المجلد الخامس - ذكر شيعة بني العباس

في هذه السنة توجه سليمان بن كثير ، ولاهز بن قريظ ، وقحطبة إلى مكة فلقوا ابراهيم بن محمد الامام بها واوصلوا إلى مولى له عشرين ألف دينار ، ومائتي ألف درهم ، ومسكاً ، ومتاعا كثيراً ، وكان معهم أبو مسلم فقال سليمان لابراهيم : هذا مولاك ، وفيها كتب بكبر بن ماهان إلى إبراهيم الإمام أنه في الموت وانه قد استخلف ابا سلمة حفص بن سليمان وهو رضا للامر ، فكتب إبراهيم لأبي سلمة يأمره بالقيام بأمر أصحابه ، وكتب إلى أهل خراسان يخبرهم أنه قد أسند أمرهم إليه ، ومضى أبو سلمة إلى خراسان فصدقوه وقبلوا أمره ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة وخمس أموا لهم .

ذكر عدة حوادث

وحج بالناس هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وهو عامل مروان على مكة ، والمدينة ، والطائف ، وكان العامل على العراق النضر بن الحرشي ، وكان من أمره ، وأمر ابن عمر ، والضحاك الخارجي ما ذكرنا ، وكان بخراسان نصر بن سيار وبها من ينازعه فيها الكرماني ، والحرث بن سريج.

وفيها مات سويد بن غفلة ، وقيل : سنة إحدى وثلاثين ، وقيل : سنة اثنتين وثلاثين وعمره مائة وعشرون سنة ، وعبد الكريم بن مالك الجزري ، وقيل : غير ذلك .

وفيها مات أبو حصين عثمان بن حصِين الأسدي الكوفي ( حصين ) بفتح الحاء وكسر الصاد .

وفيها مات أبو اسحاق عمرو بن عبد الله السَبِيعي الهمداني ، وقيل : سنة ثمان وعشرين وعمره مائة سنة .

(السبيعي) بفتح السين وكسر الباء ، وفيها توفي عبد الله بن دينار ، وقيل : سنة ست وثلاثين ، وفيها مات محمد بن واسع الأزدي البصري وكنيته أبو بكر ، وداود بن أبي هند -واسم أبي هند دينار مولى بني قشير أبو محمد –؛ وفيها توفي أبو بحر عبد الله بن اسحاق مولى الخضر-وكان اماماً في النحو واللغة تعلم ذلك من يحص بن النعمان - وكان يعيب الفرزدق في شعره وينسبه إلى اللحن فهجاه الفرزدق يقول :

#فلو كان عبدالله مولى هجوته ولكن عبدالله مولى مواليا

فقال له أبو عبد الله : لقد لحنت أيضاً في قولك موالياً ينبغي أن تقول : مولى موال .

ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائة

ذكر قتل الحرث بن سريج وغلبة الكرماني على مرو

قد تقدم ذكر أمان يزيد بن الوليد للحرث بن سريج وعوده من بلاد المشركين إلى بلاد الاسلام وما كأن بينه وبين نصر من الاختلاف ، فلما ولي ابن هبيرة العراق كتب إلى نصر بعهده على خراسان فبايع لمروان بن محمد ، فقال الحرث : إنما أمنني يزيد ولم يؤمنني مروان ولا يجيز مروان أمان يزيد فلا آمنه فخالف نصراً فأرسل إليه نصر يدعوه إلى الجماعة وينهاه عن الفرقة وأطماع العدو فلم يجبه إلى ما أراد وخرج فعسكر، وأرسل إلى نصر اجعل الأمر شورى فأبى نصر ، وأمر الحرث جهم بن صفوان رأس الجهمية - وهو مولى راسب -أن يقرأ سيرته وما يدعو إليه على الناس فلما سمعوا ذلك كثروا وكثر جمعه.

وأرسل الحرث إلى نصر ليعزل سألم بن أحوز عن شرطته ويغير عماله ، ويقر الامر بينهما أن يختاروا رجالًا يسمون لهم قوماً يعملون بكتاب اللّه ، فاختار نصر مقاتل بن سليمان ، ومقاتل بن حيان ، واختار الحرث المغيرة بن شعبة الجهضمي ، ومعاذ بم ت جبلة ، وأمر نصر كاتبه أن يكتب ما يرضي هؤلاء الأربعة من السنن وما يختارونه من العمال فيوليهم ثغر سمرقند ، وطخارستان ، وكان الحرث يظهر أنه صاحب الرايات السود فارسل إليه نصر إن كنت تزعم أنكم تهدمون سور دمشق وتزيلون ملك بني أمية فخذ مني خمسمائة رأس ، ومائتي بعير ، واحمل من الاموال ما شئت وآلة الحرب وسر فلعمري لئن كنت صاحب ما ذكرت إني لفي يدك وإن كنت لست ذلك فقد أهلكت عشيرتك ، فقال الحرث : قد علمت أن هذا حق ولكن لا يبايعني عليه من صحبني فقال فحر : فقد ظهر انهم ليسوا على رأيك فاذكر الله في عشرين ألفاً من ربيعة واليمن يهلكون فيما بينكم ، وعرض عليه نصر أن يوليه ما وراء النهر ويعطيه ثلاثمائة ألف فلم يقبل ، فقال له نصر : فابدأ بالكرماني فان قتلته فأنا في طاعتك فلم يقبل ، ثم تراضيا بأن حكما جهم بن صفوان ، ومقاتل بن حيان فحكما بأن يعتزل نصر وأن يكون الأمر شورى فلم يقبل نصر فخالفه الحرث ، واتهم نصر قوماً من أصحابه أنهم كاتبوا الحرث فاعتذروا إليه فقبل عذرهم ، وقدم عليه جمع من أهل خراسان حين سمعوا بالفتنة منهم عاصم بن عمير الصريمي ، وأبو الذيال الناجي ، ومسلم بن عبد الرحمن ، وغيرهم ، وأمر الحرث أن تقرأ سيرته في الاسواق ، والمساجد ، وعلى باب نصر فقرئت فأتاه خلق كثير ، وقرأها رجل على باب نصر فضربه غلمان نصر فنابذهم الحرث وتجهزوا للحرب ، ودل رجل من أهل مرو الحرث على نقب في سورها فمضى الحرث إليه فنقبه ودخل المدينة من ناحية باب بالين فقاتلهم جهم بن مسعود الناجي فقتل جهم وانتهبوا منزل سالم بن أحوز وقتلوا من كان يحرس باب بالين وذلك يوم الاثنين (ا) لليلتين بقيتا من جُمادى الآخرة، وعدل الحرث في سكة السعد فرأى أعين مولى حيان فقاتله فقتل أعين ، وركب سالم حين أصبح وأمر منادياً فنادى من جاء برأس فله ثلاثمائة فلم تطلع الشمس حتى انهزم الحرث وقاتلهم الليل كله ، وأتى سالم عسكر الحرث فقتل كاتبه - واسمه يزيد بن داود - وقتل الرجل الذي دل الحرث على النقب .

وأرسل نصر الى الكرماني فأتاه على عهد وعنده جماعة فوقع بين سالم بن أحوز ، ومقدام بن نعيم كلام فأغلظ كل واحد منهما لصاحبه فأعان كل واحد منهما نفر من الحاضرين فخاف الكرمانى أن يكون مكراً من نصر فقام وتعلقوا به فلم يجلس وركب فرسه ورجع وقال : أراد نصر الغدر بي ، وأسر يومئذ جهم بن صفوان وكان مع الكرماني فقتل ، وأرسل الحرث ابنه حاتماً إلى الكرماني فقال له محمد بن المثنى : هما عدواك دعهما يضطربان ، فلما كان الغد ركب الكرمانى إلى باب ميدان يزيد فقاتل أصحاب نصر ، وأقبل الكرمانى الى باب حرب بن عامر ، ووجه أصحابه إلى نصر يوم الاربعاء فتراموا ثم تحاجزوا ولم يكن بينهم يوم الخميس قتال ، والتقوا يوم الجمعة فانهزم الأزد حق وصلوا إلى الكرمانى فأخذ اللواء بيده فقاتل به وانهزم أصحاب نصر وأخذوا لهم ثمانين فرسا ، وصرع تميم بن نصر وأخذوا له برذونين وسقط سالم بن أحوز فحمل الى عسكر نصر ، فلما كان بعض الليل خرج نصر من مرو ، وقيل : عصمة بن   عبد الله الأسدي فكان يحمي أصحاب نصر واقتتلوا ثلاثة أيام فانهزم أصحاب الكرماني في آخر يوم وهم الازد ، وربيعة ، فنادى الخليل بن غزوان يا معشر ربيعة ، واليمن قد دخل الحرث السوق وقتل ابن الأقطع -يعني نصر بن سيار- ففت في أعضاد المضرية - وهم أصحاب نصر-فانهزموا ، وترجل تميم بن نصر فقَاتل ، فلما هزمت اليمانية مضر أرسل الحرث إلى نصران اليمانية يعيرونني بانهزامكم وأنا كاف فأجعل حماة أصحابك بازاء الكرماني ، فأخذ عليه نصر العهود بذلك ، وقدم على نصر عبد الملك بن سعد العودي ، وأبو جعفر عيسى بن حرز من مكة فقال نصر لعبد الحكم العودي -وهم بطن من الأزد : -أما ترى ما فعل سفهاء قومك ؟ فقال : بل سفهاء قومك طالت ولايتها بولايتك دون ربيعة ، واليمن ، فنظروا في ربيعة ، واليمن علماء وسفهاء فغلب السفهاء العلماء ، فقال أبو جعفر عيسى لنصر : أيها الأمير حسبك من الولاية وهذه الأمور فإنه قد أظلك أمر عظيم  سيقوم رجل مجهول النسب يظهر السواد ويدعو إلى دولة تكون فيغلب على الامر وأنتم تنظرون فقال نصر : ما أشبه أن يكون كما تقول لصَلة الوفاء وسؤ ذات البين ، فقال : إن الحرث مقتول مصلوب وما الكرماني من ذلك ببعيد .

فلما خرج نصر من مرو غلب عليها الكرماني وخطب الناس فامنهم وهدم الدور ونهب الاموال فأنكر الحرث عليه ذلك فهم الكرماني به ثم تركه ؛ واعتزل بشر بن جرموز الضبي في خمسة آلاف وقال للحرث : إنما قاتلت معك طلب العدل فأما إذا أنت مع الكرماني فما تقاتل إلا ليقال غلب الحرث وهؤلاء يقاتلون عصبية فلست مقاتلًا معك فنحن الفئة العادلة لا نقاتل إلا من يقاتلنا ، وأتى الحرث مسجد عياض وأرسل إلى الكرماني يدعوه إلى أن يكون الأمر شورى فأبى الكرماني فانتقل الحرث عنه وأقاموا أياماً ، ثم إن الحرث أتى السور فثلم فيه ثلمة ودخل البلد وأتى الكرمانى فاقتتلوا فاشتد القتال بينهم فانهزم الحرث وقتلوا ما بين الثلمة وعسكرهم - والحرث على بغل - فنزل عنه وركب فرساً وبقي في مائة فقتل عند شجرة زيتون أو غبيراء وقتل أخوه سوادة وغيرهما.

وقيل : كان سبب قتله أن الكرماني خرج إلى بشر بن جرموز الذي ذكرنا اعتزاله ومعه الحرث بن سريج فأقام الكرماني أياماً بينه وبين عسكر بشر فرسخان ثم قرب منه ليقاتله فندم الحرث على اتباع الكرماني وقال : لا تعجل إلى قتالهم فأنا أردهم عليك فخرج في عشرة فوارس فأتى عسكر بشر فأقام معهم ، وخرج المضرية أصحاب الحرث من عسكر الكرماني إليه فلمٍ يبق مع الكرماني مضري غير سلمة بن أبي عبد الله فإنه قال : لم أر الحرث إلا غادرا وغير المهلب بن أياس ، فإنه قال : لم أر الحرث قط إلا في خيل تطرد ، فقاتلهم الكرماني مراراً يقتتلون ثم يرجعون إِلى خنادقهم مرة لهؤلاء ومرة لهؤلاء ، ثم إن الحرث ارتحل بعد أيام فنقب سور مرو ودخلها وتبعه الكرماني فدخلها أيضاً ، فقالت المضرية للحرث تركنا الخنادق فهو يومنا وقد فررت غير مرة فترجل فقال : أنا لكم فارساً خير مني لكم راجلًا ، فقالوا : لا نرضى إلا أن تترجل وترجل فاقتتلوا هم والكرماني فقتل الحرث ، وأخوه ، وبشر بن جرموز ، وعدة من فرسان تميم وانهزم الباقون ، وصلب الحرث وصفت مرو لليمن فهدموا دور المضرية فقال نصر بن سيار للحرث حين قتل :

#يا مُدْخِل الذلِّ على قومِهِ بُعداً وسُحقاً لك من هالِكِ

#شُؤمُكَ أرْدَى مُضراً كلها وحزّمن قَومِك بالحارِك

#ما كانت الأزدُ وأشياعُها تطمع في عمرو ولا مالكِ

#ولا بنو سعدٍ إذا أَلجَمُوا كل طِمرٍ لونُهُ حالكِ

عمرو ، ومالك ، وسعد بطون من تميم ، وقيل : بل قال هذه الأبيات نصر لعثمان بن صدقة ، وقالت أم كثير الضبية :

#لا بَارَكَ اللَهُ في أنثى وعذبها تزوجتْ مُضَرياً آخِرَ الدهرِ

#أبلغْ رِجالَ تميمٍ قَولَ مَوجَعَةٍ أحلَلتُمُوها بِدَار الذل والفقرِ

#إنْ أنتم لَم تَكِروا بعد جَوْلَتِكُمْ حتى تعدوا رجال الأزد في الظهرِ

#إني استحيتُ لكم من بعدطاعَتِكُم هذا المزُونى يجنيكُم على قَهْرِ

وفي هذه السنة وجه ابراهيم الإمام أبا مسلم الخراساني -واسمه عبد الرحمن بن مسلم - إلى خراسان وعمره تسع عشرة سنة ، وكتب الى أصحابه إني قد أمرته بأمري فاسمعوا له وأطيعوا فإني قد أمرته على خراسان وما غلب عليه بعد ذلك ، فأتاهم فلم يقبلوا قوله وخرجوا من قابل فالتقوا بمكة عند ابراهيم فأعلمه أبو مسلم أنهم لم ينفذوا كتابه وأمره فقال ابراهيم : قد عرضت هذا الأمر على غير واحد وأبوه علي ، وكان قد عرضه على سليمان بن كثير فقال : لا ألي على اثنين أبداً ، ثم عرضه على ابراهيم بن سلمة فأبى فأعلمهم أنه قد أجمع رأيه على أبي مسلم وأمرهم بالسمع والطاعة له ، ثم قال له : إنك رجل منا أهل بيت احفظ وصيتي انظر هذا الحي من اليمن فالزمهم واسكن بين أظهرهم فان الله لا يتم هذا الأمر إلا بهم ، واتهم ربيعة في أرمهم ، وأما مضر فانهم العدو القريب الدار ، واقتل من شككت فيه ، وإن استطعت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل ، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله ، ولا تخالف هذا الشيخ -يعني سليمان بن كثير-ولا تعص ، وإذا أشكل عليك أمر فاكتف به مني ، وسيرد من خبر أبي مسلم غير هذا إن شاء الله تعالى .

ذكر قتل الضحاك الخارجي

قد ذكرنا محاصرة الضحاك بن قيس الخارجي عبدالله بن عمر بن عبد العزيز بواسط ، فلما طال عليه الحصار أشير عليه بأن يدفعه عن نفسه إلى مروان ، فأرسل ابن عمر إليه أن مقامكم علي ليس يسيء ، هذا مروان فسيروا إليه فإن قتلته فأنا معك فصالحه وخرج إليه وصلى خلفه فانصرف إِلى الكوفة وأقام ابن عمر بواسط وكاتب أهل الموصل الضحاك ليقدم عليهم ليمكنوه منها فسار في جماعة من جنوده بعد عشرين شهراً حتى انتهى إليها -وعليها يومئذٍ لمروان رجل من بني شيبان يقال له : القطران بن أكمة - ففتح أهل الموصل البلد فدخله الضحاك وقاتلهم القطران ومن معه من أهله وهم عدة يسيرة  حتى قتلوا واستولى الضحاك على الموصل وكورها .

وبلغ مروان خبره وهو محاصر حمص مشتغل بقتال أهلها فكتب إلى ابنه عبد الله وهو خليفته بالجزيرة يأمره أن يسير إلى نصيبين فيمن معه يمنع الضحاك عن توسط الجزيرة ، فسار اليها في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف ، وسار الضحاك إلى نصيبين فحصر عبدالله فيها ، وكان مع الضحاك ما يزيد على مائة ألف ، ووجه قائدين من قواده إلى الرقة في أربعة آلاف أو خمسة آلاف فقاتله من بها فوجه اليهم مروان من رحلهم عنها ، ثم إن مروان سار إلى الضحاك فالتقوا بنواحي كفرتوثا من أعمال ماردين فقاتله يومه أجمع ، فلما كان عند المسا ترجل الضحاك ومعه من ذوي الثبات وأرباب البصائر نحو من ستة آلاف ولم يعلم أكثر أهل عسكره بما كان فأحدقت بهم خيول مروان وألحوا عليهم في القتال حق قتلوهم عند العتمة ، وانصرف من بقي من أصحاب الضحاك عند العتمة إلى عسكرهم ولم يعلموا بقتل الضحاك ولم يعلم به مروان أيضاً ، وجاء بعض من عاينه إلى أصحابه فأخبرهم فبكوا وناحوا عليه ، وخرجٍ قائد من قواده الى مروان فاخبره فأرسل معه النيران والشمع فطافوا عليه فوجدوه قتيلا وفي وجهه وفي رأسه أكثر من عشرين ضربة فكبروا فعرف عسكر الضحاك أنهم قد علموا بقتله ، وبعث مروان رأسه إلى مدائن الجزيرة فطيف به فيها، وقيل : ان الضحاك والخيبري إنما قتلا سنة تسع وعشرين .

ذكر قتل الخيبري وولاية شيبان

ولما قتل الضحاك أصبح أهل عسكره فبايعوا الخيبري وأقاموا يومئذٍ وغادوا القتال من بعد الغد وصافوا مروان وصافهم ، وكان سليمان بن هشام بن عبد الملك مع الخيبري وكان قبله مع الضحاك وتد ذكرنا سبب قدومه ، وقيل : بل قدم على الضحاك - وهو بنصيبين - في أكثر من ثلاثة آلاف مش أهل بيته ومواليه تزوج أخت شيبان الحروري الذي بويع بعد قتل الخيبري فحمل الخيبري على مروان في نحو من أربعمائة فارس من الشراة فهزم مروان وهو في القلب وخرج مروان من العسكر منهزماً ودخل الخيبري ومن معه عسكره ينادون بشعارهم ويقتلون من أدركوا حتى انتهوا الى خيمة مروان نفسه فقطعوا أطنابها وجلس الخيبري على فرشه ، وميمنة مروان وعليها ابنه عبد الله ثابتة

وميسرته ثابتة وعليها إسحاق بن مسلم العقيلي ، فلما رأى أهل العسكر قلة من مج الخيبري ثار إليه عبيدهم بعمد الخم فقتلوا الخيبري وأصحابه جميعاً في خيمة مروان وحولها، وبلغ مروان الخبر وقد جاز العسكر بخمسة أميال أو ستة منهزماً فانصرف إلى عسكره ورد خيوله عن مواقعها وبات ليلته في عسكره ، وانصرف أهل عسكر الخيبري فولوا عليهم شيبان وبايعوه فقاتلهم مروان بعد ذلك بالكراديس وأبطل الصف منذ يومئذ.

ذكر خبر أبي حمزة الخارجي مع طالب الحق

كان اسم أبي حمزة الخارجي المختار بن عوت الازدي السلمي البصري ، وكان أول أمره أنه كان من الخوارج الاباضية يوافي كل سنة مكة يدعو الناس إلى خلاف مروان بن محمد فلم يزل كذلك حتى وافى عبد الله بن يحص المعروف بطالب الحق في آخر سنة ثمان وعشرين فقال له : يا رجل أسمع كلاماً حسناً وأراك تدعو إلى حق فانطلق معي فإني رجل مطاع في قومي ، فخرج حتى ورد حضرموت فبايعه أبو حمزة على الخلافة ودعا إلى خلاف مروان ، وآل مروان ، وكأن أبو حمزة اجتاز مرة بمعدن بني سليم - والعامل عليه كثير بن عبد الله - فسمع كلام أبي حمزة فجلده أربعين سوطاً ، فلما ملك ابو حمزة المدينة وافتتحها تغيب كثير حتى كان من أمرهما ما كان .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سير مروان يزيد بن هبيرة إلى العراق لقتال من به من الخوارج في قول ، وحج بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وهو عامل مكة والمدينة ، وكان بالعراق عمال الضحاك الخارجي ، وعبدالله بن عمر بن عبد العزيز ؛ وعلى قضاء البصرة ثمامة بن عبد الله بن أنس ، وبخراسان نصر بن سيار- والفتنة بها قائمة .

وفيها مات عاصم بن ابي النجود صاحب القراآت ، ويعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الاخنس الثقفي المدني ، وفيها توفي جابر بن يزيد الجعفي - وكان من غلاة الشيعة يقول بالرجعة -.

وفيها مات محمد بن مسلم بن تدروس أبو الزبير المكي ، وجامع بن شداد ، وأبو  قبِيل المعافري - واسمه حيي بن هانىء المضري - (قبيل ) بفتح القاف وكسر الباء الموحدة ، وسعيد بن مسروق الثوري والد سفيان وكان ثقة في الحديث .

ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة

ذكر شيبان الحروري إلى أن قتل

وهو شيبان بن عبد العزيز أبو الدلف اليشكري ، وكان سبب هلاكه أن الخوارج لما بايعوه بعد قتل الخيبري أقام يقاتل مروان وتفرق عن شيبان كثير من أصحاب الطمع فبقي في نحو أربعين ألفاً ، فأشار عليهم سليمان بن هشام أن ينصرفوا الى الموصل فيجعلوها ظهرهم فارتحلوا وتبعهم مروان حتى انتهوا إلى الموصل فعسكروا شرقي دجلة(1) وعقدوا جسوراً عليها من عسكرهم إلى المدينة فكانت ميرتهم ومرافقهم منها ، وخندق مروان بازائهم ، وكأن الخوارج قد نزلوا بالكار ومروان بخصة ، وكأن أهل الموصل يقاتلون مع الخوارج فأقام مروان ستة أشهر يقاتلهم ؛ وقيل : تسعة أشهر ،وأتي مروان بابن أخ لسليمان بن هشام يقال له : أمية بن معاوية بن هشام –وكان مع عمه سليمان في عسكر شيبان أسيراً فقطع يديه وضرب عنقه وعمه ينظر اليه ، وكتب مروان إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بالمسير من قرقيسيا بجميع من معه إلى العراق – وعلى الكوفة المثنى بن عمران العائذي عائذة قريش وهو خليفة للخوارج بالعراق فلقي ابن هبيرة بعين التمر فاقتتلوا قتالًا شديداً وانصرفت الخوارج ثم اجتمعوا بالكوفة بالنخيلة فهزمهم ابن هبيرة ، ثم اجتمعوا بالبصرة فأرسل شيبان إليهم عبيدة بن سوار في خيل عظيمة فالتقوا بالبصرة فانهزمت الخوارج وقتل عبيدة واستباح ابن هبيرة عسكرهم فلم يكن لهم همة بالعراق ، واستولى ابن هبيرة على العراق ، وكان منصور بن جمهور مع الخوارج فانهزم وغلب على الماهين وعلى الجبل أجمع ، وسار ابن هبيرة الى واسط فاخذ ابن عمر فحبسه ، ووجه نباتة بن حنظلة إلى سليمان بن حبيب وهو على  في بعض النسخ " فسكروا شرقي دجة " .

كور الاهواز فسمع سليمان الخبر فأرسل إلى نباتة داود بن حاتم فالتقوا بالمرتان  على شاطىء دجيل فانهزم الناس وقتل داود بن حاتم وكتب مروان إلى ابن هبيرة لما استولى على العراق يأمره بإرسال عامر بن ضبارة المري إليه فسيره في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف ، فبلغ شيبان خبره فأرسل الجون بن كلاب الخارجي في جمع فلقوا عامراً بالسن فهزموه ومن معه فدخل السن وتحصن فيه ، وجعل مروان يمده بالجنود على طريق البر حتى ينتهوا إلى السن فكثر جمع عامر ، وكان منصور بن جمهور يمد شيبان من الجبل بالأموال فلما كثر من مع عامر نهض إلى الجون والخوارج فقاتلهم فهزمهم وقتل الجون ، وسار ابن ضبارة مصعداً إلى الموصل ، فلما انتهى خبر قتل الجون إلى شيبان ومسير عامر نحوه كره أن يقيم بين العسكرين فأرتحل بمن معه من الخوارج وقدم عامر على مروان بالموصل فسيره في جمع كثير في أثر شيبان فإن أقام أقام وان سار سار وأن لا يبدأه بقتال فإن قاتله شيبان قاتله وإن أمسك أمسك عنه وإن ارتحل اتبعه فكان على ذلك حتى مر على الجبل وخرج على بيضاء فأرس بها عبد الله بن معاوية بن حبيب بن جعفر في جموع كثيرة فلم يتهيأ الامر بينهما فسار حتى نزل جيرفت من كرمان ، وأقبل عامر بن ضبارة حتى نزل بازاء ابن معاوية أياماً ثم ناهضه وقاتله فأنهزم ابن معاوية فلحق بهراة ، وسار ابن ضبارة بمن معه فلقي شيبان بجيرفت فاقتتلوا قتالًا شديداً فانهزمت الخوارج واستبيح عسكرهم ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها وذلك في سنة ثلاثين ومائة .

وقيل : بل كان قتال مروان ، وشيبان على الموصل مقدار شهر ثم انهزم شيبان حتى لحق بفارس وعامر ابن ضبارة يتبعه ، وسار شيبان إلى جزيرة ابن كاوان ثم خرج منها إلى عمان فقتله جلندي بن مسعود بن جيفر بن جلندي الأزدي سنة أربع وثلاثين ومائة ونذكره هناك إن شاء الله تعالى ، وركب سليمان ومن معه من أهله ومواليه السفن إلى السند ، ولما ولي السفاح الخلافة حضر عنده سليمان فأكرمه وأعطاه يده فقبلها ، فلما رأى ذلك سديف مولى السفاح أقبل عليه وقال :

#لا يَغُرنكَ ما ترى من رِجالٍ إن تحتَ الضلوع داء دوياً

# فضعِ السيفَ وارفعِ السوطَ حتى لا ترى فوقَ ظَفرِهَا أمويا

فأقبل عليه سليمان وقال : قتلتني أيها الشيخ وقام السفاح فدخل فأخذ سليمان فقتل ، وانصرف مروان بعد مسير شيبان عن الموصل إلى منزله بحران فاقام بها حتى سار إلى الزاب .

ذكر إظهار الدعوة العباسية بخراسان

وفي هذه السنة شخص أبو مسلم الخراساني من خراسان إلى ابراهيم الامام وكان يختلف منه إلى خراسان ويعود إليه ،فلما كانت هذه السنة كتب ابراهيم إلى أبي مسلم يستدعيه ليسأله عن اخبار الناس فسار نحوه في النصف من جُمادى الآخرة مع سبعين نفساً من النقباء ، فلما صاروا بالدانقان من أرض خراسان عرض له كامل فسأله عن مقصده فقال : الحج ثم خلا به أبو مسلم فدعاه فأجابه ، ثم سار أبو مسلم إلى نسما - وعاملها سليمان بن قيس السلمي  لنصر بن سيار- فلما ترب منها أرسل الفضل بن سليمان الطوسي إلى أسيد بن عبد الله الخزاعي ليعلمه قدومه فدخل قرية من قرى نسا فلقي رجلًا من الشيعة فسلم له عن أسيد فانتهره وقال له : انه كان في هذه القرية شراً سعى إلى العامل برجلين قيل : إنهما داعيان فأخذهما وأخذ الأحجم بن عبد الله ، وغيلان بن فضالة ، وغالب بن سعيد ، ومهاجر بن عثمان ، فانصرف الفضل إلى أبي مسلم وأخبره فتنكب الطريق وأرسل طرخان الحمال  يستدعي أسيداً ومن قدر عليه من الشيعة فدعا له أسيداً فأتاه فسعاله عن الاخبار فقال : قدم الأزهر بن شعيب ، وعبد الملك بن سعد بكتب الإمام اليك فخلفا الكتب عندي وخرجا فأُخذا فلا أدري من سعى بهما قال : فأين الكتب ؟ فأتاه بها ، ثم سار حق أتى قومس وعليها بيهس بن بديل العجلي فاتاهم بيهس فقال : أين تريدون ؟ قالوا : الحج ، وأتاه وهو بقومس كتاب إبراهيم الإمام اليه ، وإلى سليمان بن كثير يقول لأبي مسلم فيه : إني قد بعثت إليك براية النصر فارجع من حيث لقيك كتابي ووجه الى قحطبة بما معك يوافيني به في الموسم فانصرف أبو مسلم إلى خراسان ووجه قحطبة الى الإمام بما معه من الأموال والعروض ، فلما كانوا بنيسابور عرض لهم صاحب المسلحة فسألهم عن سألهم

فقالوا : أردنا الحج فبلغنا عن الطريق شيء خفناه فأمر المفضل بن السرقي السلمي بإزعاجهم فخلا به أبو مسلم وعرض عليه أمرهم فأجابه وأقام عندهم حق ارتحلوا على مهل ، فقدم أبو مسلم مرو فدفع كتاب الامام إلى سليمان بن كثير يأمره فيه بإظهار الدعوة فنصبوا أبا مسلم وقالوا : رجل من أهل البيت ودعوا الى طاعة بني العباس وأرسلوا إلى من قرب منهم وبعد ممن أجابهم فأمروه بإظهار أمرهم والدعاء اليهم ، فنزل أبو مسلم قرية من قرى مرو يقال لها : فنين على أبي الحكم عيسى بن أعين النقيب ووجه منها أبا داود النقيب ومعه عمرو بن أعين إلى طخارستان فما دون بلخ فأمرهما بإظهار الدعوة في شهر رمضان وكان نزوله في هذه القرية في شعبان ، ووجه نصر بن صبيح  التميمي ، وشريك بن غضي التميمي إلى مرو الروذ بإظهار الدعوة في رمضان ، ووجه أبا عاصم عبد الرحمن بن سليم الى الطالقان ، ووجهه الجهم  بن عطية إلى العلاء بن حريث بخوارزم بإظهار الدعوة في رمضان لخمس بقين منه فإن أعجلهم عدوهم دون الوقت بالأذى والمكروه فقد حل لهم أن يدفعوا عن أنفسهم ويجردوا السيوف ويجاهدوا أعداء الله ومن شغله منهم عدوهم عن الوقت فلا حرج عليهم أن يظهروا بعد الوقت .

ثم تحول أبو مسلم من عند أبي الحكم فنزل قرية سفيذنج فنزل على سليمان بن كثير الخزاعي لليلتين خلتا من رمضان ، والكرماني ، وشيبان يقاتلان نصر بن سيار فبث أبو مسلم دعاته في الناس وأظهر أمره فأتاه في ليلة واحدة أهل ستين قرية ، فلما كان ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان من السنة عقد اللواء الذي بعث به الإمام الذي يُدعى الظل على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً وعقد الراية التي بعث بها إليه وهي التي تدعى السحاب على رمح طوله ثلاث عشرة ذراعاً وهو يتلو { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير}(3) ولبسوا السواد هو ، وسليمان بن كثير ، وإخوة سليمان ، ومواليه ، ومن كان أجاب الدعوة من أهل سفيذنج وأوقدوا النيران لليلتهم لشيعتهم من سكان ربع خرقان - وكانت علامتهم - فتجمعوا إليه حين أصبحوا معدين ، وتأول الظل ، والسحاب إِن السحاب يطبق الأرض وإن الأرض كما لا تخلو من الظل كذلك لا تخلو من خليفة عباسي إلى آخر الدهر ، وقدم على أبي مسلم الدعاة بمن أجاب الدعوة فكان أول من قدم عليه أهل التقادم  مع أبي الوضاح في تسعمائة راجل وأربعة فرسان ، ومن أهل هرمز فره جماعة ، وقدم أهل التقادم مع أبي القاسم محرز بن ابراهيم الجوباني في ألف وثلاثمائة راجل وستة عشر فارساً فيهم من الدعاة أبو العباس المروزي ، فجعل أهل التقادم يكبرون من ناحيتهم ويجيبهم أهل التقادم بالتكبير فدخلوا عسكر أبي مسلم بسفيذنج بعد ظهوره بيومين ، وحصن أبو مسلم حصن سفيذنج ورمَّه وسد دروبها ، فلما حضر عيد الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلي به وبالشيعة ونصب له منبراً بالعسكر وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة - وكان بنو أمية يبدأون بالخطبة قبل الصلاة وبالأذان والإقامة - وأمر أبو مسلم أيضاً سليمان بن كثير بست تكبيرات تباعاً ثم يقرأ ويركع بالسابعة ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات تباعاً ثم يقرأ ويركع بالسادسة ويفتح الخطبة بالتكبير ثم يختمها بالقرآن - وكان بنو أمية يكبرون في الأولى أربع تكبيرات يوم العيد وني الثانية ثلاث تكبيرات - فلما قض سليمان الصلاة انصرف أبو مسلم والشيعة إلى طعام لَد أعده لهم فأكلوا مستبشرين.

وكان أبو مسلم – وهو في الخندق - إذا كتب إلى نصر بن سيار كتاباً يكتب للأمير نصر فلما قوي أبو مسلم بمن اجتمع إليه يبدأ بنفسه فكتب إلى نصر أما بعد فإن الله تباركت أسماؤه عير أقواماً في القرآن فقال : { وأقسموا بالله جهد أيمانهمٍ لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من احدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكباراً في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً } فتعاظم نصر الكتاب وكسر له إحدى عينيه وقال : هذا كتاب ما له جواب ، وكان من الأحداث ، وأبو مسلم بسفيذنج -أن نصراً وجه مولى له يقال له يزيد في خيل عظيمة لمحاربة أبي مسلم بعد ثمانية عشر شهراً من ظهوره فوجه إليه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعي ومعه مصعب بن قيس فالتقوا بقرية ألين فدعاهم مالك الى الرضا من آل رسول الله ئ فاستكبروا عن ذلك فقاتلهم مالك وهو في نحو مائتين من أول النهار إلى العصر.

وقدم على أبي مسلم صالح بن سليمان الضبي ، وابراهيم بن زيد وزياد بن عيسى فسيرهم إلى مالك فقري بهم - وكان قدومهم إليه مع العصر- فقال مولى نصر : إن تركنا هؤلاء الليلة أتتهم امدادهم فاحملوا على القوم فحملوا عليهم واشتد القتال ، فحمل عبد الله الطائي على مولى نصر فأسره وانهزم اصحابه ، فأرسل الطائي بأسيره إلى أبي مسلم ومعه رؤوس القتلى فنصب الرؤوس وأحسن الى يزيد مولى نصر وعالجه حق اندمل جراحه وقال له : إن شئت أن تقيم معنا فقد أرشدك الله وإن كرهت فارجع إلى مولاك سالماً وأعطنا عهد الله انك لا تحاربنا ولا تكذب علينا وان تقول فينا ما رأيت فرجع إلى مولاه ، وقال أبو مسلم : إن هذا سيرد عنكم أهل الورع ، والصلاح فما نحن عندهم على الإسلام - وكذلك كان عندهم يرجفون عليهم بعبادة الأوثان ، واستحلال الدماء ، والأموال ، والفروج - فلما تدم يزيد على نصر قال : لأمر جبا فوالله ما استبقاك القوم الا ليتخذوك حجة علينا ، فقال يزيد ، وهو والله ما ظننت وقد استحلفوني أن لا أكذب عليهم وأنا أقول : افهم والله يصلون الصلاة لمواقيتها بأذان واقامة ، ويتلون القرآن ، ويذكرون الله كثيراً ، ويدعون إلى ولايهٌ رسول الله طً وما أحسب أمرهم إلا سيعلو ولولا أنك مولاي لا رجعت إليك ولأقنت معهم ؛ فهذه أول حرب كانت بينهم .

وفي هذه السنة غلب خازم بن خزيمة على مرو الروذ وقتل عامل نصر بن سيار ،وكان سبب ذلك أنه لما أراد الخروج بمرو الروذ – وهو من شيعة بني العباس – منعه بنو تميم فقال : إنما أنأ رجل منكم أريد أن اغلب على مرو فإن ظفرت في لكم وإن قتلت فقد كفيتم أمري فكفوا عنه فعسكر بقرية يقال لها : كنج رستاق ؛ وقدم عليه من عندي أبي مسلم النضر بن صبيح وبسام بن ابراهيم فلما أمسى خازم بيت أهل مرو روذ فقتل بشر بن جعفر السعدي عامل نصر بن سيار عليها في أول ذي القعدة وبعث بالفتح إلى أبي مسلم مع ابنه خزيمة بن خازم وعبد الله بن سعيد، وشبيب بن واج وقد قيل في أمر أبي مسلم غير ما ذكرنا . والذي قيل : ان ابراهيم الإمام زوج أبا مسلم لما توجه الى  خراسان ابنة أبي النجم وساق عنه صداقها وكتب إلى النقباء بالسمع والطاعة ؛ وكان أبو مسلم من أخل خطرنية من سواد الكوفة وكان قهر ماناً لادريس بن معقل العجلي فصار أمره ومنتهى ولائه لمحمد بن علي ثم لابنه ابراهيم بن محمد ثم للائمة من ولد محمد ، فقدم خراسان وهو حدث السن فلم يقبله سليمان بن كثير وخاف أن لا يقوى على أمرهم فرده ، وكان أبو داود خالد بن ابراهيم غائباً خلف نهر بلخ فلما رجع إلى مرو أقرؤوه كتاب الامام ابراهيم فسأل عن أبي مسلم فأخبروه أن سليمان بن كثير رده ، نجمع النقباء وقال لهم : أتاكم كتاب الإمام فيمن بعثه إليكم فرددتموه فما حجتكم في رده ؟ فقال سليمان : حداثة سنه وتخوفاً أن لا يقدر على هذا الامر فخفنا على من دعونا وعلى انفسنا ، فقال أبو داود : هل فيكم أحد ينكر أن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم واصطفاه وبعثه إِلى جميع خلقه ؟ قالوا : لا . قال : افتشكون أن الله أنزل عليه كتابه فيه حلاله ، وحرامه ، وشرائعه ، وأنباؤه واخبر بما كان قبله وبما يكون بعده ؟ قالوا : لا . قال : أفتشكون أن الله قبضه إليه بعد أن أدى ما عليه من رسالة ربه ؟ قالوا : لا. قال : أفتظنون أن العلم الذي أُنزل اليه رفع معه أو خلفه ؟ قالوا : بل خلفه قال : أفتظنونه خلفه عند غير عترته وأهل بيته الأقرب فالأقرب ؟ قالوا : لا . قال : أفتشكون أن أهل هذا البيت معدن العلم وأصحاب ميراث رسول الله الذي علمه الله ؟ قالوا : اللهم لا قال : فأراكم قد شككتم في أمركم ورددتم عليهم علمهم ولو لم يعلموا ان هذا الرجل الذي ينبغي له أن يقوم بأمرهم لم يبعثوه إليكم وهو لا يتهم في نصرتهم وموالاتهم والقيام بحقهم ، فبعثوا إلى أبي مسلم فردوه من قومس بقول أبي داود وولوه أمرهم وأطاعوه ، فلم يزل في نفس أبي مسلم على سليمان بن كثير ولم يزل يعرفها لابي داود ، وبث الدعاة في اقطار خراسان فدخل الناس أفواجاً وكثروا وفشت الدعاة بخراسان كلها ، وكتب إليه ابراهيم الإمام . أن يوافيه في موسم سنة تسع وعشرين ليأمره بأمره في إظهار دعوته وأن يقدم معه قحطبة بن شبيب ويحمل إليه ما اجتمع عنده من الأموال ففعل ذلك وسار في جماعة من النقباء، والشيعة فلقيه كتاب الإمام يأمره بالرجوع الى خراسان ط ظهار الدعوة بها ؛ وذكر قريباً مما تقدم من تسيير المال مع قحطبة وان قحطبة سار فنزل بنواحي جرجان فاستدعى خالد بن برمك ، واباعون فقدما عليه ومعهما ما اجتمع عندهما من مال الشيعة فأخذ منهما وسار نحو ابراهيم الامام .

ذكر مقتل الكرماني

قد ذكرنا مقتل الحرث بن سريج وان الكرماني قتله ولما قتله خلصت له مرو وتنحّى نصر عنها ، فأرسل نصر اليه سالم بن أحوز في رابطته وفرسانه فوجد يحيي بن نعيم الشيباني واقفاً في ألف رجل من ربيعة ، ومحمد بن المثنى في سبعمائة من فرسان الازد ، وابن الحسن بن الشيخ في ألف من فتيانهم ، والجرمي السعدي  في الف من أبناء اليمن ، فقال سالم لمحمد بن المثنى ، يا محمد قل لهذا الملاح : ليخرجٍ إلينا - يعي الكرماني - فقال محمد : يا ابن الفاعلة لأبي علي تقول هذا واقتتلوا قتالا شديداً فانهزم سالم بن أحوز وقتل من أصحابه زيادة على مائة ومن اصحاب الكرماني زيادة على عشرين ، فلما قدم أصحاب نصر عليه منهزمين قال له عصمة بن عبد الله الأسدي : يا نصر شأمت العرب فأما إذ فعلت ما فعلت فشمر عن ساق فوجه عصمة في جمع فوقف موقف سالم فنادى يا محمد بن المثنى لتعلمن أن السمك لا يأكل اللخم .

( واللخم ) دابة من دواب الماء تشبه السبع يأكَل السمك فقال له محمد : يا ابن الفاعلة قف لنا إذا وأمر محمد السعدي فخرج إليه في أهل اليمن فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم عصمة حتى أتى نصراً وقد قتل من أصحابه أربعمائة ، ثم أرسل نصر مالك بن عمرو التميمي في أصحابه فنادى يا ابن المثنى ابرز إلي فبرز إليه فضربه مالك على جل عاتقه فلم يصنع شيئاً وضربه محمد بعمود فشدخ رأسه والتحم القتال فاقتتلوا قتالًا شديداً وانهزم أصحاب نصر وقد قتل منهم سبعمائة ومن أصحاب الكرماني ثلاثمائة ، ولم يزل الشر بينهم حتى خرجوا إلى الخندقين فاقتتلوا قتالًا شديداً ، فلما استيقن أبو مسلم أن كلا الفريقين قد أثخن صاحبه وانه لا مدد لهم جعل يكتب إلى شيبان ثم يقول للرسول : اجعل طريقك على مضر فإنهم سيأخذون كتبك فكانوا يأخذونها فيقرأون فيها إني رأيت اليمن لا وفاء لهم ولا خير فيهم فلا تثقن بهمٍ ولا تظهر إليهم فإني أرجو أن يريك الله في اليمانية ما تحب ولئن بقيت لا أدع لها شعرا ولا ظفراً ، ويرسل رسولًا آخر بكتاب فيه ذكر مضر بمثل ذلك وبأمر الرسول أن يجعل طريقه على اليمانية حتى صار هوى الفريقين معه ، ثم جعل يكتب الى نصر بن سيار وإلى الكرماني : إن الامام أوصاني بكم ولست أعدو رأيه فيكم ، وكتب الى الكور بإظهار الأمر  فكان أول من سود أسد بن عبد الله الخزاعي  بنسا ، ومقاتل بن حكيم ، وابن غزوان ونادوا يا محمد يا منصور، وسود أهل ابيورد ، وأهل مرو الروذ ، وقرى مرو ، وأقبل أبو مسلم حتى نزل بين خندق الكرماني وخندق نصر وهابه الفريقان ، وبعث إلى الكرماني إني معك فقبل ذلك الكرماني فانضم أبو مسلم إليه فاشتد ذلك على نصر بن سيار ، فارسل الى الكرماني ويحك لا تغتر فوالله إني لخائف عليك وعلى أصحابك منه فأدخل مرو ونكتب كتاباً بيننا بالصلح ، وهو يريد أن يفرق بينه وبين أبي مسلم - فدخل الكرماني منزله وأقام أبو مسلم في العسكر ، وخرج الكرماني حتى وقف في الرحبة في مائة فارس وعليه قرطق وأرسل إلى نصر اخرج لنكتب بيننا ذلك الكتاب فأبصر نصر منه غرة فوجه إليه ابن الحرث ابن سريج في نحو من ثلاثمائة فارس في الرحبة فالتقوا بها طويلًا ، ثم ان الكرماني طعن قي خاصرته فخر عن دابته وحماه أصحابه حتى جاءهم ما لا قبل لهم به فقتل نصر بن سيار الكرماني وصلبه وصلب معه سمكة ، وأقبل ابنه علي وقد جمع جمعاً كثيراً فصار إلى أبي مسلم واستصحبه معه فقاتلوا نصر بن سيار حتى أخرجوه من دار الامارة فمال إِلى بعض دور مرو وأقبل أبو مسلم حتى دخل مرو وأتاه علي ابن الكرماني وأعلمه أنه معه وسلم عليه بالامرة وقال له : مرني بأمرك فإني مساعدك على ما تريد فقال : م قم على ما أنت عليه حتى أمرك بأمرىِ ، ولما نزل أبو مسلم بين خندق الكرماني ، ونصر ورأى نصر قوته كتب إلى مروان بن محمد يعلمه حال أبي مسلم وخروجه وكثرة من معه فإنه يدعو إلى ابراهيم بن محمد وكتب بأبيات شعر :

# أًرَى بَينَ الرماد وَميضَ نَار وأخشى أن يكون له ضرام

# فإنَ النارَ بالعودَين تُذْكَى وإنَ الحَرْبَ مَبْدؤها كلامُ

# فقُلتُ من التَّعَجّب لَيْتَ شِعري أأيقاظ أمَيةُ أم نِيامُ

فكتب إليه مروان أن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب واحسم الثؤلول قبلك ، فقال نصر : أما صاحبكم فقد أعلمكم انه لا نصر عنده ، فكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يستمده وكتب له بأبيات شعر :

#أبلغْ يَزيدَ وخَيرُ القَوْلِ أصدَقه وقد تَيقنتُ أن لا خيرَ في الكَذِبِ

# إن خُراسانَ أرْضٌ قد رَأيتُ بها بَيْضاً لو افرخَ قد حُدَثتَ بالعَجبِ

# فِراخ عامَينِ إلا أنها كبرَت لما يَطِرنَ وقد سُرْبِلنَ بالزغَبِ

# إلا تدارك بخيلِ الله معلمةً ألهبن نيرانَ حربٍ أيَّما لَهبِ

فقال يزيد : لا تكثر فليس له عندي رجل ، فلما قرأ مروان كتاب نصر تصادف وصول كتابه وصول رسول لأبي مسلم إلى ابراهيم وقد عاد من عند ابراهيم ومعه جواب أبي مسلم يلعنه ابراهيم ويسبه حيث لم ينتهز الفرصة من نصر ، والكرماني إذ أمكناه ويأمره أن لا يدع بخراسان متكلماً بالعربية إلا قتله ، فلما قرأ الكتاب كتب إلى عامله بالبلقاء ليسير إلى الحميمة وليأخذ ابراهيم بن محمد فيشده وثاقاً ويبعث به اليه ففعل ذلك فأخذه مروان وحبسه .

ذكر تعاقد أهل خراسان على أبي مسلم
وفي هذه السنة تعاقدت عامة قبائل العرب بخراسان على قتال أبي مسلم ، وفيها تحول أبو مسلم من معسكره باسفيذنج إلى الماخوان ، وكان سبب ذلك أن ابا مسلم لما ظهر أمره سارع إليه الناس وجعل أهل مرو يأتونه ولا يعرض لهم نصر ولا يمنعهم ، وكان الكرماني وشيبان لا يكرهان أمر أبي مسلم لأنه دعا إلى خلع مروان وأبو مسلم في خباء ليس له حرس ولا حجاب وعظم أمره عند الناس وقالوا : ظهر رجل من بني هاشم له حلم ووقار ، وسكينة ، فأنطلق فتية من أهل مرو نساك يطلبون الفقه إلى أبي مسلم فسألوه عن نسبه فقال : خبري خير لكم من نسبي وسألوه أشياء من الفقه فقال :أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر خير لكم من هذا ونحن إلى عونكم أحوج منا إلى مسألتكم فاعفونا فقالوا : ما نعرف لك نسباً ولا نظنك تبقى إلا قليلا حتى تقتل وما بينك وبين ذلك إلا أن يتفرغ أحد هذين الأميرين ، فقال أبو مسلم أنا أقتلهما إن شاء الله فأتوا نصراً فأخبروه فقال : جزاكم الله ، خيراً مثلكم من يفتقد هذا ويعرفه ، وأتوا شيبان فاعلموه فأرسل إليه نصر إنا قد أشجى بعضنا بعضاً فاكفف عني حتى أقاتله وإن شئت فجامعني إلى حربه حتى م قتله أو أنفيه ثم نعود إلى أمرنا الذي نحن عليه ، فهم شيبان أن يفعل ذلك فأتى الخبر أبا مسلم فكتب إلى علي بن الكرماني إنك موتور قتل أبوك ونحن نعلم أنك لست على رأي شيبان وإنما تقاتل لثارك ، فأمتنع شيبان من صلح نصر فدخل على شيبان فثناه عن رأيه ، فأرسل نصر إلى شيبان إنك لمغرور والله ليتفاقمن هذا الأمر حتى يستصغر في جنبه كل كبير ، وقال شعراً يخاطب به ربيعة ، واليمن ويحثهم على الاتفاق معه على حرب أبي مسلم :

# أبلغ ربيعةَ في مرو وفي يَمنِ أن اغْضبوا قبلَ أن لا ينفعَ الغضبُ

# ما بالُكم تنشبونَ الحربَ بينكُمَ كأن أهلَ الحِجَى عن رأيكم غيبُ

#وتتركونَ عَدواً قد أحاط بكم ممن تأشَّبَ لا دينٌ ولا حسبُ

# لا عربٌ مثلكُم في الناس نعرفهم ولا صريحٌ موالٍ إن هم نُسبوا

# مَنْ كأنَ يسألني عن أصلِ دينِهمُ فإن دينَهُم أنْ تهلكَ العربُ

# قومٌ يقولونَ قولًا ما سمعتُ به عن النبي ولا جاءتْ بهِ الكتبُ

فبيناهم كذلك إذ بعث أبو مسلم النضر بن نعيم الضبي إلى هراة وعليها عيسى بن عقيل بن معقل الليثي فطرده عنها فقدم على نصر منهزماً ، وغلب النضر على هراة فقال يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني لابن الكرماني ، وشيبان ، اختاروا إما أنكم تهلكون انتم قبل مضر أو مضر قبلكم قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : إن هذا الرجل إنما ظهر أمره منذ شهر وقد صار في عسكره مثل عسكركم قالوا : فما الرأي ؟ قال : صالحوا نصراً فإنكم إن صالحتموه قاتلوا نصراً وتركوكم لأن الأمر في مضر ، وإن لم تصالحوا نصراً صالحوه وقاتلوكم فقدموا مضر قبلكم ولو ساعة من نهار فتقر أعينكم بقتلهم ، فأرسل شيبان إلى نصر يدعوه إلى الموادعة فأجابه وأرسل سالم بن أحوز بكتاب الموادعة ، فاتى شيبان وعنده ابن الكرماني ، ويحيى بن نعيم فقال سالم لابن الكرماني : يا أعور ما أخلقك أن تكون الاعور الذي يكون هلاك مضر على يده ثم توادعوا سنة وكتبوا كتاباً، إني ما صالحت نصراً إنما صالحه شيبان وأنأ لذلك كاره وإنما موتور بقتله أبي ولا أدع قتاله فعاود القتال ولم يعنه شيبان وقال : لا يحل الغدر .

فأرسل ابن الكرماني إلى أبي مسلم يستنصره فأقبل حتى نزل الماخوان وكان مقامه بسفيذنج اثنين وأربعين يوماً ، ولما نزل الماخوان حفر بها خندقاً وجعل للخندق وكورها ، وقد تقدم ذكر ظهوره بالكوفة وانهزامه وخروجه من الكوفة نحو المدائن ، فلما وصل إليها أتاه أناس من أهل الكوفة وغيرها فسار إلى الجبال وغلب عليها وعلى حلوان ، وقومس ، واصبهان ، والري وخرج إليه عبيد أهل الكوفة وأقام بأصبهان ، وكان محارب بن موسى مولى بني ، لِشكر عظيم القدر بفارس فجاء إلى دار الإمارة باصطخر فطرد عامل ابن عمر عنها وبايع الناس لعبد الله بن معاوية .

وخرج محارب إلى كرمان فأغار عليها ، وانضم إلى محارب قواد من أهل الشام فسار إلى مسلم بن المسيب –وهو عامل ابن عمر يشيراز-فقتله في سنة ثمان وعشرين ، ثم خرج محارب إلى أصبهان إلى عبد الله بن معاوية فحوله إلى اصطخر فأقام بها وأتاه الناس بنو هاشم وغيرهم وجبى المال وبعث العمال ؛ وكان معه منصور بن جمهور ، وسليمان بن هشام بن عبد الملك ، وأتاه شيبان بن الحلس بن عبد العزيز الخارجي على ما تقدم وأتاه أبو جعفر المنصور ، وأتاه عبد الله ، وعيسى أولاد علي بن عبد الله بن عباس .

ولما قدم ابن هبيرة على العراق أرسل نباتة بن حنظلة الكلابي إلى عبد الله بن معاوية ، وبلغ سليمان بن حبيب أن ابن هبيرة استعمل نباتة على الاهواز فسرح داود بن حاتم فأقام بكربج دينار يمنع نباتة من الأهواز فقاتله فقتل داود ، وهرب سليمان من الأهواز إلى سابور وفيها الأكراد قد غلبوا عليها فقاتلهم سليمان وطردهم عن سابور وكتب إلى ابن معاوية بالبيعة ، ثم إن محارب بن موسى اليشكري نافر ابن معاوية وفارقه وجمع جمعاً فاتى سابور فقاتله يزيد بن معاوية أخو عبد الله فأنهزم محارب وأتى كرمان فأقام بها حتى قدم محمد بن الأشعث فصار معه ثم نافره فقتله ابن الأشعث وأربعة وعشرين ابناً له ، ولم يزل عبد الله بن معاوية باصطخر حتى أتاه ابن ضبارة مع داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة ، وسير ابن هبيرة أيضاً معن بن زائدة من وجه آخر فقاتلهم معن عند مرو شاذان ومعن يقول :

# ليس أمير القوم بالخب الخدع فرمن الموت وفي الموت وقع وأنهزم ابن معاوية فكف معن عنهم وقتل في المعركة رجل من آل أبي لهب وكان يقال : يقتل رجل من بني هاشم بمرو الشاذان ، وأسروا أسرى كثيرة فقتل ابن ضبارة منهم عدة كثيرة ، وهرب منصور بن جمهور إلى السند ،وعبد الرحمن بن يزيد إلى عمان ، وعمرو بن سهل بن عبد العزيز بن مروان الى مصر ، وبعث ببقية الأسرى إلى ابن هبيرة فأطلقهم ، ومضى ابن معاوية إلى خراسان فسار معن بن زائدة يطلب منصور ابن جمهور فلم يدركه فرجع ، وكان مع ابن معاوية من الخوارج ، وغيرهم خلق كثير فأسر منهم أربعون ألفاً فيهم عبد اللّه بن علي بن عبد الله بن عباس فسبه ابن ضبارة وقال له : ما جاء بك إلى ابن معاوية وقد عرفت خلافه لأمير المؤمنين ؟ فقال : كان علي دين فأتيته  فشفع فيه حرب بن قطن الهلالي  وقال : هو ابن أختنا فوهبه له ، فعاب عبد اللّه بن علي عبد اللّه بن معاوية ورمى أصحابه باللواط فسيره ابن ضبارة إلى ابن هبيرة ليخبره أخبار ابن معاوية ، وسار في طلب عبد اللّه بن معاوية إلى شيراز فحصره فخرج عبد الله ابن معاوية منها هارباً ومعه أخواه الحسن ، ويزيد ابنا معاوية، وجماعة من أصحابه وملك المفازة على كرمان وقصد خراسان طمعاً في أبي مسلم لأنه يدعو إلى الرضا من آل محمد وقد استولى على خراسان فوصل إلى نواحي هراة وعليها أبو نصر مالك بن الهيثم الخزاعي فأرسل إلى ابن معاوية يسأله عن قدومه فقال : بلغني أنكم تدعون إلى الرضا من آل محمد فأتيتكم فأرسل إليه مالك انتسب نعرفك فانتسب له فقال : أما عبد الله ، وجعفر فمن أسماء آل رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأما معاوية فلا نعرفه في أسمائهم فقال : إن جدي كان عند معاوية لما ولد له أبي فطلب إليه أن يسمي ابنه باسمه ففعل فأرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم ، فأرسل إليه مالك لقد اشتريتم الإِسم الخبيث بالثمن اليسير ولا نرى لك حقاً فيما تدعو إليه ، ثم أرسل إلى أبي مسلم يعرفه خبره فأمره بالقبض عليه وعلى من معه فقبض عليهم وحبسهم ، ثم ورد عليه كتاب أبي مسلم يأمره بإطلاق الحسن ، ويزيد ابني معاوية وقتل عبد اللّه بن معاوية فأمر من وضع فراشاً على وجهه فمات وأخرج فضلِّيَ عليه ودفن ، وقبره بهراة معروف يزار رحمه الله . ‏  ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏