المجلد الخامس - ذكر قتل مروان بن محمد بن مروان بن الحكم

وفي هذه السنة قتل مروان بن محمد ، وكان قتله ببوصير من أعمال مصر لثلاث بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان مروان لما هزمه عبد الله بن علي بالزاب أتى مدينة الموصل وعليها هشام بن عمرو التغلبي ، وبشر بن خزيمة الأسدي فقطعا الجسر فناداهم أهل الشام هذا أمير المؤمنين مروان فقالوا : كذبتم أمير المؤمنين لا يفر وسبه أهل الموصل وقالوا : يا جعدي يا معطل الحمد لله الذي أزال سلطانكم وذهب بدولتكم الحمد لله الذي أتانا بأهل بيت نبينا ، فلما سمع ذلك سار إلى بلد فعبر دجلة وأتى حران وبها ابن أخيه أبان بن يزيد بن محمد بن مروان عامله عليها فأقام بها نيفاً وعشرين يوماً ، وسار عبد الله بن علي حتى أتى الموصل فدخلها وعزل عنها هشاماً واستعمل عليها محمد بن صول ، ثم سار في أثر مروان بن محمد فلما دنا منه عبد الله حمل مروان أهله وعياله ومضى منهزماً وخلف بمدينة حران ابن أخيه ابان بن يزيد وتحته أم عثمان ابنة مروان .

وقدم عبد اللّه بن علي حران فلقيه ابان مسوداً مبايعاً له فبايعه له ودخل في طاعته فأمنه ومن كان بحران ، والجزيرة ، ومضى مروان إلى حمص فلقيه أهلها بالسمع والطاعة فأقامٍ بها يومين أو ثلاثة ثم سار منها، فلما رأوا قلة من معه طمعوا فيه وقالوا : مرعوباً منهزما فاتبعوه بعد ما رحل عنهم فلحقوه على أميال فلما رأى غبرة الخيل كَمِن لهم فلما جاوزوا الكمين صافهم مروان فيمن معه وناشدهم فأبوا إلا قتاله فقاتلهم وأتاهم الكمين من خلفهم فانهزم أهل حمص وقتلوا حتى انتهوا إلى قريب المدينة ، وأتى مروان دمشق وعليها الوليد بن معاوية بن مروان فخلفه بها وقال : قاتلهم حتى يجتمع أهل الشام ، ومضى مروان حتى أتى فلسطين فنزل نهر أبي فطرس - وقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي - فأرسل مروان إلى عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي فأجاره - وكان بيت المال في يد الحكم - .

وكان السفاح قد كتب إلى عبدالله بن علي يأمره باتباع مروان فسار حتى أتى الموصل فتلقاه من بها مسودين وفتحوا له المدينة، ثم سار إلى حران فتلقاه ابان بن يزيد مسوداً كما تقدم فأمنه وهدم عبدالله الدار التي حبس فيها ابراهيم ثم سالم من حرّان إلى منبج وقد سودوا فأقام بها وبعث إليه أهل قنسرين ببيعتهم ، وقدم عليه أخوه عبد الصمد بن علي أرسله السفاح مدداً له في أربعة آلاف فسار بعد قدوم عبد الصمد بيومين إلى قنسرين -وكانوا قد سودوا - فأقام يومين ، ثم سار إلى حمص وبايع أهلها وأقام بها أياماً ، ثم سار إلى بعلبك فأقام يومين ، ثمِ سار فنزل مزة دمشق - وهي قرية من قرى الغوطة - وقدم عليه أخوه صالح بن علي مدداَ فنزل مرج عذراء في ثمانية آلاف ، ثم تقدم عبد اللّه فنزل على الباب الشرقي ، ونزل صالح على باب الجابية ونزل أبو عون على باب كيسان ، ونزل بسام بن ابراهيم على باب الصغير ، ونزل حفيد بن قحطبة على باب يوما ، وعبد الصمد ، ويحيى بن صفوان ، والعباس بن يزيد على باب الفراديس ، وفي دمشق الوليد بن معاوية فحصروه ودخلوها عنوة يوم الاربعاء لخمس مضين من شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان أول من صد سور المدينة من باب شرقي عبد اللّه الطائي ، ومن ناحية باب الصغير بسام بن ابراهيم فقاتلوا بها ثلاث ساعات وقتل الوليد ابن معاوية فيمن قتل ، وأقام عبد اللهّ بن علي في دمشق خمسة عشر يوماً، ثم سار يريد فلسطين فلقيه أهل الأردن وقد سودوا وأتى نهر أبي فطرس - وقد ذهب مروان - فأقام عبد الله بفلسطين ، ونزل بالمدينة يحيى بن جعفر الهاشمي فأتاه كتاب السفاح يأمره بإرسال صالح بن علي في طلب مروان ، فسار صالح من نهر أبي فطرس في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ومعه ابن فتان ، وعامر بن اسماعيل ، فقدم صالح أبا عون ، وعامر ابن اسماعيل الحارثي فساروا حتى بلغوا العريش فأحرق مروان ما كان حوله من علف وطعام ، وسار صالح فنزل النيل ثم سار حتى أتى الصعيد ، وبلغه أن خيلاً لمروان يحرقون الأعلاف فوجه إليهم فاخذوا وقلي م بهم على صالح وهو بالفسطاط ، وسار فنزل موضعاً يقال له : ذات السلاسل  وقدم أبو عون عامر بن اسماعيل الحارثي ، وشعبة بن كثير المازني في خيل أهل الموصل فلقوا خيلاً لمروان فهزموهم وأسروا منهم رجالاً فقتلوا بعضاً واستحيوا بعضاً فسألوهم عن مروان فاخبروهم بمكانه على أن يؤمنوهم و ساروا فوجدوه نازلاً في كنيسة في بوصير فوافوه ليلًا وكان أصحاب أبي عون قليلين فقال لهم عامر بن إسماعيل : إن أصبحنا ورأوا قلتنا أهلكونا ولم يَنبئ منا أحد وكسر جفن سيفه وفعل أصحابه مثله وحملوا على أصحاب مروان فانهزموا ، وحمل رجل على مروان فطعنه - وهولا يعرفه - وصاح صائح صرع أمير المؤمنين فابتدروه فسبق إليه رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه فأخذه عامر فبعث به إلى أبي عون وبعثه أبو عون إلى صالح فلما وصل إليه أمر أن يقص لسانه فانقطع لسانه فأخذه هر فقال صالح : ماذا ترينا الأيام من العجائب والعبر هذا لسان مروان قد أخذه هر ؟ وقال شاعر :

#قد فتحَ اللَّه مصرَ عنوة لكُم وأهلكَ الفاجرَ الجعدي إذ ظلما

# فَلاَكَ مقولَهُ هر يجرره وكان ربُّكَ من ذي الكفرِ منتقما

وسيره صالح إلى أبي العباس السفاح ، وكان قتله لليلتين بقيتا من ذي الحجة ، ورجع صالح إلى الشام وخلف أبا عون بمصر وسلم إليه السلاح ، والأموال ، والرقيق ، ولما وصل الرأس إِلى السفاح كأن بالكوفة فلما رآه سجد ثم رفع رأسه فقال : الحمد لله الذي أظهرني علمِك وأظفرني بك ولم يبق ثاري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين ، وتمثل :

# لو يَشربونَ دَمي لم يَرْوِ شاربَهم ولا دماؤهم للغيظِ تَرْوِيني


ولما قتل مروان هرب ابناه عبد الله ، وعبيد الله إلى م رض الحبشة فلقوا من الحبشة بلاء ، قاتلهم الحبشة فقتل عبيد الله ونجا عبد الله في عدة ممن معه فبقي إلى . خلافة المهدي ، فأخذه نصر بن محمد بن الأشعث عامل فلسطين فبعث به إلى المهدي ، ولما قتل مروان قصد عامر الكنيسة التي فيها حرم مروان -وكأن قد وكل بهن خادماً وأمره أن يقتلهن بعده - فأخذه عامر وأخذ نساء مروان ، وبناته فسيرهن إلى صالح ابن علي بن عبد اللّه بن عباس ، فلما دخلن عليه تكلمت ابنة مروان الكبرى فقالت : يا عم أمير المؤمنين حفظ الله لك من أمرك ما تحب حفظه نحن بناتك وبنات أخيك وابن عمك فليسعنا من عفوكم ما وسعكم من جورنا قال : والله لا م ستبقي منكم واحداً ألم يقتل أبوك ابن أخي ابراهيم الإِمام ؟ ألم يقتل هشام بن عبد الملك زيد بن علي بن الحسين وصلبه في الكوفة ؟ ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد وصلبه بخراسان ؟ لم يقتل ابن زياد الدعي مسلم بن عقيل ؟ ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي وأهل بيته ؟ ألم يخرج إليه بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا فوقفهن موقف السبي ؟ ألم يحمل رأس الحسين وقد قرع دماغه فما الذي يحملني على الابقاء عليكن ؟ قالت : فليسعنا عفوكم فقال : أما هذا فنعم وإن أحببت زوجتك ابني الفضل ا فقالت : وأي عز خير من هذا بل تلحقنا بحران فحملهن إليها فلما دَخَلنَها ورأينَ منازل مروان رفعن أصواتهن بالبكاء ، قيل : كان يوماً بكير بن ماهان مع أصحابه قبل أن يقتل مروان يتحدث إذ مر به عامر بن إسماعيل - وهو لا يعرفه - فأتى دجلة واستقى من مائها ثم رجع فدعاه بكير فقال : ما اسمك يا فتى ؟ قال : عامر بن إسماعيل بن الحرث قال : فكن من بني مسلية قال : فأنا منهم قال : أنت والله تقتل مروان فكان هذا القول هو الذي قوى طمع عامر في قتل مروان ، ولما قتل مروان كأن عمره اثنتين وستين سنة ، وقيل : تسعاً وستين سنة ، وكانت ولايته من حين بويع إلى م ن قتل خمس سنين وعشر أشهر وستة عشر يوماً ، وكان يكنى أبا عبد الملك ، وكانت أمه أم ولد كردية كانت لابراهيم بن الأشتر أخذها محمد بن مروان يوم قتل ابراهيم فولدت مروان ، فلهذا قال عبد الله بن عياش المشرف  للسفاح : الحمد لله الذي أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمة النخع ابن عم رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ابن عبد المطلب ، وكان مروان يلقب بالحمار ، والجعدىِ لأنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر وغبر ذلك ، وقيل : إن الجعد كان زنديقاً وعظه ميمون بن مهران فقال : لشاه قباذ أحب إِلف مما تدين به فقال له : قتلك الله وهو قاتلك وشهد عليه ميمون وطلبه هشام فظفر به وسيره إلى خالد القسري فقتله ، فكان الناس يذمون مروان بنسبته إليه ، وكان مروان أبيض أشهل شديد الشهلة ضخم الهامة كَث اللحية أبيضها ربعة وكان شجاعاً حازماً إلا أن مدته انقضت فلم ينفعه حزمه ولا شجاعته ( عياش ) بالياء تحتها نقطتان والشين المعجمة .

ذكر من قتل من بني أمية

دخل سديف على السفاح وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد م كرمه فقال سديف :

#لا يَغُرنك ما ترى من رجالٍ إن تحتَ الضلوع داء دويّا

#فضعِ السيفَ وارفعِ السوطَ حتى لا تَرى فوقَ ظَهرِهَا أمويّا

فقال سليمان : قتلتني يا شيخ ودخل السفاح وأخذ سليمان فقتل ، ودخل شبل ابن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي وعنده من بني أمية نحو تسعين رجلاً على الطعام فأقبل عليه شبل فقال :

#أصبحَ الملكُ ثابت الاساسِ بالبهاليلِ من بني العباسِ

#طلبوا وتر هاشم فشفوها بعد ميل من الزمانِ وبأسِ

#لا تقيلنَّ عبد شمسٍ عثارا واقطعن كل رَقلة وغراسِ

#ذلها أظهرَ التوددَ منها وبها منكم كحرِّ المواسي

#ولقد غاظني وغاظَ سوائي قربُهم من نمارق وكراسي

#أنزلوها بحيث أنزلها الله بدار الهوان والاتعاسِ

#واذكروا مصرعَ الحسين وزيداً وقتيلاً بجانب المهراسِ

#والقتيل الذي بحرّان أضحى ثَاوياً بين غُربتن وتناسي

فأمر بهم عبد اللهّ فضربوا بالعمد حتى قتلوا وبسط عليهم الانطاع فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعاً ، وأمر عبد اللهّ بن علي بنبش قبور بني أمية بدمشق ، فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان فلم يجدوا فيه إلا خيطاً مثل الهباء ، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن ابي سفيان فوجدوا فيه حطاماً كأنه الرماد ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا جمجمته ، وكان لا يوجد في القبر إلا العضو بعد العضو غير هشام بن عبد الملك فأنه وجد صحيحاً لم يبل منه إلا ارنبة أنفه فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح ؛ وتتبع بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الاندلس فقتلهم بنهر أبي فطرس ، وكان فيمن قتل محمد بن عبد الملك بن مروان ، والغمر بن يزيد بن عبد الملك ، وعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، وسعيد بن عبد الملك ، وقيل : انه مات قبل ذلك ، وأبو عبيدة بن الوليد بن عبد الملك ، وقيل : إبراهيم بن يزيد المخلوع قتل معهم ، واستصفى كل شيء لهم من مال وغير ذلك فلما فرغ منهم قال :

#بني اميةَ قد أفنيتُ جمعَكُم فكيفَ لي منكُم بالأولِ الماضي

#يطيبُ النفسَ أن النارَ تجمعُكم عوضتم من لظاها شرَ معتاضِ

#منيتم لا أقالَ اللّهُ عثرتكم بليث غاب إلى الأعداء نهاضِ

#إن كان غيظي لفوتٍ منكم فلقد منيت منكم بما ربي به راضِ

وقيل : إن سديفاً أنشد هذا الشعر للسفاح ومعه كانت الحادثة وهو الذي قتلهم ، وقتل سليمان بن علي بن عبد اللهّ بن عباس بالبصرة أيضاً جماعة من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة وأمر بهم فجروا بأرجلهم فألقوا على الطريق فأكلهم الكلاب ، فلما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم وتشتت شملهم واختفى من قدر على الاختفاء ، وكان ممن اختفى منهم عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان بن عتبة بن أبي سفيان قال : وكنت لا آتي مكاناً إلا عرفت فيه فضاقت عليّ الأرض فقدمت على سليمان بن علي ، -وهو لا يعرفني - فقلت : لفظتني البلاد إليك ودلني فضلك عليك فإما قتلتني فاسترحت واما رددتني سالماً فأمنت فقال : ومن أنت ؟ فعرفته نفسي فقال : مرحباً بك ما حاجتك ؟ فقلت : إن الحرم اللواتي أنت أولى الناس بهن وأقربهم إليهن قد خفن لخوفنا ومن خاف خيف عليه قال : فبكى كثيراً ثم قال : يحقن الله دمك ويوفر مالك ويحفظ حرمك ثم كتب إلى السفاح يا أمير المؤمنين انه قد وفد وافد من بني أمية علينا وإنا إنما قتلناهم على عقوقهم لا على ارحامهم فإننا يجمعنا واياهم عبد مناف والرحم تبل ولا تقتل وترفع ولا توضع فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لي فليفعل وإن فعل فيجعل كتاباً عاماً إلى البلدان ، نشكر اللّه تعالى على نعمه عندنا وإحسانه إلينا فأجابه في الق ما سأل فكان هذا أول أمان بني أمية.

ذكر خلع حبيب بن مرة المري

وفي هذه السنة بيض حبيب بن مرة المري وخلع هو ، ومن معه من أهل الثنية وحوران - وكان خلعهم قبل خلع أبي الورد - فسار إليه عبدالله وقاتله دفعات ، وكان حبيب من قواد مروان وفرسانه ، وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وقومه فبايعته قيس ، وغيرهم ممن يليهم ، فلما بلغ عبداللّه خروج أبي الورد وتبييضه دعا حبيباً إلى الصلح فصالحه وأمنه ومن معه وسار نحو أبي الورد.

ذكر خلع أبي الورد وأهل دمشق

وفيها خلع أبو الورد مجزة بن الكوثر بن زفر بن الحرث الكلابي - وكان من أصحاب مروان وقواده - وكان سبب ذلك أن مروان لما انهزم قام أبو الورد بقنسرين فقدمها عبد اللّه بن علي فبايعه أبو الورد ودخل فيما دخل فيه جنده ، وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاوريِن له ببالس ، والناعورة ، فقدم بالس قائد من قواد عبد اللهّ بن علي فبعث بولد مسلمة ، ونسائهم فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد فخرج من مزرعة له يقال لها خساف فقتل ذلك القائد ومن معه وأظهر التبييض والخلع لعبد اللّه ودعا أهل قنسرين إلى ذلك فبيضوا أجمعهم - والسفاح يومئذ بالحيرة وعبد الله بن علي مشتغل بحرب حبيب بن مرهً المري بأرض البلقاء ، وحوران ، والبثنية على ما ذكرناه - فلما بلغ عبد الله تبييض أهل قنسرين وخلعهم صالح حبيب بن مرة وسار نحو قنسرين للقاء أبي الورد فمر بدمشق فخلف بها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف - وكان بدمشق لاهل عبد الله 5ِأمهات أولاده وثقله - فلما قدم حمص انتقض له أهل دمشق . وبيضوا وقاموا مع عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي فلقوا أبا غانم ومن معه فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة وانتهبوا ما كان عبد الله خلف من ثقله ولم يعرضوا لأهله واجتمعوا على الخلاف ، وسار عبد اللّه وكأن قد اجتمع مع أبي الورد جماعة من أهل قنسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص ، وتدمر فقدم منهم ألوف عليهم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية ودعوا إليه وقالوا : هذا السفياني الذي كأن يذكر- وهم في نحو من أربعين ألفاً – فعسكروا بمرج الاخرم ، ودنا منهم عبد اللّه بن علي ووجه اليهم أخاه عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف ، وكان أبو الورد هو المدبر لعسكر قنسرين وصاحب القتال فناهضهم القتال وكثر القتل في الفريقين وانكشف عبد الصمد ومن معه وقتل منهم ألوف ولحق بأخيه عبد الله فأقبل عبد الله ومعه جماعة القواد فالتقوا ثانية بمرج الأخرم فاقتتلوا قتالًا شديداً وثبت عبد الله فانهزم أصحاب أبي الورد وثبت هو في نحو من خمسمائة من قومه وأصحابه فقتلوا جميعاً ، وهرب أبو محمد ومن معه حتى لحقوا بتدمر ، وأمن عبد اللهّ أهل قنسرين وسودوا وبايعوه ودخلوا في طاعته ، ثم انصرف راجعاً إلى أهل دمشق لما كان من تبييضهم عليه فلما دنا منهم هرب الناس ولم يكن منهم قتال ، وأمن عبد اللهّ أهلها وبايعوه ولم يأخذهم بما كان منهم ، ولم يزل أبو محمد السفياني متغيباً هارباً ولحق بأرض الحجاز وبقي كذلك إلى أيام المنصور ، فبلغ زياد ابن عبد اللهّ الحارثي -عامل المنصور -مكانه فبعث إليه خيلاً فقاتلوه فقتلوه وأخذوا ابنين له أسيرين ، فبعث زياد برأس أبي محمد بن عبد اللّه السفياني وبابنيه فأطلقهما المنصور وأمنهما ، وقيل : إن حرب عبد اللّه ، وأبي الورد كانت سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ومائة .

ذكر تبييض أهل الجزيرة وخلعهم

وفي هذه السنة بيض أهل الجزيرة وخلعوا ابا العباس السفاح وساروا إلى حران وبها موسى بن كعب في ثلاثة آلاف من جند السفاح فحاصروه بها - وليس على أهل الجزيرة رم س يجمعهم - فقدم عليهم اسحاق بن مسلم العقيلي من أرمينية - وكان سار عنها حين بلغه هزيمة مروان - فاجتمع عليه أهل الجزيرة ، وحاصر موسى بن كعب نحواً من الشهرين ، ووجه أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر فيمن كان معه من الجنود بواسط محاصرين إبن هبيرة فسار بقر قيسيا ، والرفة وأهلهما قل . بيضوا وسار نحو حران فرحل إسحاق بن مسلم إلى الرهاء وذلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، وخرج موسى بن كعب من حران فلقي أبا جعفر ، ووجه اسحاق بن مسلم أخاه بكار بن مسلم إلى ربيعة

بدارا ، وماردين - ورئيس ربيعة يومئذٍ رجل من الحرورية يقال له بريكة - فعمد إليهم أبو جعفر فلقيهم فقاتلوه قتالاً شديداً وقتل برمكة في المعركة ، وانصرفي بكار إلى أخيه اسحاق بالرها فخلفه اسحاق بها وسار إلى سميساط في عظم عسكره ، وأقبل أبو جعفر إلى الرها وكان بينهم وبين بكار وقعات ، وكتب السفاح إلى عبدالله بن علي يأمره أن يسير في جنوده إلى سميساط فسار حتى نزل بإزاء اسحاق بسميساط -واسحاق في ستين ألفاً وبينهم الفرات - وأقبل أبو جعفر من الرها وحاصر اسحاق بسميساط سبعة أشهر-وكان اسحاق يقول : في عنقي بيعة فانا لا أدعها حتى أعلم ان صاحبها مات أو قتل - فأرسل إليه أبو جعفر أن مروان قد قتل فقال : حتى أتيقن فلما تيقن قتله طلب الصلح والأمان فكتبوا إلى السفاح بذلك وأمرهم أن يؤمنوه ومن معه فكتبوا بينهم كتاباً بذلك ، وخرج إسحاق إلى أبي جعفر وكان عنده من آثر صحابته ، واستقام أهل الجزيرة ، والشام ، وولى أبو العباس أخاه أبا جعفر الجزيرة ، وأرمينية ، واذربيجان فلم يزل عليها حتى استخلف ، وقد قيل : إن عبيداللّه بن علي هو الذي أمن اسحاق بن مسلم .

ذكر قتل أبي سلمة الخلال ، وسليمان بن كثير

قد ذكرنا ما كان من أبي سلمة في أمر أبي العباس السفاح ومن كان معه من بني هاشم عند قدومهم الكوفة بحيث صار عندهم متهماً وتغير السفاح عليه وهو بعسكره بحمام أعين ثم تحول عنه إلى المدينة الهاشمية فنزل قصر الامارة بها وهو متنكر لأبي سلمة، وكتب إلى أبي مسلم يعلمه رأيه فيه وما كان همً به من الغش ، وكتب إليه أبو مسلم إن كان أمير المؤمنين اطلع على ذلك منه فليقتله ، فقال داود بن علي للسفاح : لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج بها أبو مسلم عليك وأهل خراسان الذين معك أصحابه وحاله فيهم حاله ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله فكتب إليه ، فبعث أبو مسلم مرار بن أنس الضبي لقتله فقدم على السفاح فاعلمه بسبب قدومه ، فأمر السفاح مناديا فنادى : ان أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة ودعاه فكساه ، ثم دخل عليه بعد ذلك ليلة فلم يزل عنده حتى ذهب عامة الليل ثم انصرف إلى منزله وحده فعرض له مرار ابن أنس ومن معه من أعوانه فقتلوه وقالوا : قتله الخوارج ، ثم أخرج من الغد فصلى عليه يحمى بن محمد بن علي ودفن بالمدينة الهاشمية عند الكوفة ، فقال سليمان بن المهاجر البجلي :

#إن الوزير وزير آل محمد أودى فمن يشناك صار وزيرا

وكأن يقال لأبي سلمة : وزير آل محمد ولا بي مسلم أمير آل محمد( فلما قتل أبو سلمة وجه السفاح أخاه أبا جعفر إلى أبي مسلم فلما قدم على أبي مسلم سايره عبيد الله بن الحسن الأعرج ،وسليمان بن كثير ، فقال سليمان بن كثير لعبيد الله : يا هذا إنا كنا نرجو أن يتم أمركم فإذا شئتم فادعونا إلى ما تريدون ، فظن عبيد الله أنه دسيس من أبي مسلم فأتى أبا مسلم فأخبره وخاف إن لم يعلمه أن يقتله ، فأحضر ابو مسلم سليمان ابن كثير وقال له : أتحفظ قول الإِمام لي من اتهمته فاقتله ؟ قال : نعم ، قال : فإني قد اتهمتك قال : أُنشدكَ بالله قال : لا تناشدني الله فأنت منطوٍ على غش الإمام وأمر بضرب عنقه ، ورجع أبو جعفر إلى السفاح فقال : لست خليفة ولا أمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله قال : وكيف ؟ قال : والله ما يصنع إلا ما أراد ، قال أبو العباس : فاكتمها ، وقد قيل : إن أبا جعفر إنما سار إلى أبي مسلم قبل أن يقتل أبو سلمة ، وكان سبب ذلك أن السفاح لما ظهر تذاكروا ما صنع أبو سلمة فقال بعض من هناك : لعل ما صنع كان من رأي أبي مسلم فقال السفاح : لئن كان هذا عن رأيه انا لنعرضن بلاء إلا أن يدفعه الله عنا ، وأرسل أخاه أبا جعفر إلى أبي مسلم ليعلم رأيه فسار إليه وأعلمه ما كان من أبي سلمة فأرسل مرار بن أنس فقتله ذكر محاصرة ابن هبيرة بواسط قد ذكرنا ما كان من أمر يزيد بن هبيرة والجيش الذين لقوه من أهل خراسان مع قحطبة ثم مِع ابنه الحسن وانهزامه إلى واسط وتحصنه بها ، وكان لما انهزم قد وكل بالأثقال قوماَ فذهبوا بها فقال له حوثرة : أين تذهب وقد قتل صاحبهم - يعني قحطبة - أتمضيإلى الكوفة ومعك جند كثير فقاتلهم حتى تقتل أو تظفر قال : بل نأتي واسطاً فننظر قال : ما تريد على أن تمكنه من نفسك وتقتل ،وقال يحمص بن حضين انك لو تأتي مروان بشيء أحب إليه من هذه الجنود فألزم الفرات حتى تأتيه وإياك وواسطاً فتصير في حصار وليس بعد الحصر إلا القتل فأبى ، وكان يخاف مروان لأنه كان يكتب إليه بالأمر فيخالفه فخاف أن يقتله فاتى واسطاً فتحصن بها ، وسير أبو سلمة إليه الحسن بن قحطبة فحصره ، وأول وقعة كَانت بينهم يوم الأربعاء قال أهل الشام لابن هبيرة : إئذن لنا في قتالهم فأذن لهم فخرجوا وخرج ابن هبيرة وعلى ميمنته ابنه داود فالتقوا ، وعلى ميمنة الحسن خازم بن خزيمة ، فحمل خازم على ابن هبيرة فأنهزم هو ومن معه وغص الباب بالناس ورمِي أصحابه بالعرادات ، ورجع أهل الشام فكر عليهم الحسن واضطرهم إلى دجلة فغرق منهم نأس كثير فتلقوهم بالسفن وتحاجزوا ، فمكثوا سبعة أيام ثم خرجوا اليهم فاقتتلوا وانهزم أهل الشام هزيمة قبيحة فدخلوا المدينة فمكثوا ما شاء الله لا يقاتلون إلا رمياً ، وبلغ ابن هبيرة - وهو في الحصار- أن أبا أمية التغلبي قد سود فأخذه وحبسه ، فتكلم ناس من ربيعة في ذلك ومعن بن زائدة الشيباني وأخذوا ثلاثة نفر من فزارة - رهط ابن هبيرة - فحبسوهم وشتموا ابن هبيرة وقالوا : لا نترك ما في أيدينا حتى يترك ابن هبيرة صاحبنا، وأبى ابن هبيرة أن يطلقه فاعتزل معن ، وعبد الرحمن بن بشير العجلي فيمن معهما فقيل لابن هبيرة : هؤلاء فرسانك قد أفسدتهم وان تماديت في ذلك كانوا أشد عليك ممن حصرك فدعا أبا أمية فكساه وخلى سبيله فاصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه ، وقدم أبو نصر مالك بن الهيثم من ناحية سجستان إلى الحسن فأوفد الحسن وفداً إلى السفاح بقدوم أبي نصر عليه وجعل على الوفد غيلان بن عبد الله الخزاعي ، وكان غيلان واجداً على الحسن لأنه سرحه إلى روح بن حاتم مدداً له فلما قدم على السفاح وقال : أشهد أنك أمير المؤمنين وأنك حبل الله المتين وأنك إمام المتقين قال : حاجتك يا غيلان قال : استغفرك قال : غفر الله لك قال غيلان : يا أمير المؤمنين من علينا برجل مُنَّ أهل بيتك قال : أو ليس عليكم رجل من أهل بيتي الحسن ابن قحطبة؟ قال : يا أمير المؤمنين مُنَّ علينا برجل من أهل بيتك ننظر إلى وجهه وتقر عيننا به فبعث أخاه أبا جعفر لقتال ابن هبيرة عند رجوعه من خراسان ، وكتب إلى الحسن ان العسكر عسكرك والقواد قوادك ولكن أحببت أن يكون أخي حاضراً فاسمع له وأطع وأحسن مؤازرته ، وكتب إلى مالك بن الهيثم بمثل ذلك – وكان الحسن هو المدبر لأمر ذلك العسكر- فلما قدم أبو جعفر المنصور على الحسن تحول الحسن عن خيمته وأنزله فيها ، وجعل الحسن على حرس المنصور عثمان بن نهيك ، وقاتلهم  مالك بن الهيثم يوماً فانهزم أهل الشام إلى خنادقهم وقد كمن لهم معن ، وأبو يحيى الجذامي فلما جازهم أصحاب مالك خرجوا عليهم فقاتلهم حتى جاء الليل - وابن هبيرة على برج الخلالين - فاقتتلوا ما شاء الله من الليل وسرح ابن هبيرة إلى معن يأمره بالانصراف فانصرف فمكثوا أياماً .

وخرج أهل واسط أيضاً مع معن ، ومحمد بن نباتة فقاتلهم أصحاب الحسن فهزموهم إلى دجلة حتى تساقطوا فيها ورجعوا وقد قتل ولد مالك بن الهيثم فلما رآه أبوه قتيلاً قال : لعن اللّه الحياة بعدك ثم حملوا على أهل واسط فقاتلوهم حتى أدخلوهم المدينة ، وكان مالك يملأ السفن حطباً ثم يضرمها ناراً لتحرق ما مرت به فكان ابن هبيرة يجر تلك السفن بكلاليب ، فمكثوا كذلك أحد عشر شهراً فلما طال عليهم الحصار طلبوا الصلح ولم يطلبوا حتى جاءهم خبر قتل مروان أتاهم به إسماعيل بن عبد اللّه القسري ، وقال لهم : علام تقتلون أنفسكم وقد قتل مروان ؟ وتجنى أصحاب ابن هبيرة عليه فقالت اليمانية : لا نعين مروان وآثاره فينا آثاره ، وقالت النزارية : لا نقاتل حتى تقاتل معنا اليمانية – وكان يقاتل معه صعاليك الناس وفتيانهم ، وهمَّ ابن هبيرة بأن يدعو إلى محمد بن عبداللّه بن الحسن بن علي فكتب إليه فأبطا جوابه ، وكاتب السفاح اليمانية من أصحاب ابن هبيرة واطمعهم فخرج إليه زياد بن صالح ، وزياد بن عبيد الله الحارثيان ووعدا ابن هبيرة أن يصلحا له ناحية ابن العباس فلمِ يفعلا ، وجرت السفراء بين أبي جعفر ، وابن هبيرة حتى جعل له أماناً وكتب به كتاباَ مكث ابن هبيرة يشاور فيه العلماء أربعين يوماً حتى رضيه فأنفذه إلى أبي جعفر فأنفذه أبو جعفر إلى أخيه السفاح فأمره بامضائه ، وكان رأي أبى جعفر الوفاء له بما اعطاه ، وكان السفاح لا يقطع أمراً دون أبي مسلم وكان ابو الجهم عيناً لابي مسلم على السفاح ، فكتب السفاح إلى أبي مسلم يخبره أمر ابن هبيرة فكتب ابو مسلم إليه أن الطريق السهل إذا القيت فيه الحجارة فَسُدَ لا واللّه لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة ، ولما تم الكتاب خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلاثمائة من البخارية وأراد أن يدخل الحجرة على دابته فقام إليه الحاجب سلام بن سليم فقال : مرحبا بك أبا خالد انزل راشداً - وقد أطاف بحجرة المنصور عشرة آلاف من أهل خراسان - فنزل ودعا له بوسادة ليجلس عليها وأدخل القواد ثم أذن لابن هبيرة وحده فدخل وحادثه ساعة ثم قام ثم مكث يأتيه يوماً ويتركه يوماً فكان يأتيه في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل فقيل لابي جعفر : إن ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر وما نقص من سلطانه شيء فأمره أبو جعفر أن لا يأتي إلا في حاشيته فكان يأتي في ثلاثين ثم صار يأتي في ثلاثة أو أربعة ، وكلم ابن هبيرة المنصور يوماً فقال له ابن هبيرة : يا هناه أويا أيها المرء ثم رجع فقال : أيها الأمير إن عهدي بكلام الناس بمثل ما خاطبتك به لقريب فسبقني لساني إلى ما لم ارده ، فألح السفاح على ابي جعفر يأمره بقتل ابن هبيرة وهو يراجعه حتى كتب إليه والهّ لتقتلنه أو لأرسلن إليه من يخرجه من حجرتك ثم أتولى قتله فعزم على قتله .

فبعث خازم بن خزيمة ، والهيثم بن شعبة بن ظهير وأمرهما بختم بيوت الأموال ثم بعث إلى وجوه من مع ابن هبيرة من القيسية ، والمضرية فأحضرهم ، فاقبل محمد ابن نباتة، وحوثرة بن سهيل في اثنين وعشرين رجلَا، فخرج سلام بن سليم فقال : أين ابن نباتة وحوثرة ؟ فدخلا وقد أجلس ابو جعفر عثمان بن نهيك وغيره في مائة في حجرة دون حجرته فنزعت سيوفهما وكُتفا واستدعى رجلين رجلين يفعل بهما مثل ذلك فقال بعضهم : اعطيتمونا عهد اللّه ثم غدرتم بنا إنا لنرجو أن يدرككم اللّه وجعل ابن نباتة يضرط في لحية نفسه وقال : كأني كنت انظر إلى هذا .

وانطلق خازم ، والهيثم بن شعبة في نحو من مائة إلى ابن هبيرة فقالوا : نريد حمل المال فقال لحاجبه دلهم على الخزائن فأقاموا عند كل بيت نفراً وأقبلوا نحوه وعنده ابنه داود وعدة من مواليه وبُنيّ له صغير في حجره ، فلما أقبلوا نحوه قام حاجبه في وجوههم فضربه الهيثم بن شعبة على حبل عاتقه فصرعه وقاتل ابنه داود وأقبل هو اليه ونحى ابنه من حجره فقال : دونكم هذا الصبي وخر ساجداً فقتل وحملت رؤوسهم إلى أبي جعفر، ونادى بالأمان للناس إلا الحكم بن عبد الملك بن بشر ، وخالد بن سلمة المخزومي ، وعمر بن ذر ، فاستأمن زياد بن عبيد الله لابن ذر فأمنه ، وهرب الحكم وأمن أبو جعفر خالداً فقتله السفاح ولم يجز أمان أبي جعفر ، فقال أبو العطاء السندي يرثي ابن هبيرة:

# ألا إن عينا لم تَجُدْ يومَ واسطٍ عليك بخارىدمعها لَجَمودُ.

#عشية قام النائحاتُ وصفقتْ أكفّ  بأيْدي مأتمٍ وخُدودُ

#فإن تنسَ  مهجورَ الفناءِ فربما أقامَ به بعد الوفودِ وفودُ

# فإنك لم تبعدْ على متعهد بلى كل مَن تحت التراب بعيدُ

ذكر قتل عمال أبي سلمة بفارس

وفي هذه السنة وجه أبو مسلم الخراسانىِ محمد بن الأشعث على فارس وأمره أن يقتل عمال أبي سلمة ففعل ذلك ، فوجه السفاح عمه عيسى بن علي إلى فارس -وعليها محمد بن الأشعث -فأراد محمد قتل عيسى فقيل له : ان هذا لا يسوغ لك فقال : بلى أمرني أبو مسلم أن لا يقدم أحد علي يدَّعي الولاية من غيره إلا ضربت عنقه ثمٍ ترك عيسى خوفاً من عاقبة قتله ، واستحلف عيسى بالايمان المحرجة أن لا يعلو منبرا ولا يتقلد سيفاً إلا في جهاد فلم يتول عيسى بعد ذلك ولاية ولم يتقلد سيفاً إلا في غزو ، ثم وجه السفاح بعد ذلك اسماعيل بن علي والياً على فارس .  ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏