المجلد الخامس - ذكر ولاية يحيى بن محمد الموصل وما قيل فيها

وفي هذه السنة استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل عوض محمد ابن صول ، وكان سبب ذلك أن أهل الموصل امتنعوا من طاعة محمد بن صول وقالوا : يلي علينا مولى الخثعم وأخرجوه عنهم فكتب إلى السفاح بذلك ، واستعمل عليهم أخاه يحيى بن محمد وسيره إليها في اثني عشر ألف رجل فنزل قصر الإمارة مجانب مسجد الجامع ولم يظهر لاهل الموصل شيئاً ينكرونه ولم يعترضهم فيما يفعلونه ، ثم دعاهم فقتل منهم اثني عشر رجلاً فنفر أهل البلد وحملوا السلاح فأعطاهم الأمان وأمر فنودي من دخل الجامع فهو آمن ، فأتاه الناس يهرعون إليه فأقام يحيى الرجال على أبواب الجامع فقتلوا الناس قتلاً ذريعاً اسرفوا فيه فقيل : انه قتل فيه أحد عشر ألفاً ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلقاً كثيراً فلما كان الليل سمع يحيى صراخ النساء اللاتي قتل رجالهن فسال عن ذلك الصوت فاخبر به فقال : اذا كان الغد فاقتلوا النساء ، والصبيان ففعلوا ذلك وقتل منهم ثلاثة أيام ، وكان في عسكره قائد معه أربعة آلاف زنجي فاخذوا النساء قهراً ، فلما فرغ يحيى من قتل أهل الموصل في اليوم الثالث ركب اليوم الرابع - وبين يديه الحراب والسيوف المسلولة - فاعترضته امرأة وأخذت بعنان دابته فأراد أصحابه قتلهما فنهاهم عن ذلك فقالت له : ألست من بني هاشم ؟ ألست ابن عم رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم ؟ أما تأنف للعربيات المسلمات أن ينكحن الزنج فأمسك عن جوابها وسيَّر معها من يبلغها مأمنها- وقد عمل كلامها فيه - فلما كان الغد جمع الزنج للعطاء فاجتمعوا فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم ، وقيل : كان السبب في قتل أهل الموصل ما ظهر منهم من محبة بني أمية وكراهة بني العباس ، وإن امرأة غسلت رأسها وألقت الخطمي من السطح فوقع على رأس بعض الخراسانية فظنها فعلت ذلك تعمداً فهجم الدار وقتل أهلها فثار أهل البلد وقتلوه وثارت الفتنة، وفيمن قتل معروف بن أبي معروف وكان زاهداً عابداً وقد أدرك كثيراً من الصحابة وروى عنهم .

ذكر عدة حوادث

وفيها وجه السفاح أخاه المنصور والياً على الجزيرة ، واذربيجان وارمينية .

وفيها عزل عمه داود بن علي عن الكوفة وسوادها وولاه المدينة ، ومكة ، واليمن ، واليمامة وولى موضعه من عمل الكوفة ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد ، فاستقض عيسى على الكوفة ابن ابي ليلى ، وكان العامل على البصرة هذه السنة سفيان بن معاوية المهلبي ، وعلى قضائها الحجاج بن ارطاة ، وعلى السند منصور بن جمهور ، وعلى فارس محمد بن الاشعث ، وعلى الجزيرة ، وارمينية ، واذربيجان ابو جعفر بن محمد بن علي ، وعلى الموصل يحس بن محمد بن علي ، وعلى الشام عبد الله بن علي ، وعلى مصر أبو عون عبد الملك بن يزيد ، وعلى خراسان ، والجبال أبو مسلم ، وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك .

وحج بالناس هذه السنة داود بن علي .

وفيها مات عبد الله بن أبي نجيح ، واسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري.


وفيها قتل يحمص بن معاوية بن هشام بن عبد الملك مع مروان بن محمد بالزاب ، ويحمص أخو عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس .

وفيها قتل يونس بن مغيرة بن حلين بدمشق لما دخلها عبد الله بن علي وكان عمره عشرين ومائة سنة قتله رجلان من خراسان ولم يعرفاه فلما عرفاه بكيا عليه ، وقيل : بل عضته دابة من دوابه فقتلته - وكان ضريراً .

وفيها مات صفوان بن سليم مولى حميد بن عبد الرحمن ، وفيها توفي محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بالمدينة وكان قاضيها .

وفيها مات همام بن منبه ، وعبد الله بن عوف ، وسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري ، وخُبَيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يسار الأنصاري ! وهو خال عبيد الله بن عمر العمري -(خبيب ) بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة ، وعمارة بن أبي حفصة - واسم أبي حفصة ثابت مولى العتيك بن الأزد وهو والد حَرَمي كنيته أبو روح ( حرمي ) بفتح الحاء والراء المهملتين .

وفيها توفي عبد الله بن طاوس بن كيسان الهمداني من عباد أهل اليمن وفقهائهم .

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائة

ذكر ملك الروم ملطية

وني هذه السنة أقبل قسطنطين ملك الروم إلى ملطية ، وكمخ فنازل كمخ فأرسل أهلها إلى أهل ملطية يستنجدونهم فسار إليهم منها ثمانمائة مقاتل فقاتلهم الروم فانهزم المسلمون ونازل الروم ملطية وحصروها - والجزيرة يومئذ مفتونة بما ذكرناه وعاملها موسى بن كعب بحران - فارسل قسطنطين إلى أهل ملطية إني لم أحصركم إلا على علم من المسلمين واختلافهم فلكم الأمان وتعودون إلى بلاد المسلمين حتى احترث ملطية فلم يجيبوه إلى ذلك ، فنصب المجانيق فاذعنوا وسلموا البلد على الأمان وانتقلوا إلى بلاد الإسلام ، وحملوا ما أمكنهم حمله وما لم يقدروا على حمله القوه في الآبار والمجاري فلما ساروا عنها أخبر بها الروم ورحلوا عنها عائدين وتفرق أهلها في بلاد الجزيرة ، وسار ملك الروم إلى قاليقلا فنزل مرج الخصى وأرسل كوشان الأرمني فحصرها فنقب اخوان من الأرمن من أهل المدينة ردماً كان في سورها فدخل كوشان ومن معه المدينة وغلبوا عليها وقتلوا رجالها وسبوا النساء وساق القائم الى ملك الروم .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة وجه السفاح عمه سليمان والياً على البصرة وأعمالها ، وكور دجلة ، والبحرين ، وعمان ، ومهرجانقذق ، واستعمل عمه اسماعيل بن علي على الاهواز .

وفيِها قتل داود بن علي من ظفر به من بني أمية بمكة ، والمدينة، ولما أراد قتلهم قال له عبد اللّه بن الحسن بن الحسن : يا أخي إذا قتلت هؤلاء فمن تباهي بملكه ؟ أما يكفيك أن يرك غادياً ورائحاً فيما يذلهم ويسوءهم فلم يقبل منه وقتلهم .

وفيها مات داود بن علي بالمدينة قي شهر ربيع الأول واستخلف حين حضرته الوفاة ابنه موسى ، ولما بلغت السفاح وفاته استعمل على مكة ، والمدينة ، والطائف ، واليمامة خاله يزيد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي ، ووجه محمد بن يزيد بن عبيد الله بن عبد المدان على اليمن ، فلما قدم زياد المدينة وجه ابراهيم بن حسان السلمي – وهو أبو حماد الابرص بن المثنى - إلى يزيد بن عمر بن هبيرة وهو باليمامة فقتله وقتل أصحابه .

وفيها توجه محمد بن الأشعث إلى أفريقية فقاتل أهلها قتالاً شديداً حتى فتحها .

وفيها خرج شريك بن شيخ المهري ببخارى على أبي مسلم ونقم عليه وقال : ما على هذا اتبعنا آل محمد ان تسفك الدماء وان يعمل بغير الحق وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفاً ، فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله وقتله زياد .

وفيها توجه أبو داود خالد بن ابراهيم إلى الختل فدخلها ولم يمتنع عليه حبيش بن الشبل ملكها بل تحصن منه هو وأناس من الدهاقين ، فلما ألح عليه ابو داود خرج من الحصن هو ومن معه من دهاقينه وشاكريته حتى انتهوا إلى أرض فرغانة ثم دخلوا بلد الترك وانتهوا إلى ملك الصين واخذ ابو داود من ظفر به منهم فبعث بهم إلى أبي مسلم . وفيها قتل عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بالموصل قتله سليمان الذي يقال له الأسود بأمان كتبه له ، وفيها وجه صالح بن علي سعيد بن عبد اللّه ليغزو الصائفة وراء الدروب ، وفيها عزل يحمى بن محمد عن الموصل واستعمل مكانه إسماعيل بن علي ، وإنما عزل يحيى لقتله أهل الموصل وسوء أثره فيهم ، وحج بالناس هذه السنة زياد بن عبيد اللّه الحارثي ، وكان العمال من ذكرنا إلا الحجاز، واليمن ، والموصل فقد ذكرنا من استعمل عليها؛ وفيها تخالف اخشيد فرغانة وملك الشاش فاستمد اخشيد ملك الصين فأمده بمائة الف مقاتل فحصروا ملك الشاش فنزل على حكم ملك الصين فلم يتعرض له ولأصحابه بما يسوءهم ، وبلغ الخبر أبا مسلم فوجه إلى حربهم زياد بن صالح فالتقوا على نهر طراز فظفر بهم المسلمون وقتلوا منهم زهاء خمسين ألفاً وأسروا نحو عشرين ، ألفاً وهرب الباقون إلى الصين ، وكانت الوقعة في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ، وفيها توفي مروان بن أبي سعيد ، وابن المعلى الزرقي الأنصاري ، وعلي بن بَذِيمة مولى جابر بن سمرة السرائي (بذيمة ) بفتح الباء الموحدة وكسر الذال المعجمة .

ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائة

ذكر خلع بسام بن ابراهيم

وفي هذه السنة خلع بسام بن ابراهيم بن بسام - وكان من أهل خراسان وسار من عسكر السفاح هو وجماعة على رأيه سراً الى المدائن ، فوجه إليهم السفاح خازم بن خزيمة فاقتتلوا فانهزم بسام وأصحابه وقتل أكثرهم وقتل كل من لحقه منهزماً ، ثم انصرف فمر بذات المطامير وبها أخوال السفاح من بني عبد المدان وهم خمسة.وثلاثون رجلًا ومن غيرهم ثمانية عشر رجلًا ومن مواليهم سبعة عشر فلم يسلم عليهم فلما جازهم شتموه وكان في قلبه عليهم لما بلغه من حال المغيرة من الفزع (1) وانه لجأ إليهم وكان من أصحاب بسام -فرجع إليهم وسألهم عن المغيرة فقالوا : مر بنا رجل مجتاز لا نعرفه فأقام في قريتنا ليلة ثم خرج عنا فقال لهم : أنتم أخوال أمير المؤمنين يأتيكم عدوه ويا من في قريتكم فهلا اجتمعتم فأخذتموه فاغلظوا له في الجواب فأمر بهم فضربت أعناقهم جميعاً ،هدم دورهم ونهب أموالهم ثم انصرف ، فبلغ ذلك اليمانية فاجتمعوا ودخل زياد بن عبيد الله الحارثي معهم على السفاح فقالوا له : ان خازماً اجترأ عليك واستخف بحقك وقتل أخوالك الذين قطعوا البلاد وأتوك معتزين بك طالبين معروفك حتى صاروا في جوارك قتلهم خازم وهدم دورهم ونهب أموالهم بلا حدث أحدثوه فهمَّ بقتل خازم ، فبلغ ذلك موسى بن كعب ، وأبا الجهم بن عطية فدخلا على السفاح وقالا : يا أمير المؤمنين بلغنا ما كان من هؤلاء وانك هممت بقتل خازم ، لانّا نعيذك باللّه من ذلك فأن له طاعة وسابقة وهو يحتمل له ما صنع فان شيعتكم من أهل خراسان قد آثروكم على الأقارب والأولاد والآباء والاخوان وقتلوا من خالفكم وأنت أحق من تغمد إساءة مسيئهم فان كنت لا بد مجمعاً على قتله فلا تتول ذلك بنفسك وابعثه لأمر إن قتل فيه كنت قد بلغت الذي تريد وإن ظفر كان ظفره لك ، وأشاروا عليه بتوجيهه إلى من بعمان من الخوارج والى الخوارج الذين بجزيرة بركاوان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكري ، فأمر السفاح بتوجيهه مع سبعمائة رجل وكتب إلى سليمان بن علي وهو على البصرة بحملهم إلى جزيرة بركاوان  وعمان فسار خازم .

ذكر أمر الخوارج وقتل شيبان بن عبد العزيز

فلما سار خازم إلى البصرة في الجند الذين معه وكان قد انتخب من أهله وعشيرته ومواليه ومن أهل مرو الروذ من يثق به ، فلما وصل البصرة حملهم سليمان في السفن وانضم إليه بالبصرة أيضاً عدة بني تميم فساروا في البحر حتى أرسوا بجزيرة بركاوان ،فوجه خازم فضلة بن نعيم  النهشلي في خمسمائة إلى شيبان فالتقوا فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فركب شيبان وأصحابه السفن وساروا إلى عمان - وهم صفرية ، فلما صاروا إلى عمان قاتلهم الجلندي وأصحابه -وهم أباضية -واشتد القتال منهم فقتل شيبان ومن معه ، وقد تقدم سنة سَمع وعشرين ومائة قتل شيبان على هذا السياق ، ثم سار خازم في البحر بمن معه حتى أرسوا إلى سأحل عمان فخرجوا إلى الصحراء فلقيهم الجلندي وأصحابه واقتتلوا قتالاً شديداً وكثر القتل يومئذ في أصحاب خازم وقتل منهم أخ له من أمه في تسعين رجلاً ، ثم اقتتلوا من الغد قتالًا شديداً فقتل يومئذ من الخوارج تسعمائة وأحرق منهم نحو من تسعين رجلًا ، ثم التقوا بعد سبعة أيام من مقدم خازم على رأي ،ير، أشار به بعض أصحاب خازم ، أشار عليه أن يأمر أصحابه فيجعلوا على أطراف أسنتهم المشاقة ويرووها بالنفط ويشعلوا فيها النيران ثم يمشوا بها حتى يضرموها فيِ بيوت أصحاب الجلندي وكانت من خشب ، فلما فعل ذلك وأضرمت بيوتهم بالنيِران اشتغلوا بها وبمن فيها من أولادهم ، وأهاليهم فحمل عليهم خازم ، وأصحابه فوضعوا فيهم السيف فقتلوهم وقتلوا الجلندي فيمن قتل ، وبلغ عدة القتلى عشرة آلاف وبعث برؤوسهم الى البصرة فأرسلها سليمان إلى السفاح ،وأقام خازم لعد ذلك أشهراً حتى استقدمه السفاح فقدم .

ذكر غزوة كش

وفي هذه السنة غزا أبو داود خالد بن ابراهيم أهل كش فقتل الاخريد ملكها وهو " سامع مطيع وقتل أصحابه ، وأخذ منهم من الأواني الصينية المنقوشة المذهبة ما لم ير ، مثلها ، ومن السروج ، ومتاع الصين كله من الديباج ، والطرف شيئاً كثيراً فحمله إلى أبي مسلم وهو بسمرقند ، وقتل عدة من دهاقينهم ، واستحيا طاران أخا الاخريد وملكه على كش ، وانصرف أبو مسلم الى مرو بعد أن قتل في أهل الصغد ، وبخارى وأمر ببناء سور سمرقند ؛ واستخلف زياد بن صليح عليها وعلى بخارى ورجع أبو داود إلى بلخ .
ذكر حال منصور بن جمهور
وفي هذه السنة وجه السفاح موسى بن كعب الى السند لقتال منصور بن جمهور ، فسار واستخلف مكانه على شرط السفاح المسيب بن زهير ، وقدم موسى السند فلقي منصوراً في اثني عشر ألفاً فانهزم منصور ومن معه ومضى فمات عطشاً في الرمال ، وقد قيل : أصابه بطنه فمات ، وسمع خليفته على السند بهزيمته فرحل بعيال منصور وثقله فدخل بهم بلاد الخزر.

ذكر عدة حوادث

وفيها توفي محمد بن يزيد بن عبد الله وهو على اليمن فاستعمل السفاح مكانه علي بن الربيع بن عبيد الله ، وفيها تحول السفاح من الحيرة إلى الأنبار في ذي الحجة .

وفيها ضرب المنار من الكوفة إلى مكة والاميال .

وحج بالناس هذه السنة عيسى بن موسى وهو على الكوفة ، وكان على قضاء الكوفة ابن أبي ليلى ، وعلى المدينة ، ومكة ، والطائف ، واليمامة زياد بن عبيد الله ، وعلى اليمن علي بن الربيع الحارثي ، وعلى البصرة وأعمالها ، وكور دجلة ، وعمان سليمان بن علي ، وعلى قضائها عباد بن منصور ، وعلى السند موسى بن كعب ، وعلى خراسان ، والجبال أبو مسلم ، وعلى فلسطين صالح بن علي ، وعلى مصر أبو عون ، وعلى الموصل إسماعيل بن علي ، وعلى أرمينية يزيد بن أسيد ، وعلى لم أذربيجان محمد بن صول ، وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك ، وعلى الجزيرة أبو - جعفر المنصور ، وكان عامله على اذربيِجان ، وارمينية من ذكرنا ، وعلى الشام عبد الله ابن علي .
وفيها توفي محمد بن اسماعيِل بن سعد بن أبي وقاص ، وسعد بن عمر بن سليم الزرقي .

ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائة

ذكر خروج زياد بن صالح

وفي هذه السنة خرج زياد بن صالح وراء النهر فسار أبو مسلم من مرو مستعداً للقائه ، وبعث أبو داود خالد بن ابراهيم نصر بن راشد إلى ترمذ مخافة أن يبعث زياد بن صالح إلى الحصن والسفن فيأخذها ، ففعل ذلك نصر وأقام بها فخرج عليه ناس من الطالقان مع رجل يكنى أبا اسحاق فقتلوا نصراً ، فلما بلغ ذلك أبا داود بعث عيسى بن ماهان في تتبع قتلة نصر فتبعهم فقتلهم ، ومضى أبو مسلم مسرعاً حتى انتهى إلى آمل : ومعه سباع بن النعمان الأزدي - وهو الذي كان قد أرسله السفاح إلى زياد بن صالح وأمره إن رأى فرصة أن يثب على أبي بسلم فيقتله – فأخبر أبو مسلم بذلك فحبس سباعاً بآمل ، وعبر أبو مسلم إلى بخارى فلما نزلها أتاه عدة من قواد زياد قد خلعوا زياداً فأخبروا أبا مسلم أن سباع بن النعمان هو الذي أفسد زياداً فكتب إلى عامله بآمل أن يقتله ، ولما أسلم زياداً قواده ولحقوا بأبي مسلم لجأ إلى دهقان هناك فقتله وحمل رأسه إلى أبي مسلم ، وتأخر أبو داود عن أبي مسلم لحال أهل الطالقان فكتب إليه أبو مسلم يخبره بقتل زياد فأتى كش وأرسل عيسى بن ماهان إلى بسام وبعث جنداً إلى شاغر فطلبوا الصلح فأجيبوا إلى ذلك ، وأما بسام فلم يصل عيسى إلى شيء منه .

وكتب عيسى إلى كامل بن مظفر صاحب أبي مسلم يعتب أبي داود وينسبه إلى العصبية ، فبعث أبو مسلم بالكتب إلى أبي داود وكتب إليه أن هذه كتب العلج الذي صيرته عدل نفسك فشأنك به ، فكتب أبو داود إلى عيسى يستدعيه فلما حضر عنده حبسه وضربه ثم أخرجه فوثب عليه الجند فقتلوه ورجع أبو مسلم الى مرو .

ذكر غزو جزيرة صقلية

وفي هذه السنة غزا عبد الله بن حبيب جزيرة صقلية وغنم بها وسبى وظفر بها ما لم يظفره أحد قبله بعد أن غزا تلمسان ، واشتغل ولاة افريقية بالفتنة مع البربر فأمن الصقلية وعمرها الروم من جميع الجهات وعمروا فيها الحصون والمعاقل وصاروا يخرجون كل عام مراكب تطوف بالجزيرة وتذب عنها وربما طارقوا تجاراً من المسلمين فيأخذونهم .

ذكر عدة حوادث

حج بالناس هذه السنة سليمان بن علي وهو على البصرة وأعمالها ، وكان العمال من تقدم ذكرهم ، وفيها مات أبو خازم الاعرج ، وقيل : سنة اربعين ، وقيل : سنة أربع وأربعين ، وفيها مات عطاء بن عبد الله مولى المطلب ، وقيل : مولى المهلب ، وقبل : هو عطاء بن ميسرة ويكنى أبا عثمان الخراساني ، وقيل: سنة أربع وثلاثين ، وفيها مات يحص بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بفارس وكان أميراً عليها وكأن فبل ذلك أميراً على الموصل ، وفيها توفي ثور بن زيد الدؤلي وكان ثقة ، وزياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان من الابطال ( عياش ) بالياء المثناة من تحت وبالشين المعجمة .

ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائة

ذكر حج أبي جعفر، وأبي مسلم

وفي هذه السنة كتب أبو مسلم إلى السفاح يستأذنه في القدوم عليه والحج وأن مذ ملك خراسان لم يفارقها إلى هذه السنة ؛ فكتب إليه السفاح يأمره بالقدوم عليه في خمسمائة من الجند ، فكتب أبو مسلم إليه إني قد وترت الناس ولست آمن على نفسي ، فكتب إليه أن أقبل في ألف فإنما أنت في سلطان أهلك ودولتك وطريق مكة لا يتحمل العسكر فسار في ثمانية آلاف فرقهم فيما بين نيسابور ، والري وقدم بالاموال ، والخزائن فخلفها بالري وجمع أيضاً أموال الجبل وقدم في ألف ، فأمر السفاح القواد وسائر الناس أن يتلقوه فدخل أبو مسلم على السفاح فأكرمه وأعظمه ، ثم استأذن السفاح في الحج فأذن له وقال : لولا أن أبا جعفر- يعني أخاه المنصور- يريد الحجٍ لاستعملتك على الموسم وأنزله قريباً منه ، وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم متباعدا لان السفاح كان بعث أبا جعفر إلى خراسان بعدما صفت الأمور له ومعه عهد أبي مسلم بخراسان وبالبيعة للسفاح ، وابني جعفر المنصور من بعده فبايع لهما أبو مسلم ، وأهل خراسان – وكان أبو مسلم قد استخف بأبي جعفر- في مقدمة ذلك فلما رجع أخبر السفاح ما كان من أمر أبي مسلم ، فلما قدم أبو مسلم هذه المرة قال أبو جعفر للسفاح : أطعني واقتل أبا مسلم فوالله إن في رأسه لغدرة فقال : يا أخي قد عرفت بلاءه وما كان منه ؛ فقال أبو جعفر : إنما كانِ بدولتنا والله لو بعثت سنوراً لقام مقامه وبلغ ما بلغ فقال : كيف نقتله ؟ قال : إذا دخل عليك وجادثته ضربته أناس خلفه ضربة ، قتلته بها ، قال : فكيف بأصحابه ؟ قال : أبو جعفر لو قتل لتفرقوا وذلوا فأمره بقتله ، وخرج أبو جعفر، ثم قدم السفاح على ذلك فأمر أبا جعفر بالكف عنه ، وكان أبو جعفر قبل ذلك بحران وسار منها إلى الأنبار- بها السَفاح - واستخلف على حران مقاتل بن حكيم
العكي ، وحج أبو جعفر ، وأبو مسلم وكان أبو جعفر على الموسم ، وفيها مات زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب .

ذكر موت السفاح

في هذه السنة مات السفاح بالأنبار لثلاث عشرة مضت من ذي الحجة ، وقيل : لاثنتي عشرة مضت منه بالجدري ، وكان له يوم مات ثلاث وثلاثون سنة ، وقيل : ست وثلاثون ، وقيل : ثمان وعشرون سنة ، وكانت ولايته من لدن قتل مروان إلى أن توفي أربع سنين ، ومن لدن بويع له بالخلافة إلى أن مات أربع سنين وثمانية أشهر ، وقيل : وتسعة أشهر منها ثمانية أشهر يقاتل مروان ، وكان جعدا طويلاً أبيض أقنى الأنف حسن الوجه واللحية وأمه ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي ، وكان وزيره أبا الجهم بن عطية ، وصلى عليه عمه عيسى بن علي ودفنه بالأنبار العتيقة في قصره وخلف تسع جباب وأربعة أقمصة، وخمسة سراويلات ، وأربعة طيالسة ، وثلاثة مطارف خز؛ قال ابن النقاح بيتين من الشعر ووجه برجل إلى عسكر مروان ليقدم على الخيل ليلاً فصبح فيها وشمس في الناس ولا يوجد وهما :

# يا آلَ مروانَ إن الله مهلِككمٍ ومبدلٌ بِكم خوفاً وتشريداً

# لا عَمَّرَ الله من إنشائكم أحدا وبثكم في بلاد الخوف تطريداً

قال : فعلت ذلك فدخلت قلوبهم مخافة ، قال جعفر بن يحيى : نظر السفاح يوماً في المرآة وكأن أجمل الناس وجهاً فقال : اللهم إني لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك : أنا الملك الشاب ولكني أقول : اللهم عمرني طويلاً في طاعتك ممتعاً في بالعافية فما استتم كلامه حتى سمع غلاماً يقول لغلام آخر : الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام فتطيَّر من كلامه وقال : حسبي الله ولا قوة إلا بالله عليك توكلت وبك أستعين فما مضت الايام حف أخذته الحمى واتصل مرضه فمات بعد شهرين وخمسة أيام .

ذكر خلافة المنصور

وفي هذه السنة عقد السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لأخيه أبي جعفر عبد الله بن محمد بالخلافة ، من بعده وجعله ولي عهد المسلمين ومن بعد أبي جعفر ولد أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، وجعل العهد في ثوب وختمه بخاتمه وخواتيم أهل بيته ودفعه إلى عيسى بن موسى ، فلما توفي السفاح كان أبو جعفر بمكة فأخذ البيعة لأبي جعفر عيسى بن موسى وكتب إليه يعلمه وفاة السفاح والبيعة له ، فلقيه الرسول بمنزل صفية فقال : صفت لنا إن شاء الله ، وكتب إلى أبي مسلم يستدعيه - وكان أبو جعفر قد تقدم - فأقبل أبو مسلم إليه ، فلما جلس وألقى إليه كتابه قرأه وبكى واسترجع ونظر إلى أبي جعفر وقد جزع جزعاً شديداً فقال : ما هذا الجزع وقد أتتك الخلافة ؟ قال أتخوف شر عمي عبد الله بن علي ، وشيعة علي قال : لا تخفه فأنا أكفيكه إن شاء الله إنما عامة جنده ومن معه أهل خراسان وهم لا يعصونني فسرى عنه وبايع له أبو مسلم ، والناس وأقبلا حتى قدما الكوفة .

وقيل : إن أبا مسلم هو الذي كان تقدم على أبي جعفر فعرف الخبر قبله فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم عافاك الله ومتع بك إنه أتاني أمر قطعني  وبلغ مني مبلغاً لم يبلغه مني شيء قط وفاة أمير المؤمنين فنسأل الله أن يعظم أجرك ويحسن الخلافة عليك ويبارك لك فيما أنت فيه إنه ليس من أهلك أحد أشد تعظيماً لحقك وأصفى نصيحة لك وحرصا على ما يسرك مني؛ ثم مكث يومين وكتب إلى أبي جعفر ببيعته وإنما أراد ترهيب أبي جعفر، وقال : ورد أبو جعفر زياد بن عبيد الله إلى مكة وكان عاملًا عليها وعلى المدينة للسفاح ؛ وقيل : كان قد عزله قبل موته عن مكة وولاها العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس .

ولما بايع عيسى بن موسى الناس لأبي جعفر أرسل إلى عبد الله بن علي بالشام يخبره بوفاة السفاح وبيعة المنصور ويأمره بأخذ البيعة للمنصور ، وكان قد قدم قبل ذلك على السفاح فجعله على الصائفة وسير معه أهل الشام ، وخراسان فسار حتى بلغ دلوك ولم يدرك فأتاه موت السفاح فغاد بمن معه من الجيوش وقد بايع لنفسه.

ذكر الفتنة بالاندلس

وفي هذه السنة خرج في الاندلس الحباب بن رواحة بن عبد الله الزهري ودعا إلى نفسه واجتمع إليه جمع من اليمانية فسار إلى الصميل –وهو أمير قرطبة - فحصره بها وضيق عليه ، فاستمد الصميل يوسف الفهري أمير الاندلس - فلم يفعل لتوالي الغلاء ، والجوع على الأندلس ولأن يوسف قد كره الصميل واختار هلاكه ليستريح منه ، وثار بها أيضاً عامر العبدري وجمع جمعاً واجتمع مع الحباب على الصميل وقاما بدعوة بني العباس ،فلما اشتد الحصار على الصميل كتب إلى قومه ليستمدهم فسارعوا إلى نصرته واجتمعوا وساروا إليه ، فلما سمع الحباب بقربهم سار الصميل عن سرقسطة وفارقها فعاد الحباب إليها وملكها ، واستعمل يوسف الفهري الصميل على طليطلة .
ذكر عدة حوادث

كان على الكوفة عيسى بن موسى ، وعلى الشام عبد اللّه بن علي ، وعلى مصر صالح بن علي ، وعلى البصرة سليمان بن علي ، وعلى المدينة زياد بن عبيد الله الحارثي ، وعلى مكة العباس بن عبد الله بن معبد.

وفيها مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن - وهو ربيعة الرأي - وقيل : مات سنة خمس وثلاثين ومائة ، وقيل : سنة اثنتين وأربعين ومائة .

وفيها مات عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وفيها توفي عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي الفرسي ، وإنما قيل له الفرسي بالفاء نسبة الى فرش له ، وعطاء بن السائب أبو زيد الثقفي ، وعروة بن رويم .

وفي هذه السنة قدم أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين من مكة فدخل الكوفة فصلى بأهلها الجمعة وخطبهم وسار الى الانبار فأقام بها وجمع إليه أطرافه ، وكان عيسى بن موسى قد أحرز بيوت الأموال ، والخزائن ، والدواوين حتى قدم عليه أبو جعفر فسلم الأمر إليه .

ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائة

ذكر خروج عبدالله بن علي وهزيمته

قد ذكرنا مسير عبدالله بن علي إلى الصائفة في الجنود وموت السفاح وإرسال عيسى ابن موسى إِلى عمه عبد الله بن علي يخبره بموته ويأمره بالبيعة لأبي جعفر المنصور- وكان السفاح قد أمر بذلك قبل وفاته -فلما قدم الرسول على عبد الله بذلك لحقه بدلوك وهي بأفواه الدروب فأمر منادياً فنادى الصلاة جامعة فاجتمعوا عليه فقرأ عليهم الكتاب بوفاة السفاح ودعا. الناس إلى نفسه ، وأعلمهم أن السفاح حين أراد أن يوجه الجنود الى مروان بن محمد دعا بني أبيه فأرادهم على المسير إليه فقال : من انتدب منكم فسار إليه فهو ولي عهدي فلم ينتدب له غيري وعلى هذا خرجت من عنده وقتلت من قتلت ، وشهد له أبو غانم الطائي وخفاف المروروزي وغيرهما من القواد فبايعوه ، وفيهم حميد ابن قحطبة ، وفي هم من أهل خراسان ، والشام ، والجزيرة إلا أن حميداً فارقه على ما نذكره ، ثم سار عبد الله حتى نزل حران وبها مقاتل العكي قد استخلفه أبو جعفر لما سار إلى مكة فتحصن منه مقاتل فحصره أربعين يوماً ، وكان أبو مسلم قد عاد من الحج مع المنصور كما ذكرناه فقال للمنصور : إن شئت جمعت ثيابي في منطقتي وخدمتك وإن شئت أتيت خراسان فأمددتك بالجنود وإن شئت سرت إلي حرب عبدالله بن علي فأمره بالمسير لحرب عبد الله ، فسار أبو مسلم في الجيش نحو عبد الله فلم يتخلف عنه أحد وكان قد لحقه حميد بن قحطبة فسار معه ، وجعل على مقدمته مالك بن الهيثم الخزاعي ، فلما بلغ عبد الله وهو يحاصر حران اقبال أبي مسلم خشي أن يهجم عليه عطا العتكي اماماً فنزل إليه فيمن معه وأقام معه أياماً ثم وجهه الى عثمان بن عبد الأعلى ابن سراقة الأزدي بالرقة ومعه ابناه وكتب معه كتاباً ، فلما قدموا على عثمان دفع العتكي الكتاب إليه فقتل العتكي وحبس ابنيه فلما هزم عبد الله قتلهما ، وكأن عبد الله بن علي تجد خشي أن لا يناصحه أهل خراسان فقتل منهم نحواً من سبعة عشر ألفاً ، واستعمل حميد بن قحطبة على حلب وكتب معه كتاباً إلى زفر بن عاصم عاملها يأمره بقتل حميد إذا قدم عليه ، فسار حميد والكتاب معه فلما كان ببعض الطريق قال : إن ذهابي بكتاب لا أعلم ما فيه لغرر فقرأه فلما رأى ما فيه أعلم خاصته ما في هذا الكتاب وقال : من أراد المسير معي منكم فليسر فاتبعه ناس كثير منهم وسار على الرصافة إلى العراق ، فأمر المنصور محمد بن صول بالمسير إلى عبد الله بن علي ليمكر به فلما أتاه قال له : إني سمعت أبا العباس يقول : الخليفة بعدي عمىِ عبد الله فعال له : كذبت إنما وضعك أبو جعفر فضرب عنقه ، ومحمد بن صول هو جد ابراهيم بن العباس الكاتب الصولي .

ثم أقبل عبدالله بن علي حتى نزل نصيبين وخندق عليه ، وقدم أبو مسلم فيمن لأى، معه ، وكأن المنصور قد كتب إلى الحسن بن قحطبة - وكان خليفته بأرمينية - يأمره أن يوافي أبا مسلم فقدم على أبي مسلم بالموصل وأقبل أبو مسلم فنزل ناحية نصيبين فأخذ طريق الشام ولم يعرض لعبد الله ، وكتب إِليه إِني لم أؤمر بقتالك ولكن أمير المؤمنين ولاني الشام فأنا أريدها ،فقال من كان مع عبد الله من أهل الشام لعبد الله : كيف نكون معك وهذا يأتي بلادنا فيقتل من قدر عليه من رجالنا ويسبي ذرارينا ؟ ولكن نخرج إلى بلادنا فنمنعه ونقاتله ، فقال لهم عبد الله : إنه والله ما يريد الشام وما توجه إلا لقتالكم وإن أقمتم ليأتينكم فأبوا إلا المسير إلى الشام وأبو مسلم قريب منهم ،فارتحل عبد الله نحو الشام وتحول أبو مسلم فنزل في معسكر عبد الله بن علي في موضعه وغور ما حوله من المياه وألقى فيها الجيف ، وبلغ عبد الله ذلك فقال لأصحابه : ألم أقل لكم ؟

في ورجع فنزل في موضع عسكر أبي مسلم الذي كان به فاقتتلوا خمسة أشهر وأهل الشام أكثر فرساناً وأكمل عدة ، وعلى ميمنة عبد الله بكار بن سلم العقيلي ، وعلى ميسرته حبيب بن سويد الأسدي ، وعلى الخيل عبد الصمد بن علي أخو عبد الله ، وعلى ميمنة أبي مسلم الحسن بن قحطبة ، وعلى ميسرته خازم بن خزيمة فاقتتلوا شهراً، ثم إن أصحاب عبد الله حملوا على عسكر أبي مسلم فأزالوهم عن مواضعهم ورجعوا ، ثم حمل عليهم عبد الصمد بن علي في خيل مجردة فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً ورجع في أصحابه ، ثم تجمعوا وحملوا ثانية على أصحاب أبي مسلم فأزالوا صفهم وجالوا جولة فقيل لأبي مسلم : لو حولت دابتك إلى هذا التل ليراك الناس فيرجعوا فانهم قد انهزموا فقال : إن أهل الحجى لا يعطفون دوابهم على هذه الحال ، وأمر منادياً فنادى يا أهل خراسان ارجعوا فان العافية( 1 ) لمن اتقى فتراجع الناس ، وارتجز أبو مسلم يومئذ يقول :

# مَنْ كانَ ينوي أهله فلا رجِعْ فرَّمن الموتِ وفي الموتِ وَقَعْ

وكان قد عمل لأبي مسلم عريش فكان يجلس عليه إذا التقى الناس فينظر إلى القتال فإن رأى خللاً في الجيش سده وأمر مقدم تلك الناحية بالاحتياط وبما يفعل فلا تزال رسله تختلف إليهم حتى ينصرف الناس بعضهم عن بعض ، فلما كان يوم الثلاثاء ، والأربعاء لسبع خلون من جُمادى الآخرة سنة ست وثلاثين التقوا فاقتتلوا قتالاً شديداً فمكر بهم م بس مسلم وأمر الحسن بن قحطبة أن يعبىء الميمنة أكثرها إلى الميسرة وليترك في الميمنة جماعة أصحابه وأشداءهم ، فلما رأى ذلك أهل الشام أعروا ميسرتهم وانضموا إلى ميمنتهم بازاء ميسرة أبي مسلم ؛ وأمر أبو مسلم أهل القلب فحملوا مع من بقي في ميمنته على ميسرة أهل الشام فحملوا عليهم فحطموهم وجال القلب والميمنة وركبهم أصحاب أبي مسلم فانهزم أصحاب عبد الله فقال عبد الله بن علي لابن سراقة الأزدي : يا ابن سراقة ما ترى ؟ قال : أرى أن تصبر.وتقاتل حتى تموت فإن الفرار قبيح بمثلك وقد عتبته (2)على مروان قال : فإني آتي العراق قال : فأنا معك فانهزموا وتركوا عسكرهم فحواه أبو مسلم وكتب بذلك إلى المنصور فأرسل أبا الخصيب مولاه يحصي ما أصابوا من العسكر فغضب من ذلك أبو مسلم ، ومضى عبدالله ، وعبد الصمد ابنا علي ، فأما عبد الصمد فقدم الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى فأمنه المنصور ، وقيل : بل أقام عبد الصمد بن علي بالرصافة حتى قدمها جمهور بن مرار العجلي في خيول أرسلها المنصور فأخذه فبعث به إِلى المنصور موثقاً مع أبي الخصيب فأطلقه ، وأما عبد الله بن علي فأتى أخاه سليمان بن علي بالبصرة فاقام عنده زماناً متوارياً، ثم ان أبا مسلم أمن الناس بعد الهزيمة وأمر بالكف عنهم .

ذكر قتل أبي مسلم الخراساني

وفي هذه السنة قتل أبو مسلم الخراساني قتله المنصور ، وكان سبب ذلك أن أبا مسلم كتب إِلى السفاح يستأذنه في الحج على ما تقدم وكتب السفاح إِلى المنصور وهو على الجزيرة ،وارمينية ، واذربيجان ان أبا مسلم كتب إلي يستأذنني في الحج وقد أذنت له وهو يريد أن يسألني أن أوليه الموسم فاكتب إلي تستأذنني في الحج فآذن لك بم فانك إن كنت بمكة لم يطمع أن يتقدمك ، فكتب المنصور إلى أخيه السفاح يستأذنه في الحج فأذن له فقدم الانبار ، فقال أبو مسلم : أما وجد أبو جعفر عاماً يحج فيه غير هذا -فى، وحقدها عليه وحجا معاً ، فكان أبو مسلم يكسو الاعراب ، ويصلح الآبار والطريق - وكان الذكر له - وكان الأعراب يقولون : هذا المكذوب عليه ؛ فلما قدم مكة ورأى أهل ج اليمن قال : أي جند هؤلاء ؟ لو لقيهم رجل ظريف اللسان غزير الدمعة ، فلما صدر الناس عن الموسم تقدم أبو مسلم في الطريق على أبي جعفر فأتاه خبر وفاة السفاح فكتب إلى أبي جعفر يعزيه عن أخيه ولم يهنئه بالخلافة ولم يقم حتى يلحقه ولم يرجع ، فغضب أبو جعفر وكتب إليه كتاباً غليظاً ، فلما أتاه الكتاب كتب إليه يهنئه بالخلافة .

وتقدم أبو مسلم فأتى الأنبار فدعا عيسى بن موسى إلى أن يبايع له فاتى عيسى وقدم أبو جعفر ، وخلع عبد الله بن علي فسير المنصور أبا مسلم إلى قتاله كما تقدم فكانا مع الحسن بن قحطبة ؛ فأرسل الحسن إلى أبي أيوب وزير المنصور إني قد رأيت بأبي مسلم أنه يأتيه كتاب أمير المؤمنين فيقرأه ثم يلقي الكتاب من يده إِلى مالك بن الهيثم فيقرأه ويضحكان استهزاءً ، فلما ألقيت الرسالة إلى أبي أيوب ضحك وقال : نحن لأبي مسلم أشد تهمة منا لعبد الله بن علي إلا أنّا نرجو واحدة نعلم أن أهل خراسان لا يحبون عبد الله وقد قتل منهم من قتل –وكان قتل منهم سبعة عشر ألفاً-؛ فلما انهزم عبد الله وجمع أبو مسلم ما غنم من عسكره بعث أبو جعفر أبا الخصيب إلى أبي مسلم ليكتب له ما أصاب من الأموال فأراد أبو مسلم قتله فتكلم فيه فخلى سبيله وقال : أنأ أمين على الدماء خائن في الأموال وشتم المنصور ، فرجع أبو الخصيب إلى المنصور فأخبره فخاف أن يمضي أبو مسلم إلى خراسان فكتب إليه إني قد وليتك مصر ، والشام فهي خير لك من خراسان فوجه إِلى مصر من أحببت وأقم بالشام فتكون بقرب أمر المؤمنين فإن أحب لقاءك أتيته من قريب ، فلما أتاه الكتاب غضب وقال : يوليني الشام ، ومصر ، وخراسان لي ، فكتب الرسول إلى المنصور بذلك ، وأقبل أبو مسلم من الجزيرة مجمعاً على الخلاف وخرج عن وجهه يريد خراسان ، فسار المنصور من الأنبار الى المدائن وكتب إلى أبي مسلم في المسير إليه ، فكتب إليه أبو مسلم - وهو بالزاب - انه لم يبق لأمير المؤمنين اكرمه الله في و إلا أمكنه الله منه ، وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان أن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء فنحن نافرون عن قربك حريصون على الوفاء لك ما وفيت حريصون بالسمع والطاعة غير أنها من بعيد حيث يقارنها السلامة فان أرضاك ذلك فأنا كأحسن عبيدك لان أبيت إلا أن تعطي نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت من عهدك ضناً بنفسي ، فلما وصل الكتاب إلى المنصور كتب إلى أبي مسلم قد فهمت كتابك وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغشيشة ملوكهم  الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم فإنما راحتهم في انتشار نظام الجماعة فلم سوقي نفسك بهم ؟ فأنت في طاعتك ، ومناصحتك ، واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به وليس مع الشريطة التي أوجبت منك سمعاً ولا طاعة ، وحمل إليك أمير المؤمنين عيسى بن موسى رسالة لتسكن إليها إن أصغيت ، وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك فإنه لم يجد باباً يفسد به نيتك أو كد عنده وأقرب من الباب الذي فتحه عليك .

وقيل : بل كتب إليه أبو مسلم أما بعد فإني اتخذت رجلاً إماماً ودليلاً على ما افترض الله على خلقه وكان في محلة العلم نازلاً وفي قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قريباً فاستجهلني بالقرآن فحرفه عن مواضعه طمعا في قليل قد نعاه الله إلى خلقه فكان كالذي دلى بغرور ، وأمرني أن أجرد السيف وأرفع الرحمة ولا أقبل المعذرة ولا أقيل العثرة ففعلت توطئة لسلطانكم حتى عرفكم الله من كان يحملكم  ثم استنقذني الله بالتوبة فإن يَعفُ عني فقد ما عرف به ونسب إليه وإن يعاقبني فيما قدمت يداي وما الله بظلام للعبيد.

وخرج أبو مسلم مراغماً مشاقاً . وسار المنصور من الأنبار إلى المدائن ، وأخذ أبو مسلم طريق حلوان فقال المنصور لعمه عيسى بن علي ، ومن حضر من بني هاشم : اكتبوا إلى أبي مسلم فكتبوا إليه يعظمون أمره ويشكرونه ويسألونه أن يتم على ما كان منه وعليه من الطاعة ويحذرونه عاتبة البغي ويأمرونه بالرجوع إلى المنصور ، وبعث المنصور الكتاب مع أبي حميد المروروزي وقال له : كلم أبا مسلم بألين ما تكلم به أحداً وَمَنهِ وأعلمه أني رافعه وصانع به ما لم يصنعه به أحد إن هو صلح وراجع ما أحب ، فان أبى أن يرجع فقل له : يقول لك أمير المؤمنين : لست من العباس وإني بريء من محمد ان مضيت مشاقاً ولم تأتني إن وكلت أمرك إلى أحد سواي وإن لم ألِ طلبك وقتالك بنفسيِ ولو خضت البحر لخضته أو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك ، ولا تقولن هذا الكلام حتى تيأس من رجوعه ولا تطمع منه في خير ، فسار ابو حميد فقدم على أبي مسلم بحلوان فدفع إليه الكتاب وقال له : ان الناس يبلغونك عن أمير المؤمنين ما لم يقله وخلاف ما عليه رأيه منك حسداً وبنياً يريدون إزالة النعمة وتغييرها فلا تفسد ما كان منك ، وكلمه وقال : يا أبا مسلم إنك لم تزل أمير آل محمد يعرفك بذلك الناس وما ذخر الله لك من الأجر عنده في ذلك أعظم مما أنت فيه من دنياك فلا تحبط أجرك ولا يستهوينك الشيطان فقال له أبو مسلم : متى كنت تكلمني بهذا الكلام ؟ فقال : إنك دعوتنا إلى هذا الأمر وإلى طاعة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بني العباس وأمرتنا بقتال من خالف ذلك فدعوتنا من أرضين متفرقة وأسباب مختلفة فجمعنا الله على طاعتهم وألف ما بين قلوبنا وأعزنا بنصرنا لهم ولم نلق منهم رجلاً إلا بما قذف الله في قلوبنا حتى أتيناهم في بلادهم ببصائر نافذة وطاعة خالصة أفتريد حين بلغنا غاية مناناً ومنتهى أملنا أن تفسد أمرنا وتفرق كلمتنا وقد قلت لنا : من خالفكم فاقتلوه لان خالفتكم فأقتلوني ، فأقبل أبو مسلم على أبي نصر مالك بن الهيثم فقال : أما نسمع ما يقول لي هذا ما كان بكلامه يا مالك قال : لا تسمع قوله ولا يهولنك هذا منه فلعمري ما هذا كلامه ولما بعد هذا أشد منه فامض لأمرك ولا ترجع فوالله لئن أتيته ليقتلنك ولقد وقع في نفسه منك شيء لا يأمنك أبداً فقال : قوموا فنهضوا .

فأرسل أبو مسلم إِلى نيزك فعرض عليه الكتب وما قالوا فقال : ما أرى أن تأتيه وأرى أن تأتي الري فتقيم بها ما بين خراسان والري لك وهم جندك لا يخالفك أحد فإن استقام لك استقمت له لان أبى كنت في جندك وكانت خراسان وراءك ورأيت س أيك ، فدعا أبا حميد فقال : ارجع إلى صاحبك فليس من رأسي أن آتيه قال : قد عزمت على خلافه ؟ قال : نعم قال : لا تفعل قال : لا أعود إليه أبداً ، فلما يئس من رجوعه معه قال له ما أمره به أبو جعفر فوجم طويلًا ثم قال : قم فكسره ذلك القول ورعبه ؛ وكان أبو جعفر المنصور قد كتب إلى أبي داود خليفة أبي مسلم بخراسان حين اتهم أبا مسلم ان لك إمرة خراسان ما بقيت ، فكتب أبو داود إلى أبي مسلم إنَّا لم نخرج لمعصية خلفاء الله وأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم فلا تخالفن أمامك ولا ترجعن إلا بإذنه ، فوافاه كتابه على تلك الحال فزاده رعباً وهماً ، فأرسل إلى أبي حميد فقال له : إني كنت عازماً على المضي إلي خراسان ثم رأيت أن أوجه أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين فيأتيني برأيه فانه ممن أثق به ، فوجهه فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل ما يحب وقال له المنصور : اصرفه عن وجهه ولك ولاية خراسان واجازه ، فرجع أبو إسحاق وقال لأبي مسلم : ما أنكرت شيئاً رأيتهم معظمين لحقك يرون لك ما يرون لأنفسهم وأشار عليه أن يرجع إلى أمير المؤمنين فيعتذر إليه مما كان منه فاجتمع على ذلك ، فقال له نيزك : قد أجمعت على الرجوع ؟ قال : نعم وتمثل :

# ما للرجالِ معَ القضاءِ محالة ذهبَ القضاءُ بحيلةِ الأقوامِ

قال : إذا عزمت على هذا فخار الله لك احفظ عني واحدة إذا دخلت عليه فاقتله ثم بايع من شئت فإن الناس لا يخالفونك ، وكتب أبو مسلم إلى المنصور يخبره أنه منصرف إليه ، وسار نحوه واستخلف أبا نصر على عسكره وقال له : أقم حتى يأتيك كتابي فان أتاك مختوماً بنصف خاتم فأنا كتبته وان أتاك بخاتم كله فلم أختمه ، وقدم المدائن في ثلاثة آلاف رجل وخلف الناس بحلوان ، ولما ورد كتاب أبي مسلم على المنصور قرأه وألقاه إلى أبي أيوب وزيره فقرأه وقال له المنصور: والله لئن ملأت عيني لاقتلنَه ، فخاف أبو أيوب من أصحاب أبي مسلم أن يقتلوا المنصور ويقتلوه معه ، فدعا سلمة بن سعيد بن جابر وقال له : هل عندك شكر؟ فقال : نعم قال : ان وليتك ولاية تصيب منها مثل ما يصيب صاحب العراق تدخل معك أخي حاتماً – وأراد بادخال أخيه معه أن يطمع ولا ينكر-وتجعل له النصف قال : نعم ،قال له : ان كسكر كانت عام أول بكذا وكذا ومنها العام أضعاف ذلك فإن دفعتها إليك بما كانت أو بالأمانة أصبت ما يضيق به ذرعاً قال : كيف لي بهذا المال ؟ قال له أبو أيوب : تأتي أبا مسلم فتلقاه وتكلمه أن يجعل هذا فيما يرفع من حوائجه فان أمير المؤمنين يريد م ن يوليه إذا قدم ما وراء بابه ويريح نفسه قال : فكيف لي أن يأذن لي أمير المؤمنين في لقائه ؟ فاستأذن له أبو أيوب في ذلك فأذن له المنصور وأمره أن يبلغ سلامه وشوقه إلى أبي مسلم ، فلقيه سلمة بالطريق وأخبره الخبر وطابت نفسه - وكان تبل ذلك كئيباً حزيناً - ولم يزل مسروراً حتى قدم ، فلما دنا أبو مسلم من المنصور أمر الناس بتلقيه فتلقاه بنو هاشم والناس ، ثم قدم فدخل على المنصور فقبل يده وأمره أن ينصرف ويروح نفسه لثلاثة ويدخل الحمام فانصرف ، فلما كان الغد دعا المنصور عثمان بن نهيك ، وأربعة من الحرس ،منهم شبيِب بن واج ،وأبو حنيفة حرب بن قيس فأمرهم بقتل أبي مسلم اذا صفق بيديه وتركهم خلف الرواق ،وأرسل إلى أبي مسلم يستدعيه وكان عنده عيسى بن موسى يتغدى - فدخل على المنصور فقال له المنصور : أخبرني عن نصلين أصبتهما مع عبد اللّه بن علي قال : هذا أحدهما قال أرنيه فأنضاه وناوله إياه فوضعه المنصور تحت فراشه وأقبل عليه يعاتَبه وقال له :أخبرني عن كتابك إلى السفاح تنهاه عن الموات أردت أن تعلّمنا الدين ؟ قال ظننت أن أخذه لا يحل فلما أتاني كتابه علمت أنه وأهل بيته معدن العلم .

قال : فأخبرني عن تقدمك إياي بطريق مكة قال : كرهت اجتماعنا على الماء فيضر ذلك بالناس فتقدمتك للرفق قال : فقولك لمن أشار عليك بالانصراف إلي بطريق مكة وحين أتاك موت أبي العباس إلى ان نقدم فرى رأينا ومضيت فلا أنطت أقمت حتى ألحقك ولا أنت رجعت إلي قال : منعني من ذلك ما أخبرتك من طلب الرفق بالناس وقلت : تقدم الكوفة وليس عليك من خلاف قال : فجارية عبد الله أردت ان تتخذها قال : لا ولكني خفت أن تضيع فحملتها في قبة ووكلت بها من يحفظها قال : فمراغمتك لا وخروجك إلى خراسان قال : خفت أن يكون قد دخلك مني شيء فقلت : آتي خراسان فاكتب إليك بعذري فأذهب ما في نفسك قال :فالمال الذي جمعته بخراسان قال : انفقته بالجند تقوية لهم واستصلاحاً ، ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك وتخطب عمتي آمنة ابنة علي وتزعم انك ابن سليط بن عبد الله بن عباس ؟ لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعباً ، ثم قال : وما الذي دعاك إلى قتل سليمان ابن كثير مع أثره في دعوتنا وهو أحد فتيانناقبل ان ندخلك في شيء من هذا الأمر؟ قال : أراد الخلاف وعصاني فقتلته .

فلما طال عتاب المنصور قال : لا يقال هذا لي بعد بلائي وما"كان مني قال : يا ابن الخبيثة والله لو كانت أمة مكانك لا جزأت إنما عملت في دولتنا وبريحنا فلو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلًا فأخذ أبو مسلم بيده يقبلها ويعتذر إليه ، فقال له المنصور : ما رأيت كاليوم واللّه ما زدتني إلا غضباً ، قال أبو مسلم : دع هذا فقد أصبحت ما أخاف ة لا الله تعالى فغضب المنصور وشتمه وصفق بيده على الأخرى فخرج عليه الحرس فضربه عثمان بن نهيك فقطع حمائل سيفه فقال : استبقني لعدوك يا أمير المؤمنين فقال : لا أبقاني الله إذاً أعدو أعدى لي منك  ؟ وأخذه الحرس بسيوفهم حتى قتلوه وهو يصيح العفو، فقال المنصور : يا ابن اللخناء العفو والسيوف قد اعتورتك فقتلوه في شعبان لخمس بقين منه فقال المنصور :

# زعمتَ أن الدينَ لا يقتضي فاستوفِ بالكيل أبا مجرم

# سُقيتَ كأساً وكنت تُسقي بها أمر في الحلق من العلقم

وكان أبو مسلم قد قتل في دولته ستمائة ألف صبرا ، فلما قتل أبو مسلم دخل أبو الجهم على المنصور فرأى أبا مسلم قتيلاً فقال : ألا أرد الناس قال : بلى فمر بمتاع يحمل الى رواق آخر وخرج أبو الجهم فقال : انصرفوا فإن الأمير يريد القائلة عند أمير المؤمنين ورأوا المتاع ينقل فظنوه صادقاً فانصرفوا ، وأمر لهم المنصور بالجوائز فأعطى أبا إسحاق مائة ألف ، ودخل عيسى بن موسى على المنصور بعد قتل أبي مسلم فقال : يا أمير المؤمنين أين أبو مسلم ؟ فقال : قد كان ههنا فقال عيسى : قد عرفت نصيحته وطاعته ورأي الإمام ابراهيم كأن فيه فقال : يا أحمق واللّه ما أعلم في الأرض عدواً أعدى لك منه ها هو ذا في البساط فقال عيسى : إنا لله وإنا إليه راجعون - وكان لعيسى فيه رأي -فقال له المنصور : خلع الله قلبك وهل كأن لكم ملك أو سلطان أو أمر أو نهي مع أبي مسلم ثم دعا المنصور بجعفر بن حنظلة فدخل عليه فقال : ما تقول في أمر أبي مسلم ؟ قال : يا أمير المؤمنين إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل فقال له المنصور : وفقك الله ، فلما نظر إلى أبي مسلم مقتولًا قال : يا أمير المؤمنين عد من هذا اليوم خلافتك ، ثم دعا المنصور بابي إسحاق فلما دخل عليه قال له : أنت المانع عدو الله على ما أجمع عليه وقد كان بلغه انه أشار عليه باتيان خراسان قال : فكف أبو اسحاق وجعل يلتفت يميناً وشمالًا خوفاً من أبي مسلم فقال له المنصور : تكلم بما أردت فقد قتل الله الفاسق وأمر بإخراجه ، فلما رآه أبو اسحاق خر ساجداً لله فأطال ورفع رأسه وهو يقول : الحمد لله الذي أمنني بك اليوم والله ما أمنته يوماً واحداً منذ صحبته وما جئته يوماً قط إلا وقد أوصيت وتكفنت وتحنطت ، ثم رفع ثيابه الظاهرة فإذا تحتها ثياب كفأن جدد وقد تحظ ، فلما رأى أبو جعفر حاله رحمه وقال له : استقبل طاعة خليفتك واحمد الله الذي أراحك من الفاسق هذا ، ثم قال له : فرق عني هذه الجماعة .

ثم كتب المنصور بعد قتل أبي مسلم الى أبي نصر مالك بن الهيثم عن لسان أبي مسلم يأمره بحمل ثقله وما خلف عنده وأن يقدم وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم ، فلما رأى الخاتم تاماً علم أن أبا مسلم لم يكتب فقال : فعلتموها وانحدر إلى همذان وهو " يريد خراسان ، فكتب المنصور لأبي نصر عهده على شهرزور ، وكتب إلى زهير بن التركي –وهو على همذان - ان مربك أبو نصر فاحبسه ، فسبق الكتاب إلى زهير وأبو نصر بهمذان فقال له زهير : قد صنعت لك طعاماً فلو أكرمني بدخول منزلي فحضر ، عنده فأخذه زهير وحبسه ، وكتب أبو جعفر الى زهير كتاباً يأمره بقتل أبي نصر ، وقدم س صاحب العهد على أبي نصر بعهده على شهر زور فخلى زهير سبيله لهواه فيه فخرج ، رز ثم وصل بعد يوم الكتاب إلى زهير بقتل أبي نصر فقال : جاءني كتاب بعهده فخليت ، سبيله ، وقدم أبو نصر على المنصور فقال له : أشرت على أبي مسلم بالمضي إلى خراسان قال : نعم كانت له عندي أياد فنصحت له وان اصطنعي أمير المؤمنين نصحت وشكرت فعفا عنه ، فلما كان يوم الراوندية قام أبو نصر على باب القصر وقال : أنا البواب اليوم لا يدخل أحد وأنا حي فسأل عنه المنصور فاخبر به فعلم أن قد نصح له ، وقيل : ان زهيراً سيَّر أبا نصر إلى المنصور مقيداً فمنً عليه واستعمله على الموصل ، ولما قتل المنصور أبا مسلم خطب الناس فقال : أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ولا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في ضياء الحق ، إِن أبا مسلم أحسن مبتدئاً وأساء معقباً وأخذ من الناس بنا أكثر مما أعطانا، ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره ، وعلمنا من خبث سريرته وفساد نيته ما لو علمه اللائم لنا فيه لعذرنا في قتله وعنفنا في إمهالنا ، وما زال ينقض بيعته ويخفر ذمته حتى أحل لنا عقوبته وأباحنا دمه فحكمنا فيه حكمه لنا في غيره ، ممن شق العصا ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه ، وما أحسن ما قال النابغة الذبياني للنعمان يعني ابن المنذر :

# فمن أطاعك فانفعهُ بطاعتِهِ كما أطاعكَ وادْلُلُه على الرشدِ

# ومن عصاكَ فعاقبهُ معاقبةً تنهى الظلومَ ولا تقعد على ضمد

ثم نزل وكان أبو مسلم قد سمع الحديث من عكرمة ، رأبي الزبير المكي ، وثابت البناني ، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، والسدير ،وروى عنه ابراهيم بن ميمون الصائغ ، وعبد الله بن المبارك ، وغيرهما ، خطب يوماً فقام إليه رجل فقال : ما هذا السواد الذي أرى عليك ؟ فقال : حدثني ابو الزبير جمن جابر بن عبد الله " ان النبي فَي دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء " وهذه ثياب الهيبة ، وثياب الدولة يا غلام اضرب عنقه ، قيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم كان خيراً أو الحجاج ؟ قال : لا أقول إن أبا مسلم كان خيراً من أحد ولكن الحجاج كان شراً منه ، وكان أبو مسلم نازكاً، شجاعاً ذا رأي ، وعقل ، وتدبير وحزم ومروءة وقيل له : بمَ نلت ما أنت فيه من القهر للأعداء ؟ فقال : ارتديت الصبر ، وآثرت الكتمان (ا) وحالفت الاحزان ، والاشجان ، وسامحت (2) المقادير ، والاحكام حتى بلغت غاية همتي وأدركت نهاية بغيتي ، ثم قال :

# قد نلت بالحزم  والكتمان ما عجزت عنه ملوك بني ساسان اذ حشدوا

# مازلت أضربهم بالسيف فانتبهوا من رقدة لم ينمها قبلهم أحد

# طفقت اسعى عليهم في ديارهم والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا

# ومن رعى غنماً في أرضِ مسبعةٍ ونام عنها تولى رعيها الأسد

وقيل : إِن أبا مسلم ورد نيسابور على حمار باكاف وليس معه آدمي فقصد في بعض الليالي داراً لفاذوسيان فدق عليه الباب ففزع أصحابه وخرجوا إليه فقال لهم : قولوا للدهقان : إن أبا مسلم بألباب يطلب منك ألف درهم ، ودابة فقالوا للدهقان ذلك فقال الدهقان : في أي زي هو وأي عدة ؟ فأخبروه أنه وحده في أدون زي فسكت ساعة ثم دعا بألف درهم ، ودابة من خواص دوابه وأذن له وقال : يا أبا مسلم قد أسعفناك بما طلبت وإن عرضت حاجة أخرى فنحن بين يديك فقال : ما نضيع لك ما فعلته ، فلما ملك قال له بعض أقاربه : إن فتحت نيسابور أخذت كل ما تريده من مال الفاذوسيان دهقانها المجوسي ، فقال أبو مسلم : له عندنا يد ، فلما ملك نيسابور اتته هدايا الفاذوسيان فقيل له : لا تقبلها واطلب منه الأموال فقال : له عندي يد ولم يتعرض له ، ولا لأحد من أصحابه ، وأمواله ، وهذا يدل على علو همة وكمال مرؤة، وفي هذه السنة استعمل المنصور أبا داود على خراسان وكتب إليه بعهده .

ذكر خروج سنباذ بخراسان

وفي هذه السنة خرج سنباذ بخراسان يطلب بدم أبي مسلم -وكأن مجوسياً من قرية من قرى نيسابور يقال لها : أهروانه - كان ظهوره غضباً لقتل أبي مسلم لأنه كأن من صنائعه ، وكثر أتباعه - وكان عامتهم من أهل الجبال - وغلب على نيسابور ، ومومس ، والري ، وتسمى فيروز اصبهبذ ، فلما صار بالري أخذ خزائن أبي مسلم - وكان أبو مسلم ، مسلم خلفها بالري حين شخص إلى أبي العباس - وسبى الحرم ، ونهب الأموال ولم يعرض للتجار ، وكأن يظهر أنه يقصد الكعبة ويهدمها ، فوجه إليه المنصور جمهور بن مرار العجلي في عشرة آلاف فأرس فالتقوا بين همذان ، والري  على طرف المفازة وعزم جمهور على مطاولته ، فلما التقوا قدم سنباذ السبايا من النساء المسلمات على الجمال فلما رأين عسكر المسلمين قمن في المحامل ونادين وامحمداه ذهب الاسلام ووقعت الريح لي أثوابهن فنفرت الإبل وعادت على عسكر سنباذ فتفرق العسكر-وكان ذلك سبب الهزيمة وتبع المسلمون الابل ووضعوا السيوف في المجوس ومن معهم فقتلوهم كيف شاؤوا، وكان عدد القتلى نحراً من ستين ألفاً وسبى ذراريهم ، ونساءهم ، ثم قتل سنباذ بين طبرستان ، وقومس ، وكان بين مخرج سنباذ وقتله سبعون ليلة ، وكان سبب قتله أنه قصد طبرستان ملتجئاً إلى صاحبها فأرسل إلى طريقه عاملًا له اسمه طوس فتكبر عليه سنباذ فضرب طوس عنقه ، وكتب إلى المنصور بقتله وأخذ ما معه من الأموال ، وكتب المنصور إلى صاحب طبرستان يطلب منه الأموال فأنكرها فسير الجنود إليه فهرب إلى الديلم .

ذكر خروج ملبد بن حرملة الشيباني

وفي هذه السنة خرج ملبد بن حرملة الشيباني فحكم بناحية الجزيرة فسارت إليه روابط الجزيرة – وهو في نحو ألف فارس - فقاتلهم وهزمهم وقتل من قتل منهم ، ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبي فهزمه ملبد بعد قتال شديد وأخذ جارية له كان يطؤها، فوجه إليه المنصور مولاه مهلهل بن صفران في ألفين من نخبة الجند فهزمهم ملبد واستباح عسكرهم ، ثم وجه إليه نزاراً قائداً من قواد خراسان فقتله ملبد وانهزم اصحابه ، ثم وجه زياد بن مشكان في جمع كثير فلقيهم ملبد فهزمهم ، ثم وجه إليه صالح بن صبيح في جيش كثيف وخيل كثيرة وعدة فهزمهم ملبد ، ثم سار اليه حميد بن قحطبة –وهو على الجريرة يومئذ - فلقيه ملبد فهزمه ، وتحصن منه حميد بن قحطبة وأعطاه مائة ألف درهم على أن يكف عنه ، وقيل : إن خروج ملبد كان سنة ثمان وثلاثين ومائة .

ذكر عدة حوادث

ولم يكن لساس في هذه السنة صائفة لشغل السلطان بحرب سنباذ، وحج بالناس هذه السنة اسماعيل بن علي بن عبدالله بن عباس وهو على الموصل ، وكان على المدينة زياد بن عبيد الله ، وعلى مكة العباس بن عيد-الله بن معبد ، ومات العباس عند انقضاء الموسم فضم إسماعيل عمله إلى زياد بن عبيد الله وأقره المنصور عليه ، وكان على الكوفة عيسى بن مرسى ، وعلى البصرة وأعمالها سليمان بن علي ، وعلى قضائها عمر بن عامر السلمي ، وعلى خراسان أبو داود خالد بن ابراهيم ، وعلى مصر صالح بن علي، وعلى الجزيرة حميد بن قحطبة ، وعلى الموصل اسماعيل بن علي بن عبدالله ، وهي على ما كانت عليه من الاجتدال .

ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائة

ذكر خلع جمهور بن مرار العجلي

وفيها خلع جمهور بن مرار المنصور بالري ، وكان سبب ذلك أن جمهور لما هزم سنباذ حوى ما في عسكره وكان فيه خزائن أبي مسلم فلم يوجهها إلى المنصور فخاف فخلع ، ووجه إليه المنصور محمد بن الأشعث في جيش عظيم نحو الري ففارقها جمهور نحو اصبهان ، ودخل محمد الري وملك جمهور اصبهان ؛فأرسل إليه محمد عسكراً وبقي في الري فأشار على جمهور بعض أصحابه أن يسير في نخبة عسكره نحو محمد فانه في قلة فإن ظفر لم يكن لمن بعده بقية فسار إليه مجداً ، وبلغ خبره محمداً فحذر واحتاط وأتاه عسكر من خراسان فقوي بهم فالتقوا بقصر الفيروزان بين الري ، واصبهان فاقتتلوا قتالًا عظيماً - ومع جمهور نخبة فرسان العجم - فهزم جمهور وقتل من أصحابه خلق كثير وهرب جمهور فلحق باذربيجان ، ثم انه بعد ذلك قتل باسباذروا قتله أصحابه وحملوا رأسه إلى المنصور .

ذكر قتل ملبد الخارجي

قد ذكرنا خروجه في السنة قبلها وتحصن حميد منه ، ولما بلغ المنصور ظفر ملبد وتحصن حميد منه وجه إليه عبد العزيز بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار وضم اليه زياد بن مشكان فأكمن له ملبد مائة فارس فلما لقيه عبد العزيز خرج عليه الكمين فهزموه وقتلوا عامة أصحابه ، فوجه إليه خازم بن خزيمة في نحو ثمانية آلاف من المروروذية فسار خازم حتى نزل الموصل وبعث الى ملبد بعض أصحابه ، وعبر ملبد دجلة من بلد وسار نحو خازم وسار إليه خازم وعلى مقدمته وطلائعه فضلة(ا)بن نعيم بن خازم بن عبدالله النهشلي ، وعلى ميمنته زهير بن محمد العامري ، وعلى ميسرته أبو حماد الأبرص ، وخازم في القلب فلم يزل يساير ملبداً وأصحابه إلى الليل وتواقعوا ليلتهم (2) فلما كان الغد سار ملبد نحو كورة حزه وخازم وأصحابه يسايرونهم حتى غشيهم الليل ، وأصبحوا من الغد فسار ملبد كأنه يريد الهرب فخرج خازم في أثره وتركوا خندقهم -وكان خازم قد خندق على أصحابه بالحسك - فلما خرجوا منه حمل عليهم ملبد وأصحابه ، فلما رأى ذلك خازم ألقى الحسك بين يديه ويدي أصحابه ، فحملوا على ميمنة خازم فطووها ،ثم حملوا على الميسرة فطووها ثم انتهوا إلى القلب - وفيه خازم - فنادى خازم في أصحابه الأرض الأرض فنزلوا ، ونزل ملبد وأصحابه وعقروا عامة دوابهم ثم اضطربوا بالسيوف حتى تقطعت ؛ وأمر خازم فضلة بن نعيم أن إذا سطع الغبار ولم يبصر بعضنا بعضاً فارجع إلى خيلك وخيل أصحابك فاركبوها ثم ارموهم بنشاب ففعل ذلك ، وتراجع أصحاب خازم من الميمنة والميسرة ثم رشقوا ملبداً وأصحابه بالنشاب فقتل ملبد في ثمانمائة رجل ممن ترجل ، وقتل منهم قبل أن يترجلوا زهاء ثلاثمائة وهرب الباقون وتبعهم فضلة فقتل منهم مائة وخمسين رجلًا .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خرج قسطنطين ملك الروم إلى بلاد الاسلام فدخل ملطية عنوة وقهراً وغلب أهلها وهدم سورها وعفا عس فيها من المقاتلة ، والذرية .

وفيها غزا العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الصائفة مع صالح بن علي ، وعيسى بن علي ، وقيل : كانت سنة تسع وثلاثين فبنى صالح ما كان ملك الروم أخربه من سور ملطية ، وفيها بايع عبدالله بن علي للمنصور وهو مقيم بالبصرة مع أخيه سليمان بن علي .

وفيها وسع المنصور المسجد الحرام ، وحج بالناس هذه السنة الفضل بن صالح لا، ابن علي ، وكان على المدينة ، ومكة ، والطائف زياد بن عبيد الله الحارثي ، وعلى الكوفة وسوادها عيسى بن موسى ، وعلى البصرة سليمان بن علي ، وعلى قضائها سوار ابن عبد الله ، وعلى خراسان أبو داود ، وعلى مصر صالح بن علي .

وفيها توفي السواد بن رفاعة بن أبي مالك القرطبي ، وسعيد بن جُمْهَان أبو حفص الأسلمي يروي عن سفينة حديث " الخلافة ثلاثون " ويونس بن عبيد البصري ،وقيل : توفي سنة تسع وثلاثين ومائة .

ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة ‏  ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏