكتب عمر إلى الجراح‏:‏ انظر من صلى قبلك إلى القبلة فضع عنه الجزية‏.‏

فسارع الناس إلى الإسلام فقيل للجراح‏:‏ إن الناس قد سارعوا إلى الإسلام نفورًا من الجزية فامتحنهم بالحنان‏.‏

فكتب الجراح بذلك إلى عمر فكتب عمر إليه‏:‏ إن الله بعث محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ داعيًا ولم يبعثه خاتنًا وقال‏:‏ إيتوني رجلًا صدوقًا أسأله عن خراسان‏.‏فقيل له‏:‏ عليك بأبي مجلز‏.‏

فكتب إلى الجراح‏:‏ أن أقبل واحمل أبا مجلز وخلف على حرب خراسان عبد الرحمن بن نعيم العامري‏.‏

فخطب الجراح وقال‏:‏ يا أهل خراسان جئتكم في ثيابي هذه التي علي وعلى فرسي لم أصب من مالكم إلا حلية سيفي‏.‏

ولم يكن عنده إلا فرس وبغلة‏.‏

فسار عنهم فلما قدم على عمر قال‏:‏ متى خرجت قال‏:‏ في شهر رمضان‏.‏

قال‏:‏ صدق من وصفك بالجفاء هلا أقمت حتى تفطر ثم تخرج‏!‏ وكان الجراح كتب إلى عمر‏:‏ إني قدمت خراسان فوجدت قومًا قد أبطرتهم الفتنة فأحب الأمور إليهم أن يعودوا ليمنعوا حق الله عليهم فليس يكفهم إلا السيف والسوط فكرهت الإقدام على ذلك إلا بإذنك‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ يا ابن أم الجراح أنت أحرص على الفتنة منهم لا تضربن مؤمنًا ولا معاهدًا سوطًا إلا في الحق واحذر القصاص فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وتقرأ كتابًا‏:‏ ‏{‏لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 49‏]‏ ‏.‏

فلما قدم الجراح على عمر وقدم أبو مجلز قال له عمر‏:‏ أخبرني عن عبد الرحمن بن عبد الله قال‏:‏ يكافي الأكفاء ويعادي الأعداء وهو أمير يفعل ما يشاء ويقدم إن وجد من يساعده‏.‏

قال‏:‏ فعبد الرحمن بن نعيم قال‏:‏ يحب العافية والتأني وهو أحب إلي‏.‏

فولاه الصلاة والحرب وولى عبد الرحمن القشيري الخراج وكتب إلى أهل خراسان‏:‏ إني استعملت عبد الرحمن على حربكم وعبد الرحمن بن عبد الله على خراجكم وكتب إليهما يأمرهما بالمعروف والإحسان‏.‏

فلم يزل عبد الرحمن بن نعيم على خراسان حتى مات عمر وبعد ذلك حتى قتل يزيد بن المهلب ووجه مسلمة بن عبد العزيز الحارث بن الحكم فكانت ولايته أكثر من سنة ونصف ذكر ابتداء الدعوة العباسية في هذه السنة وجه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الدعاة في الآفاق‏.‏

وكان سبب ذلك أم محمدًا كان ينزل أرض الشراة من أعمال البلقاء بالشام فسار أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية إلى الشام إلى سليمان بن عبد الملك فاجتمع به محمد بن علي فأحسن صحبته واجتمع أو هاشم بسليمان وأكرمه وقضى حوائجه ورأى من علمه وفصاحته ما حسده عليه وخافه فوضع عليه من وقف على طريقه فسمه في لبن‏.‏

فلما مات أو هاشم قصدوا محمدًا وبايعوه وعادوا فدعوا الناس إليه فأجابوهم وكان الذين سيرهم إلى الآفاق جماعةً فوجه ميسرة إلى العراق ووجه محمد بن خنيس وأبا عكرمة السراج وهو أبو محمد الصادق وحيان العطار خال إبراهيم بن سلمة إلى خراسان وعليها الجراح الحكمي وأمرهم بالدجعاء إليه وإلى أهل بيته‏.‏ فلقوا من لقوا‏.‏

ثم انصرفوا بكتب من استجاب لهم إلى محمد بن علي فدفعوها إلى ميسرة فبعث بها ميسرة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فاختار أبو محمد الصادق لمحمد بن علي ا ثني عشر رجلًا نقباء منهم‏:‏ سليمان بن كثير الخزاعي ولاهز بن قريظ التميمي وقحطبة بن شبيب الطائي وموسى بن كعب التميمي وخالد بن إبراهيم أبو داود من بني شيبان بن ذهل والقاسم بن مجاشع التميم وعمران بن إسماعيل أبو النجم مولى آل أبي معيط ومالك بن الهيثم الخزاعي وطلحة بن زريق الخزاعي وعمر بن أعين أبو حمزة مولى خزاعة وشبل بن طهمان أبو علي الهروي مولى لبني حنيفة وعيسى بن أعين مولى خزاعة واختار سبعين رجلًا وكتب إليهم محمد بن علي كتابًا ليكون لهم مثالًا وسيرة يسرون بها‏.‏

الحميمة بضم الحاء المهملة‏.‏

والشراة بالشين المعجمة‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أمر عمر بن عبد العزيز أهل طرندة بالقفول عنها إلى ملطية وطرندة وأغلة في البلاد الرومية من ملطية بثلاث مراحل وكان عبد الله ابن عبد الملك قد أسكنها المسلمين بعد أن غزاها سنة ثلاث وثمانين وملطية يومئذ خراب وكان يأتيهم جند من الجزيرة يقيمون عندهم إلى أن ينزل الثلج ويعودون إلى بلادهم فلم يزالوا كذلك إلى أن ولي عمر فأمرهم بالعود إلى ملطية وأخلى طرندة خوفًا على المسلمين من العدو وأخرب طرندة واستعمل على ملطية جعونة بن الحارث أحد بني عامر بن صعصعة

وفيها كتب عمر بن عبد العزيز إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم بلادهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وقد كانت سيرته بلغتهم فأسلم جيشه بن ذاهر والملوك تسموا له بأسماء العب وكان عمر قد استعمل على ذلك الثغر عمرو بن مسلم أخا قتيبة بن مسلم فعزا بعض الهند فظفر وبقي ملوك السن مسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد ابن عبد الملك فلما كان أيام هشام ارتدوا عن الإسلام وكان سببه ما نذكره إن شاء الله تعالى وفيها أغزى عمر بن عبد العزيز الوليد بن هشام المعيطي وعمرو بن قيس الكندي الصائفة وفيها استعمل عمر بن عبد العزيز عمر بن هبيرة الفزاري على الجزيرة عاملًا عليها وحج بالناس هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو وكان العمال من تقدم ذكرهم إلا عامل خراسان

وكان على حربها عبد الرحمن ابن نعيم وعلى خراجها عبد الرحمن بن عبد الله وفيها استعمل عمر بن عبد العزيز إسماعيل بن عبد الله مولى بني مخزوم على إفريقية واستعمل السمح بن مالك الخولاني على الأندلس وكان قد رأى منه أمانةً وديانةً عند الوليد بن عبد الملك فاستعمله في هذه السنة مات أبوالطفيل عامر بن واثلة بمكة وهو آخر من مات من الصحابة

وفيها مات شهر بن حوشب وقيل سنة اثنتي عشرة ومائة وفيها توفي القاسم بن مخيمرة الهمداني وفيها توفي مسلم بن يسار الفقيه وقيل‏:‏ سنة إحدى ومائة وفيها توف أبو أمام أسعد بن سهل بن حنيف وكان ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسماه وكناه بجده لأمه أبي أمام أسعد بن زراه كان قد مات قبل بدر وفيها توفي بسر بن سعد مولى الحضرميين ‏"‏ لسر بضم الباء الموحدة وبالسين المهملة وعيسى بن طلح بن عبد الله التيمي

ومحمد بن جبير بن مطعم وربيعي بن حراس الكوفي جراش بكسر الحاء المهلمة وبالراء المهملة وقيل سنة أربع ومائة وحنش بن عبد الله الصنعاني كان من أصحاب علي فلما قتل انتقل إلى مصر وهو أول من اختط جامع سرقسطة بالأندلس حنش بالحاء المهملة والنون المفتوحتين والشين المعجمة

ثم دخلت سنة إحدى ومائة

قد ذكرنا حبس يزيد بن المهلب فلم يزل محبوسًا حتى اشتد مرض عمر بن العزيز فعمل في الهرب فخاف يزيد بن عبد الملك لأنه قد عذب أصهاره آل أبي عقيل وكانت أم الحجاج بنت محمد بن يوسف وهي ابنة أخي الحجاج زوجة يزيد بن عبد الملك وكان سبب تعذيبهم أن سليمان بن عبد الملك لما ولي الخلافة طلب آل أبي عقيل فأخذهم وسلمهم إلى يزيد بن المهلب ليخلص أموالهم فعذبهم وبعث ابن المهلب إلى البلقاء من أعمال دمشق وبها خزائن الحجاج بن يوسف وعياله فنقلهم وما معهم إليه وكان فيمن أتي به أم الحجاج زوجة يزيد ابن عبد الملك وقيل‏:‏ بل أخت لها فعذبها فأتى يزيد عبد الملك إلى ابن المهلب في منزله فشفع فيها فلم يشفعه فقال‏:‏ الذي قررتم عليها أنا أحمله فلم يقبل منه فقال لابن المهلب‏:‏ أما والله لئن وليت من الأمر شيئًا لأقطعن منك عضوا‏!‏ فقال ابن المهلب‏:‏ وأنا والله لئن كان ذلك لأرمينك بمائة ألف سيف فحمل يزيد بن عبد الملك ما كان عليها وكان مائة ألف دينار وقيل أكثر من ذلك فلما اشتد مرض عمر بن عبد العزيز خاف ابن المهلب من يزيد بن عبد الملك فأرسل إلى مواليه فأعدوا له إبلًا وخيلًا وواعدهم مكانًا يأتيهم فيه فأرسل إلى عامل حلب مالًا وإلى الحرس الذين يحفظونه وقال‏:‏ إن أمير المؤمنين قد ثقل وليس برجاء وإن ولي يزيد يسفك دمي فأخبره فهرب إلى المكان الذي أعد أصحابه فيه فركب الدواب وقصد البصرة وكتب إلى عمر بن عبد العزيز كتابًا يقول‏:‏ إني لو وثقت بحياتك لم أخرج من محبسك ولكني خفت أن يلي يزيد فيقتلني شر قتلة فورد كتاب وبه رمق فقال‏:‏ الهم إن كان يري بالمسلمين سوءًا فألحقه به وهضه فقد هاضني

ومر يزيد في طريقه بالهذيل بن زفر بن الحارث وكان يخافه فلم يشعر الهذيل إلا وقد دخل يزيد منزله ودعا بلبن فشربه فاستحيا منه الهذيل وعرض عليه خيله وغيرها فلم يأخذ منه شيئًا وقيل في سبب خوف ابن المهلب من يزيد بن عبد الملك ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى

ذكر وفاة عمر بن عبد العزيز

قيل‏:‏ توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى ومائة وكانت شكواه عشرين يومًا ولما مرض قيل له‏:‏ لو تداويت قال‏:‏ لو كان دوائي في مسح أذني ما مسحتها نعم المذهوب إليه ربي وكان موته بدير سمعان وقيل‏:‏ بخناصرة ودفن بدير سمعان وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وكان عمره تسعًا وثلاثين سنة وأشهرًا وقيل‏:‏ كان عمره أربعين سنة وأشهرًا وكانت كنيته أباحفص وكان يقال له أشبح بني أمية وكان قد رمحته دابة من دواب أبيه فشجته وهو غلام فدخل على أمه فضمته إليها وعذلت ألاه ولامته حيث لم يجعل معه حاضنًا فقال لها عبد العزيز‏:‏ اسكتي يا أم عاصم فطوباك إن كان أشبح بني أمية قال ميمون بن مهران‏:‏ قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ لما وضعت الوليد في حفرته تظرت فإذا وجهه أسود فإذا مت ودفنت فاكشف عن وجهي ففعلت فرأيته أحسن مما كان أيام تنعمه وقيل‏:‏ كان ابن عمر يقول‏:‏ ياليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلًا وكانت أمر عمر بن عبد العزيز أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وعو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ورثاه الشعراء فأكثروا فقال كثير عزة‏:‏ أقول لما أتاني ثم مهلكه لا تبعدن قوام الحق والدين قد غادروا في ضريح اللحد منجدلًا بدير سمعان قسطاس الموازين ورثاه جرير والفرزدق وغيرهما قبل‏:‏ لما ولي الخلافة كتب إلى يزيد بن المهلب‏:‏ أما بعد فإن سليمان كان عبدًا من عابد الله أنعم الله عليه عليه ثم قبضه واستخلفني ويزيد بن عبد الملك من بعدي إن كان وإن الذي ولاني الله من ذلك من ذلك وقدر لي ليس علي بهين ولو كانت رغبتي في اخاذ أزواج أو اعتقاد أموال لكان في الذي أعطاني من ذلك ما قد بلغ بن أفضل ما بلغ بأحد من خلافة وأنا أخاف فيما ابتليت به حسابًا شديدًا ومسألة غليظة إلا ما عفا الله ورحم وقد بايع من قبلنا فبايع من قبلك

فلما قرأ الكتاب قيل له‏:‏ لست من عماله لأن كلامه ليس ككلام من مضى من أهله فدعا يزيد الناس إلى البيعة فبايعوا قال مقاتل بن حيان‏:‏ كتب عمر إلى عبد الرحمن بن نعيم‏:‏ أما بعد فاعمل عمل من يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين قال طفيل بن مرداس‏:‏ كتب عمر إلى سليمان بن أبي السري‏:‏ ان اعمل خانات فمن مر بك من المسلمين فاقروه يومًا وليلة وعهدوا دوابهم ومن كانت به علة فاقروه يويمين وليلتين وإن كان منقطعًا به فأبلغه بلده

فما أتاه كتاب عمر قال له أهل سمرقند‏:‏ قتيبة ظلمنا وغدر بنا فأخذ بلادنا وقد أظهر الله العدل والإنصاف فأذن لنا فليقدم منا وفد على أمير المؤمنين

فأذن لهم فوجهوا وفدًا إلى عمر فكتب لهم إلى سليمان‏:‏ إن أهل سمرقند شكروا ظلمًا وتحاملًا من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم فإن قضى لهم فأخرج العرب إلى معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة قال‏:‏ فأجلس لهم سليمان جميع بن حاضر القاضي فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء فيكون صلحاُ جديدًا أو ظفرًا عنوةً فقال أهل الصغد‏:‏ بلى نرضى بما كان ولا نحدث حربًا وتراضوا بذلك قال دواد بن سليمان الحميد‏:‏ كتب عمر إلى عبد الحميد‏:‏ أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله وسنة خبيثة سنها عليهم عمال السوء وإن قوام الدين العدل والإحسان فلا يكونن شيء أهم إليك من نفسك فإنه لا قليل من الإثم ولا تحمل خرابًا على عامر ولا عامرًا على خراب انظر الخراب وخذ من ما أطاق وأصلحه حتى يعمر ولا يؤخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض ولا تأخذن أجور الضرابين ولا هدية النوروز والمهرجان ولا ثمن الصحف ولا أجور الفتوح ولا أجور البيوت ولا درهم النكاح ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض فاتبع في ذلك أمري فإني قد وليتك من ذلك ما ولأني الله ولا تعجل دورني بقطع ولا صلب حتى تراجعني فيه وانظر من أراد من الذرية أن يحج قال عثمان بن عبد الحميد‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ قالت فاطمة بنت عبد الملك رحمها الله امرأة عمر‏:‏ لما مرض عمر اشتد قلقه ليلة فسهرنا معه فلما أصبحنا أمرت وصيفًا له يقال له مرثد ليكون عنده فإن كانت له حاجة كنت قريبًا منه ثم نمنا فلما انتفخ النهار استيقظت فتوجهت إليه فرأيت مرثدًا خارجًا من البيت نائمًا فقلت له‏:‏ ما أخرجك قال‏:‏ هو أخرجني وقال لي‏:‏ إني أرى شيئًا ما هو بإنس ولا جن فخرجت فسمعته يتلو‏:‏ ‏{‏تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 83‏]‏ قالت‏:‏ فدخلت فوجدته بعدما دخلت قد وجه نفسه للقبلة وهو ميت قال مسلمة بن عبد الملك‏:‏ دخلت على عمر أعوده فإذا عليه قميص وسخ فقلت لا مرأته فاطمة وكانت أخت مسلمة‏:‏ اغسلوا ثياب أمير المسلمين فقالت‏:‏ نفعل ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت‏:‏ ألم آمركم أن تغسلوا قميصه فقالت‏:‏ والله ما له غيره قيل‏:‏ وكانت نفقته كل يوم درهمين قيل‏:‏ وكان عبد العزيز قد بعث ابنه إلى المدينة ليتأدب بها فكتب إلى صالح بن كيسان أن يتعاهده فأبطأ عمر يومًا عن الصلاة فقال‏:‏ ما حبسك فقال‏:‏ كانت مرجلتي تصلح شعري فكتب إلى أبيه بذلك فأرسل أبوه رسولًا فلم يزل حتى حلق شعره وقال محمد بن علي الباقر‏:‏ إن لكل قوم نجبيبه وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز وإنه يبعث يوم القيامة أمه وحده وقال مجاهد‏:‏ أتينا عمر نعلمه فلم نبرح حتى تعلمنا منه وقال ميمون‏:‏ كانت العلماء عند عمر تلامذه وقيل لعمر‏:‏ ما كان بدء إنابتك قال‏:‏ أردت ضرب غلام لي فقال‏:‏ اذكر ليلةً صبيحتها يوم القيامة وقال عمر‏:‏ ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله وقال رياح بن عبيدة‏:‏ خرج عمر بن عبد العزيز وشيخ متوكئ على يده فلما فرغ ودخل قلت‏:‏ أصلح الله الأمير من الشيخ الذي كان متوكئًا على يدك قال‏:‏ أرأيته قلت نعم قال‏:‏ ذاك أخي الخضر أعلمني أني سألي أمر هذه الأمة وأني سأعدل فيها

قال‏:‏ وأتاه أصحاب مراكب الخلافة يطلبون علفها فأمر بها فبيعت وجعل أثمانها في بيت المال وقال‏:‏ تكفيني بغلتي هذه فقال‏:‏ ولما رجع من جنازة سليمان بن عبد الملك رآه مولى له مغتمًا فسأله فقال‏:‏ ليس أحد من أمة محمد في شرق الأرض ولا غربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه من غير طلب منه قال‏:‏ ولما ولي الخلافة قال لأمرأته وجواريه إنه قد شغل بما في عنقه عن النساء وخيرهن بين أن يقمن عنده أو يفارقنه فبكين واخترن المقام معه قال‏:‏ ولما ولي عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وكانت أول خطبة خطبها ثم قال‏:‏ أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا‏:‏ يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها ويعيننا على الخير بجهده ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه ولا يغتابن أحدًا ولا يعترض في ما لا يعنيه فانقشع الشعراء والخطباء وثبت عنده الفقهاء والزهاد وقالوا‏:‏ ما يسعنا أن نفارق هذا الرجل حتى يخالف قوله فعله قال‏:‏ فلما ولي الخلافة أحضر قريشًا ووجوه الناس فقال له‏:‏ إن فدك كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يضعها حيث أراه الله ثم وليها أبو بكر كذلك ثم أقطعها مروان ثم إنها صارت إلي ولم تكن من مالي أعود منها علي وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فانقطعت ظهور الناس ويئسوا من الظلم قال‏:‏ وقال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم‏:‏ إن أهلي أقطعوني ما لم يكن إلي أن آخذه ول لهم أن يعطونيه وإني قد هممت بردة على أربابه قال‏:‏ فكيف نصنع بولدك فجرت دموعه وقال‏:‏ أكلهم إلى الله قال‏:‏ وجد لولده ما يجد الناس فخرج مزاحم حتى دخل على عبد الملك بن عمر فقال ل‏:‏ إن أمير المؤمنين قد عزوم على كذا وكذا وهذا أمر يضركم وقد نهيته عنه فقال عبد الملك‏:‏ بئس وزير الخليفة أنت‏!‏ ثم قام فدخل على أبيه وقال له‏:‏ إن مزاحمًا أخبرني

بكذا وكذا فما رأيك قال‏:‏ إني أريد أن أقوم به العشية

قال‏:‏ عجله فما يؤمنك أن يحدث لك حدث أو يحدث بقلبك حدث فرفع عمر يديه وقال‏:‏ الحمد الله الذي جعل من ذريتي من يعينني على ديني‏!‏ ثم قام به من ساعته في الناس وردها قال‏:‏ لما ولي عمر الخلافة أخذ من أهله ما بأيديهم وسمى ذلك مظالم ففزع بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان فأتته فقالت له‏:‏ تكلم أنت يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً ولم يبعثه عذابًا إلى الناس كافة ثم اختار له ما عنده وترك للناس نهرًا شربهم سواء ثم ولي أبو بكر فترك النهر على حاله ثم ولي عمر فعمل عملهما ثم لم يزل النهر يستقي منه يزيد ومروان وعبد الملك ابنه والوليد وسليمان ابنا عبد الملك حتى أفض الأمر إلي وقد يبس النهر الأعظم فلم يرو أصحابه حتى يعود إلى ما كان عليه فقالت‏:‏ حسبك قد أردت كلامك فأما إذا كانت مقالتك هذه فلا أذكر شيئًا أبدًا فرجعت إليهم فأخبرتهن كلامه وقد قيل‏:‏ إنها قالت له‏:‏ إن بني أمية يقولون كذا وكذا فلما قال لها هذا الكلام قالت له‏:‏ إنهم يحذرونك يومًا من أيامهم فغضب وقال‏:‏ كل يوم أخافه غير يوم القيامة فلا أمنت شره فرجعت إليهم فأخبرتهم وقالت‏:‏ أنتم فعلتم هذا بأنفسكم تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده فسكتوا قال‏:‏ وقال سفيان الثوري‏:‏ الخلفاء خمسة‏:‏ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وما كان سواهم فهم منتزون قال‏:‏ وقال الشافعي مثله قال‏:‏ وكان يكتب إلى عماله بثلاث فهي تدور بينهم‏:‏ بإحياء سنة أو إطفاء بدعة أو قسم في مسكنة أورد مظلمة قال‏:‏ وكانت فاطمة بنت الحسين بن علي تثني عليه وتقول‏:‏ لو كان بقي لنا مر بن عبد العزيز ما احتجنا بعهده إلى أحد

قالت فاطمة امرأته‏:‏ دخلت عليه وهو في مصلاة ودموعه تجري على لحيته فقلت‏:‏ أحدث شيء فقال‏:‏ إني تقلدت أمر أمة محمد فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والغازي والمظلوم المقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذي العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله فخشيت أن لا تثبت حجتي عند الخصومة فرحمت نفسي فبكيت قيل‏:‏ ولما مرض ابنه عبد الملك مرض موته وكان من أشد أعوانه على العدل دخل عليه عمر فقال له‏:‏ يا بني كيف تجدك قال‏:‏ أجدني في الحق قال‏:‏ يا بني أن تكون ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك

فقال ابنه‏:‏ يا أبتاه لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب

قيل‏:‏ وقالعبد الملك لأبيه عمر‏:‏ يا أمير المؤمنين ما تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقًا لم تحيه وباطلًا لم تمته فقال‏:‏ يا بني إن أباك وأجدادك قد دعوا الناس عن الحق فانتهت الأمور إلي وقد أقبل شرها وأدبر خيرها ولكن أيس حسنًا ألا تطلع الشمس على في يوم إلا أحييت فيه حقًا وأمت فيه باطلًا حتى يأتيني الموت فأنا على ذلك وقال له أيضًا‏:‏ يا أمير المؤمنين انقد لأمر الله وإن جاشت بي وبك القدور فقال‏:‏ يا بني إن بادهت الناس بما تقول أحوجوني إلى السيف ولا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف فكرر ذلك

قيل‏:‏ كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله نسخة واحدة‏:‏ أما بعد فإن الله عز وجل أكرم بالإسلام أهله وشرفهم وأعزهم وضرب الذلة والصغار على من خالفهم وجعلهم خير أمة أخرجت للناس فلا تولين أمور المسلمين أحدًا من أهل ذمتهم وخراجهم فتتبسط عليهم أيديهم وألسنتهم فتذلهم بعد أن أعزهم الله وتهينهم بعد أن أكرمهم الله تعالى وتعرضهم لكيدهم والاستطالة عليهم ومع هذا فلا يؤمن غشهم إياهم فإن الله عز وجل يقول‏:‏ ‏{‏لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالًا ودوا ما عنتم‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 118‏]‏ ‏{‏لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 51‏]‏ والسلام

فهذا القدر كافٍ في التنبيه على فضله وعدله

ذكر خلافة يزيد بن عبد الملك

وفيها تولى يزيد بن عبد الملك بن مروان الخلافة وكنيته أو خالد بعهدٍ من أخيه سليمان بعد عمر بن عبد العزيز ولما احتضر عمر قيل له‏:‏ اكتب إلى يزيد فأوصه بالأمة قال‏:‏ بماذا أوصيه إنه من بني عبد الملك ثم كتب إليه‏:‏ أما بعد فاتق يايزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة ولا تقدر على الرجعة إنك تترك ما تترك لمن لا يحمدك وتصير إلى من لا يعذرك والسلام فلما ولي يزيد نزع أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن المدينة واستعمل عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري عليها واستقضى عبد الرحمن سلمة بن عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وأراد معاضة ابن حزم فلم يجد عليه سبيلًا حتى شكا عثمان بن حيان إلى يزيد بن عبد الملك من ابن حزم وأنه ضربه حدين وطلب منه أن يقيده منه فكتب يزيد إلى عبد الرحمن بن الضحاك كتابًا‏:‏ أما بعد فانظر فيما ضرب ابن حزم ابن حيان فإن كان ضربه في أمر بينٍ أو أمر يختلف فيه فلا تلتفت إليه فأرسل ابن الضحاك فأحضر ابن حزم وضربه حدين في مقام واحد ولم يسأله عن شيء

وعمد يزيد إلى كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز مما لم يوافق هواه فرده ولم يخف شناعة عاجلة ولا إثمًا عاجلًا فمن ذلك أن محمد بن يوسف أخا الحجاج بن يوسف كان على اليمين فجعل عليهم خراجًا مجددًا فلما ولي عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله يأمره بالاقتصار على العشر ونصف العشر وترك ما جدده محمد بن يوسف وقال‏:‏ لأن يأتيني من اليمن حصة ذرة أحب إلي من تقرير هذه الوضيعة فلما ولي يزيد بعد عمر أمر بردها وقال لعالمه‏:‏ خذها منهم ولو صاروا حرضًا والسلام

ذكر مقتل شوذب الخارجي

قد ذكرنا خروجه ومراسلته عمر بن عبد العزيز المناظرته فلما مات عمر أحب عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو الأمير على الكوفة أن يحظى عند يزيد بن عبد الملك فكتب إلى محمد بن جرير يأمره بمناجزة شوذب واسمه بسطام ولم يرجع رسولًا شوذب ولم يعلم بموت عمر

فلما رأوا محمدًا يستعد للحرب أرسل إليه شوذب‏:‏ ما أعجلكم قبل انقضاء المدة‏!‏ أليس قد تواعدنا إلى أن يرجع الرسولان فأرسل محمد‏:‏ إنه لا يسعنا ترككم على هذه الحال فقالت الخوارج‏:‏ ما فعل هؤلاء هذا إلا وقد مات الرجل الصالح فاقتتلوا فأصيب من الخوارج نفر وقتل الكثير من أهل الكوفة وانهزموا وجرح محمد بن جرير في استه فدخل الكوفة وتبعهم الخوارج حتى بلغوا الكوفة ثم رجعوا إلى مكانهم وأقام شوذب ينتظر صاحبيه فقدما عليه وأخبراه بموت عمر ووجه يزيد من عند تميم بن الحباب في ألفين قد أرسلهم وأخبرهم أن يزيد لا يفارقهم على ما فارقهم عليه عمر فلعنوه ولعنوا معه وحاربوه فقتلوه وقتلوا أصحابه ولجأ بعضهم إلى الكوفة وبعضهم إلى يزيد فأرسل إليهم يزيد نجدة بن الحكم الأزدي في جمع فقتلوه وهزموا أصحابه فوجه إليهم يزيد السحاج بن وداع في ألفين فقتلوه وهزموا أصحابه وقتل منهم نفر منهم هدبه ابن عم شوذب فقال أيوب بن خولي يرثيهم‏:‏ تركنا تميمًا في الغبار ملحبًا تبكي عليه عرسه وقرائبه وقد أسلمت قيس تميمًا ومالكًا كما أسلم الشحاج أمس أقاربه وأقبل من حران يحمل رايةً يغالب أمر الله والله غالبه فيا هدب للهيحا ويا هدب للندى ويا هدب للخصم الألد يحاربه وياهدب كم من ملجم قد أجبته وقد أسلمته للرياح جوالبه كان أبو شيبان خير مقاتل يرجى وخشى حربه من يحاربه تزود من دنياه درعًا ومغفرًا وعضبًا حسامًا لم تخنه مضاربه وأجرد محبرك السراة كأنه إذا انقض وافي الريش حجن مخالبه وأقام الخوارج بمكانهم حتى دخل مسلمة بن عبد الملك الكوفة فشكا إليه أهل الكوفة مكان شوذب وخوفوه منه فأرسل إليه مسلمة سعيد بن عمرو الحرشي وكان فارسًا في عشرة آلاف فأتاه وهو بمكانه فرأى شوذب وأصحابه ما لا قبل لهم به فقال لأصحابه‏:‏ من كان يريد الشهادة فقد جاءته ومن كان يريد الدنيا فقد ذهبت فكسروا أغماد سيوفهم وحملوا فكشفوا سعيدًا وأصحابه مرارًا حتى خاف سعيد الفضيحة فوبخ أصحابه وقال‏:‏ من هذه الشرذمة لا أب لكم تفرون‏!‏ يا أهل الشام يومًا كأيامكم‏!‏ فحملوا عليهم فطحنوهم طحنًا وقتلوا بسطامًا وهو شوذب وأصحابه

ذكر موت محمد بن مروان

وفي هذه السنة توفي محمد بن مروان بن الحكم أخو عبد الملك وكان قد ولي الجزيرة وأرمينية وأذربيجان وغزا الروم وأهل أرمينية عدة دفعات وكان شجاعًا قويًا وكان عبد الملك يحسده لذلك فلما انتظمت الأمور لعبد الملك أظهر ما في نفسه له فتجهز محمد ليسير إلى أرمينية

وإنك لا ترى طردًا لحر كإلصاقٍ به بعض الهوان فلو كنا بمنزلةٍ جميعًا جريت وأنت مضطرب العنان فقال له عبد الملك‏:‏ أقسمت عليك لتقيمن فوالله لا رأيت مني ما تكره وصلح له ولما أراد الوليد عزله طلب من يسد مكانه فلم يقدم أحد عليه إلا مسلمة بن عبد الملك

ذكر دخول يزيد بن المهلب البصرة وخلعة يزيد بن عبد الملك

قيل‏:‏ وفي هذه السنة هرب يزيد بن المهلب من حبس عمر بن عبد العزيز على ما تقدم فلما مات عمر وبويع يزيد بن عبد الملك كتب إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن وإلى عدي بن أرطاة يأمرهما بالتحرز من يزيد ويعرفهما هربه وأمر عديًا أن يأخذ من بالبصرة من آل المهلب فأخذهم وحبسهم فيهم‏:‏ المفضل وحبيب ومروان بنو المهلب وأقبل يزيد حتى ارتفع على القطقطانة وبعث عبد الحميد جندًا إليهم عليهم هشام بن مساحق العامري عامر بني لؤي فساروا حتى نزلوا العذيب ومر يزيد قريبًا منهم فلم يقدموا عليه ومضى يزيد نحو البصرة وقد جمع عدي بن أرطاة أهل البصرة وخندق عليها وبعث على خيل البصرة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي وجاء يزيد في أصحابه الذين معه فالتقاه أخوه محمد بن المهلب فيمن اجتمع إليه من أهله وقومه ومواليه فبعث عدي على كل خمس من أخماس البصرة رجلًا فبعث على الأزد المغيرة بن زياد بن عمرو العتكي وبعث على تميم محرز بن حمران السعدي وعلى خمس بكر مفرج بن شيبان بن مالك بن مسمع وعلى عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود وعلى أهل العالية عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وأهل العالية قريش وكنانة والأزد وبجيلة وخشعم وقيس عيلان كلها ومزنية وأهل العالية والكوفية يقال لهم ربع أهل المدينة فأقبل يزيد لا يمر بخيل من خيلهم ولا قبيلة من قبائلهم إلا تنحوا له عن طريقه وأقبل يزيد حتى نزل داره فاختلف الناس إليه فأرسل إلى عدي‏:‏ أن أبعث إلي إخوتي وإني أصالحك على البصرة وأخليك وإياها حتى آخذ لنفسي من يزيد ما أحب فلم يقبل منه فسار حميد بن عبد الملك بن المهلب إلى يزيد بن عبد الملك فبعث معه يزيد بن عبد الملك خالدًا القسري وعمرو ابن يزيد الحكمي بأمان يزيد بن المهلب وأهله وأخذ يزيد بن المهلب يعطي من أتاه قطع الذهب والفضة فمال الناس إليه وكان عدي لا يعطي إلا درهمين ويقول‏:‏ لا يحل لي أن أعطيكم من بيت المال درهمًا إلا بأمر يزيد بن عبد الملك ولكن تبلغوا بهذه حتى يأتي الأمر في ذلك وفي ذلك يقول الفرزدق‏:‏ وأكيسهم من قر في قعر بيته وأيقن أن الموت لا بد واقع وخرجت بنو عمرو بن تميم من أصحاب عدي فنزلوا المربد وبعث إليهم يزيد بن المهلب مولى له يقال له دارس فحمل عليهم فهزمهم وخرج يزيد حين اجتمع الناس له حتى نزل جبانة بني يشكر وهي النصف فيما بينه وبين القصر فلقيه قيس وتميم وأهل الشام واقتتلوا هنيهة وحمل عليهم أصحاب يزيد فانهزموا وتبعهم ابن المهلب حتى دنا من القصر فخرج إليهم عدي بنفسه فقتل من أصحابه موسى بن الوجيه الحميري والحارث بن المصرف الأودي وكان من فرسان الحجاج وأشراف أهل الشام وانهزم أصحاب عدي وسمع إخوة يزيد وهم في محبس عدي الأصوات تدنو والنشاب تقع في القصر وقال لهم عبد الملك‏:‏ إني أرى أن يزيد قد ظهر ولا آمن من مع عدي من مضر وأهل الشم أن يأتونا فيقتلونا قبل أن يصل إلينا يزيد وهم في محبس عدي الأصوات تدنو والنشاب تقع في القصر وقال لهم عبد الملك‏:‏ إني أرى أن يزيد قد ظهر ولا آمن من مع عدي من مضر وأهل الشام أن يأتونا فيقتلونا قبل أن يصل إلينا يزيد فأغلقوا الباب وألقوا عليه الرحل

ففعلوا فلم يلبثوا أن جاءهم عبد الله بن دينار مولى بني عامر وكان على حرس عدي فجاء يشتد إلى الباب هو وأصحابه وأخذوا يعالجون الباب فلم يطيقوا قلعة وأعجلهم الناس فخلوا عنهم وجاء يزدي بن المهلب حتى نزل دارًا لسليمان بن زياد بن أبيه وإلى جنب القصر وأتى بالسلاليم وفتح القصر وأتي بعد بن أرطاة فحبسه وقال له‏:‏ لولا حبسك إخوتي لما حبستك

فلما ظهر يزيد هرب رؤوس أهل البصرة من تميم وقيس ومالك بن المنذر فلحقوا بالكوفة ولحق بعضهم بالشام وخرج المغيرة بن زياد بن عمرو العتكي نحو الشام فلقي خالدًا القسري وعمرو بن يزيد الحكمي ومعهما حميد بن عبد الملك بن المهلب قد أقبلوا بأمان يزيد بن المهلب وكل شيء أراده فسألاه عن الخبر فخلا بهما سرًا من حميد وأخبرهما وقال‏:‏ أين فارجعا

فرجعا وأخذا حميدًا معهما فقال لهما حميد‏:‏ أنشدكما الله أن تخلفا ما بعثتما به فإن ابن المهلب قابل منكما وإن هذا وأهل بيته لم يزالوا لنا أعداء فلا تسمعا مقالته فلم يقبلا قوله ورجعا به وأخذ عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة خالد بن يزيد بن المهلب وحمال ابن زحر ولم يكونا في شيء من الأمر فأوثقهما وسيرهما إلى الشام فحبسهما يزيد بن عبد الملك فلم يفارقا السجن حتى هلكا فيه وأرسل يزيد ابن عبد الملك إلى الكوفة شيئًا على أهلها ويمتيهم الزيادة وجهز أخاه سلمة ابن عبد الملك وابن أخيه العابس بن الوليد بن عبد الملك في سبعين ألف مقاتل من أهل الشام والجزيرة وقيل‏:‏ كانوا ثمانين ألفًا فساروا إلى العراق وكان مسلمة يعيب العابس ويذمه فوقع بينهما اختلاف فكتب إليه العباس‏:‏ فلولا أن أصلك حين ينمى وفرعك منتهى فرعي وأصلي وأني أن رميتك هضت عظمي ونالتني إذا نالتك نبلي لقد أنكرتني إنكار خوفٍ يقصر منك عن شتمي وأكلي كقول المرء عمرو في الوافي أريد حياته ويريد قتلي قيل‏:‏ إن الأبيات للعابس وقيل‏:‏ إنما تمثل بها فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك فأرسل إليهما وأصلح بينهما وقدما الكوفة ونزلا بالنخيلة فاقل مسلمة‏:‏ ليت هذا المزوني عني ابن المهلب لا كلفنا اتباعه في هذا البرد

فقال حيان النبطي مولى لشيبان‏:‏ أنا أضمن لك أنه لا يبره الأرصة يريد أضمن أنه لا يبرح العرصة فقال له العباس‏:‏ لا أم لك أنت بالنبطية أبصر منك بهذا‏!‏ فقال حيان‏:‏ أنبط الله وجهك أسقر أهمر ليس أليه طابئ الخلافة يريد‏:‏ أشقر أحمر ليس عليه طابع الخلافة قال مسلمة‏:‏ يا أبا سفيان لا هولنك كلام العباس فقال‏:‏ إنه أهمق يريد أحمق ولما سمع أصحاب بن المهلب وصول مسلمة وأهل والشام راعهم ذلك فبلغ ابن المهلب فخطب الناس وقال‏:‏ قد رأيت أهل العسكر وخوفهم يقولون‏:‏ جاء أهل الشام ومسلمة موما أهل الشام هل هم إلا تسعة أسياف سبعة منها إلي وسيفان علي وما مسلمة إلا جرادة صفراء أتاكم في برابرة وجرامقة وجراجمة وأنباط وأبناء فلاحين وأوباش وأخلاط أوليسوا بشرًا بألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون أعيروني سواعدكم تصفقون بها وجوهمم وقد ولوا الأدبار واستسقوا أهل البصرة ليزيد بن المهلب وبعث عماله على الأهواز وفارس وكرمان وبعث إلى خراسان مدرك بن المهلب وعليها عبد الرحمن بن نعيم فقال لأهلها‏:‏ هذا مدرك قد أتاكم ليلقي بينكم الحرب وأنتم في بلاد عافية وطاعة فسار بنو تميم ليمنعوه وبلغ الأزد بخراسان ذلك فخرج منهم نحو ألفي فارس فلقوا مدركًا على رأس المفازة فقالوا له‏:‏ إنك أحب الناس إلينا وقد خرج أخوك فإن يظهر فإنما ذلك لنا ونحن أسرع الناس إليكم وأحقه بذلك وإن تكن الأخرى فما لك في أن تغشينا البلاء راحة فانصرف عنهم فلما استجمع أهل البصرة ليزيد خطبهم وأخبرهم أنه يدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه ويحثهم على الجهاد ويزعم أن جهاد أهل الشام أعظم ثوابًا من جهاد الترك والديلم

وكان الحسن البصري يسمع فرفع صوته يقول‏:‏ والله لقد رأيناك واليًا ومولى عليك فماينبغي لك ذلك ووثب أصحابه فأخذوا بفمه وأجلسوه ثم خرجوا من المسجد وعلى باب المسجد النضر بن أنس بن مالك يقول‏:‏ يا عباد الله ما تنقمون من أن تجيبوا إلى كتبا الله وسنة نبيه فوالله ما رأينا مذ ولوا عليًا إلا أيام عمر بن عبد العزيز فقال الحسن‏:‏ والنضر أيضًا قد شهد

ومر الحسن بالناس وقد نصبوا الرايات وهم ينتظرون خروج يزيد وهم يقولون‏:‏ تدعونا إلى سنة العمرين وإن من سنة العمرين أن يوضع في رجله قيد ثم رد إلى محبسه فقال ناس من أصحابه‏:‏ لكأنك راضٍ عن أهل الشام فقال‏:‏ أنا راضٍعن أهل الشام قبحهم الله وبرحهم‏!‏ أليس هم الذين أحلوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلون أهله ثلاثًا قد أبا حوها لأنباطهم وأقباطهم يحملون الحرائر ذوات الدين لا ينتهون عن انتهاك حرمة ثم خرجوا إلى مال بيت الله الحرام فهدموا الكعبة وأوقدوا النيران بين أحجارها وأستارها عليهم لعنة الله وسوء الدار ثم إن يزيد سار من البصرة واستعمل عليها أخاه مروان بن المهلب وأتى واسطًا وكان قد استشار أصحابه حين توجه نحو واسط فقال له أخوه حبيب وغيره‏:‏ نرى أن نخرج وننزل بفارس فنأخذ بالشعاب والعقاب وندنو من خراسان ونطاول أهل الشام فإن أهل الجبال يأتون إليك وفي يدك القلاع والحصون فقال‏:‏ ليس هذا برأيي تريدون أن تجعلوني طائرًا على رأس جبل فقال حبيب‏:‏ إن الرأي الذي كان ينبغي أن يكون أول الأمر قد فات قد أمرتك حيث ظهرت على البصرة أن توجه خيلًا عليها بعض أهلك إلى الكوفة وإنما بها عبد الحميد مررت به في سبعين رجلًا فعجز عنك فهو عن خيلك أعجز فسبق إليها أهل الشام وأكثر أهلها يرون رأيك ولأن تلي عليهم أحب إليهم من أن يلي عليهم أهل الشام فلم تطعني وأنا أشير برأي سرح مع بعض أهلك خيلًا كثيرة من خيلك فتأتي الجزيرة وبتادر إليها حتى ينزلوا حصنًا من حصونهم وتسير في أثرهم فإذا أقبل أهل الشام يريدونك لم يدعوا جندك بالجزيرة يقبلون إليك فيقيمون عليهم فيحبسونهم عنك حتى تأتيهم ويأتيك من بالموصل من قومك وينفض إليك أهل العراق وأهل الثغور وتقاتلهم في أرض رخيصة السعر وقد جعلت العراق كله وراء ظهرك قال‏:‏ أكره أن أقطع جيشي فلما نزل واسطًا أقام بها أيامًا يسيرة وخرجت السنة

ذكر عدة حوادث

حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس وكان عامل المدينة‏.‏

وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وكان على الكوفة عبد الحميد وعلى قضائها الشعبي وكانت البصرة قد غلب عليها ابن المهلب‏.‏

وكان على خراسان عبد الرحمن بن نعيم‏.‏

وفيها عزل إسماعيل بن عبيد الله عن إفريقية واستعمل مكانه يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج فبقي عليها إلى أن قتل على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي مجاهد بن جبر وقيل سنة ثلاث وقيل‏:‏ وفيها توفي أبو صالح ذكوان‏.‏

وفيها توفي عامر بن أكثمة الليثي‏.‏

وأبو صالح السمان

وقيل له الزيات أيضًا لأنه كان يبعهما‏.‏

وأبو عمرو سعيد بن إياس الشيباني وكان عمره سبعًا وعشرين ومائة سنة وليست له صحبة‏.‏

وفي خلافة عمر توفي عبيدة بن أبي لبابة أبو القاسم العامري‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين ومائة  ‏  ‏  ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏