المجلد الخامس - ذكر ظهور إبراهيم بن موسى

في هذه السنة ظهر إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد وكان بمكة فلما بلغه خبر أبي السرايا وما كان منه سار إلى اليمن وبها إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أملًا للمأمون فلما بلغه قرب إبراهيم من صنعاء سار منها نحومكة فأتى المشاش فعسكر بها واجتمع بها إليه جماعة من أهل مكة هربوا من العلويين واستولى إبراهيم على اليمن وكان يسمى الجزار لكثرة من قتل باليمن وسبى وأخذ الأموال‏.‏

ذكر ما فعله الحسين بن الحسن الأفطس بمكة والبيعة لمحمد بن جعفر

وفي هذه السنة في المحرم نزع الحسين كسوة الكعبة وكساها كسوة أخرى أنفذها السرايا من الكوفة من القز وتتبع ودائع بني العباس وأتباعهم وأخذها وأخذ أموال الناس بحجة الودائع

فهرب الناس منه وتطرق أصحابه إلى قلع شبابيك الحرم وأخذ ما على الأساطين من الذهب وهونزر حقير وأخذ ما في خزانة الكعبة فقسمه مع كسوتها على أصحابه‏.‏

فلما بلغه قتل أبي السرايا ورأى تغير الناس لسوء سيرته وسيرة أصحابه أتى هووأصحابه إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام وكان شيخًا محببًا للناس مفارقًا لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة وكان يروي العلم عن أبيه جعفر رضي الله عنه وكان الناس يكتبون عنه وكان يظهر زهدا فلما أتوه قالوا له‏:‏ تعلم منزلتك من الناس فهلم نبايع لك بالخلافة فإن فعلت لم يختلف عليك رجلان‏.‏

فامتنع من ذلك فلم يزل به ابنه علي والحسين بن الحسن الأفطس حتى غلباه على رأيه وأجابهم وأقاموه في ربيع الأول فبايعوه بالخلافة وجمعوا له الناس فبايعوه طوعًا وكرها وسموه أمير المؤمنين فبقي شهورًا وليس له من الأمر شيء وابنه علي والحسين بن الحسن وجماعتهم أسوأ ما كانوا سيرة وأقبح فعلًا فوثب الحسين بن الحسن على امرأة من بني فهر كانت جميلة وأرادها على نفسها فامتنعت منه فأخاف زوجها وهومن بني مخزوم حتى توارى عنه ثم كسر باب دارها وأخذها إليه مدة ثم هربت منه‏.‏

ووثب علي بن محمد بن جعفر على غلام أمرد وهوابن قاضي مكة يقال له إسحاق بن محمد

وكان جميلا فأخذه قهرا فلما رأى ذلك من أهل مكة ومن بها من المجاورين اجتمعوا بالحرم واجتمع معهم جمع كثير فأتوا محمد بن جعفر فقالوا له‏:‏ لنخلعنك أولنقتلنك أولتردن غلينا هذا الغلام‏!‏ فأغلق بابه وكلمهم من شباك وطلب منهم الأمان ليركب إلى ابنه ويأخذ الغلام وحلف لهم أنه لم يعلم بذلك فأمنوه فركب إلى ابنه وأخذ الغلام منه وسلمه إلى أهله‏.‏

ولم يلبثوا إلا يسيرًا حتى قدم إسحاق بن موسى العباسي من اليمن فنزل المشاش واجتمع الطالبيون إلى محمد بن جعفر وأعلموه وحفروا خندقا وجمعوا الناس من الأعراب وغيرهم فقاتلهم إسحاق ثم كره القتال فسار نحوالعراق فلقيه الجند الذين أنفذهم هرثمة إلى مكة ومعهم الجلودي ورجاء بن جميل فقالوا لإسحاق‏:‏ ارجع معنا ونحن نكفيك القتال فرجع معهم فقاتلوا الطالبيين فهزموهم فأرسل محمد بن جعفر يطلب الأمان فأمنوه ودخل العباسيون مكة في جمادى الآخرة وتفرق الطالبيون من مكة‏.‏

وأما محمد بن جعفر فسار نحوالجحفة فأدركه بعض موالي بني العباس فأخذ جميع ما معه وأعطاه دريهمات يتوصل بها فسار نحوبلاد جهينة فجمع بها وقاتل هارون بن المسيب والي المدينة عند الشجرة وغيرها عدة دفعات فانهزم محمد وفقئت عينه بنشابة وقتل من أصحابه بشر كثير ورجع إلى موضعه‏.‏

فلما انقضى الموسم طلب الأمان من الجلودي ومن رجاء بن جميل وهوابن عمة الفضل بن سهل فأمنه وضمن له رجاء عن المأمون وعن الفضل الوفاء بالأمان فقبل ذلك فأتى مكة لعشر بقين من ذي الحجة فخطب الناس وقال‏:‏ إنني بلغني أن المأمون مات وكانت له في عنقي بيعة وكانت فتنة عمت الأرض فبايعني الناس ثم إنه صح عندي أن المأمون حي صحيح وأنا أستغفر الله من البيعة وقد خلعت نفسي ن البيعة التي بايعتموني عليها كما خلعت خاتمي هذا من إصبعي فلا بيعة لي في رقابكم‏.‏

ثم نزل وسار سنة إحدى ومائتين إلى العراق فسيره الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو فلما سار المأمون إلى العراق صحبه فمات بجرجان على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر ما فعله إبراهيم بن موسى


وفي هذه السنة وجه إبراهيم بن موسى بن جعفر من اليمن رجلًا من ولد عقيل بن أبي طالب في جند ليحج بالناس فسار العقيلي حتى أتى بستان ابن عامر فبلغه أن أبا إسحاق المعتصم قد حج في جماعة من القواد فيهم حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان وقد استعمله الحسن بن سهل على اليمن فعلم العقيلي أنه لا يقوى بهم فأقام ببستان ابن عامر فاجتاز قافلة من الحاج ومعهم كسوة الكعبة وطيبها فأخذ أموال التجار وكسوة الكعبة وطيبها وقدم الحجاج مكة عراة منهوبين‏.‏

فاستشار المعتصم أصحابه فقال الجلودي‏:‏ أنا أكفيك ذلك فانتخب مائة رجل وسار بهم إلى العقيلي فصبحهم فقاتلهم فانهزموا واسر أكثرهم وأخذ كسوة الكعبة وأموال التجار إلا ما كان مع من هرب قبل ذلك فرده وأخذ الأسرى فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط وأطلقهم فرجعوا إلى اليمن يستطعمون الناس فهلك أكثرهم في الطريق‏.‏

ذكر مسير هرثمة إلى المأمون وقتله

لما فرغ هرثمة من أبي السرايا رجع فلم يأت الحسن بن سهل وكان بالمدائن بل سار على عقرقوف حتى أتى البردان والنهروان وأتى خراسان فأتته كتب المأمون في غير موضع أن يأتي إلى الشام والحجاز فأبى وقال‏:‏ لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين إدلالًا منه عليه ولما يعرف من نصيحته له ولآبائه وأراد أن يعرف المأمون ما يدبر عليه الفضل ابن سهل وما يكتم عنه من الأخبار وأنه لا يدعه حتى يرده إلى بغداد ليتوسط سلطانه‏.‏

فعلم الفضل بذلك فقال للمأمون‏:‏ إن هرثمة قد أثقل عليك البلاد والعباد ودس أبا السرايا وهومن جنده ولوأراد لم يفعل ذلك وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدة كتب ليرجع إلى الشام والحجاز فلم يفعل وقد جاء مشاقًا يظهر القول الشديد فإن أطلق هذا كان مفسدة لغيره‏.‏

فتغير قلب المأمون وأبطأ هرثمة إلى ذي القعدة فلما بلغ مروخشي أن يكتم قدومه عن المأمون فأمر بالطبول فضربت لكي يسمعها المأمون فسمعها فقال‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق فظن هرثمة أن قوله المقبول فأمر المأمون بإدخاله فلما دخل عليه قال له المأمون‏:‏ مالأت أهل الكوفة العلويين ووضعت أبا السرايا ولوشئت أن تأخذهم جميعًا لفعلت‏.‏

فذهب هرثمة يتكلم ويعتذر فلم يقبل منه فأمر به فديس بطنه وضرب أنفه وسحب من بين يديه وقد أمر الفضل الأعوان بالتشديد عليه فحبس فمكث في الحبس أيامًا ثم دس إليه من قتله وقالوا مات‏.‏

ذكر وثوب الحربية ببغداد

وفيها كان الشغب ببغداد بين الحربية والحسن بن سهل وكان سبب ذلك أن الحسن بن سهل كان بالمدائن حين شخص هرثمة إلى المأمون فلما اتصل ببغداد وسمع ما صنعه المأمون بهرثمة بعث الحسن بن سهل إلى علي بن هشام وهووالي بغداد من قبله أن ماطل الجند من الحربية

وكانت الحربية قبل ذلك حين خرج هرثمة إلى خراسان قد وثبوا وقالوا‏:‏ لا نرضى حتى نطرد الحسن وعماله عن بغداد فطردوهم وصيروا إسحاق بن موسى الهادي خليفة المأمون ببغداد واجتمع أهل الجانبين على ذلك ورضوا به‏.‏

فدس الحسن إليهم وكاتب قوادهم حتى يبعثوا من جانب عسكر المهدي فحول الحربية إسحاق إليهم وأنزلوه على دجيل وجاء زهير بن المسيب فنزل في عسكر المهدي وبعث الحسن علي بن هشام في الجانب الآخر هوومحمد بن أبي خالد ودخلوا بغداد ليلًا في شعبان وقاتل الحربية ثلاثة أيام على قنطرة الصراة ثم وعدهم رزق ستة اشهر إذا أدركت الغلة فسألوه تعجيل خمسين درهمًا لكل رجل منهم ينفقونها في رمضان فأجابهم إلى ذلك‏.‏

وجعل يعطيهم فلم يتم العطاء حتى أتاهم خبر زيد بن موسى من البصرة المعروف بزيد النار وكان هرب من الحبس وكان عند علي بن سعيد فخرج بناحية الأنبار هووأخوأبي السرايا في ذي القعدة سنة مائتين فبعثوا إليه فأتي به إلى علي بن هشام وهرب علي بن شهام بعد جمعة من الحربية ونزل بصرصر لأنه لن يف لهم بإعطاء الخمسين إلى أن جاء الأضحى وبلغهم خبر هرثمة وأخرجوه‏.‏

وكان القيم بأمر هرثمة محمد بن أبي خالد لأن علي بن هشام كان يستخف به فغضب من

وقيل كان السبب في شغب الأبناء أن الحسن بن سهل جلد عبد الله بن علي بن ماهان الحد فغضب الأبناء وخرجوا‏.‏

ذكر الفتنة بالموصل

وفيها وقعت الفتنة بالموصل بين بني سامة وبني ثعلبة فاستجارت ثعلبة بمحمد بن الحسين الهمداني وهوأخوعلي بن الحسين أمير البلد فأمرهم بالخروج إلى البرية ففعلوا فتبعهم بنوسامة في ألف رجل إلى العوجاء وحصروهم فيها فبلغ الخبر عليًا ومحمدًا ابني الحسين فأرسلا الرجال إليهم واقتتلوا قتالًا شديدا فقتل من بني سامة جماعة وأسر جماعة منهم ومن بني تغلب وكانوا معهم فحبسوا في البلد‏.‏

ثم إن أحمد بن عمروبن الخطاب العدوي التغلبي أتى محمدا وطلب إليه المسالمة فأجابه إلى ذلك وصلح الأمر وسكنت الفتنة‏.‏

ذكر الغزاة إلى الفرنج

وفي هذه السنة جهز الحكم أمير الأندلس جيشًا مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج بالأندلس فسار بالعساكر حتى دخل بأرضهم وتوسط بلادهم فخربها ونهبها وهدم عدة

فلما رأى ملكهم فعل المسلمين ببلادهم كاتب ملوك جميع تلك النواحي مستنصرًا بهم فاجتمعت إليه النصرانية من كل أوب فأقبل في جموع عظيمة بإزاء عسكر المسلمين بينهم نهر فاقتتلوا قتالًا شديدًا عدة أيام المسلمون يريدون يعبرون النهر وهم يمنعون المسلمين من ذلك‏.‏

فلما رأى المسلمون ذلك تأخروا عن النهر فعبر المشركون إليهم فاقتتلوا أعظم قتال فانهزم المشركون إلى النهر فأخذهم السيف والأسر فمن عبر النهر سلم وأسر جماعة من كنودهم وملوكهم وقماصتهم وعاد الفرنج ولزموا جانب النهر يمنعون المسلمين من جوازه فبقوا كذلك ثلاثة عشر يوما يقتتلون كل يوم فجاءت الأمطار وزاد النهر وتعذر جوازه فقفل عبد الكريم عنهم سابع ذي الحجة‏.‏

ذكر خروج البربر بناحية مورور

وفي هذه السنة خرج خارجي من البربر بناحية مورور من الأندلس ومعه جماعة فوصل كتاب العامل إلى الحكم بخبره فأخفى الحكم خبره واستدعى من ساعته قائدًا من قواده فأخبره بذلك سرا وقال له‏:‏ سر من ساعتك إلى هذا الخارجي فأتني برأسه وإلا فرأسك عوضه وأنا قاعد مكاني هذا إلى أن تعود‏.‏

فسار القائد إلى الخارجي فلما قاربه سأله عنه فأخبر عنه باحتياط كثير واحتراز شديد ثم ذكر قول الحكم‏:‏ إن قتلته وإلا فرأسك عوضه فحمل نفسه على سبيل المخاطرة فأعمل الحيلة حتى دخل عليه وقتله وأحضر رأسه عند الحكم فرآه بمكانه ذلك لم يتغير منه وكانت غيبته أربعة أيام‏.‏

فلما رأى أحسن إلى ذلك القائد ووصله وأعلى محله‏.‏

مورور بفتح الميم وسكون الواووضم الراء وسكون الواو الثانية وآخره راء ثانية‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة وجه المأمون رجاء بن أبي الضحاك علي بن موسى بن جعفر بن محمد وأحصي في هذه السنة ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفًا ما بين ذكر وأنثى وفي هذه السنة قتلت الروم ملكها أليون وكان ملكه سبع سنين وستة أشهر وملكوا عليهم ميخائيل بن جورجيش ثانية وفيها خالف علي بن أبي سعيد على الحسن بن سهل فبعث المأمون إليه بسراج الخادم وقال له‏:‏ إن وضع يده في يد الحسن بن سهل أوشخص إلي بمروو إلا فاضرب عنقه فسار إليه سراج فأطاع وتوجه إلى المأمون بمرومع هرثمة وفيها قتل المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل لأنه قال له يا أمير الكافرين وحج بالناس هذه السنة المعتصم وفيها توفي القاضي أبوالبختري وهب بن وهب ومعروف الكرخي الزاهد وصفوان بن عيسى الفقيه والمعافى بن داود الموصلي وكان فاضلًا عابدًا‏.‏

حوادث سنة إحدى ومائتين

ذكر ولاية منصور بن المهدي ببغداد


وفي هذه السنة أراد أهل بغداد أن يبايعوا المنصور بن المهدي بالخلافة فامتنع عن ذلك فأرادوه على الإمرة عليهم على أن يدعوا للمأمون بالخلافة فأجابهم إليه‏.‏

وكان سبب ذلك ما ذكرناه قبل من إخراج أهل بغداد علي بن هشام من بغداد‏.‏

فلما اتصل إخراجه من بغداد بالحسن بن سهل سار من المدائن إلى واسط تبعه محمد ابن أبي خالد بن الهندوان مخالفًا له وقد تولى القيام بأمر الناس وولى سعيد بن الحسن بن قحطبة الجانب الغربي ونصر بن حمزة بن مالك الجانب الشرقي‏.‏

وكان ببغداد منصور بن المهدي والفضل بن الربيع وخزيمة بن خازم وقدم عيسى بن محمد بن أبي خالد من أرقة من عند طاهر في هذه الأيام فوافق أباه على قتال الحسن بن سهل

فمضيا ومن معهما إلى قرية أبي قريش قريب واسط ولقيهما في طريقهما عساكر الحسن في غير موضع فهزماهم‏.‏

ولما انتهى محمد إلى دير العاقول أقام به ثلاثا وزهير بن المسيب مقيم بإسكاف بني الجنيد عاملًا للحسن على جوخي وهويكاتب قواد بغداد فركب إليه محمد وأخذه أسيرا وأخذ كل ماله وسيره أسيرًا إلى بغداد وحبسه عند أبيه جعفر‏.‏

ثم تقدم محمد إلى واسط ووجه محمد ابنه هارون من دير العاقول إلى النيل وبها نائب للحسن فهزمه هارون وتبعه إلى الكوفة‏.‏

ثم سار المنهزمون من الكوفة إلى الحسن بواسط ورجع هارون إلى أبيه وقد استولى على النيل وسار محمد وهارون نحوواسط فسار الحسن عنها ونزل خلفها‏.‏

وكان الفضل بن الربيع مختفيًا كما تقدم إلى الآن فلما رأى أن محمدًا قد بلغ واسطًا طلب منه الأمان فأمنه وظهر وسار محمد إلى الحسن على تعبئة فوجه إليه الحسن قواده وجنده فاقتتلوا قتالًا شديدا فانهزم أصحاب محمد بعد العصر وثبت محمد حتى جرح جراحات شديدة وانهزموا هزيمة قبيحة وقتل منهم خلق كثير وغمنوا مالهم وذلك لسبع بقين من شهر ربيع الأول‏.‏

ونزل محمد بفم الصلح وأتاهم الحسن فاقتتلوا فلما جنهم الليل رحل محمد وأصحابه فنزلوا المنازل فأتاهم الحسن فاقتتلوا فلما جنهم الليل ارتحلوا حتى أتوا جبل فأقاموا بها ووجه محمد ابنه عيسى إلى عرنايا فأقام بها محمد بجرجرايا فاشتدت جراحات محمد فحمله ابنه أبوزنبيل إلى بغداد وخلف عسكره لست خون من ربيع الآخر ومات محمد بن أبي خالد في داره سرًا‏.‏

وأتى أبوزنبيل خزيمة بن خازم فأعلمه حال أبيه وأعلم خزيمة ذلك الناس وقرأ عليهم كتاب عيسى بن محمد إليه يبذل فيه القيام بأمر الحرب مقام أبيه فرضوا به وصار مكان أبيه وقتل أبوزنبيل زهير بن المسيب من ليلته ذبحه ذبحا وعلق رأسه في عسكر أبيه‏.‏

وبلغ الحسن بن سهل موت محمد فسار إلى المبارك فأقام به وبعث في جمادى الآخرة جيشًا له فالتقوا بأبي زنبيل بفم الصراط فهزموه وانحاز إلى أخيه هارون بالنيل فتقدم جيش الحسن إليهم فلقوهم فاقتتلوا ساعة وانهزم هارون وأصحابه فأتوا المدائن ونهب أصحاب الحسن النيل ثلاثة أيام وما حولها من القرى‏.‏

وكان بنوهاشم والقواد حين مات محمد بن أبي خالد قالوا‏:‏ نصير بعضنا خليفةً ونخلع المأمون فأتاهم خبر هارون وهزيمته فجدوا في ذلك وأرادوا منصور بن المهدي على الخلافة فأبى

وقيل إن عيسى لما ساعده أهل بغداد على حرب السحن بن سهل علم الحسن أنه لا طاقة له به فبهث إليه وبذل المصاهرة ومائة ألف دينار والأمان له ولأهل بيته ولأهل بغداد وولاية أي النواحي احب فطلب كتاب المأمون بخطه وكتب عيسى إلى أهل بغداد‏:‏ إني مشغول بالحرب عن جباية الخراج فولوا رجلًا من بني هاشم فولوا منصور بن المهدي وقال‏:‏ أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم أويولي من أحب فرضي به الناس‏.‏

وعسكر منصور بكلواذي بعث غسان بن عباد بن أبي الفرج إلى ناحية الكوفة فنزل بقصر ابن هبيرة فلم يشعر غسان إلا وقد أحاط به حميد الطوسي فأخذه أسيرا وقتل من أصحابه وذلك لأربع خلون من رجب‏.‏

وسير منصور بن المهدي محمد بن يقطين في عسكر إلى حميد فسار حتى أتى كوثى فلم يشعر بشيء حتى هجم عليه حميد وكان بالنيل فقاتله قتالًا شديدًا وانهزم ابن يقطين وقتل من أصحابه وأسر وغرق بشر كثير ونهب حميد ما حول كوثى من القرى ورجع حميد إلى النيل وابن يقطين أقام بنهر صرصر وأحصى عيسى بن محمد بن أبي خالد من في عسكره وكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفًا بين فارس وراجل فأعطى الفارس أربعين درهمًا والراجل عشرين درهمًا‏.‏

وفي هذه السنة تجردت المتطوعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

وكان سبب ذلك أن فساق بغداد والشطار آذوا الناس أذىً شديدا وأظهروا الفسق وقطعوا الطريق وأخذوا النساء والصبيان علانيةً وكانوا يأخذون ولد الرجل وأهله فلا يقدر أن يمتنع منهم وكانوا يطلبون من الرجل أن يقرضهم أويصلهم فلا يقدر على الامتناع وكانوا ينهبون القرى لا سلطان يمنعهم ولا يقدر عليهم لأنه كان يغريهم وهم بطانته وكانوا يمسكون المجتازين في الطريق ولا يعدي عليهم أحد وكان الناس معهم في بلاء عظيم‏.‏

وآخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطربل وانتهبوها علانية وأخذوا العين والمتاع والدواب فباعوها ببغداد ظاهرا واستعدى أهلها السلطان فلم يعدهم وكان ذلك آخر شعبان‏.‏

فلما رأى الناس ذلك قام صلحاء كل ربض ودرب ومسى بعضهم إلى بعض وقالوا‏:‏ إمنا في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة وأنتم أكثر منهم فلواجتمعتم لقمعتم هؤلاء الفساق ولعجزوا عن الذي يفعلونه فقام رجل يقال له خالد الدريوش فدعا جيرانه وأهل محلته على أن يعاونوه على الأمر المعروف والنهي عن المنكر فأجابوه إلى ذلك فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم وامتنعوا عليه وأرادوا قتاله فقاتلهم فهزمهم وضرب من أخذه من الفساق وحبسهم ورفعهم إلى السلطان إلا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئًا‏.‏

ثم قام بعده رجل من الحربية يقال له سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان ويكنى أبا حاتم فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بالكتاب والسنة وعلق مصحفًا في عنقه وأمر أهل محلته ونهاهم فقبلوا منه ودعا الناس جميعًا الشريف والوضيع من بني هاشم وغيرهم فأتاهم خلق عظيم فبايعوه على ذلك وعلى القتال معه لمن خالفه وطاف ببغداد وأسواقها وكان قيام سهل لأربع خلون من رمضان وقيام الدريوش قبله بيومين أوثلاثة‏.‏

وبلغ خبر قيامهم إلى منصور بن المهي وعيسى بن محمد بن أبي خالد فكسرهما ذلك لأن أكثر أصحابهما كان الشطار ومن لا خير فيه ودخل منصور بغداد وكان عيسى يكاتب الحسن بن سهل في الأمان فأجابه الحسن إلى الأمان ولأهل بغداد وأن يعطي جنده وأهل بغداد رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة ورحل عيسى فدخل بغداد لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال وتفرقت العساكر فرضي أهل بغداد بما صالح عليه وبقي سهل على ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

ذكر البيعة لعلي بن موسى عليه السلام بولاية العهد

في هذه السنة جعل المأمون علي بن موسى الرضي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده ولقبه الرضي من آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر جنده بطرح السواد ولبس الثياب الخضر وكتب بذلك إلى الآفاق وكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبي خالد بعد عوده إلى بغداد يعلمه أن المأمون قد جعل علي بم مسوى ولي عهده من بعده‏.‏

وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدًا أفضل ولا أروع ولا أعلم منه وأنه سماه الرضي من آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمره بطرح السواد ولبس الخضرة وذلك لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين وأمر عيسى بن محمدًا أن يأمر من عنده من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له ولبس الخضرة ويأخذ أهل بغداد جميعًا بذلك الخلافة من ولد العباس وإمنا هذا من الفضل بن سهل فمكثوا كذلك أياما وتكلم بعضهم وقالوا‏:‏ نولي بعضنا ونخلع المأمون فكان أشدهم فيه منصور وإبراهيم ابنا المهدي‏.‏

ذكر الباعث على البيعة لإبراهيم بن المهدي

وفي هذه السنة في ذي الحجة خاض الناس في البيعة لإبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلع المأمون ببغداد‏.‏

وكان سبب ذلك ما ذكرناه من إنكار الناس لولاية الحسن بن سهل والبيعة لعلي بن موسى فأظهر العباسيون ببغداد أنهم كانوا قد بايعوا لإبراهيم بن المهدي لخمس بقين من ذي الحجة ووضعوا يوم الجمعة رجلًا يقول‏:‏ إنا نريد أن ندعو المأمون ومن بعده لإبراهيم ووضعوا من يجيبه بأننا لا نرضى إلا أن تبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة ومن بعده لإسحاق بن موسى الهادي وتخلعوا المأمون ففعلوا ما أمروهم به فلم يصل الناس جمعة وتفرقوا وكان ذلك لليلتين بقيتا من ذي الحجة من السنة‏.‏

ذكر فتح جبال طبرستان والديلم

في هذه السنة افتتح عبد الله بن خرداذبة والي طبرستان البلاذر والشيزر من بلاد الديلم وافتتح جبال طبرستان فأنزل شهريار بن شروين عنها وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون واسر أبا ليلى ملك الديلم‏.‏

ذكر ابتداء بابك الخرمي

وفيها تحرك بابك الخرمي في الجاويدانية أصحاب جاويدان بن سهل صاحب البذ وادعى أن روح جاويدان دخلت فيه وأخذ في العيث والفساد وتفسير جاويدان الدائم الباقي ومعنى خرم فرج وهي مقالات المجوس والرجل منهم ينكح أمه وأخته وابنته ولهذا يسمونه دين الفرج ويعتقدون مذهب التناسخ وأن الأرواح تنتقل من حيوان إلى غيره‏.‏

ذكر ولاية زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية

وفي هذه السنة سادس في ذي الحجة توفي أبوالعباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية وكانت إمارته خمس سنين ونحو شهرين‏.‏

وكان سبب موته أنه حدد على كل فدان في عمله ثمانية عشر دينارًا كل سنة فضاق الناس لذلك وشكا بعضهم إلى بعض فتقدم إليه رجل من الصالحين اسمه حفص بن عمر الجزري مع رجال من الصالحين فنهوه عن ذلك ووعظوه وخوفوه العذاب في الآخرة وسوء الذكرفي الدنيا وزوال النعمة فإن الله تعالى اسمه وجل ثناؤه ‏{‏لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد بقوم فلا مرد له ومالهم من دونه من وال‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 11‏]‏‏.‏

فلم يجبهم أبوالعباس عبد اله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية المذكور إلى ما طلبوا فخرجوا من عنده إلى القيروان فقال لهم حفص‏:‏ لو أننا نتوضأ للصلة ونصلي ونسأل الله تعالى أن يخف عن الناس ففعلوا ذلك فما لبث إلا خمسة أيام حتى خرجت قرجة تحت أذنه فلم ينشب أن مات منها وكان من أجمل زمانه ولما مات ولي بعده أخوه زيادة الله بن إبراهيم وبقي أميرًا رخي البال وادعا والدنيا عنده آمنة‏.‏

ثم جهز جيشًا في أسطول البحر وكان مراكب كثيرة إلى مدينة سردانية وهي للروم فعطب بعضها بعد أن غمنوا من الروم وقتلوا كثيرا فلما عاد من سلم منهم أحسن إليهم زيادة الله ووصلهم‏.‏

فلما كان سنة سبع ومائتين خرج عليه زياد بن سهل المعروف باب الصقلبية وجمع جمعًا كثيرا وحصر مدينة باجة فسير إليه زياد الله العساكر فأنالوه عنها وقتلوا من وافقه على المخالفة‏.‏

وفي سنة ثمان ومائتين نقل إلى زيادة الله أن منصور بن نصير الطنبذي يريد المخالفة عليه بتونس وهويسعى في ذلك ويكاتب الجند فلما تحققه سير إليه قائدًا اسمه محمد بن حمزة في ثلاث مائة فارس وأمره أن يخفي خبره ويجد السير إلى تونس فلا يشعر به منصور حنى يأخذه فيحمله إليه‏.‏

فسار محمد ودخل تونس فلم يجد منصورًا بها كان قد توجه إلى قصره بطنبذة فأرسل إليه محمد قاضي تونس ومعه أربعون شيخا يقبحون له الخلاف وينهونه عنه ويأمرونه بالطاعة فساروا إليه واجتمعوا به وذكروا له ذلك فقال منصور‏:‏ ما خالفت طاعة الأمير وأنا سائر معكم إلى محمد ومن معه إلى الأمير ولكن أقيموا معي يومنا هذا حتى نعمل له ولمن معه ضيافة‏.‏

فأقاموا عنده وسير منصور لمحمد ولمن معه الإقامة الحسنة الكثيرة من الغمن والبقر وغير ذلك من أنواع ما يؤكل فكتب إليه يقول‏:‏ إنني صائر إليك مع القاضي والجماعة فركن محمد إلى ذلك وأمر بالغمن فذبحت وأكل هوومن معه وشربوا الخمر‏.‏

فلما أمسى منصور سجن القاضي ومن معه وسار مجدًا فيمن عنده من أصحابه سرًا إلى تونس فدخلوا دار الصناعة وفيها محمدًا وأصحابه فأمر بالطبول فضربت وكبر وهووأصحابه فوثب محمد وأصحابه إلى سلاحهم وقد عمل فيهم الشراب وأحاط بهم منصور ومن معه وأقبلت العامة من كل مكان فرجوهم بالحجارة واقتتلوا عامة الليل فقتل من كان مع محمد ولم يسلم منهم إلا من نجا إلى البحر فسبح حتى تخلص وذلك في صفر‏.‏

وأصبح منصور فاجتمع عليه الجند وقالوا‏:‏ نحن لا نثق بك ولا نأمن أن يخليك زيادة الله ويستميلك بدنياه فتميل إليه فإن أحببت أن نكون معك فاقتل أحدًا من أهله ممن عندك فأحضر إسماعيل بن سفيان بن سالم بن عقال وهومن أهل زيادة الله فكان هوالعامل على تونس فلما حضر أمر بقتله‏.‏

فلما سمع زيادة الله الخبر سير جيشًا كثيفا واستعمل عليهم غلبون واسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب وهووزير زيادة الله إلى منصور الطنبذي فلما ودعهم زيادة الله تهددهم بالقتل إن انهزموا فلما وصلوا إلى تونس خرج إليهم منصور فقاتلهم فانهزم جيش زيادة الله عاشر ربيع الأول فقال القواد الذين فيه لغلبون‏:‏ لا نأمن زيادة الله على أنفسنا فإن أخذت لنا أمانًا حضرنا عنده وفارقوه واستولوا على عدة مدن فأخذوها منها‏:‏ باجة والجزيرة وصطفورة ومسر والأربس وغيرها فاضطربت إفريقية واجتمع الجند كلهم إلى منصور أطاعوه لسوء سيرة زيادة الله معهم‏.‏

فلما كثر جمع منصور سار إلى القيروان فحصرها في جمادى الأولى وخندق على نفسه وكان بينه وبين زيادة الله وقائع كثيرة وعمر منصور سور القيروان فوالاه أهلها فبقي الحصار عليه أربعون يومًا‏.‏

ثم إن زيادة اله عبأ أصحابه وجمعهم وسار معهم الفارس والراجل فكانوا خلقًا كثيرا فلما رآهم منصور راعه ما رأى وهاله ولم يكن يعرف ذلك من زيادة الله لما كان فيه من الوهن فزحف المنصور إليه بنفسه أيضا فالتقوا واقتلوا قتالًا شديدا وانهزم منصور ومن معه ومضوا هاربين وقتل منهم خلق كثير وذلك منتصف جمادى الآخرة وأمر زيادة الله أن ينتقم

من أهل القيروان بما جنوه من مساعدة منصور والقتال معه بما تقدم أولًا من مساعدة عمران بن مجالد لما قاتل أباه إبراهيم بن الأغلب فمنعه أهل العلم والدين فكف عنهم وخرب سور القيروان‏.‏ولما نهزم منصور فارقه كثير من أصحابه الذين صاروا معه منهم‏:‏ عامر بن نافع وعبد السلام بن المفرج إلى البلاد التي تغلبوا عليها ثم إن زيادة الله سير جيشا سنة تسع ومائتين وإلى مدينة سبيبة واستعمل عليهم محمد بن عبد الله بن الأغلب وكان بها جمع من الجند الذين صاروا مع منصور عليهم عمر بن نافع فالتقوا في العشرين من المحرم واقتتلوا فانهزم ابن الأغلب وعاد هوومن معه إلى القيروان فعظم الأمر على زيادة الله وجمع الرجال وبذل الأموال‏.‏

وكان عيال الجند الذين مع منصور بالقيروان فلم يعرض لهم زيادة الله فقال الجند لمنصور‏:‏ الرأي أن تحتال في نقل العيال من القيروان لنأمن عليهم فسار بهم منصور إلى القيروان وحصر زيادة الله ستى عشر يوما ولم يكن منهم قتال وأخرج الجند نساءهم وأولادهم من القيروان وانصرف منصور إلى تونس ولم يبق بيد زيادة الله من إفريقية كلها إلا قابس والساحل ونفزاوة وطرابلس فإنهم تمسكوا بطاعته وأرسل الجند إلى زيادة الله‏:‏ أن ارحل عنا وخل إفريقية ولك الأمان على نفسك ومالك ومن ضمه قصرك فضاق به وغمه الأمر فقال له سفيان بن سوادة‏:‏ مكني من عسكرك لأختار منهم مائتي فارس وأسير بهم إلى نفزاوة فقد بلغني أن عامر بن نافع يريد قصدهم فإن ظفرت كان الذي تحب وإن تكن الأخرى عملت برأيك فأمره بذلك فأخذ مائتي فارس وسار إلى نفزاوة فدعا برابرها إلى نصرته فأجابوه وسارعوا إليه وأقبل عامر بن نافع في العسكر إليهم فالتقوا واقتتلوا فانهزم عامر ومن معه وكثر القتل فيهم ورجع عامر إلى قسطيلية فجبى أموالها ليلًا ونهارًا في ثلاثة أيام وساروا عنها واستخلف عليها من يضبطها فهرب منها أيضًا خوفًا من أهلها فأرسل أهل قسطيلية إلى ابن سوادة وسألوه أن يجيء إليهم فسار إليهم وملك قسطيلية وضبطها‏.‏

وقد قيل إن هذه الحوادث المذكورة سنة ثمان وتسع ومائتين إمنا كانت سنة تسع وعشر ومائتين‏.‏ طنبذة بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الباء الموحدة وبذال معجمة وآخره هاء وصطفورة بفتح الصاد وسكون الطاء وضم الفاء وسكون الواووآخره هاء وسبيبة بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء تحتها نقطتان وفتح الباء الثانية الموحدة وآخره هاء

ذكر ما فتحه زيادة الله بن الأغلب من جزيرة صقلية

وما كان فيها من الحروب إلى أن توفي في سنة اثنتي عشرة ومائتين جهز زيادة الله جيشًا في البحر وسيرهم إلى جزيرة صقلية واستعمل عليهم أسد بن الفرات قاضي القيروان وهومن أصحاب مالك وهومصنف الأسدية في الفقه على مذهب مالك فلما وصلوا إليها ملكوا كثيرًا منها‏.‏

وكان سبب إنفاذ الجيش أن ملك الروم بالقسطنطينية استعمل على جزيرة صقلية بطريقًا اسمه قسطنطين سنة إحدى عشرة ومائتين فلما وصل إليها استعمل على جيش الأسطول إنسانًا روميًا اسمه فيمي كان حازما شجاعا فغزا إفريقية وأخذ من سواحلها تجارا ونهب وبقي هناك مديدة‏.‏

ثم إن ملك الروم كتب إلى قسطنطين يأمره بالقبض على فيمي مقدم الأسطول وتعذيبه فبلغ الخبر إلى فيمي فأعلم أصحابه فغضبوا له وأعانوه على المخالفة فسار في مراكبه إلى صقلية واستولى على مدينة سرقوسة فسار إليه قسطنطين فالتقوا واقتتلوا فانهزم قسطنطين إلى مدينة قطانية فسير إليه فيمي جيشا فهرب منهم فاخذ وقتل وخوطب فيمي بالملك

واستعمل على ناحية من الجزيرة رجلًا اسمه بالطه فخالف على فيمي وعصى واتفق هووابن عم له اسمه ميخائيل وهووالي مدينة بلرم وجمعا عسكرًا كثيرا فقاتلا فيمي وانهزم فاستولى بلاطه على مدينة سرقوسة‏.‏

وركب فيمي ومن معه في مراكبهم إلى إفريقية وأرسل إلى الأمير زيادة الله يستنجده ويعده بملك جزيرة صقلية فسير معه جيشًا في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومائتين فوصلوا إلى مدينة مارز من صقلية فساروا إلى بلاطه الذي قاتل فيمي فلقيهم جمع الروم فانهزمت الروم وغمن المسلمون أموالهم ودوابهم وهرب بلاطه إلى قلورية فقتل لها‏.‏

واستولى المسلمون على عدة حصون من الجزيرة ووصلوا إلى قلعة تعرف بقلعة الكراث وقد اجتمع إليها خلق كثير فخدعوا القاضي أسد بن الفرات أمير المسلمين وذلوا له فلما رآهم فيمي مال إليهم وراسلهم أن يثبتوا ويحفظوا بلدهم فبذلوا لأسد الجزية وسألوه أن لا يقرب منهم فأجابهم إلى ذلك وتأخر عنهم أياما فاستعدوا للحصار ودفعوا إليهم ما يحتاجون إليه فامتنعوا عليه وناصبهم الحرب وبث السرايا في كل ناحية فغمنوا شيئًا كثيرا وافتتحوا عمرانًا كثيرًا حول سرقوسة وحاصروا سرقوسة برًا وبحرا ولحقته الأمداد من إفريقية فسار إليهم والي بلرم في عساكر كثيرة فخندق المسلمون عليهم وحفروا خارج الخندق حفرًا كثيرة فحمل

ز ضيق المسلمون على سرقوسة فوصل أسطول من القسطنطينية فيه جمع كثير وكان قد حل بالمسلمين وباء شديد سنة ثلاث عشرة ومائتين هلك فيه كثير منهم وهلك فيه أميرهم أسد بن الفرات وولي الأمر على المسلمين بعده محمد بن أبي الجواري فلما رأى المسلمون شدة الوباء ووصول الروم تحملوا في مراكبهم ليسيروا فوقف الروم في مراكبهم على باب المرسي فمنعوا المسلمين من الخروج‏.‏

فلما رأى المسلمون ذلك أحرقوا مراكبهم وعادوا ورحلوا إلى مدينة ميناو فحصروها ثلاثة أيام وتسموا الحصن فسار طائفة منهم إلى حصن جرجنت فقاتلوا أهله وملكوه وسكنوا فيه واشتدت نفوس المسلمين بهذا الفتح وفرحوا‏.‏

ثم ساروا إلى مدينة قصريانة ومعهم فيمي فخرج أهلها إليه فقبلوا الأرض بين يديه وأجابوا إلى أن يملكوه عليهم وخدعوه ثم قتلوه‏.‏

ووصل جيش كثير من القسطنطينية مددًا لمن في الجزيرة فتصافوا هم والمسلمون فانهزم الروم وقتل منهم خلق كثير ودخل من سلم قصريانة وتوفي محمد بن أبي الجواري أمير المسلمين وولي بعده زهير ابن غوث‏.‏

ثن إن سرية المسلمين سارت للغنيمة فخرج عليها طائفة من الروم فاقتتلوا وانهزم المسلمون وعادوا من الغد ومعهم جمع العسكر فخرج إليهم الروم وقد اجتمعوا وحشدوا وتصافوا مرة ثاينة فانهزم المسلمون أيضا وقتل منهم نحوألف قتيل وعادوا إلى معسكرهم وخندقوا عليهم فحصرهم الروم ودام القتال بينهم فضاقت الأقوات على المسلمين فعزموا على بيات الروم فعلموا بهم ففارقوا الخيم وكانوا بالقرب منها فلما خرج المسلمون لم يروا أحدًا‏.‏

وأقبل عليهم الروم من كل ناحية فأكثروا القتل فيهم وانهزم الباقون فدخلوا ميناو ودام الحصار عليهم حتى أكلوا الدواب والكلاب‏.‏

فلما سمع من مدينة جرجنت من المسلمين ما هم عليه هدموا المدينة وساروا إلى مازر ولم يقدروا على نصرة إخوانهم ودام الحال كذلك إلى أن دخلت سنة أربع عشرة ومائتين وقد اشرف المسلمون على الهلاك وإذ قد أقبل أسطول كثير من الأندلس خرجوا غزاة ووصل في ذلك الوقت مراكب كثيرة من إفريقية مددًا للمسلمين فبلغت عدة الجميع ثلاثمائة مركب فنزلوا إلى الجزيرة فانهزم الروم عن حصار المسلمين وفرج الله عنهم وسار المسلمون إلى مدينة بلرم فحصروها وضيقوا على من بها فطلب صاحبها الأمان لنفسه ولأهله ولماله فأجيب إلى ذلك وسار في البحر إلى بلاد الروم‏.‏

ودخل المسلمون البلد في رجب سنة ست عشرة ومائتين فلم يروا فيه إلا أقل من ثلاثة آلاف إنسان وكان فيه لما حصروه سبعون ألفا وماتوا كلهم وجرى بين المسلمين‏:‏ أهل إفريقية وأهل الأندلس خلف ونزاع ثم اتفقوا وبقي المسلمون إلى سنة تسع عشرة ومائتين وسار المسلمون إلى مدينة قصريانة فخرج من فيها من الروم فاقتتلوا أشد قتال ففتح اله على المسلمين وانهزم الروم إلى معسكرهم ثم رجعوا في الربيع فقاتلوهم فنصر المسلمون أيضا ثم ساروا سنة عشرين ومائتين وأميرهم محمد بن عبد الله إلى قصريانة فقاتلهم الروم فانهزموا وأسرت امرأة لبطريقهم وابنه وغمنوا ما كان في عسكرهم وعادوا إلى بلرم‏.‏

ثم سير محمد بن عبد الله عسكرًا إلى ناحية طبرمين عليهم محمد بن سالم فغمن غنائم كثيرة ثم عدا عليه بعض عسكره فقتلوه ولحقوا بالروم فأرسل زيادة الله من إفريقية الفضل بن يعقوب عوضًا منه فسار في سرية إلى ناحية سرقوسة فأصابوا غنائم كثيرة وعادوا ثم سارت سرية كبيرة فغمنت وعادت فعرض لهم البطريق ملك الروم بصقلية وجمع كثير فتحصنوا من الروم في أرض وعر وشجر كثيف فلم يتمكن من قتالهم وواقفهم إلى العصر فلما رأى أنهم لا يقاتلونهم عاد عنهم فتفرق أصحابه وتركوا التعبئة‏.‏

فلما رأى المسلمون ذلك حملوا عليهم حملة صادقة فانهزم الروم وطعن البطريق وجرح عدة جراحات وسقط عن فرسه فأتاه حماة أصحابه واستنقذوه جريحا وحملوه وغمن المسلمون

وسير زيادة الله من إفريقية إلى صقلية أبا الأغلب إبراهيم بن عبد الله أميرًا عليها فخرج إليها فوصل إليها منتصف رمضان فبعث أسطولا فلقوا جمعًا للروم في أسطول فغمن المسلمون ما فيه فضرب أبوالأغلب رقاب كل من فيه‏.‏

وبعث أسطولًا آخر إلى قوصرة فظفر بحراقة فيها رجال من الروم ورجل متنصر من أهل إفريقية فأتى بهم فضرب رقابهم‏.‏

وسارت سرية أخرى إلى جيل النار والحصون التي في تلك الناحية فأحرقوا الزرع وغمنوا وأكثروا القتل‏.‏

ثم سير أبوالأغلب سنة إحدى وعشرين ومائتين سرية إلى جبل النار أيضا فغمنوا غنائم عظيمة حتى بيع الرقيق بأبخس الأثمان وعادوا سالمين وفيها جهز أسطولا فساروا نحوالجزائر فغمنوا غنائم عظيمة وفتحوا مدنًا ومعاقل وعادوا سالمين وفيها سير أبوالأغلب أيضًا سرية إلى قسطلياسة فغمنوا وسبوا ولقيهم العدو فكانت بينهم حرب استظهر فيها الروم وسير سرية إلى مدينة قصريانة فخرج إليهم العدو فاقتتلوا فانهزم المسلمون وأصيب منهم جماعة‏.‏

ثم كانت وقعة أخرى بين الروم والمسلمين فانهزم الروم وغمن المسلمون منهم تسعة مراكب كبار برجالها وشلندس فلما جاء الشتاء وأظلم الليل رأى رجل من المسلمين غرة من أهل قصريانة فقرب منه ورأى طريقا فدخل منه ولم يعلم به أحد ثم انصرف إلى العسكر فأخبرهم فجاؤوا معه فدخلوا من ذلك الموضع وكبروا وملكوا ربضه وتحصن المشركون منهم

وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين وصل كثير من الروم في البحر إلى صقلية وكان المسلمون يحاصرون جفلوذى وقد طال حصارها فلما وصل الروم رحل المسلمون عنها وجرى بينهم وبين الروم الواصلين حروب كثيرة ثم وصل الخبر بوفاة زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية فوهن المسلمون ثم تشجعوات وضبطوا أنفسهم‏.‏

سرقوسة بسين مفتوحة وقاف وواووسين ثانية وبلرم بفتح الباء الموحدة واللام وتسكين الراء وبعدها ميم وميناوبميم وياء تحتها نقطتان ونون وبعد الألف واو وجرجنت بجيم وراء وجيم ثانية مفتوحة ونون وتاء فوقها نقطتان وقصريانة بالقاف والصاد المهملة والراء والياء تحتها نقطتان وبعد الألف نون مشددة وهاء‏.‏

ذكر عدة حوادث


في هذه السنة مات محمد بن محمد صاحب أبي السرايا‏.‏

وفيها أصاب أهل خراسان وأصبهان والري مجاعة شديدة وكثر الموت فيهم وحج بالناس هذه السنة إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

حوادث سنة اثنتين ومائتين

في هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة ولقبوه المبارك وكانت بيعته أول يوم من المحرم وقيل خامسه وخلعوا المأمون وبايعه سائر بني هاشم فكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبد الله بن مالك فكان الذي سعى في هذا الأمر السندي وصالح صاحب المصلى ونصير الوصيف وغيرهم غضبًا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس ولتركه لباس آبائه من السواد‏.‏

فلما فرغ من البيعة وعد الجند رزق ستة أشهر ودافعهم بها فشغبوا عليه فأعطاهم لكل رجل مائتي درهم وكتب لبعضهم إلى السواد بقية مالهم حنطة وشعيرا فخرجوا في قبضها فانتهبوا الجميع وأخذوا نصيب السلطان وأهل السواد واستولى إبراهيم على الكوفة والسواد جميعه وعسكر بالمدائن واستعمل على الجانب الغربي من بغداد العباس بن موسى الهادي وعلى الجانب الشرقي منها إسحاق بن موسى الهادي‏.‏

وخرج عليه مهي بن علوان الحروري وغلب على طساسيج نهر بوق والراذانين فوجه إليه إبراهيم أبا إسحاق بن الرشيد وهوالمعتصم في جماعة من القواد فلقوه فاقتتلوا فطعن رجل من أصحابه ابن الرشيد فحامى عنه غلام تركي يقال له‏:‏ اشناس وهزم مهدي إلى حولايا‏.‏

وقيل كان خروج مهدي سنة ثالث ومائتين‏.‏

وكان بقصر ابن هبيرة حميد بن عبد الحميد عاملًا للحسن بن سهل ومعه من القواد سعيد بن الساجور وأبوالبط وغسان بن أبي الفرج ومحمد بن إبراهيم الإفريقي وغيرهم فكاتبوا إبراهيم على أن يأخذوا له قصر ابن هبيرة وكانوا قد تحرفوا عن حميد وكتبوا إلى الحسن بن سهل يخبرونه أن حميدًا يكاتب إبراهيم وكان حميد يكتب فيهم بمثل ذلك فكتب الحسن إلى حميد يستدعيه إليه فلم يفعل خاف أن يسير إليه فيأخذ هؤلاء القواد ماله وعسكره ويسلمونه إلى إبراهيم فلما ألح الحسن عليه بالكتب سار إليه في ربيع الآخر وكتب أولئك القواد إلى إبراهيم لينفذ إليهم عيسى بن محمد بن أبي خالد فوجهه إليهم فانهبوا ما في عسكر حميد فكان مما أخذوا له مائة بدرة وأخذ ابن حميد جواري أبيه وسار إليه وهوبعسكر الحسن ودخل عيسى القصر وتسلمه لعشر خلون من ربيع الآخر فقال حميد للحسن‏:‏ ألم أعلمك لكنك خدعت‏.‏

وعاد إلى الكوفة فاخذ أمواله واستعمل عليها العباس بن مسوى بن جعفر العلوي وأمره أن يدعولأخيه علي بن موسى بعد المأمون وأعانه بمائة ألف درهم وقال له‏:‏ قاتل عن أخيك فإن أهل الكوفة يجيبونك إلى ذلك وأنا معك‏.‏

فلما كان الليل خرج حميد إلى الحسن وكان الحسن قد وجه حكيمًا الحارثي إلى النيل فسار

إليه عيسى بن محمد فاقتتلوا فانهزم حكيم فدخل عيسى النيل ووجه إبراهيم إلى الكوفة سعيدا وأبا البط لقتال العباس بن موسى وكان العباس قد دعا أهل الكوفة فأجابه بعضهم‏.‏

وأما الغلاة من الشيعة فإنهم قالوا‏:‏ إن كنت تدعونا لأخيك وحده فنحن معك وأما المأمون فلا حاجة لنا فيه فقال‏:‏ إمنا أدعوللمأمون وبعده لأخي فقعدوا عنه‏.‏

فلما أتاه سعيد وأبوالبط ونزلوا قرية شاهي بعث إليهم العباس ابن عمه علي بن محمد بن جعفر وهوابن الذي بويع له بمكة وبعث معهم جماعة منهم أخوأبي السرايا فاقتتلوا ساعة فانهزم علي بن محمد العلوي وأهل الكوفة ونزل سعيد وأصحابه الحيرة وكان ذلك ثاني جمادى الأولى ثم تقدموا فقاتلوا أهل الكوفة وخرج إلى شيعة بني العباس ومواليهم فاقتتلوا إلى الليل وكان شعارهم‏:‏ يا أبا إبراهيم يا منصور لا طاعة للمأمون وعليهم السواد وعلى أهل الكوفة الخضرة‏.‏

فلما كان الغد اقتتلوا وكان كل فريق منهم إذا غلب على شيء أحرقه ونهبه فلما رأى ذلك رؤساء أهل الكوفة خرجوا إلى سعيد فسألوه الأمان للعباس وأصحابه فأمنهم على أ ن يخرجوا من الكوفة فأجابوه إلى ذلك ثم أتوا العباس فأعلموه ذلك فقبل منهم وتحول عن داره فشغب

أصحاب العباس بن موسى على من بقي من أصحاب سعيد وقاتلوهم فانهزم أصحاب سعيد إلى الخندق ونهب أصحاب العباس دور عيسى بن موسى وأحرقوا وقتلوا من ظفروا به‏.‏

فأرسل العباسيون إلى سعيد وهوبالحيرة يخبرونه أن العباس بن موسى قد رجع عن الأمان فركب سعيد وأصحابه وأتوا الكوفة عتمة فقتلوا من ظفروا به ممن انتهب وأحرقوا ما معهم من النهب فمكثوا عامة الليل فخرج إليهم رؤساء الكوفة فأعلموهم أن هذا فعل الغوغاء وأن العباس لم يرجع عن الأمان فانصرفوا عنهم‏.‏

فلما كان الغد دخلها سعيد وأبوالبط ونادوا بالأمان ولم يعرضوا إلى أحد وولوا على الكوفة الفضل بن محمد بن الصباح الكندي ثم عزلوه لميله إلى أهل بلده واستعملوا مكانه غسان بن أبي الفرج ثم عزلوه بعد ما قتل أبا عبد الله أخا أبي السرايا واستعملوا الهول ابن أخي سعيد فلم يول عليها حتى قدمها حميد بن عبد الحميد فهرب الهول‏.‏

وأمر إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد أن يسير إلى ناحية واسط على طريق النيل وأمر ابن عائشة الهاشمي ونعيم بن حازم أن يسرا جميعا ولحق بهما سعيد وأبوالبط والإفريقي وعسكروا جميعًا بالصيادة قرب واسط عليهم جميعًا عيسى بن محمد فكانوا يركبون ويأتون عسكر الحسن بواسط فلا يخرج إليهم منهم أحد وهم متحصنون بالمدينة‏.‏

ثم إن الحسن أمر أصحابه بالخروج إليهم فخرجوا إليهم لأربع بقين من رجب فاقتتلوا قتالًا شديدًا إلى الظهر وانهزم عيسى وأصحابه حتى بلغوا طرنايا والنيل وغمنوا عسكر عيسى وما فيه‏.‏

ذكر الظفر بسهل بن سلامة

وفي هد السنة ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل بن سلامة المطوع فحبسه وعاقبه‏.‏

وكان سبب ظفره به أن سهلًا كان مقيمًا ببغداد يدعوإلى الأمر المعروف والنهي عن المنكر فاجتمع إليه أهل بغداد فلما انهزم عيسى أقبل هوومن معه نحوسهل بن سلامة لأنه كان يذكرهم بأقبح أعمالهم ويسميهم الفساق فقاتلوه أياما حتى صاروا إلى الدروب وأعطوا أصحابه الدراهم الكثيرة حتى تنحوا عن الدروب فأجابوا إلى ذلك‏.‏

فلما كان السبت لخمس بقين من شعبان قصدوه من كل وجه وخذله أهل الدروب لأجل الدراهم التي أخذوها حتى وصل عيسى وأصحابه إلى منزل سهل فاختفى منه واختلط بالنظارة فلم يروه في منزله فجعلوا عليه العيون فلما كان الليل أخذوه وأتوا به إسحاق بن الهادي فكلمه فقال‏:‏ إمنا كانت دعوتي عباسية وإمنا كنت أدعوإلى العمل بالكتاب والسنة وأنا على ما كنت عليه أدعوكم إليه الساعة فقالوا له‏:‏ اخرج إلى الناس فقل لهم إن ما كنت أدعوكم إليه باطل فخرج فقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة وأنا أدعوكم إليه الساعة‏:‏ فضربوه وقيدوه وشتموه وسيروه إلى إبراهيم بن المهدي بالمدائن فلما دخل عليه كلمه به إسحاق بن الهادي فضربه وحبسه وأظهر أنه قتل خوفًا من الناس لئلا يعلموا مكانه فيخرجوه وكان ما بين خروجه وقبضة اثنا عشر شهرًا‏.‏  ‏‏ ‏ ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏