المجلد الخامس - ذكر ولاية عبد الله بن طاهر الرقة

حوادث سنة ست ومائتين

وفي هذه السنة ولى المأمون عبد الله بن طاهر من الرقة إلى مصر وأمره بحرب نصر بن شبث‏.‏

وكان سبب ذلك أن يحيى بن معاذ الذي كان المأمون ولاة الجزيرة مات في هذه السنة واستخلف ابنه أحمد فاستعمل المأمون عبد الله مكانه فلما أراد توليته أحضره وقال له‏:‏ يا عبد الله أستخير الله تعالى منذ شهر وأكثر وأرجو أن يكون قد خار لي ورأيت الرجل يصف ابنه لرأيه فيه ورأيتك فوق ما قال أبوك فيك وقد مات يحيى واستخلف ابنه وليس بشيء وقد رأيت توليتك مصر ومحاربة نصر بن شبث‏.‏

فقال‏:‏ السمع والطاعة وأرجو أن يجعل الله لأمير المؤمنين الخيرة وللمسلمين فعقد له وقيل كانت ولايته سنة خمس ومائتين وقيل سبع ومائتين‏.‏

ولما سار استخلف على الشرطة إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب وهوابن عمه ولما استعمله المأمون كتب إليه أبوه طاهر كتابًا فيه كل ما يحتاج إليه الأمراء من الآداب والسياسة وغير ذلك وقد اثبت منه أحسنه لما فيه من الآداب والحث على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم لأنه لا يستغني عنه أحد من ملك وسوقة وهو‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فعليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته ومراقبته عز وجل ومزايلة سخطه وحفظ رعيتك في الليل والنهار والزم ما ألبسك من العافية بالذكر لمعادك وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسؤول عنه والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله عز وجل وينجيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه فإن الله سبحانه وتعالى قد أحسن إليك وأوجب عليك الرأفة بمن استرعاك أمرهم من عباده وألزمك العدل عليهم والقيام بحقه وحدوده فيهم والذب عنهم والدفع عن حريمهم وبيضتهم والحقن لدمائهم والأمن لسبيلهم وإدخال الراحة عليهم ومؤاخذك بما فرض عليك وموقفك عليه ومسائلك عنه ومثيبك عليه بما قدمت وأخرت ففرغ لذلك فهمك وعقلك ونظرك ولا يشغلك عنه شاغل وإنه رأس أمرك وملاك شأنك وأول ما يوفقك الله عز وجل به لرشدك‏.‏

وليكن أول ما تلزم نفسك وتنسب إليه أفعالك المواظبة على ما افترض الله عز وجل عليك من الصلوات الخمس والجماعة عليها بالناس فأت بها في مواقيتها على سننها وفي إسباغ الوضوء لها وافتتاح ذكر الله عز وجل فيها وترتل في قراءتك وتمكن في ركوعك وسجودك وتشهدك وليصدق فيه رأيك ونيتك واحضض عليها جماعة من معك وتحت يد وادأب عليها فإنها كما قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 45‏]‏‏.‏ ثم أتبع ذلك بالأخذ بسنن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمثابرة على خلافته واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخاره الله عز وجل وتقواه ولزوم ما أنزل الله ـ عز وجل ـ في كتابه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه وإتمام ما جاءت به الآثار عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قم فيه بما يحق الله عز وجل عليك ولا وآثر الفقه وأهله والدين وحملته وكتاب الله عز وجل والعاملين به فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في الدين والطلب له والحث عليه والمعرفة بما يتقرب به إلى الله عز وجل فإنه الدليل على الخير كله والقائد له والآمر به والناهي عن المعاصي والموبقات كلها ومع توفيق الله عز وجل يزداد العبد معرفة لله عز وجل وإجلالًا له ذكرًا للدرجات العلى في المعاد مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك والهيبة لسلطانك والأنسة بك والثقة بعدلك‏.‏

وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها فليس شيء أبين نفعا ولا أخص أمنا ولا أجمع فضلًا منه والقصد داعية إلى الرشد والرشد دليل على التوفيق والتوفيق قائد إلى السعادة وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد وأثره في دنياك كلها ولا تقصر في طلب الآخرة والأجر والأعمال الصالحة والسنن المعروفة ومعالم الرشد ولا غاية للاستكثار في البر والسعي له إذا كان يطلب به وجه الله تعالى ومرضاته ومرافقة أوليائه في دار كرامته‏.‏

واعلم أن القصد في شأن الدنيا يورث العز ويحصن من الذنوب وأنه لن تحوط لنفسك ومن يليك ولا تستصلح أمورك بأفضل منه فأته واهتد به تتم أمورك وتزد مقدرتك وتصلح خاصتك وعامتك‏.‏

وأحسن الظن بالله عز وجل تستقم لك رعيتك والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها تستدم

ولا تتهمن أحدًا من الناس فيما توليه من عملك قبل أن تكشف أمره فإن إيقاع التهم بالبداء والظنون السيئة بهم مأثم فاجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك واطرد عنك سوء الظن بهم وارفضه فيهم يغنك ذلك على اصطناعهم ورياضتهم ولا يجدن عدوالله الشيطان في أمرك مغمزا فإنه إمنا يكتفي بالقليل من وهنك ويدخل عليك من الغم في سوء الظن ما ينغصك لذاذة عيشك‏.‏

واعلم أنك تجد بحسن الظن قوة وراحة وتكتفي به ما أحببت كفايته من أمورك وتدعوبه الناس إلى محبتك والاستقامة في الأمور كلها لك ولا يمنعنك حسن الظن بأصحابك والرأفة برعيتك أن تستعمل المسألة والبحث عن أمورك ولتكن المباشرة لأمور الأولياء والحياطة للرعية والنظر فيما يقيمها ويصلحهأن والنظر في حوائجهم وحمل مؤوناتهم آثر عندك مما سوى ذلك فإنه أقوم للدين وأحيا للسنة‏.‏

واخلص نيتك في جميع هذا وتفرد بتقويم نفسك تفرد من يعلم أنه مسؤول عما صنع ومجزي بما أحسن ومأخوذ بما أساء فإن الله عز وجل جعل الدين حرزًا وعزا ورفع من اتبعه وعززه فاسلك بمن تسوسه وترعاه نهج الدين وطريقة الهدى‏.‏

وأقم حدود الله عز وجل في أصحاب الجرائم على قدر منازلهم وما استحقوه ولا تعطل

ذلك ولا تهاون به ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة فإن في تريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك واعتزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة وجانب البدع والشبهات يسلم لك دينك وتقم لك مروءتك‏.‏

وإذا عاهدت عهدًا فف به وإذا وعدت خيرًا فأنجزه واقبل الحسنة وادفع بها وأغمض عن عيب كل ذي عيب من رعيتك واشدد لسانك عن قول الكذب والزور وأبغض أهله وأقص أهل المنيمة فإن أول فساد أمورك في عاجلها وآجلها تقريب الكذوب والجرأة على الكذب لأن الكذب رأس المآثم والزور والمنيمة خاتمتها لأن المنيمة لا يسلم صاحبها وقائلها ولا يسلم له صاحب ولا يستتم لمطيعها أمر‏.‏

وأحب أهل الصلاح والصدق وأعن الإشراف بالحق وآس الضعفاء وصل الرحم وابتغ بذلك وجه الله تعالى وإعزاز أمره والتمس فيه ثوابه والدار الآخرة واجتنب سوء الأهواء والجور واصرف عنهما رأيك وأظهر براءتك في ذلك رعيتك وأنعم بالعدل سياستهم وقم بالحق فيهم وبالمعرفة التي تنتهي بك إلى سبيل الهدى‏.‏

واملك نفسك عند الغضب وآثر الوقار والحلم وإياك والحدة والطيرة والغرور فيما أنت بسبيله وإياك أن تقول‏:‏ أنا مسلط أفعل ما أشاء فإن ذلك سريع فيك إلى نقص الرأي وقلة اليقين وأخلص لله وحده لا شريك له النية فيه واليقين به واعلم أن الملك لله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة إلى أحد أسرع منه إلى حملة النعمة من أصحاب السلطان والمبسوط لهم في الدولة إذا كفروا نعم الله عز وجل وإحسانه واستطاعوا بما آتاهم الله عز وجل من فضله‏.‏

ودع عنك شره نفسك ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تذخر وتكنز البر والتقوى والمعدلة واستصلاح الرعية وعمارة بلدهم والتفقد لأمورهم والحفظ لدمائهم والإغاثة لملهوفهم واعلم أن الأموال إذا كنزت وذخرت في الخزائن لا تمنو وإذا كانت في صلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف مؤونة عنهم سمت وزكت ومنت وصلحت به العامة وتزينت به الولاية وطاب به الزمان واعتقد فيه العز والمنعة فليكن كنز خزائنك تفريق الأموال في عمارة الإسلام وأهله ووفر منه على أولياء أمير المؤمنين فتلك حقوقهم وأوف رعيتك من ذلك حصصهم وتعهد ما يصلح أمورهم ومعاشهم فإنك إن فعلت ذلك قرت النعمة عليك واستوبت المزيد من الله عز وجل وكنت بذلك على جباية خراجك وجمع أموال رعيتك وعملك أقدر وكان الجميع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسلس لطاعتك وأطيب نفسًا بكل ما أردت واجهد نفسك فيما حددت لك في هذا الباب ولتعظم حسنتك فيه وإمنا يبقى من المال ما أنفق في سبيل الله وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها هول الآخرة فتهاون بما يحق عليك فإن التهاون بورث التفريط والتفريط يورث البوار وليكن عملك له عز وجل وارج الثواب فيه فإن الله سبحانه قد أسبغ عليك نعمته وأسبغ لديك فضله واعتصم بالشكر وعليه فاعتمد يزدك الله خيرًا وإحسانا فغن الله عز وجل يثيب بقدر شكر الشاكرين وسيرة المحسنين‏.‏

ولا تحقرن دينا ولا تمالئن حاسدا ولا ترحمن فاجرا ولا تصلن كفورا ولا تدهنن عدوًا‏.‏

ولا تصدقن مناما ولا تأمنن غدارا ولا توالين فاسقا ولا تبتغين عاديًا ولا تحمدن مرائيا ولا تحقرن إنسانا ولا تردن سائلًا فقيرا ولا تحبن باطلا ولا تلاحظن مضحكا ولا تخلفن وعدا ولا ترهقن فاجرًا فجر ولا تركبن سفها ولاتظهرن غضبا ولا تمشين مرحا ولا تفرطن في طلب الآخرة ولا تدفع الأيام عتابًا ولا تغمضن عن ظالم رهبة منه أومحاباة ولا تطلبن ثواب الآخرة في الدنيا‏.‏

وأكثر مشاورة الفقهاء واستعمل نفسك بالحلم وخذ عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي والحكمة ولاتدخلن في مشورتك أهل الذمة والنحل ولاتسمعن لهم قولا فإن ضررهم أكثر من منفعتهم وليس شيء أسرع فسادًا لما استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح واعلم أنك إذا كنت حريصًا كنت كثير الأخذ قليل العطية وإذا كنت كذلك لم يستقم لك أمرك إلا قليلا فإن

رعيتك إمنا تعقد على محبتك بالكف عن أموالهم وترك الجور عليهم ويدوم صفاء أوليائك بالإفضال عليهم وحسن العطية لهم واجتنب الشح والعم أنه أول ما عصى الإنسان به ربه وأن العاصي بمنزلة خزي وهوقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 9‏]‏‏.‏ واجعل للمسلمين كلهم من بينك حظًا ونصيبا وأيقن أن الجود من أفضل أعمال العباد فاعدده لنفسك خلقا وسهل طريق الجود بالحق وارض به عملًا ومذهبا وتفقد أمور الجند في دواوينهم ومكاتبهم وأدرر عليهم أرزاقهم ووسع عليهم في معايشهم يذهب الله عز وجل بذلك فاقتهم فيقوي لك أمرهم وتزيد به قلوبهم في طاعتك في أمرك خلوصًا وانشراحًا‏.‏

وحسب ذي السلطان من السعادة أن يكون على جنده ورعيته رحمة في عدله وحيطته وإنصافه وعنايته وشفقته وبره وتوسيعه فزايل مكروه إحدى البليتين باستشعار فضيلة الباب الآخر ولزوم العمل به تلق إن شاء الله ـ تعالى ـ نجاحًا وفلاحًا‏.‏

واعلم أن القضاء بالعدل من الله تعالى بالمكان الذي ليس يعدل به شيء من الأمور لأنه ميزان الله الذي يعدل عليه أحوال الناس في الأرض وبإقامة العدل في القضاء والعمل تصلح أحوال الرعية وتأمن السبل وينتصف المظلوم ويأخذ الناس حقوقهم وتحسن المعيشة ويؤدي حق

واشتد في أمر الله عز وجل وتورع عن النطف وامض لإقامة الحدود وأقلل العجلة وابعد عن الضجر والقلق واقنع بالقسم وانتفع بتجربتك وانتبه في صمتك من رعيتك محاباة ولا محاماة ولا لوم لائم وتثبت وتأن وراقب وانظر الحق على نفسك فتدبر وتفكر واعتبر وتواضع لربك وارؤف بجميع الرعية وسلط الحق على نفسك‏.‏

ولا تسرعن إلى سفك دم فإن الدماء من الله عز وجل بمكان عظيم انتهاكًا لها بغير حقها وانظر هذا الخراج الذي استقامت عليه الرعية وجعله الله للإسلام عزًا ورفعةً ولأهله توسعةً ومنعةً ولعدوه وعدوهم كبتًا وغيظا ولأهل الكفر من معانديهم ذلًا وصغارا فوزعه بين أصحابك بالحق والعدل والتسوية والعموم فيه ولا ترفعن منه شيئًا عن شريف لشرفه ولا عن غني لغناه ولا عن كاتب ولا عن أحد من خاصتك وحاشيتك ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له ولا تكلف أمرًا فيه شطط واحمل الناس كلهم على مر الحق فإن ذلك أجمع لألفتهم وألزم لرضاء العامة‏.‏

واعلم أنك جعلت بولايتك خازنا وحافظا وراعيا وإمنا سمي أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيمهم تأخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ومقدرتهم وتنفذه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم فاستعمل عليهم ذوي الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعمل والعلم

بالسياسة والعفاف ووسع عليهم في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلدت وأسند إليك ولا يشغلك عنه شاغل ولا يصرفك عنه صارف فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك وحسن الأحدوثة في عملك وأحرزت به المحبة من رعيتك وأعنت على الصلاح ودرت الخيرات في بلدك وفشت العمارة بناحيتك وظهر الخصب في كورك وكثر خراجك وتوفرت أموالك وقويت بذلك على ارتباط جندك وإرضاء العامة بإفاضة العطاء فيهم من نفسك وكنت محمود السياسة مرضي العدل في ذلك عند عدوك وكنت في أمورك كلها ذا عدل وآلة وقوة وعدة فنافس في ذلك ولا تقدم عليه شيئًا تحمد مغبة أمرك إن شاء الله تعالى‏.‏

واجعل في كل كورة من عملك أمينًا يخبرك أخبار عمالك ويكتب إليك بسيرتهم وأعمالهم حتى كأنك مع كل عامل في عمله معاين لأموره كلها فإن أردت أن تأمرهم بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك فإن رأيت السلامة فيه والعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والنصح والصنع فأمضه وإلا فتوقف عنه وراجع أهل البصر والعلم به ثم خذ فيه عدته فإنه ربما نظر الرجل في أمر من أموره قدره وأتاه على ما يهوى فأغواه ذلك وأعجبه فإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره فاستعمل الحزم في كل ما أردت وباشره بعد عون الله عز وجل بالقوة وأكثر استخارة ربك في جميع أمورك وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره لغدك واكثر مباشرته بنفسك فإن لغد أمورًا وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت‏.‏

واعلم أن اليوم إذا مضى ذهب بما فيه وإذا أخرت عمله اجتمع عليك أمور يومين فيشغلك ذلك حتى تعرض عنه وإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت نفسك وبدنك وأحكمت أمور سلطانك‏.‏

وانظر أحرار الناس وذوي السن منهم ممن تستيقن صفاء طويتهم وشهدت مودتهم لك ومظاهرتهم بالنصح والمخالصة على أمرك فاستخلصهم وأحسن إليهم‏.‏

وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة فاحتمل مؤونتهم وأصلح حالهم حتى لا يجدوا لخلتهم مسا وأفرد نفسك بالنظر في أمور الفقراء والمساكين ومن لا يقدر على رفع مظلمة إليك والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه فسل عنه أحفى مسألة ووكل بأمثاله أهل الصلاح من رعيتك ومرهم برفع حوائجهم وحالاتهم إليك لتنظر فيها بما يصلح الله به أمرهم‏.‏

وتعاهد ذوي البأساء وأيتامهم وأراملهم وأجعل لهم أرزاقًا من بيت المال اقتداء بأمير المؤمنين أعزه الله في العطف عليهم والصلة لهم ليصلح الله بذلك عيشهم ويرزقك به بركة وزيادة وأجر للأضراب من بيت المال وقدم حملة القرآن منهم والحافظين لأكثره في الجرائد على غيرهم وانصب لمرضى المسلمين دورًا تؤويهم وقوامًا يرفقن بهم وأطباء يعالجون أسقامهم وأسعفهم بشهواتهم ما لم يؤد ذلك إلى سرف في بيت المال‏.‏

واعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم وأفضل أمانيهم لم يرضهم ذلك ولم تطل أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى ولاتهم طمعًا في نيل الزيادة وفضل الرفق منهم وربما تبرم المتصفح لأمور الناس لكثرة ما يرد عليه ويشغل فكره وذهنه منها ما يناله به من مؤونة ومشقة وليس من يرغب في العدل ويعرف محاسن أموره في العاجل وفضل ثواب الآجل كالذي يستثقل بما يقربه إلى اله تعالى ويلتمس رحمته‏.‏

وأكثر الإذن للناس عليك وابرز لهم وجهك وسكن لهم حواسك واخفض لهم جناحك وأظهر لهم بشرك ولن لهم في المسألة والنطق واعطف عليهم بجودك وفضلك‏.‏

وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس والتماس للصنيعة والأجر من غير تكدير ولا امتنان فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله تعالى‏.‏

واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى قبلك من أهل السلطان والرئاسة في القرون الخالية والأمم البائدة ثم اعتصم في أحوالك كلها بأمر الله والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسننه وإقامة دينه وكتابه واجتنب ما فارق ذلك وخالف ما دعا إلى سخط الله عز وجل‏.‏

وأكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتهم وليكن هواك أتباع السنن وإقامتها وإيثار مكارم الأمور ومعاليها وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيبًا لم تمنعه هيبتك من إنهاء ذلك إليك في سرك وإعلامك ما فيه من النقص فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل منهم في كل يوم وقتًا يدخل فيه عليك بكتبه ومؤامرته وما عنده من حوائج عمالك وأمور كورك ورعيتك ثم فرغ لما يورده عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك وكرر النظر فيه والتدبر له فما كان موافقًا للحق والحزم فأمضه واستخر الله عز وجل فيه وما كان مخالفًا لذلك فاصرفه إلى التثبت فيه والمسألة عنه‏.‏

ولا تمتن على رعيتك ولا غيرهم بمعروف تأتيه إليهم ولا تقبل من أحد منهم إلا الوفاء والاستقامة والعون في أمور أمير المؤمنين ولا تضعن المعروف إلا على ذلك وتفهم كتابي إليك وأكثر النظر فيه والعمل به واستعن بالله على جميع أمورك وأسخره فإن الله عز وجل مع الصلاح وأهله وليكن أعظم سيرتك وأفضل عيشك ما كان لله عز وجل رضىً ولدينه نظاما ولأهله عزًا وتمكينا ولذمة وللملة عدلًا وصلاحًا وأنا أسأل الله أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءتك والسلام‏.‏

فلما رأى الناس هذا الكتاب تنازعوه وكتبوه وشاع أمره وبلغ المأمون خبره فدعا به فقرئ عليه فقال‏:‏ ما بقى أبوالطيب يعني طاهرًا شيئًا من أمر الدنيا والدين والتدبير والرأي والسياسة وإصلاح الملك والرعية وحفظ السلطان وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلا وقد أحكمه وأوصى به‏.‏

وأمر المأمون فكتب به إلى جميع العمال في النواحي فسار عبد الله إلى عمله فاتبع ما أمر به وعهد إليه وسار بسيرته‏.‏

ذكر موت الحكم بن هشام

وفي هذه السنة مات الحكم بن هشام بن عبد الرحمن صاحب الأندلس لأربع بقين من ذي الحجة وكانت بيعته في صفر سنة ثمانين ومائة وكان عمره اثنتين وخمسين سنة وكنيته أبوالعاص وهولأم ولد وكان طويلًا أسمر نحيفا وكان له تسعة عشر ذكرا وله شعر جيد وهوأول من جند بالأندلس الأجناد المرتزقين وجمع الأسلحة والعدد واستكثر من الحشم والحواشي وارتبط الخيول على بابه وشابه الجبابرة في أحواله واتخذ المماليك وجعلهم في المرتزقة فبلغت عدتهم خمسة آلاف مملوك وكانوا يسمون الخرس لعجمة ألسنتهم وكانوا يومًا على باب قصره‏.‏

وكان يطلع على الأمور بنفسه ما قرب منها وبعد وكان له نفر من ثقات أصحابه بطالعونه بأحوال الناس فيرد عنهم المظالم وينصف المظلوم وكان شجاعا مقداما مهيبًا وهوالذي وطأ لعقبه الملك بالأندلس وكان يقرب الفقهاء وأهل العلم‏.‏

ذكر ولاية ابنه عبد الرحمن

لما مات الحكم بن هشام قام بالملك بعده ابنه عبد الرحمن ويكنى أبا المطرف واسم أمه حلاوة وكان بكن والده ولد بطليطلة أيام كان أبوه الحكم يتولاها لأبيه هشام ولد لسبعة أشهر وجد ذلك بخط أبيه‏.‏

وكان جسيما وسيما حسن الوجه فلما ولي خرج عليه عم أبيه عبد الله البلنسي وطمع بموت الحكم وخرج من بلنسية يريد قرطبة فتجهز له عبد الرحمن فلما بلغ ذلك عبد الله خاف وضعفت نفسه فرجع إلى بلنسية ثم مات في أثناء ذلك سريعًا ووقى الله ذلك الطرف شره‏.‏

فلما مات نقل عبد الرحمن أولاده وأهله إليه بقرطبة وخلصت الإمارة بالأندلس لولد هشام بن عبد الرحمن‏.‏

وفيها عزل الحسن بن موسى الأشيب عن قضاء الموصل فانحدر إلى بغداد وتولى القضاء بها علي بن أبي طالب الموصلي‏.‏

وفيها ولى المأمون داود بن ماسحور محاربة الزط وأعمال البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين‏.‏

وفيها كان المد عظيمًا غرق فيه السواد وكسكر وقطيعة أم جعفر وهلك فيه من الغلات كثير‏.‏

وفيها نكب بابك الخرمي عيسى بن محمد بن أبي خالد وحج بالناس هذه السنة عبيد الله بن الحسن العلوي وهوأمير الحرمين‏.‏

وفيها غزا المسلمون من إفريقية جزيرة سردانية فغمنوا وأصابوا من الكفار وأصيب منهم ثم عادوا‏.‏

وفيها توفي الهيثم بن عدي الطائي الإخباري وكان عابدا ضعيفًا في الحديث وعبد الله بن عمروبن عثمان بن أمية الموصلي وهومن أصحاب سفيان الثوري‏.‏

وفيها توفي محمد بن المستنير والمعروف بقطرب النحوي أخذ النحومن سيبويه‏.‏

وفيها توفي أبوعمروإسحاق بن مرار الشيباني اللغوي‏.‏

حوادث سنة سبع ومائتين

ذكر خروج عبد الرحمن بن أحمد باليمن


في هذه السنة خرج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ببلاد عك في اليمن يدعوإلى الرضي من آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

وكان سبب خروجه أن العمال باليمن أساؤوا السيرة فيهم فبايعوا عبد الرحمن هذا فلما بلغ المأمون ذلك وجه إليه دينار بن عبد الله في عسكر كثيف وكتب معه بأمانه فحضر دينار الموسم وحج‏.‏

ثم سار إلى اليمن فبعث إلى عبد الرحمن بأمانه فقبله ودخل في طاعة المأمون ووضع يده في يد دينار فخرج به إلى المأمون عند ذلك الطالبيين من الدخول عليه وأمرهم بلبس السواد وذلك لليلتين بقيتا من ذي العقدة‏.‏

ذكر وفاة طاهر بن الحسين

وفي هذه السنة في جمادى الأولى مات طاهر بن الحسين من حمى أصابته وإنه وجد في فراشه ميتًا‏.‏

وقال كلثوم بن ثابت بن أبي سعيد‏:‏ كنت على بريد خراسان فلما كان سنة سبع ومائتين حضرت الجمعة فصعد طاهر المنبر فخطب فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له وقال‏:‏ اللهم أصلح أمة محمد بما أصلحت به أولياءك واكفنا مؤونة من بغى علينا وحشد فيها بلم الشعث وحقن الدماء وإصلاح ذات البين‏.‏

قال‏:‏ فقلت في نفسي‏:‏ أنا أول مقتول لأني لا أكتم الخبر‏.‏

قال‏:‏ فانصرفت فاغتسلت غسل الموتى وتكفنت وكتبت إلى المأمون فلما كان العصر دعاني وحدث به حادث في جفن عينه وسقط ميتا فخرج إلي ابنه طلحة قال‏:‏ هل كتبت بما كان قلت‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ فاكتب بوفاته‏!‏ فكتبت بوفاته وبقيام طلحة بأمر الجيش فوردت الخريطة على المأمون بخلعه فدعا احمد بن أبي خالد فقال‏:‏ سر فأت بطاهر كما زعمت وضمنت فقال‏:‏ أبيت الليلة فقال‏:‏ لأن فلم يزل حتى أذن له في المبيت‏.‏

ووافت الخريطة الأخرى ليلًا بموته فدعاه فقال‏:‏ قد مات طاهر فمن ترى قال‏:‏ ابنه طلحة قال‏:‏ اكتب بتوليته‏!‏ فكتب بذلك فأقام طلحة واليًا على خراسان في أيام المأمون سبع سنين ثم توفي وولى عبد الله خراسان‏.‏

ولما ورد موت طاهر على المأمون قال‏:‏ لليدين وللفم الحمد لله الذي قدمه وأخرنا‏!‏ وكان

يا ذا اليمينين وعين واحدة نقصان عين ويمين زائدة يعني أن لقبه كان ذا اليمينين وكانت كنيته أبا الطيب وقد قيل إن طاهرًا لما مات انتهب الجند بعض خزائنه فقام بأمرهم سلام الأبرش الخصي وأعطاهم رزق ستة أشهر‏.‏

وقيل استعمل المأمون على عمله جميعه ابنه عبد اله بن طاهر فسير إلى خراسان أخاه طلحة وكان عبد الله بالرقة على حرب نصر بن شبث فلما توجه طلحة إلى خراسان سير المأمون إليه أحمد بن أبي خالد ليقوم بأمره فعبر أحمد إلى ما وراء النهر وافتتح أشروسنة واسر كاوس بن صارخره وابنه الفضل وبعث بهما إلى المأمون وهب طلحة لأحمد ابن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضًا بألفي ألف درهم ووهب لإبراهيم بن العباس كاتب أحمد خمسمائة ألف درهم‏.‏

ذكر ما كان بالأندلس

في هذه السنة وفي هذه السنة وقع عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس بجند البصراة وأهلها وهي الوقعة المعروفة بوقعة بالس‏.‏

وكان سببها أن الحكم كان قد بلغه عن عامل اسمه ربيع أنه ظلم الأبناء أهل الذمة فقبض عليه وصلبه قبل وفاته فلما توفي وولي ابنه عبد الرحمن سمع الناس بصلب ربيع فأقبلوا إلى قرطبة من النواحي يطلبون الأموال التي كان ظلمهم بها ظنا بها ظنًا منهم أنها ترد إليهم وكان أهل إلبيرة أكثرهم طلبًا وإلحاحًا فيه وتألبوا فبعث إليهم عبد الرحمن من يفرقهم ويسكتهم فلم يقبلوا ودفعوا ن أتاهم فخرج إليهم جمع من الجند وأصحاب عبد الرحمن فقاتلوهم فانهزم جند إلبيرة ومن معهم وقتلوا قتلًا ذريعا ونجا الباقون منهزمين ثم طلبوا بعد ذلك فقتلوا كثيرًا منهم‏.‏

وفيها ثارت بمدينة تدمير فتنة من المضرية واليمانية فاقتتلوا بلورقة وكان بينهم وقعة تعرف بيوم المضارة قتل منهم ثلاثة آلاف رجل ودامت الحرب بينهم سبع سنين فوكل بكفهم ومنعهم يحيى بن عبد الله بن خالد وسيره في جميع الجيش فكانوا إذا أحسوا بقرب يحيى تفرقوا وتركوا القتال وإذا عاد عنهم رجعوا إلى الفتنة والقتال حتى عيي أمرهم‏.‏

وفيها كان بالأندلس مجاعة شديدة ذهب فيها خلق كثير وبلغ المد في بعض البلاد ثلاثين دينارًا‏.‏

تدمير بالتاء فوقها نقطتان والدال المهملة والياء تحتها نقطتان ثم راء‏.‏

وفيها غلا السعر بالعراق حتى بلغ القفيز من الحنطة بالهاروني أربعين درهمًا إلى الخمسين‏.‏

وفيها ولي محمد بن حفص طبرستان والرويان ودنباوند وحج بالناس أبوعيسى بن الرشيد‏.‏

وفيها أمر المأمون السيد بن أنس والي الموصل بقصد بني شيبان وغيرهم من العرب لإفسادهم في البلاد فسار إليهم وكبسهم بالدسكرة فقتلهم ونهب أموالهم وعاد‏.‏

وفيها توفي وهب بن جرير الفقيه وعمر بن حبيب العدوي القاضي وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد وعبد العزيز بن أبان القرشي قاضي واسط وجعفر بن عون بن جعفر بن عمروبن حريث المخزومي الفقيه وبشر بن عمر الزاهد الفقيه وكثير بن هشام وأزهر بن سعيد السمان وأبوالنضر هشام بن القاسم الكناني‏.‏

وفيها توفي محمد بن عمر بن واقد الواقدي وكان عمره ثمانيًا وسبعين سنة وكان عالمًا بالمغازي واختلاف العلماء وكان يضعف في الحديث‏.‏

وفيها توفي محمد بن أبي رجاء القاضي وهومن أصحاب أبي يوسف صاحب أبي حنيفة‏.‏

وفيها توفي محمد بن أبي عبد الله بن عبد الأعلى المعروف بابن كناسة وهوابن أخت إبراهيم بن أدهم وكان عالمًا بالعربية والشعر وأيام الناس‏.‏

وفيها توفي يحيى بن زياد أبوزكرياء الفراء النحوي الكوفي وأبوغامن الموصلي وزيد بن علي بن

حوادث سنة ثمان ومائتين


في هذه السنة سار الحسن بن الحسين بن مصعب من خراسان إلى كرمان فعصى بها فسار إليه أحمد بن أبي خالد فأخذه وأتى به المأمون فعفا عنه‏.‏

وفيها استقضي إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة وفيها عزل محمد بن عبد الرحمن المخزومي عن قضاء عسكر المهدي ووليه بشر بن الوليد الكندي فقال بعضهم‏:‏ يا أيها الرجل الموحد ربه قاضيك بشر بن الوليد حمار ينفي شهادة من يدين بما به نطق الكتاب وجاءت الآثار ويعد عدلًا من يقول بأنه شيخ يحيط بجسمه الأقطار وفيها مات موسى بن الأمين والفضل بن الربيع في ذي العقدة وحج بالناس صالح بن الرشيد‏.‏

وفيها هلك أليسع بن أبي القاسم صاحب سجلماسة فولى أهلها على أنفسهم أخاه المنتصر بن أبي القاسم واسول المعروف بمدرار وقد تقدم ذكرهم‏.‏وفيها سير عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس جيشًا إلى بلاد المشركين واستعمل عليه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث فساروا إلى ألبة والقلاع فنهبوا بلاد ألبة وأحرقوها وحصروا عدة من الحصون ففتحوا بعضها وصالحه بعضها على مال وإطلاق الأسرى من المسلمين فغمن أموالًا جليلة القدر واستنفذوا من أسارى المسلمين وسبيهم كثيرا فكان ذلك في جمادى الآخرة وعادوا سالمين‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن عبد الرحمن الأموي المعروف بالبلنسي صاحب بلنسية من الأندلس وقد تقدم من أخباره مع أخبار أبن أخيه الحكم ابن هشام كثير‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أبي بكر بن حبيب السهمي الباهلي ويونس ابن محمد المؤد والقاسم ابن الرشيد وسعيد بن تمام بالبصرة وعبد الله بن جعفر بن سليمان بن علي والحسن بن موسى الأشيب وقد كان سار ليتولى قضاء طبرستان فمات بالري‏.‏

وتوفي علي بن المبارك الأحمر النحوي صاحب الكسائي وقيل توفي في سنة ست وثمانين ومائة‏.‏

حوادث سنة تسع ومائتين

ذكر الصفر بنصر بن شبث


وفي هذه السنة حصر عبد الله بن طاهر نصر بن شبث بكيسوم وضيق عليه حتى طلب الأمان فقال محمد بن جعفر العامري‏:‏ قال المأمون لثمامة بن أشرس‏:‏ ألا تدلني على رجل من أهل الجزيرة له عقل وبيان يؤدي عني ما أوجبه إلى نصر قال‏:‏ بلى يا أمير المؤمنين محمد بن جعفر العامري فأمر بإحضاري فحضرت فكلمني بكلام أمرني أن أبلغه نصرا وهوبكفر عزون بسروج فأبلغته نصرا فأذعن وشرط شروطًا منها أن لا يطأ بساطه فلم يجبه المأمون إلى ذلك وقال‏:‏ ما باله ينفر مني قلت‏:‏ لجرمه وما تقدم من ذنبه‏.‏

قال‏:‏ أفتراه أعظم جرمًا من الفضل بن الربيع ومن عيسى بن محمد ابن أبي خالد أما الفضل فأخذ قوادي وأموالي وسلاحي وجميع ما أوصى به الرشيد لي فذهب به إلى محمد أخي وتركني بمروفريدًا وحيدا وسلمني وأفسد عليّ أخي حتى كان من أمره ما كان فكان أشد عليّ من كل شيء‏.‏

وأما عيسى بن أبي خالد فإنه طرد خليفتي من مدينتي ومدينة آبائي وذهب بخراجي وفيئي وأخرب داري وأقعد إبراهيم خليفة دوني‏.‏

قال قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أتأذن لي في الكلام قال‏:‏ تكلم‏.‏

قال قلت‏:‏ أما الفضل بن الربيع فإنه صنيعكم ومولاكم وحال سلفه حالهم فترجع إليه بضروب كلها تردك إليه‏.‏

وأما نصر فرجل لم يكن له يد قط فيحتمل كهؤلاء لمن مضى من سلفه وإمنا كانوا من جند بني أمية‏.‏

قال‏:‏ إنه كما تقول ولست أقلع عنه حتى يطأ بساطي‏.‏

قال‏:‏ فأبلغت نصرًا ذلك فصاح بالخيل فجالت إليه فقال‏:‏ ويلي عليه هولم يقوعلى أربعمائة ضفدع تحت جناحه يعني الزط يقوي علي بحلبة العرب فجاده عبد الله بن طاهر القتال وضيق عليه فطلب الأمان فأجابه إليه وتحول من معسكره إلى الرقة وصار إلى عبد الله وكانت مدة حصاره ومحاربته خمس سنين فلما خرج إليه أخرب عبد الله حصن كيسوم وسير نصرًا إلى المأمون وفصل إليه في صفر سنة عشر ومائتين‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها ولى المأمون علي بن صدقة المعروف بزريق على أرمينية وأذربيجان وأمره بمحاربة بابك وأقام بأمره أحمد بن الجنيد الإسكافي فأسره بابك فولى إبراهيم بن الليث بن الفضل أذربيجان‏.‏

وحج بالناس صالح بن العباس بن محمد بن علي‏.‏

وفيها خرج منصور بن نصير بإفريقية عن طاعة الأمير زيادة الله‏.‏

وكان منه ما ذكر ناه سنة اثنتين ومائتين‏.‏

وفيها توفي أبوعبيدة معمر بن المثنى اللغوي وقيل سنة عشر وكان يميل إلى مقالة الخوارج وكان عمره ثلاثًا وتسعين سنة وقيل مات سنة ثلاث عشرة وعمره ثمان وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي يعلي بن عبيد الطيالسي أبويوسف والفضل بن عبد الحميد الموصلي المحدث‏.‏

حوادث سنة عشر ومائتين

ذكر ظفر المأمون بابن عائشة


وفيها ظفر المأمون بإبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام المعروف بابن عائشة ومحمد بن إبراهيم الإفريقي ومالك بن شاهي ومن كان معهم ممن كان يسعى في البيعة لإبراهيم بن المهدي‏.‏

وكان الذي أطلعه عليهم وعلى صنيعهم عمران القطربلي وكانوا اتعدوا أن يقطعوا الجسر إذا خرج الجند يتلقون نصر بن شبث فمن عليهم عمران فاخذوا في صفر ودخل نصر بن شبث بغداد ولم يلقه أحد من الجند فأخذ ابن عائشة فأقيم على باب المأمون ثلاثة أيام في الشمس ثم ضربه بالسياط وحبسه وضرب مالك بن شاهي وأصحابه فكتبوا للمأمون بأسماء من دخل معهم في هذا الأمر من سائر الناس فلم يعرض لهم المأمون وقال‏:‏ لا آمن أن يكون هؤلاء قذفوا قومًا برآء‏.‏

ثم إنه قتل ابن عائشة وابن شاهي ورجلين من أصحابهما وكان سبب قتلهم أن المأمون بلغن أنهم يريدون أن ينقبوا السجن وكانوا قبل ذلك بيوم قد سدوا باب السجن فلم يدعوا أحدًا يدخل عليهم فلما بلغ المأمون خبرهم ركب إليهم بنفسه فأخذهم فقتلهم صبرا وصلب ابن عائشة وهوأول عباسي صلب في الإسلام ثم أنزل وكفن وصلى عليه ودفن في مقابر قريش‏.‏

ذكر الظفر بإبراهيم بن المهدي

وفي هذه السنة في ربيع الأول أخذ إبراهيم بن المهدي وهومتنقب مع امرأتين وهوفي زي امرأة أخذه حارس أسود ليلا فقال‏:‏ من أين أنتن وأين تردن هذا الوقت فأعطاه إبراهيم خاتم ياقوت كان في يده له قدر عظيم ليخليهن ولا يسألهن فلما نظر الحارس إلى الخاتم استرابهن وقال‏:‏ خاتم رجل له شأن ورفعهن إلى صاحب المسلحة فأمرهن أن يسفرن فامتنع إبراهيم فجذبه فبدت لحيته فدفعه إلى صاحب الجسر فعرفه فذهب به إلى باب المأمون فلما كان الغد أقعد إبراهيم في دار المأمون والمقنعة التي تقنع بها في عنقه والملحفة على صدره ليراه بنوهاشم والناس ويعلموا كيف أخذ ثم حوله إلى أحمد بن أبي خالد فحبسه عنده ثم أخرجه معه لما سار إلى فم الصلح إلى الحسن بن سهل فشفع فيه الحسن وقيل ابنته بوران‏.‏

وقيل إن إبراهيم لما أخذ حمل إلى دار أبي إسحاق المعتصم وكان المعتصم عند المأمون فحمل رديفًا لفرح التركي فلما دخل على المأمون قال‏:‏ هيه يا إبراهيم‏!‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ولي الثأر محكم في القصاص والعفوأقرب للتقوى ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الشقاء أمكن عادية الدهر من نفسه وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل كل ذي ذنب دونك فإن تعاقب فبحقك وإن تعف فبفضلك‏.‏

قال‏:‏ بل أعفو يا إبراهيم فكبر وسجد وقيل بل كتب إبراهيم هذا الكلام إلى المأمون وهومتخف فوقع المأمون في رقعته‏:‏ القدرة تذهب الحفيظة والندم توبة وبينهما عفوالله عز وجل وهوأكبر ما يسأله فقال إبراهيم يمدح المأمون‏:‏ يا خير من رقلت يمانية به بعد النبي آيس أوطامع وأبر من عبد الإله على التقى غيبًا وأقوله بحق صادع عسل الفوارع ما أطعت فإن تهج فالصاب يمزج بالسمام الناقع ملئت قلوب الناس منك مخافة وتبيت تكلؤهم بقلب خاشع بأبي وأمي فدية وأبيهما من كل معضلة وذنب واقع ما ألين الكنف الذي بواتني وطنًا وأمرع ربعه للراتع للصالحات أخًا جعلت وللتقي وأبًا رؤوفًا للفقير القانع نفسي فداؤك إذ تضل معاذري وألوذ منك بفضل حلم واسع أملًا لفضلك والفواضل شيمة رفعت بناءك للمحل اليافع فبذلت أفضل ما يضيق ببذله وسع النفوس من الفعال البارع وعفوت عمن لم يكن عن مثله عفوولم يشفع إليك بشافع إلا العلوعن العقوبة بعدما ظفرت يداك بمستكين خاضع فرجمت أطفالًا كأفراخ القطا وعويل عانسة كقوس النازع وعطفت آمرة علي كما وهى بعد انهياض الوثي عظم الظالع الله يعلم ما أقول كأنها جهد الألية من حنيف راكع رد الحياة علي بعد ذهابها ورع الإمام القادر المتواضع أحياك من ولاك أفضل مدة ورمى عدوك في الوتين بقاطع كم من يد لك لم تحدثني بها نفسي إذا آلت إلي مطامعي أسديتها عفوًا إلى هنيئة وشكرت مصطنعًا لأكرم صانع إلا يسيرًا عندما أوليتني وهوالكبير لدي غير الضائع إن أنت جدت بها علي تكن لها أهلًا وإن تمنع فأكرم مانع إن الذي قسم الخلافة حازها من صلب آدم للإمام السابع جمع القلوب عليك جامع أمرها وحوى رداؤك كل خير جامع فذكر أن المأمون قال حين أنشده هذه القصيدة‏:‏ أقول كما قال يوسف لإخوته‏:‏ ‏{‏لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 92‏]‏‏.‏

ذكر بناء المأمون ببوران

وفي هذه السنة بنى المأمون ببوران ابنه الحسن بن سهل بن رمضان وكان المأمون سار من بغداد إلى فم الصلح إلى معسكر الحسن بن سهل فنزله وزفت إليه بوران فلما دخل إليه المأمون كان عندها حمدونة بنت الرشيد وأم جعفر زبيدة أم الأمين وجدتها أم الفضل والحسن بن سهل‏.‏

فلما دخل نثرت عليه جدتها ألف لؤلؤة من أنفس ما يكون فأمر المأمون بجمعه فجمع فأعطاه بوران وقال‏:‏ سلي حوائجك فأمسكت فقالت جدتها‏:‏ سلي سيدك فقد أمرك فسألته الرضى عن إبراهيم بن المهدي فقال‏:‏ قد فعلت وسألته الإذن لأم جعفر في الحج فأذن لها وألبستها أم جعفر البدلة اللؤلؤية الأموية وابتنى بها في ليلته وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منًا‏.‏

وأقام المأمون عند الحسن سبعة عشر يومًا يعد له كل يوم ولجميع من معه ما يحتاج إليه وخلع الحسن على القواد على مراتبهم وحملهم ووصلهم وكان مبلغ ما لزمه خمسين ألف ألف درهم وكتب الحسن أسماء ضياعه في رقاع ونثرها على القواد فمن وقعت بيده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث فتسلمها‏.‏

ذكر مسير عبد الله بن طاهر إلى مصر

في هذه السنة سار عبد الله بن طاهر إلى مصر وافتتحها واستأمن إليه عبيد الله بن وكان سبب مسيره أن عبيد الله قد كان تغلب على مصر وخلع الطاعة وخرج من الأندلس فتغلبوا على الاسكندرية واشتغل عبد الله بن طاهر عنهم بمحاربة نصر بن شبث فلما فرغ منه سار نحومصر فلما قرب منها على مرحلة قدم قائدًا من قواده إليها لينظر موضعًا يعسكر فيه وكان ابن السري قد خندق على مصر خندقا فاتصل الخبر به من وصول القائد إلى ما قرب منه فخرج إليه في أصحابه فالتقى هووالقائد فاقتتلوا قتالًا شديدا وكان القائد في قلة فجال أصحابه وسير بريدًا إلى عبد الله بن طاهر بخبره فحمل عبد الله الرجال على البغال وجنبوا الخيل وأسرعوا السير فلحقوا بالقائد وهويقاتل ابن السري فلما رأى ابن السري ذلك لم يصبر بين أيديهم وانهزم عنهم وتساقط أكثر أصحابه في الخندق فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض كان أكثر من قتله الجند بالسيف‏.‏

ودخل ابن السري مصر وأغلق الباب عليه وعلى أصحابه وحاصره عبد الله فلم يعد ابن الرسي يخرج غليه وأنفذ إليه ألف وصيف ووصيفة مع كل واحد منهم ألف دينار فسيرهم ليلا فردهم ابن طاهر وكتب إليه‏:‏ لوقبلت هديتك نهارًا لقبلتها ليلًا ‏{‏بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 36 - 37‏]‏‏.‏

قال‏:‏ فحينئذ طلب الأمان‏.‏

وقيل‏:‏ كان سنة إحدى عشرة‏.‏

وذكر أحمد بن حفص بن أبي الشماس قال‏:‏ خرجنا مع عبد الله بن طاهر إلى مصر حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق إذ نحن بأعرابي قد اعترض فإذا شيخ على بعير له فسلم علينا فرددنا عليه السلام قال‏:‏ وكنت أنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي وإسحاق بن أبي ربعي ونحن نساير الأمير وكنا أفره منه دابة وأجود كسوة قال‏:‏ فجعل الأعرابي ينظر إلى وجوهنا قال فقلت‏:‏ يا شيخ قد ألححت في النظر أعرفت شيئًا أنكرته قال‏:‏ لا والله ما عرفتكم قبل يومي هذا ولكني رجل حسن الفراسة في الناس قال‏:‏ فأشرت إلى إسحاق بن أبي ربعي وقلت‏:‏ ما تقول في هذا فقال‏:‏ أرى كاتبًا داهي الكتابة بين عليه وتأديب العراق منير له حركات قد يشاهدن أنه عليم بتسيط الخراج بصير ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقي فقال‏:‏ ومظهر نسك ما عليه ضميره يحب الهدايا بالرجال مكور إخال به جبنًا وبخلًا وشيمة تخبر عنه أنه لوزير ثم نظر إلي وقال‏:‏ وهذا نديم للأمير ومؤنس يكون له بالقرب منه سرور ثم نظر إلى الأمير وقال‏:‏ وهذا الأمير المرتجى سيب كفه فما إن له في العالمين نظير عليه رداء من جمال وهيبة ووجه بإدراك النجاح بشير لقد عظم الإسلام منه يدي يد فقد عاش معروف ومات نكير إلا إمنا عبد الإله ابن طاهر لنا والد بر بنا وأمير قال‏:‏ فوقع ذلك من عبد الله أحسن موقع وأعجبه وأمر الشيخ بخمسمائة دينار وأمره أن يصحبه‏.‏

ذكر فتح عبد الله الإسكندرية

وفي هذه السنة أخرج عبد الله من كان تغلب على الإسكندرية من أهل الأندلس بأمان وكانوا قد أقلوا في مراكب من الأندلس في جمع والناس في فتنة بن السري وغيره فأرسلوا بالإسكندرية ورئيسهم يدعى أبا حفص فلم يوالوا بها حتى قدم ابن طاهر فأرسل يؤذنهم بالحرب إن هم لم يدخلوا في الطاعة فأجابوه وسألوه الأمان على أن يرتحلوا عنها إلى بعض أطراف الروم التي ليست من بلاد الإسلام فأعطاهم الأمان على ذلك فرحلوا ونزلوا بجزيرة قال يونس بن عبد الأعلى‏:‏ أقبل إلينا فتى حدث من المشرق يعني ابن طاهر والدنيا عندنا مفتونة قد غلب على كل ناحية من بلادنا غالب والناس في بلاء فأصلح الدنيا وأمن البرئ وأخاف السقيم واستوسقت له الرعية بالطاعة‏.‏

ذكر خلع أهل قم

في هذه السنة خلع أهل قم المأمون ومنعوا الخراج فكان سببه أن المأمون لما سار من خراسان إلى العراق أقام بالري عدة أيام واسقط عنهم شيئًا من خارجهم فطمع أهل قم أن يصنع بهم كذلك فكتبوا إليه يسألونه الحطيطة وكان خراجهم ألفي ألف درهم فلم يبهم المأمون إلى ما سألوا فامتنعوا من أدائه فوجه المأمون إليهم علي بن هشام وعجيف بن عنبسة فحارباهم فظفرا بهم وقتل يحيى بن عمران وهدم سور المدينة وجباها على سبعة آلاف ألف ردهم وكانوا يتظلمون من ألفي ألف‏.‏

ذكر ما كان بالأندلس

من الحوادث وفي هذه السنة سير عبد الرحمن بن الحكم سرية كبيرة إلى بلاد الفرنج واستعمل عليها عبيد اله المعروف بابن البلنسي فسار ودخل بلاد العدو وتردد فيها بالغارات والسبي والقتل والأسر ولقي الجيوش الأعداء في ربيع الأول فاقتتلوا فانهزم المشركون وكثر القتل فيهم وكان فتحًا عظيمًا‏.‏

وفيها افتتح عسكر سيره عبد الرحمن أيضًا حصن القلعة من أرض العدو وتردد فيها بالغارات منتصف شهر رمضان‏.‏

وفيها أمر عبد الرحمن ببناء المسجد الجامع بجيان‏.‏

وفيها أخذ عبد الرحمن رهائن أبي الشماخ محمد بن إبراهيم مقدم اليمانية بتدمير ليسكن الفتنة بين المضرية واليمانية فلم ينزجروا ودامت الفتنة فلما رأى عبد الرحمن ذلك أمر العامل بتدمير أن ينقل منها ويجعل مرسية منزلًا ينزله العمال ففعل ذلك وصارت مرسية هي قاعدة تلك البلاد من ذلك الوقت ودامت الفتنة بينهم إلى سنة ثلاث عشرة ومائتين فسير عبد الرحمن إليهم جيشا فأذعن أبوالشماخ وأطاع عبد الرحمن وسار إليه وصار من جملة قواده وأصحابه وانقطعت الفتنة من ناحية تدمير‏.‏

ذكر عدة حوادث

مات في هذه السنة شهريار بن شروين صاحب جبال طبرستان وصار في موضعه ابنه وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد وهووالي مكة‏.‏

وفيها توفيت علية بنت المهدي مولدها سنة ستين ومائة وكان زوجها موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فولدت منه‏.‏

حوادث سنة إحدى عشرة ومائتين

في هذه السنة أدخل عبيد الله بن السري بغداد وأنزل مدينة المنصور وأقام ابن طاهر بمصر واليًا عليها وعلى الشام والجزيرة وقال للمأمون بعض إخوته إن عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد علي بن أبي طالب وكذا كان أبوه قبله فأنكر المأمون ذلك فعاوده أخوه فوضع المأمون رجلًا قال له‏:‏ امش في هيئة القراء والنساك إلى مصر فادع جماعة من كبرائها إلى القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ثم صار إلى عبد الله بن طاهر غادعه إليه واذكر له مناقبه ورغبه فيه وابحث عن باطنه وأتني بما تسمع‏.‏

ففعل الرجل ذلك فاستجاب له جماعة من أعيانه فقعد بباب عبد الله بن طاهر فلما ركب قام إليه فأعطاه رقعة فلما عاد إلى منزله أحضره قال‏:‏ قد فهمت ما في رقعتك فهات ما عندك‏!‏ فقال‏:‏ ولي أمانك قال‏:‏ نعم‏!‏ فدعاه إلى القاسم وذكر فضله وزهده وعلمه‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ أتنصفني قال‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ هل يجب شكر الله على العباد قال‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ فتجيء إلي وأنا في هذه الحال لي خاتم في المشرق جائز وخاتم في المغرب جائز وفيما بينهما أمري مطاع ثم ما ألتفت عن يميني ولا شمالي وورائي وأمامي إلا رأيت نعمة لرجل أنعمها علي ومنة ختم بها رقبتي ويدًا لائحة بيضاء ابتدأني بها تفضلًا وكرما تدعوني إلى أن أكفر بهذه النعم وهذا الإحسان وتقول‏:‏ اغدر بمن كان أولى لهذا وأحرى واسع في إزالة خيط عنقه وسفك دمه تراك لودعوتني إلى الجنة عيانًا أكان الله يحب أن أغدر به وأكفر إحسانه وأنكث بيعته فسكت الرجل فقال له عبد الله‏:‏ ما أخاف عليك إلا نفسك فارحل عن هذا البلد فإن السلطان الأعظم إن بلغه ذلك كنت الجاني على نفسك ونفس غيرك‏.‏

فلما أيس منه جاء إلى المأمون فأخبره فاستبشر وقال‏:‏ ذلك غرس يدي وألف أدبي وترب تلقيحي ولم يظهر ذلك ولا علمه ابن طاهر إلا بعد موت المأمون وكان هذا القائل للمأمون المعتصم فإنه كان منحرفًا عن عبد الله‏.‏

ذكر قتل السيد بن أنس


وفيها قتل السيد بن أنس الأزدي أمير الموصل وسبب قتله أن زريق ابن علي بن صدقة الإزدي الموصلي كان قد تغلب على الجبال ما بين الموصل وأذربيجان وجرى بينه وبين السيد حروب كثيرة فلما كان هذه السنة جمع زريق جمعًا كثيرا قيل‏:‏ كانوا أربعين ألفا وسيرهم إلى الموصل لحرب السيد فخرج إليهم في أربعة آلاف فالتقوا بسوق الأحد فحين رآهم السيد حمل عليهم وحده وهذه كانت عادته أن يحمل وحده بنفسه وحمل عليه رجل من أصحاب زريق فاقتتلا فقتل كل واحد منهما صاحبه لم يقتل غيرهما‏.‏

وكان هذا الرجل قد حلف بالطلاق إن رأى السيد أن يحمل عليه فيقتله أويقتل دونه لأنه كان له على زريق كل سنة مائة ألف درهم فقيل له‏:‏ بأي سبب تأخذ هذا المال فقال‏:‏ لأنني متى رأيت السيد قتلته وحلف على ذلك فوفى به‏.‏

فلما بلغ المأمون قتله غضب لذلك وولى محمد بن حميد الطوسي حرب زريق وبابك الخرمي واستعمله على الموصل‏.‏

ذكر الفتنة بين عامر ومنصور وقتل منصور بإفريقية

وفي هذه السنة وقع الاختلاف بين عامر بن نافع وبين منصور بن نصر بإفريقية وسبب ذلك أن منصورًا كان كثير الحسد‏.‏

وسار بهم من تونس إلى منصور وهوبقصره بطنبذ فحصره حتى فني ما كان عنده من الماء فراسله منصور وطلب منه الأمان على أن يركب سفينة ويتوجه إلى المشرق فأجابه إلى ذلك فخرج منصور أول الليل مختفيًا يريد الأربس فلما أصبح عامر ولم ير لمنصور أثرًا طلبه حتى أدركه فاقتتلوا وانهزم منصور ودخل الأربس فتحصن بها وحصره عامر ونصب عليه منجنيقًا‏.‏

فلما اشتد الحصار على أهل الأربس قالوا لمنصور‏:‏ إما أن تخرج عنا وإلا سلمناك إلى عامر فقد أضر بنا الحصار فاستمهلهم حتى يصلح أمره فأمهلوه وأرسل إلى عبد السلام بن المفرج وهومن قواد الجيش يسأله الاجتماع به فأتاه فكلمه منصور من فوق السور واعتذر وطلب منه أن يأخذ له أمانًا من عامر حتى يسير إلى المشرق فأجابه عبد السلام إلى ذلك واستعطف له عامرا فأمنه على أن يسير إلى تونس ويأخذ أهله وحاشيته ويسير بهم إلى الشرق‏.‏

فخرج إليه فسيره مع خيل إلى تونس وأرم رسوله سرًا أن يسير به إلى مدينة جربة ويسجنه بها ففعل ذلك وسجن معه أخاه حمدون‏.‏

فلما علم عبد السلام ذلك عظم عليه وكتب عامر إلى أخيه وهوعامله على جربة يأمره بقتل

منصور وأخيه حمدون ولا يراجع فيهما فحضر عندهما وأقرأهما الكتاب فطلب منصور منه دواتة وقرطاسًا ليكتب وصيته فأمر له بذلك فلم يقدر أن يكتب وقال‏:‏ فاز المقتول بخير الدنيا والآخرة ثم قتلهما وبعث برأسيهما إلى أخيه واستقامت الأمور لعامر بن نافع ورجع عبد السلام بن المفرج إلى مدينة باجه وبقي عامر بن نافع بمدينة تونس وتوفي سلخ ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائتين فلما وصل خبره إلى زيادة اله قال‏:‏ الآن وضعت الحرب أوزارهأن وأرسل بنوه إلى زيادة الله يطلبون الأمان فأمنهم وأحسن إليهم‏.‏

ذكر عدة حوادث


وفيها قدم عبد الله بن طاهر مدينة السلام فتلقاه العباس بن المأمون والمعتصم وسائر الناس‏.‏

وفيها مات موسى بن حفص فولي ابنه طبرستان وولي حاجب ن صالح السند فهزمه بشر بن داود فانحاز إلى كرمان‏.‏

وفيها أمر المأمون مناديا فنادى‏:‏ برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير أوفضله على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه ولم‏.‏

وفيها خرج بأعمال تاكرنا من الأندلس طوريل فقصد جماعة من الجند قد نزلوا ببعض قرى تاكرنا ممتازين فقتلهم واخذ دوابهم وسلاحهم وما معهم فسار إليه عاملها وفيها مات الأخفش النحوي البصري‏.‏

وفيها مات طلق بن غنام النخعي وأحمد بن إسحاق الحضرمي وعبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي‏.‏

وفيها توفي عبد الرزاق بن همام الصنعاني المحدث وهومن مشايخ أحمد بن حنبل وكان يتشيع‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن داود الخربي البصري وكان يسكن الخريبة بالبصرة فنسب إليها‏.‏

حوادث سنة اثنتي عشرة ومائتين

ذكر استيلاء محمد بن حميد على الموصل


في هذه السنة وجه المأمون محمد بن حميد الطوسي إلى بابك الخرمي لمحاربته وأمره أن يجعل طريقه على الموصل ليصلح أمرها ويحارب زريق ابن علي فسار محمد إلى الموصل ومعه جيشه وجمع ما فيها من الرجال من اليمن وربيعة وسار لحرب زريق ومعه محمد بن السيد بن أنس الأزدي فبلغ الخبر إلى زريق فسار نحوهم فالتقوا في الزاب فراسله محمد بن حميد يدعوه إلى الطاعة فامتنع فناجزه محمد واقتتلوا واشتد قتال الأزدي مع محمد بن السيد طلبًا بثأر السيد فانهزم زريق وأصحابه ثم أرسل يطلب الأمان فأمنه محمد فنزل إليه فسيره إلى المأمون‏.‏

وكتب المأمون إلى محمد يأمره بأخذ جميع مال زريق من قرى ورستاق ومال وغيره فأخذ ذلك لنفسه فجمع محمد أولاد زريق وأخوته وأخبرهم بما أمر به المأمون فأطاعوا لذلك فقال لهم‏:‏ إن أمير المؤمنين قد أمرني به وقد قبلت ما حباني منه ورددته عليكم فشكروه على ذلك‏.‏

ثم سار إلى أذربيجان واستخلف على الموصل محمد بن السيد وقصد المخالفين المتغلبين على أذربيجان فأخذهم منهم يعلي بن مرة ونظراؤه وسيرهم إلى المأمون وسار نحوبابك الخرمي لمحاربته‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خلع أحمد بن محمد العمري المعروف بالأحمر العين المأمون باليمن فاستعمل

وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب على جميع الصحابة وقال هوأفضل الناس بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك في ربيع الأول‏.‏

وحج بالناس عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد‏.‏

وفيها كانت باليمن زلزلة شديدة فكان أشدها بعدن فتهدمت المنازل وخربت القرى وهلك فيها خلق كثير‏.‏

وفيها سير عبد الرحمن صاحب الأندلس جيشًا إلى بلد المشركين فوصلوا إلى برشلونة ثم ساروا إلى جرندة وقاتل أهلها في ربيع الأول فأقام الجيش شهرين ينهبون ويخربون‏.‏

وفيها كانت سيول عظيمة وأمطار متتابعة بالأندلس فخربت أكثر الأسوار بمدائن ثغر الأندلس وخربت قنطرة سرقسطة ثم جددت عمارتها وأحكمت‏.‏

برشلونة بالباء الموحدة والراء والشين المعجمة واللام والواووالنون والهاء‏.‏

وفيها توفي محمد بن يوسف بن واقد بن عبد اله الضبي المعروف بالفريابي وهومن مشايخ البخاري‏.‏

حوادث سنة ثلاث عشرة ومائتين


وفيها ولى المأمون ابنه العباس الجزيرة والثغور والعواصم وولى أخاه أبا إسحاق المعتصم الشام ومصر وأمر لكل واحد منهما ولعبد الله بن طاهر بخمسمائة ألف درهم فقيل‏:‏ لم يفرق في يوم من المال مثل ذلك‏.‏

وفي هذه السنة خلع عبد السلام وابن جليس المأمون بمصر في القيسية واليمانية وظهرا بها ثم وثبا بعامل المعتصم وهوابن عميرة بن الوليد الباذغيسي فقتلاه في ربيع الأول سنة أربع عشرة ومائتين فسار المعتصم إلى مصر وقاتلهما فقتلهما وافتتح مصر فاستقامت أمورها واستعمل عليها عماله‏.‏

وفيها مات طلحة بن طاهر بخراسان‏.‏

وفيها استعمل المأمون غسان بن عباد على السند وسبب ذلك أن بشر بن داود خالف المأمون وجبى الخراج فلم يحمل منه شيئًا فعزم على تولية غسان فقال لأصحابه‏:‏ أخبروني عن غسان فإني أريده لأمر عظيم فأطنبوا في مدحه فنظر المأمون إلى أحمد بن يوسف وهوساكت فقال‏:‏ ما تقول يا أحمد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ذلك رجل محاسنه أكثر من مساوئه لا يصرف به إلى طبقة إلا انتصف منهم فمهما تخوفت عليه فإنه لن يأتي أمرًا يعتذر منه فأطني فيه فقال‏:‏ لقد مدحته على سوء رأيك فيه قال‏:‏ لأني كما قال الشاعر‏:‏

قال‏:‏ فأعجب المأمون من كلامه وأدبه‏.‏

وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي‏.‏

وفيها قتل أهل ماردة من الأندلس عاملهم فثارت الفتنة عندهم فسير إليهم عبد الرحمن جيشا فحصرهم وفسد زرعهم وأشجارهم فعاودوا الطاعة وأخذت رهائنهم وعاد الجيش بعد أن خربوا سور المدينة‏.‏

ثم أرسل عبد الرحمن إليهم بنقل حجارة السور إلى النهر لئلا يطمع أهلها في عمارته فلما رأوا ذلك عادوا إلى العصيان وأسروا العامل عليهم وجددوا بناء السور وأتقنوه‏.‏

فلما دخلت سنة أربع عشرة سار عبد الرحمن صاحب الأندلس في جيوشه إلى ماردة ومعه رهائن أهلها فلما بارزها راسله أهلها وافتكوا رهائنهم باعامل الذي أسروه وغيره وحصرهم وأفسد بلدهم ورحل عنهم‏.‏

ثم سير إليهم جيشًا سنة سبع عشرة ومائتين فحصروها وضيقوا عليها ودام الحصار ثم رحلوا عنهم‏.‏

فلما دخلت سنة ثماني عشرة سير إليها جيشا ففتحها وفارقها أهل الشر والفساد وكان من أهلها إنسان اسمه محمود بن عبد الجبار الماردي فحصره عبد الرحمن بن الحكم في جمع كثير من الجند وصدقوه القتال فهزموه وقتلوا كثيرًا من رجاله وتبعتهم الخيل في الجبل فأفنوهم قتلًا وأسرًا وتشريدًا‏.‏

ومضى محمود بن عبد الجبار الماردي فيمن سلم معه من أصحابه إلى منت سالوط فسير إليه عبد الرحمن جيشًا سنة عشرين ومائتين فمضوا هاربين عنه إلى حلقب في ربيع الآخر منها فأرسل سرية في طلبهم فقاتلهم محمود فهزمهم وغمن ما معهم ومضوا لوجهتهم فلقيهم جمع من أصحاب عبد ارحمن مصادفة فقاتلوهم ثم كف بعضهم عن بعض وساروا فلقيهم سرية أخرى فقاتلوهم فانهزمت السرية وغمن محمود ما فيها‏.‏

وسار حتى أتى مدينة مينة فهجم عليها وملكها وأخذ ما فيها من دواب وطعام وفارقوها فوصلوا إلى بلاد المشركين فاستولوا على قلعة لهم فأقاموا بها خمسة أعوام ثلاثة أشهر فحصرهم أذفونس ملك الفرنج فملك الحصن وقتل محمودًا ومن معه وذلك سنة خمس وعشرين ومائتين في رجب وانصرف من فيها‏.‏

وفيها توفي إبراهيم الموصلي المغني وهوإبراهيم بن ماهان والد إسحاق بن إبراهيم وكان كوفيا وسار إلى الموصل فلما عاد قيل له الموصلي فلزمه وعلي بن جبلة بن مسلم أبوالحسن الشاعر وكان مولده سنة ستين ومائة وكان قد أضر ومحمد بن عرعرة بن البوند وأبوعبد

الرحمن المقرئ المحدث وعبد الله بن موسى العبسي الفقيه وكان شيعيا وهومن مشايخ البخاري في صحيحه‏.‏

البوند بكسر الباء الموحدة والواووتسكين النون وآخره دال مهملة

حوادث سنة أربع عشرة ومائتين

ذكر قتل محمد الطوسي


فيها قتل محمد بن حميد الطوسي قتله بابك الخرمي وسبب ذلك أنه لما فرغ من أمر المتغلبين على طريقه إلى بابك سار نحوه وقد جمع العساكر والآلات والميرة فاجتمع معه عالم كثير من المتطوعة من سائر الأمصار فسلك المضايق إلى بابك وكان كلما جاوز مضيقًا أوعقبة ترك عليه من يحفظه من أصحابه إلى أن نزل بهشتادسر وحفر خندقا وشاور في دخول بلد بابك فأشاروا عليه بدخوله من وجه ذكروه له فقبل رأيهم وعبى أصحابه وجعل على القلب محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الطائي المعروف بأبي سعيد وعلى الميمنة السعدي بن أسرم وعلى الميسرة العباس بن عبد الجبار اليقطيني ووقف محمد ن حميد خلفهم في جماعة ينظر إليهم ويأمرهم بسد خل إن رآه فكان بابك يشرف عليهم من الجبل وقد كمن لهم الرجال تحت كل

فلما تقدم أصحاب محمد وصعدوا في الجبل مقدار ثلاثة فراسخ خرج عليهم الكمناء وانحدر بابك إليهم فيمن معه وانهزم الناس فأمرهم أبوسعيد ومحمد بن حميد بالصبر فلم يفعلوا ومروا على وجوههم والقتل يأخذهم وصبر محمد بن حميد مكانه وفر من كان معه غير رجل واحد وسارا يطلبان الخلاص فرأى جماعة وقتالا فقصدهم فرأى الخرمية يقاتلون طائفة من أصحابه فحين رآه الخرمية قصدوه لما رأوا من حسن هيئته فقاتلهم وقاتلوه وضربوا فرسه بزراق فسقط إلى الأرض وأكبوا على محمد بن حميد فقتلوه‏.‏

وكان محمد ممدحًا جوادا فرثاه الشعراء وأكثروا منهم الطائي فلما وصل خبر قتله إلى المأمون عظم ذلك عنده واستعمل عبد الله بن طاهر على قتال بابك فسار نحوه‏.‏

ذكر حال أبي دلف مع المأمون

كان أبودلف من أصحاب محمد الأمين وسار علي مع بن عيسى ابن ماهان إلى حرب طاهر بن الحسين فلما قتل علي عاد أبودلف إلى همذان فراسله طاهر بستميله ويدعوه إلى بيعة المأمون فلم يفعل وقال‏:‏ إن في عنقي بيعة لا أجد إلى فسخها سبيلا ولكني سأقيم مكاني لا أكون مع أحد الفريقين إن كففت عني فأجابه إلى ذلك فأقام بكرج‏.‏

فلما خرج المأمون إلى الري راسل أبا دلف يدعوه إليه فسار نحوه مجدًا‏.‏

وهوخائف شديد الوجل فقال له أهله وقومه وأصحابه‏:‏ أنت سيد العرب وكلها تطيعك فإن كنت خائفًا فأقم ونحن مننعك فلم يفعل وسار وهويقول‏:‏ أجود بنفسي دون قومي دافعًا لما نابهم قدمًا وأغشى الدواهيا وأقتحم الأمر المخوف اقتحامه لأدرك مجدًا أوأعاود ثاويا وهي أبيات حسنة فلما وصل إلى المأمون أكرمه وأحسن إليه وأمنه وأعلى منزلته‏.‏

ذكر استعمال عبد الله بن طاهر على خراسان

في هذه السنة استعمل المأمون عبد الله بن طاهر على خراسان فسار إليها‏.‏

وكان سبب مسيره إليها أن أخاه طلحة لما مات ولي خراسان علي بن طاهر خليفة لأخيه عبد الله وكان عبد الله بالدينور يجهز العساكر إلى بابك وأوقع الخوارج بخراسان بأهل قرية الحمراء من نيسابور فأكثروا فيهم القتل واتصل ذلك المأمون فأمر عبد الله بن طاهر بالمسير إلى خراسان فسار إليها فلما قدم نيسابور كان أهلها قد قحطوا فمطروا قبل وصوله إليها بيوم واحد فلما دخلها قام إليه رجل بزبز فقال‏:‏ غيثان في ساعة لنا قدما فمرحبًا بالأمير والمطر فأحضره عبد اله وقال له‏:‏ أشاعر أنت قال‏:‏ لا‏!‏ ولكني سمعتها بالرقة فحفظتها فأحسن إليه وجعل إليه أن لا يشتري له شيء من الثياب إلا بأمره‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خرج بلال الغساني الشاري فوجه إليه المأمون ابنه العباس في جماعة من القواد فقتل بلال‏.‏

وفيها قتل أبوالرازي باليمن‏.‏

وفيها تحرك جعفر بن داود القمي فظفر به عزيز مولى عبد الله بن طاهر وكان هرب من مصر فرد إليها‏.‏

وفيها ولى علي بن هشام الجبل وقم وأصبهان وأذربيجان‏.‏

وفيها توفي إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السلام بالمغرب وقام بعده ابنه محمد بأمر مدينة فاس فولى أخاه القاسم البصرة وطنجة وما يليهما‏.‏

واستعمل باقي إخوته على مدن البربرة‏.‏

وفيها سار عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس إلى مدينة باجة وكانت عاصية عليه من حين فتنة منصور إلى الآن فملكها عنوة‏.‏

وفيها خالف هاشم الضراب بمدينة طليطلة من الأندلس على صاحبها عبد الرحمن وكان هاشم من خرج من طليطلة لما أوقع الحكم بأهلها فسار إلى قرطبة فلما كان الآن سار إلى طليطلة فاجتمع إليه أهل الشر وغيرهم فسار بهم إلى وادي نحوييه وأغار على البربر وغيرهم فطار اسمه واشتدت شوكته واجتمع له جمع عظيم وأوقع بأهل شنت برية‏.‏

وكان بينه وبين البربر وقعات كثيرة فسير إليه عبد الرحمن هذه السنة جيشا فقاتلوه فلم تستظهر إحدى الطائفتين على الأخرى وبقي هشام كذلك وغلب على عدة مواضع وجاوز بركة العجوز وأخذت غارة خيله فسير إليه عبد ارحمن جيشًا كثيفًا سنة ست عشرة ومائتين فلقيهم هاشم بالقرب من حصن سمسطا بمجاورة رورية فاشتدت الحرب بينهم ودامت عدة أيام ثم انهزم هاشم وقتل هووكثير ممن معه من أهل الطمع والشر وطالبي الفتن وكفى الله الناس شرهم‏.‏

وحج بالناس إسحاق بن العباس بن محمد‏.‏

وفيها توفي أبوهاشم النبيل واسمه الضحاك بن محمد الشيباني وهوإمام في الحديث‏.‏

حوادث سنة خمس عشرة ومائتين

ذكر غزوة المأمون إلى الروم


في هذه السنة سار المأمون إلى الوم في المحرم فلما سار استخلف على بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وولاه مع ذلك السواد وحلوان وكور دجلة فلما صار المأمون بتكريت قدم عليه محمد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام فلقيه بها فأجاره وأمره بالدخول بابنته أم الفضل وكان زوجها منه فأدخلت عليه فلما كان أيام الحج سار بأهله إلى المدينة فأقام بها‏.‏

وسار المأمون على طريق الموصل حتى صار إلى منبج ثم إلى دابق ثم إلى أنطاكية ثم إلى المصيصة وطرسوس ودخل منها إلى بلاد الروم في جمادى الأولى ودخل ابنه العباس من ملطية فأقام المأمون على حصن قرة حتى افتتحه عنوة وهدمه لأربع بقين من جمادى الأولى وقيل إن أهله طلبوا الأمان فأمنهم المأمون وفتح قبله حصن ماجدة بالأمان ووجه أشناس إلى حصن سندس فأتاه برئيسه ووجه عجيفا وجعفرًا الخياط إلى صاحب حصن سناذ فسمع وأطاع‏.‏

وفيها عاد المعتصم من مصر فلقي المأمون قبل دخوله الموصل ولقيه منويل وعباس بن المأمون

وفيها توجه المأمون بعد خروجه من بلاد الروم إلى دمشق وحج بالناس عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد‏.‏

وفيها توفي قبيصة بن عقبة السوائي وأبويعقوب إسحاق بن الطباخ الفقيه وعلي بن الحسن بن شقيق صاحب ابن المبارك وثابت بن محمد الكندي العابد المحدث وهوذة بن خليفة بن عبد اله بن عبيد الله بن أبي بكرة أبو الأشهب وأبو جعفر محمد بن الحارث الموصلي وأبو سليمان الداراني الزاهد توفي بداريا ومكي بن إبراهيم التيمي البلخي ببلخ وهومن مشايخ البخاري في صحيحه وقد قارب مائة سنة وأبوزيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري اللغوي النحوي وكان عمره ثلاثًا وتسعين سنة‏.‏

وفيها توفي عبد الملك بن قريب بن عبد الملك أبوسعيد الأصمعي اللغوي البصري وقيل سنة ست عشرة ومحمد بن عبد اله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري قاضي البصرة

حوادث سنة ست عشرة ومائتين

ذكر فتح هرقلة


في هذه السنة عاد المأمون إلى بلاد الروم وسبب ذلك أنه بلغه أن ملك الروم قتل ألفًا وستمائة من أهل طرسوس والمصيصة فسار حتى دخل أرض الروم في جمادى الأولى فأقام إلى منتصف شعبان‏.‏

وقيل كان سبب دخوله إليها أن ملك الروم كتب إليه وبدا بنفسه فسار إليه ولم يقرأ كتابه فلما دخل أرض الروم أناخ على أنطيغوا فخرجوا على صلح ثم سار إلى هرقلة فخرج أهلها على صلح ووجه أخاه إبا إسحاق المعتصم فافتتح ثلاثين حصنا ومطمورة ووجه يحيى بن أكثم من طوانة فأغار وقتل وأحرق فأصاب سبيا ورجع ثم سار المأمون إلى كيسوم فأقام بها يومين ثم ارتحل إلى دمشق‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها ظهر عبدوس الفهري بمصر فوثب على عمال المعتصم فقتل بعضهم في شعبان فسار المأمون من دمشق إلى مصر منتصف ذي الحجة‏.‏

وفيها قدم الأفشين من برقة فأقام بمصر‏.‏

وفيها كتب المأمون إلى أسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا فبدأ بذلك

وفيها غضب المأمون على علي بن هاشم ووجه عجيفًا وأحمد بن هاشم وأمر بقبض أمواله وسلاحه‏.‏

وفيها ماتت أم جعفر زبيدة أم الأمين ببغداد‏.‏

وفيها تقدم غسان بن عباد من السند ومعه بشر بن داود مستأمنا وأصلح السند واستعمل عليها عمران بن موسى العتكي‏.‏

وفيها هرب جعفر بن داود القمي إلى قم وخلع الطاعة بها وحج بالناس في قول بعضهم سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن عباس وقيل حج بهم عبد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وكان المأمون ولاه اليمن وجعل إليه ولاية كل بلد يدخله فسار من دمشق فقدم بغداد فصلى بالناس يوم الفطر وسار عنها فحج بالناس‏.‏

وفيها توفي أبومسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني بغداد ومحمد ابن عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب المهلبي أمير البصرة هأن ويحيى ابن يعلي المحاربي وإسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي‏.‏في هذه السنة ظفر الأفشين بالفرما من أرض مصر ونزل أهلها بأمان على حكم المأمون ووصل المأمون إلى مصر في المحرم من هذه السنة فأتي بعبدوس الفهري فضرب عنقه وعاد إلى الشام‏.‏

وفيها قتل المأمون علي بن هشام وكان سبب ذلك أن المأمون كان استعمله على أذربيجان وغيرها كما تقدم ذكره فبلغه ظلمه وأخذه الأموال وقتله الرجال فوجه إليه عجيف بن عنبسة فثار به علي بن هشام وأراد قتله وإلحاق ببابك وظفر به عجيف وقدم به على المأمون فقتله وقتل أخاه حبيبًا في جمادى الأولى وطيف برأس علي في العراق وخراسان والشام ومصر ثم ألقي في البحر‏.‏

وفيها عاد المأمون إلى بلاد الروم فأناخ على لؤلؤة مائة يوم ثم رحل عنها وترك عليها عجيفا فخدعه أهلها وأسروه فبقي عندهم ثمانية أيام وأخرجوه وجاء توفيل ملك الروم فأحاط بعجيف فيه فبعث إليه الجنود فارتحل توفيل قبل موافاتهم وخرج أهل لؤلؤة إلى عجيف بأمان وأرسل ملك الروم يطلب المهادنة فلم يتم ذلك‏.‏

وفيها سار المأمون إلى سلغوس‏.‏

وفيها بعث علي بن عيسى القمي إلى جعفر بن داود القمي فقتل وحج بالناس سليمان بن وفيها توفي الحجاج بن المنهال بالبصرة وسريج بن النعمان‏.‏

سريج بالسين المهملة والجيم‏.‏

وسعدان بن بشر الموصلي يروي عن الثوري‏.‏

وفيها توفي الخليل بن أبي رافع الموصلي وكان عالمًا عابدا وأبوه جعفر بن محمد بن أبي يزيد الموصلي وكان فاضلًا‏.‏   ‏‏ ‏ ‏  ‏  ‏   ‏ ‏ ‏