المجلد الخامس - ذكر حصار بغداد

حوادث سنة سبع وتسعين ومائة

في هذه السنة حاصر طاهر وهرثمة وزهير بن المسيب الأمين محمدًا ببغداد فنزل زهير بن المسيب الضبي برقة كلواذى ونصب المجانيق والعرادات وحفر الخنادق وكان يخرج في الإيام

عند اشتغال الجند بحرب طاهر فيرمي بالعرادات ويعشر أموال التجار فشكا الناس منه إلى طاهر فنزل هرثمة نهر بين وعمل عليه خندقًا وسورا ونزل عبيد الله بن الوضاح بالشماسية ونزل طاهر البستان الذي بباب الأنبار‏.‏

فلما نزله شق ذلك على الأمين وتفرق ما كان بيده من الأموال فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة وضرب آنية الذهب والفضة ليفرقها في أصحابه وأمر بإحراق الحربية فرميت بالنفط والنيران وقتل بها خلق كثير‏.‏

واستأمن إلى طاهر سعيد بن مالك بن قادم فولاه الأسواق وشاطئ دجلة وما اتصل به وأمره بحفر الخنادق وبناء الحيطان في كل ما غلب عليه من الدروب وأمده بالاموال والرجال فكثر الخراب ببغداد والهدم فدرست المنازل ووكل الأمين عليًا افراهمرد بقصر صالح وقصر سليمان بن المنصور إلى دجلة فألح في إحراق الدور والدروب والرمي بالمجانيق وفعل طاهر مثل ذلك فأرسل إلى أهل الأرباض من طريق الأنبار وباب الكوفة وما يليها فكلما أجابه أهل ناحية خندق عليهم ومن أبى إجابته قاتله وأحرق منزله ووحشت بغداد وهربت فقال حسين الخليع‏:‏ أتسرع الرحلة إغذاذًا عن جانبي بغداد أم ماذا وانتقضت بغداد عمرانها عن رأي لا ذاك ولا هذا هدمًا وحرقًا قد أباد أهلها عقوبة لاذت بمن لاذا ما احسن الحالات إن لم تعد بغداد في القلة بغدادا وسمى طاهر الأرباض التي خالفه أهلها ومدينة المنصور وأسواق الكرخ والخلد دار النكث وقبض ضياع من لم يخرج إليه من بني هاشم والقواد وغيرهم وأخذ اموالهم فذلوا وانكسروا وذل الأجناد وضعفوا عن القتال إلا باعة الطريق والعراة وأهل السجون والأوباش والطرارين وأهل السوق فكانوا ينهبون أموال الناس‏.‏

وكان طاهر لا يفتري في قتالهم فاستأمن إليه على أفراهمرد الموكل بقصر صالح فأمنه وسير إليه جندًا كثيفا فسلم إليه ما كان بيده من تلك الناحية في جمادى الآخرة واستأمن إليه محمد بن عيسى صاحب شرطة الأمين وكان مجدًا في نصرة الأمين فلما استأمن هذان إلى طاهر أشفى الأمين على الهلاك وأقبلت الغواة من العيارين وباعة الطريق والأجناد فاقتتلوا داخل قصر صالح قتالًا عظيما قتل فيه من أصحاب طاهر جماعة كثيرة ومن قواده جماعة ولم تكن وقعة قبلها ولا بعدها اشد على طاهر منها‏.‏

ثمخ إن طاهرًا كاتب القواد الهاشميين وغيرهم بعد أن أخذ ضياعهم ودعاهم إلى الأمان والبيعة للمأمون فأجابه جماعة منهم‏:‏ عبد الله بن حميد قحطبة وإخوته وولد الحسن بن قحطبة ويحيى بن علي بن ماهان ومحمد بن أبي العباس الطائي وكاتبه غيرهم وصارت قلوبهم معه‏.‏

وأقبل الأمين بعد وقعة صالح على الأكل والشرب ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى الهرش فكان من معهما من الغوغاء والفساق يسلبون من قدروا عليه وكان منهم ما لم يبلغنا مثله‏.‏

فلما طال ذلك بالناس خرج من بغداد من كانت به قوة وكان أحدهم إذا خرج أمن على ماله ونفسه وكان مثلهم كما قال الله‏:‏ ‏{‏فضرب بهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 13‏]‏‏.‏ وخرج عنهم قوم بعلة الحج ففي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ أظهروا الحج وما ينوونه بل من الهرش يريدون الهرب كم أناس أصبحوا في غبطة وكل الهرش عليهم بالعطب وقال بعض فتيان بغداد‏:‏ بكيت دمًا على بغداد لما فقدت غضارة العيش الأنيق تبدلنا همومًا من سرور ومن سعة تبدلنا بضيق فقوم أحرقوا بالنار قسرًا ونائحة تنوح على غريق وصائحة تنادي‏:‏ واصباحًا وباكية لفقدان الشقيق وحوراء المدامع ذات دل مضمخة المجاسد بالخلوق تفر من الحريق إلى انتهاب ووالدها يفر إلى الحريق وسالبة الغزالة مقلتيها مضاحكها كلألاء البروق حيارى هكذا ومفكرات عليهن القلائد في الحلوق ينادين الشفيق ولا شفيق وقد فقد الشفيق من الشفيق ومغترب قريب الدار ملقى بلا رأس بقارعة الطريق توسط من قتالهم جميعًا فما يدرون من أي الفريق فما ولد يقيم على أبيه وقد فر الصديق عن الصديق ومهما أنس من شيء تولى فإني ذاكر دار الرقيق وقال الجرمي قصيدة طويلة نحومائة وخمسين بيتًا أتى فيها على جميع الحوادث ببغداد في هذه القتال فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم فقال لأصحابه‏:‏ ما يقاتلنا إلا من نرى استهانة بأمرهم واحتقارًا لهم فقيل له‏:‏ نعم‏!‏ هؤلاء هم الآفة فقال لهم‏:‏ أف لكم حين تنهزمون من هؤلاء وأنتم في السلاح والعدة والقوة وفيكم الشجاعة وما عسى يبلغ كيد هؤلاء ولا سلاح معهم ولا جنة تقيهم‏!‏ وتقدم إلى بعضهم وفي يديه بارية مقيرة وتحت إبطه مخلاة فيها حجارة فجعل الخراساني كلما رمي بسهم استتر منه العيار فوقع في باريته أوقريبًا منها فياخذه ويتركه معه وصاح‏:‏ دانق أي ثمن النشابة دانق قد أحرزه فلم يزالا كذلك حتى فنيت سهام الخراساني ثم حمل عليه العيار ورمة بحجر من مخلاته في مقلاع فما أخطأ عينه ثم آخر فكاد يصرعه فانهزم وهويقول‏:‏ ليس هؤلاء بناس‏.‏

فلما سمع طاهر خبره ضحك منه فلما طال ذلك على طاهر وقتل من أصحابه في قصر صالح من قتل أمر بالهدم والإحراق فهدم دور من خالفه من بين دجلة ودار الرقيق وباب الشام وباب الكوفة إلى الصراة وربض حميد ونهر كرخابا فكان أصحابه إذا هدموا دارًا أخذ أصحاب الأمين أبوابها وسقوفها فيكونون أشد على أهلها فقال شاعر منهم‏:‏ لنا كل يوم ثلمة لا نسدها يزيدون فيما يطلبون وننقص فإن حرصوا يومًا على الشر جهدهم فغوغاؤنا منهم على الشر أحرص فقد ضيقوا من أرضنا كل واسع وصار لهم أهل بها وتعرص يثيرون بالطبل القنيص فإن بدا لهم وجه صيد من قريب تقنصوا لقد أفسدوا شرق البلاد وغربها علينا فما ندري إلى أين نشخص إذا حضروا قالوا بما يعرفونه وإن لم يروا شيئًا قبيحًا تخرصوا وما قتل الأبطال مثل مجرب رسول المنايا ليلة يتلصص فيأبيات غيرها فلما رأى طاهر أن هذا جميعه لا يحفلون به أمر بمنع التجار عنهم ومنع من حمل الأقوات وغيرها وشدد في ذلك وصرف السفن التي يحمل فيها إلى الفرات فاشتد ذلك عليهم وغلت الأسعار وصاروا في اشد حصار فأمر الأمين ببيع الاموال وأخذها ووكل بها بعض أصحابه فكان يهجم على الناس في منازلهم ليلاص ونهارا فاشتد ذلك على الناس وأخذوا بالتهمة والظنة‏.‏

ثم كان بينهم وقعة بدرب الحجارة قتل فيها من اصحاب طاهر خلق كثير ووقعة بالشماسية خرج فيها حاتم بن الصقر في العيارين وغيرهم إلى عبيد الله بن الوضاح فاوقعوا به وهولا يعلم فانهزم عنهم وغعلبوه على الشماسية فأتاه هرثمة يعينه فأسره بعض أصحاب الأمين وهولا

فلما بلغ طاهرًا ما صنعوا عقد جسرًا فوقالشماسية وعبر أصحابه إليهم فقاتلوا أشد قتال حتى ردوا أصحاب الأمين وأعاد أصحاب عبيد الله بن الوضاح إلى مراكزهم وأحرق منازل الأمين بالخيزرانية وكانت النفقة عليها بلغت عشرين ألف ألف درهم وقتل من العيارين كثير فضعف أمر الأمين فأيقن بالهلاك وهرب منه عبد الله بن خازم بن خزيمة إلى المدائن خوفًا من الأمين لأنه اتهمه وتحامل عليه السفلة والغوغاء فأقام بها وقيل بل كاتبه طاهر وحذره قبض ضياعه وأمواله‏.‏

ثم إن الهرش خرج ومعه لفيفة وجماعة إلى جزيرة العباس وكانت ناحية لم يقاتل فيها فخرج إليه وبعض أصحاب طاهر فقاتلوه فقوي عليهم فأمدهم طاهر بجند آخر فأوقعوا بالهرش وأصحابه وقعة شديدة فقرق منهم بشر كثير‏.‏

وضجر الأمين وخاف حتى قال يومًا‏:‏ وددت أن الله قتل الفريقين جميعًا فأراح الناس منهم فما منهم إلا عدولي أما هؤلاء فيريدون مالي وأما أولئك فيريدون نفسي وضعف أمره وانتشر جنده وأيقن بظفر طاهر به‏.‏

ذكرعدة حوادث

وحج بالناس هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بتوجيه طاهر إياه على الموسم بأمر أمير المؤمنين المأمون‏.‏

وفيها سار المؤتمن بن الرشيد ومنصور بن المهدي إلى المأمون بخراسان فوجه المأمون أخاه المؤتمن إلى جرجان‏.‏

وفيها كان بالأندلس غلاء شديد وكان الناس يطوون الأيام ويتعللون بما يضبط النفس‏.‏

وفيها مات وكيع بن الجراح الرؤاسي بفيد وقد عاد عن الحج وبقية ابن الوليد الحمصي وكان مولده سنة عشر ومائة ومحمد بن مليح بن سليمان الأسلمي ومعاذ بن معاذ أبوالمثنى العنبري وله سبع وسبعون سنة‏.‏

حوادث سنة ثمان وتسعين ومائة

ذكر استيلاء طاهر على بغداد


في هذه السنة لحق خزيمة بن خازم بطاهر وفارق الأمين ودخل هرثمة إلى الجانب الشرقي‏.‏

وكان سبب ذلك أن طاهرًا أرسل إلى خزيمة أن انفصل الأمر بيني وبين محمد ولم يكن لك في نصرتي ألا أقصر في أمرك‏!‏ فأجابه بالطاعة وقال له‏:‏ لوكنت أنت النازل الجانب الشرقي في

مكان هرثمة لحمل نفسه إليه وأخبره قلة ثقته بهرثمة إلا أن يضمن له القيام دونه لخوفه من العامة فكتب طاهر إلى هرثمة يعجزه ويلومه ويقول‏:‏ جمعت الأجناد وأتلفت الأموال وقد وقفت وقوف المحجم عمن بإزائك فاستعد للدخول إليهم فقد أحكمت الأمر على دفع العسكر وقطع الجسور وأرجو أن لا يختلف عليك اثنان‏.‏

فأجابه هرثمة بالسمع والطاعة فكتب طاهر إلى خزيمة بذلك وكتب إلى محمد بن علي بن عيسى بن ماهان بمثل ذلك فلما كان ليلة الأربعاء لثمان بقين من المحرم وثب خزيمة ومحمد بن علي بن عيسى على جسر دجلة فقطعاه وخلعا محمد الأمين وسكن أهل عسكر المهدي ولم يدخل هرثمة حتى مضى إليه نفر من القواد وحلفوا له أنه لا يرى منهم مكروها فدخل إليهم فقال الحسين الخليع في ذلك‏.‏

علينا جميعًا من خزيمة منة بما أخمد الرحمن نائرة الحرب تولى أمور المسلمين بنفسه فذب وحامى عنهم أشرف الذب ولولا أبو العباس ما انفك دهرنا ينيب على عتب ويعدوعلى عتب خزيمة لم يذكرله مثل هذه إذ اضطربت شرق البلاد مع الغرب أناخ بجسري دجلة القطع والقنا شوارع والأرواح في راحة الغضب وهي عدة أبيات فلما كان الغد تقدم طاهر إلى المدينة والكرخ فقاتل هناك قتالًا شديدا فهزم الناس حتى الحقهم بالكرخ وقاتلهم فيه فهزمهم فمروا لا يلوون على شيء فدخلها طاهر بالسيف وأمر مناديه فنادى‏:‏ من لزم بيته فهوآمن ووضع بسوق الكرخ وقصر الوضاح جندًا على قدر حاجته وقصد إلى مدينة المنصور وأحاط بها وبقصر زبيدة وقصر الخلد من باب الجسر إلى باب خراسان وباب الشام وباب الكوفة وباب البصرة وشاطئ الصراة إلى مصبها في دجلة‏.‏

وثبت على قتال طاهر حاتم بن الصقر والهرش والأفارقة فنصب المجانيق بإزاء قصر زبيدة وقصر الخلد وأخذ الامين أمه وأولاده إلى مدينة المنصور وتفرق عنه عامة جنده وخصيانه وجواريه في الطريق لا يلوي أحد على احد وتفرق السفلة والغوغاء وتحصن محمد بمدينة المنصور وحصره طاهر وأخذ عليه الأبواب‏.‏

وبلغ خبر هذه الوقعة عمر الوراق فقال لمخبره‏:‏ ناولني قدحًا ثم تمثل‏:‏ خذها فللخمرة أسماء لها دواء ولها داء يصلحها الماء إذا اصفقت يومًا وقد يفسدها الماء وقائل كانت لهم وقعة في يومنا هذا وأشياء إشرب ودعنا من أحاديثم يصطلح الناس إذا شاؤوا وحكى إبراهيم بن المهدي أنه كان مع الأمين لما حصره طاهر قال‏:‏ فخرج الأمين ذات ليلة يريد أن يتفرج من الضيف الذي هوفيه فصار إلى قصر له بناحية الخلد ثم أرسل إلي فحضرت عنده فقال‏:‏ ترى طيب هذه الليلة وحسن القمر في السماء وضوءه في الماء على شاطئدجلة فهل لك في الشرب فقلت‏:‏ شأنك فشرب رطلا وسقاني آخر ثم غنيته ما كنت أعلم أنه يحبه فقال لي‏:‏ ما تقول فيمن ضرب عليك ما أحوجني إليه‏!‏ فدعا بجارية متقدمة عنده اسمها ضعف فتطيرت من اسمها ونحن في تلك الحال فقال لها‏:‏ غني فغنت بشعر الجعدي‏:‏ كليب لعمري كان أكثر ناصرًا وأيسر جرمًا منك ضرج بالدم فاشتد ذلك عليه وتطير منه وقال‏:‏ غني غير ذلك فغنت‏:‏ أبكي فراقكم عيني فأرقها إن التفرق للأحباب بكاء ما زال يعدوعليهم ريب دهرهم حتى تفانوا وريب الدهر عداء فقال لها‏:‏ لعنك الله‏!‏ أما تعرفين من الغناء غير هذا فقال‏:‏ ما تغنيت إلا ما ظننت أنك تحبه ثم غنت آخر‏:‏ أما ورب السكون والحرك إن المنايا كثيرة الشرك إلا لنقل السلطان عن ملك قد زال سلطانه إلى ملك وملك ذي العرش دائم أبدًا ليس بفان ولا بمشترك فقال لها‏:‏ قومي غضب الله عليك ولعنك فقامت وكان له قدح من بلور حسن الصنعة كان يسميه رب رياح وكان موضوعًا بين يديه فعثرت الجارية به فكسرته فقال‏:‏ ويحك يا إبراهيم‏!‏ ما ترى ما جاءت به هذه الجارية ثم ما كان من سر القدح والله ما أظن أمري إلا وقد قرب‏!‏ فقلت‏:‏ يديم الله ملكك ويعز سلطانك ويكبت عدوك‏!‏ فما استتم الكلام حتى سمعنا صوتًا من دجلة‏:‏ ‏{‏قضي الأمر الذي فيه تسفيان‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 41‏]‏‏.‏

فقال‏:‏ يا إبراهيم أما سمعت ما سمعت قلت‏:‏ ما سمعت شيئأن وكنت قد سمعت‏:‏ قال تسمع حسنأن فدنوت من الشط فلم أر شيئًا ثم عاودنا الحديث فعاد الصوت بمثله فقام من مجلسه مغتمًا إلى مجلسه بالمدينة فما مضى إلا ليلة أوليلتان حتى قتل‏.‏

ذكر قتل الأمين

لما دخل محمد إلى مدينة المنصور واستولى طاهر على أسواق الكرخ وغيرهأن كما تقدم وقر بالمدينة علم قواده وأصحابه أنهم ليس لهم فيها عدة الحصر وخافوا أن يظفر بهم طاهر فأتاه محمد بن حاتم بن الصقر ومحمد بن إبراهيم بن الأغلب الإفريقي وغيرهما فقالوا‏:‏ قد آلت حالنا إلى ما ترى وقد رأينا رأيًا نعرضه عليك فانظر واعزم عليه فإنا نرجوأن يجعل الله فيه الخيرة‏.‏

قال‏:‏ وما هو قالوا‏:‏ قد تفرق عنك الناس وأحاط بك عدوك وقد بقي معك من خيلك سبعة آلاف فرس من خيارهأن فنرى أن نختار ممن عرفناه بمحبتك من الأبناء سبعة آلاف فتحملهم على هذه الخيل وتخرج ليلًا على باب من هذه الأبواب فإن الليل لأهله ولن يثبت لنا أحد إن شاء الله فنخرج حتى نلحق بالجزيرة والشام فنفرض الفروض ونجبي الخراج ونصير في مملكة واسعة وملك جديد فينصاع إليك الناس وينقطع عن طلبك الجند ويحدث الله أمورًا‏.‏

فقال لهم‏:‏ نعم ما رأيتم‏!‏ وعزم على ذلك وبلغ الخبر إلى طاهر فكتب إلى سليمان بن المنصور ومحمد بن عيسى بن نهيك والسندي بن شاهك‏:‏ والله لئن لم تردوه عن هذا الرأي لا تركت لكم ضيعة إلا قبضتهأن ولا يكون لي همة إلا أنفسكم‏.‏

فدخلوا على الأمين قد بلغنا الذي عزمت عليه فنحن نذكرك الله في نفسك إن هؤلاء صعاليك وقد بلغ بهم الحصار إلى ما ترى فهم يرون أن لا أمان لهم عند أخيك وعند طاهر لجدهم في الحرب ولسنا نأمن إذا خرجت معهم أن يأخذوك أسيرأن أ يأخذوا رأسك فيتقربوا بك ويجعلوك سبب أمانهم وضربوا فيه الأمثال فرجع إلى قولهم وأجاب إلى طلب الأمان والخروج فقالوا له‏:‏ إمنا غايتك السلامة واللهو وأخوك يتركك حيث أحببت ويجعل لك فيه كل ما يصلحك وكل ما تحب وتهوى وليس عليك منه بأس ولا مكروه‏.‏

فركن إلى ذلك وأجاب إلى الخروج إلى هرثمة بن أعين‏.‏

فدخل عليه أولئك النفر الذين أشاروا بقصد الشام وقالوا‏:‏ إذا لم تقبل ما أشرنا به عليك وهوالصواب وقبلت من هؤلاء المداهنين فالخروج إلى طاهر خير لك من الخروج إلى هرثمة فقال‏:‏ أنا أكره طاهرأن لأني رأيت في منامي كأني قائم على حائط من آجر شاهق في السماء عريض الأساس لم أر مثله في الطول والعرض وعلي سوادي ومنطقي وسيفي وكان طاهر في أصل ذلك الحائط فما زال يضربه حتى سقط وسقطت وطارت قلنسوتي عن رأسي فأنا أتطير منه وأكرهه وهرثمة مولانا وهوبمنزلة الوالد وأنا أشد أنسًا به وثقة إليه‏.‏

فأرسل يطلب الأمان فأجابه هرثمة إلى ذلك وحلف له أنه يقاتل دونه إن هم المأمون بقتله فلما علم ذلك طاهر اشتد عليه وأبى أن يدعه يخرج إلى هرثمة وقال‏:‏ هوفي جندي والجانب الذي أنا فيه وأنا أحرجته بالحصار حتى طلب الأمان فلا أرضى أن يخرج إلى هرثمة فيكون

فلما بلغ ذلك هرثمة والقواد اجتمعوا في منزل خزيمة بن خازم وحضر طاهر وقواده وحضر سليمان بن المنصور والسندي ومحمد بن عيسى بن نهيك وأداروا الرأي بينهم وأخبروا طاهرًا أنه لا يخرج إليه أبدا وأنه إن لم يجب إلى ما سأل لم يؤمن إلا أن يكون الأمر مثله أيام الحسين بن علي بن عيسى ماهان‏.‏

وقالوا‏:‏ أنه إن يخرج إلى هرثمة بدنه ويدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة وذلك هوالخلافة فاغتمن هذا الأمر ولا تفسده‏!‏ فأجاب إلى ذلك رضي به‏.‏

ثم إن الهرش لما علم بالخبر أراد التقرب إلى طاهر فأخبره أن الذي جرى بينهم مكر وأن الخاتم والقضيب والبردة تحمل مع الأمين إلى هرثمة فاغتاظ منه وجعل حول قصر أم الأمين وقصور الخلد قومًا معهم العتل ولم يعلم بهم أحد فلما تهيأ الأمين للخروج إلى هرثمة عطش قبل خروجه عطشًا شديدًا فطلب له في خزانة الشراب ماء فلم يوجد فلما أمسى ليلة الأحد لخمس بقين من محرم سنة ثمان وتسعين ومائة خرج بعد العشاء الآخرة إلى صحن الدار وعليه ثياب بيض وطيلسان أسود فأرسل إليه هرثمة‏:‏ وافيت للميعاد لأحملك ولكني أرى أن لا تخرج الليلة فإني قد رأيت على الشط أمرًا قد رابني وأخاف أن أغلب وتؤخذ من يدي وتذهب نفسك ونفسي فأقم الليلة حتى أستعد وآتيك الليلة القابلة فإن حوربت حاربت دونك‏.‏

فقال الأمين للرسول‏:‏ ارجع إليه وقل له لا يبرح فإني خارج إليه الساعة لا محالة ولست أقيم

وقلق وقال‏:‏ قد تفرق عني الناس من الموالي والحرس وغيرهم ولا آمن إن انتهى الخبر إلى طاهر أن يدخل عليّ فيأخذني ثم دعا بابنيه فضمهما إليه وقبلهما وبكى وقال‏:‏ أستودعكما الله عز وجل ودمعت عيناه فمسح دموعه بكمه ثم جاء راكبًا إلى الشط فإذا حراقة هرثمة فصعد إليها‏.‏

فذكراحمد بن سلام صاحب المظالم قال‏:‏ كنت مه هرثمة في الحراقة فلما دخلها الأمين قمنا له وجثا هرثمة على ركبتيه واعتذر إليه من نقرس به ثم احتضنه وضمه إليه وجعله إلى حجره وجعل يقبل يديه ورجليه وعينيه وأمر هرثمة بالحراقة أن تدفع إذ شد علينا أصحاب طاهر في الزواريق وعطعطوا ونقبوا الحراقة ورموهم بالآجر والنشاب فدخل الماء إلى الحراقة فغرقت وسقط هرثمة إلى الماء وسقطنأن فتعلق الملاح بشعر هرثمة فأخرجه وأما الأمين فإنه لما سقط إلى الماء شق ثيابه وخرج إلى الشط فأخذني رجل من أصحاب طاهر وأتى بي رجلًا من أصحاب طاهر وأعلمه أني من الذين خرجوا إلى الحراقة فسألني من أنا فقلت أنا أحمد بن سلام صاحب المظالم مولى أمير المؤمنين قال‏:‏ كذبت فاصدقني‏!‏ قلت‏:‏ قد صدقتك‏.‏

قال‏:‏ فما فعل المخلوع رأيته وقد شق ثيابه فركب وأخذني معه أعدوأن وفي عنقي حبل فعجزت عن العدو فأمر بضرب عنقي فاشتريت نفسي منه بعشرة آلاف درهم فلما ذهب من الليل ساعة وإذا قد فتحوا الباب وأدخلوا الأمين وهوعريان وعليه سراويل وعمامة وعلى كتفه خرقة خلقة فتركوه معي فاسترجعت وبكيت فيما بيني وبين نفسي فسألني عن اسمي فعرفته فقال‏:‏ يا أحمد‏!‏ ما فعل أخي قلت‏:‏ حي هو‏.‏

قال‏:‏ قبح الله بريدهم كان يقول‏:‏ قد مات شبه المعتذر من محاربته فقلت‏:‏ بل قبح اله وزراءك فقال‏:‏ ما تراهم يصنعون بي أيقتلونني أم يفون لي بأمانهم فقلت‏:‏ بل يفون لك‏.‏

وجعل يضم الخرقة على كتفه فنزعت مبطنة كانت عليّ وقلت‏:‏ ألق هذه عليك‏!‏ فقال‏:‏ دعني فهذا من اله عز وجل في مثل هذا الموضع خير كثير‏.‏

فبيمنا نحن كذلك إذا دخل علينا رجل فنظر في وجوهنأن فاستثبتهأن فلما عرفته انصرف وإذا هومحمد بن حميد الطاهري فلما رأيته علمت أن الأمين مقتول فلما انتصف الليل فتح الباب ودخل الدار قوم من العجم معهم السيوف مسلولة فلما رآهم قام قائمأن وجعل يقول‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت والله نفسي في سبيل الله أما من مغيث أما من أحد من الأبناء وجاؤوأن حتى وقفوا على باب البيت الذي نحن فيه وجعل بعضهم يقول لبعض‏:‏ تقدم ويدفع بعضهم بعضأن وأخذ الأمين بيده وسادة وجعل يقول‏:‏ ويحكم‏!‏ أنا ابن عم رسول الله أنا ابن فدخل عليه رجل منهم فضربه بالسيف ضربة وقعت في مقدم رأسه وضربه الأمين بالوسادة على وجهه وأراد أن يأخذ السيف منه فصاح‏:‏ قتلني‏!‏ قتلني‏!‏ فدخل منهم جماعة فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته فركبوه فذبحوه ذبحًا من قفاه وأخذوا رأسه ومضوا به إلى طاهر وتركوا جثته‏.‏

فلما كان السحر أخذوا جثته فأدرجوها في جل وحملوهأن فنصب طاهر الرأس على برج وخرج أهل بغداد للنظر وطاهر يقول‏:‏ هذا رأس المخلوع محمد‏.‏

فلما قتل ندم بغداد وجند طاهر على قتله لما كانوا يأخذون من الأموال وبعث طاهر برأس محمد إلى أخيه المأمون مع ابن عمه محمد بن الحسين بن مصعب وكتب معه بالفتح فلما وصل أخذ الرأس ذوالرياستين فأدخله على ترس فلما رآه المأمون سجد وبعث معه طاهر بالبردة والقضيب والخاتم‏.‏

ولما بلغ أهل المدينة أن طاهرًا أمر مولاه قريشًا فقتله قال شيخ من أهل المدينة‏:‏ سبحان الله‏!‏ كنا نروي أنه يقتله قريش فذهبنا إلى القبيلة فوافق الاسم الاسم‏.‏

ولما قتل الأمين نودي في الناس بالأمان فأمن الناس كلهم ودخل طاهر المدينة يوم الجمعة فصلى بالناس وخطب للمأمون وذم الأمين وكتب إلى المعتصم وقيل إلى ابن المهدي‏:‏ أما بعد

فإنه عزيز عليّ أن أكتب إلى رجل من أهل بيت الخلافة بغير التأمير ولكنه بلغني أنك تميل بالرأي وتصغي بالهوى إلى الناكث المخلوع فإن كان كذلك فكثير ما كتبت إليك وإن كان غير ذلك فالسلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته‏.‏

ولما قتل الأمين قال إبراهيم بن المهدي يرثيه‏:‏ عوجًا بمعنى الطلل الداثر بالخلد ذات الصخر والآجر والمرمر المنسوب يطلى به والباب باب الذهب الناضر عوجًا بها فاستيقنا عندها على يقين قدرة القادر وأبلغا عني مقالًا إلى المولى على المأمور والآمر قولًا له يابن أبي الناصر طهر بلاد الله من طاهر لم يكفه أن حز أوداجه ذبح الهدايا بمدى الجازر حتى أتى سيحب أوداجه في شطن هذا مدى السائر قد برد الموت على جنبه فطرفه منكسر الناظر فلما بلغ المأمون قوله اشتد عليه‏.‏

قيل إن محمدًا ولي يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وقتل ليلة الأحد لست بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة وكنيته أبوموسى وقيل أبوعبد الله‏.‏

وهوابن الرشيد هارون بن أبي عبد الله المهدي بن أبي جعفر المنصور وأمه زبيدة ابنة جعفر الأكبر ابن المنصور وكانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام وقيل كانت ولايته النصف من جمادى الآخرة وكان عمره ثمانيًا وعشرين سنة‏.‏

وكان سبطا أنزع صغير العينين أقنى جميلا طويلا عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين وكان مولده بالرصافة‏.‏

ولما وصل خبر قتله إلى المأمون أذن للقواد وقرأ الفضل بن سهل الكتاب عليهم فهنأوه بالظفر ودعوا له‏.‏

وكتب إلأى طاهر وهرثمة بخلع القاسم المؤتمن من ولاية العهد فخلعاه في شهر ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

وأكثر الشعراء في مراثي الأمين وهجائه تركنا أكثره لأنه خارج عن التاريخ ففما قيل في مراثيه قول الحسين بن الضحاك وكان من ندمائه وكان لا يصدق بقتله ويطمع في رجوعه‏:‏ يا خير أسرته وإن زعموا إني عليك لمثبت أسف الله يعلم أن لي كبدًا حري عليك ومقلة تكف

هلا بقيت لسد فاقتنا أبدًا وكان لغيرك التلف فلقد خلفت خلائفًا سلفوا ولسوف يعوز بعدك الخلف لا بات رهطك بعد هفوتهم إني لرهطك بعدها شنف هتكوا بحرمتك التي هتكت حرم الرسول ودونها السجف ونبت أقاربك التي خذلت وجميعها بالذل معترف تركوا حريم أبيهم نفلًا والمحصنات صوارخ هتف أبدت مخلخلها على دهش أبكارهن ورنت النصف سلبت معاجزهن واختلست ذات النقاب ونوزع الشنف فكأنهن خلال منتهب در تكشف دونه الصدف سلك تخوف نظموقدر فوهي وصرف الدهر مختلف هيهات بعدك أن يدوم لنا عز وأن يبقى لنا شرف أفبعد عهد الله تقتله والقتل بعد أمانه سرف مرج النظام وعاد منكرنا عرفًا وأنكر بعده العرف والشمل منتشر لفقدك والدن يا سدى والباب منكشف وقال خزيمة بن الحسن يرثيه على لسان أمه زبيدة وتخاطب المأمون وكنية زبيدة أم جعفر‏:‏ لخير إمام قام من خير عنصر وأفضل سام فوق أعواد منبر لوارث علم الأولين وفهمهم وللملك المأمون من أم جعفر كتبت وعيني مستهل دموعها إليك ابن عمي من جفوني ومحجري وقد مسني ضر وذل كآبة وأرق عيني يابن عمي تفكري وهمت لما لا قيت بعد مصابه فأمري عظيم منكر جد منكر سأشكوالذي لاقيته بعد فقده إليك شكاة المستضيمالمقتر وأرجولما قد مر بي مذ فقدته فأنت لبثي خير رب مغير أتى طاهر لا طهر الله طاهرًا فما طاهر فيما أتى بمطهر فأخرجني مكشوفة الوجه حاسرًا وأنهب أموالي وأخرب أدوري فلما قرأها المأمون بكى وقال‏:‏ أنا والله الطالب بثأر أخي قتل الله قتلته‏.‏

ولقد أسرف الحسين بن الضحاك في مراثي الأمين وذم المأمون فلهذا حجبه المأمون عنه ولم يسمع مديحه مدة ثم أحضره يوما فقال له‏:‏ أخبرني‏!‏ هل رأيت يوم قتل أخي هاشمية قتلت وهتكت قال‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ فما قولك‏:‏ ومما شجا قلبي وكفكف عبرتي محارم من آل النبي استحلت ومعتوكة بالخلد عنها سجوفها كعاب كقرن الشمس حين تبدت إذا خفرتها روعة من منازع لها المرط عاذت بالخشوع ورنت وسرب ظباء من ذؤابة هاشم هتفن بدعوى خير حي وميت أرد يدًا مني إذا ما ذكرته على كبد حرى وقلب مفتت فلا بات ليل الشامتين بغبطة ولا بلغت آمالها ما تمنت فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ لوعة غلبتني وروعة فاجأتني ونعمة سلبتها بعد أن غمرتني وإحسان شكرته فانطفقني وسيد فقدته فأقلقني فإن عاقبت فبحقك وإن عفوت فبفضلك‏.‏

فدمعت عين المأمون وقال‏:‏ قد عفوت عنك وأمرت بإدرار أرزاقك عليك وعطائك ما فاتك متممًا وجعلت عقوبة ذنبك امتناعي من استخدامك‏.‏

لم نبكيك لماذا للطرب يا أبا موسى وترويج العب ولترك الخمس في أوقاتها حرصًا منك على ماء العنب وشنيف أنا لا أبكي له وعلى كوثر لا أخشى العطب لم تكن تعرف ما حد الرضى لا ولا تعرف ما حد الغضب لم تكن تصلح للملك ولم تعطك الطاعة بالملك العرب لم نبكيك لما عرضتنا للمجانيق وطورًا للسلب في عذاب وحصار مجهد سدد الطرق فلا وجه الطلب زعموا أنك حي حاشر كل من قد قال هذا فكذب ليته قد قاله في وجدة من جميع ذاهب حيث ذهب أوجب الله علينا قتله وإذا ما أوجب الأمر وجب كان والله علينا فتنة غضب الله عليه وكتب وقيل فيه غير ذلك تركنا ذكره خوف الإطالة‏.‏

لما ملك الأمين وكاتبه المأمون وأعطاه بيعته طلب الخصيان وأباعهم وغالى فيهم فصيرهم لخلوته ليله ونهاره وقوام طعامه وشرابه وأمره ونهيه وفرض لهم فرضًا سماهم الجرادية وفرضًا من الحبشان سماهم الغرابية ورفض النساء الحرائر والإماء حتى رمي بهن وقيل فيه الأشعار فمما قيل فيه‏:‏ ألا أيها المثوى بطوس عزيبًا ما نفادي بالنفوس لقد أبقيت للخصيان هقلًا تحمل منهم شوم البسوس فأما نوفل فالشأن فيه وفي بدر فيا لك من جليس وما للمعصمي شيء لديه إذا ذكروا بذي سهم خسيس وما حسن الصغير أخس حالًا لديه عند مخترق الكؤوس لهم من عمره شطر وشطر يعاقر فيه شرب الخندريس وما للغانيات لديه حظ سوى التقطيب بالوجه العبوس إذا كان الرئيس كذا سقيمًا فكيف صلاحنا بعد الرئيس فلوعلم المقيم بدار طوس لغز على المقيم بدار طوس أخويه وأهل بيته واستخف بهم وبقواده وقسم ما في بيوت الأموال وما بحضرته من الجواهر في خصيانه وجلسائه ومدثيه وأمر ببناء مجالس لمنزهاته ومواضع خلواته ولهوه ولعبه وعمل خمس حراقات في دجلة على صورة الأسد والفيل والعقاب والحية والفرس وأنفق في عملها مالًا عظيما فقال أبونواس في ذلك‏:‏ سخر الله للأمين مطايا لم تسخر لصاحب المحراب فإذا ما ركابه سرن برًا سار في الماء راكبًا ليث غاب عجب الناس إذا رأوك على صو رة ليث تمر مر السحاب سبحوا إذا رأوك سرت عليه كيف لوأبصروك فوق العقاب ذات زور ومنسر وجناحي ن اشق العباب بعد العباب تسبق الطير في السماء إذا ما استعجلوها بحية وذهاب قال الكوثر‏:‏ أمر الأمين أن يفرش له على دكان في الخلد يوما ففرش عليها بساط زرعي ومنارق وفرش مثله وهيئ من آنية الذهب والفضة والجواهر أمر عظيم وأمر قيمة جواريه أن تهيئ له مائة جارية صانعة فتصعد إليه عشرًا عشرًا بأيديهن العيدان يغنين بصوت واحد فأصعدت إليه عشرًا فاندفعن يغنين بصوت واحد‏:‏ فسبهن وطردهن ثم أمرها فأصعدت عشرًا غيرهن فغنينه‏:‏ من كان مسرورًا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار ففعل مثل ما فعله وأطرق طويلا ثم قال‏:‏ أصعدي عشرا فأصعدتهن فغنين‏:‏ كليب لعمري كان أكثر ناصرًا وأيسر جرمًا منك ضرج بالدم فقام من مجلسه وأمر بهدم الدكان تطيرًا مما كان‏.‏

قيل وذكرمحمد الأمين عند الفضل بن سهل بخراسان فقال‏:‏ كيف لا يستحل قتل محمد وشاعره يقول في مجلسه‏:‏ ألا فاسقني خمرًا وقل لي هي الخمر ولا تسقني سرًا فقد أمكن الجهر فبلغت القصة الأمين فحبس أبا نواس ولم نجد في سيرته ما يستحسن ذكره من حلم أومعدله أوتجربة حتى نذكرها وهذا القدر كاف‏.‏

ذكر وثوب الجند بطاهر

وفي هذه السنة وثب الجند بطاهر بعد مقتل الأمين بخمسة أيام‏.‏

وكان سبب ذلك أنهم طلبوا منه مالا فلم يكن معه شيء فثاروا به فضاق بهم الأمر وظن

أن ذلك من مواطأة من الجند وأهل الأرباض وأنهم معهم عليه ولم يكن تحرك من أهل الأرباض أحد فخشي على نفسه فهرب ونهبوا بعض متاعه ومضى إلى عقرقوف‏.‏

وكان لما قتل الأمين أمر بحفظ الأبواب وحول زبيدة أم الأمين وولديه موسى وعبد الله معها وحملهم في حراقة إلى همينيا على الزاب الأعلى ثم أمر بحمل موسى وعبد الله إلى عمهما المأمون بخراسان‏.‏

فلما ثار به الجند نادوا موسى يا منصور وبقوا كذلك يومهم ومن الغد فصوب الناس إخراج طاهر ولدي الأمين ولما هرب طاهر إلى عقرقوف خرج معه جماعة من القواد وتعبأ لقتال الجند وأهل الأرباض ببغداد فلما بلغ ذلك القواد المتخلفين عنه والأعيان من أهل المدينة خرجوا واعتذروا وأحالوا على السفهاء والأحداث وسألوه الصفح عنهم وقبول عذرهم‏.‏

فقال طاهر‏:‏ ما خرجت عنكم إلا لوضع السيف فيكم وأقسم بالله العظيم عز وجل لئن عدتم لمثلها لأعودن إلى رأيي فيكم ولأخرجن إلى مكروهكم‏!‏ فكسرهم بذلك وأمر لهم برزق أربعة أشهر‏.‏

وخرج إليه جماعة من مشيخة أهل بغداد وعميرة أبوشيخ بن عميرة الأسدي فحلفوا له أنه لم يتحرك من أهل بغداد ولا من الأبناء أحد وضمنوا منه من وراءهم فسكن غضبه وعفا

عنهم ووضعت الحرب أوزارها واستوسق الناس في المشرق والمغرب على طاعة المأمون والانقياد لخلافته‏.‏

عميرة بفتح العين وكسر الميم‏.‏

ذكر خلاف نصر بن شبث العقيلي على المأمون

في هذه السنة أظهر نصر بن سيار بن شبث العقيلي الخلاف على المأمون وكان نصر من بني عقثيل يسكن كيسوم ناحية شمالي حلب وكان في عنقه بيعة للأمين وله فيه هوى فلما قتل الأمين أظهر نصر الغضب لذلك وتغلب على ما جاوره من البلاد وملك سميساط واجتمع عليه خلق كثير من الأعراب وأهل الطمع وقويت نفسه وعبر الفرات إلى الجانب الشرقي وحدثته نفسه بالتغلب عليه فلما رأى الناس ذلك منه كثرت جموعه وزادت عما كانت وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

شبث بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة والثاء المثلثة‏.‏

ذكر ولاية الحسن بن سهل العراق وغيره من البلاد

وفي هذه السنة استعمل المأمون الحسن بن سهل أخا الفضل على كل ما كان افتتحه طاهر

من كور الجبال والعراق وفارس والأهواز والحجاز واليمن بعد أن قتل الأمين وكتب إلى طاهر بتسليم ذلك إليه فقدم الحسن بين يديه علي بن أبي طاهر سعيد فدافعه طاهر بتسليم الخراج إليه حتى وفى الجند أرزاقهم وسلم إليه العمل‏.‏

وقدم الحسن سنة تسع وتسعين ومائة وفرق العمال وأمر طاهرًا أن يسير إلى الرقة لمحاربة نصر بن شبث العقيلي وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب فسار طاهر إلى قتال نصر بن شبث وأرسل إليه يدعوه إلى الطاعة وترك الخلاف فلم يجبه إلى ذلك فتقدم إليه طاهر والتقوا بنواحي كيسوم واقتتلوا قتالًا شديدًا أبلى فيه نصر بلاءً عظيما وكان الظفر له وعاد طاهر شبه المهزوم إلى الرقة‏.‏

وكان قصارى أمر طاهر حفظ تلك النواحي وكتب المأمون إلى هرثمة يأمره بالمسير إلى خراسان وحج بالناس العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد‏.‏

ذكر وقعة الربض بقرطبة

في هذه السنة كانت بقرطبة الوقعة المعروفة بالربض وسببها أن الحكم ابن هشام الأموي صاحبها كان كثير التشاغيل باللهو والصيد والشرب وغير ذلك مما يجانسه وكان قد قتل جماعة من أعيان قرطبة فكرهه أهلها وصاروا يتعرضون لجنده بالأذى والسب إلى أن بلغ الأمر بالغوغاء أنهم كانوا ينادون عند انقضاء الأذان‏:‏ الصلاة يا مخمور الصلاة وشافهه بعضهم بالقول وصفقوا عليه بالأكف فشرع في تحصين قرطبة وعمارة أسوارهأن وحفر خنادقها وارتبط الخيل على بابه واستكثر المماليك ورتب جمعًا لا يفارقون باب قصره بالسلاح فزاد ذلك في حقد أهل قرطبة وتيقنوا أنه يفعل ذلك للانتقام منهم‏.‏

ثم وضع عليهم عشر الأطعمة كل سنة من غير حرص فكرهوا ذلك ثم عمد إلى عشرة من رؤساء سفهائهم فقتلهم وصلبهم فهاج لذلك أهل الربض وانضاف إلى ذلك أن مملوكًا له سلم سيفًا إلى صقيل ليصقله فمطله فأخذ المملوك السيف فلم يزل يضرب الصقيل به إلى أن قتله وذلك في رمضان من هذه السنة‏.‏

فكان أول من شهر السلاح أهل الربض واجتمع أهل الربض جميعهم بالسلاح واجتمع الجند والأمويون والعبيد بالقصر وفرق الحكم الخيل والأسلحة وجعل أصحابه كتائب ووقع القتال بين الطائفتين فغلبهم أهل الربض وأحاطوا بقصره فنزل الحكم من أعلى القصر ولبس سلاحه وركب وحرض الناس فقاتلوا بين يديه قتالًا شديدًا‏.‏

ثم أمر ابن عمه عبيد الله فثلم في السور ثلمة وخرج منها ومعه قطعة من الجيش وأتى أهل

الربض من وراء ظهورهم ولم يعلموا بهم فأضرموا النار في الربض وانهزم أهله وقتلوا مقتلة عظيمة وأخرجوا من وجدوا في المنازل والدور فأسروهم فانتقى من الأسرى ثلاثمائة من وجوههم فقتلهم وصلبهم منكسين وأقام النهب والقتل والحريق والخراب في أرباض قرطبة ثلاثة أيام‏.‏

ثم استشار الحكم عبد الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث ولم يكن عنده من يوازيه في قربه فأشار عليه بالصفح عنهم والعفو وأشار غيره بالقتل فقبل قوله وأمر فنودي بالأمان على أنه من بقي من أهل الربض بعد ثلاثة أيام قتلناه وصلبناه فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيا وتحملوا على الصعب والذلول خارجين من حضرة قرطبة بنسائهم وأولادهم وما خف من أموالهم وقعد لهم الجند والفسقة بالمراصد ينهبون ومن امتنع عليهم قتلوه‏.‏

فلما انقضت الأيام الثلاثة أمر الحكم بكف الأيدي عن حرم الناس وجمعهن إلى مكان وأمر بهدم الربض القبلي‏.‏

وكان بزيع مولى أمية ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن شهام محبوسًا في حبس الدم بقرطبة في رجليه قيد ثقيل فلما رأى أهل قرطبة قد غلبوا الجند سأل الحرس أن يفرجوا له فأخذوا عليه العهود إن سلم أن يعود إليهم وأطلقوه فخرج فقاتل قتالًا شديدًا لم يكن في الجيش مثله فلما انهزم أهل الربض عاد إلى السجن فانتهى خبره إلى الحكم فأطلقه وأحسن إليه وقد ذكر بعضهم هذه الوقعة سنة اثنتين ومائتين‏.‏

ذكر الوقعة بالموصل المعروفة بالميدان

وفيها كانت الوقعة المعروفة بالميدان بالموصل بين اليمانية والنزارية وكان سببها أن عثمان بن نعيم البجمي صار إلى ديار مضر فشكا الأزد واليمن وقال‏:‏ إنهم يتهضموننا ويغلبوننا على حقوقنا واستنصرهم فسار معه إلى الموصل ما يقارب عشرين ألفا فأرسل إليهم علي بن الحسن الهمداني وهوحينئذ متغلب على الموصل فسألهم على حالهم فاخبروه فأجابهم إلى ما يريدون فلم يقبل عثمان ذلك فخرج إليهم علي من البلد في نحوأربعة آلاف رجل فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدا عدة وقائع فكانت الهزيمة على النزارية وظفر بهم علي وقتل منهم خلقًا كثيرًا وعاد إلى البلد‏.‏

ذكرعدة حوادث

وفي هذه السنة خرج الحسن الهرش في جماعة من سفلة الناس معه خلق كثير من الأعراب ودعا إلى الرضى من آل محمد وأتى النيل فجبى الأموال ونهب القرى‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن المهدي وعمره ثلاث وستون سنة ويحيى بن سعيد القطان في صفر ومولده سنة عشرين ومائة‏.‏

حوادث سنة تسع وتسعين ومائة

ذكر ظهور ابن طباطبا العلوي


وفيها ظهر أبوعبد الله محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام لعشر خلون من جمادى الآخرة بالكوفة يدعوإلى الرضى من آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والعمل بالكتاب والسنة وهوالذي يعرف بابن طباطبا وكان القيم بأمره في الحرب أبوالسرايا السري بن منصور وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني‏.‏

وكان سبب خروجه أن المأمون لما صرف طاهرًا عما كان إليه من الأعمال التي افتتحهأن ووجه الحسن بن سهل إليهأن تحدث الناس بالعراق أن الفضل ابن سهل قد غلب على المأمون وأنه أنزله قصرًا حجبه فيه عن أهل بيته وقواده وأنه يستبد بالأمر دونه فغضب لذلك بنوهاشم ووجوه الناس واجترأوا على الحسن بن سهل وهاجت الفتن في الأمصار فكان أول من ظهر

وقيل كان سبب اجتماع ابن طباطبا بأبي السرايا أن أبا السرايا كان يكري الحمير ثم قوي حاله فجمع نفرأن فقتل رجلًا من بني تميم بالجزيرة وأخذ ما معه فطلب فاختفى وعبر الفرات إلى الجانب الشامي فكان يقطع الطريق في تلك النواحي ثم لحق بيزيد بن مزيد الشيباني بأرمينية ومعه ثلاثون فارسأن فقوده فجعل يقاتل معه الخرمية وأثر فيهم وفتك وأخذ منهم غلامه أبا الشوك‏.‏

فلما عزل أسد عن أرمينية صار أبو السرايا إلى أحمد بن مزيد فوجهه أحمد طليعةً إلى عسكر هرثمة في فتنة الأمين والمأمون وكانت شجاعته قد اشتهرت فراسله هرثمة يستميله فمال إليه فانتقل إلى عسكره وقصده العرب من الجزيرة واستخرج لهم الأرزاق من هرثمة فصار معه نحوألفي فارس وراجل فصار يخاطب بالأمير‏.‏

فلما قتل الأمين نقصه هرثمة من أرزاقه وأرزاق أصحابه فاستأذنه في الحج فأذن له وأعطاه عشرين ألف درهم ففرقها في أصحابه ومضى وقال لهم‏:‏ اتبعوني متفرقين ففعلوأن فاجتمع معه منهم نحومن مائتي فارس فسار بهم إلى عين التمر وحصر عاملهأن وأخذ ما معه من المال وفرقه في أصحابه‏.‏

وسار فلقي عاملًا آخر ومعه مال على ثلاثة بغال فأخذها وسار فلحقه عسكر كان قد سيره هرثمة خلفه فعاد إليهم وقاتلهم فهزمهم ودخل البرية وقسم المال بين أصحابه وانتشر جنده فحلق به من تخلف عنه من أصحابه وغيرهم فكثر جمعه فسار نحودقوقأن وعليها أبوضرغامة العجلي في سبع مائة فارس فخرج إليه فلقيه فاقتتلوأن فانهزم أبوضرغامة ودخل قصر دقوقأن فحضره أبوالسرايأن وأخرجه من القصر بالأمان وأخذ ما عنده من الأموال‏.‏

وسار إلى الأنبار وعليها إبراهيم الشروي مولى المنصور فقتله أبو السرايا وأخذ ما فيها وسار عنها ثم عاد غليها بعد إدراك الغلال فاحتوى عليهأن ثم ضجر من طول السرى في البلاد فقصد الرقة فمر بطوق بن مالك التغلبي وهويحارب القيسية فأعانه عليهم وأقام معه أربعة أشهر يقاتل على غير طمع إلا للعصبية للربعية على المضرية فظفر طوق واقادت له قيس‏.‏

وسار عنه أبوالسرايا إلى الرقة فلما وصلها لقيه محمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبأن فبايعه وقال له‏:‏ انحدر أنت في الماء وأسير أنا على البر حتى نوافي الكوفة فدخلاهأن وابتدأ أبوالسرايا بقصر العباس ابن موسى بن عيسى فأخذ ما فيه من الأموال والجواهر وكان عظيمًا لا يحصى وبايعهم أهل الكوفة‏.‏

وقيل كان سبب خروجه أن أبا السرايا كان من رجال هرثمة فمطله بأرزاقه فغضب ومضى إلى الكوفة فبايع ابن طباطبأن وأخذ الكوفة واستوسق له أهلهأن وأتاه الناس من نواحي الكوفة والأعراب فبايعوه وكان العامل عليها للحسن بن سهل سليمان بن المنصور فلامه الحسن ووجه زهير بن المسيب الضبي إلى الكوفة في عشرة آلاف فارس وراجل فخرج إليه ابن طباطبا وأبوالسرايأن فواقعوه في قرية شاهي فهزموه واستباحوا عسكره وكانت الوقعة سلخ جمادى الآخرة‏.‏

فلما كان الغد مستهل رجب مات محمد بن إبراهيم بن طباطبا فجأة سمه أبوالسرايا وكان سبب ذلك أنه لما غمن ما في عسكره زهير منع عنه أبا السرايأن وكان الناس له مطيعين فعلم أبوالسرايا أنه لا حكم له معه فسمه فمات وأخذ مكانه غلامًا أمرد يقال له محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فكان الحكم إلى أبي السرايا‏.‏

ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة فأقام به ووجه الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن أبي خالد المرورذي في أربعة آلاف فارس فخرج إليه أبوالسرايأن فلقيه بالجامع لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب فقتل عبدوسأن ولم يفلت من أصحابه أحد كانوا بين قتيل وأسير‏.‏

وانتشر الطالبيون في البلاد وضرب أبوطالب الدراهم بالكوفة وسير جيوشه إلى البصرة وواسط ونواحيهمأن فولى البصرة العباس بن محمد بن عيسى بن محمد الجعفري وولى مكة الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي الذي يقال له الأفطس وجعل إليه الموسم وولى اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر وولى فارس إسماعيل بن موسى بن جعفر وولى الأهواز زيد بن موسى بن جعفر فسار إلى البصرة وغلب عليهأن وأخرج عنها العباس بن محمد الجعفري ووليها مع الأهواز ووجه أبوالسرايا محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي إلى المدائن وأمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي فأتى المدائن وأقام بها وسير عسكره إلى ديالى‏.‏

وكان بواسط عبد الله بن سعيد الحرشي واليًا عليها من قبل الحسن بن سهل فانهزم من أصحاب أبي السرايا إلى بغداد فلما رأى الحسن أن أصحابه لا يلبثون لأصحاب أبي السرايأن أرسل إلى هرثمة يستدعيه لمحاربة أبي السرايأن وكان قد سار إلى خراسان مغاضبًا للحسن فحضر بعد امتناع وسار إلى الكوفة في شعبان وسير الحسن إلى المدائن وواسط علي بن سعيد فبلغ الخبر أبا السرايا وهوبقصر ابن هبيرة فوجه جيشًا إلى المدائن فدخلها أصحابه في رمضان وتقدم حتى نزل بنهر صرصر وجاء هرثمة فعسكر بإزائه بينهما النهر وسار علي بن سعيد في شوال إلى المدائن فقاتل بها أصحاب أبي السرايا فهزمهم واستولى على المدائن‏.‏

وبلغ الخبر أبا السرايأن فرجع من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة فنزل به وسار هرثمة في طلبه فوجد جماعة من أصحابه فقتلهم ووجه رؤوسهم إلى الحسن بن سهل ونازل هرثمة أبا السرايأن فكانت بينهما وقعة قتل فيها جماعة من أصحاب أبي السرايأن فانحاز إلى الكوفة ووثب ن معه من الطالبيين على دور بني العباس ومواليهم وأتباعهم فهدموهأن وانتهبوهأن وخربوا ضياعهم وأخرجوهم من الكوفة وعملوا أعمالًا قبيحة واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس‏.‏

وكان هرثمة يخبر الناس أنه يريد الحج وحبس من قدم للحج من خراسان وغيرها ليكون هو أمير الموسم ووجه إلى مكة داود بن عيسى بن موسى بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وكان الذي وججه أبوالسرايا إلى مكة حسين بن حسن الأفطس بن علي بن علي بن الحسين بن علي ووجه أيضًا إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن علي فدخلهأن ولم يقاتله بها أحد‏.‏

ولما بلغ داود بن عيسى توجيه أبي السرايا حسين بن حسن إلى مكة لإقامة الموسم جمع أصحاب بني العباس ومواليهم وكان مسرور الكبير قد حج في مائتي فارس فتعبأ للحرب وقال لداود‏:‏ أقم إلي شخصك أوبعض ولدك وأنا أكفيك فقال‏:‏ لا أستحل القتال في المحرم والله لئن دخلوها في هذا الفج لأخرجن من غيره‏.‏

وانحاز داود إلى ناحية المشاش وافترق الجمع الذي كان جمعهم وخاف مسرور أن يقاتلهم فخرج في أثر داود راجعًا إلى العراق وبقي الناس بعرفة فصلى بهم رجل من عرض الناس بغير خطبة ودافعوا من عرفه بغير إمام‏.‏

وكان حسين بن حسن بشرف يخاف دخول مكة حتى خرج إليه قوم أخبروه أن مكة قد خلت من بني العباس فدخلها في عشرة أنفس فطافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ومضوا إلى عرفة فوقفوا ليلًا ثم رجعوا إلى مزدلفة فصلى بالناس الصبح وأقام بمنى أيام الحج وبقي بمكة إلى أن انقضت السنة وكذلك أيضًا أقام محمد بن سليمان بالمدينة حتى انقضت السنة‏.‏

وأما هرثمة فإنه نزل بقرية شاهي ورد الحاج واستدعى منصور بن المهدي إليه وكاتب رؤساء أهل الكوفة‏.‏

وأما علي بن سعيد فإنه توجه من المدائن إلى واسط فأخذها وتوجه إلى البصرة فلم يقدر على أخذها هذه السنة‏.‏

ذكر قوة نصر بن شبث العقيلي

وفيها قوي أمر نصر بن شبث العقيلي وكثر جمعه وحصر حران وأتاه نفر من شيعة الطالبيين فقالوا له‏:‏ قد وترت بني العباس وقتلت رجالهم وأعلقت عنهم العرب فلوبايعت

فقال‏:‏ من أي الناس فقالوا‏:‏ نبايع لبعض آل علي بن أبي طالب فقال‏:‏ أبايع بعض أولاد السوداوات فيقول إنه لوخلقني ورزقني قالوا‏:‏ فنبايع لبعض بني أمية فقال‏:‏ أولئك قد أدبر أمرهم والمدبر لا يقبل أبدأن ولوسلك علي رجل مدبر لأعداني إدباره وإمنا هواي في بني العباس وإمنا حاربتهم محاماة على العرب لأنهم يقدمون عليهم العجم‏.‏

ذكرعدة حوادث

في هذه السنة توفي الحسين بن مصعب بن زريق أبوطاهر بن الحسين بخراسان وكان طاهر بالرقة وحضر المأمون جنازته ونزل الفضل بن سهل قبره ووجه المأمون يعزيه بأبيه‏.‏

وفيها توفي أبوعون معاوية بن أحمد الصمادحي مولى آل جعفر بن أبي طالب الفقيه المغربي الزاهد‏.‏

وفيها توفي سهل بن شاذويه أبوهارون وعبد الله بن منير الهمداني الكوفي وكنيته أبوهاشم وهووالد محمد بن عبد الله بن منير شيخ البخاري ومسلم‏.‏

حوادث سنة مائتين

ذكر هرب أبي السرايا

في هذه السنة هرب أبوالسرايا من الكوفة وكان قد حصره فيها ومن معه هرثمة وجعل يلازم قتالهم حتى ضجروأن وتركوا القتال فلما رأى ذلك أبوالسرايأن تهيأ للخروج من الكوفة فخرج في ثمامنائة فارس ومعه محمد بن محمد بن زيد ودخلها هرثمة فأمن أهلهأن ولم يتعرض إليهم وكان هربه سادس عشر المحرم وأتى القادسية وسار منها إلى السوس بخوزستان فلقي مالًا قد حمل من الأهواز فأخذه وقسمه بين أصحابه‏.‏

وأتاه الحسن بن علي المأموني فأمره بالخروج من عمله فكره قتاله فأبى أبوالسرايا إلا قتاله فقاتله فهزمه المأموني وجرحه وتفرق أصحابه وسار هوومحمد بن محمد وأبوالشوك نحومنزل أبي السرايا برأس عين فلما انتهوا إلى جلولاء ظفر بهم حماد الكندغوش فأخذهم وأتى بهم الحسن بن سهل وهوبالنهروان فقتل أبا السرايأن وبعث رأسه إلى المأمون ونصبت جثته على جسر بغداد وسير محمد بن محمد إلى المأمون‏.‏

وأما هرثمة فإنه أقام بالكوفة يومًا واحدًا وعاد واستخلف بها غسان بن أبي الفرج أبا إبراهيم بن غسان صاحب حرس والي خراسان‏.‏

وسار علي بن سعيد إلى البصرة فأخذها من العلويين‏.‏

وكان بها زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي عليه السلام وهوالذيث يسمى زيد النار وإمنا سمي بها لكثرة ما أحرق بالبصرة من دور العباسيين وأتباعهم وكان إذا أتى رجل من المسودة أحرقه وأخذ أموالًا كثيرة من أموال التجار سوى أموال بني العباس فلما وصل علي إلى البصرة استأمنه زيد فأمنه وأخذه وبعث إلى مكة والمدينة واليمن جيشأن فأمرهم بمحاربة من بها من العلويين وكان بين خروج أبي السرايا وقتله عشرة أشهر‏.‏ ‏‏ ‏ ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏