المجلد الرابع - ذكر وقعة كمرجه

ثم عن خاقان حصر كمرجه وهي من أعظم بلدان خراسان وبها جمع من المسلمين ومع خاقان أهل فرغانة وأفشينة ونسف وطوائف من أهل بخارى فاغلق المسلمون الباب وقطعوا القنطرة التي على الخندق‏.‏

فأتاهم ابن خسرو بن يزدجرد فقال‏:‏ يا معشر العرب لم تقتلون أنفسكم أنا الذي جئت بخاقان ليرد علي مملكتي وأنا آخذ الأمان‏.‏

فشتموه‏.‏

وأتاهم بازغرى في مائتين وكان داهية وكان خاقان لا يخالفه فدنا من المسلمين بأمان وقال‏:‏ لينزل إلي رجل منكم أكلمه بما أرسلني به خاقان‏.‏

فأحذروا يزيد بن سعيد الباهلي وكان يفهم التركية يسيرًا فقال له‏:‏ إن خاقان أرسلني وهو يقول إني أجعل من عطاؤه منكم ستمائة ألفًا ومن عطاؤه ثلاثمائة وستمائة وهو يحسن إليكم‏.‏

فقال له يزيد‏:‏ كيف تكون العرب وهم ذئاب مع الترك وهم شاء‏!‏ لا يكون بيننا وبينهم صلح‏.‏

فغضب بازغرى وكان معه تركيان فقالا‏:‏ ألا تضرب عنقه فقال‏:‏ إنه نزل بأمان‏.‏

وفهم يزيد ما قالا فخاف فقال‏:‏ بلى إنما تجعلوننا نصفين فيكون نصفنا مع أثقالنا ويسير النصف معكم فإن ظفرتم فنحن معكم وإن كان غير ذلك كنا كسائر مدائن الصغد‏.‏

فرضوا بذلك وقال‏:‏ أعرض على أصحابي هذا‏.‏

وصعد في الحبل فلما صار على السور نادى‏:‏ يا أهل كمرجه اجتمعوا فقد جاءكم قوم يدعونكم إلى الكفر بعد الإيمان فما ترون قالوا‏:‏ لا نجيب ولا نرضى‏.‏

قال‏:‏ يدعونكم إلى قتال المسلمين مع المشركين‏.‏

قالوا نموت قبل ذلك‏.‏

فرد بازغرى‏.‏

ثم أمر خاقان بقطع الخندق فجعلوا يلقون الحطب الرطب ويلقي المسلمون الحطب اليابس حتى سوي الخندق فأشعلوا فيه النيران وهاجت ريح شديدة صنعًا من الله فاحترق الحطب وكانوا جمعوه في سبعة أيام في ساعة واحدة‏.‏

ثم فرق خاقان على الترك أغنامًا وأمرهم أن يأكلوا لحمها ويحشوا جلودها ترابًا وكبسوا خندقها ففعلوا ذلك فأرسل الله سحابة فمطرت مطرًا شديدًا فاحتمل السيل ما في الخندق وأقاه في النهر العظيم‏.‏

ورماهم المسلمون بالسهام فأصابت بازعغرى نشابة في سرته فمات من ليلته فدخل عليهم بموته أمر عظيم‏.‏

فلما امتد النهار جاؤوا بالأسرى الذين عندهم وهم مائة فيهم أبو العوجاء العتكي والحجاج بن حميد النضري فقتلوهم ورموا برأس الحجاج وكان عند المسلمين مائتان من أولاد المشركين رهائن فقتلوهم واستماتوا واشتد القتال‏.‏

ولم يزل أهل كرمجه كذلك حتى أقبلت جنود العرب فنزلت فرغانة فعير خاقان أهل الصغد وفرغانة والشاش والدهاقين وقال‏:‏ زعمتم أن في هذه خمسين حمارًا وأنا نفتحها في خمسة أيام فارت الخمسة شهرين‏.‏

وأمرهم بالرحيل وشتمهم فقالوا‏:‏ ما ندع جهدًا فاحضرنا غدًا وانظر ما نصنع‏.‏

فلما كان الغد وقف خاقان وتقدم ملك الطاربند فقاتل المسلمين فقتل منهم ثمانية وجاء حتى وقف على ثلمة إلى جانب بيت فيه مريض من تميم فرماه التميمي بكلوب فتعلق بدرعه ثم نادى النساء والصبيان فجذبوه فسقط لوجه ورماه رجل بحجر فأصاب أصل أذنه فصرع وطعنه آخر فقتله فاشتد قتله على الترك‏.‏

وأرسل خاقان إلى المسلمين‏:‏ إنه ليس من رأينا أن نرتحل عن مدينة نحاصرها دون إفتتاحها أو ترحلهم عنها‏.‏

فقالوا له‏:‏ ليس من ديننا أن نعطي بأيدينا حتى نقتل فاصنعوا ما بدا لكم‏.‏

فأعطاهم الترك الأمان أن يرحل خاقان عنهم وبرحوا هم عنها إلى سمرقند أو الدبوسية فرأى أهل كمرجه ما هم فيه من الحصار فأجابوا إلى ذلكم فأخذوا من الترك رهائن أن لا يعرضوا لهم وطلبوا أن كورصول التركي يكون معهم في جماعة لمينعهم إلى الدبوسية فسلموا إليهم الرهائن وأخذوا أيضًا هم من المسلمين رهائن وارتحل خاقان عنهم ثم رحلوا هم بعده فقال الأتراك الذين مع كورصول‏:‏ إن بالدبوسية عشرة آلاف مقاتل ولا نأمن أن يخرجوا علينا‏.‏

فقال لهم المسلمون‏:‏ إن قاتلوكم قاتلناهم معكم‏.‏

فساروا فلما صار بينهم وبين الدبوسية فرسخ نظر أهلها إلى الفرسان فظنوا أن كمرجه فتحت وأن خاقان قد قصدهم فتأهبوا للحرب فأرسل المسلمون إليهم يخبرونهم خبرهم فالتقوهم وحملوا من كان يضعف عن المشي ومن كان مجروحًا‏.‏

فلما بلغ المسلمون الدبوسية أرسلوا إلى من عنده الرهائن يعلمونه بوصولهم ويأمرونه بإطلاقهم فجعلت العرب تطلق رجلًا من الرهن والترك رجلًا حتى بقي سباع بن النعمان مع الترك ورجل من الترك عند العرب وجعل كل فريق يخاف من صاحبه الغدر فقال سباع‏:‏ خلوا رهينة الترك فخلوه وبقي سباع مع الترك فقال له كورصول‏:‏ ما حملك على هذا قال‏:‏ وثقت بك وقلت ترفع نفسك عن الغدر فوصله كورصول وأعطاه سلاحه وبرذونًا وأطلقه‏.‏

وكانت مدة حصار كمرجة ثمانية وخمسين يومًا فيقال‏:‏ إنهم لم يسقول إبلهم خمسة وثلاثين يومًا‏.‏

ذكر ردة أهل كردر

ونحن كفينا أهل مرو وغيرهم ونحن نفينا الترك عن أهل كردر فإن تجعلوا ما قد غنمنا لغيرنا فقد يظلم المرء الكريم فيصبر ذكر عدة حوادث في هذه السنة جمع خالد القسري الصلاة والأحداث والشرط والقضاء بالبصرة لبلال بن أبي بكرة وعزل ثمامة عن القضاء‏.‏

وفيها غزا مسلمة الترك من باب اللان فلقي خاقان في جموعه فاقتتلوا قريبًا من شهر وأصابهم مطر شديد فانهزم خاقان وانصرف ورجع مسلمة فسلك على مسلك ذي القرنين‏.‏

وفيها غزا معاوية الروم ففتح صملة‏.‏

وفيها غزا الصائفة عبد الله بن عقبة الفهري وكان على جيش البحر عبد الرحمن بن معاوية بن حديج بضم الحاء وفتح الدال المهملتين‏.‏

وحج بالناس إبراهيم بن إسماعيل‏.‏

فكان العمال على البلاد هذه السنة من تقدم ذكرهم في السنة التي قبلها‏.‏

وفيها مات الحسن البصري وله سبع وثمانون سنة‏.‏

ومحمد بن سيرين وهو ابن إحدى وثمانين سنة‏.‏

وفيها أعني سنة عشر ومائة مات الفرزدق الشاعر وله إحدى وتسعون سنة‏.‏

وجرير بن الخطفى الشاعر‏.‏

ثم دخلت سنة إحدى عشرة ومائة

ذكر عزل أشرس عن خراسان واستعمال الجنيد

في هذه السنة عزل هشام أشرس بن عبد الله عن خراسان‏.‏

وكان سبب ذلك أن شداد بن خليد الباهلي شكاه إلى هشام فعزله واسعمل الجنيد بن عبد الرحمن على خراسان وهو الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة امري‏.‏

وكان سبب استعماله أنه أهدى لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام قلادةً في جوهر فأعجبت هشامًا فأهدى لهشام قلادةً أخرى فاستعمله وحمله على ثمانية من البريد فقدم خراسان وقطعا النهر وأرسل الجنيد إلى أشرس وهو يقاتل أهل بخارى والصغد‏:‏ أن أمدني بخيل وخاف أن يقتطع دونه فوجه إليه أشرس عامر بن مالك الحماني فلما كان عامر ببعض الطريق عرض له الترك والصغد فدخل حائطًا حصينًا وقاتلهم على الثلمة ومعه ورد بن زياد بن أدهم بن كلثوم وواصل بن عمرو القيسي‏.‏

فخرج واصل وعاصم بن عيمر المسقندي ومعهما غيرهما فاستداروا حتى صاروا من وراء الماء الذي هناك‏.‏

ثم جمعوا قصبًا وخشبًا وعبروا عليه فلم يشعر خاقان إلا والتكبير من خلفه وحمل الملمون على الترك فاتلوهم فقتلوا عظيمًا من عظمائهم وانهزم الترك وار عامر إلى الجنيد فلقيه وأقبل معه وعلى مقدمة الجنيد عمارة بن حريم فلما انتهى إلى فرسخين من بيكند تلقته خيل الترك فقاتلتهم فكاد الجنيد يهلك ومن معه ثم أظهره الله وسار حتى قدم العسكر فظفر الجنيد وقتل الترك وزحف غليه خاقان فالتقوا دون رزمان من بلاد سمرقند وقطن بن قتيبة على ساقة الجنيد‏.‏

فأسر الجنيد من الترك ابن أخي خاقان في هذه الغزاة فبعث به إلى هشام‏.‏

وكان الجنيد عماله ولم يستعمل إلا مضريًا استعمل قطن بن قتيبة على بخارى والوليد بن القعقاع العبسي على هراة وحبيب بن مرة العبسي على شرطه وعلى بلخ مسلم بن عبد الرحمن بالباهلي وكان عليها نصر بن سيار وكان ما بينه وبين الباهليين متباعدًا لما كان بينهم بالبروقان وأرسل مسلم إلى نصر فصادفوه نائمًا فجاؤووا به في قميص ليس عليه سراويل ملبيًا فقال شيخ من مضر‏:‏ جئتم به على هذه الحال‏!‏ فعزل الجنيد مسلمًا عن بلخ واستعمل يحيى بن ضبيعة واستعمل على خراج سمرقند شداد بن خليد الباهلي‏.‏


في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وغزا سعيد بن هشام الصائفة اليمنى حتى أتى قيسارية وغزا في البحر عبد الله بن أبي مريم‏.‏

واستعمل هشام على عامة الناس من الشام ومصر الحم بن قيس بن مخرمة ابن عبد المطلب بن عبد مناف‏.‏

وفيها سارت الترك إلى أذربيجان فلقيهم الحارث ابن عمرو فهزمهم‏.‏

وفيها استعمل هشام الجاح بن عبد الله الحكمي على أرمينية وعزل أخاه مسلمة بن عبد الملك فدخل بلاد الجذر من ناحية تفليس فتح مدينتهم البيضاء وانصرف سالمًا فجمعت الخزر وحشدت وسارت إلى بلاد الإسلام وكان ذلك سبب قتل الجراح على ما نذكره إن شاء الله تعالى وفيها عزل عبيدة بن عبد الرحمن عامل إفريقية عثمان بن نسعة عن الأندلس واستعمل بعده الهيثم بن عبيد الكناني وقدمها في المرحم سنة إحدى عشرة ومائة وتوفي في ذي الحجة من السنة فكانت ولايته عشرة أشهر‏.‏

وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي فكان العمال من تقدم ذكرهم إلا خراسان كان بها الجنيد وكان بأرمينية الجراح بن عبد الله‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائة

في هذه السنة قتل الجراح بن عبد الله الحكمي‏.‏

وسبب ذلك ما ذكرناه قبل من دخوله بلاد الخزر وانهزامهم فلما هزمهم اجتمع الخزر والترك من ناحية اللان فلقيهم الجراح بن عبد الله فيمن معه من أهل الشام فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس فصبر الفريقان وتكاثرت الخزر والترك على المسلمين فاستشهد الجراح ومن كان معه بمرج أدبيل وكان قد استخلف أخاه الحجاج ابن عبد الله على أرمينية‏.‏

ولما قتل الجراح طمع الخزر وأغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل وعظم الخطب على المسلمين‏.‏

وكان الجراح خيرًا فاضلًا من عمال عمر بن عبد العزيز ورثاه كثير من الشعراء‏.‏

وقيل‏:‏ كان قتله ببلنجر‏.‏

ولما بلغ هشامًا خبره دعا سعيدًا الحرشي فقال له‏:‏ بلغني أن الجراح قد انحاز عن المشركين‏.‏

قال‏:‏ كلا يا أمير المؤمنين الجراح أعرف بالله من أن ينهزم ولكنه قتل‏.‏

قال‏:‏ فما رأيك قال‏:‏ تبعثني على أربعين دابة من دواب البريد ثم تبعث إلي كل يوم أربعين رجلًا ثم اكتب إلى أمراء الأجناد يوافوني‏.‏

ففعل ذلك هشام وسار الحرشي فكان لايمر بمدينة إلا ويستنهض أهلها فيجيبه من يزيد الجهاد ولم يزل كذلك حتى وصل إلى مدينة أرزن فلقيه جماعة من أصحاب الجراح وبكوا وبكى لبكائهم وفرق فيهم نفقةً وردهم معه وجعل لا يلقاه أحد من أصحاب الجراح إلا رده معه ووصل إلى خلاط وهي ممتنعة عليه فحصرها أيضًا وفتحها وقسم غنائمها في أصحابه‏.‏

ثم سار عن خلاط وفتح الحصون والقلاع شيئًا بعد شيء إلى أن وصل إلى برذعة فنزلها‏.‏

وكان ابن خاقان يومئذ بأذربيجان يغي وينهب ويسبي ويقتل وهو محاصر مدينة ورثان فخاف الحرشي أن يملكها فأرسل بعض أصحابه إلى أهل ورثان سرًا يعرفهم وصولهم ويأمرهم بالصبر فسار القاصد ولقيه بعض الخزر فأخذوه وسألوه عن حاله فاخبرهم وصدقهم فقالوا له‏:‏ إن فعلت ما نأمرك به أحسنا إليك وأطلقناك وإلا قتلناك‏.‏

قال‏:‏ فما الذي يريدون قالوا‏:‏ تقول لأهل ورثان إنكم ليس لكم مدد ولا من يكشف ما بكم وتأمرهم بتسليم البلد إلينا‏.‏

فأجابهم إلى ذلك‏.‏

فلما قارب المدينة وقف بحيث يسمع أهلها كلامه فقال لهم‏:‏ أتعرفوني قالوا‏:‏ نعم أنت فلان‏.‏

قال‏:‏ فإن الحرشي قد وصل إلى مكان كذا في عساكر كثيرة وهو يأمركم بحفظ البلد والصبر ففي هذين اليومين يصل إليكم فرفعوا أصواتهم بالتكبير والتهليل‏.‏

وقتلت الخزر ذلك الرجل ورحلوا عن مدينة ورثان فوصلها الحرشي في العساكر وليس عندها أحد‏.‏

فارتحل يطلب الخزر إلى أردبيل فسار الخزر عنها ونزل الحرشي باجروان فأتاه فارس على فرس أبيض فسلم عليه وقال له‏:‏ هل لك أيها المير في الجهاد والغنيمة قال‏:‏ كيف لي ذلك قال‏:‏ هذا عسكر الخزر في عشرة آلاف ومعهم خمسة آلاف من أهل بين من المسلمين أسارى أو سبايا وقد نزلوا على أربعة فراسخ‏.‏

فسار الحرشي ليلًا فوافاهم آخر الليل وهم نيام ففرق أصحابه في أربع جهات فكبسهم مع الفجر ووضع المسلمون فيهم السيف فما بزغت الشمس حتى قتلوا أجمعون غير رجل واحد وأطلق الحرشي من معهم من المسلمين وأخذهم إلى باجروان فلما دخلها أتاه ذلك الرجل صاحب الفرس الأبيض فسلم وقال‏:‏ هذا جيش للخزر ومعهم أموال المسلمين وحرم الجراح وأولاده بمكان كذا‏.‏

فسار الحرشي إليهم فما شعروا إلا والمسلمون معهم فوضعوا فيهم السيف فتقلوهم كيف شاؤوا ولم يفلت من الخزر إلا الشريد واستنفذوا من معهم في المسلمين والمسلمات وغنموا أموالهم وأخذ أود الجراح فأكرمهم وأحسن إليهم وحمل الجميع إلى باجروان‏.‏

وبلغ خبر فعله الحرشي بعساكر الخزر ابن ملكهم فوبخ عساكره وذمهم ونسبهم إلى العجز والوهن فحرض بعضهم بعضًا وأشاروا عليه بجمع أصحابه والعود إلى قتال الحرشي‏.‏

فجمع أصحابه من نواحي أذربيجان فاجتمع معه عساكر كثيرة وسار الحرشي إليه فالتقيا بأرض برزند واقتتل الناس أشد قتال وأعظمه فانحاز المسلمون يسيرًا فحرضهم الحرشي وأمرهم بالصبر فعادوا إلى القتال وصدقوهم الحملة واستغاث من مع الخزر من الأساى ونادوا بالتكبير والتهليل والدعاء فعندها حرص المسلمون بعضهم بعضًا ولم يبق أحد إلا وبكى رحمةً للأسرى واشتدت نكايتهم في العدو فولوا الأدبار منهزمين وتبعهم المسلمون حتى بلغوا بهم نهر رأس وعادوا عنهم وحووا ما في عساكرهم من الأموال والغنائم وأطلقوا الأسرى والسبايا وحملوا الجميع إلى باجروان‏.‏

ثم إن ابن ملك الخزر جمع من لحق به من عساكره وعاد بهم نحو الحرشي فنزل على نهر البيلقان فالتقوا هناك فصاح الحرشي بالناس فحملوا حملةً صادقة ضعضعوا صفوف الخزر وتابع الحملات وصبر الخزر صبرًا عظيمًا ثم كانت الهزيمة عليهم فولوا الأدبار منهزمين وكان من غرق منهم في النهر أكثر ممن قتل‏.‏

وجمع الحرشي الغنائم وعاد إلى باجروان فقسمها وأرسل الخمس إلى هشام بن عبد الملك وعرفه ما فتح الله على المسلمين فكتب إليه هشام يشكره‏.‏

وأقام بباجروان فأتاه كتاب هشام يأمره بالمصير إليه واستعمل أخاه مسلمة ابن عبد الملك على أرمينية وأذربيجان فوصل إلى البلاد وسار إلى الترك في شتاء شديد حتى جاز الباب في آثارهم‏.‏

في هذه السنة خرج الجنيد غازيًا يريد طخارستان فوجه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفًا ووجه إبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر وجاشت الترك فأتوا سمرقند وعليها سورة ابن الحر فكتب سورة إلى الجنيد‏:‏ إن خاقان جاش الترك فخرجت إليهم فلم أطق أن أمنع حائط سمرقند فالغوث الغوث‏!‏ فأمر الجنيد الناس بعبور النهر فقام إليه المجشر بن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي وغيرهما وقالوا‏:‏ إن الترك ليسوا كغيرهم لا يلقونك صفًا ولا زحفًا وقد فرقت جندك فمسلم بن عبد الرحمن بالبيروذ والبختري بهراة وعمارة بن حريم غائب بطخارستان وصاحب خراسان لا يعبر النهر في أقل من خمسين ألفًا فاكتب إلى عمارة فليأتك أمهل ولا تعجل‏.‏

قال‏:‏ فكيف بسورة ومن معه من المسلمين لو لم أكن إلا في بني مرة أو من طلع معي من الشام لعبرت وقال شعرًا‏:‏ أليس أحق الناس أن يشهد الوغى وأن يقتل الأبطال ضخمًا على ضخم وقال‏:‏ ما علتي ما علتي ما علتي إن لم اقتلهم فجزوا لمتي وعبر الجنيد فنزل كش وتأهب للمسير وبلغ الترك فعوروا الآبار التي في طريق كش فقال الجنيد‏:‏ أي طريق إلى سمرقند أصلح فقالوا‏:‏ طريق المحترقة‏.‏

فقال المجشر‏:‏ القتل بالسيف أصلح من القتل بالنار طريق المحترقة كثير الشجر والحشيش ولم يزرع منذ سنين فإن لقينا خاقان أحرق ذلك كله فقتلنا بالنار والدخان ولكن خذ طريق العقبة فهو بيننا وبينهم سواء‏.‏

فأخذ الجنيد طريق العقبة فارتقى في الجبل فأخذ المجشر بعنان دابته وقال‏:‏ إنه كان يقال‏:‏ ليفرخ روعك‏.‏

قال‏:‏ أما ما كان بيننا مثلك فلا‏.‏

فبات في أصل العقبة ثم سار بالناس حتى صار بينه وبين سمرقند أربعة فراسخ ودخل الشعب فصبحه خاقان في جمع عظم وزحف إليه أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من الترك فحمل خاقان على المقدمة وعليها عثمان بن عبد الله بن الشخير فرجعوا إلى العسكر والترك تتبعهم وجاؤوهم من كل وجه فجعل الجنيد تميمًا والأزد في الميمنة وربيعة في الميسرة مما يلي الجبل وعلى مجففة خيل بني تميم عبيد الله بن زهير بن حيان وعلى المجردة عمروا بن جرقاش المنقري وعلى جماعة بني تميم عامر بن مالك الحماني وعلى الأزد عبد الله بن بسطام بن مسعود بن عمرو وعلى المجففة والمجردة فضيل ابن هناد وعبد الله بن حوذان‏.‏

فالتقوا وقصد العدو الميمنة لضيق الميسرة فترجل حسان بن عبيد الله ابن زهير بين يدي أبيه فأمره أبوه بالركوب فركب وأحاط العدو بالميمنة فأمدهم الجنيد بنصر بن سيار فشد هو ومن معه على العدو فكشفوهم ثم كروا عليهم وقنتلوا عبيد الله بن زهير وابن جرقاش والفضيل ابن هناد وجالت الميمنة والجنيد واقف في اقلب فأقبل إلى الميمنة ووقف تحت راية الأزد وكان قد جفاهم فقال له صاحب الراية‏:‏ ما هلكنا لم تبك علينا‏.‏

وتقدم فقتل وأخذ الراية ابن مجاعة فقتل وتداولها ثمانية عشر رجلًا فقتلوا وقتل يومئذ من الأزد ثمانون رجلًا‏.‏

وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا فكانت السيوف لا تقطع شيئًا فقطع عبدهم الخشب يقاتلون به حتى مل الفريقان فكانت المعانقة ثم تحاجزوا‏.‏

وقتل من الأزد عبد الله بن بسطام ومحمد بن عبد الله بن حوذان والحسن ابن شيخ والفضيل صاحب الخيل ويزيد بن الفضل الحداني وكان قد حج فأنفق في حجته ثمانين ومائة ألف وقال لأمه‏:‏ ادعي الله أن يرزقني الشهادة فدعت له وغشي عليها فاستشهد بعد مقدمة من الحج بثلاثة عشر يومًا وقتل النضر بن راشد العبدي وكان قد دخل على امرأته والناس يقتتلون فقال لها‏:‏ كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة في لبد مضرجًا بالدم فشقت جيبها ودعت بالويل فقال لها‏:‏ حسبك لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقًا إلى الحور العين‏!‏ فرجع وقاتل حتى استشهد رحمه الله‏.‏

فبينا الناس كذلك إذ أقبل رهج وطلعت فرسان فنادى الجنيد‏:‏ الأرض الأرض‏!‏ فترجل وترجل الناس ثم نادى‏:‏ يخندق كل قائد على حياله فخندقوا وتحاجزوا وقد أصيب من الأزد مائة وتسعون رجلًا‏.‏

وكان قتالهم يوم الجمعة فلما كان يوم السبت قصدهم خاقان وقت الظهر فلم ير موضعًا للقتال أسهل من موضع بكر بن وائل وعليهم زياد بن الحارث فقصدهم فلما قربوا حملت بكر عليهم فأخرجوا لهم فسجد الجنيد واشتد القتال بينهم‏.‏

ذكر مقتل سورة بن الحر

فلما اشتد القتال ورأى الجنيد شدة الأمر استشار أصحابه فقال له عبيد الله بن حبيب‏:‏ احترامًا أن تهلك أنت وسورة بن الحر‏.‏

قال‏:‏ هلاك سورة أهون علي‏.‏

قال‏:‏ فاكتب إليه فليأتك في أهل سمرقند فإنه إذا بلغ الترك إقباله توجهوا إليه فقاتلوه‏.‏

فكتب إليه الجنيد يأمره بالقدوم‏.‏

وقال حليس بن غالب الشيباني‏:‏ إن الترك بينك وبين الجنيد فإن خرجت كروا عليك فاختطفوك فكتب إلى الجنيد‏:‏ إني لا أقدر على الخروج‏.‏

فكتب إليه الجنيد‏:‏ يا ابن اللخناء تخرج وإلا وجهت إليك شداد بن خليد الباهلي وكان عدوه فاخرج الزم الماء ولا تفارقه فأجمع على المسير وقال‏:‏ إذا سرت على النهر لا أصل في يويمين وبيني وينه في هذا الوجه ليلة فإذا سكت الرجل سرت‏.‏

فجاءت عيون الأتراك فأخبروهم بمقالة يورة ورحل سورة واستخلف على سمر قند موسى بن أسود الحنظلي وسار في اثني عشر ألفًا فأصبح على رأس جبل فتلقاه خاقان حين أصبح وقد سار ثلاثة فراسخ وبينه وبين الجنيد فرسخ فقاتلهم فاشتد القتال وصبروا‏.‏

فقال غوزك لخاقان‏:‏ اليوم حار فلا نقاتلهم حتى يحمى عليهم السلاح فوافقهم وأشعل النار في الحشيش وحال بينهم وبين الماء فقال سورة لعبادة‏:‏ ما ترى يا أبا سليم فقال‏:‏ أرى أن الترك يريدون الغنيمة فاعقر الدواب واحرق المتاع وجر السيف فإنهم يخلون لنا الطريق وإن منعونا شرعنا الرماح ونزحف زحفًا وإنما هو فرسخ حتى نصل إلى العسكر‏.‏

فقال‏:‏ لا أقوى على هذا ولا فلان وفلان وعد رجالًا ولكن أجمع الخيل فأصكهم بها سلمت أم عطبت‏.‏

وجمع الناس وحملوا فانكشف الترك وثار الغبار فلم يبصروا من وراء الترك لهيب فسقطوا فيه وسقط العدو والمسلمون وسقط سوة فاندقت فخذه وتفرق الناس فقتلهم الترك ولم ينجح منهم غير ألفين وقال ألف وكان ممن نجا منهم عاصم بن عمير السمرقند واستشهد حليس بن غالب الشيباني وانحاز المهلب بن زياد العجلي في سبعمائة إلى رستاق يسمى المرغاب فنزلوا قصرًا هناك فأتاهم الأشكند صاحب نسف في خيل ومعه غوزك فأعطاهم غوزك الأمان‏.‏

فقال قريش بن عبد الله العبدي‏:‏ لا تثقوا بهم ولكن إذا جننا الليل خرجنا عليهم حتى نأتي سمرقند‏.‏

فعصوه فنزلوا بالأمان فساقهم إلى خاقان فقال‏:‏ لا أجيز أمان غوزك فقاتلهم الوجف بن خالد والمسلمون فأصيبوا غير سبعة عشر رجلًا فقتلوا غير ثلاثة‏.‏

وقتل سورة في اللهبن فلما قتل خرج الجنيد من الشعب يريد سمرقند مبادرًا فقال له خالد بن عبيد الله‏:‏ سر وأسرع‏.‏

فقال له المجشر‏:‏ انزل وخذ بلجام دابته فنزل ونزل الناس معه فلم يستتم نزولهم حتى طلع الترك فقال المجشر له‏:‏ لو لقونا ونحن نسير ألم يهلكونا فلما أصبحوا تناهضوا فجال الناس فقال الجنيد‏:‏ أيها الناس إنها النار فرجعوا ونادى الجنيد‏:‏ أي عبد قاتل فهو حر‏.‏

فقاتل العبيد قتالًا عجب منه الناس فسروا بما رأوا من صبرهم وصبر الناس حتى انهزم العدو ومضوا فقال موسى بن التعراء للناس‏:‏ تفرحون بما رأيتم من العبيد إن لكم منهم ليومًا أروزبان‏.‏

ومضى الجنيد إلى سمر قند فحمل عيال من كان مع سورة إلى مرو وأقام بالصغد أربعة أشهر‏.‏

وكان صاحب رأي خراسان في الحرب المجشر بن مزاحم وعبد الرحمن بن صبح الخرقي وعبيد الله بن حبيب الهجري وكان المجشر ينزل الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه في ذلك وكان المجشر ينزل الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه وكان عبيد الله على تعبية القتال‏.‏

وكان رجال من الموالي مثل هؤلاء في الرأي والمشورة والعلم بالحرب فمنهم‏:‏ الفضل بن بسام مولى ليث وعبد الله بن أي عبد الله مولى سليم والبختري بن مجاهد مولى شيبان‏.‏

فلما انصرف الترك بعث الجنيد نهار بن توسعة أحد بني تيم الللات وزبل بن سويد المري إلى هشام وكتب إليه‏:‏ إن سورة عصاني أمرته بلزوم الماء فلم يفعل فتفرق عنه أصحابه فأتتني طائفة إلى كش وطائفة إلى نسف وطائفة إلى سمرقند وأصيب سورة في بقية أصحابه‏.‏

فسأل هشام نهار بن توسعة عن الخبر فأخبره بما شهد فكتب هشام إلى الجنيد‏:‏ قد وجهت إليك عشرة آلاف من أهل البصرة وعشرة آلاف من أهل الكوفة ومن السلاح ثلاثين ألف رمح ومثلها ترسة فافرض فلا غاية لك في الفريضة لخمسة عشر ألفًا‏.‏

فلما سمع هشام مصاب سورة قال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون مصاب سورة بخراسان ومصاب الجراح بالباب‏.‏

وأبلى نصر بن سيار يومئذ بلاء حسنًا‏.‏

وأرسل الجنيد ليلة بالشعب رجلًا وقال له‏:‏ تسمع ما يقول الناس وكيف حالهم‏.‏

ففعل ثم رجع إليه فقال‏:‏ رأيتهم طيبة أنفسهم يتناشدون الأشعار ويقرأون القرآن‏.‏فسره ذلك‏.‏

قال عبيد بن حاتم بن النعمان‏:‏ رأيت فساطيط بين السماء والأرض فقلت‏:‏ لمن هذا فقالوا‏:‏ بعدب الله بن بسطام وأصحابه فقتلوا في غدٍ فقال رجل‏:‏ مررت في ذلك الموضع بعد ذلك بحين فشممت رائحة المسك‏.‏

وأقام الجنيد بسمرقند وتوجه خاقان إلى بخارى وعليها قطن بن قتيبة بن مسلم فخاف الجنيد الترك على قطن بن قتيبة فشاور أصحابه فقال قوم‏:‏ نلزم سمرقند‏.‏

وقال قوم‏:‏ نسير منها فنأتي ربنجين ثم كش ثم إلى نسف فنتصل منها إلى أرض زم ونقطع النهر وننزل آمل فنأخذ عليه بالطريق‏.‏

فاستشار عبد الله بن أبي عبد الله مولى بني سليم وأخبره بما قالوا فاشترط عليه أن لا يخالفه فيما يشير به عليه من ارتحال ونزول وقتال قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فإن أطلب إليك خصالًا‏.‏

قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ تخندق حيث ما نزلت فلا يفوتنك حمل الماء ولو كنت على شاطئ نهر وأن تعطيني في نزولك وارتحالك‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أما ما أشاروا عليك في مقامك بسمرقند حتى يأتيك الغياث فالغياث يبطئ عنك وأما ما أشاروا من طريق كش ونسف فإنك إن سرت بالناس في غير الطريق فتت في أعضادهم وانكسروا عن عدوهم واجترأ عليك خاقان وهو اليوم قد استفتح بخارى فلم يفتحوا له فإن أخذت غير الطريق بلغ أهل بخارى ما فعلت فيستسلموا لعدوهم وإن أخذت الطريق الأعظم هابك العدو والرأي عندي أن تأخذ عيال من قتل مع سورة فتقسمهم على عشائرهم وتحملهم معك فإني أرجو بذلك أن ينصرك الله على عدوك وتعطي كل رجل تخلف بمسرقند ألف درهم فرسًا‏.‏

فأخذ برأيه وخلف بسمرقند عثمان بن عبد الله بن الشخير في أربعمائة فاس وأربعمائة راجل‏.‏

فشتم الناس عبد الله بن أبي عبد الله وقالوا‏:‏ ما أراد إلا هلاكنا‏.‏

فخرج الجنيد وحمل العيال معه وسرح الأشحب بن عبيد الحنظلي ومعه عشرة من الطلائع وقال‏:‏ كلما مضت مرحلة سرح إلي رجلًا يعلمني الخبر‏.‏

وسار الجنيد فأسرع السير فقال له عطاء الدبوسي‏:‏ انظر أضعف شيخ في العسكر فسلحه سلاحًا تامًا بسيفه ورمحه وترسه وجعبته ثم سر على قدر مشيه فإنا لا نقدر على سرعة المسير والقتال ونحن رجالة‏.‏

ففعل الجنيد ذلك ولم يعرض للناس عارض حتى خرجوا من الأماكن المخوفة ودنا من الطواويس وأقبل إليه خاقان بكرمينية أول يوم من رمضان واقتتلوا فأتاه عبد الله بن أبي عبد الله وهو يضحك فقال الجنيد‏:‏ ليس هذا يوم ضحك‏.‏

قال‏:‏ الحمد لله الذي لم يلقاك هؤلاء في جبال معطشة وعلى ظهر إنما أتوك وأنت مخندق آخر النهار كالين وأنت معك الزاد فقاتلوا قليلًا ثم رجعوا‏.‏

ثم قال للجنيد‏:‏ ارتحل فن خاقان وذأنك تقيم فينطوي عليك إذا شاء‏.‏

فسار وعبد الله على الساقة ثم أمره بالنزول فنزل واستقى الناس وباتوا فلما اصبحوا ارتحلوا فقال عبد الله‏:‏ إني أتوقع أن خاقان يصدم الساقة اليوم فشدوها بالرجال فقواهم الجنيد وجاءت الترك فمالت على الساقة فاقتتلوا فاشتد بينهم وقتل مسلم بن أحوز عظيمًا من عظماء الترك فتطيروا من ذلك وانصرفوا من الطواويس‏.‏

وسار المسلمون فدخلوا بخارى قال عبد المؤمن بن خالد‏:‏ رأيت عبد الله بن أبي عبد الله في المنام بعد موته فقال‏:‏ حدث الناس عني برأيي يوم الشعب‏.‏

وكان الجنيد يذكر خالد بن عبد الله فيقول‏:‏ زبدة من الزبد صنبور من صنبور قل من قل هيفة من الهيف‏.‏

والهيفة‏:‏ الضبع والقل‏:‏ الفرد الصنبور‏:‏ الذي لا أخ له وقيل الملصق‏.‏

وقدمت الجنود من الكوفة على الجنيد فسرح معهم حوثرة بن زيد العنبري فيمن انتدب معه‏.‏

وقيل‏:‏ إن وقعة الشعب كانت سنة ثلاث عشرة وقال نصر بن سيار يذكر يوم الشعب‏:‏ إني نشأت وحسادي ذوو عددٍ يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا إن تحسدوني على مثل البلاء لكم يومًا فمثل بلائي جر لي الحسدا يأبى الإله الذي أعلى بقدرته كعبي عليكم وأعطى فوقكم عددا أرمي العداة بأفراس مكلمةٍ حتى اتخذن على حسادهن يدا من ذا الذي منكم في الشعب إذ وردوا لم يتخذ حومة الأثقال معتمدا هلا شهدتم دفاعي عن جنيدكم وقع القنا وشهاب الحرب قد وقدا وقال ابن عرس يمدح نصرًا‏:‏ يا نصر أنت فتى نزار كلها فلك المآثر والفعال الأرفع يوم الجنيد إذ القنا متشاجر والنحر دامٍ والخوافق تلمع ما زلت ترميهم بنفسٍ حرةٍ حتى تفرج جمعهم وتصدعوا فالناس كل بعدها عتقاؤكم ولك المكارم والمعالي أجمع ذكر عدة حوادث في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة فافتتح خرشنة‏.‏

وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي وقيل‏:‏ سليمان بن هشام عبد الملك‏.‏

وفيها استعمل أهل الأندلس على أنفسهم بعد موت الهيثم أميرهم محمد بن عبد الملك الأشجعي فبقي شهرين وولي بعده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وكان عمال الأمصار هذه السنة من ذكرناهم في السنة قلها‏.‏

وفيها مات رجاء بن حيوة بقسين حيوة بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الياء المثناة من تحت‏.‏

وفيها توفي مكحول أبو عبد الله الشامي الفقيه‏.‏

وعبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي ومات أبوه وأمه حامل به فكل ما يروونه عن أبيه فهو منقطع‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائة

ذكر قتل عبد الوهاب

في هذه السنة قتل عبد الوهاب بن بخت وكان قد غزا مع عبد الله البطال أرض الروم فانهزم الناس عن البطال فحمل عد الوهاب وهو يقول‏:‏ ما رأيت فرسًا أجبن منك سفك الله دمي إن لم أسفك دمك‏!‏ ثم ألقى بيضته عن رأسه وصاح‏:‏ أنا عبد الوهاب بن بخت‏!‏ أمن الجنة تفرون ثم تقدم في نحر العدو فمر برجل يقول‏:‏ واعطشاه‏!‏ فقال‏:‏ تقدم الري أمامك‏.‏

فخالط القوم فقتل وقتل فرسه‏.‏

ذكر غزو مسلمة وعوده

وفيها فرق مسلمة الجيوش ببلاد خاقان ففتحت مدائن وحصون على يديه وقتل منهم وأسر وسبى وأحرق ودان له من وراء جبال بلنجر وقتل ابن خاقان فاجتمعت تلك الأمم جميعها الخزر وغيرهم عليه في جمع لا يعلم عددهم إلا الله تعالى وقد جاز مسلمة بلنجر فلما بلغه خبرهم أمر أصحابه فأوقدوا النيران ثم ترك خيامهم وأثقالهم وعاد هو وعسكره جريدة وقدم الضعفاء وأخر الشجعان وطووا المراحل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل إلى الباب والأبواب في آخر رمق‏.‏

ذكر قتل عبد الرحمن أمير الأندلس

في هذه السنة وهي سنة ثلاث عشرة ومائة غزا عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس من قبل عبيدة بن عبد الرحمن السلمي وكان هشام بن عبد الملك قد استعمل عبيدة على إفريقية والأندلس سنة عشر ومائة فلما قدم إفريقية رأى المستنبر بن الحارث الحريثي غازيًا بصلية وأقام هناك حتى هجم عليه الشتاء ثم قفل راجعًا فغرق من معه وسلم المستنبر في مركبه فحبسه عبيدة عقوبة له وجلده وشهره بالقيروان‏.‏

ثم إن عبيدة استعمل على الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله فغزا إفرنجة وأوغل في أرضهم وغنم غنائم كثيرة وكان فيما أصاب رجل من ذهب مفصصة بالدر والياقوت والزمرد فكسرها وقسمها في الناس‏.‏

فبلغ ذلك عبيدة فغضب غضبًا شديدًا فكتب إليه يتهدده فأجابه عبد الرحمن وكان رجلًا صالحًا‏:‏ أما بعد فإن السموات والأرض لو كانتا رتقًا لجعل الله للمتقين منها مخرجًا‏.‏

ثم خرج غازيًا ببلاد الفرنج هذه السنة وقيل‏:‏ سنة أربع عشرة وهو الصحيح فقتل هو ومن معه شهداء‏.‏

ثم إن عبيدة سار من إفريقية إلى الشام ومعه من الهدايا والإماء ولعبيد والدواب وغير ذلك شيء كثير واستغفى هشامًا فأجابه إلى ذلك وعزله وكان قد استعمل على الأندلس بعد قتل عبد الرحمن عبد الملك بن قطن‏.‏

ثم إن هشامًا استعمل على إفريقية بعد عبيدة عبيد الله بن الحبحاب وكان على مصر فسار عبيد الله إلى إفريقية سنة ست عشرة ومائة فأخرج المستنير من الحبس وولاه توني‏.‏

ثم إن عبيد الله جهز جيشًا مع حبيب بن أبي عبيدة وسيرهم إلى أرض السودان فظفر بهم ظفرًا لم يظفر أحد مثله وأصاب ما شاء ثم غزا البحر ثم انصرف‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة مات عدي بن ثابت الأنصاري‏.‏

ومعاوية بن قرة بن إياس الموني والد إياس قاضي البصرة الذي يضرب بذكائه المثل‏.‏

وفيها توفي حرام بن سعيد بن محيصة أبو سعيد وعمره سبعون سنة حرام بفتح الحاء المهملة وبالراء المهملة‏.‏

وحيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة من تحت وبالصاد المهملة‏.‏

وفيها توفي طلحة بن مصرف الأيامي‏.‏

وعبد الله بن عبيد الله بن عمير الليثي‏.‏

وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ويكنى أبا جعفرة وعمره سبع وسبعون سنة‏.‏

ووهب بن منبه الصناعاني وكان أصغر من أخيه همام وكانوا خمسة إخوة‏:‏ همام ووهب وغيلان وعقيل ومعقل وقيل‏:‏ مات سنة عشر ومائة‏.‏

وفيها توفي الحر بن يوسف أمير الموصل ودفن بمقابر قريش بالموصل وكانت بإزاء داره لمعروفة بالمنقوشة في ذي الحجة واستعمل هشام مكانه الوليد بن تليد العبسي وأمره بالجد في إتمام حفر النهر في البلد فشرع فيه واهتم بعمله‏.‏

وفيها غزا معاوية بن هشام أرض الروم فرابط من ناحية مرعش ثم رجع‏.‏وفي هذه السنة سار جماعة من دعاة بني العباس إلى خراسان فاخذ الجنيد رجلًا منهم فقتله وقال‏:‏ من أصبت منهم فدمه هدر‏.‏

وحج بالناس هذه السنة سليمان بن هشام بن عبد الملك وقيل‏:‏ إبراهيم ابن هشام بن إسماعيل المخزومي و كان العمال من تقدم ذكرهم‏.‏

ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائة

ذكر ولاية مروان بن محمد أرمينية وأذربيجان


في هذه السنة استعمل هشام بن عبد الملك مروان بن محمد بن مروان وهو ابن عمه على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية‏.‏

وكان سبب ذلك أنه كان في عسكر مسلمة بأرمينية حين غزا الخزر فلما عاد مسلمة سار مروان إلى هشام فلم يشعر به حتى دخل عليه فسأله عن سبب قدومه فقال‏:‏ ضقت ذرعًا بما أذكره ولم أر من يحمله غيري‏!‏ قال‏:‏ وما هو قال مروان‏:‏ قد كان من دخول الخزر إلى بلاد الإسلام وقتل الجراح وغيره من لمسلمين ما دخل به الوهن على المسلمين ثم رأى أمير المؤمنين أن يوجه أخاه مسلمة بن عبد الملك إليهم فوالله ما وطئ من بلادهم إلا أدناها ثم رأى أمير المؤمنين أن يوجه أخاه مسلمة بن عبد الملك إليهم فوالله ما وطئ من بلادهم إلا أدناها ثم إنه لما رأى كثرة جمعه أعجبه ذلك فكتب إلى الخزر يؤذنهم بالحرب وأقام بعد ذلك ثلاثة أشهر فاستعد القوم وحشدوا فلما دخل بلادهم لم يكن له فيهم نكاية وكان قصاراه السلامة وقد أردت أن تأذن لي في غزوة أذهب بها عنا العار وأنتقم من العدو‏.‏

قال‏:‏ قد أذنت لك‏.‏

قال‏:‏ وتمدني بمائة وعشرين ألف مقاتل قال‏:‏ قد فعلت‏.‏

قال‏:‏ وتكتم هذا الأمر عن كل واحد قال‏:‏ قد فعلت وقد استعلمتك على أرمينية‏.‏

فودعه وسار إلى أرمينية واليًا عليها وسمى هشام الجنود من الشام والعراق والجزيرة فاجتمع عنده من الجنود والمتطوعة مائة وعشرون ألفًا فأظهر أنه يريد غزو اللان وقصد بلادهم وأرسل إلى ملك الجذر يطلب منه المهادنة فأجابه إلى ذلك وأرسل إليه من يقرر الصلح فأمسك الرسول عنده إلى أن فرغ من جهازه وما يريد ثم أغلظ لهم القول وآذنهم بالحرب وسير الرسول إلى صاحبه بذلك ووكل به من ن يسيره على طريق فيه بعد وسار هو في أقرب الطرق فما وصل الرسول إلى صاحبه إلا ومران قد وافاهم فاعلم صاحبه الخبر وأخبره بما قد جمع له مران وحشد واستعد‏.‏

فاستشار ملك الجذر أصحابه فقالوا‏:‏ إن هذا قد اغترك ودخل بلادك فغن أقمت إلى أن تجمع لم يجتمع عندك إلى مدة فيبلغ منك مايريد وإن أنت لقيته على حالك هذه هزمك وظفر بك والرأي أن تتأخر إلى أقصى بلادك وتدعه وما يريد‏.‏

فقبل رأيهم وسار حيث أمروه‏.‏

ودخل مروان البلاد وأوغل فيها وأخربها وعنم وسبى وانتهى إلى آخرها وأقام فيها عدة أيام حتى أذلهم وانتقم منهم ودخل بلاد ملك السرير فأوقع بأهله وفتح قلاعًا ودان له الملك وصالحه على ألف رأس وخمسمائة غلام وخمسمائة جارية سود الشعور ومائة ألف مديٍ تحمل إلى الباب وصالح مروان أهل تومان على مائة رأس نصفين وعشرين ألف مدي ثم دخل أرض زريكران فصالحه ملكها ثم أتى إلى أرض خمزين فأبى حمزين أن يصالحه فحصرهم فافتتح حصنهم ثم أتى سغدان فافتتحها صلحًا ووظف على طيرشانشاه عشرة آلاف مدي كل سنة تحمل إلى الباب ثم نزل على قلعة صاحب اللكز وقد امتنع من أداء الوظيفة فخرج ملك اللكز يريد مالك الخز فقتله راعٍ بسهم هو لا يعرفه فصالح أهل اللكز مروان واستعمل عليهم عاملًا وسار إلى قلعة شروان وهي على البحر فأذعن بالطاعة وسار إلى الدوداني فأقلع بهم ثم

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى فأصاب ربض أقرن وإن عبد الله البطال التقى هو وقسطنطين في جمع فهزمهم البطالوأسر قسطنطسن‏.‏

وفيهاغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى فبلغ قيسارية‏.‏

وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك إبراهيم بن هشام المخزومي عن المدينة واستعمل عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم في ربيع الأول وكانت إمراة إبراهيم على المدينة ثماني سنين وعزل أيضًا إبراهيم عن مكة والطائف واستعمل عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم في ربيع الأول وكانت إمراة إبراهيم على المدينة ثماني سنين وعزل أيضًا إبراهيم عن مكة والطائف واستعمل عليهما محمد بن هشام المخزومي وقيل‏.‏

بل ولى محمدًا سنة ثلاث عشرة فلما عزل إبراهيم أقر محمد عليها‏.‏

وفيها وقع الطاعون بواسط‏.‏

وفيها أقبل مسلمة بن عبد الملك بعدما هزم خاقان وأحكم ما هناك وبنى الباب‏.‏

وحج الناس خالد بن عبد الملك بن الحارث وقيل محمد هشام‏.‏

وكان العمال من تقدم ذكرهم في السنة قبلها غير أن المدينة كان عاملها خالد بن عبد الملك وعامل مكة والطائف محمد بن هشام وعامل أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد‏.‏

وفيها مات عطاء بن أبي رباح وقيل سنة خمس عشرة وعمره ثمان وثمانون سنة وقيل مائة سنة‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسين الباقر وقيل سنة خمس عشرة وكان عمره ثلاثًا وسبعين سنة وقيل ثمانيًا وخمسين سنة‏.‏

والحكم بن عتيبة بن النهاس أبو محمد وهو مولى امرأة من كندة ومولده سنة خمسين‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي قاضي مرو وكان مولده لثلاث سنين مضت من خلافة عمر بن الخطاب‏.‏

عتبة بضم العين المهلمة وفتح التاء فوقها نقطتان وبعدها ياء مثناة من تحتها وآخره باء موحدة‏.‏

وبريدة بضم الباء الموحدة وفتح الراء‏.‏

والحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتني وأخره باء موحدة‏.‏

ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائة

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام أرض الروم‏.‏

وفيها وقع الطاعون بالشام‏.‏

وفيها وقع بخراسان قحط شديد فكتب الجنيد إلى الكور بحمل الطعام إلى مرو فأعطى الجنيد رجلًا درهما فاشترى به رغيفًا فقال لهم‏:‏ أتشكون الجوع ورغيف بدرهم لقد رأيتني بالهمد وإن الحبة من الحبوب لتباع عددًا بدرهم‏.‏

قال‏:‏ وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام المخزومي‏.‏

وكان الأمير بخراسان الجنيد وقيل‏:‏ بل كان قد مات الجنيد واستخلف عمارة بن حريم المري وقيل‏:‏ بل كان موت الجنيد سنة ست عشرة ومائة وفيها غزا عبد الملك بن قطن عامل الأندلس أرض البشكنس وعا سالمًا‏.‏

ثم دخلت سنة ست عشرة ومائة

في هذه السنة غزا معاوية بن عبد الملك أرض الروم الصائفة‏.‏

فيها كان طاعون شديد بالعراق والشام وكان أشد بواسط‏.‏

ذكر عزل الجنيد ووفاته وولاية عاصم خراسان

وفيها عزل هشام بن عبد الملك الجنيد بن عبد الرحمن المري عن خراسان‏.‏

واستعمل عليها عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي‏.‏

وسبب ذلك أن الجنيد تزوج الفاضلة بنت يزيد بن المهلب فغضب هشام فولى عاصم خراسان‏.‏

وكان الجنيد قد سقي بطنه فقال هشام لعاصم‏:‏ إن أدركته وبه رمق فأرهق نفسه‏.‏

فقدم عاصم وقد مات الجنيد وكان بينها عداوة فاخذ عمارة بن حريم وكان الجنيد قد استخلفه وهو ابن عمه فعذبه عاصم وعذب عمال الجنبد‏.‏

وعمارة هذا جد أبي الهيذام صاحب العصبية بالشام وسيأتي ذكرها إن شاء الله‏.‏

وكان موت الجنيد بمرو وكان من الأجواد المدوحين غير محمود في حروبه‏.‏

ذكر خلع الحارث بن سريج بخراسان

وفي هذه السنة خلع الحارث بن سريج وأقبل إلى الفارياب فأرسل إليه عاصم بن عبد الله رسلًا فيهم مقاتل بن حيان النبطي وخطاب بن محرز السلمي فقالا لمن معهما‏:‏ لا تلقى الحارث إلا بأمان‏.‏ فأبى القوم عليهما فأخذهم الحارث وحبسهم ووكل بهم رجلًا فأوثقوه وخرجوا من السجن فركبوا وعادوا إلى عاصم فامرهم فخطبوا وذموا الحارث وذكروا خبث سيرته وغدره‏.‏

وكان الحارث قد لبس السواد ودعا إلى كتاب الله سنة نبيه والبيعة للرضا فسار من الفارياب فأتى بلخ وعليها نصر بن سيار التجيبي فلقيا الحارث في عشرة آلاف والحارث في أربعة آلاف فقاتلهما ومن معهما فانهزم أهل بلخ وتبعهم الحارث فدخل كدينة بلخ وخرج نصر بن سيار منها وأمر الحارث بالكف عنهم واستعمل عليها رجلًا من ولد عبد الله بن خازم

فلما كان بالجوزجان استشار أصحابه في أي بلد يقصد فقيل له‏:‏ مرو بيضة خراسان وفرسانهم كثير ولو لم يلقوك إلا بعيدهم لا نتصفوا منك فأقم فإن أتوك قاتلتهم وإن أقاموا قطعت المادة عنهم‏.‏

قال‏:‏ لا أرى ذلك وسار إلى مرو فقال لأهل الرأي من مرو‏:‏ إن أتى عاصم نيسابور فرق جماعتنا وإن أتانا نكب‏.‏

وبلغ عاصمًا أن أهل مرو يكاتبون الحارث فقال‏:‏ يا أهيل مرو قد كاتبتم الحارث لا يقصد المدينة إلا تركتموها له وإني لا حق بنيسابور وأكاتب أمير المؤمنين حتى يمدني بعشرة آلاف من أهل الشام‏.‏

فقال له المجشر بن مزاحم‏:‏ إن أعطوك بيعتهم بالطلاق والعتاق على القتال معك والمناصحة لك فلا تفارقهم‏.‏

وأقبل الحارث إلى مرو يقال في ستين ألفًا ومعه فرسان الأزد وتميم منهم‏:‏ محمد بن المثنى وحماد بن عامر الحماني وداود الأعسر وبشر بن أنيف الرياحي وعطاء الدبوسي ومن الدهاقين دهقان الجوزجان ودهقان الفارياب وملك الطالقان ودهقان مرو الوذ في أشباههم وخرج عاصم في أهل مرو وغيهم فعسكر وقطع عاصم القناطر وأقبل أصحاب الحارث فأصلحوا القناطر فمال محمد بن المثنى الفراهيذي الأزدي إللى عاصم في ألفين فأتى الأزد ومال حماد بن عامر الحماني إلى عاصم فأتى بني تميم والتقى الحارث وعاصم وعلى ميمنة الحارث وابض بن عبد الله زرارة التغلي فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم أصحاب الحارث فغرق منهم بشر كثير في أنهار مرو وفي النهر الأعظم ومضت الدهاقين إلى بلادهم وغرق خازم بن عبد الله ابن خازم وكان مع الحارث وقتل أصحاب الحارث قتلًا ذريعًا وقطع الحارث وادي مرو فضرب رواقا عند منازل الرهبان وكف عنه عاصم واجتمع إلى الحارث زهاء ثلاثة ألاف‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها عزل هشام عبيد الله بن الحبحاب الموصلي عن ولاية مصر واستعمله على إفريقية فسار إليها‏.‏

وفيها سير ابن الحبحاب جيشًا إلى صقلية فلقيهم مراكب الروم فاققتلوا قتالًا شديدًا فانهزمت الروم وكانوا قد أسوا جماعة من المسلمين منهم عبد الرحمن بن زياد فبقي أسيرًا إلى سنة إحدى وعشرين ومائة وفيها سير ابن الحبحاب أيضًا جيشًا إلى السوس وأرض السودان فغنموا وظفروا وعادوا‏.‏

وفيها استعمل عبد الله بن الحبحاب عطية بن الحجاج القيسي على الأندلس فسار إليها ووليها في شوال من هذه السنة وعزل عبد الملك ابن قطن وكان له كل سنة غزاة وعو الذي افتتح جليقية والبتة وغيرهما وقيل‏:‏ بل ولي عبيد الله بن الحبحاب إفريقة

وحج بالناس هذه السنة الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان ولي عهد‏.‏

وكان العمال على الأمصار من تقدم ذكرهم إلا خراسان فكان عاملها عاصم بن عبد الله‏.‏

ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة

في هذه السنة غزا معاوةً بن هشام الصائفة اليسرى وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة وفرق سراياه في أرض الروم‏.‏

وفيها بعث مروان بن محمد وهو على أرمينية بعثين وافتحح أحدهما حصونًا ثلاثة من اللان نزل الآخر على تومانشاه فنزل أهلها على الصلح‏.‏

ذكر عزل عاصم عن خراسان وولاية أسد

وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك عاصم بن عبد الله عن خراسان وولاها خالد بن عبد الله القسري فاستخلف خالد عليها أخاه أسد بن عبد الله‏.‏

وكان سبب ذلك أن عاصمًا كتب إلى هشام‏:‏ أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله وإن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى صاحب العراق فتكون موادها ومعونتها من قريب لتباعد أمير المؤمنين عنها‏.‏

وتباطؤ غياثه عنها‏.‏

فضم هشام خرسان إلى خالد بن عبدالله القسري وكتب اليه ‏:‏ ابعث أخاك يصلح ماأفسد فإن كانت سببه كانت به فسير خالد اليها أخاه اسداَ‏.‏

فلما بلغ عاصما إقبالً أسد وأنه قد سير على مقدمت محمد بنمالك الهمدانى صالح الحرث بن سُريج وكتبا بنهما كتاباَ على أن ينزل الحارث أي كُور خرسان شاء وان يكتبا جميعًا الى هشام يسألانه بكتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن ابى اجتمعا عليه فختم الكتاب بعض الرؤساء وابى يحيى بن حضين بن المنذر أن يختم وقال‏:‏ هذا خلع لأمير المؤمنين فأنفسخ ذلك‏.‏

وكان عاصم بقرية بأعلى مرو وأتاه الحارث بن سريج فالتقوا واقتتلوا قتالًا شيدًا فانهزم الحارث وأسر من أصحابه أسرى كثيرة منهم عبد الله بن عخمرو المازني راس أهل مرو الروذ فقتل عاصم الأسرى وكان فرس الحارث قد رمي بسهم فنزعه الحارث وألح على الفرس بالضرب والحضر ليشغله عن أثر الجراحة وحمل عليه رجل من أهل الشام فلما قرب منه مال الحارث عن فرسه ثم ابتع الشامي فقال له‏:‏ أسألك بحرمة الإسلام في دمي‏!‏ فقال‏:‏ انزل عن فرسك‏.‏

فنزل عن فرسه فركبه الحارث فقال رجل من عبد القيس في ذلك‏:‏ تولت قريش لذة العيش واتقت بنا كل فج من خراسان أغبرا فليت قريشًا أصبحوا ذات ليلةٍ يعومون في لج من البحر أخضرا وعظم أهل الشام يحيى بن حضين لما صنع في نقض الكتاب وكتبوا كتابًا بما كان وبهزيمة الحارث مع محمد بن مسلم العنبري‏.‏

فلقي أسد بن عبد الله بالري وقيل ببيهق فكتب إلى أخيه خالد ينتحل أنه هزم الحارث ويخبره بأمر يحيى فأجاز خالد يحيى بعشرة آلاف دينار ومئة من الخيل‏.‏

وكانت ولاية عاصم أقل من سنة فحبسه أسد وحاسبه وطلب منه مائة ألف درهم وقال‏:‏ إنك لم تفر وأطلق عمارة بن حريم وعمال الجنيد‏.‏

فلما قدم أسد لم يكن لعاصم إلا مرو ونيسابور والحارث بمرو الروذ وخالد ابن عبد الله الهجري بآمل موافق للحارث فخاف أسد إن قصد الحارث بمرو الروذ أن يأتي الهجري من قبل آمل وإن قصد الهجري قصد الحارث مرو من قبل مرو الروذ‏.‏

فأجمع على توجيه عبد الرحمن بن نعيم في أهل الكوفة والشام إلى الحارث بمرو الروذ وسار أسد بالناس إلى آمل فلقيه خيل آمل عليهم زياد القرشي مولى حيان النبطي وغيره فهزموا حتى رجعوا إلى المدينة فحصرهم أسد ونصب عليهم المجانيق وعلين الهجري من أصحاب الحارث فلطلبوا الأمان فأرسل إليهم أسد‏:‏ ما تطلبون قالوا‏:‏ كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن لا تأخذ أهل المدن بجنيتنا‏.‏

فأجابهم إلى ذلك فاستعمل عليهم يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني وسار يريد بلخ فأخبر أن أهلها قد بايعوا سليمان بن عبد الله بن خازم‏.‏

فسار حتى قدمها واتخذ سفنًا وسار منها إلى ترمذ فوجد الحارث محاصرًا لها وبها سنان الأعرابي فنزل أسد دون النهر لم يطق العبور إليهم ولا يمدهم وخرج أهل ترمذ من المدينة فقاتلوا الحارث قتالًا شديدًا واستطرد الحارث لهم وكان قد وضع كيمنًا فتبعوه ونصر بن سيار مع أسد جالس ينظر فاظهر الكراهية وعرف أن الحارث قد كادهم وظن أسد أنما ذلك شفقة على الحارث حين ولي وأراد معاتبة نصر وإذا الكمين قد خرج عليهم فانهزموا‏.‏

ثم ارتحل أسد إلى بلخ وخرج أهل ترمذ إلى الحارث فهزموه وقتلوا جماعة من أهل البصائر منهم‏:‏ عكرمة وأبو فاكمة‏.‏

ثم سار أسد سمرقند في طريق زم فلما قد زم بعث إلى الهيثم الشيباني وهو في حصن من حصونها وهو من أصحاب الحارث فقال له أسد‏:‏ إنما أنكرتم علي قولكم ما كان من سوء السيرة ولم يبلغ ذلك السبي واستحلال الفروج ولا غلبة المشركين على مثل سمرقند وأنا أريد سمرقند ولك عهد الله وذمته أن لا ينالك مني شر ولك المواساة والكرامة والأمان ولمن معك وإن أبيت ما دعوتك إليه فعلي عهد الله إن أنت رميت بسهم أن لا أؤمنك بعده وإن جعلت لك ألف أمان لا أفي لك به‏.‏

فخرج إليه على الأمان وسار معه إلى سمرقند ثم ارتفع إلى ورغسر وماء سمرقند قمها فسكر الوادي وصرفه عن سمرقند ثم رجع إلى بلخ‏.‏

ذكر حال دعاة بني العباس


قيل‏:‏ وفي هذه السنة أخذ أسد بن عبد الله جماعة من دعاة بني العباس بخراسان فقتل بعضهم ومثل بعضهم وحبس بعضهم وكان فيمن أخذ‏:‏ سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وموسى بن كعب ولا هيز بن قريظ وخالد بن إبراهيم وطلحة بن زريق فأتي بهم فقال لهم‏:‏ يا فسقة ألم يقل الله تعالى‏:‏ ‏{‏عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 95‏]‏‏.‏ فقال له سليمان‏:‏ نحن والله كما قال الشاعر‏:‏

لو بغير الماء حلقي شرق ** كنت كالغصان بالماء اعتصاري

صيدت والله العقارب بيديك‏!‏ إنا ناس من قومك‏!‏ وإن المضربة رفعوا إليك هذا لأنا كنا أشد الناس على قتيبة بن مسلم فطلبوا بثأرهم‏.‏

فبعث بهم إلى الحبس ثم قال لعبد الرحمن بن نعيم‏:‏ ما ترى قال‏:‏ أرى أتن تمن بهم على عشائرهم‏.‏

قال‏:‏ لا أفعل فاطلق ن كان فيهم من أهل اليمن لأنه منهم ومن كان من ربيعة أطلقه أيضًا لحلفهم مع اليمن وأراد قتل من كان من مضر فدعا موسى بن كيعب وألجمه بلجام حمار وجذب اللجام فتحطمت أسنانه ودق وجهه وأنفه ودعا لاهز بن قريظ فقال له‏:‏ ما هذا بحق تصنع بنا هذا وتترك اليمانيين والربعيين فضربه

ذكر ولاية عبيد الله بن الحبحاب إفريقية والأندلس

في هذه السنة استعمل هشام بن عبد الملك على إفريقة والأندلس عبيد الله ابن الحبحاب وأمره بالمسير إليها وكان واليًا على مصر فاستخلف عليها ولده وسا إلى إفريقية وايتعمل على الأندلس عقبة بن الححجاج واستعمل على طنجة ابنه إسماعيل وبعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع غازيًا إلى المغرب فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان فلم يقالتله أحد إلا ظهر عليه وأصاب من الغنائم والسبي أمرًا عظيمًا فملئ المغرب منه رعبًا وأصاب في السبي جارتيتين من البربر ليس لكل واحدة منهما غير ثدي واحد ورجع سالمًا‏.‏

وسير جيشًا في البحر سنة سبع عشرة إلى حزيرة الردانية ففتحوا منها ونهبوا وغنموا وعادوا‏.‏

ثم سيره غازبًا إلى جزيرة صقلية سنة اثنتين وعشرين ومائة ومعه ابنه عبد الرحمن بن حبيب فلما نزل بأرضها وجه عبد الرحمن على الخيل فلم يلقه أحد إلا هزمه عبد الرحمن فظفر ظفرًا لم ير مثله حتى نزل على مدينة سرقوسة وهي من أعظم مدن صقلية فقاتلوه فهزمهم وحصرهم فصالحوه على الجزية وعاد إلى أبيه وعزم حبيب على المقام بصقلية إلى أن يملكها جميعًا فأتاه كتاب ابن الحبحاب يتدعيه إلى إفريقية‏.‏

وكان سبب ذلك أنه استعمل على طنجة ابنه إسماعيل وجعل معه عمر ابن عبد الله المرادي فأساء السيرة وتعدى وأراد أن يخمس مسلمي البربر وزعم أنهم فيء للمسلمين وذلك شيء لم يرتكبه أحد قبله فلما سمع البربر بمسير حبيب بن أبي عبيدة إلى صقلية بالعساكر طمعوا ونقضوا الصلح على ابن الحبحاب وتداعت عليه بأسرها ملمها وكافرها وعظم البلاء وقدم من بطنجة من البربر على أنفسهم ميسرة السقاء قم المغدوري وكان خارجيًا صفريًا وسقاء وقصدوا طنجة فقالتلهم عمر بن عبد الله فقتلوه واستولوا على طنجة وبايعوا ميسرة بالخلافة وخوطب بأمير المؤمنين وكثر جمعه من البربر وقوي أمره بنواحي طنجة‏.‏

وظهر في ذلك الوقت جماعة بإفريقية فأظهروا مقالة الخوارج فأرسل ابن الحبحاب إلى حبيب وهو بصقلية يتسدعيه إليه لقتال ميسرة الساء لأن أمره كان قد عظم فعاد إلى إفريقية‏.‏وكان ابن الحبحاب قد سير خالد بن حبيب في جيش إلى ميسرة فلما وصل حبيب بن أبي عبيدة سيره في أثره والتقى خالد وميسرة بنواحي طنجة واقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع بمثله وعاد ميسرة إلى طنجة فأنكرت البربر سيرته وكانوا بايعوه بالخلافة فقتلوه وولوا أمرهم خالد بن حميد الزناتي ثم التقى خالد بن حميد ومعه البربر بخالد بن حبيب ومعه العرب وعسكر هشام وكان بينهم قتال شيد صبرت فيه العرب وظهر عليهم كمين من البربر فانهزموا وكره وقتل في هذه الوقعة حماة العرب وفرسانها فسميت غزوة الأشراف وانتقضت البلاد وخرج أمر الناس وبلغ أهل الأندلس الخبر فثاروا بأميرهم عقبة بن الحجاج فعزلوه وولوا عبد الملك بن قطن فاختلطت الأمور على ابن الحبحاب وبلغ الخبر إلى هشام بن عبد الملك فقال‏:‏ لأغضبن للعرب غضبة وأسير جيشًا يكون أولهم عندهم وآخرهم عندي ثم كتب إلى ابن الحبحاب يأمره بالحضور فسار إليه في جمادى سنة ثلاث وعشرين ومائة واستعمل هشام عوضه كلثوم بن عياض القشيري وسير معه جيشًا كثيفًا وكتب إلى سائر البلاد التي على طريقه بالمسير معه فوصل إفريقية وعلى مقدمته بلج بن بشر فوصل إلى القيروان ولقي أهلها بالجفاء والتكبير عليهم وأراد أن ينزل العسكر الذي معه في منازلهم فكتب أهلها إلى حبيب بن أبي عبيدة وهو بتلمسان مواقف البربر يشكون إليه بلجًا وكلثومًا فكتب حبيبب إلى كلثوم يقول له إن بلجًا فعل كيت وكيت فارحل عن البلد وإلا رددنا أعنة الخيل إليك‏.‏

فاعتذر كلثوم وسار إلى حبيب وعلى مقدمته بلج بن بشر فاستخف بحبيب وسبه وجرى بينهما منازعة ثم اصطلحوا واجتمعوا على قتلا البربر وتقدم إليهم البربر من طنجة فقال لهم حبيب‏:‏ اجعلوا الرجالة للرجالة والخيالة للخيالة فلم يقبلوا منه وتقدم كلثوم بالخيل فقاتله رجالة البربر فهزموه فعاد كلثوم منهزمًا ووهن الناس ذلك ونشب القتال وانكشفت خيالة البربر وثبتت رجالتها واشتد القتال وكثر البربر عليهم فقتل كلثوم بن عياض وحبيب بن أبي عبيدة ووجوه العرب وانهزمت العرب وتفرقوا‏.‏

فمضى أهل الشام إلى الأندلس ومعهم بلج بن بشر وعبيد الرحمن بن حبيب ابن أبي عبيدة وعاد بعضهم إلى القيروان‏.‏

فلما ضعفت العرب بهذه الوقعة ظهر إنسان يقال له عكاشة بن أيوب الفزاري بمدينة قابس وهو على رأي الخوارج الصفرية فسار إليه جيش من القيروان فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم عسكر القيروان فخرج إليه عسكر آخر فانهزم عكاشة بعد قتال شديد وقتل كثير من أصحابه ولحق عكاشة ببلاد الرمل‏.‏

فلما بلغ هشام بن عبد الملك قتل كلثوم بعث أميرًا على إفريقية حنظلة ابن صفوان الكلبي فوصلها في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائة فلم يمكث بالقيروان إلا يسيرًا حتى زحف إليه عكاشة الخارجي في جمع عظيم من البربر وكان حين انهزم حشدهم ليأخذ بثأره وأعانه عبد الواحد بن يزيد الهواري ثم المدغمي وكان صفريًا في عدد كثير وافترقا ليقصدوا القيروان من جهتين فلما قرب عكاشة خرج إليه حنظلة ولقيه مفردًا واقتتلوا قتالًا شديدًا وانهزم عكاشة وقتل من البربر ما لا يحصى وعاد حنظلة إلى القيروان خوفًا عليها من عبد الواحد وسير إليه جيشًا كثيفًا عدتهم أربعون ألفًا فساروا إليه فلما قاربوه لم يجدوا شعيرًا يطعمونه دوابهم

فأطعموها حنطةً ثم لقوه من الغد فانهزموا من عبد الواحد وعادوا إلى القيروان وهلكت دوابهم بسبب الحنطة‏.‏

فلما وصلوها نظروا وإذا قد هلك منهم عشرون ألف فرس وسار عبد الواحد فنزل على ثلاثة أميال من القيروان بموضع يعرف بالأصنام وقد اجتمع معه ثلاثمائة ألف مقاتل فحشد حنظلة كل من بالقيروان وفرق فيهم السلاح والمال فكثر جمعة فلما دنا الخوارج من عبد الواحد خرج إليهم حنظلة من القيروان واصطفوا للقتال وقام العلماء في أهل القيروان يحثونهم على الجهاد وقتال الخوارج ويذكرونهم ما يفعلونه بالنساء من السبي وبالأنباء من الاسترقاق وبالرجال من القتل فكسر الناس أجفان سوفهم وخرج إليهم نشاؤهم يحرضنهم فحمي الناس وحملوا على الخوارج حملة واحدة وثبت بعضهم لبعض فاشتد اللزام وكثر الزحام وصبر الفريقان ثم إن الله تعالى هزم الخوارج والبربر ونصر العرب وكثر القتل في البربر وتبعوهم إلى جلولاء يقتلون ولم يعلموا أن عبد الواحد قد قتل حتى حمل رأسه إلى حنظلة فخر الناس الله سجدًا‏.‏

فقيل‏:‏ لم يقتل بالمغرب أكثر من هذه القتلة فإن حنظلة أمر بإحصاء القتلى فعجز الناس عن ذلك حتى عدوهم بالقصب فكانت عدة القتلى مائة ألف وثمانين ألفًا ثم أسر عكاشة مع طائفة أخرى بمكان آخر وحمل إلى حنظلة فقتله وكتب حنظلة إلى هشام بن عبد الملك بالفتح وكان الليث بن سعد يقول‏:‏ ما غزوة إلى الآن أشد بعد غزوة بدر من غزوة العرب بالأصنام‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وغزا سليمان بن هشام الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة وفرق سراياه في أرض الروم‏.‏

وحج بالناس هذه السنة خالد بن عبد الملك‏.‏

وكان العامل على مكة والمدينة والطائف محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد‏.‏

وفيها توفيت فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب‏.‏

وسكينة بنت الحسين‏.‏

وفيها مات عبد الرحمن بن هرمز الأعرج بالإسكندرية‏.‏

وفيها توفي ابن أبي مليكة واسمه عبد الله بن عبيد الله بن أب مليكة‏.‏

وأبو رجاء العطاردي‏.‏

وأبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك‏.‏

وفيها توفي ميمون ابن مهران الفقيه وقيل سنة ثماني عشرة‏.‏

وفيها توفي نافع مولى ابن عمر وقيل سنة عشرين‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم وقيل سنة عشرين وقيل سنة ست وعشرين وقيل سنة ثلاثين‏.‏وفيها ماتت عائشة ابنة سعد بن أبي وقاص‏.‏

وسعيد بن يسار‏.‏

ثم دخلت سنة ثماني عشرة ومائة

في هذه السنة غزا معاوية وسليمان ابنا هشام بن عبد الملك أرض الروم‏.‏

ذكر دعاة بني العباس

في هذه السنة وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد إلى خراسان واليًا على شيعة بن العباس فنزل مرو وغير اسمه وتسمى بخداش ودعا إلى محمد بن علي فسارع إليه الناس وأطاعوه ثم غير ما دعاهم إليه وتكذب وأظهر دين الخرمية ودعا اليه ورخص لبعضهم في نساء بعض وقال لهم‏:‏ إنه لا صوم ولا صلاة ولا حج وإن تأويل الصوم أن يصام عن ذكر الإمام فلا يباح باسمه والصلاة الدعاء له والحج القصد إليه وكان يتأول من القرآن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات‏}‏ ‏[‏ المائدة‏:‏ 93‏]‏‏.‏

وكان خداش نصرانيًا بالكوفة فأسلم ولحق بخرايان‏.‏

وكان ممن اتبعه على مقاتله مالك الهيثم والحريش بن سليم الأعجمي وعغيرهما وأخبرهم أم محمد بن علي أمر بذلك‏.‏

فبلغ خبره أسد بن عبد الله فظفر به فأغلظ القول لأسد فقطع لسانه وسمل عينيه وقال‏:‏

الحمد الله الذي انتقم لأبي بكر وعمر منك‏!‏ وأمر يحيى ابن نعيم الشيباني فقتله وصلبه بآمل وأتي أسد بجزور مولى المهاجر بن دارة الضبي فضرب عنقه بشطاء النهر‏.‏ ‏  ‏ 

ذكر ما كان من الحارث وأصحابه

وفي هذه السنة نزل أسد بلخ وسرح جديعًا الكرماني إلى القلعة التي فيها أهل الحارث وأصحابه واسمها التبووشكان من طخارستان العليا وفيها ينو برزى التغلبيون أصهار الحارث فحصرهم الكرماني حتى فتحها فقتل بني برزى وسبى عامة أهله من العرب والموالي والذرادي وباعهم فيمن يزيد في سوق بلخ ونقم على الحارث أربعمائئة وخمسون رجلًا من أصحابه وكان رئيسهم جرير بن ميمون القاضي فقال لهم الحارث‏:‏ إن كنتم لا بد مفارقي فاطلبوا الأمان وأنا شاهد فإنهم يجيبونكم وإن ارتحلت قبل ذلك لم يعطوا الأمان‏.‏

فقالوا‏:‏ ارتحل أنت وخلنا‏.‏

وأرسلوا يطلبون الأمان فاخبر أسد أن القوم ليس لهم طعام ولا ماء فسرح إليهم أسد جديعًا الكرماني في ستة آلاف فحصرهم في القلعة وقد عطش أهلها وجاعوا فسألوا أن ينزلوا على الحكم ويترك لهم نساءهم وأولادهم فاجابهم فنزلوا على حكم أسد فأرسل إلى الكرماني يأمره أن يحمل إليه خمسين رجلًا من وجوههم فيهم المهاجر بن ميمون فحملوا إليه فقتلهم وكتب إلى الكرماني أن يجعل الذين بقوا عنده أثلاثًا فثلث يقتلهم وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم وثلث يقطع أديهم ففعل ذلك الكرماني وأخرج أثقالهم فباعها‏.‏

واتخذ أسد ميدنة بلخ دارًا ونقل إليها الدواوين ثم غزا طخارستان قم أرض جبوية فغنم وسبى‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل هشام خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم عن المدينة واستعمل عليها خالد محمد بن هشام بن إسماعيل‏.‏

وفيها غزا مروان بن محمد بن مروان من أرميننية ودخل أرض ورنيس إلى الخزر ونزل حصنه فحصره مروان ونصب عليه المجانيق فقتل ورنيس قتله بعض من اجتاز به وأرسل رأسه إلى مروان فنصبه لأهل حصنه فنزلوا على حكمه فقتل المقالتلة وسبى الذرية‏.‏

وفي هذه السنة مات علي بن عبد الله بن عباس وكان موته بالحميمة من أرض الشام وهو ابن سبع أو ثمان وسبعين سنة وقيل‏:‏ إنه ولد في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب فسماه أبوه عليًا وقال‏:‏ سميته باسم أحب الناس إلي وكناه أبا الحسن فلما قجم على عبد المكل بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره وسأله عن كنيته فأخبره فقال‏:‏ لا يجتمع في عسكري هذا

الاسم والكنية لأحد وسأله‏:‏ هل ولد لك ولد قال‏:‏ نعم وقد سميته محمدًا قال‏:‏ فأنت أبو محمد‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بم هشام بن إسماعيل وكان أمير المدينة وقيل‏:‏ كان هذه السنة على المدينة خالد بن عبد الملك وكان على العراق والمشرق كله خالد القسري وعامله على خراسان أخوه أسد وعامله على البصرة بلال بن أبي بردة وكان على أرمينية مروان بن محمد بن مروان‏.‏

وفي هذه السنة مات عبادة بن نسي قاضي الأردن‏.‏

وعممرو بن شعيب ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العباس ومات بالطائف‏.‏وأبو صخرة جامع بن شداد‏.‏

وأبو عشابة المعافري‏.‏

وعبد الرحمن سليط

ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائة

ذكر قتل خاقان


لما دخل أسد الختل كتب ابن السايجي إلى خاقان وهوبنواكث يعلمه دخول أسد الختل وتفرق جنوده فيها وأنه يحتال مضيعة فلما أتاه كتابه أمر أصحابه بالجهاز وسار فلما أحس ابن السايجي بمجيء خاقان بعث إلى أسد‏:‏ اخرج عن الختل فإن خاقان قد أظلك‏.‏

فشتم الرسول ولم يصدقه‏.‏

فبعث ابن السايجي‏:‏ إني لم أكذبك وأنا الذي أعلمته دخولك وتفرق عسكرك وأنها فرصة له وسألته المدد فغن لقيك على هذه الحال ظفر بك وعاتنب العرب أبدًا ما بقيت واستطال على خاقان واشتدت مؤونته وقال‏:‏ أخرجت العرب من بلادك ورددت عليك ملكك‏.‏

فعرف أسد أنه قد صدقه فأمر بالأثقال أن تقدم وجعل عليها إبراهيم بن عاصم العقيلي وأخرج معه المشيخة فسارت الأثقال ومعها أهل الصغانيان وصغان خذاه وأقبل أسد من الختل نحو الجبل الملح يريد أن يخوض نهر بلخ وقد قطع إبرايهم بن عاصم بالسبي وما أصلبوا وأشرف أسد على النهر فأقام يومه فلما كان الغد عبر النهر في مخاض 1 ه وجعل الناس يعبرونن فادركهام خاقان فقتل من لم يقطع النهلأ وكانت المسلحة على الأزد وتميم فقاتلوا خاقان وانكشفوا‏.‏

وأقبل خاقان وظن المسلمون أنه لا يعبر إليهم النره فلما نظر خاقان إلى النهر أمر الترك بعبوره فعبرونه ودخل المسلمون عسكرهم وأخذ الترك ما رأوه خارجًا وخرج الغلمان فضاربوهم بالعمد فعادوا وبات أسد والمسلمون وعببأ أصحابه من الليل فلما أصبح لم يرد خاقان فاستشار أصحابه فقالوا له‏:‏ اقبل العافية‏.‏

قال‏:‏ ما هذه عافة‏!‏ هذه بلية‏!‏ إن خاقان أصاب أمس من الجند والسلاح وما منعه اليوم منا إلا أنه قجد أخبره بعض من اخذه من الأسرى بموضع الأثقال أمامنا فار طمعًا فيها‏.‏

فارتحل وبعث الطلائع فلما أمسى استشار الناس في النزول أو المير فقال الناس‏:‏ اقبل العافية وما عسشى أن يكون ذهاب الأموال بعافيتنا وعافية أهل خراسان‏!‏ ونصر بن سيار مطرق‏.‏

فقال له أسد‏:‏ ما لك لا تتكلم قال‏:‏ أيها الأمير خلتان كلتاهما لك لإن تسر تغث من مع الأثقال وتخلصهم فإن انتهيت وقد هلكوا فقد قطعت مشقة لا بد من قطعها‏.‏

فقبل رأيه وسار بقية يومه ودعا أسد سعيدًا الصغير مولى باهلة وكان فارسًا بأرض الختل وكتب معه كتابًا إلى إبراهيم يأمره بالاستعداد ويخبره بمسير خاقان إليه وقال له‏:‏ لتجد السير‏.‏

فطلب منه فرسه الذبوب فقال أسد‏:‏ لعمري لئن جدت نفسك وبخلت عليك بالفرس إني إذًا للئيم‏.‏

فدفعه إليه فأخذ معه جنيبًا وسار‏.‏

فلما حاذى الترك وقد ساروا نحو الأثقال طلبته طلائعهم فركب الذبوب فلم يلحقوه فأتى إبراهيم بالكتاب‏.‏

وسار خاقان إلى الأثقال وقد خندق إبراهيم خندقًا فأتاهم وهم قيام عليه فأمر الصغد بقتلاهم فهزمهم المسلمون وصعد خاقان تلا فجعل ينظر ليرى عورة يأتي منها وهكذا كان يفعل فلما صعد التل رأى خلف العسكر جزيرة دونها مخاضة فدعا بعض قواد الترك فأمرهم أن يقطعوا فوق العسكر حتى يصيروا إلى الجزيرة ثم ينحدروا حتى يأتوا عسكر المسلمين من خلفهم وأن يبدأوا بالأعاجم واهل الصغانيان وقال لهم‏:‏ إن رجعوا إليكم دخلنا نحن‏.‏

ففعلوا ودخلوا من ناحية الأعاجم فقتلوا صغان خذاه وعامة أصحابه وأخذوا أموالهم ودخلوا عسكر إبراهيم فأخذوا جميع ما فيه وترك المسلمون التعبية واجتمعوا في موضع وأحسوا بالهلاك وإذا رهج قد ارتفع وإذا أسد في جنده قد أتاهم فارتفعت الترك عنهم إلى الموضع الذي كان فيه خاقان وإبراهيم يعجب من كفهم وقد ظفروا وقتلوا من قتلوا وهو لايطمع في أسد وكان أسد قد أغذ المسير وأقبل حتى وقف على التل الذي كان عليه خاقان وتنحى خاقان إلى ناحية الجبل فخرج إلى أسد من كان بقي مع الأثقال وقد قتل منهم بشرًا كثيرًا‏.‏

ومضى خاقان بالأسرى والجمال الموقرة والجواري وأمر خاقان رجلًا كان معه من أصحاب الحارث بن سريج فنادى أسدًا‏:‏ قد كان لك فيما وراء النهر مغزى إنك لشديد الحرص وقد كان عن الختل مندوحة وهي أرض آبائي وأجدادي‏.‏

فقال سد‏:‏ لعل الله أن ينتقم منك‏.‏

ويسار أسد إلى بلخ فعسكر في مرجها حتى أتى الشتاء ثم فرق الناس في الدور ودخل المدينة وكان الحارث بن سريج بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان‏.‏

فلما كان وسط الشتاء أقبل خاقان وكان لما فارق أسد أتى كخارستان فأقام عند جبوية فأقبل فأتى الجوزجان وسبب مجيئه أن الحارث أخبره أنه لا نهوض بأسد فلم يبق معه كثير جند ونزل جزة فأتى الخبر إلى أسد بنزول خاقان بجزة فأمر بالنيران فرفعت بالمدينة فجاء الناس من الرساتيق إليها فأصبح أسد وصلى صلاة العيد عيد الأضحى وخطب الناس وقال‏:‏ إن عدوا الله الحارث بن سريج استجلب الطاغية ليطفئ نو الله ويبدل دينه والله مذله إن شاء الله وإن عدوكم قد أصاب من إخوانكم من أصاب وإن يرد الله نصركم لم يضركم قلتكم وكثرتهم فاستنصروا الله وإن أقرب ما يكون العبد من ربه إذا وضع جبهته له وإني نازل ووضاع جبهتي فاسجدوا له وادعوا مخلصين‏.‏

ففعلوا ورفعوا رؤوسهم ولا يشكون في الفتح ثم نزل وضحى وشارور الناس في المسير إلى خاقان قال قوم‏:‏ تحفظ مدينة بلخ وتكتب إلى خالد والخليفة تستمده‏.‏

وقال قوم‏:‏ تأخذ في طريق زم فتسبق خاقان إلى مرو‏.‏

وقال قوم‏:‏ بل تخرج إليهم‏.‏

فوافق هذا رأي أسد وكان عزم على لقائهم فخرج بالناس ركعيتين ططولهما ثم استقبل القبلة ونادى في الناس‏:‏ اعوا الله تعالى وأطال الدعاء فلما فرغ قال‏:‏ نصرتم ورب الكعبة إن شاء الله تعالى‏!‏ ثم سار فلما جاز قنطرة عطاء نزل وأراد المقام حتى يتلاحق به الناس ثم أمر بالرحيل وقال‏:‏ لا حاجة بنا إلى المتخلفين‏.‏

ثم ارتحل وعلى مقدمته سالم بن منصور البجلي في ثلاثمائة فلقي ثلاثمائة من الترك طليعة

لخاقان فأسر قائدهم وسبعة معه وهرب بقيتهم فأتي به أسد فبكى التركي فقال‏:‏ ما يبكيك قال‏:‏ لست أبكي لنفسي ولكني أبكي لهلاك خاقان إنه قد فرق جنوده بينه وبين مرو‏.‏

فسار أسد حتى شارف مدينة الجوزيجان فنزل عليها على فرسخين من خاقان وكان قد استباحها خاقان فلما أصبحوا تراءى العسكران فقال خاقان للحارث بن سريج‏:‏ أم تكن أخبرتين أن أسدًا لا حراك به وهذه العساكر قد أقبلت من هذا قال‏:‏ هذا محمد بن المثنى ورايته‏.‏

فبعث خاقان طليعة وقال‏:‏ انظروا هل ترون على الإبل سريرًا وكراسي فعادواإليه فأخبروه أنهم رأوها فقال خاقان‏:‏ هذا أسد‏.‏

وسار أسد قدر غلوة فلقيه سالم بن جناح فقال‏:‏ أبشر أيها الأمير قد حزرتم ولا يبلغون أربعة آلاف وأرجوا أن يكون خاقان عقير الله‏.‏

فصف أسد أصحابه وعبى خاقان أصحابه فلما التقوا حمل الحارث ومن معه من الصغد وغيهم وكانوا ميمنة خاقان على ميسره أسد فهزمهم فلم يردهم شيء دون رواق أسد وحملت ميمنة أسد وهم الجوزجان والأزد وتميم عليهم فانهزم الحارث ومن معه وانهزمت الترك جيمعها وحمل الناس جميعًا فتفرق الترك في الأرض لا يلوون على أحد فتبعهم الناس مقدار ثلاثة فراسخ يقتلون من يقدرون عليه حتى انتهوا إلى وأخذ خاقان طريقًا في الجبل والحارث يحميه وسا منهزمًا فقال الجوزجاني لعثمان بن عبد الله بن الشخير‏:‏ إني لأعلم ببلادي وبطرقها فهل تتبعني لعنلا نهلك خاقان قال‏:‏ نعم فاخذا طريقًا وسارا ومن معهما حتى أشسرفوا على خاقان فأوقعوا به فولى منهزمًا فحوى المسلمون عسكر الترك وما فيه من الأموال ووجدوا فيه من نساء العرب والموليات من نساء الترك من كل شيء‏.‏

ووحل بخاقان برذونه فحماه الحارث بن سريج ولم يعلم الناس أنه خاقان وأراد الخصي الذي لخاقان أن يحمل امرأة خاقان فأعجلوه فقتلها واستنقذوا من كان مع خاقان من لمسلمين‏.‏

وتتبع أسد خيل الترك التي فرقها في الغارة إلى مرو الوذ وغيها فقتل من قدر عليه منهم ولم ينج منهم غير القليل ورجع إلى بلخ‏.‏

وكان بشر الكرماني فب السرايا فيصيبون من الترك الرجل والرجلين وأكثر‏.‏

ومضى خاقان إلى طخارستان واقام عند جبوية الخزلجي ثم ارتحل إللا بلادده فلما ورد أشروسنة تلقاه خرابغره أو خاناجزه جد كاووس أبي أفشين بكل ما قدر عليه وكان ما بينهما متباعدًا إلا أنه أحب أن يتخذ عنده يدًا‏.‏

ثم أتى خاقان بلاده واستعد لحرب ومحاصرة سمرقند وحمل الحارث وأصحابه على خمسة آلاف برذون‏.‏

فلاعب خاقان يومًا كورصول بالنرد على خطر فنازعا فضرب كورصول يد خاقان وكسرها وتنحى وجمع جمعًا وبلغه أن خاقان قد حلف ليكسرن يده فبيت خاقان فقتله وتفرقت التك وتركوه مجردًا فأتاه نفر من الترك فدفنوه‏.‏

واشتغلت الترك يغير بعضها على بعض فعند ذلك طمع أهل الصغد في الرجعة إليها‏.‏

وأرسل أسد مبشرًا إلى هشام بن عبد الملك بما فتح الله عليهم وبقتل خاقان فلم يصدقه وقال للربيع حاجبه‏:‏ لا أظن هذا صادقًا اذهب فعده ثم سله عما يقول ففعل ما أمره به فأخبره بما أخبر به هشامًا ثم أرسل أسد مبشرًا آخر فوقف على بابا هشام وكبر فأجابه هشام بالتكبير فلما انتهى إليه أخبره بالفتح فسجد شكرًا لله تعالى فحسدت القيسية أسدًا وقالوا لهشام‏:‏ اكتب بطلب مقاتل بن حيان النبطي ففعل فسيره أسد إلى هشام فلما دخل عليه أخبره بما كان فقال له هشام‏:‏ حاجتك قال‏:‏ إن يزيد بن المهلب أخذ من أبي مائة ألف درهم بغير حق فاستحلفه على ذلك‏.‏

فكتب إلى أسد فردها عليه وقسمها مقاتل بين ورثة حيان على كتاب الله تعالى‏.‏

قال أبو الهندي يذكر هذه الوقعة أبا منذرٍ رمت الأمور وقستها وساءلت عنها كالحريص المساوم فما كان ذو رأي من الناس قسته برأيك إلا مثلي رأي البهائم ولا حج بيت الله من حج راكبًا ولا عمر البطحاء بعد المواسم وكم من قتيل بين سانٍ وجزة كسير الأيادي من ملوك قماقم تركت بأرض الجوزجان تزوره سباع وعقبان لحز الغلاصم وذي سوقةٍ فيه منٍ السيف خبطة به رمق ملقى لحوم الحوائم فمن هاربٍ منا ومن دائن لنا أسيرٍ يقاسي مبهمات الأداهم فدتك نفوس من تميم وعامر ومن مضر الحمراء عند المآزم هم أطمعوا خاقان فينا فأصبحت حلائبه ترجو خلو المغانم وكان ابن السايجي الذي أخبر أسدًا بميء خاقان قد استخلفه السبل على مملكته عند موته وأوصاه بثلاث خصان قال‏:‏ لا تستطل على أهل الختل استطالتي عليهم فإني ملك وأنت لست بملك إنما أنت رجل منهم وقال له‏:‏ اطلب الخيش حتى ترده إلى بلادكم فإنه الملك بعدي وكان الحنيش قد هرب إلى الصين وقال له‏:‏ لا تحاربوا العرب وادفعوها عنكم بكل حيلة‏.‏

فقال له ابن السايجي‏:‏ أما تركي الاستطالة عليهم وردي الحنيش فهو الرأي وأما قولك لا تحاربوا العرب فكيف وقد كنت أكثر الملوك محاربة لهم قال السبل‏:‏ قد جربت قوتكم بقوتي فما رأيتكم تقعون مني موقعًا وكنت إذا حاربتهم لم أفلت إلا حرضًا وإنكم إذا حاربتموهم هلكتم فهذا

ذكر قتل المغيرة بن سعيد وبيان

في هذه السنة خرج المغيرة بن سعيد وبيان في ستة نفر وكانوا يسمون الوصفاء وكان المغيرة ساحرًا وكان يقول‏:‏ لو أردت أن حيي عادًا وثمودًا وقرونًا بين ذلك كثيرًا لفعلت‏.‏

وبلغ خالد بن عبد الله القسري خروجهم بظهر الكوفة وهو يخطب فقال‏:‏‏:‏ أطعوني ماء فقال يحيى بن نوفل في ذلك‏:‏ أخالد لا جزاك الله خيرًا وأير في حر امك من أمير وكنت لدى المغيرة عبد سوء تبول من المخافة للزئير وقلت لما اصابك أطعموني شرابًا ثم بلت على السرير لأعلاج ثمانية وشيخٍ كبير السن ليس بذي نصير فأرسل خالد فأخذهم وأمر بسريره فأخرج إلى المسجد الجامع وأمر بالقصب والنفط فأحضرا فأحرقهم وارسل إلى مالك بن أعين الجرمي فسأله فصدقه فتركه‏.‏

وكان رأي المغيرة التجسيم يقول‏:‏ إن الله على صورة رجل على رأسه تاج وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء ويقول ما لاينطق به لسان تعالى الله عن ذلك يقول‏:‏ إن الله تعالى لما أراد

أن يخلق تكلم باسمه الأعظم فطار فروقع على تاجه ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات فلما رأى المعاصي ارفض عرقًا فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والآخر عذب نير ثم اطلع في البحر فرأى ظله فذهب ليأخذه فطار فأدركه فقلع عبيني ذلك الظل ومحقه فخلق من عينيه الشمس وسماء أخرى وخلق من البحر الملح الكفار ومن البحر العذب المؤمنين وكان يقول بإلهية علي وتكفير أبي بكر وعمر وسائر الصحابة إلا من ثبت مع علي وكان يقول‏:‏ إن الأنبياء لم يختلفوا في شيء من الشرائع وكان يقول بتحريم ماء الفرات وكل نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة وكان يخرج إلى المقبرة فيتكلم فيرى أمثال الجراد علاى القبور‏.‏

وجاء المغيرة إلى محمد الباقر فقال له‏:‏ أقرر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك العراق‏.‏

فنهره وطرده‏.‏

وجاء إلى ابنه جعفر بن محمد الصادق فقال له مثل ذلك فقال‏:‏ أعوذ بالله‏!‏ وكان الشعبي يقول للمغيرة‏:‏ ما فعل الإمام فيقول‏:‏ لأتتهزأ به فيقول‏:‏ لا إنما أتهزأ بك‏.‏

وأما بيان فإنه يقول بإلهية علي وإن الحسن والحسين إلهان ومحمد بن الحنفية بعدهم ثم بعده ابنه أو هشام بن محمد بنوع من التناسخ وكان يقول‏:‏ إن الله تعالى بفنى جميعه إلا وجهه ويحتج بقوله‏:‏ ‏{‏ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ ‏]‏‏.‏

تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا  ‏  ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏