المجلد الرابع - ذكر مقتل يزيد بن المهلب

ثم إن يزيد بن المهلب سار عن واسط واستخلف عليها ابنه معاوية وجعل عنده بيت المال والأسراء وسار على فم النيل حتى نزل العقر وقدم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة فاتقبله العباس بن الوليد بسورا فاقتتلوا فحمل عليهم أصحاب عبد الملك حملة كشوفهم فيها ومعهم ناس من تميم وقيس من أهل البصرة فنادوا‏:‏ يا أهل الشام‏!‏ الله الله إن تسلمونا‏!‏ وقد اضطرهم أصحاب عبد الملك إلى النهر‏.‏

فقال أهل الشام‏:‏ لا بأس عليكم إن لنا جولة في أول القتال ثم كروا عليهم فانكشف أصحاب عبد الملك فانهزموا وعادوا إلى يزيد‏.‏

وأقبل مسلمة يسير على شاطئ الفرات إلى الأنبار وعقد عليها الجسر فعبر وسار حتى نزل على ابن المهلب وأتى إلى ابن المهلب ناس من أهل الكوفة كثير ومن الثغور فبعث على من خرج إليه من أهل الكوفة وربع أهل المدينة عبد الله بن سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي وعلى ربع مذحج وأسد النعمان بن إبراهيم بن الأشتر وعلى كندة وربيعة محمد بن إسحاق بن الأشعث وعلى تميم وهمدان حنظلة بن عتاب بن ورقاء التميمي وجمعهم جميعًا مع المفضل بن المهلب وأحصى ديوان ابن المهلب مائة ألف وعشرين ألفًا فقال‏:‏ لوددت أن لي بهم من بخراسان من قومي ثم قام في أصحابه فحرصنهم على القتال‏.‏

وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن قد عسكر بالنخيلة وشق المياه وجعل على أهل الكوفة الأرصاد لئلا يخرجوا إلى ابن المهلب وبعث بعثنًا إلى مسلمة مع سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف وبعث مسلمة فعزل عبد الحميد عن الكوفة واستعمل عليها محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة وهو ذو الشامة‏.‏

فجمع يزيد رؤوس أصحابه فقال‏:‏ قد رأيت أن أجمع اثني عشر ألفًا فأبعثهم مع أخي محمد بن المهلب حتى يبتوا مسلمة ويجملوا معهم البراذع والكف والزبيل لدفن خندقهم فيقاتلهم على خندقهم بقية ليلته وأمده بالرجال حتى اصبح فإذا أصبحت نهضت إليهم في الناس فأناجزهم فإنني أرجو عند ذلك أن ينصرنا الله عليهم فقال السميدع‏:‏ إنا قد دعوناهم إلى كتاب الله وسنة نبيه ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ وقد زعموا أنهم قبلوا هذا منا فليس لنا أن تمكر ولا نغدر حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا‏.‏

وقال أبو رؤبة وهو رأس الطائفة المرجئة ومعه أصحاب له‏:‏ صدق هكذا ينبغي‏.‏

فقال يزيد‏:‏ ويحكم‏!‏ أتصدقون بني أمية أنهم يعملون بالكتاب والسنة وقد ضيعوا ذلك منذ كانوا إنهم يخادعونكم ليمكروا بكم فلا يسبقوكم إليه إني لقيت بني مروان فما لقيت منهم أمكر ولا أبعد غدرًا من هذه الجرادة الصفراء يعني مسلمة‏.‏

قالوا‏:‏ لا نفعل ذلك حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم قابلوه منا‏.‏

وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحث الناس على حرب أهل الشام والحسن البصري يثبطهم فلما بلغ ذلك مروان قام في الناس يأمرهم بالجد والاحتشاد ثم قال‏:‏ بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي ولم يسمعه الناس والله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل يرعف أنفه‏!‏ وايم الله ليكفن عن ذكرنا وعن جمعه إليه سقاط الأبلة وعلوج فرات البصرة أو لأنحين عليه مبردًا خشنًا‏.‏

فلما بلغ ذلك الحسن قال‏:‏ والله ما كره أن يكرمني الله بهوانه‏.‏

فقال ناس من أصحابه‏:‏ لو أرادك ثم شئت لمنعناك‏.‏

فقال لهم‏:‏ فقد خالفتكم إذ ذاك ما نهيتكم عنه آمركم أن لا يقتل بعضكم بعضًا مع غيري وآمركم أن يقتل بعضكم بعضًا دوني‏!‏ فبلغ ذلك مروان فاشتد عليهم وطلبهم وتفرقوا وكف عن الحسن‏.‏

وكان اجتماع يزيد بن المهلب ومسلمة بن عبد الملك بن مروان ثمانية أيام فلما كان يوم الجمعة لأربع عشرة مضت من صفر بعث مسلمة إلى الوضاح أن يخرج بالسفن حتى يحرق الجسر ففعل وخرج مسلمة فعبأ جنود أهل الشام ثم قرب من ابن المهلب وجعل على ميمنته جبلة بن مخرمة الكندي وعلى ميسرته الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي وجعل العباس ابن الوليد على ميمنته سيف بن هانئ الهمداني وعلى ميسرته سويد بن القعقاع التميمي وكان مسلمة على الناس‏.‏

وخرج يزيد بن المهلب وقد جعل على ميمنته حبيب بن المهلب وعلى ميسرته المفضل‏.‏

فخرج رجل من أهل الشام فدعا إلى المبارزة فبرز إليه محمد بن المهلب فضربه محمد فاتقاه الرجل بيده وعلى كفه كف من حديد فضربه محمد فقطع الكف الحديد وأسرع السيف في كفه واعتنق فرسه فانهزم‏.‏

فلما دنا الوضاح من الجسر ألهب فيه النار فسطع دخانه وقد أقبل الناس ونشبت الحرب ولم يشتد القتال فلما رأى الناس الدخان وقيل لهم أحرق الجسر انهزموا فقيل ليزيد‏:‏ قد انهزم الناس‏.‏

فقال‏:‏ مم انهزموا هل كان قتال ينهزم من مثله فقيل له‏:‏ أحرق الجسر فلم يثبت أحد‏.‏

فقال‏:‏ قبحهم الله‏!‏ بق دخن عليه فطار‏!‏ ثم خرج معه أصحابه فقال‏:‏ اضربوه وجوه المنهزيمين

ففعلوا ذلك بهم حتى كثروا عليه واستقبله أمثال الجبال فقال‏:‏ دعوهم فوالله إني لأرجو أن لا يجمعني وإياهم مكان أبدًا دعوهم يرحمهم الله غنم عدا في نواحيها الذئب‏!‏ وكان يزيد لا يحدث نفسه بالفرار وكان قد أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي وهو ابن أخي عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ ليس بينه وبين الحكم بن أبي العاص والد مروان نسب وهو بواسط فقال له‏:‏ إن بني مروان قد باد ملكهم فإن كنا لم تشعر بذلك فاشعر‏.‏

فقال‏:‏ ما شعرت فقال ابن الحكم‏:‏ فعش ملكًا أو مت كريمًا فإن تمت وسيفك مشهور بكفك تعذر فقال‏:‏ أما هذا فعسى‏.‏

فلما رأى يزيد انهزام أصحابه قال‏:‏ يا سميدع أرأيي أجود أم رأيك ألم أعلمك ما يريد القوم قال‏:‏ بلى فنزل سميدع ونزل يزيد في أصحابهما‏.‏

وقيل‏:‏ كان على فرس أشهب فأتاه آتٍ فقال‏:‏ إن أخاك حبيبًا قد قتل‏.‏

فقال‏:‏ لا خير في العيش بعده قد كنت والله أبغض الحياة بعد الهزيمة وقد ازددت لها بغضًا امضوا قدمًا‏.‏

فعلموا أنه قد استقتل فتسلل عنه من يكره القتال وبقي معه جماعة جنسه وهو يتقدم فكلما مر بخيل كشفها أو جماعة من أهل الشام عدلوا عنه وأقبل نحوه مسلمة لا يريد غيره‏.‏

فلما دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب فعطف عليه خيول أهل الشام وعلى أصحابه فقتل يزيد والسميدع ومحمد بن المهلب‏.‏

وكان رجل من كلب يقال له القحل بن عياش فلما نظر إلى يزيد قال‏:‏ هذا والله يزيد‏!‏ والله لأقتلنه أو ليقتلني‏!‏ فمن يحمل معي يكفيني أصحابه حتى أصل إليه فحمل معه ناس فاقتتلوا ساعة وانفرج الفريقان عن يريد قتيلًا وعن القحل بآخر رمقه فأومأ إلى أصحابه يريهم مكان يزيد وأنه هو قاتله وأن يزيد قتله‏.‏

وأتى برأس يزيد مولى لبني مرة فقيل له‏:‏ أنت قلته قال‏:‏ لا فلما أتى مسلمة سيرة إلى يزيد بن عبد الملك من خال بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط‏.‏

وقيل‏.‏

وقيل‏:‏ بل قتله الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي ولم ينزل يأخذ رأسه أنفةً‏.‏

ولما قتل يزيد كان المفضل بن المهلب يقاتل أهل الشام وما يدري بقتل يزيد ولا بهزيمة الناس وكان كلما حمل على الناس انكشفوا ثم يحمل حتى يخالطهم وكان معه عامر بن العميثل الأزدي يضرب بسيفه ويقول‏:‏ قد علمت أم الصبي المولود أني بنصل السيف غير رعديد فاقتتلو ساعةً فانهزمت ربيعة فاستقبلهم المفضل يناديهم‏:‏ يا معشر ربيعة الكرة الكرة‏!‏ والله ما كنتم بكشف ولا لئام ولا لكم هذه بعادة فلا يؤتين أهل العراق من قبلكم فدتكم نفسي‏!‏ فرجعوا إليه يريدون الحملة فآتى وقيل له‏:‏ ما تصنع هاهنا وقد قتل يزيد وحبيب ومحمد وانهزم

الناس منذ طويل فتفرق الناس عنه ومضى المفضل إلى واسط فما كان من العرب أضرب بسيفه ولا أحسن تعبية للحرب ولا أغشى للناس منه‏.‏

وقيل‏:‏ بل أتاه أخوه عبد الملك وكره أن يخبره بقتل يزيد فيستقتل فقال له‏:‏ إن الأمير قد انحدر إلى واسط‏.‏

فانحدر المفضل بمن بقي من ولد المهلب إلى واسط فلما علم بقتل يزيد حلف أنه لا يكلم عبد الملك أبدًا فما كلمه حتى قتل بقندابيل‏.‏

وكانت عينه أصيبت في الحرب فقال‏:‏ فضحني عبد الملك ما عذري إذا رآني الناس فقالوا شيخ أعور مهزوم‏!‏ ألا صدقني فقتلت ثم قال‏:‏ ولا خير في طعن الصناديد باقنا ولا في لقاء الحرب بعد يزيد فلما فارق المفضل المعركة جاء عسكر الشام إلى عسكر يزيد فقاتلهم أبو رؤبة صاحب المرجئة ساعةً من النهار وأسر ملمة نحو ثلاثمائة أسير فسرحهم إلى الكوفة فحبسوا بها فجاء كتاب يزيد بن عبد الملك إلى محمد بن عمرو ابن الوليد يأمره بضرب رقاب الأسرى فأمر العريان بن الهيثم وكان على شرطته أن يخرجهم عشرين عشرين وثلاثين ثلاثين فقام نحو ثلاثين رجلًا من تميم فقالوا‏:‏ نحن انهزمنا بالناس فأبدأوا بنا قبل الناس‏.‏

فأخرجهم العريان فضرب رقابهم وهم يقولون‏:‏ انهزمنا بالناس فكان هذا جزاءنا‏.‏

فلما فرغوا منهم جاء رسول بكتاب من عند مسلمة يأمره بترك قتل الآسرى‏.‏

وأقبل مسلمة حتى نزل الحية‏.‏

ولما أتت هزيمة يزيد إلى واسط أخرج ابنه معاوية اثنين وثلاثين أسيرًا كانوا عنده فضرب أعناقهم منهم عدي بن أرطاة ومحمد بن عدي بن أرطاة ومالك وعبد الملك ابنا مسمع وغيرهم ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه المال والخزائن وجاء المفضل بن المهلب اجتمع أهل المهلب بالبصرة فأعدوا السفن وتجهزوا للركوب في البحر‏.‏

وكان يزيد بن المهلب بعث وداع ابن حميد الزدي على قندابيل أميرًا وقال له‏:‏ إني سائر إلى هذا العدو ولو قد لقيتم لم أبرح العرصة حتى يكون لي أولهم فغن ظفرت أكرمتك وإن كانت الأخرى كنت بقندابيل حتى يقدم عليك أهل بيتي فيتحصنوا بها حتى يأخذوا لأنفسهم أمانًا وقد اخترتك لهم من بين قومي فكن عند أحسن ظني‏.‏

وأخذ عليه العود لينا صحن أهل بيته إن هم لجأوا إليه‏.‏

فلما اجتمع آل المهلب بالبصرة حملوا عيالاتهم وأموالهم في السفن البحرية ثم لججوا في البحر حتى إذا كانوا بحيال كرمان خرجوا من سفنهم وحملوا عيالاتهم وأموالهم على الدواب وكان المقدم عليهم المفضل بن المهلب وكان بكرمان فلول كثيرة فاجتمعوا إلى المفضل وبعث مسلمة بن عبد الملك مدرك بن ضب الكلبى في طلبهم وفي أثر الفل فأدرك مدرك المفضل ومعه الفلول في عقبه فعطفوا عليه فقاتلوه واشتد قتالهم إياه فقتل من أصحاب المفضل النعمان بن إبراهيم بن الأشتر النخعي ومحمد بن إسحاق بن محمد بن الأشعث وهرب ابن المهلب فطلبوا

الأمان فأمنوا منهمك مالكم بن إبراهيم بن الأشتر والورد بن عبد الله بن حبيب السعدي التميمي‏.‏

ومضى آل المهلب ومن معهم إلى قندابيل وبعث مسلمة إلى مدرك بن ضب فرده وير في أثرهم هلال بن أحوز التميمي لحقهم بقندابيل فأراد أهل المهلب دخولها فمنعهم وداع بن حميد وكان هلال بن أحوز لم يباينآل المهلب فلما التقوا كان وداع على المينة وعبد الملك بن هلال على الميسرة وكلاهما أزدي فرفع هلال بن أحور راية أمان فمال إليه وداع ابن حميد وعبد الملك بن هلال وتفرق الناس عن آل المهلب‏.‏

فلما رأى ذلك مروان بن المهلب أراد أن ينصرف إلى النساء فيقتلهن لئلا يصرن إلى أولئك فنهاه المفضل عن ذلك وقال‏:‏ إنا لا نخاف عليهن من هؤلاء‏.‏

فتركهن وتقدموا بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم وهم‏:‏ المفضل وعبد الملك وزياد ومروان بنو المهلب ومعاوية بن يزيد بن المهلب والمنهال ابن أبي عيينه بن المهلب وعمرو والمغيرة ابنا قبيصة بن لمهلب وحملت رؤوسهم وفي أذن كل واحد رقعة فيها اسمه إلا أبا عيينة بن المهلب وعمر بن يزيد بن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب فإنهم لحقوا برتبيل‏.‏

وبعث هلال بن أحوز بنسائهم ورؤوسهم والاسرى من آل المهلب إلى مسلمة بالحيرة فبعثهم مسلمة إلى يزيد بن عبد الملك فسيرهم يزيد إلى العباس بن الوليد وهو على حلب فنصب الرؤوس وأراد مسلمة أن يبيع الذرية فاشتراهم منه الجراح بن عبد الله الحكمي بمائة ألف وخلى سبيلهم ولم يأخذ مسلمة من الجراح شيئًا‏.‏

ولما بلغ يزيد بن عبد الملك الخبر بقتل يزيد سره لأنتصاره ولما في نفسه منه قبل الخلافة‏.‏

وكان سبب العداوة بينهما أن ابن المهلب خرج من الحمام أيام سليمان ابن عبد الملك وقد تضمخ بالغالية فاجتاز بيزيد بن عبد الملك وهو إلى جانب عمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ قبح الله الدنيا لوددت أم مثقال غالية بألف دينار فلا ينالها إلا كل شريف‏.‏

فسمع ابن المهلب فقال له‏:‏ بل وددت أن الغالية كانت في جبهة الأسد فلا ينالها إلا مثلي‏.‏

فقال له يزيد بن عبد الملك‏:‏ والله لئن وليت يومًا لأقتلنك‏.‏

فقال له ابن المهلب‏:‏ والله لئن وليت هذا الأمر وأنا حي لأضربن وجهك بخمسين ألف سيف فهذا كان سبب البغض بينهما وقيل غير ذلك وقد تقدم ذكره‏.‏

وأما الأسى فكانوا ثلاثة عشر رجلًا فلما قدم بهم على يزيد بن عبد الملك وعنده كثير عزة فأنشد‏:‏ حليم إذا ما نال عاقب مجملًا أشد العقاب أو عفا لم يثرب فعفوًا أمير المؤمنين وحسبهً فما تأته من صالح لك يكتب أساؤوا فإن تصفح فإنك قادر وافضل حلمٍ حسبةً حلم مغضب

قال يزيد بن عبد الملك‏:‏ هيهات يا أبا صخر‏!‏ طف بك الرحم لا سبيل إلى ذلك إن الله عز وجل أفادنيهم بأعمالهم الخبيثة‏.‏

ثم أمر بهم فقتلوا وبقي غلام صغير فقال‏:‏ اقتلوني فما أنا بصغير‏.‏

فقال‏:‏ انظروا أنبت‏.‏

فقال‏:‏ أنا أعلم بنفسي قد احتملت ووطئت النساء‏.‏

فأمر به يزيد فقتل‏.‏

وأسماء الأسرى الذين قتلوا‏:‏ المعارك وعبد الله والمغيرة والمفضل ومنجاب أولاد يزيد بن المهلب ودريد والحجاج وغشان وشبيب والفضل أولاد المفضل بن المهلب والمفضل بن قبيصة بن المهلب‏.‏

وقال ثابت يرثى يزيد بن المهلب‏:‏ أبى طول هذا الليل أن يتصرما وهاج لك الهم الفؤاد المتيما أرقت ولم تأرق معي أم خالد وقد أرقت عيناي حولًا محرما على هالكٍ هد العشيرة فقده دعته المنايا فاستجاب وسلما على ملكٍ بالعقر يا صاح جبنت كتائبه واستورد الموت معلما أصيب وأشهد ولو كنت شاهدًا تسليت إن لم يجمع الحي مأتما وفي غير الأيام يا هند فاعلمي لطالب وترٍ نظرة إن تلوما فعلي إن مالت بي الريح ميلةً على ابن أبي ذبان أن يتندما وإن نلق للعباس في الدهر عشرةً نكافئه باليوم الذي كان قدما قصاصًا ولم نعد الذي كان قد أتى إلينا وإن كان ابن مروان أظلما ستعلم إن زلت بك النعل زلةً وأظهر أقوام حياءً مجمجما من الظالم الجاني على أهل بيته إذا أحضرت أسباب أمر وأبهما وإنا لعطافون بالحلم بعدما نرى الجهل من قرط اللئيم تكرما وإنا لحلالون بالثغر لا نرى به ساكنًا إلا الخميس العرمرما نرى أن للجيران حقًا وذمةً إذا الناس لم يرعوا الذي الجار محر وغنا لنقري الضيف من قمع الذرى إذا كان رفد الرافدين تجسما وأما أبو عيينة بن المهلب فأرسلت هند بنت المهلب إلى يزيد بن عبد الملك في أمانه فآمنه وبقي عمر وعثمان حتى ولي أسد بن عبد الله القسري خراسان فكتب إليهما بأمانهما فقدماخراسان‏.‏

قطنة بالنون وهو ثابت بن كعب بن جابر العتكي الأزدي أصيبت عينه بخراسان فجعل عليها قطنة فعرف بذلك وهو يشتبه بثابت بن قطبة بالباء الموحدة وهو خزاعي وذاك عتكي‏.‏

ولما فرغ مسلمة بن عبد الملك من حرب يزيد بن المهلب جمع له أخوه يزيد ابن عبد الملك ولاية الكوفة والبصرة وخراسان فأقر محمد بن عمرو بن الوليد على الكوفة وكان قد قام بأمر البصرة بعد آل المهلب شبيب بن الحارث التميمي فبعث عليها مسلمة عبد الرحمن بن سليمان الكلبي وعلى شرطتها وأحداثها عمرو بن يزيد التميمي فأراد عبد الرحمن أن يستعرض أهل البصرة فيقتلهم فنهاه عمرو واستمهله عشرة أيام وكتب إلى مسلمة بالخبر فعزله وولى البصرة بعد الملك بن بشر بن مروان وأقر عمرو بن يزيد على الشرط والأحداث‏.‏

ذكر استعمال سعيد خذينة على خراسان لمسلمة


استعمل مسلمة على خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وهو الذي يقال له سعيد خذينة وإنما لقب بذلك لأنه كان رجلًا لينًا متنعمًا فدخل عليه ملك أبغر وسعيد في ثياب مصبغة وحوله مرافق مصبغة فلما خرج من عنده قالا‏:‏ كيف رأيت الأمير قال‏:‏ خذينة فلقب خذينة وخذينة هي الهقانة ربة البيت‏.‏

وكان سعيد تزوج ابنة مسلمة فلهذا استعمله على خراسان‏.‏

فلما استعمل مسلمة سعيدًا على خراسان سار إليها فاستعمل شعبة بن ظهير النهشلي على سمرقند فسار إليها فقدم الصغد وكان أهلها كفروا في ولاية عبد الرحمن ابن نعيم ثم عادوا إلى الصلح فخطب شعبة أهل الصغد ووبخ سكانها من العرب وغيرهم بالجبن وقال‏:‏ ما أرى فيكم جريحًا ولا أسمع أنة‏.‏

فاعتذروا ليه بأن جبنوا أميرهم علباء بن حبيب العبدي‏.‏

وأخذ سعيد عمال عبد الرحمن بن عبد الله الذين ولوا أيام عمر بن عبد العزيز فحبسهم ثم أطلقهم ثم رفع إلى سعيد أن جهم بن زحر الجعفي وعبد العزيز بن عمرو بن الحجاج الزبيدي والمنتجع بن عبد الرحمن الأزدي ولوا ليزيد بن المهلب في ثمانية نفر وعندهم أموال قد أخفوها من فيء المسلمين‏.‏

فأرسل إليهم فحبسهم بقهندر مرو وحمل جهم بن زحر على حمار وأطاف به فضربه مائتي سوط وأمر به وبالثمانية الذين حبسوا معه فسلموا إلى ورقاء بن نصر الباهلي فاستعفاه فأعفاه فسلمهم إلى عبد الحميد ابن دثار وعبد الملك بن دثار والزير بن نشيط مولى باهلة فقتلوا في العذاب جهم بن زحر وعبد العزيز والمنتجع وعذبوا القعقاع وقمًا حتى أشفوا على الموت فلم يزالوا في السجن حتى غزاهم الترك والصغد فأمر سعيد بإخراجهم وكان يقول‏:‏ قبح الله الزبير فإنه قتل جهمًا‏!‏ ذكر البيعة بولاية العهد لهشام والوليد لما وجه يزيد بن عبد الملك الجيوش إلى يزيد بن المهلب على ما ذكرناه واستعمل على الجيش مسلمة بن عبد الملك أخاه والعباس بن الوليد بن عبد الملك وهو ابن أخيه قالا له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أهل العراق أهل غدر وإرجاف وقد توجهنا محاربين والحوادث تحدث ولا نأمن أن يرجف أهل العراق ويقولوا مات أمير المؤمنين فيفت ذلك في أعضادنا فلو عهدت عهد عبد العزيز بن الوليد لكان رأيًا صوابًا‏.‏فبلغ ذلك مسلمة بن عبد الملك فأتى أخاه يزيد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنما أحب إليك أخوك أم ابن أخيك فقال‏:‏ بلى أخي‏.‏

فقال‏:‏ فأخوك أحق بالخلافة‏.‏

فقال يزيد‏:‏ إذا لم تكن في ولدي فأخي أحق بها من ابن أخي كما ذكرت‏.‏

قال‏:‏ فابنك لم يبلغ فبايع لهشام بن عبد الملك ثم بعده لابنك الوليد وكان الويد يومئذ ابن إحدى عشرة سنة فبايع بولاية العهد لهشام بن عبد الملك أخيه وبعده لأبنه الوليد بن يزيد ثم عاش يزيد حتى بلغ ابنه الوليد فكان إذا رآه يقول‏:‏ والله بيني وبين من جعل هشامًا بيني وبينك‏.‏

ذكر غزو الترك

لما ولي سعيد خراسان استضعفه الناس وسموه خذينة وكان قد استعمل شعبة على سمرقند

ثم عزله فطمعت الترك فجمعهم خاقان ووجههم إلى الصغد وعلى الترك كور صول فأقبلوا حتى نزلوا بقصر الباهلي‏.‏

وقيل‏:‏ أراد عظماء الدهاقين أن يتزوج امرأة من باهلة كانت في ذلك القصر فأبت استجاش ورجوا أن يسبوا من في القصر فأقبل كورصول حتى حصر أهل القصر وفيه مائة أهل بيت بدرايهم وكان على سمقند عثمان بن عبد الله بن مطرف بن الشخير قد استعمله سعيد بعد شعبة فكتبوا إليه وخافوا أن يبطئ عنهم المدد فصالحوا الترك على أربيعين ألفًا وأعطوهم سبعة عشر رجلًا رهينةً وندب عثمان الناس فانتدب المسيب بن بشر الرياحي وانتدب معه أربعة آلاف من جميع القبائل وفيهم سعبة بن ظهير وثابت قطنة وغيرهما الفرسان فلما عسكروا قال لهم المسيب‏:‏ إنكم تقدمون على حلبة الترك عليهم خاقان والعوض إن صبرتم الجنة والعقاب إن فررتم النار فمن أراد الغزو والصبر فليقدم فرجع عنه ألف وثلاثمائة فلما سار فرسخًا رجع بمثل مقالته الأولى فاعتزله ألف ثم سار فرسخًا أخر فقال لهم مثل ذلك فاعزله ألف ثم سار فلما كان على فرسخين منهم نزل فأتاهم ترك خاقان ملك قي فقال‏:‏ لم يبق ها هنا دهقان إلا وقد بايع الترك غيري وأن في ثلاثمائة مقاتل فهم معك وعندي الخبر قد كانوا صالحوهم وأعطوهم سبعة عشر رجلًا يكونون رهينة في أيديهم حتى يأخذوا صلحهم فلما بلغهم مسيركم إليهم فبعث المسيب رجلين رجلًا من العرب ورجلًا من العجم ليعلما علم القوم فأقبلا في ليلة مظلمة وقد أخذت الترك في نواحي القصر فليس يصل إليه أحد ودنوا من القصر فصاح بهما الربيئة فقالا له‏:‏ اسكت وادع لنا عبد الملك بن دثار‏.‏

فدعاه فأعلماه بقرب المسيب منهم وقالا‏:‏ هل عندكم امتناع الليلة وغدًا قالزا‏:‏ قد أجمعنا على تقديم نسائنا للموت أمامنا حتى نموت جيمعا غدًا‏.‏

فرجعا إلى المسيب فأخبراه فقال لمن معه‏:‏ إني سائر إلى هذا العدو فمن أحب أن يذهب فليذهب فلم يفارقه أحد وبايعوه على الموت‏.‏

فأصبح وسار وقد ازداد القصر تحصينًا بالماء الذي أجراه الترك فلما صار بينه وبين الترك نصف فرسخ نزل وقد أجمع على بيانهم فلما أمى أمر أصحابه بالصبر وحثهم عليه وقال‏:‏ ليكن شعاركم يا محمد ولا تتبعوا موليًا وعليكم بالدواب فاعقروها فإنها إذا عقرت كانت أشد عليهم منكم وليست بكم قلة فإن سبعمائة سف لا يضرب بها في عسكر إلا أوهنوه وإن كثر أهله‏.‏

وجعل على ميممنته كثيرًا الدبوسي وعلى ميسرته ثابت قطنة وهو من الأزد فلما دنوا منهم كبروا وذلك في السحر وثار الترك وخالطهم المسلمون فعقروا الدواب وترجل المسيب في رجال معه فقاتلوا قتالًا شديدًا وانقطعت يمين البختري المرائي فاخذ السيف بشماله فقطعت فجعل يذب بيديه حتى استشهد‏.‏

وضرب ثابت قطنة عظيمًا من عظماء الترك فقتله وانهزمت الترك ونادى منادي المسيب‏:‏ لا تتبعوهم فإنهم لا يدرون من الرعب أبتعتموهم أم لا واقصدو القصر ولا تحملوا إلا الماء ولا تحملوا إلا من يقدر على المشي ومن حمل امرأة أو صبيًا أو ضعيفًا حسبة فأجره على الله ومن أبى فله أربعون درهمًا وإن كان في القصر أحد من أهل عهدكم فاحملوه‏.‏

فحملوا من القصر وأتوا ترك خاقان فأنزلهم قصره وأتاهم بطعام ثم ساروا إلى سمرقند‏.‏

ورجعت الترك من الغد فلم يروا في القصر أحدًا ورأوا قتلاهم فقالوا‏:‏ لم يكن الذي جاءنا من الإنس فقال ثابت قطنة‏:‏ فدت نفسي فوارس من تميمٍ غداة الروع في ضنك المقام فدت نفسي فوارس أكنفوني على الأعداء فر رهج القتام بقصر الباهلي وقد رأوني أحامي حيث ضربه المحامي بسيفي بعد حطم الرمح قدمًا أذودهم بذي شطب حسام أكر عليهم اليحموم كرًا ككر الشرب آنية المدام أكر به لدى الغمرات حتى تجلت لا يضيق به مقامي فلولا الله ليس له شريك وضربي قونس الملك الهمام إذًا لسعت نساء بني دثار أمام الترك بادية الخدام وعور تلك الليلة معاوية بن الحجاج الطائي وشلت يده وكان قد ولي ولاية قبل سعيد فأخذه سعيد بشيء بقي عليه فدفعه إلى شداد بن خليد الباهلي ليستأديه فضيق عليه شداد فقال معاوية‏:‏ يا معشر قيس سرت إلى قصر الباهلي وأنا شديد البطش حديد البصر فعورت وشلت يدي وقاتلت حتى استقذناهم بعدما أشرفوا على القتل والأسر والسبي وهذا صاحبكم يصنع بي ما يصنع فكفوه عني فخلاه‏.‏

قال بعض من كان بالقصر‏:‏ لما التقوا ظنا أن القيامة قد قامت لما سمعنا من هماهم القوم ووقع الحديد وصهيل الخيل‏.‏

ذكر غزو الصغد

وفي هذه السنة عبر سعيد خذينة النهر وغزا الصغد وكانوا قد نقضوا العهد وأعانوا الترك على المسلمين فقال الناس لسعيد‏:‏ إنك قد تركت الغزو وقد أغار الترك وكفر أهل الصغد‏.‏

فقطع النهر وقصد الصغد فلقيه الترك وطائفة من الصغد فهزمهم المسلمون فقال سعيد‏:‏ لا تتبعوهم فإن الصغد بستان أمير لمؤمنين وقد هزمتموهم أفتريدون بوارهم وقد قاتلتم يا أهل العراق الخلفاء غير مرة فهل أبادوكم وقال سورة بن الحر لحيان النبطي‏:‏ ارجع عنهم يا حيان‏.‏

قال‏:‏ عقيرة الله لا أدعها‏.‏

قال‏:‏ انصرف يا نبطي‏.‏

قال‏:‏ أنبط الله وجهك‏!‏ وسار المسلمون فانتهوا إلى واد بينهم وبين المرج فقطعه بعضهم وقد أكمن لهم الترك فلما جاءهم المسلمون خرجوا عليهم فانهزم المسلمون حتى أنتهوا إلى الوادي فصبروا حتى انكشفوا لهم‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان المنهزمون مسلحة المسلمين فما شعروا إلا والترك قد خرجوا عليهم من غيضة وعلى الخيل شعبة بن ظهير فأعجلهم الترك عن الركوب فقاتلهم شعبة فقتل وقتل نحو من خمسين رجلًا وانهزم أهل المسلحة وأتى المسلمين الخبر فركب الخليل بن أوس العبشمي أحد بين ظالم ونادى‏:‏ يا بني تميم إلي أنا الخليل‏!‏ فاجتمع معه جماعة فحمل بهم على العدو فكفوهم حتى جاء الأمير والناس فانهزم العدو فصار الخليل على خيل بني تميم حتى ولي نصر بن سيار ثم صارت رياستهم لأخيه الحكم بن اؤس‏.‏

فلما كان العام المقبل بعض رجالًا من تميم إلى ورغسر فقالوا‏:‏ ليتنا نلقى العدو فناطردهم‏.‏

وكان سعيد إذا بعث سرية فأصابوا أو غنموا وسبوا رد السبي وعاقب السرية فقال الهجري الشاعر‏:‏

سريت إلى الأعداء تلهو بلبةٍ ** وأيرك مسلول وسيفك مغمد

وأنت لمن عاديت عرس خفية ** وأنت علينا كالحسام المهند

فقعد سعيد على النا وضعفوه‏.‏

وكان رجل من بني أسد يقال له إسماعيل منقطعًا إلى مروان بن محمد فذكر إسماعيل عند خذينة مودته لموان فقال خذينة‏:‏ وما ذاك السلط فقال إسماعيل‏:‏ زعمت خذينة انني سلط لخدينة المرآة والمشط ومجامر وكاحل جعلت ومعازف وبخدها نقط أفذاك أم زعف مضاعفة ومهند من شأنه القط لمقرسٍ ذكرٍ أخي ثقةٍ لم يغذه التأنيث واللقط في أبيات غيرها‏.‏

ذكر موت حيان النبطي

وقد ذكر من أمر حيان فيما تقدم عند قتل قتيبة وأنه ساد وتقدم بخراسان فلما قال سورة بن الحر‏:‏ يا نبطي وأجابه حيان فقال‏:‏ أنبط الله وجهك على ما تقدم آنفا حقدها عليه سورة فقال لسعيد حذينة‏:‏ إن هذا العبد أعدى الناس للعرب والوالي وهو أفسد خراسان على قتيبة وهو واثب بك يفسد عليك خراسان ثم يتحصن في بعض هذه القلاع‏.‏

فقال سعيد‏:‏ لا تسمعن هذا أحدًا‏.‏

ثم دعا في مجلسه بلبن وقد أمر بذهب فسحق وألقي في اللبن الذي في إناء حيان فشربه حيان ثم ركض سعيد والناس معه أربعة فراسخ ثم رجع فعاش حيان أربعة أيام ومات وقيل‏:‏ إنه لم يمت هذه السنة وسيرد ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى‏. ‏ ذكر عزل مسلمة عن العراق وخراسان وولاية ابن هبيرة

وكان سببب ذلك أنه ولي العراق وخراسان فلم يرفع من الخراج شيئًا واستحيا يزيد بن عبد الملك أن يعزله فكتب إليه‏:‏ استخلف على عملك وأقبل‏.‏

وقيل‏:‏ إن مسلمة شاور عبد العزيز بن حاتم بن النعمان في الشخوص إلى يزيد ليزوره‏.‏

قال‏:‏ أمن شوق إليه إن عهدك منه لقريب‏.‏

قال‏:‏ لا بد من ذلك‏.‏

قال‏:‏ إذا لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه‏.‏

فسار مسلمة فلقيه عمر بن هبيرة الزاري بالعراق على دواب البريد فسأله عم مقدمة فقال عمر‏:‏ وجهني أمير المؤمنين في حيازة أموال بني المهلب‏.‏

فلما خرج من عنده أحضر مسلمة عبد العزيز بن حاتم وأخبره خبر ابن هبية فقال‏:‏ قد قلت لك‏.‏

قال مسلمة‏:‏ فإنه جاء لحيازة أموال آل المهلب‏.‏

قال‏:‏ هذا أعجب من الأول يكون ابن هبيرة على الجزيرة فيعزل عنها ويبعث لحيازة أموال بني المهلب ولم يكتب معه إليك كتاب‏!‏ فلم يلبث حتى أتاه ابن هبيرة عمالة والغلظة عليهم فقال الفرزدق‏:‏ راحت بمسلمة البغال عشيةً فارعي فزارة لا هناك المرتع عزل ابن بشرٍ وابن عمرو قبله وأخو هراة لمثلها يتوقع يعني بابن بشر بن مروان وبابن عمرو محمدًا ذا الشامة وبأخي هراة سعيد خذينة‏.‏

وأما ابتداء أمر ابن هبيرة حتى ولي العراق فإنه قدم من البادية من بني فزارة فافترض مع بعض ولاة الحرب وكان يقول‏:‏ لأرجو أن لا تنقضي الأيام حتى ألي العراق‏.‏

وسار مع عمرو بن معتوية العقيلي إلى غزو الروم فأتي بفرس رائع إلا أنه لا يستطاع ركوبه فقال‏:‏ من ركبه فهو له فقام عمر بن هبيرة وتنحى علن الفرس وأقبل حتى إذا كان بحيث تناله رجلا الفرس إذا رمحه وثب فصار على سرجه فأخذ الفرس‏.‏

فلما خلع مطرف بن المغيرة بن شعبة الحجاج سار عمر بن هبيرة في الجيش الذين حاربوه من الري فلما التقى العسكان التحق ابن هبيرة بمطرف مظهر أنه معه فلما جال الناس كان ممن قتله وأخذ رأسه وقيل قتله غيره وأخذ هو رأسه وأتى به عديا فأعطاه مالًا وأوفده إلى الحجاج بالرأس فسيره الحجاج إلى عبد الملك فأقطعه ببرزة وهي قرية بدمشق وعاد إلى الحجاج

فوجهه إلى كردم بن مرثد الفزاري ليخلص منه مالًا فاخذه منه وهرب إلى عبد الملك وقال‏:‏ أنا عائذ بالله وبأمير المؤمنين من الحجاج فإنني قتلت ابن عمه مطرف بن المغيرة وأتيت أمير المؤمنين برأسه ثم رجعت فأراد قتلي ولست آمن أن ينسبني إلى أمر يكون فيه هلاكي‏.‏

فقال‏:‏ أنت في جواري‏.‏

فأقام عنده فكتب فيه الحجاج إلى عبد الملك يذكر أخذه المال وهربه فقال له‏:‏ أمسك عنه‏.‏

وتزوج بعض ولد عبد الملك بنتا للحجاج فكان ابن هبيرة يهدي ويبرها وييسر عليها فكتب إلى أبيها تثني عليه فكتب إليه الحجاج يأمره أن ينزل به حاجاته وعظم شأنه بالشام‏.‏

فلما استخلف عمر بن عبد العزيز استعمله على الجزيرة فلما ولي يزيد بن عبد الملك ورأى ابن بيرة تحكم حرابة عليه تابع هداياه إليها وإلى يزيد بن عبد الملك فعملت له في ولاية العراق فولاه يزيد‏.‏

وكان ابن هبيرة بينه وبين القعقاع بن خليد العبسي تحاسد فقال القعقاع‏:‏ من يطيق ابن هبيرة حبابة بالليل وهداياه بالنهار‏!‏ فما ماتت حبابة قال القعقاع‏:‏ هلم فقد ماتت حبابة سامين بنفسك يقدمك الذرى والكمواهل أغرك أن كانت حبابة مرةً تميحك فانظر كيف ما أنت فاعل في أبيات‏.‏

وكان بينه وبين القعقاع يومًا كلام فقال له القعقاع‏:‏ يا بن اللخناء من قدمك فقال‏:‏ قدمك أنت وأهلك أعجاز الغواني وقدمتي صدور العوالي‏.‏

فسكت القعقاع‏.‏

يعني أن عبد الملكل قدمهم لما تزوج إليهم فإن أم الوليد وسليمان ابني عبد الملكل بن مروان عبسية ذكر بعض الدعاة للدولة العباسية وفي هذه السنة وحه ميسرة رسله من العراق إلى خراسان فظهر أمر الدعاة بها فجاء عمر بن بحير بن ورقاء السعدي إلى سعيد خذينة فقال له‏:‏ إن هاهنا قومًا قد ظهر منهم كلام قبيح وأعلمه حالهم فبعث سعيد إلهم فأتي بهم فقال‏:‏ ممن أنتم قالوا‏:‏ ناس من التجار‏.‏

قال‏:‏ فما هذا الذي يحكى قالزا‏:‏ لا ندري‏.‏

قال‏:‏ جئتم دعاة قالوا‏:‏ إن لنا في أنفسنا وتجارتنا شغلًا عن هذا‏.‏

فقال‏:‏ مني يعرف هؤلاء فجاء ناس من أهل خراسان أكثرهم من ربيعة واليمن فقالوا‏:‏ نحن نعرفهم وهم علينا إن أتاك منهم شيء تكرهه‏.‏

فخلى سبيلهم‏.‏

ذكر قتل يزيد بن أبي مسلم

قيل‏:‏ كان يزيد بن عبد الملك قد استعمل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية سنة إحدى ومائة وقيل هذه السنة وكان سبب قتله أنه عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج في أهل الإسلام الذين سكنوا

الأمصار ممن كان أصله من السواد من أهل الذمة فأسلم بالعراق فإنه ردهم إلى قراهم ووضع الجزية على رقابهم على نحو ما كانت تؤخد منهم وهم كفار فلما عزم يزيد على ذلك اجتمع رأيهم على قتله وولوا على أنفسهم الوالي الذي ككان عليهم قبل يزيد بن أبي مسلم وهو محمد بن زيد فولي الأمصار وكان عندهم وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك‏:‏ إنا لم نخلع أيدينا من طاعة ولكن يزيد بن أب مسلم سامنا ما لا يراه الله والمسلمون فقتلناه وأعدنا عاملك‏.‏

فكتب إليهم يزيد بن عبد الملك‏:‏ إني لم أرض ما صنع يزيد بن أبي مسلم وأقر محمد ابن يزيد على عمله‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا عمر بن هبيرة الروم من ناحية أرمينية وهو على الجزيرة قبل أن يلي العراق فهزمهم وأسر منهم خلقًا كثيرًا وقتل سبعمائة أسير‏.‏

وفيها غزا عباس بن الوليد بن عبد الملك الروم فافتتح دلسة‏.‏

وحج بالناس هذه السنة عبد الرحمن بن الضحاك وهو عامل المدينة وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد‏.‏

وكان على الكوفة محمد بن عمرو ذو الشامة وعلى قضائها القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعلى البصرة عبد الله بن بشر بن مروان إلى أن عزله عمر بن هبيرة وعلى خراسان سعيد خذينة وعلى مصر أسامة بن زيد‏. ‏ ثم دخلت سنة ثلاث ومائة

ذكر استعمال سعيد الحرشي على خراسان

في هذه السنة عزل عمر بن هبيرة سعيد خذينة عن خراسان‏.‏

وكان سب عزله أن المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الله بن عمير الليثي قدما على عمر بن هبيرة فشكواه فعزله واستعمل سعيد بن عمروا الحرشي بلحاء المهملة والشين المعجمة من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‏.‏

وكان خذينة غازيا بباب سمرقند فبلغه عزله وخلف بسمرقند ألف رجل‏.‏

وقيل‏:‏ إن عمر بن هبيرة كتب إلى يزيد بن عبد الملك بأسماء من أبلى يوم العقر ولم يذكر سعيدًا الحرشي فقال يزيد‏:‏ لم يذكر الحرشي وكتب إلى عمر بن هبيرة أن أول الحرشي خراسان فولاه فقدم بين يديه المجشر بن مزاحم السلمي فقال نهار بن توسعة‏:‏ فهل من مبلغ فتيان قومي بأن النبل ريشت كل ريش وقدم سعيد الحرشي خراسان فلم يعرض لعمال خذينة وقرأ رجل عهده فلحن فيه فقال‏:‏ صه مهما سمعتم فهو من الكتاب والأمير منه بريء‏.‏

ولما قدم الحرشي خراسان كان الناس بإزاء العدو وكانوا قد نكبوا فخطبهم وحثهم على الجهاد وقال‏:‏ إنكم لا تقاتلون بكثرة ولا بعدة ولكن بنصر الله وعز الإسلام فقالوا‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقال‏:‏ فلست لعامر إن لم تروني أمام الخيل أطعن بالعوالي وأضرب هامة الجبار منهم بعضب الحد حودث بالصقال فما أنا في الحروب بمستكين ولا أخشى مصاولة الرجال أبى لي والدي من كل ذم وخالي في الحوادث خير خال فلما سمع أهل الصغد بقدوم الحرشي خافوا على نفوسهم لأنهم كانوا قد أعانوا لترك أيام خذينة فاجتمع عظماؤهم على الخروج من بلادهم فقال لهم ملكهم‏:‏ لا تفعلوا أقيموا واحملوا الخراج ما مضى واضمنو له خراج ما يأتي وعمارة الأرض والغزو معه إن أراد ذلك واعتذروا مما كان منكم وأعطوه رهائن‏.‏

قالوا‏:‏ نخاف أن لا يرضى ولا يقبل ذلك منا ولكنا نأتي خجندة فنستجير ملكها ونرسل إلى الأمير فنسأله الصفح عما كان منا ونوثق أنه لا يرى أمرًا يكرهه‏.‏

فقال‏:‏ أنا رجل منكم والذي أشرت به عليكم خير لكم‏.‏

فأبوا وخرجوا إلى خجندة وأرسلوا إلى ملك فرغانة يسألونه أن يمنعهم وينزلهم مدينته فأراد أن يفعل فقالت أمه‏:‏ لا يدخل هؤلاء الشياطين مدينتك ولكن فرغ لهم رستاقًا يكونون فيه فأرسل إليهم‏:‏ سموا رستاقًا تكونون فيه حتى أفرغه لكم وأجلوني أربعين يومًا وقيل عشرين يومًا‏.‏

فاختاروا شعب عصام بن عبد الله الباهلي وكان قتيبة قد خلفه فيهم فقال‏:‏ نعم ولا أنا على عقد وجوار حتى تدخلوه وإن أتتكم العرب قبل أن تدخلوه لم أمنعكم‏.‏فرضوا ففرغ لهم الشعب‏.‏

ذكر عدة حوادث

قيل‏:‏ وفي هذه السنة أغارت الترك على اللان‏.‏

وفيها غزا العباس بن الوليد الروم ففتح مدينة يقال لها دلسة‏.‏

وفيها جمعت مكة والمدينة لعبد الرحمن بن الضحاك‏.‏

وفيها ولي عبد الواحد بن عبد الله النضري الطائف وعزل عبد العزيز بن عبد الله بن خالد عنه وعن مكة‏.‏

وحج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك وكان عامل مكة والمدينة وكان على العراق عمر بن هبيرة وعلى خراسان الحرشي وعلى قضاء الكوفة القاسم بن عبد الرحمن وعلى قضاء البصرة عبد الملك بن يعلي‏.‏

وفي هذه السنة مات الشعبي وقيل ينة أربع وقيل خمس وقيل سبع ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة‏.‏

وفيها مات يزيد بن الأصم وهو ابن أخت ميمونة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقيل‏:‏ مات سنة أربع ومائة وعمره ثلاث وسبعون سنة‏.‏

وفيها مات أبو بردة بن أبي موسى الأشعري‏.‏

ويزيد ابن نمير السكوني‏.‏

وفيها توفي عطاء بن يسار وهو أخو سليمان يسار بالياء المثناة من تحت والسين المهملة‏.‏

وفيها توفيت عمرة بنت عبد الرحمن ابن يعبد ابن زرارة الأنصارية وهي ابنة سبع وسبعين سنة‏.‏

وفيها توفي مصعب ابن سعد بن أبي وقاص‏.‏

ويحيى بن وثاب الأسدي المنقري‏.‏

وعبد العزيز ابن حاتم بن النعمان الباهلي وكان عامل عمر بن العزيز على الجزيرة‏.‏

ثم دخلت سنة أربع ومائة

ذكر الوقعة بين الحرشي والصغد

قيل‏:‏ وفي هذه السنة غزا الحرشي فقطع النهر وسار فنزل في قصر الريح على فرسخين من قيل‏:‏ وفي هذه السنة غزا الحرشي فقطع النهر وسار فنزل في قصر الريح على فرسخين من الدبوسية ولم يجتمع إليه جنده فأمر بالرحيل فقال له هلال بن عليم الحنظلي‏:‏ يا هناه إنك وزيرًا خير منك أميرًا لم يجتمع إليك جندك وقد أمرت بالرحيل‏.‏

فعاد فأمر بالنزور وأتاه ابن عم ملك فرغانة فقال له‏:‏ إن أهل الصغد بخجندة وأخبره بخبرهم وقال‏:‏ عاجلهم قبل أن يصلوا إلى الشعب فليس لهم جوار علينا حتى يمضي الأجل‏.‏فوجه معه عبد الرحمن القشيري وزياد بن عبد الرحمن في جماعة ثم ندم بعدما فصلوا وقال‏:‏ جائني علج لا أعلم أصدق أم كذب فغررت بجندٍ من المسلمين فارتحل في أثرهم حتى نزل أشروسنة فصالحهم بشيء يسير‏.‏

فبينا هو يتعشى إذ قيل له هذا عطاء الدبوسي وكان مع عبد الرحمن فسقطت اللقمة من يده ودعاء بعطاء فقال‏:‏ ويلك قاتلتم أحدًا قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ لله الحمد‏!‏ وتعشى وأخبره بما قدم له فسار مسرعًا حتى لحق القشيري بعد ثلاثة أيام وسار فلما انتهى إلى حجندة قال له بعض أصحابه‏:‏ ما ترى قال‏:‏ أرى المعالجة‏.‏

قال‏:‏ لا أرى ذلك إن جرح رجل فإلى أين يرجع وأقتل قتيل فإلى من يحمل ولكني أرى النزول والتأني والاستعداد للحرب‏.‏

فنزل فأخذ في التأهي فلم يخرج أحد من العدو فجبن الناس الحرشي وقالوا‏:‏ كان يذكر بشجاعة وديانة فلما صار بالعراق ماق‏.‏

فحمل رجل من العرب فضرب باب خجندة بعمود ففتح الباب وكانوا حفروا في ربضهم وراء الباب الخارج خندقًا وغطوه بقصب وتراب مكيدة وأرادوا أذ التقوا إن انهزموا كانو قد عرفوا الطريق ويشكل على المسلمين ويسقطون في الخندق فلما خرجوا قاتلوهم فانهزموا وأخطأهم الطريق فسقطوا في الخندق وأخرج منهم المسلمون أربعين رجلًا‏.‏

وحصرهم الحرشي ونصب عليهم المجانيق‏.‏

فأرسلوا إلى ملك فرغانة‏:‏ غنك غدرت بنا وسألوه أن ينصرهم فقال‏:‏ قد أتوكم قبل انقضاء الأجل ولستم في جواري‏.‏

فطلبوا الصلح وسألوا الأمان وأن يردهم إلى الصغد واشترط عليهم أن يردوا ما في أيديهم من نساء العرب ودراريهم وأن يؤدوا ما كسروا من الخراج ولا يغتالوا أحدًا ولا يتخلف منهم بخجندة أحد فإن أحدثوا حدثًا حلت دامؤهم‏.‏

فخرج إليهم الملوك والتجار من الصغد وترك أهل خجندة على حالهم ونزل عظماء الصغد على الجند الذين يعرفونهم ونزل كارزنج على أيوب بن أبي حسان‏.‏

وبلغ الحرشي أنهم قتلوا امرأة ممن كان في أيديهم فقال‏:‏ بلغني أن ثابتًا قتل امرأة ودفنها فجحد فسأل فإذا الخبر صحيح فدعا بثابت إلى خيمته فقتله فلما سمع كارزنج بقتله خاف أن يقتل وأرسل إلى ابن أخيه ليأتيه بسراويل وكان قد قال لابن أخيه‏:‏ إذا طلبت سراويل فاعلم أنه القتل فبعث به إليه وخرج واعترض الناس فقتل ناسًا وتضعضع العسكر ولقوا منه سرًا أنهى إلى ثابت بن عثمان بن مسعود فقتله ثابت‏.‏

وقتل الصغد أسرى عندهم من المسلمين مائة وخمسين رجلًا فأخبر الحرشي بذلك فسأل

فرأى الخبر صحيحًا فأمر بقتلهم وعزل التجار عنهم فقاتلهم الصغد بالخشب ولم يكن لهم سلاح فقتلوا عن آخرهم وكانوا ثلاثة آلاف وقيل سعة آلاف واصطفى أموال الصغد وذراريهم وأخذ منها ما أعجبه ثم دعا ملسم بن بديل العدوي عدي الرباب وقال‏:‏ وليتك المقسم‏.‏

فقال‏:‏ بعدما عمل فيه عمالك ليلة‏!‏ وله غيري فولاه غيره‏.‏

وكتب الحرشي إلى يزيد بن عبد الملك ولم يكتب إلى عمر بن هبيرة فكان هذا مما أوغر صدره عليه وقال ثابت قطنة يذكر ما أصابوا من عظمائهم‏:‏ أقر العين مصرع كارزنج وكشكير وما لاقى يباد وديوشتى وما لاقى خلنج بحصن خجند إذا دمروا فبادروا يقال‏:‏ إن دويشتى دهقان سمرقند واسمه ديو أشنج فأعربوه وقيل‏:‏ كان على أقباض خجندة علباء بن أحمر اليشكري فاشترى رجل منهم جونة بدرهمين فوجد فيها سبائك ذهب فرجع وقد وضع يده على وجهه كأنه رمد فرد الجونة وأخذ الدرهمين فطلب لم يعرف‏.‏

وسرح الحرشي سليمان بن أبي السري إلى حصن لا يطيف به وادي الصغد إلا من وجه واحد ومعه خوارزمشاه وصاحب آخرون وشومان فسير سليمان على مقدمته المسيب بن بشر الرياحي فتلقوه على فرسخ فهزمهم حتى ردهم إلى حصنهم فحصرهم فطلب الديوشتى أن ينزل على حكم الحرشي فسيره إليه فأكرمه وطلب أهل القلعة الصلح على أن لا يتعرض لنسائهم زراريهم ويسلمون القلعة‏.‏

فبعث سليمان إلى الحرشي ليبعث الأمناء لقبض ما في القلعة فبعث من قبضه وباعوه وقسموه‏.‏

وسار الحرشي إلى كش وصالحوه على عشرة آلاف رأس وقيل ستة آلاف رأس‏.‏

وسار إلى زلرنج فوافاه كتاب ابن هبيرة بإطلاق ديوشتى فقتله وصلبه وولى نصر بن سيار قبض صلح كش واستعمل سليمان بن أبي السري على كش ونسف حربها وخراجها‏.‏

وكانت خزائن منيعة فقال المجشر للحرشي‏:‏ ألا أدلك على من يفتحها لك بغير قتال قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ المسربل بن الخريت بن راشد الناجي فوجهه إليها وكان صديقًا لملكها واسم الملك سبغرى فأخبر الملك بما صنع الحرشي بأهل خجندة وخوفه قال‏:‏ فما ترى قال‏:‏ أن تنزل بأمان‏.‏

قال‏:‏ فما أصنع بمن لحق بي قال‏:‏ تجعلهم في أمانك فصالحهم فأمنوه وبلاده ورجع الحرشي إلى بلاده ومعه سبغرى فقتل سبغرى وصلب ومعه الأمان‏.‏

ذكر ظفر الخزر بالمسلمين

في هذه السنة دخل جيش للمسلمين بلاد الخزر من أرمينية وعليهم ثبيت النهراني فاجتمعت الخزر في جمع كثير وأعانهم قفجان وغيرهم من أنواع الترك فلقوا المسلمين في مكان يعرف بمرج الحجارة فاقتتلوا هنالك قتالًا شديدًا فقتل من الملمين بشر كثير واحتوت الخزر على عسكرهم وغنموا جميع ما فيه وأقبل المنهزمون إلى الشام فقدموا على يزيد بن عبد الملك وفيهم قبيت فوبخهم يزيد على الهزيمة فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما جبنت ولا نكبت عن لقاء العدو ولقد لصقت الخيل بالخيل والرجل بالرجل ولقد طاعنت حتى انقصف رمحي وضاربت حتى انقطع سيفي غير أن الله تبارك وتعالى يفعل ما يريد‏.‏

ذكر ولاية الجراح أرمينية وفتح بلنجر وغيرها

لما تمت الهزيمة المذكورة على المسلمين طمع الخزر في البلاد فجمعوا وحشدوا واستعمل يزيد بن عبد الملك الجراح بن عبد الله الحكمي حينئذ على أرمينية وأمده بجيش كثيف وأمره بغزو الخزر وغيرهم من الأعداء وبقصد بلاده‏.‏

فسار الجراح وتسامع الخزيرية فعادوا حتى نزلوا بالباب والأبواب ووصل الجراح إلى برذعة فأقام حتى استراح هو ومن معه سار نحو الخزر فعبر نهر الكر فسمع بأن بعض من معه من أهل تلك الجبال قد كاتب ملك الخزر يخبره بمسير الجراح إليه فحينئذ أمر الجراح مناديه فنادى في الناس‏:‏ إن المير مقيم ها هنا عدة أيام فاستكثروا من الميرة فكتب ذلك الرجل إلى ملك الخزر يخبره أن الجراح مقيم ويشير عليه بترك الحركة لئلا يطمع المسلمون فيه‏.‏

فلما كان الليل أمر الجراح بالرحيل فسار مجدًا حتى انتهى إلى مدينة الباب والأبواب فلم ير الخزر فدخل البلد فبث سراياه في النهب والغارة على ما يجاوره فغنموا وعادوا من الغد وسار الخزر إليه وعليهم ابن ملكهم فالتقوا عند نهر الران واقتتلوا قتالًا شديدًا وحرض الجراح أصحابه واشتد القتال فظفروا بالخزر وهزموهم وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون فقتل منهم خلق كثير وغنم المسلمون جميع ما معهم وساروا حتى نزلوا على حصن يعرف بالحصين فنزل أهله بالأمان على مال يحملونه فأجابهم ونقلهم عنها‏.‏

ثم سار إلى مدينة يقال لها يرغوا فأقام عليها ستة أيام وهو مجد في قتلهم فطلبوا الأمان فأمنهم وتسلم حصنهم ونقلهم منه‏.‏

ثم سار الجراح إلى بلنجر وهو حصن مشهور من حصونهم فنازله وكان أهل الحصن قد جمعوا ثلاثمائة عجلة فشدوا بعضها إلى بعض وجعلوها حول حصنهم ليحتموا بها وتمنع المسلمين من الوصول إلى الحصن وكانت تلك العجل أشد شيء على المسلمين في قنالهم‏.‏

فلما رأوا الضرر الذي عليهم منها انتدب جماعة منهم نحو ثلاثين رجلًا وعاهدوا على الموت وكسروا جفون سيوفهم وحملوا حملة رجل واحد وتقدموا نحو العجل وجد الكفار في قتالهم ورموا من النشاب ما كان يحجب الشمس فلم يرجع أولئك حتى وصلوا إلى العجل وتعلقوا ببعضها وقطعوا الجبل الذي يمسكها وجذبوها فانحدرت وتبعها سائر العجل لأن بعضها كان مشدودًا إلى بعض وانحدر الجميع إلى المسلمين والتحم القتال واشتد وعظم الأمر على الجميع حتى بلغت القلوب الحناجر‏.‏

ثم إن الخزر انهزموا واستولى المسلمون على الحصن عنوة وغنموا جميع ما فيه في ربيع الأول فأصاب الفارس ثلاثمائة دينار وكانوا بضعة وثلاثين دينار وكانوا بضعة وثلاثين ألفًا‏.‏

ثم إن الجراح أخذ أولاد صاحب بلنجر وأهله وأرسل إليه فأحضره ورد إليه أمواله وأهله وحصنه وجعله عينًا لهم يخبرهم بما يفعله الكفار‏.‏

ثم سار عن بلنجر فنزل على حصن السويدر وبه نحو أربعين ألف بيت من الترك فصالحوا الجراح على مال يؤدونه‏.‏

ثم إن أهل تلك البلاد تجمعوا وأخذوا الطرق على المسلمين فكتب صاحب بلنجر إلى الجراح يعلمه بذلك‏.‏

فعاد مجدًا حتى وصل إلى رستاق ملى وأدركهم الشتاء فأقام المسلمون به وكتب الجراح إلى يزيد بن عبد الملك يخبره بما فتح الله عليه وبما اجتمع من الكفار ويسأله المدد‏.‏

فوعده إنفاذ العساكر إليه فأدركه أجله قبل إنفاذ الجيش

ذكر عزل عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة ومكة

وفي هذه السنة عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة ومكة وكان عامله عليهما ثلاث سنين وولى عبد الواحد النضري‏.‏

وكان سبب ذلك أن عبد الرحمن خطب فاطمة بنت الحسين بن علي فقالت‏:‏ ما أريد النكاح ولقد قعدت على بني هؤلاء‏.‏

فألح عليها وقال‏:‏ لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر بنيك في الخمر يعني عبد الله بن الحسن بن الحسين ابن علي وكان على الديوان بالمدينة ابن هرمز رجل من أهل الشام وقد رفع حسابه ويريد أن يسير إلى يزيد فدخل على فاطمة يودعها فقال‏:‏ هل من حاجة فقالت‏:‏ تخبر أمير المؤمنين بما ألقى من ابن الضحاك وما يتعرض مني وبعثت رسولًا بكتابك إلى يزيد بخبره بذلك‏.‏

وقدم ابن هرمز على يزيد فاستخبره عن المدينة وقال‏:‏ هل من مغربة خبر فلم يذكر شأن فاطمة‏.‏

فقال الحاجب ليزيد‏:‏ بالباب رسول من فاطمة بنت الحسين‏.‏

فقال أبن هرمز‏:‏ إنها حملتني رساةً إليك‏.‏

وأخبره بالخبر‏.‏

فنزل من فراسه وقال‏:‏ لا أم لك‏!‏ عندك هذا ولا تخبرنيه فاعتذر بالنسيان وأذن لرسولها فأدخله وأخذ الكتاب فقرأه وجعل يضرب بخيزران في يده ويقول‏:‏ لقد اجترأ ابن الضحاك هل من رجل يسمعني صوته في العذاب قيل له‏:‏ عبد الواحد بن عبد الله النضري‏.‏

فكتب بيده إلى عبد الواحد‏:‏ قد وليتك المدينة فاهبط إليها واعزل عنها ابن الضحاك وأغرمه أربعين ألف دينار وعذبه حتى أسمع صوته وأنا على فراشي‏.‏

وسار البريد بالكتاب ولم يدخل على ابن الضحاك فأخبر ابن الضحاك فأحضر البريد وأعطاه ألف دينار ليخبره خبره فسار ابن الضحاك مجدًا فنزل على مسلمة بن عبد الملك فاسجاره فحضر مسلمة عنه يزيد فطلب إليه حاجة خاله فقال‏:‏ كل حاجة خاله فقال‏:‏ كل حاجة فهي لك إلا ابن الضحاك‏.‏

فقال‏:‏ هي والله ابن الضحاك‏.‏

فقال‏:‏ والله لا أعفيه أبدًا‏.‏

وردة إلى المدينة إلى المدينة إلى عيد الواحد فعذبه ولقي شرًا ثم لبس جبة صوف يسأل الناس‏.‏

وكان قدوم النضري في شوال سنة أربع ومائة‏.‏

وكان ابن الضحاك قد آذى الأنصار طرًا فهجاه الشعراء وذمه الصالحون ولما وليهم النضري أحسن السيرة فأحبوه وكان خيرًا يستشير فيما يرد فعله القاسم بن محمد وسالم ابن عبد الله بن عمر‏.‏

ذكر ولادة أبي العباس السفاح

وقيل‏:‏ وفيها ولد أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن علي في ربيع الآخر وهو السفاح ووصل إلى أبيه محمد بن علي أبو محمد الصادق من خراسان في عدة من أصحابه فأخرج إليهم أبا العباس في خرقة وله خمسة عشر يومًا وقال لهم‏:‏ هذا صاحبكم الذي يتم الأمر على يده فقلبوا أطرافه وقال لهم‏:‏ والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تدركوا ثأركم من عدوكم‏.‏

ذكر عزل سعيد الحرشي

وفي هذه السنة عزل بن هبيرة سعيدًا الحرشي عن خراسان وولاها مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي‏.‏

وكان السبب في ذلك ما كان كتبه ابن هبيرة إلى الحرشي بإطلاق الديوشتى فقتله وكان يستخف بابن هبيرة ويذكره بأبي المثنى ولا يقول الأمير فيقول‏:‏ قال أبو المثنى وفعل أبو المثنى فبلغ ذلك ابن هبيرة فأرسل جميل بن عمران ليعلم حال الحرشي وأظهر أنه ينظر في الدواوين فلما قدم على الحرشي قال‏:‏ كيف أبو المثنى فقيل له‏:‏ إن جميلًا لم يقدم إلا ليعلم علمك‏.‏

فسم بطيخة وبعث بها إليه فأكلها ومرض وسقط شعره ورجع إلى ابن هبيرة وقد عولج فصح فقال له‏:‏ الأمر أعظم مما بلغك ما يرى الحرشي إلا أنك عامل له فغضب وعزله ونفح في بطنه النمل وسمر ليلة ابن هبيرة فقال‏:‏ من سيد قيس فقالوا‏:‏ الأمير‏.‏

قال‏:‏ دعوا هذا سيد قيس الكوثر بن زفر لوثور بليل لوافاه عشرون ألفًا لا يقولون لم دعوتنا وفارسها هذا الحمار الذي في الحبس وقد أمرت بقتله يعني الحرشي فأما خير قيس لها فعسى أن أكونه‏.‏

فقال له أعرابي من بني فزارة‏:‏ لو كنت كما تقول ما أمرت بقتل فارسها‏.‏

فأرسل إلى معقل بن عروة أن كف عن قتله وكان قد لسمه إليه ليقتله وكان ابن هبيرة لما ولى مسلم ابن سعيد خراسان أمره بأخذ الحرشي وتقيده وانفاذ إله فقدم مسلم دار الإمارة فرأى الباب مغلقًا فقيل للحرشي‏:‏ قدم مسلم فأرسل إليه‏:‏ أقدمت أميرًا أو وزيرًا أو زائرًا فقال‏:‏ مثلي لا يقدم زائرًا ولا وزيرًا‏.‏

فأتاه الحرشي فشتمه وقيده وأمر بحبسه ثم أمر صاحب الحبس أن يزيده قيدًا فأخبر الحرشي بذلك فقال لكاتبه‏:‏ اكتب إليه إن صاحب سجنك ذكر أنك أمرته أن يزيدني قيدًا فإن كان أمرًا ممن فوقك فسمعًا وطاعة وإن كان رأيًا رأيته فسيرك الحقحقة‏!‏ وهي أشد السير وتمثل‏:‏ فإما تثقفوني فاقتلوني ومن يثقف فليس له خلود هم الأعداء إن شهدوا وغابوا أولو الأحقاد والأكباد سود فلما هرب ابن هبيرة عن العراق أرسل خالد القسري في طلب الحرشي فأدركه على الفرات فقال‏:‏ ما ظنك بي قال‏:‏ ظني بك أنك لا تدفع رجلًا من قومك إلى رجل من قيس‏.‏

فقال‏:‏ هو

ذكر عدة حوادث

وحج بالناس هذه السنة عبد الواحد بن عبد الله النضري وعلى العراق والمشرق عمر بن هبيرة‏.‏

وعلى الكوفة حسين بن حسن الكن‏.‏

وعلى قضاء البصرة عبد الملك بن يعلى‏.‏

وفيها مات أبو قلابة الجرمي وقيل سنة سبع ومائة‏.‏

وفيها مات أبو قلابة الجرمي وقيل سنة سبع ومائة‏.‏

وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت النصاري‏.‏

وفيها توفي يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة‏.‏

وفيها مات عامر بن سعد بن أبي وقاص‏.‏

وفيها توفي موسى بن طلحة بن عبيد الله‏.‏

وعمير مولى ابن عباس يكنى أبا عبد الله‏.‏

وخالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي سكن الشام‏.‏


ثم دخلت سنة خمس ومائة   ‏  ‏  ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏