المجلد الخامس - ذكر ظفر هشام بأخويه ومطروح

وفيها فرغ هشام بن عبد الرحمن صاحب الأندلس من أخويه سليمان وعبد الله وأجلاهما عن الأندلس فلما خلا سره منهما انتدب لمطروح ابن سليمان بن يقظان فسير إليه جيشًا كثيفأن وجعل عليهم أبا عثمان عبيد الله بن عثمان فساروا إلى مطروح وهوبسرقسطة فحصروه بهأن فلم يظفروا به فرجع أبوعثمان عنه ونزل بحصن طرسونة بالقرب من سرقسطة وبث سراياه على أهل سرقسطة يغيرون ويمنعون عنهم الميرة‏.‏

ثم إن مطروحًا خرج في بعض الأيام آخر النهار يتصيد فأرسل البازي على طائر فاقتنصه فنزل مطروح ليذبحه بيده ومعه صاحبان له قد انفرد بهما عن أصحابه فقتلاه واحتزا رأسه وأتيا به أبا عثمان فسار إلى سرقسطة فكاتبه أهلها بالطاعة فقبل منهم وسار إليها فنزلهأن وأرسل رأس مطروح إلى هشام‏.‏

ذكر غزاة هشام بالأندلس

ثم إن أبا عثمان لما فرغ من مطروح أخذ الجيش وسار بهم إلى بلاد الفرنج فقصد ألية والقلاع فلقيه العدو فظفر بهم وقتل منهم خلقًا كثيرأن وفتح الله عليه‏.‏

وفيها سير هشام أيضًا يوسف بن بخت في جيش إلى جليقية فلقي ملكهم وهوبرمند الكبير فاقتتلوا قتالًا شديدأن وانهزمت الجلالقة وقتل منهم عالم كثير‏.‏

وفيها انقاد أهل طليطلة إلى طاعة الأمير فآمنهم‏.‏

وفيها سجن هشام أيضًا ابنه عبد الملك لشيء بلغه عنه فبقي مسجونًا حياة أبيه وبعض ولاية أخيه فتوفي محبوسًا سنة ثمان وتسعين ومائة‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها خرج بخراسان حصين الخارجي وهومن موالي قيس بن ثعلبة من أهل أوق وكان على سجستان عثمان بن عمارة فأرسل جيشا فلقيهم حصين فهزمهم ثم أتى خراسان وقصد باذغيس وبوشنج وهراة وكتب الرشيد إلى الغطريف في طلبه فسير إليه الغطريف داود بن يزيد في اثني عشر ألفا فلقيهم حصين في ستمائة فهزمهم وقتل منهم خلقًا كثيرًا‏.‏

ثم سار في خراسان إلى أن قتل سنة سبع وسبعين ومائة‏.‏

وفيها توفي المسيب بن زهير بن عمر بن مسلم الضبي وقيل سنة ست وسبعين وكان على شرط المنصور والمهدي وولاه المهدي خراسان‏.‏

وفيها ولد إدريس بن إدريس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب‏.‏

حوادث سنة ست وسبعين ومائة

ذكر ظهور يحيى بن عبد الله بالديلم


في هذه السنة ظهر يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بالديلم واشتدت شوكته وكثر جموعه وأتاه الناس من الأمصار فاغتم الرشيد لذلك فندب إليه الفضل بن يحيى في خمسين ألفا وولاه جرجان وطبرستان والري وغيرهما وحمل معه الأموال فكاتب يحيى بن عبد الله ولطف به وحذره وأشار عليه وبسط أمله‏.‏

ونزل الفضل بالطالقان بمكان يقال له أشب ووالى كتبه إلى يحيى وكاتب صاحب الديلم وبذل له ألف ألف درهم على أن يسهل له خروج يحيى بن عبد الله فأجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب له الرشيد أمانًا بخطه يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلة بني هاشم ومشايخهم منهم‏:‏ عبد الصمد بن علي فأجابه الرشيد إلى ذلك وسر به وعظمت منزلة الفضل عنده وسير الأمان مع هدايا وتحف فقدم يحيى مع الفضل بغداد فلقيه الرشيد بكل ما احب وأمر له بمال كثير‏.‏

ثم أن الرشيد حبسه فمات في الحبس وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى على محمد بن الحسن الفقيه وعلى أبي البختري القاضي فقال محمد‏:‏ الأمان صحيح فحاجه الرشيد فقال محمد‏:‏ وما يصنع بالأمان لوكان محاربان ثم ولي وكان آمنًا وقال أبو البختري‏:‏ هذا أمان منتقض من وجه كذا فمزقه الرشيد‏.‏

ذكر ولاية عمر بن مهران مصر

وفيها عزل الرشيد موسى بن عيسى عن مصر ورد أمرها إلى جعفر بن يحيى بن خالد فاستعمل عليها جعفر عمر بن مهران‏.‏

وكان سبب عزله أن الرشيد بلغه أن موسى عازم على الخلع فقال‏:‏ والله لا أعزله إلا بأخس من على بابي‏!‏ فأمر جعفر فأحضر عمر بن مهران وكان أحول مشوة الخلق وكان لباسه خسيسا وكان يردف غلامه خلفه فلما قال له الرشيد‏:‏ أتسير إلى مصر أميرًا قال‏:‏ أتولاها على شرائط إحداها أن يكون إذني إلى نفسي إذا أصلحت البلاد انصرفت فأجابه إلى ذلك‏.‏

فسار فلما وصل إليها أتى دار موسى فجلس في أخريات الناس فلما تفرقوا قال‏:‏ ألك حاجة قال‏:‏ نعم‏!‏ ثم دفع إليه الكتب فلما قرأها قال‏:‏ هل يقدم أبوحفص أبقاه الله قال‏:‏ أنا أبوحفص‏.‏

قال موسى‏:‏ لعن الله فرعون حيث قال‏:‏ ‏{‏أليس لي ملك مصر‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 51‏]‏‏.‏ ثم سلم له العمل فقدم عمر إلى كاتبه أن لا يقبل هدية إلا ما يدخل في الكيس فبعث الناس بهداياهم فلم يقبل دابة ولا جارية ولم يقبل إلا المال والثياب فأخذها وكتب عليها أسماء أصحابها وتركها‏.‏

وكان أهل مصر قد اعتادوا المطل بالخراج وكسره فبدأ عمر برجل منهم فطالبه بالخراج فلواه فأقسم أن لا يبؤديه إلا بمدينة السلام فبذل الخراج فلم يقبله منه وحمله إلى بغداد فأدى الخراج بها فلم يمطله أحد فأخذ النجم الأول والنجم الثاني فلما كان النجم الثالث وقعت المطاولة والمطل وشكوا الضيق فأحضر تلك الهدايا وحسبها لأربابها وأمرهم بتعجيل الباقي فأسرعوا في ذلك فاستوفي خراج مصر عن آخره ولم يفعل ذلك غيره ثم انصرف إلى بغداد‏.‏

ذكر الفتنة بدمشق

وفي هذه السنة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية وكان رأس المضرية أبوالهيذام

واسمه عامر بن عمارة بن خريم الناعم بن عمروبن الحارث بن خارجه بن سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان المري أحد فرسان العرب المشهورين‏.‏

وكان سبب الفتنة أن عاملًا للرشيد بسجستان قتل أخًا لأبي الهيذام فخرج أبوالهيذام بالشام وجمع جمعًا عظيما وقال يرثي أخاه‏:‏ سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا فإن بها ما يدرك الطالب الوترا ولسنا كمن ينعي أخاه بغيره يعصرها من ماء مقلته عصرًا وإنا أناس ما تفيض دموعنا على هالك منا وإن قصم الظهرا ولكنني أشفي الفؤاد بغارة ألهب في قطري كتائبها جمرًا وقيل إن هذه الأبيات لغيره والصحيح أنها له ثم إن الرشيد احتال عليه بأخ له كتب إليه فأرغبه ثم شد عليه فكتفه وأتى به الرشيد فمن عليه وأطلقه‏.‏

وقيل‏:‏ كان أول ما هاجت الفتنة في الشام أن رجلًا من بني القين خرج بطعام له يطحنه في الرحا بالبقاء فمر بحائط رجل من لخم أوجذام وفيه بطيخ وقثاء فتناول منه فشتمه صاحبه وتضاربا وسار القيني فجمع صاحب البطيخ قومًا من أهل اليمن ليضربوه إذا عاد فلما عاد وكان على دمشق حينئذ عبد الصمد بن علي فلما خاف الناس أن يتفاقم ذلك أجتمع أهل الفضل والرؤساء ليصلحوا بينهم فأتوا بني القين فكلموهم فأجابوهم إلى ما طلبوا فأتوا اليمانية فكلموهم فقالوا‏:‏ انصرفوا عنا حتى ننظر ثم ساروا فبيتوا بني القين فقتلوا منهم ستمائة وقيل ثلاثمائة فاستنجدت القين قضاعة وسليحا فلم ينجدوهم فاستنجدت قيسًا فأجابوهم وساروا معهم إلى الصواليك من أرض البلقاء فقتلوا من اليمانية ثمامنائة وكثر القتال بينهم فالتقوا مرات‏.‏

وعزل عبد الصمد عن دمشق واستعمل عليها إبراهيم بن صالح بن علي فدام ذلك الشر بينهم نحوسنتين والتقوا بالبثنية فقتل من اليمانية نحوثماني مائة ثم اصطلحوا بعد شر طويل‏.‏

ووفد إبراهيم بن صالح على الرشيد وكان ميله مع اليمانية فوقع في قيس عند الرشيد فاعتذر عنهم عبد الواحد بن بشر النصري من بني نصر فقبل عذرهم ورجعوا واستخلف إبراهيم بن صالح على دمشق ابنه إسحاق وكان ميله أيضًا مع اليمانية فأخذ جماعة من قيس فحبسهم وضربهم وحلق لحاهم فنفر الناس ووثبت غسان برجل من ولد قيس بن العبسي فقتلوه فجاء أخوه إلى ناس من الزواقيل بحوران فاستنجدهم فأنجدوه وقتلوا من اليمانية نفرًا‏.‏

ثم ثارت اليمانية بكليب بن عمروبن الجنيد بن عبد الرحمن وعنده ضيف له فقتلوه فجاءت

أم الغلام بثيابه إلى أبي الهيذام فألقتها بين يديه فقال‏:‏ انصرفي حتى ننظر فإني لا أخبط خبط العشواء حتى يأتي الأمير ونرفع إليه دماءنا فإن نظر فيها وإلا فأمير المؤمنين ينظر فيها‏.‏

ثم أرسل إسحاق فأحضر أبا الهيذام فحضر فلم يأذن له ثم إن أناسًا من الزواقيل قتلوا رجلًا من اليمانية وقتلت اليمانية رجلًا من سليم ونهبت أهل تلفياثا وهم جيران محارب فجاءت محارب إلى أهل الهيذام فركب معهم إلى إسحاق في ذلك فوعدهم الجميل فرضي فلما انصرف أرسل إسحاق إلى اليمانية يغريهم بأبي الهيذام فاجتمعوا وأتوا أبا الهيذام من باب الجابية فخرج إليهم في نفر يسير فهزمهم واستولى على دمشق وأخرج أهل السجون عامة‏.‏

ثم إن أهل اليمانية استجمعت واستنجدت كلبا وغيرهم فأمدوهم وبلغ الخبر أبا الهيذام فأرسل إلى المضرية فأتته الأمداد وهويقاتل اليمانية عند باب تومان فانهزمت اليمانية‏.‏

ثم إن اليمانية أتت قرية لقيس عند دمشق فأرسل أبوالهيذام إليهم الزواقيل فقاتلوهم فانهزمت اليمانية أيضا ثم لقيهم جمع آخر فانهزموا أيضا ثم أتاهم الصريخ‏:‏ أدركوا باب توما فأتوه فقاتلوا اليمانية فانهزمت أيضا فهزموهم في يوم واحد أربع مرات ثم رجعوا إلى أبي الهيذام‏.‏

ثم أرسل إسحاق إلى أبي الهيذام يأمره بالكف ففعل وأرسل إلى اليمانية‏:‏ قد كففته عنكم فدونكم الرجل فهوغار فأتوه من باب شرقي متسللين فأتى الصريخ أبا الهيذام فركب في فوارس من أهله فقاتلهم فهزمهم‏.‏

ثم بلغه خبر جمع آخر لهم على باب توما فأتاهم فهزمهم أيضًا ثم جمعت اليمانية أهل الأردن والخولان وكلبًا غيرهم وأتى الخبر أبا الهيذام فأرسل من يأتيه بخبرهم فلم يقف لهم على خبر في ذلك وجاؤوا من جهة أخرى كان آمنًا منها لبناء فيها‏.‏

فلما انتصف النهار ولم ير شيئًا فرق أصحابه فدخلوا المدينة ودخلها معهم وخلف طليعة فلما رآه إسحاق قد دخل أرسل إلى ذلك البناء فهدمه وأمر اليمانية بالعبور ففعلوا فجاءت الطليعة إلى أبي الهيذام فأخبروه الخبر وهوعند باب الصغير ودخلت اليمانية المدينة وحملوا على أبي الهيذام فلم يبرح وأمر بعض أصحابه أن يأتي اليمانية من ورائهم ففعلوا فلما رأتهم اليمانية تنادوا‏:‏ الكمين الكمين وانهزموا وأخذ منهم سلاحًا وخيلًا‏.‏

فلما كان مستهل صفر جمع إسحاق الجنود فعسكروا عند قصر الحجاج وأعلم أبوالهيذام أصحابه فجاءته القين وغيرهم واجتمعت اليمن إلى إسحاق فالتقى بعض العسكر فاقتتلوا فانهزمت اليمانية وقتل منهم ونهب أصحاب أبي الهيذام بعض داريأن وأحرقوا فيها ورجعوا فأرسلت ابنة الضحاك بن رمل السكسكي وهي يمانية إلى أبي الهيذام تطلب منه الأمان فأجابها وكتب لها ونهب القرى التي لليمانية بنواحي دمشق وأحرقهأن فلما رأت اليمانية ذلك أرسل إليه ابن خارجة الحرشي وابن عزة الخشني وأتاه الأوزاع والأوصاب ومقرأن وأهل كفر سوسية والحميريون وغيرهم يطلبون الأمان فآمنهم فسكن الناس وأمنوا‏.‏

وفرق أبوالهيذام أصحابه وبقي في نفر يسير من أهل دمشق فطمع فيه إسحاق فبذل الأموال للجنود ليواقع أبا الهيذام فأرسل العذافر السكسكي في جمع إلى أبي الهيذام فقاتلوهم فانهزم العذافر‏.‏

ودامت الحرب بين أبي الهيذام وبين الجنود من الظهر إلى المساء وحملت خيل أبي الهيذام على الجند فجالوا ثم تراجعوا وانصرفوا وقد جرح منهم أربعمائة ولم يقتل منهم أحد وذلك نصف صفر‏.‏

فلما كان الغد لم يقتتلوا إلى المساء فلما كان آخر النهار تقدم إسحاق في الجند فقاتلهم عامة الليل وهم بالمدينة واستمد أبوالهيذام أصحابه وأصبحوا من الغد فاقتتلوا والجند في اثني عشر ألفا وجاءتهم اليمانية وخرج أبوالهيذام من المدينة فقال لأصحابه وهم قليلون‏:‏ أنزلوا فنزلوا وقاتلوهم على باب الجابية حتى أزالوهم عنه‏.‏

ثم إن جمعًا من أهل حمص أغاروا على قرية لأبي الهيذام فأرسل طائفة من أصحابه إليهم فقاتلوهم فانهزم أهل حمص وقتل منهم بشر كثير وأحرقوا قرى في الغوطة لليمانية وأحرقوا داريأن ثم بقوا نيفًا وسبعين يومًا لم تكن حرب‏.‏

فقدم السندي مستهل ربيع الآخر في الجنود من عند الرشيد فأتته اليمانية تغريه بأبي الهيذام وأرسل أبوالهيذام إليه يخبره أنه على الطاعة فأقبل حتى دخل دمشق وإسحاق بدار الحجاج فلما كان الغد أرسل السندي قائدًا في ثلاثة آلاف وأخرج إليهم أبوالهيذام ألفا فلما رآهم القائد رجع إلى السندي فقال‏:‏ أعط هؤلاء ما أرادوأن فقد رأيت قومًا الموت أحب إليهم من الحياة فصالح أبوالهيذام وأمن أهل دمشق والناس‏.‏

وسار أبوالهيذام إلى حوران وأقام السندي بدمشق ثلاثة أيام وقدم موسى بن عيسى واليًا عليهأن فلما دخلها أقام بها عشرين يوما واغتمن غرة أبي الهيذام فأرسل من يأتيه به فكبسوا داره فخرج هو وابنه خريم وعبد له فقاتلوهم ونجا منهم وانهزم الجند‏.‏

وسمعت خيل أبي الهيذام فجاءته من كل ناحية وقصد بصرى وقاتل جنود موسى بطرف اللجاة فقتل منهم وانهزموأن ومضى أبو الهيذام فلما أصبح أتاه خمسة فوارس فكلموه فأوصى أصحابه بما أراد وتركهم ومضى وذلك لعشر بقين من رمضان سنة سبع وسبعين ومائة‏.‏

وكان أولئك النفر قد أتوه من عند أخيه يأمره بالكف ففعل ومضى معهم وأمر أصحابه بالتفرق وكان آخر الفتنة ومات أبوالهيذام سنة اثنتين وثمانين ومائة‏.‏

هذا ما أردنا ذكره على سبيل الاختصار‏.‏

خريم بضم الخاء المعجمة وفتح الراء‏.‏وحارثة بالحاء المهملة والثاء المثلثة‏.‏

ونشبه بضم النون وسكون الشين المعجمة وبعدها باء موحدة‏.‏

وبغيض بالباء الموحدة وكسر الغين المعجمة وآخره ضاد معجمة وريث بالراء والياء تحتها نقطتان وآخره ثاء مثلثة‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا عبد الملك بن عبد الواحد بجيش صاحب الأندلس بلاد الفرنج فبلغ ألية والقلاع فغمن وسلم‏.‏

وفيها استعمل هشام ابنه الحكم على طليطلة وسيره إليه أن فضبطه أن وأقام بهأن وولد له بها ابنه عبد الرحمن بن الحكم وهو الذي ولي الأندلس بعد أبيه‏.‏

وفيها استعمل الرشيد على الموصل الحاكم بن سليمان‏.‏

وفيها خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين فأخذ من أهلها مالأن وسار إلى دارا وآمد وارزن فأخذ منهم مالا وكذلك فعل بخلاط ثم رجع إلى نصيبين وأتى الموصل فخرج إليه عسكرها فهزمهم على الزاب ثم عادوا لقتاله فقتل الفضل وأصحابه‏.‏

وفيها مات الفرج بن فضالة وصالح بن بشر المري القارئ وكان ضعيفًا في الحديث‏.‏

وفيها توفي عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمروبن حزم أبوطاهر الأنصاري وكان قاضيًا ببغداد‏.‏

وفيها توفي نعيم بن ميسرة النحوي الكوفي وأبوالأحوص وأبوعوانة واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء الليثي وكان مولده سنة اثنتين وتسعين‏.‏

حوادث سنة سبع وسبعين ومائة

ذكر غزو الفرنج بالأندلس


وفيها سير هشام صاحب الأندلس جيشًا كثيفا واستعمل عليهم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث فدخلوا بلاد العدو فبلغوا أربونة وجرندة فبدأ بجرندة وكان بها حامية الفرنج فقتل رجالهأن وهدم أسوارها وأبراجهأن وأشرف على فتحهأن فرحل عنها إلى أربونة ففعل مثل ذلك وأوغل في بلادهم ووطئ أرض شرطانية فاستباح حريمهأن وقتل مقاتليها وجاس

البلاد شهورًا يخرب الحصون ويحرق ويغمن قد أجفل العدومن بين يديه هاربأن وأوغل في بلادهم ورجع سالمًا معه من الغنائم ما لا يعلمه إلا الله تعالى وهي من أشهر مغازي المسلمين بالأندلس‏.‏

ذكر استعمال الفضل بن روح بن حاتم على إفريقية

وفي هذه السنة وهي سنة سبع وتسعين استعمل الرشيد على إفريقية الفضل بن روح بن حاتم وكان الرشيد لما توفي روح استعمل بعده حبيب بن نصر المهلبي فسار الفضل إلى باب الرشيد وخطب ولاية إفريقية فولاه فعاد إليهأن فقدم في المحرم سنة سبع وسبعين ومائة فاستعمل على مدينة تونس ابن أخيه المغيرة بن بشر بن روح وكان غارا فاستخف بالجند‏.‏

وكان الفضل أيضًا قد أوحشهم وأساء السيرة معهم بسبب ميلهم إلى نصر بن حبيب الوالي قبله فاجتمع من بتونس وكتبوا إلى الفضل يستعفون من ابن أخيه فلم يجبهم عن كتابهم فاجتمعوا على ترك طاعته فقال لهم قائد من الخراسانية يقال له محمد بن الفارسي‏:‏ كل جماعة لا رئيس لها فهي إلى الهلاك أقرب فانظروا رجلًا يدبر أمركم‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت فاتفقوا على تقديم قائد منهم يقال له عبد الله بن الجارود يعرف بعبدويه الأنباري فقدموه عليهم وبايعوه على السمع والطاعة وأخرجوا المغيرة عنهم وكتبوا إلى الفضل يقولون‏:‏ إنا لن نخرج يدًا عن طاعة ولكنه أساء السيرة فأخرجناه فول علينا من نرضاه‏.‏

فاستعمل عليهم ابن عمه عبد الله بن يزيد بن حاتم وسيره إليهم‏.‏

فلما كان على مرحلة من تونس أرسل إليه ابن الجارود جماعة لينظروا في أي شيء قدم ولا يحدثوا حدثًا إلا بأمره فساروا إليه وقال بعضهم لبعض‏:‏ إن الفضل يخدعكم بولاية هذأن ثم ينتقم منكم بإخراجكم أخاه فعدوا على عبد الله بن يزيد فقتلوه وأخذوا من معه من القواد أسارى فأضطر حينئذ عبد الله بن الجارود ومن معه إلى القيام والجد في إزالة الفضل فتولى ابن الفارسي الأمر وصار يكتب إلى كل قائد بإفريقية ومتولي مدينة يقول له‏:‏ إنا نظرنا في صنيع الفضل في بلاد أمير المؤمنين وسوء سيرته فلم يسعنا إلا الخروج عليه لنخرجه عنأن ثم نظرنا فلم نجد أحدًا أولى بنصيحة أمير المؤمنين لبعد صوته وعطفه على جنده منك فرأينا أن نجعل نفوسنا دونك فإن ظفرنا جعلناك أميرنأن وكتبنا إلى أمير المؤمنين نسأله ولايتك وإن كانت الأخرى لم يعلم أحد إننا إردناك والسلام‏.‏

فأفسد بهذا كافة الجند على الفضل وكثر الجمع عندهم فسير إليهم الفضل عسكرا كثيرأن فخرجوا إليه فقاتلوه فانهزم عسكره وعاد إلى القيروان منهزمأن وتبعهم أصحاب ابن الجارود فحاصروا القيروان يومهم ذلك ثم فتح أهل القيروان الأبواب ودخل ابن الجارود وعسكره في جمادي الآخرة سنة ثمان وسبعين ومائة وأخرج الفضل من القيروان ووكل به وبمن معه من أهله أن يوصلهم إلى قابس فساروا يومهم ثم ردهم ابن الجارود وقتل الفضل بن روح بن حاتم‏.‏

فلما قتل الفضل غضب جماعة من الجند واجتمعوا على قتال ابن الجارود فسير إليهم عسكرا فانهزم عسكره وعاد إليه بعد قتال شديد واستولى أولئك الجند على القيروان وكان ابن الجارود بمدينة تونس فسار إليهم وقد تفرقوا بعد دخول القيروان فوصل إليهم ابن الجارود فلقوه واقتتلوا فهزمهم ابن الجارود وقتل جماعة من أعيانهم فانهزموا فلحقوا بالأربس وقدموا عليهم العلاء بن سعيد والي بلد الزاب وساروا إلى القيروان‏.‏

ذكر ولاية هرثمة بن أعين بلاد إفريقية

اتفق وصول يحيى بن موسى من عند الرشيد لما قصد العلاء ومن معه القيروان وكان سبب وصوله أن الرشيد بلغه ما صنع ابن الجارود وإفساده إفريقية فوجه هرثمة بن أعين ومعه يحيى بن موسى لمحله عند أهل خراسان وأمر أن يتقدم يحيى ويلطف بابن الجارود ويستعمله ليعاود الطاعة قبل وصول هرثمة فقدم يحيى القيروان فجرى بينه وبين ابن الجارود كلام كثير ودفع إليه كتاب الرشيد فقال‏:‏ أنا على السمع والطاعة وقد قرب مني العلاء بن سعيد ومعه البربر فإن تركت القيروان وثب البربر فملكوها فأكون قد ضيعت بلاد أمير المؤمنين ولكني أخرج إلى العلاء فإن ظفر بي فشأنكم والثغور وإن ظفرت به انتظرت قدوم هرثمة فأسلم البلاد إليه وأسير إلى أمير المؤمنين‏.‏

وكان قصده المغالطة فإن ظفر بالعلاء منع هرثمة عن البلاد فعلم يحيى ذلك وخلا بابن الفارسي وعاتبه على ترك الطاعة فاعتذر وحلف أنه عليهأن وبذل من نفسه المساعدة على ابن الجارود فسعى ابن الفارسي في إفساد حاله واستمال جماعة من أجناده فأجابوه وكثر جمعه وخرج إلى قتال ابن الجارود فقال ابن الجارود لرجل من أصحابه اسمه طالب‏:‏ إذا تواقفنا فإنني سأدعوا ابن الفارسي لأعاتبه فأقصده أنت وهوغافل فاقتله‏!‏ فأجابه إلى ذلك وتواقف العسكران ودعا ابن الجارود محمد بن الفارسي وكلمه وحمل طالب عليه وهوغافل فقتله وانهزم أصحابه وتوجه يحيى بن موسى إلى هرثمة بطرابلس‏.‏

وأما العلاء بن سعيد فإنه لما علم الناس بقرب هرثمة منهم كثر جمعه وأقبلوا إليه من كل ناحية وسار إلى ابن الجارود فعلم ابن الجارود أنه لا قوة له به فكتب إلى يحيى بن موسى يستدعيه ليسلم إليه القيروان فسار إليه في جند طرابلس في المحرم سنة تسع وسبعين ومائة فلما وصل قابسًا تلقاه عامة الجند وخرج ابن الجارود من القيروان مستهل صفر وكانت ولايته سبعة أشهر‏.‏

وأقبل العلاء بن سعيد ويحيى بن موسى يستبقان إلى القيروان كل منهما يريد أن يكون الذكر له فسبقه العلاء ودخلها وقتل جماعة من أصحاب ابن الجارود وسار إلى هرثمة وسار ابن الجارود أيضًا إلى هرثمة فسيره هرثمة إلى الرشيد وكتب إليه يعلمه أن العلاء كان سبب خروجه فكتب الرشيد يأمره بإرسال العلاء إليه فسيره فلما وصل لقيه صلة كثيرة من الرشيد وخلع فلم يلبث بمصر إلا قليلًا حتى توفي‏.‏

وأما ابن الجارود فاعتقل ببغداد وسار هرثمة إلى القيروان فقدمها في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة فآمن الناس وسكنهم وبنى القصر الكبير بالمنستير سنة ثمانين ومائة وبنى سور مدينة طرابلس مما يلي البحر‏.‏

وكان إبراهيم بن الأغلب بولاية الزاب فأكثر الهدية إلى هرثمة ولاطفه فولاه هرثمة ناحية من الزاب فحسن أثره فيها‏.‏

ثم إن عياض بن وهب الهواري وكليب بن جميع الكلبي جمعًا جموعا وأراد قتال هرثمة فسير إليهما يحيى بن موسى في جيش كثير ففرق جموعهما وقتل كثيرًا من أصحابهمأن وعاد إلى ولما رأى هرثمة ما بإفريقية من الاختلاف واصل كتبه إلى الرشيد يستعفي فأمره بالقدوم عليه إلى العراق فسار عن إفريقية في رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة فكانت ولايته سنتين ونصفًا‏.‏

ذكر الفتنة بالموصل


وفيها خالف العطاف بن سفيان الأزدي على الرشيد وكان من فرسان أهل الموصل واجتمع عليه أربعة آلاف رجل وجبي الخراج وكان عامل الرشيد على الموصل محمد بن العباس الهاشمي وقيل عبد الملك بن صالح والعطاف غالب على الأمر كله وهويجبي الخراج وأقام على هذا سنتين حتى خرج الرشيد إلى الموصل فهدم سورها بسببه‏.‏

ذكر عدة حوادث


في هذه السنة عزل الرشيد جعفر بن يحيى عن مصر واستعمل عليها إسحاق بن سليمان وعزل حمزة بن مالك عن خراسان واستعمل عليها الفضل بن يحيى البرمكي مضافًا إلى ما كان إليه من الأعمال وهي الري وسجستان وغيرهما‏.‏ وفيها غزا الصائفة عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي‏.‏

وفيهأن في المحرم هاجت ريح شديدة وظلمة ثم عادت مرة ثانية في صفر‏.‏

وحج بالناس الرشيد‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن زيد وقيل سنة ثمان وسبعين‏.‏

وفيها توفي شريك بن عبد الله النخعي وجعفر بن سليمان‏.‏

حوادث سنة ثمان وسبعين ومائة

ذكر الفتنة بمصر


وفي هذه السنة وثبت الحوفية بمصر على عاملهم إسحاق بن سليمان وقاتلوه وأمده الرشيد بهرثمة بن أعين وكان عامل فلسطين فقاتلوا الحوفية وهم من قيس وقضاعة فأذعنوا بالطاعة وأدوا ما عليهم للسلطان فعزل الرشيد إسحاق عن مصر واستعمل عليها هرثمة مقدار شهر ثم عزله واستعمل عليها عبد الملك بن صالح‏.‏

ذكر خروج الوليد بن طريف الخارجي

وفيها خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة ففتك بإبراهيم بن خازم ابن خزيمة بنصيبين ثم قويت شوكة الوليد فدخل إلى أرمينية وحصر خلاط عشرين يوما فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى حلوان وأرض السواد ثم عبر إلى غرب دجلة وقصد مدينة بلد فافتدوا منه بمائة ألف وعاث في أرض الجزيرة فسير إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وهوابن معن بن زائدة فقال الوليد‏:‏ ستعلم يا يزيد إذا التقينا بشط الزاب أي فتىً يكون فجعل يزيد يخاتله ويماكره وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فقالوا للرشيد‏:‏ إمنا يتجافى يزيد عن الوليد للرحم لأنهما كلاهما من وائل وهونوا أمر الوليد فكتب إليه الرشيد كتاب مغضب وقال له‏:‏ لووجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به ولكنك مداهن متعصب وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك فلقي الرشيد عشية خميس في شهر رمضان سنة تسع وسبعين فيقال‏:‏ جهد عطشًا حتى رمى بخاتمه في فيه وجعل يلوكه ويقول‏:‏ اللهم إنها شدة شديدة فاسترها‏!‏ وقال لأصحابه‏:‏ فداكم أبي وأمي إمنا هي الخوارج ولهم حملة فاثبتوا فإذا انقضت حملتهم فاحملوا عليهم فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا‏.‏

فكان كما قال حملوا عليهم حملة فثبت يزيد ومن معه من عشيرته ثم حمل عليهم فانكشفوا فيقال‏:‏ إن أسد بن يزيد كان شبيهًا بأبيه جدًا لا يفصل بينهما إلا ضربة في وجه يزيد تأخذ من قصاص شعره منحرفة على جبهته فكان أسد يتمنى مثلها فهوت إليه ضربة فأخرج وجهه واتبع الوليد بن طريف فلحقه فاحتز رأسه فقال بعض الشعراء‏:‏ وائل بعضهم يقتل بعضًا لا يغل الحديد إلا الحديد فلما قتل الوليد صبحتهم أخته ليلى بنت طريف مستعد عليها الدرع فجعلت تحمل على الناس فعرفت فقال يزيد‏:‏ دعوها‏!‏ ثم خرج إليها فضرب بالرمح قطاة فرسها ثم قال‏:‏ اعزبي عزب الله عليك فقد فضحت العشيرة فاستحيت وانصرفت وهي تقول ترثي الوليد‏:‏ بتل تباثًا رسم قبر كأنه على علم فوق الجبال منيف تضمن جودًا حاتميًا ونائلًا وسورة مقدام وقلب حصيف ألا قاتل الله الجثى كيف أضمرت فتىً كان بالمعروف غير عفيف فإن يك أرداه يزيد بن مزيد فيا رب خيل فضها وصفوف ألا يا لقومي للنوائب والردى ودهر ملح بالكرام عنيف وللبدر من بين الكواكب قد هوى وللشمس همت بعده بكسوف فيا شجر الخابور ما لك مورقًا كأنك لم تجزع على ابن طريف فتىً لا يحب الزاد إلا من التقى ولا المال إلا من قنا وسيوف فقدناك فقدان الربيع فليتنا فديناك من دهمائنا بألوف وقال مسلم بن الوليد في قتل ورفق يزيد في قتاله من قصيدة هذه الأبيات‏:‏ يفتر عند افترار الحرب مبتسمًا إذا تغير وجه الفارس البطل موف على مهج في يوم ذي رهج كأنه أجل يسعى إلى أمل ينال بالرفق ما يعيا الرجال به كالموت مستعجلًا يأتي على مهل وهي حسنة جدًا‏.‏

ذكر غزو الفرنج والجلالقة بالأندلس


فيها سير هشام صاحب الأندلس عسكرًا مع عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى بلاد الفرنج فغزا الية والقالع فغمن وسلم‏.‏

وسير أيضًا جيشًا آخر مع أخيه عبد الملك بن عبد الواحد إلى بلاد الجلالقة فخرب دار ملكهم أدفنش وكنائسه وغمن‏.‏

فلما قفل المسلمون ضل الدليل بهم فنالهم مشقة شديدة ومات منهم بشر كثير ونفقت دوابهم وتلفت آلاتهم ثم سلموا وعادوا‏.‏

ذكر فتنة تاكرنا

وفيها هاجت فتنة تاكرنا بالأندلس وخلع بربرها الطاعة وأظهروا الفساد وأغاروا على البلاد وقطعوا الطريق فسير هشام إليهم جندًا كثيفًا عليهم عبد القادر بن أبان بن عبد الله مولى معاوية بن أبي سفيان فقصدوها وتابعوا قتال من فيها إلى أن أبادوهم قتلًا وسبيا وفر من بقي منهم فدخل في سائر القبائل وبقيت كورة تاكرنا وجبالها خالية من الناس سبع سنين‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها غزا الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم وغزا الشاتية سليمان بن راشد ومعه البند بطريق صقلية‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي‏.‏

وفيها فوض الرشيد أمور دولته كلها إلى يحيى بن خالد البرمكي‏.‏

وفيها وصل الفضل بن يحيى إلى خراسان وغزا ما وراء النهر من بخارى فحضر عنده صاحب أشروسنة وكان ممتنعًا وبنى الفضل بخراسان المساجد والرباطات‏.‏

وفيها توفي عبد الوارث بن سعيد والمفضل بن يونس وجعفر بن سليمان الضبعي‏.‏

حوادث سنة تسع وسبعين ومائة

وفيها سير هشام صاحب الأندلس جيشًا كثيفًا عليهم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث إلى جليقية فساروا حتى انتهوا إلى استرقة وكان أذفونش ملك الجلالقة قد جمع وحشد وأمده ملك البشكنس وهم جيرانه ومن يليهم من المجوس وأهل تلك النواحي فصار في جمع عظيم فأقدم عليه عبد الملك فرجع أذفونش هيبة له وتبعهم عبد الملك يقفوأثرهم ويهلك كل من تخلف منهم فدوخ بلادهم وأوغل فيها وأقام فيها يغمن ويقتل ويخرب وهتك حريم أذفونش ورجع سالمًا‏.‏

وكان قد سير هشام جيشًا آخر من ناحية أخرى فدخلوا أيضًا على ميعاد من عبد الملك فأخربوا ونهبوا وغمنوا فلما أرادوا الخروج من بلاد العدواعترضهم عسكر للفرنج فنال منهم وقتل نفرًا من المسلمين ثم تخلصوا وسلموا وعادوا سالمين سوى من قتل منهم‏.‏

ذكر عدة حوادث

فيها عاد الفضل بن يحيى من خراسان فاستعمل الرشيد منصور بن يزيد بن منصور الحميري خال المهدي واعتمر الرشيد في شهر رمضان شكرًا لله تعالى على قتل الوليد بن طريف وعاد إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج وحج بالناس ومشى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات

وفيها خرج بخراسان حمزة بن أترك السجستاني‏.‏

وفيها توفي حماد بن زيد درهم الأظدي ولاهم أبوإسماعيل ومالك بن أنس الأصبحي الإمام أستاذ الشافعي‏.‏

وفيها توفي مسلم بن خالد الزنجي أبوعبد الله الفقيه المكي وصحبه الشافعي قبل مالك وأخذ عنه الفقه وإمنا قيل له الزنجي لأنه كان أبيض مشربًا بحمرة وعباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري وأبوالأحوص سلام بن سليم الحنفي سلام بتشديد اللام‏.‏

حوادث سنة ثمانين ومائة

ذكر وفاة هشام


وفيها مات هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان صاحب الأندلس في صفر وكانت إمارته سبع سنين وسبعة أشهر وثمانية أيام وقيل تسعة أشهر وقيل سبعة أشهر وكان عمره تسعًا وثلاثين سنة وأربعة أشهر وكنيته أبوالوليد وكانت أمه أم ولد‏.‏

كان أبيض أشهل مشربًا بحمرة بعينيه حول وخلف خمسة بنين وكان عاملًا حازما ذا رأي وشجاعة وعدل خيرا محبًا لأهل الخير والصلاح شديدًا على الأعداء راغبًا في الجهاد‏.‏

ومن أحسن عمله أنه أخرج مصدقًا يأخذ الصدقة على كتاب الله وسنة نبيه أيام ولايته وهوالذي تمم بناء الجامع بمدينة قرطبة وكان أبوه قد مات قبل فراغه منه وبنى عدة مساجد معه وبلغ من عز الإسلام في أيامه وذل الكفر أن رجلًا مات في أيامه فأوصى أن يفك أسير من مسلمين من تركته فطلب ذلك فلم يوجد في دار الكفار أسير يشتري ويفك لضعف العدو وقوة المسلمين‏.‏

ومناقبه كثيرة قد ذكرها أهل الأندلس كثيرا وبالغوا حتى قالوا كان يشبه في سيرته بعمر بن عبد العزيز رحمه الله‏.‏

ذكر ولاية ابنه الحكم ولقبه المنتصر

ولما مات استخلف بعده ابنه الحكم وكان الحكم صارما حازما وهوأول من استكثر من المماليك بالأندلس وارتبط الخيل ببابه وتشبه بالجبابرة‏.‏

وكان يباشر الأمور بنفسه وكان فصيحا شاعرا ولما ولي خرج عليه عماه سليمان وعبد الله وكان في بر العدوة الغربية فعبر عبد الله البلنسي إلى الأندلس فتولى بلنسية وتبعه أخوه سليمان وكان بطنجة وأقبلا يؤلبان الناس على الحكم ويثيران الفتنة فتحاربوا مدة والظفر ثم إن الحكم ظفر بعمه سليمان فقتله سنة أربع وثمانين ومائة وأما عبد الله فأقام ببلنسية وقد كف عن الفتنة وخاف فراسل الحكم في الصلح فأجابه إلى ذلك فوقع الصلح بينهما سنة ست وثمانين وزوج أولاد عبد الله بأخواته وسكنت الفتنة‏.‏

ولما اشتغل الحكم بالفتنة مع عميه اغتمن الفرنج الفرصة فقصدوا بلاد الإسلام وأخذوا مدينة برشلونة واتخذوها دارا ونقلوا أصحابهم إليها وتأخرت عساكر المسلمين عنهأن وكان أخذها سنة خمس وثمانين ومائة‏.‏

ذكر غزو الفرنج بالأندلس

في هذه السنة سير الحكم صاحب الأندلس جيشًا مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج فدخل البلاد وبث السرايا ينهبون ويقتلون ويحرقون البلاد وسير سرية فجازوا خليجًا من البحر كان الماء قد جزر عنه وكان الفرنج قد جعلوا أموالهم وأهليهم وراء ذلك الخليج ظنًا منهم أن أحدًا لا يقدر أن يعبر إليهم فجاءهم ما لم يكن في حسابهم فغمن المسلمون جميع مالهم وأسروا الرجال وقتلوا منهم فأكثروأن وسبوا الحريم وعادوا سالمين إلى عبد الكريم‏.‏

وسير طائفة أخرى فخربوا كثيرًا من بلاد فرنسية وغمن أموال أهلهأن وأسروا الرجال فأخبره بعض الأسرى أن جماعة من ملوك الفرنج قد سبقوا المسلمين إلى واد وعر المسلك على طريقهم فجمع عبد الكريم عساكره وسار على تعبئة وجد السير فلم يشعر الكفار إلا وقد خالطهم المسلمون فوضعوا السيف فيهم فانهزموا وغنم ما معهم وعاد سالمًا هو ومن معه‏.‏

ذكر ولاية علي بن عيسى خراسان


وفيها عزل الرشيد منصور بن يزيد عن خراسان واستعمل عليها علي بن عيسى بن ماهان فوليها عشر سنين وفي ولايته خرج حمزة بن أترك الخارجي أيضا فجاء إلى بوشنج فخرج إليه عمرويه بن يزيد الأزدي وكان على هراة في ستة آلاف فقاتله فهزمه حمزة وقتل من أصحابه جماعة ومات عمرويه في الزحام فوجه علي بن عيسى ابنه الحسين في عشرة آلاف فلم يحارب حمزة فعزله وسير عوضه ابنه عيسى بن علي فقاتل حمزة فهزمه حمزة فرده أبوه إليه أيضا فقاتله بباخرز وكان حمزة بنيسابور فانهزم حمزة وبقي أصحابه وبقي في أربعين رجلا فقصد قهستان‏.‏

وأرسل عيسى أصحابه إلى أوق وجوين فقتلوا من بها من الخوارج وقصد القرى التي كان أهلها يعينون حمزة فأحرقها وقتل من فيها حتى وصل إلى زرنج فقتل ثلاثين ألفًا ورجع وخلف بزرنج عبد الله بن العباس النسفي فجبى الأموال وسار بها فلقيه حمزة بأسفزار فقاتله فصبر له عبد الله ومن معه من الصغد فانهزم حمزة وقتل كثير من أصحابه وجرح في وجهه واختفى هو ومن سلم من أصحابه في الكروم ثم خرج وسار في القرى يقتل ولا يبقي على أحد‏.‏

وكان علي بن عيسى قد استعمل طاهر بن الحسين على بوشنج فسار إليه حمزة وانتهى إلى مكتب فيه ثلاثون غلامًا فقتلهم وقتل معلمهم وبلغ طاهرًا الخبر فأتى قرية فيها قعد الخوارج وهم الذين لا يقاتلون ولا ديوان لهم فقتلهم طاهر وأخذ أموالهم وكان يشد الرجل منهم في شجرتين ثم يجمعهما ثم يرسلهما فتأخذ كل شجرة نصفه فكتب القعد إلى حمزة بالكف فكف وواعدهم وأمن الناس مدة وكانت بينه وبين أصحاب علي بن عيسى حروب كثيرة‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها سار جعفر بن يحيى بن خالد إلى الشام للعصبية التي بها ومعه القواد والعساكر والسلاح والأموال فسكن الفتنة وأطفأ النائرة وعاد الناس إلى الأمن والسكون‏.‏

وفيها أخذ الرشيد الخاتم من جعفر بن عيسى فدفعه إلى أبيه يحيى بن خالد‏.‏

وفيها ولى جعفرًا خرسان وسجستان ثم عزله عنها بعد عشرين ليلة واستعمل عليها عيسى بن جعفر وولى جعفر بن يحيى الحرس‏.‏

وفيها هدم الرشيد سور الموصل بسبب العطاف بن سفيان الأزدي سار إليها بنفسه وهدم سورها وأقسم ليقتلن من لقي من أهلها فأفتاه القاضي أبويوسف ومنعه من ذلك وكان العطاف قد سار عنها نحوأرمينية فلم يظفر به الرشيد ومضى إلى الرقة فاتخذها وطنًا‏.‏

وفيها عزل هرثمة بن أعين عن إفريقية واستقدمه إلى بغداد واستخلفه جعفر بن يحيى على الحرس‏.‏

وفيها كانت بمصر زلزلة عظيمة سقط منها رأس منارة الاسكندرية‏.‏

وفيها خرج حراشة الشيباني بالجزيرة فقتله مسلم بن بكار العقيلي‏.‏

وفيها خرجت المحمرة بجرجان‏.‏

وفيها عزل الفضل بن يحيى عن طبرستان والرويان ووليها عبد الله بن خازم وولي سعيد بن سلم الجزيرة وغزا الصائفة محمد بن معاوية بن زفر بن عاصم‏.‏

وفيها سار الرشيد إلى الحيرة وابتنى بها المنازل فأقطع أصحابه القطائع فثار بهم أهل الكوفة وأساؤوا مجاورته فعاد إلى بغداد‏.‏

وفيها استعمل الرشيد على الموصل يحيى بن سعيد الحرشي فأساء السيرة في أهلها وظلمهم وطالبهم بخراج سنين مضت فجلا أكثر أهل البلد‏.‏

وفي هذه السنة توفي المبارك بن سعيد الثوري أخوسفيان وسلمه الأحمر وسعيد بن خيثم وأبوعبيدة عبد الوارث بن سعيد وعبد العزيز بن أبي حازم وتوفي وهوساجد وأبوضمرة أنس عن عياض الليثي المدني‏.‏

وفيها أمر الرشيد ببناء مدينة عين زربة وحصنها‏.‏

وسير إليها جندًا من أهل خراسان وغيرهم فأقطعهم بها المنازل‏.‏


حوادث سنة إحدى وثمانين ومائة ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏