وفي هذه السنة قدم أبو حمزة بلج بن عقبة الأزدي الخارجي من الحج من قبل عبد الله بن يحمى الحضرمي طالب الحق محكماً للخلاف على مروان بن محمد ، فبينما الناس بعرفة ما شعروا إلا وقد طلعت عليهم م علام وعمائم سود على رؤوس الرماح وهم سبعمائة ففزع الناس حين رأوهم وسألوهم عن حالهم فاخبروهم بخلافهم مروان ، وآل مروان ، فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك – وهو يومئذ على مكة ، والمدينة- وطلب منهم الهدنة فقالوا : نحن بحجنا م ضن وعليه أشح ، فصالحهم على أنهم جميعاً آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الأخير ، فوقفوا بعرفة على حدة فدفع بالناس عبد الواحد فنزلِ بمنى في منزل السلطان ونزل أبو حمزة بقرن الثعالب ، فأرسل عبد الواحد إلى أبي حمزة الخارجي عبد اللّه بن الحسن ابن الحسن بن علي ، ومحمد بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان ، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعبيد اللّه بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن في رجال أمثالهم فدخلوا على أبي حمزة وعليه ازار قطن غليظ فتقدمهم إليه عبد اللّه بن الحسن ، ومحمد بن عبد الله فنسبهما فانتسبا له فعبس في وجوههما وأظهر الكراهة لهما ، ثم سال عبد الرحمن بن القاسم ، وعبيد اللّه بن عمر فانتسبا له فهش إليهما وتبسم في وجوههما وقال : واللّه ما خرجنا إلا لنسير بسيرة أبويكما ، فقال له عبد الله بن الحسن : واللّه ما خرجنا لتفضل بين آبائنا ولكن بعثنا إليك الأمير برسالة وهذا ربيعة يخبركها ، فلما ذكر له ربيعة نقض العهد قال : أبو حمزة معاذ الله أن ننقض العهد أو نخيس به لا والله لا م فعل ولو قطعت رقبتي هذه ولكن تنقضي الهدنة بيننا وبينكم ، فرجعوا إلى عبد الواحد فأبلغوه ، فلما كأن النفر الأول نفر عبد الواحد فيه وخلى مكة فدخلها أبو حمزة بغير قتال فقال بعضهم في عبد الواحد :
#
زارَ الحَجيجَ عصابةٌ قَدْ خالفوا دِينَ الإلهِ فَفَرَّ عبدُ الواحِدِ
تَركَ الحلائلَ والإمارَةَ هارباً ومضى يُخَبّط كالبَعيرِ الشارِد
ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة فضرب على
أهلها البعث وزادهم في العطاء عشرة عشرة واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد
الله بن عمرو بن عثمان فخرجوا فلما كانوا بالحرة تلقتهم جزر منحورة فمضوا .
ذكر ولاية يوسف بن عبد الرحمن الفهري بالاندلس
وفي هذه السنة توفي ثوابة بن سلمة أمير الأندلس وكانت ولايته سنتين وشهوراً
، فلما توفي اختلف الناس فالمضرية أرادت أن يكون
الأمير منهم ، واليمانية أرادت كذلك أن يكون الأمير منهم فبقوا بغير أمير ،
فخاف الصميل الفتنة فأشار بأن يكون الوالي من قريش فرضوا كلهم بذلك ،
فاختار لهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري - وكان يومئذ بالبيرة -فكتبوا إليه
بما اجتمع عليه الناس من تأميره فامتنع فقالوا له : إن لم تفعل وقعت الفتنة
ويكون إثم ذلك عليك ، فاجاب حينئذ وسار إلى قرطبة فدخلها وأطاعه الناس .
فلما انتهى إلى أبي الخطار موت ثوابة وولاية يوسف قال : إنما أراد الصميل أن يصير الأمر إلى مضر وسعى في الناس حتى ثارت الفتنة بين اليمن ، ومضر ، فلما رأى يوسف ذلك فارق قصر الإمارة بقرطبة وعاد إِلى منزله ، وسار. أبو الخطار إلى شقنده فاجتمعت إليه اليمانية واجتمعت المضرية إلى الصميل وتزاحفوا واقتتلوا أياماً كثمِرة قتالًا لم يكن بالأندلس أعظم منه ، ثم أجلت الحرب عن هزيمة اليمانية ومضى أبو الخطار منهزماً فاستتر في رحى كانت للصميل فدل عليه فأخذه الصميل وقتله ، ورجع يوسف بن عبد الرحمن إلى القصر وازداد الصميل شرفاً ، وكان اسم الإمارة ليوسف والحكم إِلى الصميل ، ثمٍ خرج على يوسف بن عبد الرحمن بن علقمة اللخمي بمدينة أربونة فلم يلبث إلا قليلا حتى قتل وحمل رأسه إلى يوسف ، وخرج عليه عذرة المعروف بالذمي - فإنما قيل له ذلك لأنه استعان بأهل الذمة - فوجه إليه يوسف عامر بن عمرو- وهو الذي تنتسب إليه مقبرة عامر من أبواب قرطبة - فلم يظفر به وعاد مفلولاً ، فسار إليه يوسف بن عبد الرحمن فقاتله فقتله واستباح عسكره ، وقد وردت هذه الحادثة من جهة أخرى وفيها بعض الخلاف وسنذكرها سنة تسع وثلاثين ومائة عند دخول عبد الرحمن الأموي الأندلس .
ذكر عدة حوادث
وحج بالناس عبد الواحد وهو كان العامل على مكة ، والمدينة ، والطائف ، وكان على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة ، وعلى قضاء. الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي ، وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور ، وكان على خراسان نصر بن سيار- والفتنة بها - .
وفيها مات سالم أبو نصر .
وفيها مات يحمى بن
يعمر العدوي بخراسان - وكان قد تعلم النحو من أبي الاسود الدؤلي ، وكان من
فصحاء التابعين .
وفيها مات أبو الزناد عبد الله بن ذكوان .
وفيها مات وهب بن كيسان ، ويحيى بن أبي كثير
اليمامي أبو نصر ، وسعيد بن أبي صالح ، وأبو
اسحاق الشيباني ، والحرث بن عبد الرحمن ، ورقبة بن مصقلة الكوفي ، ومنصور
بن زاذان مولى عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي - وشهد جنازته المسلمون ،
واليهود ، والنصارى ،والمجوس لاتفاقهم على صلاحه - ، وقيل : مات سنة احدى
وثلاثين .
ثم دخلت سنهِّ ثلاثين ومائة
ذكر دخول أبي مسلم مرو والبيعة بها
وفي هذه السنة دخل أبو مسلم مدينة مرو في ربيع الآخر ، وقيل : في جُمادى الاولى ، وكان السبب في ذلك في اتفاق أبن الكرماني معه ان ابن الكرماني ، ومن معه ، وسائر القبائل بخراسان لما عاقدوا نصراً على أبي مسلم عظم عليه وجمع أصحابه لحربهم ، فكان سليمان بن كثير بازاء ابن الكرماني ، فقال له سليمان ان أبا مسلم يقوك لك : أما تأنف من مصالحة نصر وقد قتل بالأمس أباك وصلبه وما كنت أحسبك تجامع نصراً في مسجد تصليان فيه فأحفظه هذا الكلام فرجع عن رأيه وانتقض صلح العرب ، فلما انتقض صلحهم بعث نصر إلى أبي مسلم يلتمس منه أن يدخل مع مضر ، وبعث أصحاب ابن الكرماني وهم ربيعة ، واليمن إلى أبي مسلم بمثل ذلك فراسلوه بذلك أياماً ، فأمرهم أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتى يختار أحدهما ففعلوا ، وأمر أبو مسلم الشيعة أن يختاروا ربيعة ، واليمن فإن السلطان في مضر- وهم أصحاب مروان وعماله وقتلة يحيىِ بن زيد - فقدم الوفدان فجلس أبو مسلم وأجلسهم وجمع عنده من الشيعة سبعين رجلَا فقال لهم : ليختاروا أحد الفريقين ، فقام سليمان كثير من الشيعة فتكلم - وكأن خطيباً مفوهاً - فاختار ابن الكرماني وأصحابه ، ثم قام أبو منصور طلحة بن رزيق النقيب فاختارهم أيضاً ، ثم قام مرثد بن شقيق السلمي فقال : !ن مضر قتلة آل النبي صلى الله عليه وسلم وأعوان بني أمية ، وشيعة مروان الجعدي وعماله ودماؤنا في أعناقهم وأموالنا في أيديهم ، ونصر بن سيار عامل مروان يتعد أموره (ا) ويدعو له على منبره ويسميه أمير المؤمنين ونحن نبرأ الى اللّه عز وجل من أن يكون نصرُ على هدى وقد اخترنا علي بن الكرماني . وأصحابه فقال السبعون : القول ما قال مرثد بن شقيق ، فنهض وفد نصر عليهم النهابة والذلة .
ورجع وفد ابن الكرماني منصورين ، ورجع أبو مسلم من ألين إلى الماخوان وأمر أبو مسلم الشيعة أن يبنوا المساكن فقد أغناهم الله من اجتماع كلمة العرب عليهم ، ثم أرسل إلى أبي مسلم علي بن الكرماني ليدخل مدينة مرو من ناحيته وليدخل هو وعشيرته من الناحية الأخرى ، فأرسل إليه أبو مسلم إني لست آمن أن تجتمع يدك ويد نصر على محاربتي ولكن ادخل أنت فانشب الحرب مع أصحاب نصر ، فدخل ابن الكرماني فانشب الحرب ، وبعث أبو مسلم شبل بن طهمان النقيب في خيل فدخلوها ، ونزل شبل بقصر بخار اخذاه وبعث إلى أبي مسلم ليدخل إليهم ، فسار من الماخوان وعلى مقدمته أسيد بن عبد الله الخزاعي ، وعلى ميمنته مالك بن الهيثم الخزاعي ، وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع التميمي ، فدخل مرو- والفريقان يقتتلان - فأمرهما بالكف وهو يتلو من كتاب اللّه عز وجل : { ودخل المدينة على حيِن غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه }(2) الآية، ومضى أبو مسلم إلى قصر الإمارة وأرسل إلى الفريقين أن كفوا ولينصرف كل فريق إلى عسكره ففعلوا وصفت مرو لأبي مسلم فأمر بأخذ البيعة من الجند وكان الذي يأخذها أبو منصور طلحة بن رزيق - وكان أحد النقباء عالماً بحجج الهاشمية ومعالِب الأموية - ، وكان النقباء اثني عشر رجلًا اختارهم محمد بن علي من السبعين الذين كانوا استجابوا له حين بعث رسوله إلى خراسان سنة ثلاث ومائة أو أربع ومائة ووصف له من العدل صفة .
وكان منهم من خزاعة سليمان بن كثير ، ومالك بن الهيثم ، وزياد بن صالح ، وطلحة بن رزيق ، وعمرو بن أعين ، ومن طيىء قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان ، ومن تميم موسى بن كصب أبو عيينة ، ولاهز بن قريظ ، والقاسم بن مجاشع ، وأسلم بن سلام ، ومن بكر بن وائل أبو داود بن ابراهيم الشيباني ، وأبو علي الهروي ، ويقال : شبل بن طهمان مكان عمرو بن أعين ، وعيسى بن كعب ، وأبو النجم إسماعيل ابن عمران مكان أبي علي الهروي – وهو ختن أبي مسلم - ولم يكن في النقباء أحد والده حي غير أبي منصور طلحة بن رزيق بن سعد وهو أبو زينب الخزاعي - وكان قد شهد حرب ابن الاشعث وصحب المهلب وغزا معه ، وكان أبو مسلم يشاوره في الأمور ويسأله عنها وعما شهد من الحروب ، وكانت البيعة أبايعكم على كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والطاعة للرضا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، والطلاق ، والعتاق ، والمشي إلى بيت الله الحرام وعلى أن لا تسألوا رزقاً ولا طعماً حتى يبتدئكم به ولاتكم ( رزيق ) بتقديم الراء على الزاي .
ذكر هرب نصر بن سيار من مرو
ثم أرسل أبو مسلم لاهز بن قريظ في جماعة إلى نصر بن سيار يدعوه إلى كتاب اللّه عز وجل والرصا من آل محمد ، فلما رأى ما جاءه من اليمانية ، والربيعية ، والعجم وانه لا طاقة له بهم أظهر قبول ما أتاه به وانه يأتيه ويبايعه ، وجعل يرشيهم لما هم من الغدر والهرب إلى أن أمسوا وأمر أصحابه أن يخرجوا من ليلتهم إلى مكان يأمنون فيه ، فقال له سالم بن أحوز : لا يتهيأ لنا الخروج الليلة ولكننا نخرج القابلة ، فلما كان الغد عبىء أبو مسلم أصحابه وكتائبه إلى بعد الظهر وأعاد إلى نصر لاهز بن قريظ وجماعة معه فدخلوا على نصر فقال : ما أسرع ما عدتم فقال له لاهز بن قريظ : لا بد لك من ذلك فقال نصر : إذا كان لا بد من ذلك فإني أتوضأ وأخرج إليه وأرسل إلى أبي مسلم فإن كان هذا رأيه وأمره أتيته وأتهيأ إلى أن يجيء رسولي ، فقام نصر فلما قام قرأ لاهز بن قريظ { إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين } فدخل نصر منزله وأعلمهم أنه ينتظر انصراف رسوله من عند أبي مسلم ، فلما جنه الليل خرج من خلف حجرته ومعه تميم ابنه ، والحكم بن نميلة النميري ، وامرأته المرزبانة وانطلقوا هراباً ، فلما استبطأه لاهز ، وأصحابه دخلوا منزله فوجدوه قد هرب ، فلما بلغ ذلك أبا مسلم سار إلى معسكر نصر وأخذ ثقات أصحابه وصناديدهم فكتفهم ، وكان فيهم سالم بن أحوز صاحب شرطة نصر ، والبختري كاتبه ، وابنان له ، ويونس بن عبدويه ومحمد ابن قطن ، ومجاهد بن يحيى بن حضين ، وغيرهم فاستوثق منهم بالحديد وكانوا في الحبس عنده ، وسار أبو مسلم ، وابن الكرماني في طلب نصر ليلتهما فأدركا امرأته قد خلفها وسار ،فرجع أبو مسلم ، وابن الكرماني إلى مرو وسار نصر إلى سرخس واجتمع معه ثلاثة آلاف رجل ، ولما رجع أبو مسلم سأل من كان م رسله إلى نصر ما الذي ارتاب به نصر حتى هرب ؟ قالوا : لا ندري قال : فهل تكلم أحد منكم بشيء؟ قالوا : تلا لاهز هذه الآية ! إن الملأ يأتمرون بك * قال : هذا الذي دعاه إلى الهرب ؛ ثم قال يا لاهز تدغل في الدين ثم قتله ، واستشار أبو مسلم أبا طلحة في أصحاب نصبر فقال : اجعل سوطك السيف وسجنك القبر فقتلهم أبو مسلم وكان عدتهم أربعة وعشرين رجلًا ، وأما نصر فإنه سار من سرخس إلى طوس فاقام بها خمسة عشر يوماً وبسرخس يوماً ثم سار إلى نيسابور فأقام بها ، ودخل ابن الكرماني مرو مع أبي مسلم وتابعه على رأي وعاقده عليه ، (يحمى بن حُضَين ) بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة وآخره نون .
ذكر قتل شيبان الحروري
وفي هذه السنة قتل شيبان بن سلمة الحروري ، وكان سبب قتله أنه كان هو ، وعلي بن الكرماني مجتمعين على قتال نصر لمخالفة شيبان نصراً لأنه من عمال مروان وشيبان يرى رأي الخوارج ومخالفة ابن الكرماني نصراً لأن نصراً قتل أباه الكرماني وان نصراً مضري وابن الكرماني يماني وبين الفريقين من العصبية ما هو،مشهور ، فلما صالح ابن الكرماني أبا مسلم على ما تقدم وفارق شيبان تنحى شيبان عن مرو إذ علم أنه لا يقوى لحربهما وقد هرب نصر إلى سرخس ، ولما استقام الأمر لأبي مسلم أرسل إلى شيبان يدعوه إلى البيعة فقال شيبان : أنا أدعوك إلى بيعتي ؛ فأرسل إليه أبو مسلم إن لم تدخل في أمرنا فارتحل عن منزلك الذي أنت به ، فأرسل شيبان إلى ابن الكرماني يستنصره فأبى ، فسار شيبان إلى سرخس واجتمع إليه جمع كثير من بكر بن وائل فأرسل !ليه أبو مسلم تسعة من الازد يدعوه ويسأله أن يكف فأخذ الرسل فسجنهم ، فكتب أبو مسلم إلى بسام بن ابراهيم مولى بني ليث بابيورد يأمره أن يسير إلى شيبان فيقاتله فسار إليه فقاتله فانهزم شيبان واتبعه بسام حتى دخل المدينة فقتل شيبان وعدة من بكر بن وائل فقيل لأبي مسلم : إن بساماً ارتَد ثانية وهو يقتل البريء بالسقيم فاستقدمه فقدم عليه واستخلف على عسكره رجلاً ، فلما قتل شيبان مر رجل من بكر بن وائل برسل أبي مسلم فقتلهم ، وقيل : إن أبا مسلم وجه إلى شيبان عسكراً من عنده عليهم خزيمة بن خازم ، وبسام بن ابراهيم .
ذكر قتل ابني الكرماني
وفي هذه السنة قتل أبو مسلم علياً ، وعثمان ابني الكرماني ، وكان سبب ذلك ؟
أبا مسلم كأن وجه موسى بن كعب إلى ابيورد
فافتتحها وكتب إلى أبي مسلم بذلك ط ووجه أبا داود إلى بلخ وبها زياد بن عبد
الرحمن القشيري فلما بلغه قصد أبي داود بلخ خرج في أهل بلخ ، وترمذ ،
وغيرهما ومن كورطخارستان إلى الجوزجان فلما دنا أبو داود منهم انصرفوا
منهزمين إلى ترمذ ودخل أبو داود مدينة . بلخ ، فكتب إليه أبو مسلم يأمره
بالقدوم .عليه ووجه مكانه يحيى بن نعيم أبا الميلاء على بلخ ، فلما قدم
يحمى مدينة بلخ كاتبه زياد بن عبد الرحمن أن يرجع وتصير أيديهم واحدة
فأجابه فرجع زياد ، ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم الباهلي ، وعيسى بن زرعة
السلمي ، وأهل بلخ ، وترمذ ، وملوك طخارستان وما وراء النهر ودونه فنزلوا
على فرسخ من بلخ وخرج إليهم يحيى بن نعيم بمن معه فصارت كلمتهم واحدة مضر ،
وربيعة ، واليمن ، ومن معهم من العجم على قتال المسودة وجعلوا الولاية
عليهم لمقاتل بن حيان النبطي كراهة أن يكون من واحد من الفرق الثلاثة ،
وأمر أبو مسلم أبا داود بالعود فأقبل بس معه حتى اجتمعوا على نهر السرجنان
، وكان زياد وأصحابه قد وجهوا أبا سعِد القرشي مسلحة لئلا يأتيهم أصحاب أبي
داود من خلفهم وكانت أعلام أبي داود سوداً فلما اقتتل أبو داود ، وزياد ،
وأصحابهما أمر أبو سعيد أصحابه أن يأتوا زياداً ، وأصحابه فأتوهم من خلفهم
، فلما رأى زياد ومن معه أعلام أبي سعيد وراياته سوداً ظنوه كميناً لأبي
داود فانهزموا وتبعهم ابو داود فوقع عامة أصحاب زياد في نهر السرجنان وقتل
عامة رجالهم المتخلفين ونزل أبو داود معسكرهم وحوى ما فيه ، ومضى زياد
ويحيى ، ومن معهما إلى ترمذ .
واستصفى أبو داود أموال من قتل ومن هرب واستقامت له بلخ ، وكتب إليه أبو
مسلم يأمره بالقدوم عليه ووجه النضر بن صبيح المري على بلخ ، وقدم
أبو داود على أبي مسلم واتفقا على أن يمْرقا بين علي ، وعثمان ابني
الكرماني فبعث أبو مسلم عثمان عاملًا على بلخ فلما قدمها استخلف الفرافصة
بن ظهير العبسي على بلخ وأقبلت المضرية من ترمذ عليهم مسلم بن عبد الرحمن
الباهلي فالتقوا هم وأصحاب عثمان فاقتتلوا قتالاً شديداً فانهزم أصحاب
عثمان وغلب مسلم على بلخ ، وبلغ عثمان ، والنضر بن صبيح الخبر وهما بمرو
الروذ فأقبلا نحوهم فهرب أصحاب عبد الرحمن من ليلتهمٍ فلم يمعن النضر طلبهم
رجاء أن يفوتوا ولقيهم أصحاب عثمان فاقتتلوا قتالًا شديدا ولم يكن النضر
سعهم فانه س م أصحاب عثمان وقتل منهم خلق كثير ، ورجع أبو داود من مرو إلى
بلخ ، وسار أبو مسلم ومعه علي بن الكرماني إلى نيسابور .
واتفق رأي أبي مسلم ورأي أبي داود على أن يقتل أبو مسلم علياً ويقتل أبو داود عثمان ، فلما قدم أبو داود بلخ بعث عثمان عاملًا على الجبل فيمن معه من أهل مرو ، فلما خرج من بلخ تبعه أبو داود فأخذه وأصحابه فحبسهم جميعاً ثم ضرب أعناقهم صبراً ، وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم علي بن الكرماني ، وقد كأن أبو مسلمٍ أمره أن يسمي له خاصته ليوليهم ويأمر لهم بجوائز وكسوات فسماهم له فقتلهم جميعا .
ذكر قدوم قحطبة من عند الامام ابراهيم
وفي هذه السنة قدم قحطبة بن شبيب على أبي مسلم من عند إبراهيم الإِمام ومعه لواؤه الذي عقد له ابراهيم ، فوجهه أبو مسلم في مقدمته وضم إليه الجيوش وجعل إليه العزل والاستعمال وكتب إلى الجنود بالسمع والطاعة له .
ذكر مسير قحطبة إلى نيسابور
لما قتل شيبان الخارجي ، وابنا الكرماني على.ما تقدم وهرب نصر بن سيار من
مرو وغلب أبو مسلم على خراسان بعث العمال على البلاد فاستعمل سباع
بن النعمان الأزدي على سمرقند ، وأبا داود خالد بن ابراهيم على طخارستان ،
ومحمد بن الأشعث على الطبسين ، وجعل مالك بن الهيثم على شرطه ، ووجه قحطبة
إلى طوس ومعه عدة من القواد ، منهم أبو عون عبد
الملك بن يزيد ، وخالد بن برمك ، وعثمان بن نهيك ، وخازم بن خزيمة ، وغيرهم
، فلقي قحطبة من بطوس فهزمهم وكان من مات منهم في الزحام أكثر ممن قتل فبلغ
عدة القتلى بضة عشرة ألفاً ، ووجه أبو مسلم القاسم بن مجاشع إلى نيسابور
على طريق المحجة ، وكتب إلي قحطبة يأمره بقتال تميم بن نصر بن سيار ،
والنابىء بن سويد ، ومن لجأ إليهما من أهل خراسان - وكان أصحاب شيبان بن
سلمة الخارجي قد لحقوا بنصر-ووجه أبو مسلم علي بن معقل في عشرة آلاف رجل
إلى تميم بن نصر وأمره أن يكون مع قحطبة ، وسار قحطبة إلى السوذقان وهو
معسكر تميم بن نصر ، والنابىء وقد عبىء أصحابه وزحف إليهم فدعاهمِ إلى كتاب
الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى الرضا من آل محمد فلم
يجيبوه فقاتلهم قتالاَ شديداً فقتل تميم بن نصر في المعركة ، وقتل من
أصحابه مقتلة عظيمة واستبيح عسكرهم - وكان عدة من معه ثلاثين ألفاً - وهرب
النابىء بن سويد فتحصن بالمدينة فحصره قحطبة ونقبوا سورها ودخلوا المدينة
فقتلوا النابىء ومن كان معه وبلغ الخبر نصر بن سيار بنيسابور بقتل ابنه ،
ولما استولى قحطبة على عسكرهم سير إلى خالد بن برمك ما قبض منه وسار هو إلى
نيسابور ، وبلغ ذلك نصر ببن سيار فهرب منها فيمن معه فنزل قومس وتفرق عنه
أصحابه فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان ، وقدم قحطبة نيسابور بجنوده فأقام
بها رمضان وشوال .
ذكر قتل نباتة بن حنظلة وفي هذه السنة قتل نباتة بن حنظلة عامل يزيد بن هبيرة على جرجان ، وكان يزيد ابن هبيرة بعثه إلى نصر فأتى فارس ، وأصبهان ، ثم سار إلى الري ، ومضى إلى جرجان - وكان نصر بقومس على ما تقدم فقيل له : ان قومس لا تحملنا فسار إلى جرجان فنزلها مع نباتة وخندقوا عليهم ، وأقبل قحطبة إلى جرجان في ذي القعدة فقال قحطبة : يا أهل خراسان أتدرون إلى من تسيرون ومن تقاتلون ؟ إنما تقاتلون بقية قوم حرقوا بيت الله تعالى ، وكان الحسن بن قحطبة على مقدمة أبيه فوجه جمعاً إلى مسلحة نباتة وعليها رجل يقال له : ذؤيب فبيتوهم فقتلوا ذؤيباً وسبعين رجلًا من أصحابه فرجعوا إلى الحسن ، وقدم قحطبة فنزل بازاء نباتة وأهل الشام في عدة لم ير الناس مثلها فلما رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه فبلغ قحطبة قولهم فقام فيهم فقال : يا أهل خراسان هذه البلاد كانت لآبائكم الأولين وكانوا ينصرون على عدوهم لعدلهم وحسن سيرتهم حتى بدلوا وظلموا فسخط الله عز وجل عليهم فأنتزع سلطانهم وسلط عليهم اذل أمة كانت في الارض عندهم فغلبوهم على بلادهم وكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد وينصرون المظلوم ثم بدلوا وغيروا وجأروا في الحكم وأخافوا أهل البر والتقوى من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلطكم عليهم لينتقم منهم بكم لتكونوا أشد عقوبة لانكم طلبتموهم بالثار ، وقد عهد إلى الِإمام انكم تلقونهم في مثل هذه العدة فينصركم الله عز وجل عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم ، فالتقوا في مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين يوم الجمعة فقال لهم قحطبة قبل القتال : إن الِإمام أخبرنا أنكم تنصرون على عدوكم هذا اليوم من هذا الشهر -كان على ميمنتهَ ابنه الحسن -فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل نباتة وانهزم أهل الشام فقتل منهم عشرة آلاف وبعث إلى أبي مسلم برأس نباتة وابنه حية .
ذكر وقعة أبي حمزة الخارجي بقديد
في هذه السنة لسبع بقين من صفر كانت الوقعة
بقديد بين أهل المدينة وأبي حمزة الخارجي ، قد ذكرنا أن عبد الواحد بن
سليمان ضرب البعث على أهل المدينة واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد الله
فخرجوا ، فلما كانوا بالحرة لقيتهم جزر منحورة فتقدموا ، فلما كانوا
بالعقيق تعلق لواؤهم بسمرة فانكسر الرمح فتشاءم الناس بالخروج ، وأتاهم رسل
أبي حمزة يقولون : إننا والله ما لنا بقتالكم حاجة دعونا نمضي إلى عدونا ،
فأبى أهل المدينة ولم يجيبوه إلى ذلك وساروا حتى نزلوا قديداً - وكانوا
مترفين ليسوا باصحاب حرب - فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أصحاب أبي حمزة من
الفضاض فقتلوهم ، وكانت المقتَلة بقريش - وفيهم كانت الشوكة - فأصيب منهم
عدد كثير ، وقدم المنهزمون المدينة فكانت المرأة لَقيم النوائح على حميمها
ومعها النساء فما تبرح النساء حتى تأتيهم الأخبار عن رجالهن فيخرجن امرأة
امرأة كل واحدة منهن تذهب لقتل رجلها فلا تبقى عندها امرأة لكثرة من قتل ،
وقيل : إن خزاعة دلت أبا حمزة على أصحاب قديد ، وقيل : كان عدة القتلى
سبعمائة .
ذكر دخول أبى حمزة المدينة
وفي هذه السنة دخل أبو حمزة المدينة ثالث عشر صفر ومض عبد الواحد منها
إِلى الشام ، وكان أبو حمزة قد أعذر اليهم وقال لهم : ما لنا
بقتالكم حاجة تدعونا نمضي إلى عدونا فأبى أهل المدينة فلقيهم فقتل منهم
خلقاً كثيراً ، ودخل المدينة فرقي المنبر وخطبهم وقال لهم : يا أهل المدينة
مررت زمان الأحول -يعني هشام بن عبد الملك - وقد أصاب ثماركم عاهة فكتبتم
إليه تسألونه أن يضع عنكم خراجكم ففعل فزاد الغني غنى والفقير فقراً فقلتم
له : جزاك الله خيراً فلا جزاكم الله خيراً ولا جزاه خيراً ، واعلموا يا
أهل المدينة أنّا لم نخرج من ديارنا اشراً ولا بطراً ولا عبثاً ولا لدولة
ملك نريد أن نخوض فيه ولا لثأر قديم نيل ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد
عطلت وعنف القائل بالحق وقتل القائم بالقسط ضاقت علينا الأرض بما رحبت
وسمعنا داعياً يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن فاجبنا داعي الله { ومن لا
يُجِبْ داعي الله فليس بمعجز في الأرض }(ا) فأقبلنا من قبائل شتى ونحن
قليلون مستضعفون في الأرض فآوانا وأيدنا بنصره فأصبحنا بنعمته إخواناً ، ثم
لقينا رجالكم بقديد فدعوناهم إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن فدعونا إلى طاعة
الشيطان وحكم بني مروان فشتانَ لعمر الله ما بين الغي والرشد ، ثم اقبلوا
يهرعون وقد ضرب الشيطان فيهم بحرانه وغلت بدمائهم مراجله وصدق عليهم ظنه
وأقبل أنصار الله عز وجل عصائب وكتائب بكل مهند ذي رونق فدارت رحانا
واستدارت رحاهم بضرب يرتاب به المبطلون ، وأنتم يا أهل المدينة ان تنصروا
مروان ، وآل مروان يسحتكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ويشف صدور قوم
مؤمنين ، يا أهل المدينة أو لكم خير أول وآخركم شر آخر ، يا أهل المدينة
أخبروني عن ثمانية أ،مهم فرضها الله عز وجل في كتابه على القوي ،والضعيف ،
فجاء تاسع ليس له فيها سهم فأخذها لنفسه مكابراً محارباً ربه ، يا أهل
المدينة بلغني أنكم تنتقصون أصحابي قلتم : شباب أحداث وأعراب حفاة ويحكم
وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شباباً أحداثاً وأعراباً
حفاة هم والله مكتهلون في شبابهم غضة عن الشر أعينهم ، ثقيلة عن الباطل
أقدامهم ، وأحسن السيرة مع أهل المدينة واستمال حتى سمعوه يقول : من زنى
سورة الاحقاف 32 .
فهو كافر ومن سرق فهو كافر ومن شك في كفرهما فهو كافر ، وأقام أبو حمزة
بالمدينة ثلاثة أشهر .
ذكر قتل أبى حمزة الخارجي
ثم ان أبا حمزة ودع أهل المدينة وقال لهم : يا أهل المدينة إنا خارجون إلى مروان في ن نظفر نعدل في اخوانكم ونحملكم على سنة نبيكم وإن يكن ما تتمنون فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، ثم سار نحو الشام ، وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة آلاف فارس واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي - سعد هوازن - وأمره أن يجد السير وأمره أن يقاتل الخوارج فإن هو ظفر بهم يسير حتى يبلغ اليمن ويقاتل عبد الله بن يحيى طالب الحق ، فسار ابن عطية فلقي أبا حمزة بوادي القرى فقال أبو حمزة لأصحابه : لا تقاتلوهم حتى تختبروهم فصاحوا بهم ما تقولون في القرآن والعمل به ؟ فقال ابن عطية : نضعه في جوف الجواليق فقال : فما تقولون في مال اليتيم ؟ قال ابن عطية : نأكل ماله ونفجر بأمه - في أشياء سألوه عنها - فلما سمعوا كلامه قاتلوه حتى أمسوا وصاحوا وشك يا ابن عطية إن الله قد جعل الليل سكناً فاسكن فأبى وقاتلهم حتى قتلهم ، وانهزم أصحاب أبي حمزة من لم يقتل وأتوا المدينة فلقيهم أهل المدينة فقتلوهم ، وسار ابن عطية إلى المدينة فاقام شهراً، وفيمن قتل مع أبي حمزة عبد العزيز القاري المدني - المعروف بيشكست النحوي - وكان من أهل المدينة - يكتب مذهب الخوارج فلما دخل أبو حمزة المدينة انضم إليه فلما قتل الخوارج قتل معهم .
ذكر قتل عبد اللّه بن يحيى
ولما م قام ابن عطية بالمدينة شهراً سار نحو اليمني واستخلف على المدينة
الوليد ابن عروة بن محمد بن عطية واستخلف على
مكة رجلَا من أهل الشام وقصد اليمن ، وبلغ عبد الله نن يحيى طالب الحق
مسيره - وهو بصنعاء - فأقبل إليه بمن معه فالتقى هو ، وابن عطية فاقتتلوا
فقتل ابن يحمص وحمل رأسه إلى مروان بالشام ومضى ابن عطية الى صنعاء .
ذكر قتل ابن عطية
ولما سار ابن عطية إلى صنعاء دخلها وأقام بها فكتب إليه مروان يأمره أن يسرع إليه السير ليحج بالناس فسار في اثني عشر رجلًا بعهد مروان على الحج ومعه أربعون ألفاً ، وسار وخلف عسكره وخيله بصنعاء ونزل الجرف فأتاه ابنا جهانة(1) المراديان في جمع كثير وقالوا له ولأصحابه : أنتم لصوص فاخرج ابن عطية عهده على الحج وقال : هذا عهد أمير المؤمنين بالحج وأنا ابن عطية قالوا : هذا باطل فأنتم لصوص فقاتلهم ابن عطية قتالاً شديداً حتى قتل .
ذكر ايقاع قحطبة بأهل جرجان
وفي هذه السنة قتل قحطبة بن شبيب من أهل جرجان ما يزيد على ثلاثين ألفاً ، وسبب ذلك أنه بلغه منهم بعد قتل نباتة بن حنظلة أنهم يريدون الخروج عليه ، فلما بلغه ذلك دخل إليهم واستقرر منهم فقتل منهم من ذكرنا ؛ وسار نصر- وكان بقومس – حتى نزل خوار الري وكاتب ابن هبيرة يستمده – وهو بواسط – مع ناس من وجوه أهل خراسان وعظم الأمر عليه وقال له : إني قد كذبت أهل خراسان حتى ما أحد منهم يصدقني فأمدني بعشرة آلاف قبل أن تمدني بمائة ألف لا تغني شيئاً ، فحبس ابن هبيرة رسل نصر ، فارسل نصر إلى مروان إني وجهت قوماً من أهل خراسان إلى ابن هبيرة ليعلموه أمر الناس قبلنا وسألته المدد فحبس رسلي ولم يمدني بأحد ، وإنما أنا بمنزلة من أخرج من بيته إلى حجرته ثم أخرج من حجرته إلى داره ثم من داره إلى فناء داره فإن أدركه من يعينه فعسى أن يعود إلى داره وتبقى له وإن أخرج إلى الطريق فلا دار له ولا فناء ، فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمد نصراً وكتب إلى نصر يعلمه ذلك ، وجهز ابن هبيرة جيشاً كثيفاً وجعل عليهم ابن غطيف وسيّرهم إلى نصر .
ذكر عدة حوادث
غزا الصائفة هذه السنة الوليد بن هشام فنزل العمق وبنى حصن مرعش .
وفيها وقع
الطاعون بالبصرة .
وحج بالناس هذه السنة محمد بن عبد الملك بن مروان - وكان هو أمير مكة ،
والمدينة ، والطائف - وكان بالعراق يزيد بن عمر بن هبيرة ، وكأن على قضاء
الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي ، وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور ، وكان
الامير بخراسان على ما وصفت ؛ قلت : قد ذكر أبو جعفر ههنا ان محمد بن عبد
الملك حج بالناس وكان أمير مكة ، والمدينة ، وذكر فيما تقدم أن عروة بن
الوليد كان على المدينة ؛ وذكر في آخر سنة احدى وثلاثين أن عروة أيضاً كان
على المدينة، ومكة ، والطائف وأنه حج بالناس تلك السنة .
وفي هذه السنة مات أبو جعفر يزيد بن القعقاع القاري مولى عبد الله بن عباس المخزومي بالمدينة ، وقيل : سُمِّي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بقديد .
وفيها
توفي أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وقيل : سنة تسع وعشرين وعمره
ثلاث وستون سنة ، واسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ، وقيل :
سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وقيل : سنة أربع وثلاثين ومائة وبكنى أبا نجيح
، وفيها توفي محمد بن مخرمة بن سليمان وله سبعون سنة ، وأبو وجرة السعدي
يزيد بن عبيد ، وأبو الحويرث ، ويزيد بن أبي مالك الهمداني ، ويزيد بن
رومان ، وعكرمة بن عبد الرحمن ابن الحرث بن هشام ، وعبد العزيز بن رفَيع -
بضم الراء المهملة وفتح الفاء وبالعين الهمهملة –وهو أبو عبد الله المكي
الفقيه -وكان قد قارب مائة سنة وكان لا يثبت معه امرأة لكثرة نكاحه -
واسماعيل بن أبي حكيم كاتب عمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن أبان -وهو المعروف
بيزيد الرشك - وكان قساماً بالبصرة ، وحفص بن سليمان نجن المغبرة وكان
مولده سنة ثمانين يروي قراءة عاصم عنه .
ثم دخلت سنة احدى وثلاثين ومائة
ذكر موت نصر بن سيار
وفي هذه السنة مات نصر بن سيار بساوة قرب
الري ، وكان سبب مسيره إليها أن نصراً سار بعد قتل نباتة إلى خوار الري -
وأميرها أبو بكر العقيلي - ووجه قحطبة ابنه الحسن إلى نصر في المحرم من سنة
احدى وثلاثين ومائة ، ثم وجه أبا كامل ، وأبا القاسم محرز بن ابراهيم ،
وأبا العباس المروزي إلى الحسن ابنه ، فلما كانوا قريباً من الحسن انحاز
أبو كامل وترك عسكره وأتى نصراً فصار معه وأعلمه مكان الجند الذين فارقهم
فوجه إليهم نصر جنداً فهرب جند قحطبة منهم وخلفوا شيئاً من متاعهم فأخذه
أصحاب نصر ، فبعث به نصر إلى ابن هبيرة فعرض له ابن غطيف بالري فأخذ
الكتاب من رسول نصر والمتاع وبعث به إلى ابن هبيرة ، فغضب نصر وقال : أما
والله لاد عن ابن هبيرة فليعرفن انه ليس بشيء ولا ابنه ، وكان ابن غطيف في
ثلاثة آلاف قد سيره ابن هبيرة إلى نصر فأقام بالري فلم يأت نصراً وسار نصر
حتى نزل الري وعليها حبيب بن يزيد النهشلي ، فلما قدمها نصر سار ابن غطيف
منها إلى همذان - وفيها مالك ابن أدهم بن محرز الباهلي - فعدل ابن غطيف
عنها إلى أصبهان إلى عامر بن ضبارة ، فلما قدم نصر الري أقام بها يومين ثم
مرض وكان يحمل حملاً فلما بلغ ساوة مات فلما مات بها دخل أصحابه همذان ،
وكانت وفاته لمضي اثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الاول ، وكان عمره خمساً
وثمانين سنة ، وقيل : إن نصراً لما سار من خوار الري متوجهاً نحو الري لم
يدخل الري ولكنه سلك المفارة التي بين الري ، وهمذان فمات بها.
في الطبري " فعرض له عطيف بالري " .