قد ذكرنا قبل أن المنصور حبسهم ، وقد قيل أيضاً : ان رياحاً هو الذي حبسهم ، قال علي بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي : حضرنا باب رياح في المقصورة فقال الآذن : من كان ههنا من بني الحسين فليدخل فدخلوا من باب المقصورة وخرجوا من باب مروان ثم قال : من ههنا من بني الحسن فليدخل فدخلوا من باب المقصورة ودخل الحدادون من بني مروان فدعا بالقيود فقيدهم وحبسهم .
وكانوا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ، والحسن ، وابراهيم ابني الحسن ابن الحسن ، وجعفر بن الحسن بن الحسن ، وسليمان ، وعبدالله ابني داود بن الحسن بن الحسن ، ومحمداً واسماعيل واسحاق بني ابراهيم بن الحسن بن الحسن ، وعباس بن الحسن بن الحسن بن علي ، وموسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فلما حبسهم لم يكن فيهم علي بن الحسن بن الحسن بن علي العابد ، فلما كان الغد بعد الصبح وإذ قد أقبل رجل متلفف فقال له رياح : مرحباً بك ما حاجتك ؟ قال : جئتك لتحبسني مع قومي فإذا هو علي بن الحسن بن الحسن فحبسه معهم ،وكان محمد قد أرسل ابنه علياً إلى مصر يدعو إليه فبلغ خبره عامل مصر ، وقيل : انه على الوثوب بك والقيام عليك بمن شايعه فقبضه وأرسله إلى المنصور فأعترف له وسمى أصحاب أبيه ، وكان فيمن سمى عبد الرحمن بن أبي الوالي ، وأبو جبير فضربهما المنصور وحبسهما وحبس علياً فبقي محبوساً إلى إن مات ، وكتب المنصور إلى رياح أن يحبس معهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان – المعروف بالديباج –وكأن أخا عبد بن الحسن بن الحسن لان أمهما جميعاً فاطمة بنت الحسين بن علي فأخذه معهم ، وقيل : إن المنصور حبس عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي وحده وترك باقي أولاد الحسن فلم يزل محبوساً فبقي الحسن بن الحسن بن الحسن قد نصل خضابه حزناً على أخيه عبد الله ، وكان المنصور يقول : ما فعلت الحادة .
ومر الحسن بن
الحسن بن الحسن على ابراهيم بن الحسن وهو يعلف إبلًا له - فقال : أتعلف
إبلك وعبد الله محبوس ؟ يا غلام أطلق عقلها فأطلقها ثم صاح في بم أدبارها
فلم يوجد منها بعير ؛ فلما طال حبس عبد الله بن الحسن قال عبد العزيز بن
كالاً سعيد للمنصور : أتطمع في خرج محمد ، وابراهيم وبنو الحسن مخلون ؟
والله للواحد منهم أهيب في صدور الناس من الأسد فكان ذلك سبب حبس الباقين .
ذكر حملهم إلى العراق
ولما حج المنصور سنة أربع وأربعين ومائة أرسل محمد بن عمران بن ابراهيم بن محمد بن طلحة ، ومالك بن أنس إلى بني الحسن وهم في الحبس يسألهم أن يدفعوا إليه محمداً ، وابراهيم ابني عبد الله فدخلا عليهم -وعبد الله قائم يصلي -. فأبلغاهم دفي نج في الرسالة فقال الحسن بن الحسن أخو جمد الله : هذا عمل ابني المشؤومة أما والله ما هذا عن رأينا ولا عن ملامنا ولنا فيه حكم ، فقال له أخوه ابراهيم : علام تؤذي أخاك في ابنيه وتؤذي ابن أخيك في أمه به ثم فرغ عبد الله من صلاته فأبلغاه الرسالة فقال : لا والله لا أرد عليكما حرفاً إن أحب أن يأذن لي فألقاه فليفعل ، فانطلق الرسولان فأبلغا المنصور فقال : أيسخر بي ؟ لا والله لا ترى عينه عيي حتى يأتيني بابنيه وكان عبد الله لا يحدث أحداً قط إلا قلبه عن رأيه.
ثم سار المنصور لوجهه فلما حج ورجع لم يدخل المدينة ومضى إلى الربذة فخرج إليه رياح إلى الربذة فرده إلى المدينة وأمره بإشخاص بني الحسن إليه ومعهم ثر ثًر أ محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخو بني الحسن لأمهم ، فرجع رياح فأخذهم وسار بهم إلى الربذة وجعلت القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم وجعلهم في محامل بغير وطاء ، ولما خرج بهم رياح من المدينة وقف جعفر بن محمد من وراء ستر يراهم ولا يرونه وهو يبكي ودموعه تجري على لحيته وهو يدعو الله ثم قال : والله لا يحفظ الله حرميه بعد هؤلاء ، ولما ساروا كأن محمد، وابراهيم ابنا عبد الله يأتيان كهيئة الاعراب فيتساران مع أبيهما ويستأذن بالخروج ويقول : لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك وقال لهما : إن منعكما أبو جعفر-يعني المنصور-أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين ، فلما وصلوا إلى الربذة أدخل محمد بن عبد الله العثماني على المنصور وعليه قميص وازار رقيق فلما وقف بين يديه قال : إيهاً ياديوث قال محمد : سبحان الله لقد عرفتني بغير ذلك صغيراً وكبيراً قال : فممن خملت ابنتك رقية ؟ -وكانت تخت ابراهيم بن عبداللّه بن الحسن – وقد أعطيتني الأيمان أن لا تغشني ولا تمالىء علي عدواً أنت ترى ابنتك حامل 9 وزوجها غائب وأنت بين أن تكون حانثاً أو ديوثاً وايم الله اني لأهم برجمها ، قال محمد : أما أيماني فهي علي إن كنت دخلت لك في أمر غش وأما ما رميت به هذه الجارية فإن الله قد أكرمها بولادة رسول – الله صلى الله عليه وسلم إياها ولكني ظننت حين ظهر حملها أن زوجها ألم بها على حين غفلة .
فاغتاظ المنصور من كلامه وأمر بشق ثيابه عن ازاره فحكى أن عورته قد كشفت ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط فبلغت منه كل مبلغ –والمنصور يفتَري عليه لا يكني فأصاب سوط منها وجهه فقال : ويحك اكفف عن وجهي فان له حرمة برسول الله صلى الله عليه وسلم فأغرى المنصور فقال للجلاد : الرأس الرأس فضرب على رأسه نحواً من ثلاثين سوطاً ،وأصاب إحدى عينيه سوط فسالتَ ، ثم اخرج وكأنه زنجي من الضرب وكان من أحسن الناس وكان يسمى الديباج لحسنه - فلما أخرج وثب إليه مولى له فقال : ألا أطرح ركاني عليك ؟ قال : بلى ، جزيت خيراً والله إنك لشفوف ازاري أشد علي من الضرب .
لا وكان سبب
أخشه أن رياحاً قال للمنصور: يا أمير المؤمنين أما أهل خراسان فشيعتك ،
وأما أهل العراق فشيعة آل أبي طالب . وأما أهل الشام فوالله ما علي عندهم
إلا كافر ولكن محمد بن عبد الله العثماني لو دعا أهل الشام ما تخلف عنه
منهم أحد فوقعت في نفس المنصور فأمر به فاخذ معهم وكان حسن الرأي فيه قبل
ذلك ، ثم إن أبا عون كتب إلى المنصور أن أهل خراسان قد تغاشوا عني وطال
عليهم أمر محمد بن عبد الله فأمر المنصور بمحمد بن عبد اللّه بن عمرو
العثماني فقتل وأرسل رأسه إلى خراسان وأرسل معه من يحلف أنه رأس محمد بن
عبد اللّه وأن أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فلما قتل قال
أخوه عبد الله بن الحسن : إنا للّه وإنا إليه راجعون إن كنا لنأمن به فلما
سلطانهم ثم قد قتل بنا في سلطاننا ، ثم ان المنصور أخذهم وسار بهم من
الربذة فمر بهم على بغلة شقراء فناداه عبد الله بن الحسن : يا أبا جعفر ما
هكذا فعلنا بأسرائكم يوم بدر فأخسأه أبو جعفر وثقل عليه ومضى ، فلما تدموا
إلى الكوفة قال عبد الله لمن معه : أما ترون في هذه القرية من لِمنعنا من
هذه الطاغية ؟ قال : فلقيه الحسن ،وعلىِ ابنا أخيه مشتملين على سيفين فقالا
له : قد جئناك يا ابن رسول الله فمرنا بالذي تريد قال : قد قضيتما ما
عليكما ولن تغنيا في هؤلاء شيئاً فانصرفا .
ثم ان المنصور أودعهم بقصر ابن هبيرة شرقي الكوفة ، وأحضر المنصور محمد ابن
ابراهيم بن الحسن - وكان أحسن الناس صورة - فقال له : أنت الديباج الأصغر؟
قال : نعم . قال : لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً ثم أمر به فبنى عليه
اسطوانة وهو حي فمات فيها ، وكان ابراهيم بن الحسن أول من مات منهم ، ثم
عبد الله بن الحسن فدفن تريباً من حيث مات فإن يكن في القبر الذي يزعم
الناس أنه قبره وإلا فهو قريب منه ، ثم مات علي بن الحسن ، وقيل : إن
المنصور أمر بهم فقتلوا ، وقيل : بل أمر بهم فقتلوا ، وقيل :. بل أمر بهم
فسقوا السم ، وقيل : وضع المنصور على عبد الله من قال له: ان ابنه محمداً
قد خرج فقتل فانصدع قلبه فمات ؛ والله أعلم ، ولم ينج منهم الا سليمان ،
وعبد الله ابنا داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، واسحاق واسماعيل ابنا
ابراهيم بن الحسن بن الحسن ، وجعفر بن الحسن وانقضى امرهم .
ذكر عدة حوادث
كان على مكة هذه السنة السري بن عبد الله ؛ وعلى المدينة رياح بن عثمان ،وعلى الكوفة عيسى بن موسى ؛ وعلى البصرة سفيان بن معاوية ، وعلى مصر يزيد بن حاتم بن قتيبة بن المهلب بن أبي صفرة -وهو الذي تال فيه يزيد بن ثابت يمدحه ويهجو يزيد بن أسيد السلمي:-
# لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد
سليم والاغر بن حاتم
في أبيات كثيرة - وكان ممدحاً جواداً - ، وفيها ثار هشام بن عذرة الفهري
وهو من بني عمرو ، ويوسف بن عبد الرحمن الفهري بطليطلة على الأمير عبد
الرحمن الأموي فاتبعه من فيها فسار إليه عبد الرحمن فحاصره وشدد عليه
الحصار فمال إلى الصلح وأعطاه ابنه أفلح رهينة فأخذه عبد الرحمن ورجع إلى
قرطبة فرجع هشام وخلع عبد الرحمن فعاد إليه عبد الرحمن وحاصره ونصب عليه
المجانيق فلم يؤثر فيها لحصانتها فقتل أفلح ابنه ورمى رأسه في المنجنيق
ورحل إلى قرطبة ولم يظفر بهشام . وفيها مات عبد الله بن شبرمة ، وعمرو بن
عبيد المعتزلي -وكل زاهداً -وبريد بن أبي مريم مولى سهل بن الحنظلية ،
وعقيل بن خالد الأيلي صاحب الزهري وكان موته بمصر فجأة - ومحمد بن عمرو بن
علقمة بن وقاص الليثي أبو الحسن المدني ، وهاشم ابن هاشم بن عتبة بن أبي
وقاص المدني ( بريد ) بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة ، و( عُقَيل )
بضم العين المهملة وفتح القاف .
ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائة
ذكر ظهور محمد بن عبداللّه بن الحسن
في هذه السنة كان ظهورُ محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن ابي طالب بالمدينة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة ، وقيل : رابع عشر شهر رمضان ،قد ذكرنا فيما تقدم أخباره وتبعته ، وحمل المنصور أهله إلى العراق ، فلما حملهم وسار بهم رد رياحاً إلى المدينة أميراً عليها ، فألح في طلب محمد ، وضيق عليه ، وطلبه حق سقط ابنه فمات ، وأرهقه الطلبُ يوما فتدك في بثرٍ بالمدينة يناول أصحابه الماء وانغمس في الماء إلى حلقه وكان بَدَنُهُ لا يش لعظمه ، وبلغ رياحاً خبرُ محمد وأنه بالمذار فركب نحوه في جنده ، فتنحى محمد عن طريقه واختفى في دار الجهنية ،فحيث لم يره رياح رجع الى دار مروان ، وكان الذي أعلم رياحاً سليمان بن عبدالله بن أبي سبرة ، فلما اشتد الطلب بمحمد خرج قبل وقته الذي واعد أخاه إبراهيم على الخروج فيه ، وقيل : بل خرج محمد لميعاده مع أخيه ، وإنما أخوه تأخر لجدري سقه ، وكان عبيدالله بن عمرو بن أبي ذئب وعبد الحميد بن جعفر يقولان لمحمد بن عبدالله : ما تنتظره بالخروج فوالله ما على هذه الأمة أشأم منك ، اخرج ولو وجدك فتحرك بذلك أيضاً ، وأتى رياحاً الخبر أن محمداً خارجٌ الليلة ، فأحضر محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد قاضي المدينة والعباس بن عبدالله بن الحرث بن العباس وغيرهما عنده فصمت طويلًا ثم تال لفم : يا أهلَ المدينة أمير المؤمنين يطلب محمداً في شرق الأرض وغربها ، وهو بين م ظهركم ، وأقسم بالله لثن خرج لأقتلنكم أجمعين .
وقال لمحمد بن عمران : أنت قاضي أمير المؤمنين فادع عشيرتك فأرسل تجمع بني زهرة ، فأرسل ، فجاؤوا في جمع كثير فأجلسهم بالباب ، فأرسل فأخذ نفراً من العلويين وغيرهم ، فيهم جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، والحسين بن علي بن أ الحسين بن علي ، والحسن بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي ، ورجال من قريش فيهم إسماعيل بن أيوب بن سلمة بن عبدالله بن الوليد بن المغيرة ، وابنه خالد ، فبينما هم عنده إذ ظهر محمد فسمعوا التكبير فقال ابن مسلم بن عقبة المري وكان مع رياح : أطعني في هؤلاء واضرب أعناقهم ، فقال له الحسين بن علي بن الحسين وابن علي : والله ما ذاك إليك أنا لعلى السمع والطاعة ، وأقبل محمد من المذار في مائة وخمسين رجلًا فأتى في بني سلمة بهؤلاء تفاؤلاً بالسلامة وقصد ا السجن ، فكسر بابه ، وأخرج من فيه ، وكان فيهم . محمد بن خالد بن عبدالله القسري ، وابن اخ النذير بن يزيد ، ورزام فأخرجهم ، وجعل على الرجالة أخوات بن بكير بن خوّات بن جبير ، وأتى دار الإمارة وهو يقول لأصحابه : لا تقتلوا إلّا لا أن يقتلوا فامتنع منهم رياح ، فدخلوا من باب المقصورة وأخذوا رياحاً أسيراً ، وأخاه عباساً وابن مسلم بن عقبة المري فحبسهم في دار الإمارة ، ثم خرج إلى المسجد ، فصعد المنبر ، فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإنه قد كان من أمر هذا الطاغية عدو الله أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبة الخضراء التي بناها معاندةً لله في ملكه وتصغيراً للكعبة الحرام ، وإنما أخذ الله فرعون حين قال : أنأ ربكم الأعلى ، لان أحق الناس بالقيام في هذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار المواسين ، اللهم إنهم لأحلّوا حرامَك وحرموا حلالَك وأمنوا من أخفت وأخافوا من أمنت ، اللهم فأحصِهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً ، أيها الناس إني والله ما خرجت بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوةٍ ولا شدةٍ ، ولكني اخترتكم لنفسي ، والله ما جثت هذه وفي الأرض مصر يعبد الله فيه إلا وقد أخذ لي فيه البيعة ، وكان المنصور يكتب إلى محمد على ألسن قواده يدعونه إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه فكان محمد يقوله ، ويقول : لو التقينا مال إلى القواد كلهم . واستولى محمد على المدينة، واستعمل عليها عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير ، وعلى قضائها عبد العزيز بن المطلب بن عبدالله المخزومي ، وعلى بيت السلاح عبد العزيز الدراوردي ، وعلى الشرط أبا القلمس عثمان بن عبيدالله بن عمر بن الخطاب ، وعلى ديوان العطاء عبدالله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسوّر بن مخرمة ، وقيل : كأن على شرطته عمد الحميد لن جعفر فعزلهُ .
وأرسل محمد إلى محمد بن عبد العزيز إني كنت لأظنك ستنصرنا وتقوم معنا ،فاعتذر إليه وقال : أفعل ، ثم انسلّ منه وأتى مكةَ ، ولم يتخلف عن محمد أحدٌ من وجوه الناس إلا نفر منهم الضحاك بن عثمان بن عبدالله بن خالد لن حزام ، وعبدالله بن المنذر بن المغيرة بن عبدالله بن خالد ، وأبو سلمة بن عبيدالله بن عبيدالله بن عمر ، وحبيب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير . وكأن أهل المدينة قد استفتوا مالك بن أنس في الخروج مع محمد وقالوا : إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر فقال : إنما بايعتم مكرهين ولبس على مكره يمين فأسرع الناس إلى محمد ولزم مالك بيته ، فأرسل محمد إلى اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب -وكان شيخاً كبيراً -فدعاه إلى بيعته فقال : يا ابن أخي أنت والله مقتول ، فكيف أبايعك ؟ فارتدع الناس عنه قليلًا ، وكان بنو معاوية بن عبدالله بن جعفر قد أسرعوا إلى محمد ، فأتت حمادة بنت معاوية إلى إسماعيل بن عبدالله وقالت له : يا عم إن إخوتي قد أسرعوا إلى ابن خالهم ، وإنك إن قلت هذه المقالة ثبطت الناس عنه فيقتل ابن خالي ، وإخوتي ،فأبى إسماعيل إلّا النهي عنه ، فيقال : إن حمادة عدت عليه فقتله ، فأراد محمد الصلاة عليه فمنعه عبدالله بن إسماعيل وقال : أتأمر بقتل أبي وتصلي عليه ؟ فنحاه الحرس وصلى عليه محمد.
ولما ظهر محمد كان محمد بن خالد القسري بالمدينة في حبس رياح فأطلقه ، وقال ابن خالد : فلما سمعت دعوته التي دعا إليها على المنبر قلت : هذه دعوة حق والله لأبلين لله فيها بلاء حسناً فقلت : يا أمير المؤمنين إنك قد خرجت بهذا البلد ، والله لو وقف على نقب من أنقابه أحد مات أهله جوعاً وعطشاً ، فأنهض معي فإنما هي عشر حتى أضربه بمائة ألف سيف ، فأبى علي . فبينا أنا عنده إذ قال : ما وجدنا من خير المتاع شيئاً أجود من شيء وجدناه عند ابن أبي فروة ختن أبي الخصيب وكان انتهبه ،قال : فقلت ألا أراك قد أبصرت خير المتاع ، فكتبت الى المنصور فأخبرته بقلة من معه ، فأخذني محمد ، فحبسني حتى أطلقني عيسى بن موسى بعد. قتله بأيام ، وكان رجل من آل أويس بن ابي سرح العامري عامر بن لوي ، اسمه الحسين بن صخر بالمدينة لما ظهر محمد سار من ساعته إلى المنصور فبلغه في تسعة أيام ، فقدم ليلًا فقام على أبواب المدينة فصاح حتى علموا به وأدخلوه ، فقال الربيع : ما حاجتك في هذه الساعة وأمير المؤمنين نائم ؟ قال : لا بد لي منه .
فدخل الربيع على المنصور ،
فأخبره خبره وأنه قد طلب مشافهته ، فأذن له فدخل عليه فقال : يا أمير
المؤمنين خرج محمد بن عبدالله بالمدينة قال : قتلته والله إن كنت صادقاً ،
أخبرنيِ من معه ، فسقى له من معه من وجوه أهل المدينة وأهل بيته قال : أنت
رأيته وعاينته ، قال : أنا رأيته وعاينته وكلمته على منبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم جالساً، فأدخله أبو جعفر بيتاً ، فلما أصبح جاء رسول لسعيد
بن دينار غلام عيسى بن موسى يلي أمواله بالمدينة ، فأخبره بأمر محمد
وتواترت عليه أخباره ، فأخرج الأويسي فقال : لأوطئن الرجال عقبيك ولأعيننك
، فأمر له بتسعةِ آلاف درهمٍ لكل ليلةٍ ألفُ درهم . وأشفق من محمد ، فقال
له الحارثي المنجم : يا أمير المؤمنين ما يُجزعكَ منه ؟ والله لو ملك الأرض
ما لبث إلّا تسعين يوماً ،فأرسل المنصور إلى عمه عبدالله بن علي – وهو
محبوسٌ - إنّ هذا الرجل قد خرج فإن كان عندك رأي فأشر به علينا – وكان ذا
رأي عندهم – فقال : إن المحبوس محبوس الرأي ، فارسل إليه المنصور لو جاءني
حتى يضرب بابي ما أخرجتك ، وأنا خير لك منه وهو ملك أهل بيتك ، فأعاد عليه
عبدالله ، ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة فاجثم على أكنافهم فانهه ا شيعة
أهل هذا البيت وأنصاره ، ثم احففها بالمسالح فمن خرج منها إِلى وجه من
الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه ؛ وابعث إلى سلم بن قتيبة
يتحدر إليك -وكان بالري -واكتب إلى أهل الشام ، فمرْهم أن يحملوا إليك من
أهل البأس والنجدة ما حمل البريد ، فأحسن جوائزهم ، ووجههم مع سلم ، ففعل ،
وقيل : أرسل المنصور الى عبدالله مع إخوته يستشيرونه في أمر محمد وقال لهم
: لا يعلم عبدالله أني أرسلتكم إليه ، فلما دخلوا عليه قال : لأمر ما جشم
ما جاء بكم جميعاً وقد هجرتموني مذ دهرٍ ؟ قالوا : إنا استأذنا أمير
المؤمنين ، فأذن لنا قال : ليس هذا بشيء فما الخبر؟ قالوا : خرج محمد بن
عبدالله قال : فما ترون ابن سلامة صانعاً -يعني المنصور-قالوا : لا ندري
والله قال : ان البخل قد قتله ، فمروه ، فليخرج الأموال وليعط الأجناد ،
فان غلب فما أسرع ما يعود إليه ماله وإن غلب لم يقدم صاحبه على دينار ولا
درهم .
ولما ورد الخبر لم على المنصور بخروج محمد كان المنصور قد خط مدينة بغداد
بالقصب ، فسار إلى الكوفة ومعه عبدالله بن الربيع بن عبيدالله بن عبد
المدان فقال له المنصور : إن محمداً قد خرج بالمدينة ، فقال عبدالله : هلك
وأهلك ، خرج في غير عدد ولا رجال . حدثني سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي
قال : كنت مع مروان يوم الزاب واقفاً فقال لي مروان : من هذا الذي يقاتلني
؟ قلت : عبدالله بن علي بن عبدالله بن عباس قال : وددت والله أن علي بن أبي
طالب يقاتلني مكانه ، إن علياً وولده لا حظ لهم في هذا الأمر، وهل هو إلا
رجل من بني هاشم وابن عم رسول الله معه ريح الشام ونصر الشام ،يا ابن جعدة
تدري ما حملني أن عقدت لعبدالله وعبيدالله بعدي وتركت عبد الملك وهو أكبر
من عبيدالله ؟ قال ابن جعدة : لا . قال : وجدت الذي يلي هذا الأمر عبدالله
وعبيدالله وكان عبيدالله أقرب الى عبدالله من عبد الملك فعقدت له ،
فاستحلفه المنصور على صحة ذلك ، فحلف له ، فسرى عنه .
ولما بلغ المنصور خبر ظهور محمد قال لأبي
أيوب وعبد الملك : هل من رجلٍ تعرفانه بالرأي يجمع رأيه إِلى رأينا ؟ قالا
: بالكوفة بديل بن يحيى – وكان السفاح يشاوره – فارسل إليه وقال له : إن
محمداً قد ظهر بالمدينة قال : فاشحن الأهواز بالجنود ، قال : انه ظهر
بالمدينة ، قال : قد فهمت ، وإنما الأهوازُ الباب الذي تؤتون منه ، فلما
ظهر إبراهيم بالبصرة قال له المنصور ذلك ، قال : فعاجله بالجنود واشغل
الأهواز عليه ، وشاور المنصور أيضاً جعفر بن حنْظَلة البهراني عند ظهور
محمد ،فقال :وجه الجنود إلى البصرة ، تال : انصرف حتى أرسلَ إليك .
فلما صار إبراهيم إلى البصرة أرسل إليه ، فقال له ذلك ، فقال : إني خفت
بادرة الجنود ، قال : وكيف خفت البصرة ؟ قال : لأن محمداً ظهر بالمدينة
وليسوا أهل الحرب بحسبهم أن يقيموا شان أنفسهم ، وأهل الكوفة تحت قدمك ،
وأهل الشام أعداء آل أبي طالب فلم يبق إلا البصرة ، ثم إن المنصور كتب إلى
محمد : بسم الله الرحمن الرحيم { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ،
ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا ، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من
خلاف ، أو ينفوا من الأرض }[المائدة : 33] الآيتين . ولك عهد الله وميثاقه
وذمة رسوله أن أؤمنك ، وجميع ولدك ، وإخوتك ، وأهل بيتك ، ومن اتبّعكم ،
على دمائكم ، وأموالكم ، وأسوغك ما أصبت من دم ، أو مال ، وأعطيك ألف ألف
درهم وما سألت من الحوائج ، وأنزلك من البلاد حيث شئت ، وأن أطلق من في
حبسي من أهل بيتك ، وأن أؤمن كل من جاءك وبايعك واتبّعك أو دخل في شيء من
أمرك ، ثم لا أتبع أحداً منهم بشيء كان منه أبداً ، فإن أردت أن تتوثق
لنفسك فوجّه إليّ من أحببت يأخذ لك مني الأمان والعهد والميثاق ما تتوثق به
والسلام . فكتب إليه محمد { طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ
موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون - إلى -يحذرون } [القصص : 1-6] وأنا أعرض
عليك من الأمان مثل ما عرضت علي ، فإًن الحق حقنا ،وإنما ادعيتم هذا الأمر
بنا ، وخرجتم له بشيعتنا ، وحظيتم بفضله فإن أبانا علياً كان الوصي ، وكان
الإمام ، فكيف ورثتم ولايته وولده أحياء ، ثم قد علمت أنه لم يطلب الأمر
أحد مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف آبائنا ، لسنا من أبناء اللعناء ولا
الطرداء ولا الطلقاء ، وليس يمت أحد من بني هاشم بمثل الذي نمت به من
القرابة ، والسابقة ، والفضل . وإنا بنو أم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاطمة بنت عمرو في الجاهلية وبنو بنته فاطمة في الإسلام دونكم ، إن الله
اختارنا واختار لنا ، فوالدنا من النبيين محمد أفضلهم ، ومنهم السلف أولهم
إسلاماً علي ، ومن الأزواج أفضلهن خديجة الطاهرة وأول من صلى إلى القبلة ،
ومن البنات خيرهن فاطمة سيدة نساء العالمين وأهل الجنة ، ومن المولودين في
الإسلام حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأن هاشماً ولد علياً مرتين ، وأن
عبد المطلب ولد حسناً مرتين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدني مرتين
من قبل حسن وحسين ، وإني أوسط بني هاشم نسباً وأصرحهم أباً ، لم تعرف في
العجمة ولم تنازع في أمهات الأولاد فما زال الله يختار لي الأباء والأمهات
في الجاهلية والإسلام حتى اختار لي في الأشرار ، فأنا ابن أرفع الناس درجةً
في الجنة ، وأهونهم عذاباً في النار ؛ ولك الله على أن دخلت في طاعتي وأجبت
دعوتي أن أؤمنك على نفسك ومالك ، وعلى كل أمراً حدثته إلّا حداً من حدود
الله ، أو حقاً لمسلم ، أو معاهد فقد علمت ما يلزمني من ذلك ، وأنا أولى
بالأمر منك ، وأوفى بالعهد لأنك أعطيتني من الأمان والعهد ما أعطيته رجالاً
قبلي ، فأي الأمانات تعطيني ؟ أمان ابن هبيرة ، أم أمان عمك عبدالله بن علي
، أم أمان أبي مسلم ؟
(نقص)
ولد ولهو خير من جدك حسن بن حسين ؛ وما كان فيكم بعده مثل محمد بن علي
وجدته أم ولد ولهو خير من أبيك ، ولا مثل ابنه جعفر وجدته أم ولد ، وهو خير
منك ، وأما قولك : إنكم بنو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى
يقول في كتابه : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } [الأحزاب :40 ] ولكنكم
بنو بنته ، وإنها لقرابة قريبة ولكنها لا يجوز لها الميراث ولا ترث الولاية
ولا يجوز لها الإمامة فكيف تورث بها ، ولقد طلبها أبوك بكل وجهٍ ، فأخرجَ
فاطمة نهاراً ومرضها سراً ودفنها ليلاً ، فأبى الناس إلا الشيخين ، ولقد
جاءت السنة التي لا اختلاف فيها من المسلمين أن الجد أبا الأم والخال
والخالة لا يورثَون ، وأمّا ما فخرت به من علي وسابقته فقد حضرت رسول الله
صلى الله عليه وسلم الوفاة،فأمر غيره بالصلاة ثم أخذ الناس رجلًا بعد رجل
فلم يأخذوه ، وكان في الستة فتركوه كلهم دفعاً له عنها ولم يروا له حقاً
فيها ، وأما عبد الرحمن فقدم عليه عثمان وهو له متهم وقاتله طلحة والزبير ،
وأبى سعد بيعته فأغلق بابه دونه ثم بايع معاوية بعده ، ثم طلبها بكل وجه
وقاتل عليها وتفرق عنه أصحابه ، وشك فيه شيعته قبل الحكومة ثم حكم حكمين
رضي بهما وأعطاهما عهد الله وميثاقه ، فاجتمعا على خلعه . ثم كان حسن
فباعها من معاوية بخرق ودراهم ولحق بالحجاز وأسلم شيعته بيد معاوية ، ودفع
الأمر إلى غير أهله وأخذ مالاً من غير ولاية ولا حِلَّة ، فإن كان لكم فيها
شيء فقد بعتموه وأخذتم ثمنه ثم خرج عمك حسين على ابن مرجانة فكان الناس معه
عليه حتى قتلوه وأتوا برأسه إليه .
ثم خرجتم على بني أمية ، فقتلوكُم وصلبوكُم على جذوع النخل ، وأحرقوكم بالنيران ، ونفوكم من البلدان حتى قُتل يحمى بن زيد بخراسان ، وقتلوا رجالكم وأسروا الصبية والنساء ، وحملوهم بلا وطء في المحامل كالسبي المجلوب إلى الشام ، حتى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركمِ ، وأدركنا بدمائكم ، وأورثناكم أرضهم وديارهم ، وسنَيْنا سلفكم ، وفضّلناه فاتخذت ذلك علينا حجة ، وظننت أنأ إنما ذكرنا أباك للتقدمة مناله على حمزة، والعباس ، وجعفر وليس ذلك كما ظننت ، ولكن خرج هؤلاء من الدنيا سالمين متسلماً منهم مجتمعاً عليهم بالفضل ، وابتلى أبوكُ بالقتال والحرب ، وكانت بنو أمية تلعنه كما تلعن الكفرة في الصلاة المكتوبة فاحتججنا وذكرناهم فضله وعنفناهم وظلمناهم بما نالوا منه ، فلقد علمت لم ن مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحاج الأعظم وولاية زمزمَ فصارت للعباس من بين إخوته ، فنازعنا فيها أبوك فقضى لنا عليه عمر، فلم نزل نليها في الجاهلية والإسلام . ولقد خط أهل المدينة فلم يتوسل عمر إلى ربه ولم يتقرب إليه إلا بابينا حتى يغيثهم الله ، فسقاهم الغيث وأبوك حاضر لم يتوسل به، ولقد علمت أنه لم يبق أحد من بني عبد المطلب بعد النبي صلى الله عليه وسلم غيره ، فكانت وراثة من عمومته ، ثم طلب هذا الأمر غير واحد من بني هاشم فلم ينله إلا ولده فالسقاية سقايته وميراث النبي له والخلافة في ولده ، فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا إسلام في الدنيا والآخرة إلّا والعباس وارثه ومورثه .
وأما ما ذكرت من بدرٍ فإن الإسلام جاء ، والعباس يمون أبا طالب وعياله وينفق عليهم للأزمة التي أصابته ، ولولا أن العباس أخرج إلى، بدر كارهاً لمات طالب وعقيل جوعاً ، وللحسا أجفان عتبة وشيبة ، ولكنه كأن من المطعمَين ، فاذهب عنكم العار والسبة وكفأكم النفقة والمؤونة ، ثم فدى عقيلًا يوم بدر ، فكيف تفخر علينا وقد علْناكم في الكفر ، وفديناكم وجزنا عليكم مكارم الآباء ، وورثنا دونكم خاتم الأنبياء ، وطلبنا بثأركم فأدركنا منه ما عجزتم عنه ولم تدركوا لأنفسكم ؟ والسلام عليكم ورحمة اللّه .
وكان محمد قد استعمل محمد بن الحسن بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب على مكة ، والقاسم لن إسحاق على اليمن ، وموسى بن عبدالله على الشام ، فأما محمد بن الحسن ، والقاسم فسار إلى مكة فخرج إليهما السري بن عبدالله عامل المنصور على مكة ، فلقيهما ببطن م ذاخر فهزماه ،ودخل محمد مكة وأقام بها يسيراً فأتاه كتاب محمد بن عبدالله يأمره بالمسير إليه فيمن معه ويخبره بمسير عيسى بن موسى إليه ليحاربه ، فسار إليه من مكة هو والقاسم فبلغه بنواحي قديد ، قتل محمد فهرب هو وأصحابه وتفرقوا ، فلحق محمد بن الحسن بإبراهيم ، فاقام عنده حتى قتل إبراهيم ،واختفى القاسم بالمدينة حتى أخذت له ابنة عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر امرأة عيسى الأمان له ولإخوته معاوَية وغيره ، وأما موسى بن عبدالله فسار نحو الشام ومعه رزام مولى محمد بن خالد القسري فأنسل منه رزام تيمناً وسار إلى المنصور برسالة من مولاه محمد القسري ، فظهر محمد بن عبدالله على ذلك فحبس محمد القسري ، ووصل موسى إلى الشام فرأى منهم سو رد عليه وغلظة ، فكتب إلى محمد : أخبرك أني لقيت الشام وأهله فكان أحسنهم قولًا الذي قال : والله لقد مللنا البلاء وضقنا حتى ما فينا لهذا الأمر موضع ولا لنا به حاجة ، ومنهم طائفة تحلف لئن أصبحنا من ليلتنا وأمسينا من غد ليرفعن أمرنا ، فكتبت إليك وقد غيبت وجهي وخفت على نفسي ، ثم رجع إلى المدينة .
وقيل : أتى البصرة وأرسل صاحباً له يشتري له طعاماً ، فاشتراه وجاء به على حمار أسود ، فأدخله الدار التي سكنها وخرج ، فلم يكن .بأسرع من أن كبست الدار وأخذ موسى وابنه عبدالله وغلامه فأخذوا وحملوا إلى محمد بن سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس ، فلما رأى موسى قال : لا قَرَّبَ الله قرابتكم ، ولا حيّا وجوهكم ، تركت البلاد كلها إلّا بلداً أنا فيه ، فإن وصلتُ أرحامكم أغضبتُ أمير المؤمنين ، وإن أطعته قطعتُ أرحامَكم ، ثم أرسلهم إلى المنصور فأمر ، فضرب موسى وابنه كل واحد خمسمائة سوطٍ فلم يتأوهوا ، فقال المنصور : أعذرتُ أهل الباطل في صبرهم ، فما بال هؤلاء ، فقال موسى : أهل الحق أولى بالصبر ، ثم أخرجهم وأمر بهم فسجنوا. (خُبيب بن ثابت ) بالخاء المعجمة المضمومة وبباءين موحدتين وبينهما ياء مثناة من تحتها.