هذه السنة وفي هذه السنة خرج بهلول بن بشر الملقب كثارة وهو من الموصل من شيبان.
فقيل: وكان سبب خروجه أنه خرج يريد الحج فأمره غلامه يبتاع له خلا بدرهم فأتاه بخمر فأمره بردها وأخذ الدرهم فلم يجبه صاحب الخمر إلى ذلك فجاء بهلول إلى عامل القرية وهي من السواد فكلمه فقال العامل: الخمر خير منك ومن قولك.
فمضى في حجه وقد عزم على الخروج فلقي بمكة من كان على مثل رأيه فاتعدوا قرية من قرى الموصل فاجتمعوا بها وهم أربعون رجلًا وأمروا عليهم بهلولًا وكتموا أمرهم وجعلوا لا يمرون بعامل إلا أخبروه أنهم قدموا من عند هشام على بعض الأعمال وأخذوا دواب البريد فلما انتهوا إلى القرية التي ابتاع الغلام بها الخمر قال بهلول: نبدأ بهذا العامل فنقلته.
فقال أصحابه: نحن نريد قتل خالد فإن بدأنا بهذا شهر أمرنا وحذرنا خالد وغيره فنشدناك الله أن نقتل هذا فيفلت منا خالد الذي يهدم المساجد ويبني البيع والكنائس ويولي المجوس على المسلمين وينكح أهل الذمة المسلمات لعلنا نقتله فيريح الله من.
قال: والله لا أدع ما يلزمني لما بعده وأرجو أن أقتل هذا وخالدًا فقتله فعلم بهم الناس أنهم خوارج وهربوا وخرجت البريد إلى خالد فأعلموه بهم ولا يدرون من فخرج خالد من واسط وأتى الحيرة وكان بها جند قد قدموا من الشام مددًا لعامل الهند فأمرهم خالد بقتاله وقال: من قتل منهم رجلًا أعطيته عطاء سوى ما أخذ في الشام وأعفيته من الخروج إلى هند.
فساعوا إلى ذلك فتوجه مقدمهم وهو من بني القين ومعه ستمائة منهم فضم إليه خالد مائتين من الشرط فالتقوا على الفرات فقال القيني لمن معه من الشرط: لا تكونوا معنا ليكون الظفر له ولأصحابه.
وخرج إليهم بهلول فحمل على القيني فطعنه فأنفذه وانهزم أهل الشام والشرط وتبعهم بهلول وأصحابه يقتلونهم حتى بلغوا الكوفة.
فأما أهل الشام فكانوا على خيل جياد ففاتوه وأما شرط الكوفة فأدركهم فقالوا: أتق الله فينا فإنا مكرهون مظهرون فجعل يقرع رؤوسهم بالرمح ويقول: النجاء.
فوجد بهلول مع القيني بدرة فأخذها.
وكان في الكوفة ستة يرن رأي بهلول فخرجوا إليه فقتلوا بصريفين فخرج بهلول ومعه البدرة قالك من قتل هؤلاء حت أعطيه هذه البدرة فجاء قوم فقالوا: نحن قتلناهم وهم يظنونه من عند خالد فقال بهلول لأهل القرية: اصدق هؤلاء قالوا: نعم فقتلهم وترك أهل القرية.
وبلغت الهزيمة خالدًا وما فعل بصريفين فوجه إليه قائدًا من شيبان أحد بني حوشب بن يزيد بن رويم فلقيه فيما بين الموصل والكوفة فانهزم أهل الكوفة فأتوا خالدًا.
فارتحل بهلول من يومه يريد الموصل فكتب عامل الموصل إلى هشام بن عبيد الملك يخبره بهم ويسأله جندًا فكتب إليه هشام: وجه إليه كثارة بن بشر.
وكان هشام لا يعرف بهلولًا إلى بلقبه فكتب إليه العامل أن الخارج هو كثارة.
ثم قال بهلول لأصحابه: إنا والله ما نصنع بابن النصرانية شيئًا يعني خالدًا فبم لا نطلب الرأس الذي سلط خالدًا فسار يريد هشامًا بالشام فخاف عمال هشام من هشام إن تركوه يجوز إلى بلادهم فسير خالد جندًا من العراق وسير عامل الجزيرة جندًا من الجزيرة ووجه هشام جندًا من الشام واجتمعوا بدير بين الجزيرة والموصل وأقبل بهلول إليهم وقيل التقوا بكحيل دون الموصل فنزل بهلول على باباب الدير وهو في سبعين وحمل عليهم فقتل منهم نفرًا عامة نهاره وكانوا عشرين ألفًا فأكثر فيهم القتل والجراح ثم إن بهلولًا وأصحابه عقروا دوابهم وترجلوا فاتلوا قتالًا شديدًا فقتل كثير من أصحاب بهلول فطعن بهلول فصرع فقال له أصحابه: ول أمرنا.
فقال: إن هلكت فأمير المؤمنين دعامة الشيباني وإن هلك فأمروا عمرو اليشكري.
ومات بهلول من ليلته فلما أصبحوا هرب دعامة وخلاهم فقال الضحاك بن قيس يرثي بهلولًا: بدلت بعد أبي بشرٍ وصحبته قومًا علي مع الأحزاب أعوانًا كأنهم لم يكونوا من صحابتنا ولم يكونوا لنا بالأمس خلانا خلوا لنا ظاهر الدنياوبطانها وأصبحوا في جنان الخلد جيرانا فلما قلتل بهلول خرج عمرو اليشكري فلم يلبث أن قتل.
وخرج البختري صاحب الأشهب وبهذا كان يعرف على خالد في ستين فوجه إليه خالد السمط بن مسلم البجلي في أربعة آلاف قالتقوا بناحية الفرات فانهزمت الخوارج فتقلاهم عبيد أهل الكوفة وسفلتهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم.
ثم خرج وزير السختياني على خالد بالحيرة في نفر فجعل لا يمر بقرية إلا أحرقها ولا يلقى أحدًا إلا قتله وغلب على ما هنالك وعلى بيت المال فوجه إليه خالد جندًا فقاتلوا عامة أصحابه وأثخن بالجراح وأتي به خالد وأقبل على خالد فوعظه فأعجب خالدًا ما سمع منه فلم يقتله وحبسه عنده وكان يؤتى به في الليل فيحادثه.
فسعي بخالد إلى هشام وقيل: أخذ حوريًا قد قتل وحرق وأباح لأموال فجعله سميرًا فغضب هشام وكتب إليه يأمره بقتله وكان خالد يقول: إني أنفس به عن الموت فأخر قتله فكتب إليه هشام ثانيًا يذمه ويأمره بقتله وإحراقه فقتله وأحرقه ونفرًا معه ولم يزل يتلو القرآن حتى مات وهو يقرأ: {قل نار جهنم أشد حرًا لو كانوا يفقهون} [التوبة: 81].
وفي هذه السنة خرج الصحاري بن شبيب بن يزيد بناحية جبل وكان قد أتى خالدًا يسأله الفريضة فقال خالد: وما يصنع ابن شبيب بالفريضة فمضى وندم خاد وخاف أن يفتق عليه فتقًا فطلبه لم يرجع إليه وسار حتى جبل وبها نفر من بني تيم اللات بن ثعلبة فأخبرهم فقالوا: وما ترجو من ابن النصرانية كنت أولى أن تسير إليه بالسيف فتضربه به.
فقال: والله ما أردت الفريضة وما أردت إلا التوصل إليه لئلا ينكرني ثم أقتله بفلان يعني بفلان رجلًا من قعدة الصفرية وكان خالد قتله صبرًا ثم دعاهم إلى الخروج معه فتبعه منهم ثلاثون رجلًا وخرج بهم فبلغ خبره خالدًا وقال: قد كنت خفتها منه ثم وجه إليه خالد جندًا فلقوه بناحية المناذر فقاتلهم قتالًا شديدًا فقتلوه وجميع أصحابه.
ذكر غزو أسدٍ الختل
وفيها غزا أسد الختل فوجه مصعب بن عمرو الخزاعي إليها فسار فنزل بقرب بدر طرخان فطلب الأمان ليخرج إلى اسد فآمنه مصعب فسيره إلى أسد فسأله أن يقبل منه ألف ألف درهم فأبى أسد وقال: إنك دخلتها وأنت غريب من أهل الباميان أخرج من الختل كما دخلت.
قال بدرطرخان: فأنت دخلت إلى خراسان على عشرة من الدواب ولو خرجت منها لم تحتمل على خمسمائة بعير وغير ذلك إني دخلت الختل شابًا فاردد علي شبباب وخذ ما كسبت منها.
فغضب أسد ورده إلى مصعب ليمكنه من العود إلى حصنه فوصل بدرطرخان مع مولى لأسد إلى مصعب فاخذه سلمة بن عبيد الله وهو من الموالي وقال: إن الأمير يندم على تركه وحبسه عنده.
وأقبل أسد بالناس فقال لمجشر بن مزاحم: كيف أنت قال مجشر: كنت أمس أحسن حالًا مني اليوم كان بدرطرخان في أدينا وعرض ما عرض فلا الأمير قبل منه ما عرض عليه ولا هو شد يديه عليه ولكنه خلى سبيله وأمر بإدخاله حصنه.
فندم أسد عند ذلك وأرسل إلى مصعب يسأله: هل دخل بدرطرخان حصنه ظام لا فجاء الرسول فوجده عند سلمة بن عبيد الله فحوله أسد إليه وأمر به فقطعت يده وقال: من هاهنا من أولياء أبي فديك رجل من الأزد كان بدرطرخان قد قتله فقالم رجل مكن الأزد فقال: أنا فقال: أضرب عنقه ففعل.
وغلب أسد على القلعة العظمى وبقيت قلعة فوقها صغيرة وفيها ولده وأمواله فلم يوصل إليها.
وفرق أسد العسكر في أودية الختل فملأ أيديهم من الغنائم والسبي وهرب أهله إلى الصين.
في هذه السنة غزا الوليد بن القعقاع أرض الروم.
وحج بالناس في هذه السنة أبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك وحج معه ابن شهاب الزهري.
وكان العامل على مكة والمدينة والطائف محمد بن هشام المخزومي وعلى العراق والمشرق كله خالد القسري وعلى خراسان أخوه أسد وقيل: كان أسد قد هلك في هذه السنة واستخلف عليها جعفر بن حنظلة البهراني وقيل: إنما هلك أسد سنة عشرين ومائة وعلى ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها غزا مروان بن محمد أرمينية فدخل بلاد اللان وسار فيها حتى خرج منها إلى بلاد الخزر فمر ببلنجر وسمندر وانتهى إلى البيضاء التي يكون فيها خاقان فهرب خاقان منه.
وفيها توفي حبيب بن أبي ثابت.
وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي.
وقيس بن سعد المكي.
وسليمان بن موسى الأشدق.
وإياس بن سلمة بن الأكوع
ثم دخلت سنة عشرين ومائة
ذكر وفاة أسد بن عبد الله
في هذه السنة في ربيع الأول توفي أسد بن عبد الله القسري بمدينة بلخ وكان سبب موته أنه كان به دبيلة في جوفه فأصابه مرض قم أفاق منه فخرج يومًا فأتي بكمثرى أول ما جاء فأطعم الناس منه واحدة واحدة وزأخذ كثراة فرمى بها إلى خراسان دهقان هراة فانقطعت الدبيلة فهلك واستخلف جعفر ابن حنظلة البهراني فعمل أربعة أشهر ثم جاء عهد نصر بن سيار بالعمل في رجب سنة احدى وعشرين.
وكان هذا خراسان دهقان هراة خصيصًا بأسد فقدم عليه في المهرجان ومعه من الهدايا والتحف ما لم يحمل غيره مثله وكانت قيمة الهدية ألف ألف.
وقال لأسد: إنا معشر العجم أكلنا الدنيا أرعمائة سنة بالحلم والعقل والوقار وكان الرجال فينا ثلاثة: ميمون النقية أين ما توجه فتح الله عليه والذي يليه رجل تمت مروته في بيت فإن كان كذلك رحب وحيا ورجل رحب صدره وبسط يده فإذا كان كذلك قدم وقود وقد جعل الله صفات هؤلاء فيك فما يعلم أحدًا هو أتم كتخذانية منك إنك عزيز ضابط أهل بيتك وحشمك ومواليك فليس منهم من يستطيع أن يعتدي على صغير ولا كبير ثم بنيت الإيوانات في المفاوز من أحسن ما عمل ومن يمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في ماة ألف ومعه الحارث بن سريج فهزمته وقتلته وقتلت أصحابه وأبحت عسكره وأما رحب صدرك وبسط يدك فإنا لا ندري أي المالين أحب إليك وأمال قدم عليك أم مال خرج من عندك بل أنت بما خرج أقر عينًا.
فضحك أسد وقال: أنت خير دهاقينا وفرق جميع الهدية بين أصحابه.
ولما مات أسد رثاه ابن عرس العبدي فقال: ببلخٍ وافق المقدار يسري وما لقضاء ربك من دفاع فجودي عين بالعبرات سحًا ألم يحزنك تفريق الجماع في أبيات غيرها.
ولما مات أسد كتب مسلمة بن هشام بن عبد الملك وهو أبو شاكر إلى خالد القسري: أراح من خالدٍ فأهلكه رب أراح العابد من أسد أما أبوه فكان مؤتشبًا عبدًا لئيمًا لأعبدٍ فقد يرى الزنى والصليب والخمر والخنزير رحلا والغي كالرشد وأمه همها وبغيتها هم الإماء العواهر الشرد كافرة بالنبي مؤمنة بقسها والصليب والعمد يعني المعمودية.
فلما قرأ خالد الكتاب قال: يا عباد الله من رأى كهذه تعزية رجل من أخيه وكان ما بين خالد وأبي شاكر مباعدة وسببها أن هشامًا يرشح ابنه أبا شاكر للخلافة فقال الكميت: إن الخلافة كائن أو تادها بعد الوليد إلى ابن أم حكيم يعني أبا شاكر وأمه أم حكيم فبلغ الشعر خالدًا فقال: أنا كافر بكل خليفة يكنى أبا ساكر
ذكر شيعة بني العباس بخراسان
وفي هذه السنة وجهت شيعة بني العابس بخراسان إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس سليمان بن كثير ليعلمه أمرهم وما هم عليه.
وكان سبب ذلك أم محمدًا ترك مكاتبتهم ومراسلتهم بطاعتهم التي كانت لخداش الذي تقدم ذكره وقبولهم منه ماروي عنه من الكذب.
فلما أبطأت كتبه ورسله عليهم أرسلوا سليمان ليعلم الخبر فقدم عليه فعنفه محمد في ذلك ثم صرف سليمان إلى خراسان ومعه كتاب مختوم فغضوه فلم ير فيه إلا بسم الله الرحمن الرحيم فعظم ذلك عليهم وعلموا مخالفة خداش لأمره ثم وجه محمد بمن علي إليهم بكير بن ماهان بعد عود سليمان من عنده وكتب معه إليهم يعلمهم كذب خداش فلم يصدقوه واستخفوا به فانصرف بكير إلى محمد فبعث معه يعصي مضببة بعضها بحديد وبعضها بنحاس فجمع بكير النقباء والشيعة ودفع إلى كل واحد منهم عصًا فعلموا أنهم مخالفون لسيرته فتابوا ورجعوا.
ذكر عزل خالد بن عبد الله القسري وولاية يوسف بن عمر الثقفي
وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك خالدًا عن أعمالهل جميعها وقد اختلفوا في ذلك وسببه. قيل: إن فروخ أبا المثنى كان على ضياع هشام بنهر الرمان فثقل مكانه على خالد فقال خالد لحيان النبطي: اخرج إلى هشام وزد على فروخ ففعل حيان ذلك وتولاها فصار حيان أثقل على خالد من فروخ فجعل يؤذيه فيقول حيان: لا تؤذي وأنا صنيعتك فابى إلا أذاه.
فلمكا قدم عليه بثق البثوق على الضياع ثم خرج إلى هشام فقال له: إن خالدًا بثق البثوق على ضياعك.
فوجه هشام من ينظر إليها فقال حيان لخادم من خدم هشام: إن تكلمت بكلمة أقولها لك حيث يسمع هشام فلك ألف دينار.
قال: فعجاها وأقول ما شئت فأعطاه ألفًا وقال له: تبكي صبيان هشام فإذا بكى فقل له: اسكت! والله لكأنك ابن خالد القسري الذي غلته ثلاثة عشر ألف ألف.
ففعل الخادم فسمعها هشام فسأل حيان عن غلة خالد فقال: ثلاثة عشر ألف ألف.
فوقرت في نفس هشام.
وقيل: كانت غلته عشرين ألفًا وإنه حفر بالعراق الأنهار منها نهر خالد وباجرى وترمانا والمبارك والجمع وكورة سابور والصلح وكان كثيرًا ما يقول: غني مظلوم ما تحت قدمي شيء إلا هو لي يعني أن عمر جعل لبجيلة ربع السواد.
وأشار عليه العريان بن الهيثم وبلال بن أبي بردة بعرض املاكه على هشام ليأخذ منها ما أراد ويضمنان له الرضا فإنهما قد بلغهما تغير هشلم عليه فلم يفعل ولم يجبهما إلى شيء.
وقيل لهشام: إن خالدًا قال ولدجه: ما أنت بدون مسلمة بن هشام! ودخل رجل من آل عمرو بن سعيد بن العاص على خالد في مجلسه فأغلظ له في القول فكتب إلى هشام يشكو خالدًا فكتب هشام إلى خالد يذمه ويلومه ويوبخه ويأمره أن يمشي راجلًا إلى بابه ويترضاه فقد حعل عزله وولايته إليه وكان يذكر هشامًا فيقول: ابن الحمقاء وكان خالد يخطب فيقول: زعمتم أني أغلي أسعاركم فعلى من يغليها لعنة اللهّ وكان هشام كتب إليه ألا تبيعن من الغلات شيئًا حتى تباع غلات أمير المؤمنين فبلغت كيلها دارهم.
وكان يقول لابنه: كيف أنت إذا احتاج إليك أمير المؤمنين فبلغ هذا جميعه أمير المؤمنين هشامًا فتنكر له.
وبلغه أيضًا أنه يستقل ولاية العراق فكتب إليه هشام: يا بن أم خالد بلغني أنك تقول: ما ولاية العراق لي بشرف.
يا بن اللخناء كيف لا تكون إمرة العراق لك شرفًا وأنت من بجيلة القليلة الذليلة أما والله إني لأظن أن لأول من يأتيك صغير من قريش يشد يديك إلى عنقك.
ولم يزل يبلغه عنه ما يكره فعزم على عزله فكتم ذلك وكتب إلى يوسف ابن عمر وهو باليمن
يأمره أن يقدم في ثلاثين من اصحابه إلى العراق فقد ولاه ذلك فسار يوسف إلى الكوفة فعرس قريبًا منها وقد ختن طارق خليفة خالد بالكوفة ولده فأهدى إليه ألف وصيف ووصيفة سوى الأموال والثياب فمر بيوسف بعض أهل العراق فسألوه: ما أنتم وأين تريدون قالوا: بعض المواضع.
فأتوا طارثقًا فأخبروه خبرهم وأمروه بقتلهم وقالوا: إنهم خوارج.
فسار يوسف إلى دور ثقيف فقيل لهم: ما أنتم فكتموا حالهم وأمر يوسف فجمع إليه من هناك من مضر فلما اجتمعوا دخل المسجد مع الفجر وأمر المذن وأقام الصلاة فصلى وأرسل إلى طارق وخالد فأخذهما وإن القدور لتغلي.
وقيل: لما أراد هشام أن يولي يوسف بن عمر العراق كتم ذلك فقدم جندب مولي يوسف بكتاب يوسف إلى هشام فقرأه ثم ثال لسالم بن عنبسة وهو على الديوان: أن أجبه عن لسانك وأتني بالكتاب.
وكتب هشام بخطه كتابًا صغيرًا إلى يوسف يأمره بالمسير إلى العراق فكتب سالم المتاب وأتى به هشامًا فجعل كتابه في وسطكه وختمه ثم دعا رسول يوسف فأمر به فضرب ومزقت ثيابه ودفع الكتاب إليه فسار.
فارتاب بشير بنم أبي طلحة وكان خليفة سالم فقال: هذه حيلة وقد ولى يوسف العراق فكتب إلى عياض وهو نائب سالم بالعراق: إن أهلك قد بعثوا إليك بالثوب اليماني فإذا أتاك فالبسه واحمد الله تعالى وأعلم ذلك طارقًا.
ثم ندم بشير على كتابه فكتب إلى عياض: إن أهلك قد بدا لهم في إرسال الثوب.
فأتى عياض بالكتاب الثاني إلى طارق فقال طارق: الخبر في الكتاب الأول ولكن بشيرًا ندم وخاف أن يظهر الخبر.
وركب طارق من الكوفة إلى خالد وهو بواسط فرآه داود البريدي وكان على حجابة خالد وديوانه فأعلم خالدًا فأذن له فلما رآه قال: ما أقدمك بغير إذان قال: أمر كنت أخطأت فيه كنت قد كتبت إلى الأمير أعزيه بأخيه أسد وإنما كان يجب أن آتيه ماشسًا.
فرق خالد ودمعت عيناه وقال: ارجع إلى عملك فأخبره الخبر لما غاب داود اقل: فما الرأي قال: تركب إلى أمير المؤمنين فتعتذر إليه مما بلغه عنك.
قال: لا أفعل ذلك بغير إذن.
قال: فترسلني إليه حتى آتيك بعهده.
قال: وكم مبلغه قال: مائة ألف ألف.
قال: ومن أين آخذها والله ما اجد عشرة آلاف ألف درهم! قال: أتحمل أنا وفلان وفلان.
قال: إني إذًا للئيم إن كنت أعطيتهم شيئًا وأعود فيه.
فقال طارق: إنما نفيك ونفي أنفسنا بأموالنا وتستأنف الدنيا وتبقى النعمة عليك وعلينا خي من أن يجيء من يطالبنا بالأموال وهي عند أهل الكوفة فيتربصون فنقتل ويأكلون تلك الأموال.
فأبى خالد.
فودعه طارق وبكى وقال: هذا آخر ما نلتقي في الدنيا.
ومضى إلى الكوفة وخرج وخرج خالد إلى الجمة.
وقدم رسول يوسف عليه اليمن فقال: أمير المؤمنين ساخط وقد ضربني ولم يتكتب جواب كتابك وهذا كتاب سالم صاحب الديوان.
فقرأه فلما انتهى إلى آخره قرأ كتاب هشام بخطه وولاية العراق ويامره أن يأخذ ابن النصرانية يعني خالدًا وعماله ويعذبهم حتى يشتفي.فأخذ ديلًا وسار من يومه واستخلف على اليمن ابنه الصلت فقدم الكوفة في جمادى الآخرة سنة عشرين ومائة فنزل النجف وأرسل مولاه كيسان وقال: انطلق فأتني بطارق فإن أقبل فاحمله على إكاف وإن لم يقبل فأت به سحبًا.
فأتى كيسان الحيرة فأخذ معه عبد المسح سيد أهلها إلى طارق فقال له: إن يوسف قد قدم على العراق وهو يستدعيك.
فقال طارق لكيسان: إن أراد الأمير المال أعطيته ما سأل.
وأقبلوا به إلى يوسف بن عمر فتوافوا بالحيرة فضربه ضربًا مبرحًا يقال خمسمائة سوط ودخل الكوفة وأرسل عطاء بن مقدم إلى خالد بالجمة فاتى الرسول حاجبه وقال: استأذن لي على أبي الهيثم فدخل متغير اللون فقال: ايذن له فدخل عليه فقال: ويل أمها سخطة! ثم أخذه فحبسه وصالحه عنه أبان بن الوليد وأصحابه على تسعة آلاف ألف فقيل ليوسف: لو لم تفعل لأخذت منه مائة ألف ألف فندق وقال: قد رهنت لساني معه ولا آمن ولا أرجع.
وأخر أصحاب خالدًا فقال: قد أخطأتم ولا آمن أن يأخذها ثم يعود ارجعوا فرجعوا فأخبروه أن خالدًا لم يرض فقال: قد رجعتم قالوا: نعم.
قال: والله لا أرضى بمثلها ولا مثليها فأخذ أكثر من ذلك وقيل: أخذ مائة ألف.
فأرسل يوسف إلى بلال بن أبي بردة فقبضه وكان قد اتخذ بلال بالكوفة دارًا لم ينزلها فأحضره يوسف مقيدًا فأنزله الدار ثم جعلت سجنًا.
وكان خالد يصل الهاشميين ويبرهم فأتاه محمد بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان بن عفان ليستميحه فلم ير منه ما يحب فقال: أما الصلة فللهاشميين وليس لنا منه إلا أنه يلعن عليًا فبلغت خالدًا فقال: إن أحب نلنا عثمان بشيء.
وكان خالد مع هذا يبالغ في سب علي فقيل: كان يفعل ذلك نفيًا للتهمة وتقربًا إلى القوم.
وكانت ولاية خالد العراق في شوال سنة خمس ومائة وعزل في جمادى الأولى ستة عشرين ومائة ولما ولي يوسف العراق كان الإسلام ذليلًا والحكم فيه إلى أهل الذمة فقال يحيى بن نوفل فيه: أتانا وأهل الشرك أهل زكاتنا وحكامنا فيما نسر ونجهر فلما أتانا يوسف الخير أشرقت له الأرض حتى كل وادٍ منور وحتى رأينا العدل في الناس ظاهرًا وما كان من قبل العقيلي يظهر في أبيات.
ثم قال بعد ذلك: كأهل النار حين دعوا أغيثوا جميعًا بالحميم وبالصديد وكان في يوسف أشياء متباينة متناقه كان طويل الصلاة ملازمًا للمسجد ضاباطًا لحشمه وأهله عن الناس لين الكلام متواضعًا حسن الملكة كثير التضرع والدعاء فكان يصلي الصبح ولا يكلم أحدًا حتى يصلي الضحى يقرأ القرآن ويتضرع وكان بصيرًا بالشعر والأدب وكان شديد العقوبة مسرفًا في ضرب الأبشار فكان يأخذ الثوب الجديد فيمر ظفره عليه فإن تعلق به طاقه فضرب صاحبه وربما قطع يده.
وكان أحمق أتي يوما بثوب فقال لكاتبه: ما تقول في هذا الثوب فقال: كان ينبغي أن تكون بيوته أصغر مما هي.
فال للحائك: صدق يا بن اللخناء! فقال الحائك: نحن أعلم بهذا.
فقال لكتابه: صدق يا بن اللخناء.
فقال الكاتب: هذا يعمل في السنة ثوبًا أو ثوبين وأنا يمر على يدي في كل سنة مائة ثوب مثل هذا.
فقال للحائك: صدق يا بن اللخناء! فلم يزل يكذب هذا مرة وهذا مرة حتى عد أبيات الثوب فوحدها تنقص بيتًا من أحد جانبي الثوب فضرب الحائك مائة سوط.
وقيل: إن يوسف أراد السفر فدعا جواريه فقال لإحداهن: تخرجين معي قالت: نعم قال: يا خبيثة كل هذا من حب النكاح يا خادم اضرب رأسها.
وقال لأخرى: ما تقولين فقالت: أقيم على ولدي.
فقال: يا خبيثة أكل هذا زهادة في اضرب رأسها.وقال لثالثة: ما تقولين
قالت: ما أدري ما أقول إن قلت ما قالت إحداهما لما نجوت من عقوبتك.
فقال: يا لخناء أوتناقضين ونحجبين اضرب رأسها.
فضرب الجميع.
وكان قصيرًا عظيم اللحية وكان يحضر الثوب الطويل ليفصله ليلبسه فإن قال الخياط إنه يفضل منه ضربه فإن قال له الخياط: لا يكفينا إلا بعد التصرف في التفصيل سره فكانوا يفصلون له ثيابًا طوالًا ويأخذون ما ينبغي من الثوب يوهمونه أن الثوب لم يكفه فيرضى بذلك.
وله في هذا الباب أشياء نوادر منها أنه قال يومًا لكاتب له: ما حبسك قال: اشتكيت ضرسي فدعا بحجام يقلعه ومع ضرس آخر.
ذكر ولاية نصر بن سيار الكناني خراسان
لما مات أسد بن عبد الله استشار هشام بنم عبد الملك عبد الكريم بن سليط الحنفي وكان علمًا بخراسان فيمن يوليه فقال عبد الكريم: يا أمير المؤمنين أما رجل خراسان حزمًا ونجدة فالكرماني.
فأعرض عنه وقال: ما سمه قال: جديع بن علي.
قال: لا حاجة لي فيه وتطير قال: فالمسن المجرب يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني.
قال: ربيعة لا تسد بها الثغور.
قال عبد الكريم: فقلت في نفس: كره ربيعة واليمن فأرميه بمضر فقلت: عقيل بن معقل الليثي إن غفرت هنةً.
قال: ما هي قلت: ليس بالعفيف.
قال: لا حاجة لي فيه.
قلت: منصور بن أبي الخرقاء السلمي إن غفرت نكره فإنه مشؤوم.
قال: غيره.
قلت: فالمجشر بن مزاحم السلمي عاقل شجاع له رأي مع كذب فيه.
قال: لا خير في الكذب.
قلت: يحية بن الحضين.
قال: ألم أخبرك أن ربيعة لا تسد بها الثغور قال: نصر بن سيار قال: هو لها.
قلت: إن غفرت واحد فإنه عفيف مجرب عاقل.
قال: ما هي قلت: عشيرته بها قلقلة.
قال: لا أبالك! أتريد عشيرة أكثر مني أنا عشيرته.
فكتب عهده وبعثه مع عبد الكريم.
وقد قيل: عرض عليه عثمان بن عبد الله بن الشخير وقيل له: إنه صاحب شراب وقيل له عن يحيى بن الحضين: إنه كثير التيه وقيل له عن قطن بن قتيبة: إنه موتور فلم يولهم فاستعمل نصرًا.
وكان جعفر بن حنظلة الذي استخلفه أسد على خراسان عند موته قد عرض على نصر أن يولويه بخارى فاستشار البختري بن مجاهد مولى بين شيبان فقال له: لا تقبلها لأنك شيخ مضر بخراسان وكأنك بعهدك قد حاء على خراسان فلما أتاه سلم عليه بالإمرة فقال له: من أين علمت قال: كنت تأتيني فلما بعثت إلي علمت أنك قد وليت.
وأعطى نصر عبد الكريم لما أتاه بعهده عشرة آلاف درهم واستعمل على بلخ مسلم بن عبد الرحمن بن مسلم واستعمل على مرو الروذ وساج ابن بكير بن وساج وعلى هراة الحارث بن عبد الله بن الحشرج وعلى نيسابور زياد بن عبد الرحمن القشيري وعلى خوارزم أبا حفص بن علي ختنه وعلى الصغد قطن بن قتيبة.
قال رجل من اليمانية: ما رأيت عصبية مثل هذا.
قال: بلى: التي كانت قبلها فلم يتسعمل أربع سنين إلا مضريًا.
وعمت خراسان عمارة لم تعمر قبلها وأحسن الولاية والجباية فقال سوار ابن الأشعر: أضحت خراسان بعد الخوف آمنةً من ظلم كل غشوم الحكم جبار لما أتى يوسفًا أخبار ما لقيت اختار نصرًا لها نصر بن سيار وأتى نصرًا عهده في رجب سنة عشرين ومائة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة غا سليمان بن شام بن عبد الملك الصائفة وافتتح سندرة.
وفيها غزا إسحاق بن سلم العقيلي تونشاه وافتتح قلاعها وخرب أرضها.
وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وقيل: حج بهم سليمان بن هشام بن عبد الملك وقيل: أخوه يزيد بن هشام.
وكان العامل على المدينة ومكة والطائف محمد بن هشام المخزومي وعلى العراق والمشرق يوسف بن عمر وعلى خراسان نصر بن سيار وقد أمره هشام أن يكاتب يوسف بن عمر وقيل: كان عليها جعفر بن حنظلة وعلى البصرة كثير بن عبد الله السلمي استعمله يوسف وعلى قضائها عامر بن عبيدة وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة.
وفيها مات عاصم بن عمر بن قتادة في أصح الأقوال.
وفيها مات مسلمة ابن عبد الملك بن مروان وقيل: سنة إحدى وعشرين بالشام.
وفيها مات قيس بن مسلم.
ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي.
وحماد بن سليمانالفقيه.
وواقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعلي بن مدرك النخعي الكوفي.
والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الكوفي.
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة
في هذه السنة غزا مسملة بن هشام الروم فافتتح بها مطامير.
ذكر ظهور زيد بن علي بن الحسين
قيل: إن زيد بن علي بن الحسين قتل هذه السنة وقيل: سنة اثنتين وعشرين ومائة ونحن نذكر الآن سبب خلافة على هشام وبيعة ونذكر قتله سنة اثنتين وعشرين.
قد اختلفوا في سبب خلافة فقيل: إن زيدًا وداود بن علي بن عبد الله ابن عباس ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قدموا على خالد بن عبد الله القسري بالعراق فأجازهم ورجعوا إلى المدينة فما ولي يوسف بن عمر كتب إلى هشام بذلك وذكر له أن خالدًا ابتاع من زيد أرضًا بالمدينة بعشرة آلاف دينار ثم رد الأرض عليه فكتب هشام إلى عامل المدينة أن يسيرهم إليه ففعل فسألهم هشام عن ذلك فأقروا بالجائزة وأنكروا ما سوى ذلك وحلفوا فصدقهم وأمرهم بالمسير إلى العراق ليقالاوا خالدًا فساروا على كره وقابلوا خالدًا فصدقهم فعادوا نحو المدينة.
فلما نزلوا القادسية راسل أهل الكوفة زيدًا فعاد إليهم.
وقيلك بل ادعى خالد القسري أنه أودع زيدًا وداود بن علي ونفرًا من قريش مالًا فكتب يوسف بذلك إلى هشام فأحضرهم هشام من المدينة وسيرهم إلى يوسف ليجمع بينهم وبين خالد فقدموا عليه فقال يوسف لزيد: إن خالدًا رعم أنه أودعك مالًا.
قال: كيف يودعني وهو يشتم آبائي على منبره! فأرسل إلى خالد فأحضره في عباءة فقال: هذا زيد قد أنكر أنك قد أودعته شيئًا.
فنظر خالد إليه وإلى داود وقال ليوسف: أتريد أن تجمع مع إثمك في إثمًا في هذا كيف أودعه وأنا أشتمه وأشتم آباءه على المنبر! فقالوا لخالد: ما دعاك إلى ما صنعت قال: شدد علي العذاب فادعيت ذلك وأملت أن يأتي الله بفرج قبل قدومكم.
فرجعوا وأقام زيد
قيل: إن يزيد بن خالد القسري هو الذي ادعى المال وديعة عند زيد.
فلما أمرهم هشام بالمسير إلى العراق إلى يوسف استقالوه خوفًا من شر يوسف وظلمه فقال: أنا أكتب إليه بالكف عنكم وألزمهم بذلك فساروا على كره.
وجمع يوسف بينهم وبين يزيد فقال يزيد: مالي عندهم قليل ولا كثير.
قال يوسف: أبي تهزأ أم بأمير المؤمنين فعذبه بومئذ عذابًا كاد يهلكه ثم أمر بالفراشين فضربوا ونترك زيدًا.
ثم استحلفهم وأطلقهم فلحقوا بالمدينة وأقام زيد بالكوفة وكان زيد قد قال لهشام لما أمره بالمسير إلى يوسف: ما آمن بعثتني إليه أن لا تجتمع أنا وأنت حيين أبدًا.
قال: لا بد من المسير إليه فساروا إليه.
وقيل: كان السبب في ذلك أن زيدًا كان يخاصم ابن عمه جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي في وقوف علي زيد يخاصم عن بني الحسين وجعفر يخاصم عن بني الحسن فكانا يتبالغان بين يدي الوالي كل غاية ويقومان فلا يعيدان مما كان بينهما حرفًا.
فلما مات جعفر نازعه عبد الله بن لحسن بن لحسن فتنازعا يومًا بين يدي خالد بن عبد الملمك بن الحارث بالمدينة فأغلظ عبد الله لزيد قال: يا بن السندية! فضحك زيد وقال: قد كان إسماعيل لأمة ومع ذلك فقد صبرت بعد وفاة سيدها إذ لم يصبر غيرها يعني فاطمة وهي
عمته فلم يدخل عليها زمانًا فأرسلت إليه: يا بن أخي إني لأعلم أن أمك عندك كأم عبد الله عنده.
وقالت لعبد الله: بئس ما قلت لأم زيد! اما والله لنعم دخيلة القوم كانت! قال: فذكر أن خالدًا قال لهما اغدوا علينا غدًا فلست لعبد الملك إن لم أفصل بينكما.
فاتت المدينة تغلي كالمرجل يقول قالئل قال زيد كذا ويقول قائل قال عبد الله كذا.
فلما كان الغد جلس خالد في المسجد واجتمع الناس فمن بين شامت ومهموم فدعا بهما خالد وهو يحب أن يشاتما فذهب عبد الله يتكلم فقال زيد: لا تعجل يا ابا محمد أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدًا.
ثم أقبل على خالد فقال: جمعت ذرية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر! فقال خالد: أما لهذا السفيه أحد فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم فقال: يا ابن أبي تراب وابن حسين السفيه! أما ترى للوالي عليك حقًا ولا طاعة فقال زيد: اسكت أيها القحطاني فإنالا نجيب مثلك.
قال: ولم ترغب عني فوالله إني لخير منك وأبي خير من أبيك وأمي خير من أمك.
فتضاحك زيد وقال: يامعشر قريش هذا الدين قد ذهب فذهبت الأحساب فوالله ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم.
فتكلم عبد الله بن راقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال: كذبت والله أيها القحطاني!
فوالله لهو خير منك نفسًا وأمًا وأبا ومحتدًا! وتناوله بكلام كثير وأخذ كفًا من حصباء وضرب بها الأرض ثم قال: إنه والله ما لنا على هذا من صبر.
وشخص زيد إلى هشام بن عبد الملك فجعل هشام لا يأذن له فيرفع إليه القصص فكلما رفع قصة يكتب هشام في أسفلها: ارجع إلى منزلك.
فيقول زيد: والله لا أرجع إلى خالد أبدًا.
ثم أذن له يومًا بعد طول حبس ورقي علية طويلة وأمر خادمًا أن يتبعه بحيث بحيث لا يراه زيد ويمسع ما يقول فصعد زيد وكان دينًا فوقف في بعض الدرجة فسمعه يقول: والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل.ثم صعد إلى هشام فحلف له على شيء فقال: لا أصدقك.
فقال: يا أمير المؤمنين إن الله لم يرفع أحدًا عن أن يرضى باللله ولم يضع أحدًا عن الأيرصض بذلك منه.
فقال هشام: لقد بلغني يا زيد أنك تكر الخلافة وتتمناها ولست هنالك وأنت ابن أمة.
قال زيد: إن لك جوابًا.
قال: فتكلم.
قال: إنه ليس أحد أولى بالله ولا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه وقد كان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة فاختاره الله عليه وأخرج منه خير البشر وما على أحد من ذلك إذ كان جده رسول الله وأبوه علي بن أبي طالب ما كانت أمه.
قال له هشام: اخرج.
قال: أخرج ثم لا أكون إلا بحيث تكره.
فقال له سالم: يا أبا الحسين لا تظهرن هذا منك.
فخرج من عنده وسار إلى الكوفة فقال له محمد بن عمر علي بن أبي طالب: أذكرك الله يا زيد لما لحقت بأهلك ولا تأت أهل الكوفة فإنهم لا يفون لك فلم يقبل.
فقال له: خرج بنا اساء على غير ذنب من الحجاز إلى الشام ثم إلى الجزيرة ثم إلى العراق إلى قيس ثقيف يلعب بنا وقال: بكرت تخوفني المنون كأنني أصبحت عن عرض الحياة بمعزل فأجبتها: عن المنية منهل لابد أسقى بكأس المنهل إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضيق المنزل فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل أستودعك الله وإني أعطي الله عهدًا إن دخلت يد في طاعة هؤلاء ما عشت.
وفارقه وأقبل إلى الكوفة فأقام بها مستخفيًا ينتقل في المنازل وأقبلت الشيعة تختلف إليه تبايعه فبايعه جماعة منهم: سلمة بن كهيل ونصر بن خزيمة العبسي ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري وناس من وجوه أهل الكوفة وكانت بيعته: إناندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالساء ورد المظالم ونصر أهل البيت أتبايعون على ذلك فإذا قالوا: نعم وضع يده على أيديهم ويقول: عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتفين ببيعتي ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية فغذا قال: نعم مسح يده على يده ثم قال: اللهم أشهد.
فبايعه خمسة عشر ألفًا وقيل: اربعون ألفًا فأمر أصحابه بالاستعداد فاقبل من يريد أن يفي له ويخرج معه ويستعد ويتعيأ فشاع أمره في الناس.
هذا على قول من زعم أنه أتى الكوفة من الشام واختفى بها يبايع الناس وأما على قول من زعم أنه أتى إلى يوسف بن عمر لموافقة خالد بن عبد الله اقسري أو ابنه يزويد بن خالد فإن زيدًا أقام بالكوفة ظاهرًا ومعه داود بن علي بن عبد الله بن عباس وأقبلت الشيعة تختلف إلى زيد وتأمره بالخروج ويقولون: إنا لنرجو أن تكون انت المنصور وإن هذا الزمان هو الذي تهلك فيه بنو أمية.
فأقامم بالكوفة وجعل يوسف بن عمر يسأل عنه فيقال هو ها هنا ويبعث إليه ليسير فيقول: نعم ويعتل بالوجع فمكث ما شاء الله.
ثم ارسل إليه يوسف ليسير فاحتج بأنه يبتاع أشياء يريدها قم أرسل إليه يوسف بالمسير عن الكوفة فاحتج بأنه يحاكم بعض آل طلحة بن عبيد الله بملك بينهما بالمدينة فأرسل إليه ليوكل وكيلًا ويرحل عنها.
فلما رأى جد يوسف في أمره سار حتى أتى القادسية وقيل الثعلبة فتبعه أهل الكوفة وقالوا له: نحن أربعون ألفًا لم يختلف عنك أحد نضرب عنك بأسيافنا وليس هاهنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة بعض قباسلنا يكفيكهم بإذن الله تعالى وحلفوا له باظلأيمان المغلظة فجعل يقول: إني أخاف أن تخذولني وتسلموني كفعلكمم بأبي وجدي فيحلفون له.
فقال له داود بن علي: يابن عم إن هؤلاء يغرونك من نفسك أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك جدك علي بن أبي طالب حتى قتل والحسن من بعده بايهوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه أوليس قد أخرجوا جدك الحسين وحلفوا له وخذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه. فلا ترجع معهم.
فقالوا: إن هذا لا يريد أن تظهر أنت ويزعم أنه وأهل بيته أولى بهذا الأمر منكم.
فقال زيد لداود: إن عليًا يقالته معاوية بداهية وبكراهية وإن الحسين قالتله يزيد والأمر مقبل عليهم.
فقال داود: إني خائف إن رجعت معهم أن لا يكون أحد أشد عليك منهم وأنت أعلم.
ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد إلى الكوفة فلما رجع زيد أتاه سلمة بن كهيل فذكر له فرابته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قه فأحسن ثم قال له: ننشدك الله كم بايعك قال: أرعون ألفًا.
قال: فم بايه جدك قال: ثمانون ألفًا.
قال: فكم حصل معه قال: ثلاثمائة.
قال: نشدتك الله أنت خير أم جدك قال: جدي.
قال: فهذا القرن خير أم ذلك القرن قال: ذلك القرن.
قال: أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدك قال: قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم.
قال: أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي.
فأذن له فخرج إلى اليمامة وقد تقدم ذكر مبايعة سلمة.وكتب عبد الله بن الحسن بن الحسن إلى يزيد: أما بعد فإن أهل الكوفة نفخ العلانية خور السريرة هرج في الرخاء جزع في اللقاء تقدمهم أسنتهم ولا تشايعهم قلوبهم ولقد تواترت إلي كتبهم بدعوتهم فصممت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأسًا منهم واطراحًا لهم وما لهم مثل إلا ما قال علي بن أبي طالب: إن أهملتم خضتم وإن حوربتم خرتم وإن اجتمع الناس على غمام طعنتم وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم.
فلم يصغ زيد إلى شيء من ذلك فأقام على حاله يبايع الناس ويتجهز للخروج وتزوج بالكوفة ابنة يعقوب بن عبد الله السلمي وتزوج أيضًا ابنة عبد الله بن أبي العنبسي الأزدي.
وكان سبب تزوجه إياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت تتشيع فاتت زيدًا تسلم عليه وكانت جميلة حسناء قد دخلت في السن ولم يظهر عليها فخطبها زيد إلى نفسها فاعذرت بالسن وقالت له: لي ابنة هي أجمل من وابيض وأحسن دلا وشكلًا فضحك زيد ثم تزوجها.
وكان يتنقل بالكوفة تارة عنده وتارة عند زوجه الأخرى وتارة في بني عبس وتارة في بني هند وتارة في نبي تغلب وغيرهم إلى ان ظهر.
وفي هذه السنة غزا نصر بن سيار ما وراء النهر مرتين وإحدهما من نحو الباب الجديد فسار من بلخ من تلك الناحية ثم رجع إلى مرو فخطب الناس وأخبرتهم أنه قد أقام منصور بن عمر بن أبي الخرقاء على كشف المظالم وأنه قد وضع الجزية عمن قد أسلم وجعلها على من كان يخفف عنه من المشركين.
فلم تمضى جمعة حتى أتاه ثلاثنون ألف مسلم كانوا يؤدون الجزية عن رؤوسهم وثمانون ألفًا من المشركين كانت قد ألقيت عنهم فحول ما كان على المسلمين غليهم ووضعه عن المسلمين ثم صنف الخراج ووضعه مواضعه.
ثم غزا الثانية إلى ورغسر وسمرقند ثم رجع.
ثم غزا الثالثة إلى الشاش من مرو فحال بينه وبين عبور نهر الشاش كورصول في خمسة عشر ألفًا وكان معهم الحارث بن سريج.
وعبر كورصول في أربعين رجلًان فبيت أهل العسكر في ليلة مظلمة ومع نصر بخار أخذاه في أهل بخارى ومعه أهل سمر قند وكش ونسف وهم عشرون ألفًا فنادى نصر: أى يخرج أحد واثبتوا على مواضعكم.
فخرج عاصم بن عمير وهو على جند سمرقند فمرت به خيل الترك فحمل على رجل في آخرهم فأسره فإذا هو ملك من مولكهم صاحب أربعة آلاف قبة فأتي به إلى نصر فقال له نصر: من أنت قال: كورصول.
فقال نصر: الحمد الله الذي أمكن منك يا عدوا الله.
قال: ما ترجو من قتل شيخ وأنا أعطيك أربعة آلاف بعي من إبل الترك وألف برذون تقوي بها جندك وطلق سبيلي.
فاستشار نصرأصحابه فاشارو وابإطلاقه فسأله عن عمره قال: لا أدري.
قال: كم غزوت قا: اثنيتن وسبعين غزوة.
قال: أشهدت يوم العطش قال: نعم.
قال: لو أعطيتني ما طلعت عليه الشمس ما أفلت من يدي بعد ما ذكرت من شماهك.
وقال لعاصم بن عمير السعدي: قم إلى سلبه فخذه.
فقال: من أسرنيظ قال نصر وهو يضحك: أسرك يزيد بن قران الحنظلي وأشار إليه: قال: هذا لا يستطيع أن يغسل استه أو لايستطيع أن يتم له بوله فكيف يأسنري أخبرني من أسرني قال: أسرك عاصم بن عمير.
قال: لست أجد ألم القتل إذا كان أسرني فارس من فرسان العرب.
فقتله وصلبه على شاطئ النهر.
وعاصم بن عمير هو الهزارمرد قتل بنهاوند أيام قحطبة.فلما قتل كورصول أحرقت الترك أبنيته وقطعوا آذانهم وقصوا شعورهم وأذناب خيلهم.
فلما أراد نصر الرجوع أحرقه لئلا يحملوا عظامه فكان ذلك أشد عليهم من قتله وارتفع إلى فرغانة فسبى بها ألف رأس.
وكتب يوسف بن عمر إلى نصر: سر إلى هذا الغادر دينه في الشاش يعني الحارث بن سريج فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش فخرج بلادهم واسب ذراريهم وإياك وورطة المسلمين.
فقرأ الكتاب على الناس واستشارهم فقال يحي بن الحضين: انظر أمن لأمير المؤمنين أو من الأمير فقال نصر: يا يحى تكلمت بكلمة أيام عاصم بلغت الخيلفة فحظيت بها وبلغت الدرجة الرفيعة فقلت أقول مثلها سر يا يحيى فقد وليتك مقدمتي.
فلام الناس يحيى فسارإلى الشاش فأتاهم الحارث فنصب عليهم عرادتين وأغار الأخرم وهو فارس الترك على المسلمين فقتلوه وأقوا رأسه إلى الترك فصاحوا وانهزموا.
وسار نصر إلى الشاش فلتقاه ملكها بالصلح والهدية والرهن واشترط عليه نصر إخراج الحارث بن سريج عن بلده فأخرجه إلى فاراب واستعمل على الشاش نيزك بن صالح مولى عمرو بن العاص ثم سار حتى نزل قبا من أرض فرغانة وكانوا أحسوا بمجيئة فأحرقوا الحشيش وقطعوا الميرة فوجه نصر إلى ولي عهد صاحب فرغانة فحاصره في حصن وغفلوا عنه فخرج وغنم دواب المسلمين فوجه إليهم نصر بجالًا من تميم ومعهم محمد بن المثنى وكان المسلمون ودوابهم كمنوا لهم فخرجوا واستاقوا بعضها وخرج عليهم المسلمون فهزموهم وقتلوا الدهقان وأسروا منهم وأسروا ابن الدهقان فقتله نصر وأرسل نصر سليمان بن صول بكتاب الصلح إلى صاحب فرغانة فأمر به فأدخا الخزائن ليراها ثم رجع إليه فقال: كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم.
قال: سهلًا كثر الماء والمرعى فكره ذلك وقال: كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم قال: سهلًا كثير الماء والمرعى فكره ذلك وقال: ما علمك فقال سليمان: قد غزوت غرشستان وغور والختل وطبرستان فكيف لا أعلم قال: فكيف رأيت ما أعددنا قال: عدة حسنة ولكن أما علمت أن المحصور لا يسلم من خصال لا يأمن أقرب الناس إليه وأوثقهم في نفسه أن يثبت به يطلب مرتبته ويتقرب بذلك أو يفنى ما قد جمع فيسلم برمته أو يصيبه داء فيموت.
فكره ما قال له وأمره فأحضر كتاب الصلح فأجاب إليه وسير أمه معه وكانت صاحبة أمره فقدمت على نصر فأذن لها وجعل يكلمها وكان مما قالت له كل مالك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك وزير يبث إليه ما في نفسه ويشاوره ويثق بنصيحته وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهي وزوجة إذا دخل عليها مغتمًا فنظر إلى وجهها زال غمه وحصن إذا فزغ أتاه فأنجاه تعني البرذون وسيف إذا قاتل لا يخشى خيانته وذخيرة إذا حملها عاش بها أين كان من الأرض.
ثم دخل تميم بن نصر في جماعة فقالت: من هذا قالوا: هذا فتى خراسان تميم بن نصر.
قالت: ما له نبل الكبير ولا حلاوة الصغير ثم دخل الحجاج بن قتيبة فقالت: من هذا فقالوا: الحجاج بن قتيبة فحيته وسألت عنه وقالت: يا معشر العرب ما لكم وفاء ولا يصلح بعضكم بعضًا قتيبة الذي ذلل لكم ما أرى وهذا ابنه تقعده دونك فحقه أن تجلسه أنت هذا المجلس وتجلس أنت مجلسه.
وفي سنة إحدى ووعشرين غزا مروان بن محمد من أرمينة وهو اليها فأتى قلعة بين السرير فقتل وسبى ثم أتى قلعة ثانية فقتل وسبى ودخل غوميك وهو حصن فيه بيت الملك وسريره فهرب الملك منه حتى أتى حصنًا يقال له خيزج فيه السرير الذهب فسار إليه مروان ونازله صيفية وشتويته فصالح الملك على ألف رأس كل سنة ومائة ألف مدي وسار مروانفدخل أرض ارزو بطران فصالحه ملكها ثم سار في أرض تومان فصالحه وسار حتى أتى خمزين فأخرب بلاده وحصر حصنًا له شهرًا فصالحه طبرسران وفيلان وكل هذه الولايات على شاطئ البحر من أرمينية إلى طبرستان.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة غزا مسلمة بن هشام الروم فافتتح بها مطامير.
وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وهو كان عامل المدينة ومكة والطائف.
وعلى العراق يوسف بن عمر وعلى خراسان نصر بن سيار وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بن محمد وعلى قضاء البصرة عامر بن عبيدة وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة.
وفيها فرغ الوليد بن بكير عامل الموصل من حفر النهر الذي أدخله البلد وكان مبلغ النفقة عليه ثمانية آلاف ألف درهم وجعل عليه
وفيها مات سلمة بن سهيل وقيل سنة اثنتين وعشرين.
وفيها مات عامر بن عبيد الله بن الزبير وقيل سنة اثنتين وعشرين وقيل سنة أربع وعشرين بالشام.
وفيع ها مات محمد بن يحيى بن حبان وهو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة حبان بفتح الحاء وبالباء الموحدة.
وقتل يعقوب بن عبد الله ابن الأشج سهيدًا بأرض الروم.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائة
ذكر مقتل زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب
في هذه السنة قتل زيد بن علي بن الحسن قد ذكر سبب مقامه بالكوفة وبيعته بها.
فلما أمر أصحابه بالاستعداد للخروج وأخذ من كان يريد الوفاء له بالبيعة يتجهز انطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر فأخربه فبعث يوسف في طلب زيد فلم يوجد وخاف زيد أن يؤخذ فتيعجل قبل الأجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة وعلى الكوفة يومئذ الحكم بن الصلت وعلى شرطته عمرو بن عبد الرحمن من القارة ومعه عبيد الله بن العاباس الكندي في ناس من أهل الشام ويوسف بن عمر بالحيرة قال: فلما رأى أصحاب زيد بن علي من
يوسف بن عمر أنه قد بلغه أمره وأنه يبحث عن أمره اجتمع إليه حماعة من رؤوسهم وقالوا: رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر قال زيد: رحمها الله وغفر لهما ما سمعت أحدًا من أهل بيتي يقول فيهما إلا خيرًا وإن أشد ما أقول فيما ذكرتم أنا كنا أحق بسلطان ما ذكرتم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الناس أجمعين فدفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرًا وقد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة.
قالوا: فلم يظلمك هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفأ فإن اجبتمونا سعدتم وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل.
ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا: سبق الإمام يعنون محمدًا الباقر وكان قد مات وقالوزا: جعفر ابنه إمامنا اليوم بعد أبيه فسماهم زيد الرافضة وهم يزعمون أن المغيرة سماهم الرافضة حيث فارقوه.
وكانت طائفة أتت جعفر بن محمد الصادق قبل خروج زيد فأخبره ببيعة زيد فقال: بايعوه فهو والله أفضلنا وسدنا فعادوا وكتموا ذلك.
وكان زيد واعد أصحابه أول ليلة من صفر وبلغ ذلك يوسف بن عمر فبعث إلى الحكم يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم يحصرهم فيه فجمعهم فيه وطلبوا زيدًا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري فخرج منها ليلًا ورفعوا الهرادي فيها النيران ونادوا: يا منصور أمت أمت حتى طلع الفجر فلما أصبحوا بعث زيد القاسم التبعي ثم الحضرمي وآخر من أصحابه يناديان بشعارهم فملا كانا بصحراء عبد القيس لقيهما جعفر ابن العباس الكندي فحملا عليه وعلى أصحابه فقتل الذي كان مع القاسم التبعي وارتث القاسم وأتي به الحكم فضرب عنقه.فكانا أول من قتل من أصحاب زيد.
وأغلق الحكم دروب السوق وأبواب المسجد على الناس.
وبعث الحكم إلى يوسف بالحيرة فأخبره الخبر فأرسل جعفر بن العباس ليأتيه بالخبر فسار في خمسين فارسًا حتى بلغ جبانة سالم فسال ثم رجع إلى يوسف فأخبره فسار يوسف إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومع أشراف الناس فبعث الريان بن سلمة الأراني في القين ومعه ثلاثمائة من القيقانية رجالة معهم النشاب.
وأصبح زيد فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلًا فقال زيد: سبحان الله أين الناس فقيل: غنهم في المسجد الأعظم محصورون.
فقال: والله ما هذا بعذر لمن بايعنا! وسمع نصر بن خزيمة العبسي النداء فأقبل إليه فلقي عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم في خيله من جهينة في الطريق فحمل عليه نصر وأصحابه فقتل عمرو وانهزم من كان معه وأقبل على جبانة سالم حتى انتهى زيد إلى دار أنس بن عمرو الأزدي وكان في من بايعه وهو في الدار فنودي فلم يجبهم وناداه زيد فلم يخرج إليه فقال زيد: ما أخلفكم قد فعلتموها والله حسيبكم ثم انتنهى زيد إلى الكناسة فحمل على من بها من أهل الشام فهزمهم ثم سار زيد يوسف ينظر إليه في مائتي رجل فو قصده لقتله والريان يتبع أثر زيد بن علي بالكوفة في أهل الشام فأخذ زيد على مصلى خالد حتى دخل الكوفة وسار بعض أصحابه نحو جبانة مخنف بن سليم فلقوا أهل الشام فقاتلوهم فأسر أهل الشام منهم رجلًا فأمر به يوسف بن عمر فقتل.
فلما رأى زيد خذلان الناس إياه قال: يا نصر بن خزيمة أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية.
قال: أما أنا والله لأقاتلن معك حتى أموت وإن الناس في المسجد فامض بنا نحوهم.
فلقيهم عبيد الله بن العباس الكندي عند ار عمر بن سعد فاقتتلوا فانهزم عبيد الله وأصحابه وجاء زيد حتى انتهى إلى باب المسجد فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا من الذل إلى العز اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم لستم في دين ولا دنيا.
فرماهم أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد وانصرف الريان عند المساء إلى الحيرة وانصرف زيد في من معه وخرج إليه ناس من أهل الكوفة فنزل دار الرزق فاتاه الريان بن سلمة فقالتله عند دار الرزق وجرح أهل الشام ومعهم ناس كثير ورجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء أسوأ شيء ظنًا.
فلما كان الغد أرسل يوزسف بن عمر العباس بن سعيد المظزني في أهل الشام فانتهى إى زيد في دار الرزق فلقيه زيد وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن ثابت فاقتتلوا قتالاُ شديدًا وحمل نابل بن فروة العبسي من اهل الششام على نصر بن خزيمة فضربه بالسيف فقطع فخذه وضربه نصر فقتله ولم يلبث نصر أن مات واشتد قتالهم فانهزم أصحاب العباس وقتل منهم نحو من سبعين رجلًا.
فلما كان العشاء عباهم يوسف بن عمر ثم سرحهم فالتقوا هم وأصحاب زيد فحمل عليهم زيد فياصحابه فكشفهم وتبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم حمل عليهم بالسبخة حتى أخرجهم إلى بني سليم وجعلت خيلهم لا تثبت لخيله فبعث العاب إلى يوزسف يعلمه ذلك وقال له: ابعث إلي الناشبية فبعثهم إليه فجعلوا يرمون أصحاب زيد فقاتل معاوية ابن إسحاق الأنصاري بين يدي زيد قتالًا شديدًا فقتل وثبت زيد ابن علي ومن معه إلى الليل فرمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت في دماغه ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشام أنهم رحعوا إلا للمساء والليل ونزل زيد في دار من دور أرحب وأحضر أصحابه طبيبًا فانتزع النصل فضج زيد فلما نزع النصل مات زيد فقال أصحابه: اين ندفنه قال بعضهم: نطرحه في الماء.
وقال بعضهم: بل نحتز رأسه ونلقيه في القتلى.
فقال ابنه يحيى: والله لا تأكل لحم أبي الكلاب.
وقال بعضهم: ندفنه في الخحفرة التي يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماءن ففعلوا فلما دفنوه أجروا عليه الماء وقيل: دفن بنهر يعقوب سكر أصحابه الماء ودفنوه وأجروا الماء وكان معهم مولى لزيد سندي وقيل رآهم فسار فدل عليه وتفرق الناس عنه وسار ابنه يحيى نحو كربلاء فنزل بنينوى على سابق مولى بشر بن عبد الملك بن بشر.
ثم إن يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور فدله السندي مولى زيد يوم الجمعه على زيد فاستخرجه من قبره وقطع رأسه وسير إلى يوسف ابن عمر وهو بالحيرة وسيره الحكم بن الصلت فأمر بحراستهم وبعث الرأس إلى هشام وولي الوليد فأمر بانزاله وإحراقه.
وقيل: كان خراش بن خشب بن يزيد الشيباني على شرطة زيد وهو الذي نبش زيدًا وصلبه فقال السيد الحوي: بت ليلًا مسهدا ساهر العين مقصدا ولقد قلت قولةً وأطلت التبلدا لعن الله حوشبًا وخراشًا ومزيدا وزيدًا فإنه كان أعتى وأعتدا ألف ألفٍ وألف ألف فٍ من اللعن سرمدا
شركوا في دم الحس ين وزيدٍ تعندا ثم عالوه فوق جذ عٍ صريعًا مجردا يا خراش بن حوشبٍ أنت أشقى الورى غدا وقيل في أمر يحيى بن زيد غير ما تقدم وذلك أن أباه زيدًا لما قتل قال له رجل من بني أسد: إن أهل خراسان لكم شيعة والرأي أن تخرج إليها.
قال: وكيف لي بذلك قال: تتوارى حتى يسكن عنك الطلب ثم تخرج.
فواراه عنده ليلةً ثم خاف فأتى به عبد الملك بن بشر بن مروان فقال له: إن قرابة زيد بك قريبة زحقه عليك واجب.
قال: أجل ولقد كان العفوعنه أقرب للتقوى.
قال فقد قتل وهذا ابنه غلام حدث لاذنب له فإن علم يوسف به قتله أفتجيره قال: نعم فأتاه به فأقام عنده فملا سكن الطلب سار في نفر من الزيدية إلى خراسان.
فغضب يوسف بن عمر بعد قتل زيد فقال: يا أهل العراق إن يحيى بن زيد ينتقل في حجال نسائكم كما كان يفعل أبوه والله لو بدا لي لعرقت خصييه كما عرقت خصيي أبيه! وتهددهم وذمهم وترك.
ذكر قتل البطال
في هذه اسنة قتل البطال واسمه عبد الله أبو الحسين الأنطاكي في جماعة من المسلمين ببلاد الروم وقيل: سنة ثلاث وعشرين ومائة وكان كثير الغزاة إلى الروم والإغارة على بلادهم وله عندهم ذكر عظيم وخوف شديد.
حكي أنه دخل بلادهم في بعض غزاته هو وأصحابه فدخل قرية لهم ليلًا وامرأة تقول لصغير لها يبكي: تسكت وإلا سلمتك إلى البطال! ثم رفعته بيدها وقالت: خذه يا بطال! فتناوله من يدها.
وسيره عبد الملك مع ابنه مسلمة إلى بلاد الروم وأمره على رؤساء أهل الجزيرة والشام وأمر ابنه أن يجعله على مقدمته وطلائعه وقلا: إنه ثقة شجاع مقدام فجعله مسلمة على عشرة آلاف فارس فكان بينه وبين الروم وكان العلافة والسابلة يسيرون آمينين وسار مرة مع عسكر للمسلمين فلما صار بأطراف الروم سار وحده فدخل بلادهم فرأى مبقله فنزل فأكل من ذلك البقل فجاءت جوفه وكثر إسهاله فخاف أن يضعف عن الركوب فركب وصار تجيء جوفة في سرجه ولا يجسر ينزل لئلا يضعف عن الركوب فاستولى عليه الضعف فاعتنق رقية فرسه وسار عليه ولا يعلم أين هو ففتح عينه فإذا هو في دير فيه نساء فاجتمعن عليه وانزلته إحداهن عن فرسهوعسلته وسقته دواء فانقطع عنه ما به وأقام في الدير ثلاثة أيام ثم إن بطريقًا
حضر الدير فخطب تلك المرأة وبلغه خبر البطال وتبعه فقتله وانهزم أصحاب البطريق وعاد إلى الدير وأقى الرأس إلى النساء وأخذهن وساقهن إلى العسكر فنقل أمير العسكر تلك المرأة فهي أم أولاد البطال.
ذكر عدة حوادث
قيل: وفي هذه السنة قتل كلثوم بن عياض القشيري الذي كان هشام بعثه في أهل الشام إلى أفريقية حيث وقعت الفتنة بالبربر.
وفيها ولد الفضل بن صالح ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن علي.
وفيها وجه يوسف بن عمر ابن شبرمة على سجستان فاتقضى محمد بن عبيد الرحمن بن أبي ليلى.
وحج بالناس هذه السنة محمد بن هشام المخزومي وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم قيل: وكان على الموصل أبو قحافة ابن أخي الوليد بن تليد العبسي.
وفيها مات إياس بن معاوية بن قرة قاضي البصرة وهو الموصوف بالذكاء.
وزيد بن الحارث اليامي.ومحمد بن المنكدر بن عبد الله أبو بكر التميم تيم قريش وقيل: مات سنة ثلاثين وقيل: إحدى وثلاثين وكتبه أبو بكر.
ويزيد بن عبد الله بن قسط ويعقوب بن عبد الله بن
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة