المجلد الخامس - ذكر قطع خطبة المأمون

حوادث سنة خمس وتسعين ومائة

ذكر قطع خطبة المأمون


في هذه السنة أمر الأمين بإسقاط ما كان ضرب لأخيه المأمون من الدراهم والدنانير بخراسان في سنة أربع وتسعين ومائة لأنها لم يكن عليها اسم الأمين وأمر فدعي لموسى بن أمين على المنابر ولقبه الناطق بالحق وقطع ذكر المأمون لقول بعضهم وكان موسى طفلًا صغيرا ولابنه الآخر عبد الله ولقبه القائم بالحق‏.‏

ذكر محاربة علي بن عيسى وطاهر

ثم إن الامين أمر علي بن عيسى بن ماهان بالمسير لحرب المأمون‏.‏

وكان سبب مسيره دون غيره أن ذا الرياستين كان له عين عند الفضل بن الربيع يرجع إلى قوله ورأيه فكتب ذوالرياستين إلى ذلك الرجل يأمره أن يشير بإنفاذ ابن ماهان لحربهم وكان مقصوده أن ابن ماهان لما ولي خراسان أيام الرشيد أساء السيرة في أهلها فظلمهم فعزله الرشيد لذلك ونفر أهل خراسان عنه وأبغضوه فأراد ذوالرياستين أن يزداد أهل خراسان جدًا في محاربة الأمين وأصحابه‏.‏

ففعل ذلك الرجل ما أمر به ذوالرياستين فأمر الأمين ابن ماهان بالمسير‏.‏

وقيل‏:‏ كان سببه أن عليًا قال للأمين إن أهل خراسان كتبوا إليه يذكرون أنه إن قصدهم هوأطاعوه وانقادوا له وإن كان غيره فلا‏!‏ فأمره بالمسير وأقطعه كور الجبل كلها‏:‏ نهاوند وهمذان وقم وأصبهان وغير ذلك وولاه حربها وخراجها وأعطاه الاموال وحكمه في الخزائن وجهز معه خمسين ألف فارس وكتب إلى أبي دلف القاسم بن إدريس بن عيسى العجلي وهلال بن عبد الله الحضرمي بالانضمام إليه وأمده بالأموال والرجال شيئًا بعد شيء‏.‏

فلما عزم على المسير من بغداد ركب إلى باب زبيدة أم الأمين ليودعها فقالت له‏:‏ يا علي‏!‏ إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي وإليه انتهت شفقتي فإني على عبد الله منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى وإمنا ابني ملك نافس أخاه في سلطانه وغاره على ما في يده والكريم يأكل لحمه ويميقه غيره فاعرف لعبد الله حق ولادته وأخوته ولا تجبهه بالكلام فإنك لست به بنظير ولاتقتسره اقتسار العبيد ولا توهنه بقيد ولاغل ولا تمنع عنه جارية ولا خادما ولا تعنف عليه في السير ولا تساوه في المسير ولاتركب قبله وخذ بركابه وإن شتملك فاحتمل منه‏.‏

ثم دفعت إليه قيدًا من فضة وقالت‏:‏ إن صار إليك فقيده بهذا القيد‏!‏ فقال لها‏:‏ سأفعل مثل ما أمرت‏.‏

ثم خرج علي بن عيسى في شعبان وركب الأمين يشيعه ومعه القواد والجنود وذكرمشايخ بغداد أنهم لم يروا عسكرًا أكثر رجالا وأفره كراعًا‏.‏

وأتم عدة وسلاحًا من عسكره ووصاه الأمين وأمره إن قاتله المأمون أن يحرص على أسره‏.‏

ثم سار فلقيه القوافل عند حلولاء فسألهم فقالوا له‏:‏ إن طاهرًا مقيم بالري يعرض أصحابه ويرم آلته والأمداد تأتيه من خراسان ووهويستعد للقتال فيقول‏:‏ إمنا طاهر شوكة من أغصاني وما مثل طاهر يتولى الجيوش ثم قال لأصحابه‏:‏ ما بينكم وبين أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح العاصف إلا أن يبلغه عبورنا عقبة همذان فإن السخال لا تقوى على النطاح والبغال لا صبر لها على لقاء الأسد وإن أقام تعرض لحد السيف وأسنة الرماح وإذا قاربنا الري ودنونا منهم فت ذلك على أعضادهم‏.‏

ثم أنفذ الكتب إلى ملوك الديلم وطبرستان وما ولاها من الملوك يعدهم الصلات وأهدى لهم

التيجان والأسورة وغيرها وأمرهم أن يقطعوا طريق خراسان فأجابوه إلى ذلك وسار حتى أتى أول أعمال الري وهوقليل الاحتيال فقال له جماعة من أصحابه‏:‏ لوأركبت العيون وعملت خندقًا لأصحابك وبعثت الطلائع لأمنت البيات وفعلت الرأي فقال‏:‏ مثل طاهر لا يستعد له وإن حاله يؤول إلى أمرين‏:‏ إما أن يتحصن بالري فيبيته أهلها فيكفونا أمره وغما أن يرجع ويتركها إذا قربت خيلنا منه فقالوا له‏:‏ لوكان عزمه تركها والرجوع لفعل فإننا قد قربنا منه فلم يفعل‏.‏

ولما صار بينه وبين الري عشرة فراسخ استشار طاهر أصحابه وأشاروا عليه ان يقيم بالري ويدافع القتال إلى أن يأتيه من خراسان المدد وقائد يتولى الأمور دونه وقالوا له‏:‏ إن مقامك بمدينة الري أرفق بأصحابك وأقدر لهم على الميرة وأكن من البرد وتعتصم بالبيوت وتقدر على المماطلة فقال طاهر‏:‏ إن الرأي ليس ما رأيتم إن أهل الري لعلي هائبون ومن سطوته مشفقون ومعه من أعراب البوادي وصعاليك الجبال والقرايا كثير ولست آمن إن أقمت بالري أن يثب أهلها بنا خوفًا من علي وما الرأي إلا نسير إليه فإن ظفرناوإلا عولنا عليها فقاتلناه فيها إلى أن يأتينا مدد‏.‏

فنادى طاهر في أصحابه فخرج من الري في أقل من أربعة آلاف فارس وعسكر على خمسة

فراسخ فأتاه أحمد بن هشام وكان على شرطة طاهر فقال له‏:‏ إن أتانا علي بن عيسى فقال أنا عامل امير المؤمنين وأقررنا له بذلك فليس لنا أن نحاربه فقال طاهر‏:‏ لم يأتيني في ذلك شيء‏.‏

فقال‏:‏ دعني وما أريد فقال‏:‏ افعل‏!‏ فصعد المنبر فخلع محمدا ودعا للمأمون بالخلافة وساروا عنها وقال له بعض أصحابه‏:‏ إن جندك قد هابوا هذا الجيش فلوأخرت القتال إلى أن يشامهم أصحابك ويأنسوا بهم ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم قال‏:‏ إني لا أوتي من قلة تجربة وحزم إن أصحابي قليل والقوم عظيم سوادهم كثر عددهم فإن أخرت القتال اطلعوا على قلتنا واستمالوا من معي برهبة أورغبة فيخذلني أهل الصبر والحفاظ ولكن ألف الرجال بالرجال وأقحم الخيل على الخيل وأعتمد على الطاعة والوفاء وأصبر صبر محتسب للخير حريص على الفوز بالشهادة فإن نصرنا الله فذلك الذي نريده ونرجوه وإن يكن الأخرى فلست بأول من قاتل وقتل وما عند الله أجزل وأفضل‏.‏

وقال علي لأصحابه‏:‏ بادروهم فإنهم قليلون ولووجدوا حرارة السيوف وطعن الرماح لم يصبروا عليها‏.‏

وعبى جنده ميمنة وميسرة وقلبا وعبى عشر رايات مع كل راية مائة رجل وقدمها راية راية وجعل بين كل رايتين غلوة سهم وأرم أمراءها إذا قاتلت الراية الأولى وطال قتالهم أن

تتقدم التي تليها وتتأخر حتى تستريح وجعل أصحاب الجواشن أيام الريات ووقف في شجعان أصحابه‏.‏

وعبى طاهر أصحابه كراديس وسار بهم يحرضهم ويوصيهم ويرجيهم وهرب من اصحاب طاهر نفر إلى علي فجلد بعضهم وأهان الباقي فكان ذلك مما ألب الباقين على قتاله وزحف الناس بعضهم إلى بعض فقال أحمد بن هشام لطاهر‏:‏ ألا تذكرعلي بن عيسى البيعة التي أخذها هوعلينا للمأمون خاصة معاشر أهل خراسان قال‏:‏ أفعل فأخذ البيعة فعلقها على رمح وقام بين الصفين وطلب الأمان فأمنه علي بن عيسى فقال له‏:‏ ألا تتقي الله عز وجل أليس هذه نسخة البيعة التي أخذتها أنت خاصة اتق الله فقد بلغت باب قبرك‏!‏ فقال علي‏:‏ من أتاني به فله ألف درهم فشتمه أصحاب أحمد وخرج من أصحاب علي رجل يقال له حاتم الطائي فحمل عليه طاهر وأخذ السيف بيديه وضربه فصرعه فلذلك سمي طاهر ذا اليمينين‏.‏

ووثب أهل الري فاغلقوا باب المدينة فقال طاهر لأصحابه‏:‏ اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلفكم فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق ثم اقتتلوا قتالًا شديدا وجملت ميمنة علي على ميسرة طاهر فانهزمت هزيمة منكرة وميسرته على ميمنة طاهر فأزالتها أيضًا من موضعها فقال

طاهر‏:‏ اجعلوا جدكم وبأسكم على القلب واحملوا حملة خارجية فإنكم متى فضضتم منها راية واحدة رجعت أوائلها إلى أواخرها فصبر أصحابه صبرًا صادقًا وحملوا على اول رايات القلب فهزموهم وأكثروا فيهم القتل ورجعت الريات بعضها على بعض فانتفضت ميمنة علي‏.‏

ورأى ميمنة طاهر وميسرته ما فعل أصحابهم فرجعوا على من بإزائهم فهزموهم وانتهت الهزيمة إلى علي فجعل ينادي أصحابه‏:‏ أين أصحاب الخواص والجوائز والأسورة والأكاليل إلى الكرة بعد الفرة‏!‏ فرماه رجل من أصحاب طاهر بسهم‏.‏

فقتله قيل كان داود سياه وحمل رأسه إلى طاهر وشدت يداه على رجليه وحمل على خشبة إلى طاهر فأمر به فألقي في بئر فأعتق طاهر من كان عنده من غلمانه شكرًا لله تعالى وتمت الهزيمة ووضع أصحاب طاهر فيهم السيوف وتبعوهم فرسخين واقعوهم فيها اثنتي عشرة مرة في كل ذلك ينهزم عسكر الأمين وأصحاب طاهر يقتلون ويأسرون حتى حال الليل بينهم وغمنوا غنيمة عظيمة‏.‏

ونادى طاهر‏:‏ من ألقى سلاحه فهوآمن‏.‏

وطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابهم ورجع طاهر إلى الري وكتب إلى المأمون وذي الرياستين‏:‏ بسم اله الرحمن الرحيم كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس علي بن عيسى بين يدي وخاتمه في إصبعي وجنده مصرفون تحت أمري والسلام فورد الكتاب مع البريد في ثلاث أيام وبينهما نحومن خمسين ومائتي فرسخ فدخل ذوالرياستين على المأمون فهنأه بالفتح وأمر الناس فدخلوا عليه فسلموا عليه بالخلافة ثم وصل رأس علي بعد الكتاب بيومين فطيف به في خراسان‏.‏ولما وصل الكتاب بالفتح كان المأمون قد جهز هرثمة في جيش كثير ليسيره نجدة لطاهر فأتاه الخبر بالفتح‏.‏

وأما الأمين فإنه أتاه نعي علي بن عيسى وهويصطاد السمك فقال للذي أخبره‏:‏ ويلك دعني فإن كوثرًا قد اصطاد سمكتين وأنا ما صدت شيئًا بعد‏.‏

ثم بعث الفضل إلى نوفل الخادم وهووكيل المأمون على ملكه بالسواد والناظر في أمر أولاده ببغداد وكان للمأمون معه ألف ألف درهم كان قد وصله بها الرشيد فأخذ جميع ما عنده وقبض ضياعة وغلاته فقال بعض شعراء بغداد في ذلك‏:‏ أضاع الخلافة غش الوزير وفسق الأمير وجهل المشير ففضل وزير وبكر مشير يريدان ما فيه حتف الأمير وما ذاك إلا طريق غرور وشر المستلك طرق الغرور في عدة أبيات تركتها لما فيها من القذف الفاحش ولقد عجبت لأبي جعفر حيث ذكرها مع ورعه وندم الأمين على نكثه وغدره ومشى القواد بعضهم إلى بعض في النصف من شوال فاتفقوا على طلب الأرزاق والشغب ففعلوا ذلك ففرق فيهم مالًا كثيرا بعد أن قاتلهم عبد الله بن خازم فمنعه الأمين‏.‏

ذكر توجيه عبد الرحمن بن جبلة

لما اتصل بالأمين قتل علي بن عيسى وهزيمة عسكره وجه عبد الرحمن بن جبلة الأنباري في عشرين ألف رجل نحو همذان واستعمله عليها وعلى كل من يفتحه في أرض خراسان وأمره بالجد وأمده بالأموال فسار حتى نزل همذان وحصنها وروم سورها‏.‏

وأتاه طاهر إلى همذان فخرج إليه عبد الرحمن على تعبئة فاقتتلوا قتالًا شديدا وصبر الفريقان وكثر القتل والجراح فيهم ثم انهزم عبد الرحمن ودخل همذان فأقام بها أياما حتى قوي أصحابه واندمل جراحهم ثم خرج إلى طاهر فلما رآهم قال لأصحابه‏:‏ إن عبد الرحمن يريد أن يتراءى لكم فإذا قربتم منه قاتلكم فإن هزمتموه ودخل المدينة قاتلكم على خندقها وإن هزمكم الستع له المجال ولكن قفوا قريبًا من عسكرنا وخندقنا فإن قرب منا قاتلناه‏.‏

فوقفوا فظن عبد الرحمن أن الهيبة منعتهم فتقدم إليهم فاقتتلوا قتالًا شديدا وصبر الفريقان وكثر القتل في أصحاب عبد الرحمن وجعل يطوف عليهم ويحرضهم ويأمرهم بالصبر ثم إن رجلًا من أصحاب طاهر حمل على صاحب علم عبد الرحمن فقتله وزحمهم أصحاب طاهر فانهزموا ووضع فيهم أصحاب طاهر السيوف يقتلونهم حتى انتهوا إلى المدينة وأقام طاهر على بابها محاصرًا لها فاشتد بهم الحصار وضجر أهل المدينة فخاف عبد الرحمن أن يثب به أهل المدينة مع ما فيه من أصحابه من الجهد فأرسل إلى طاهر يطلب الأمان لنفسه ولمن معه فأمنه فخرج عن همذان‏.‏

ذكر استيلاء طاهر على أعمال الجبل

لما نزل طاهر بباب همذان وحصر عبد الرحمن بهأن تخوف أن يأتيه كثير بن قادرة من ورائه وكان بقزوين فأمر أصحابه بالقيام وسار في ألف فارس نحوقزوين فلما سمع به كثير بن قادرة وكان في جيش كثيف هرب من بين يديه وأخلى قزوين وجعل طاهر فيها جندا واستعمل عليها رجلًا من أصحابه وأمره أن يمنع من أراد دخولها واستولى على سائر أعمال الجبل معها‏.‏

ذكر قتل عبد الرحمن بن جبلة

في هذه السنة قتل عبد الرحمن بن جبلة الأنباري وكان سبب قتله أنه لما خرج في أمان طاهر أقام يري طاهرًا وأصحابه أنه مسالم لهم راض بأمانهم ثم اغترهم وهم آمنون فركب في أصحابه وهجم على طاهر وأصحابه ولم يشعروا فثبت له رجالة طاهر وقاتلوه حتى أخذت الفرسان أهبتها أشد قتال رآه الناس حتى تقطعت السيوف وتكسرت الرماح وانهزم عبد الرحمن وبقي في نفر من أصحابه فقاتل وأصحابه يقولون له‏:‏ قد أمكنك الهرب فاهرب‏!‏ فقال‏:‏ لا يرى أمير المؤمنين وجهي منهزمًا أبدًا‏!‏ ولم يزل يقاتل حتى قتل‏.‏

وانتهى من انهزم من أصحابه إلى عبد الله وأحمد ابني الحرشي وكانا في جيش عظيم بقصر اللصوص قد سيره الأمين معونة لعبد الرحمن فلما بلغ المنهزمون إليهما انهزما أيضًا في جندهما من غير قتال حتى دخلوا بغداد وخلت البلاد لطاهر فأقبل يحوزها بلدة بلدة وكورة كورة حتى انتهى إلى شلاشان من قرى خلوان فخندق بها وحصن عسكره وجمع أصحابه‏.‏

ذكر خروج السفياني

في هذه السنة خرج السفياني وهوعلي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية وأمه نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب وكان يقول‏:‏ أنا من شيخي صفين يعني عليًا ومعاوية وكان يلقب بأبي المعيطر لأنه قال يومًا لجلسائه‏:‏ أي شيء كنية الحرذون قالوا‏:‏ لا ندري‏.‏

قال‏:‏ هوأبوالمعيطر فلقبوه به‏.‏

ولما خرج دعا لنفسه بالخلافة في ذي الحجة وقوي على سليمان بن المنصور عامل دمشق فأخرجه عنها وأعانه الخطاب بن وجه الفلس مولى بني أمية وكان قد تغلب على صيدا ولما خرج سير إليه الأمين الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان فبلغ الرقة ولم يسر إلى دمشق‏.‏

وكان عمر أبي المعيطر حين خرج تسعين سنة وكان الناس قد أخذوا عنه علمًا كثيرا وكان حسن السيرة فلما خرج ظلم وأساء السيرة فتركوا ما نقلوا عنه‏.‏

وكان أكبر أصحابه من كلب وكتب إلى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي يدعوه إلى طاعته ويتهدده إن لم يفعل فلم يجبه إلى ذلك فأقبل السفياني على قصد القيسية فكتبوا إلى محمد بن صالح فأقبل إليهم في ثلاثمائة فارس من الضباب ومواليه واتصل الخبر بالسفياني فوجه إليه يزيد بن هشام في اثني عشر ألفا فالتقوأن فانهزم يزيد ومن معه وقتل منهم إلى أن دخلوا أبواب دمشق زيادة على ألفي رجل وأسر ثلاثة آلاف فأطلقهم ابن بيهس وحلق رؤوسهم ولحاهم‏.‏

وضعف السفياني وحصر بدمشق ثم جمع جمعا وجعل ابنه القاسم وخرجوا إلى ابن بيهس فالتقوا فقتل القاسم وانهزم أصحاب السفياني وبعث رأسه إلى الأمين ثم جمع جمعًا آخر

وسيرهم مع مولاه المعتمر فلقيهم ابن بيهس فقتل المعتمر وانهزم اصحابه فوهن أمر أبي المعتمر وطمع فيه قيس‏.‏

ثم مرض ابن بيهس فجمع رؤساء بني منير فقال لهم‏:‏ ترون ما أصابني من علتي هذه فارفقوا ببني مروان وعليكم بمسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك فإنه ركيك وهوابن أختكم وأعلموه أنكم لا تتبعون بني أبي سفيان وبايعوه بالخلافة وكيدوا به السفياني‏.‏

وعاد ابن بيهس إلى حوران واجتمعت منير على مسلمة وبذلوا له البيعة فقبل منهم وجمع مواليه ودخل على السفياني فقبض عليه وقيده وقبض على رؤساء بني أمية فبايعوه وأدنى قيسا وجعلهم خاصته فلما عوفي ابن بيهس عاد إلى دمشق فحصرها فسلمها إليه القيسية وهرب مسلمة والسفياني في ثياب النساء إلى المزة وكان ذلك في المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة ودخل ابن بيهس دمشق وغلب عليها وبقي بها إلى أنه قدم عبد الله بن طاهر دمشق ودخل إلى مصر وعاد إلى دمشق فأخذ ابن بيهس معه إلى العراق فمات بها‏.‏

ذكر عدة حوادث

وكان العامل على مكة والمدينة لمحمد الأمين داود بن عيسى بن موسى وهوالذي حج بالناس سنة ثلاث وتسعين أيضًا وكان على الكوفة العباس بن الهادي للأمين وعلى البصرة له أيضًا منصور بن المهدي‏.‏

وفيها مات محمد بن خازم أبومعاوية الضرير وكان يتشيع وهوثقة في الحديث‏.‏

وفيها توفي أبونواس الحسن بن هانئ الشاعر المشهور وكان عمره تسعًا وخمسين سنة ودفن بالشونيزي ببغداد ومحمد بن فضل بن غزوان بن جرير الضبي مولاهم ويوسف بن أسباط أبو يعقوب‏.‏

حوادث سنة ست وتسعين ومائة

ذكر توجيه الأمين الجيوش إلى طاهر وعودهم من غير قتال


في هذه السنة سير الأمين أسد بن يزيد بن مزيد وسير معه عمه أحمد بن مزيد وعبد الله بن حميد بن قحطبة إلى حلوان لحرب طاهر‏.‏

وكان سبب ذلك ما ذكره أسد قال‏:‏ إنه لما قتل عبد الرحمن أرسل إلي الفضل بن الربيع

يستدعيني فجئته ودخلت عليه وهوقاعد بيده رقعة قد قرأها وقد احمرت عيناه فاشتد غضبه وهويقول‏:‏ ينام نوم الظربان وينتبه انتباه الذئب همه بطنه يخاتل الرعاة والكلاب ترصده لا يفكر في زوال نعمة ولا يروي في إمضاء رأي قد ألهاه كأسه وشغله قدحه فهويجري في لهوه والأيام توضع في هلاكه قد شمر له عبد الله عن ساق وفوق له أصوب أسهمه يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ والموت القاصد وقد عبى له المنايا على ظهور الخيل وناط له البلاء في أسنة الرماح وشفار السيوف ثم استرجع وتمثل بشعر البعيث‏:‏ ومجدولة جدل العنان خريدة لها شعر جعد ووجه مقسم وثغر نقي اللون عذب مذاقه يضيء له الظلماء ساعة تبسم وثديان كالحقين والبطن ضامر خميص وجهم ناره تتضرم لهوت بها ليل التمام ابن خالد أمية بهد المركلين عثمثم طواه طراد الخيل في كل غارة لها عارض فيه الأسنة ترزم يقارع تراك ابن خاقان ليله إلى أن يرى الإصباح ما يتلعثم فيصبح كم طول الطراد وجسمه نحيل وأضحي في النعيم أصمم أباكرها صهباء كالمسك ريحها لها أرج في دنها حين يرسم ثم التفت إلي فقال‏:‏ أبا الحارث‏!‏ أنا وإياك نجري إلى غارية إن قصرنا عنها ذممنا وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا وإمنا نحن شعب من أصل إن قوي قوينا وإن ضعف ضعفنا إن هذا الرجل قد ألقى بيده القاء الأموالوكعاء يشاور النساء ويعتزم على الرؤيا وقد أمكن ما معه من أهل اللهووالجسارة فهم يعدونه الظفر ويمنونه عقب الأيام والهلاك اسرع إليه من السيل إلى قيعان الوحل وقد خشيت والله أن نهلك بهلاكه ونعطب بعطبه وأنت فارس العرب وابن فارسها وقد فزع إليك في هذاالأمر ولقاء هذاالرجل وأطعمه فيما قبلك أمران‏:‏ أحدهما صدق الطاعة وفضل النصيحة والثاني نقيبتك وشدة بأسك وقد أمرني بإزاحة علل ما عليك وبسط يدك فيما أحبت عنير أن الاقتصاد رأس النصيحة ومفتاح اليمن والبركة فأنجز حوائجك وعجل المبادرة إلى عدوك فإني أرجو أن يوليك اله هذاالفتح ويلم بك شعث هذه الخلافة والدولة‏.‏

فقلت‏:‏ أنا لطاعة أمير المؤمنين وطاعتك مقدم ولكل ما دخل فيه الوهن على عدوه وعدوك حريص غير أن المحارب لا يعمل بالغدر ولا يفتح أمره بالتقصير والخلل وإمنا ملاك المحارب الجنود وملاك الجنود المال والذي أسأل أن يؤمر لأصحابي برزق سنة وتحمل معهم أرزاق سنة ويخص أهل الغناء والبلاء وأبدل من فيهم من الضعفى وأحمل ألف رجل من معي على

الخيل ولا أسأل عن محاسبة ما افتتحت من المدن والكور‏.‏

فقال‏:‏ أشططت ولا بد من مناظرة أمير المؤمنين‏.‏

ثم ركب وركبت معه فدخل قبلي على الأمين وأذن لي فدخلت فما كان إلا كلمتان حتى غضب وأمر بحبسي‏.‏

وقيل‏:‏ إنه طلب أن يدفع ولدي المأمون فإن أطاعه وإلا قتلهما فقال الأمين‏:‏ أنت أعرابي مجنون أدعوك إلى ولاية أعنة العرب والعجم وأطعمك خراج كور الجبال إلى خراسان وأرفع منزلتك على نظرائك من أبناء القواد والملوك وتدعوني إلى قتل ولدي وسفك دماء أهل بيتي‏!‏ إن هذا للخرق والتخليط‏.‏

وكان ببغداد ابنان للمأمون مع أمهما أم عيسى ابنة الهادي وقد طلبهما المأمون من أخيه في حال السلام فمنعهما من المال الذي كان له فلما حبس أسدًا قال‏:‏ هل في أهل بيته من يقوم مقامه فإني أكره أن أفسدهم مع نباهتهم وما تقدم من طاعتهم ونصيحتهم‏.‏

قالوا‏:‏ نعم عمه أحمد بن مزيد وهوأحسنهم طريقة له بأس ونجدة وبصر بسياسة الحرب فأنفذ إليه أحضره فأتى الفضل فدخل عليه وعنده عبد الله بن حميد بن قحطبة وهويريده على المسير إلى طاهر وعبد الله يشط‏.‏

قال أحمد‏:‏ فلما رآني الفضل رحب بي ورفعني إلى إنا وجدنا لكم إذ رث حبلكم من آل شيبان أمًا دونكم وأبا الأكثرون إذا عد الحصى عددًا والأقربون إلينا منكم نسبا فقال عبد الله‏:‏ أقسم لكذلك وفيهم سد الخلل ونكء العدو ودفع معرة أهل المعصية عن أهل الطاعة‏.‏

فقال له الفضل‏:‏ إن أمير المؤمنين أجرى ذكرك فوصفتك له فأحب اصطناعك والتنويه باسمك وأن يرفعك إلى منزلة لم يبلغها أحد من أهل بيتك‏.‏ثم مضى ومضيت معه إلى الأمين فدخلنا عليه فقال لي في حبس أسد واعتذر إلي وأمرني بالمسير إلى حرب طاهر فقلت‏:‏ سأبذل في طاعة أمير المؤمنين مهجتي وأبلغ في جهاد عدوه أفضل ما أمله عندي ورجاه من غنائي وكفايتي إن شاء الله تعالى‏.‏

فأمر الفضل بأن يمكنه من العساكر بأخذ منهم من أراد وأمره بالجد في المسير والتجهز فأخذ من العسكر عشرين ألف فارس وسار معه عبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألفًا وسار بهم إلى حلوان وشفع في أسد ابن أخيه فأطلقه وأقام أحمد وعبد الله بخانقين وأقام طاهر بموضعه ودس الجواسيس والعيون وكانوا يرجفون في عسكر أحمد وعبد الله أن الأمين قد وضع العطاء لأصحابه وأمر لهم بالأرزاق الوافرة ولم يزل يحتال في وقوع الاختلاف بينهم

حتى اختلفوا وانتقض أمرهم وقاتل بعضهم بعضا ورجعوا عن خانقين من غير أن يلقوا طاهرا وتقدم طاهر فنزل حلوان فلما نزلها لم يلبث إلا يسيرًا حتى أتاه هرثمة في جيش من عند المأمون ومعه كتاب طاهر يأمره بتسليم ما حوى من المدن والكور إلى هرثمة ويتوجه هوإلى الأهواز ففعل ذلك وأقام هرثمة بحلوان وحصنه وسار طاهر إلى الأهواز‏.‏

ذكر الفضل بن سهل

في هذه السنة خطب للمأمون بإمرة المؤمنين ورفع منزلة الفضل بن سهل‏.‏

وسبب ذلك أنه لما أتاه خبر قتل ابن ماهان وعبد الرحمن بن جبلة وصح عنده الخبر بذلك أمر أن يخطب له ويخاطب بأمير المؤمنين ودعا الفضل بن سهل وعقد له على المشرق من جبل همذان إلى التبت طولا ومن بحر فارس إلى بحر الديلم وجرجان عرضا وجعل له عمالة ثلاثة آلاف درهم وعقد له لواء على سنان ذي شعبتين ولقبه ذا الرياستين رياسة الحرب والقلم وحمل اللواء علي بن هشام وحمل القلم نعيم بن حازم وولي الحسن بن سهل ديوان الخراج‏.‏

ذكر عبد الملك بن صالح بن علي وموته

قد ذكرنا قبض الرشيد على عبد الملك بن صالح وحبسه إياه فلم يزل محبوسًا حتى مات

الرشيد فأخرجه الأمين من الحبس في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة وأحسن إليه فشكر عبد الملك ذلك له‏.‏

فلما كان من طاهر ما كان دخل عبد الملك على الأمين فال له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أرى الناس قد طمعوا فيك وجندك قد أعيتهم الهوام وأضعفتهم الحروب وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم فإن سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم وأهل الشام قوم قد ضرستهم الحرب وأدبتهم الشدائد وكلهم منقاد إلي متنازع إلى طاعتي وإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندًا يعظم نكايتهم في عدوه فولاه الأمين الشام والجزيرة وقواه بمال ورجال وسيره سيرًا حثيثًا‏.‏

فسار حتى نزل الرقة وكاتب رؤساء أهل الشام وأهل القوة والجلد والبأس فأتوه رئيسًا بعد رئيس وجماعة بعد جماعة فأكرمهم ومناهم وخلع عليهم وكثر جمعه فمرض واشتد مرضه‏.‏

ثم إن بعض جنود خراسان المقيمين في عسكر الشام رأى دابة كانت أخذت منه في وقعة سليمان بن أبي جعفر تحت بعض الزواقيل من أهل الشام أيضا فتعلق بها واجتمع جماعة من الزواقيل والجند فتضاربوا واجتمعت الأبناء وتألبوا وأتوا الزواقيل وهوغارون فوضعوا فيهم وبلغ ذلك عبد الملك فوجه إليهم يأمرهم بالكف لم يفعلوا واقتتلوا يومهم ذلك قتالًا شديدا وأكثرت الأبناء القتل في الزواقيل فأخبر عبد الملك بذلك وكان مريضًا مدنفا فضرب بيده على يد وقال‏:‏ واذلاه‏!‏ تستضام العرب في دورها وبالدها‏!‏ فغضب من كان أمسك عن الشر من الأبناء وتفاقم الأمر وقام بأمر الأبناء الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان وأصبح الزواقيل فاجتمعوا بالرقة واجتمع الأبناء وأهل خراسان بالرافقة وقام رجل من أهل حمص فقال‏:‏ يا أهل حمص‏!‏ أهون من العطف والموت أهون من الذل إنكم قد بعدتم عن بلادكم ترجون الكثرة بعد القلة والعزة بعد الذلة الا في الشر وقعتم وفي حومة الموت أنختم إن المنايا في شوارب المسودة وقلانسهم النفير النفير قبل أن ينقطع السبيل وينزل لاأمر الجليل ويفوت المطلب ويعسر المهرب‏.‏

وقام رجل من كلب في غرز ناقته فقال نحوًا من ذلك ثم قال‏:‏ ألا وإني سائر فمت أراد الانصراف فلينصرف معي‏!‏ ثم سار فسار معه عامة أهل الشام وأخرقت الزواقيل ما كان التجار قد جمعوه من الأعلاف وأقبل نصر بن شبث العثيلي ثم حمل وأصحابه فقاتل قتالًا شديدا وصبر الجند لهم وكان أكثر القتل في الزواقيل لكثير بن قادرة وأبي الفيل وداود بن موسى بن عيسى الخراساني وانهزمت الزواقيل وكان على حاميتهم يومئذ نصر بن شبث

وعمروبن عبد العزيز السلمي والعباس بن زفر الكلابي ثم توفي عبد الملك بن صالح بالرقة في هذه السنة‏.‏

ذكر خلع الأمين والمبايعة للمأمون وعود الأمين إلى الخلاف

فلما مات عبد الملك بن صالح نادى الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان في الجند فجعل الرجالة في السفن وسار الفرسان على الظهر في رجب فلما قدم بغداد لقيه القواد وأهل بغداد وعملت له القباب ودخل منزله فلما كان جوف الليل بعث إليه الأمين يأمره بالركوب إليه فقال للرسول‏:‏ ما أنا بمغن ولا مسامر ولا مضحك ولا وليت له عملًا ولا مالا فلأي شيء يريدني هذه الساعة‏.‏

انصرف فإءذا أصبحت غدوت إليه إن شاء الله‏.‏

وأصبح الحسين فوافى باب الجسر واجتمع الناس فقال‏:‏ ب معشر الأبناء‏!‏ إن خلافة الله لا تجاوز بالبطر ونعمته لا تستصحب بالتجبر وإن محمداص يريد أن يوقع أديانكم وينقل عزكم إلى غيركم وهوصاحب الزواقيل وبالله إن طالت به مدة ليرجعن وبال ذلك عليكم فاقطعوا أثره قبل أن يقطع آثاركم وضعوا عزه قبل أن يضع عزكم فوالله لا ينصره ناصر منكم إلا خذلب

ثم أمر الناس بعبور الجسر فعبروا وصاروا إلى سكة باب خراسان وتسرعن خيول الأمين إلى الحسين فقاتلوه قتالًا شديدا فانهزم أصحاب الأمين وتفرقوا فخلع الحسين الأمين يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب وأخذ البيعة للمأمون من الغد يوم الاثنين‏.‏

فلما كان يوم الثلاثاء وثب العباس بن موسى بن عيسى بن بالأمين فأخرجه من قصر الخلد وحبسه بقصر المنصور وأخرج أمه زبيدة أيضا فجعلها مع ابنها فلما كان يوم الأربعاء طالب الناس الحسين بالأرزاق وماجوا بعضهم في بعض فقام محمد بن خالد بباب الشام فقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ والله ما أدري بأي سبب يأمر الحسين بن علي علينا ويتولى هذا الأمر دوننا ما هو بأكبرنا سنا وما هو بأكبرنا حسبا ولا بأعظمنا منزلة وغنى وإني أولكم أنقض عهده وأظهر الإنكار لفعله فمن كان على رأيي فليعتزل معي‏.‏

وقال أسد الحربي‏:‏ يا معشر الحربية‏!‏ هذا يوم له ما بعده إنكم قد منتم فطال نومكم وتأخرتم فتقدم عليكم غيركم وقد ذهب أقوام بخلع الأمين فاذهبوا أنتم بذكرفكه وإطلاقه‏.‏

وأقبل شيخ على فرس فقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ هل تعتدون على محمد بقطع أرزاقهم قالوا‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ فهل قصر بأحد من رؤسائكم وعزل أحدًا من قوادكم قالوا‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ فما بالكم خذلتموه وأعنتم عدوه على أسره وايم الله ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف انهضوا إلى خليفتكم فقاتلوا عنه من أراد خلعه‏.‏

فنهضوا وتبعهمأهل الأرباض فقاتلوا الحسين قتالًا شديدا فأسر الحسين بن علي ودخل أسد الحربي على الأمين فكسر قيوده وأقعده في مجلس الخلافة‏.‏

ورأى الأمين أقوامًا ليس عليهم لباس الجند وأمرهم بأخذ السلاح فانتعبته الغوغاء ونهبوا غيره وحمل إليه الحسين أسيرا فلامه فأعتذر له الحسين فأطلقه وأمره بجمع الجند ومحاربة أصحاب المأمون وخلع عليه وولاه ما وراء بابه وأمره بالمسير إلى حلوان فوقفالحسين بباب الجسر والناس يهنئونه فلما خف عنه الناس قطع الجسر وهرب فنادى الأمين في الجند يطلبه فركبوا كلهم فأدركوه بمسجد كوثر على فرسخ من بغداد فقاتلهم فعثر به فرسه فسقط عنه فقتل وأخذوا رأسه‏.‏

وقيل إن الأمين كان استوزره وسلم إليه خاتمه وجدد الجند البيعة للامين بعد قتل الحسين بيوم وكان قتله خامس عشر رجب فلما قتل الحسين بن علي هرب الفضل بن الربيع واختفى‏.‏

ذكر ما فعله طاهر بالاهواز

لما نزل طاهر بشلاشان وجه الحسين بن عمر الرستمي إلى الأهواز وأمره بالحذر فلما توجه

أتت طاهرًا عيونه فأخبروه أن محمد بن يزيدابن حاتم المهلبي وكان عاملًا للأمين على الأهواز قد توجه في جمع عظيم يريد جند يسابور ليحمي الأهواز من أصحاب طاهر فدعا طاهر عدة من أصحابه منهم‏:‏ محمد بن طالوت ومحمد بن العلاء والعباس بن بخار أخذاه وغيرهم وأمرهم أن يجدوا السير حتى يتصل أولهم بآخر أصحاب الرستمي فإن احتاج إلى مدد أمدوه‏.‏

فساروا حتى شارفوا الأهواز ولم يلقوا أحدًا‏.‏

وبلغ خبرهم محمد بن يزيد فسار حتى نزل عسكر مكرم وصير العمران والماء وراء ظهره وتخوف طاهر أن يعجل إلى أصحابه فأمدهم بقريش بن شبل وتوجه هوبنفسه حتى كان قريبًا منهم وسير الحسين بن علي المأموني إلى قريش والرستمي فسارت تلك العساكر حتى أشرفوا على محمد بن يزيد بعسكر مكرم فاستشار أصحابه في المطاولة والمناجزة فأشاروا عليه بالرجوع إلى لاأهواز والتحصن بها وأن يستدعي الجند من البصرة وقومه الأزد ففعل ذلك فسير طاهر وراءه قريش بن شبل وأمره بمبادرته قبل أن يتحصن بالأهواز فسبقه محمد بن يزيد ووصل بعده بيوم قريش فاقتتلوا قتالًا شديدا فالتفت محمد إلى من معه من مواليه وكان أصحابه قد رجعوا عنه فقال لمواليه‏:‏ ما رأيكم إني أرى من معي قد انهزم ولست آمن خذلانهم ولا أرجورجعتهم وقد عزمت على النزول والقتال بنفسي حتى يقضي الله بما أحب فمن أراد الانصراف فلينصرف فوالله لئن فقالوا‏:‏ والله ما أنصفناك إذاص أن تكون قد أعتقتنا من الرق ورفعتنا من الضعة وأغنيتنا بعد القلة ثم نخذلك على هذه الحال فلعن الله الدنيا والعيش بعدك‏!‏ ثم نزلوا فعرقبوا دوابهم وحملوا على أصحاب قريش حملة منكرة فاكثروا فيهم القتل وقتل محمد بن يزيد المهلبي واستولى طاهر على الأهواز وأعمالها واستعمل العمال على اليمامة والبحرين وعمان وقال بعض المهالبة وجرح في تلك الوقعة عدة جراحات وقطعت يده‏:‏ فلما لمت نفسي غير أني لم أطق حراكا وأني كنت بالضرب مثخنًا ولوسلمت كفاي قاتلت دونه وضاربت عنه الطاهري الملعنا فتىً لا يرى أن يخذل السيف في الوغى إذا ادرع الهيجاء في النقع واكتنى ولما دخل ابن أبي عيينة المهلبي على طاهر ومدحه فحين انتهى إلى قوله‏:‏ ما ساء ظني إلا بواحدة في الصدر محصورة عن الكلم تبسم طاهر ثم قال‏:‏ أما والله ساءني من ذلك ما ساءك وأمني ما ألمك ولقد كنت كارهًا لما كان غير أن الحتف واقع والمنايا نازلة ولا بد من قطع الأواصر والشكر للأقارب في تأكيد الخلافة والقيام بحق الطاعة فظن من حضر أنه أراد محمد بن يزيد بن حاتم‏.‏

ثم سار طاهر من الأهواز إلى واسط وبها السندي بن يحيى الحرشي والهيثم بن شعبة خليفة خزيمة بن خازم فجعل طاهر كلما تقدم نحوهم تقوضت المسالح والعمال بين يديه حتى أتى واسطًا فهرب السندي والهيثم بن شعبة عنها واستولى طاهر على واسط ووجه قائدًا من قواده إلى الكوفة عليها العباس بن موسى الهادي فلما بلغه الخبر خلع الأمين وبايع المأمون وكتب بذلك إلى طاهر‏.‏

ونزلت خيل طاهر فم النيل وغلب على ما بين واسط والكوفة وكتب المنصور بن المهدي وكان عاملًا لأمين على البصرة إلى طاهر ببيعته وطاعته وأتته بيعة المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل للمأمون وخلع الأمين وكان هذا جميعه في رجب من هذه السنة فأقرهم طاهر على أعمالهم وولى داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي الهاشمي مكة والمدينة واستعمل يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري البجلي على اليمن ووجه الحارث بن هشام وداود بن موسى إلى قصر ابن هبيرة وأقام طاهر بجرجرايا‏.‏

فلما بلغ الأمين خبر عامله بالكوفة وخلعه والبيعة للمأمون وجه محمد بن سليمان القائد ومحمد بن حماد البربري وأمرهما أن يبيتا الحارث بن هشام وداود بالقصر فبلغ الحارث الخير فركب هووداود فعبرا في مخاضة في سوراء إليهم فاوقعا بهم وقعة شديدة فاقتتلوا قتالًا شديدًا

ووجه الأمين أيضًا الفضل بن موسى بن عيسى الهاشمي عاملًا على الكوفة في خيل فبلغ طاهرًا الخبر فوجه محمد بن العلاء في جيش إلى طريقه فلقي الفضل بقرية الأعراب فبعث إليه الفضل‏:‏ إني سامع مطيع وإمنا كان مخرجي كيدًا مني لمحمد الامين فقال له ابن العلاء‏:‏ لست أعرف ما تقول فإن أردت طاهرًا فارجع وراءك فهوأسهل الطريق فرجع الفضل فقال محمد بن العلاء‏:‏ كونوا على حذر فلا آمن مكره‏.‏

ثم إن الفضل رجع إلى ابن العلاء وهويظن أنه على غير أهبة فرآه متيقظًا حذرا فاقتتلوا قتالًا شديدًا كأشد ما يكون من القتال فانهزم الفضل وأصحابه‏.‏

ذكر استيلاء طاهر على المدائن ونزوله بصرصر

ثم إن طاهرًا سار إلى المدائن وبها جيش كثير للأمين عليهم البرمكي قد تحصن بهأن والمدد ياتيه كل يوم والخلع والصلات فلما قرب طاهر منه وجه قريش بن شبل والحسين بن علي المأموني فقي مقدمته فلما سمع أصحاب البرمكي طبول طاهر أسرجوا وركبوأن وأخذ البرمكي في التعبية فكان كلما سوى صفًا انتقض واضطرب وانضم أولهم إلى آخرهم فقال‏:‏ اللهم إنا نعوذ بك في الخذلان‏!‏ ثم قال لصاحب ساقته‏:‏ خل سبيل الناس فلا خير عندهم فركب بعضهم بعضًا نحوبغداد فنزل طاهر بالمدائن واستولى على تلك النواحي ثم سار إلى صرصر فعقد بها جسرًا ونزلها‏.‏

ذكر البيعة للمأمون بمكة والمدينة

وفي هذه السنة خلع داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي الأمين وهوعامله على مكة والمدينة وبايع للمأمون‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما بلغه ما كان من الأمين والمأمون وما فعل طاهر وكان الأمين قد كتب إلى داود بن عيسى يامره بخلع المأمون وبعث أخذ الكتابين من الكعبة كما تقدم فلما فعل ذلك جمع داود وجوه الناس ومن كان شهد من الكتابين وكان داود أحدهم فقال لهم‏:‏ قد علمتم ما أخذ الرشيد علينا وعليكم من العهد والميثاق عند بيت الله الحرام لا بنيه لنكونن مع المظلوم منهما على الظالم ومع المغدور به على الغادر وقد راينا ورأيتم أن محمدًا قد بدأ بالظلم والبغي والغدر والنكث على أخويه المأمون والمؤتمن وخلعهما عاصيًا لله وبايع لابنه طفل صغير رضيع لم يفطم وأخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظالما فقد رأيت خلعه والبيعة للمأمون

فأجابوه إلى ذلك فنادى في شعاب مكة فاجتمع الناس فخطبهم بين الركن والمقام وخلع محمدا وبايع للمأمون وكتب إلى ابنه سليمان وهوعامله على المدينة يأمره أن يفعل مثل ما فعل فخلع سليمان الأمين وبايع للمأمون‏.‏

فلما أتاه الخبر بذلك سار من مكة على طريق البصرة ثم إلى فارس ثم إلى كرمان حتى صار إلى المأمون بمرو فأخبره بذلك فسر المأمون بذلك سرورًا شديدا وتيمن ببركة مكة والمدينة‏.‏

وكانت البيعة بهما في رجب سة ست وتسعين ومائة واستعمل داود على مكة والمدينة وز أضاف إليه ولاية عك وأعطاه خمسمائة ألف درهم معونة وسير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى وجعله على الموسم فسارا حتى أتيا طاهرًا ببغداد فأكرمهما وقربهمأن ووجه معهما يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري البجلي عاملًا على اليمن وبعث معه خيلًا كثيفة فلما قدم اليمن دعا أهلها إلى خلع الأمين والبيعة للمأمون ووعدهم العدل والإحسان وأخبرهم بسيرة المأمون فأجابوه إلى ما طلب وخلعوا محمدًا وبايعوه للمأمون وكتب بذلك إلى طاهر وإلى المأمون وسار فيهم أحسن سيرة وأظهر العدل‏.‏

وفي هذه السنة عقد محمد الأمين في رجب وشعبان نحوًا من أبعمائة لواء لقواد شتى وأمر عليهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك وأمرهم بالمسير إلى هرثمة بن أعين فساروا إليه فالتقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموا وأسر علي بن محمد بن عيسى فسيره هرثمة إلى المأمون ورحل هرثمة فنزل النهروان‏.‏

ذكر وثوب الجند بطاهر والأمين ونزوله ببغداد

وأقام طاهر بصرصر مشمرًا في محاربة الأمين وكان لا يأتيه جيش إلا هزمه وبذل الأمين الأموال فاشتد ذلك على أصحاب طاهر فسار إليه منهم نحوخمسة آلاف فسر بهم الأمين وعدهم ومناهم وفرق فيهم مالًا عظيما وعلف لحاهم بالغالية فسموا قواد الغالية وقود جماعة من الحربية ووجههم إلى دسكرة الملك والنهروان فلم يكن بينهم قتال كثير وندب جماعة من قواد بغداد وجههم إلى الياسرية والكوثرية وفرق الجواسيس في اصحاب طاهر ودس إلى رؤساء الجند فاطعمهم ورغبهم فشغبوا على طاهر واستأمن كثير منهم إلى الأمين فانضموا إلى عسكره وساروا حتى أتوا صرصرا فعبأ طاهر أصحابه كراديس وسار فيهم يمنيهم ويحرضهم ويعدهم النصر ثم تقدم فاقتتلوا مليًا من النهار ثم انهزم أصحاب الأمين وغمن عسكر طاهر ما كان لهم من السلاح والدواب وغير ذلك‏.‏

وبلغ ذلك لاأمين فأخرج الأموال وفرقها وجمع أهل الأرباض وقود منهم جماعة وفرق فيهم الاموال وأعطى كل قائد منهم قارورة غالية ولم يفرق في أجناد القواد وأصحابهم شيئًا‏.‏

فبلغ ذلك طاهرا فراسلهم ووعدهم واستمالهم وأغرى أصاغرهم بأكابرهم فشغبوا على الأمين في ذي الحجة فصعب الأمر عليه فأشار عليه أصحابه باستمالتهم والإحسان إليهم فلم يفعل وأمر بقتالهم جماعة من المستأمنة والمحدثين فقاتلوهم وراسلهم طاهر وراسلوه وأخذ رهائنهم على بذل الطاعة وأعطاهم الاموال‏.‏

ثم تقدم فصار إلى موضع البستان الذي على باب الأنبار في ذي الحجة فنزل بقواده وأصحابه ونزل من استأمن إليه من جند الأمين في البستان والأرباص وأضعف للقواد وأبنائهم والخواص العطاء ونقب أهل السجون السجون وخرجوا منها وفتن الناس وساءت حالهم وثب الشطار على أهل الصلاح ولم يتغير بعسكر طاهر حال لتفقده حالهم وأخذه على أيدي السفهاء وغادى القتال ورواحه حتى تواكل الفريقان وخربت الديار‏.‏

وحج بالناس هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بن موسى ودعا للمأمون بالخلافة

ذكر الفتنة بإفريقية مع أهل طرابلس

في هذه السنة ثار أبوعصام ومن وافقه على إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية فحاربهم إبراهيم فظفر بهم‏.‏

وفيها استعمل ابن الأغلب ابنه عبدالله على طرابلس الغرب فلما قدم إليها ثار عليه الجند فحضروه في داره ثم اصطلحوا على أن يخرج عنهم فخرج عنهم فلم يبعد عن البلد حتى اجتمع إليه كثير من الناس ووضع العطاء فأتاه البربر من كل ناحية وكان يعطي الفارس كل يوم أربعة دراهم ويعطي الراجل في اليوم درهمين فاجتمع له عدد كثير فزحف بهم إلى طرابلس فخرج إليه الجند فاقتتلوا فانهزم جند طرابلس ودخل عبد الله المدينة وأمن الناس وأقام بها ثم عوزله أبوه واستعمل بعده سفيان ابن المضاء فثارت هوارة بطرابلس فخرج الجند إليهم والتقوا واقتتلوا فهزم الجند إلى المدينة فتبعهم هوارة فخرج الجند هاربين إلى لاأمير إبراهيم ابن الأغلب ودخلوا المدينة فهدموا أسوارها‏.‏

وبلغ ذلك إببراهيم ابن الأغلب فسير إليها ابنه أبا العباس عبد الله في ثلاثة عشر ألف فارس فاقتتل هووالبربر فانهزم البربر وقتل كثير منهم ودخل طرابلس وبنى سورها‏.‏

وبلغ خبر هزيمة البربر إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم وجمع البربر وحرضهم وأقبل بهم إلى طرابلس وهم جمع عظيم غضبًا للبربر ونصرة لهم فنزلوا على طرابلس وحصروها‏.‏

فسد أبوالعباس عبد الله بن إبراهيم باب زناتة وكان يقاتل من باب هوارة ولم يزل كذلك إلى أن توفي أبوه إبراهيم بن الأغلب وعهد بالإمارة لولده عبد الله فأخذ أخوه زيادة الله بن إبراهيم له العهود على الجند سير الكتاب إلى أخيه عبد الله يخبره بموت أبيه وبالإمارة له فأخذ البربر الرسول والكتاب ودفعوه إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فأمر بأن ينادي عبد الله بن إبراهيم بموت أبيه فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله وما كان خارجًا عن ذلك يكون لعبد الوهاب وسار عبد الله إلى القيروان فلقيه الناس وتسلم الأمر وكانت أيامه أيام سكون ودعة‏.‏‏ ‏ ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏