المجلد السادس - ذكر إيتاخ وما صار إليه أمره

كان إيتاخ غلامًا حوريًا طباخًا لسلام الأبرش فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة وكان فيه شجاعة فرفعه المعتصم والواثق وضم إليه أعمالًا كثيرة منها المعونة بسامرا مع إسحاق بن إبراهيم‏.‏

وكان المعتصم إذا أراد قتل أحد فعند إيتاخ يقتل وبيده فحبس منهم أولًا المأمون بن سندس وابن الزيات وصالح بن عجيف وغيرهم وكان مع المتوكل في مرتبته وإليه الجيش والمغاربة والأتراك والأموال والبريد والحجابة ودار الخلافة‏.‏

فلما تمكن المتوكل من الخلافة شرب فعربد على إيتاخ فهم إيتاخ بقتله فلما أصبح المتوكل قيل له فاعتذر إليه وقال‏:‏ أنت أبي وأنت ربيتني ثم وضع عليه من يحسن له الحج فاستأذن فيه المتوكل فأذن له وصيره أمير كل بلد يدله وخلع عليه وسار العسكر جميعه بين يديه فلما فارق جعلت الحجابة إلى وصيف في ذي العقدة وقيل إن هذه القصة كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين‏.‏

ذكر الخلف بإفريقية

في هذه السنة خرج عمروبن سليم التجيبي المعروف بالقويع على محمد ابن الأغلب أمير إفريقية فسير إليه جيشًا فحصره بمدينة تونس هذه السنة فلم يبلغوا منه غرضا فعادوا عنه‏.‏

فلما دخلت سنة خمس وثلاثين سير إليه ابن الأغلب جيشًا فالتقوا بالقرب من تونس ففارق جيش ابن الإلب جمع كثير وقصدوا القويع فصاروا معه فانهزم جيش ابن الأغلب وقوي القويع فلما دخلت سنة ست وثلاثين سير محمد بن الأغلب إليه جيشا فاقتتلوا فانهزم القويع وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وأدرك القويع إنسان فضرب عنقه ودخل جيش ابن الأغلب مدينة تونس بالسيف في جمادى الأولى‏.‏

ذكر عدة حوادث

حج بالناس هذه السنة محمد بن داود بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

وفيها توفي جعفر بن مبشر بن أحمد الثقفي المتكلم أحد المعتزلة البغداديين وله مقالة يتفرد

وفيها توفي أبوخيثمة زهير بن حرب في شعبان وكان حافظًا للحديث وأبوأيوب سليمان بن داود بن بشر المقرئ البصري المعروف بالشاذكوني بأصبهان‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الله بن جعفر المعروف المديني الحافظ وقيل سنة خمس وثلاثين ومائتين وهوإمام ثقة وكان والده ضعيفًا في الحديث وإسحاق ابن إسماعيل الطالقاني ويحيى بن أيوب المقابري وأبوبكر بن أبي شيبة وأبوالربيع الزهراني‏.‏

حوادث سنة خمس وثلاثين ومائتين

ذكر قتل إيتاخ

قد ذكرنا ما كان منه مع المتوكل وسبب حجه فلما عاد من مكة كتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد يأمره بحبسه وأنفذ المتوكل كسوة وهدايا إلى طريق إيتاخ فلما قرب إيتاخ من بغداد خرج إسحاق بن إبراهيم إلى لقائه وكان إيتاخ أراد المسير على الأنبار إلى سامرا فكتب إليه إسحاق‏:‏ إن أمير المؤمنين قد أمر أن تدخل بغداد وأن يلقاك بنوهاشم ووجوه الناس وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم وتأمر لهم بالجوائز‏.‏

فجاء إلى بغداد فلقيه إسحاق بن إبراهيم فلما رآه إسحاق أراد النزول له فحلف عليه إيتاخ أن لا يفعل وكان في ثلاثمائة من غلمانه وأصحابه فلما صار بباب دار خزيمة وقف إسحاق وقال له‏:‏ أصلح الله الأمير ليدخل‏!‏ فدخل إيتاخ ووقف إسحاق على الباب فمنع أصحابه من الدخول عليه ووكل بالأبواب وأقام عليه الحرس فحين رأى إيتاخ ذلك قال‏:‏ قد فعلوها ولولم يفعلوا ذلك ببغداد ما قدروا عليه وأخذوا معه ولديه منصورا ومظفرا وكاتبيه سليمان بن وهب وقدامة بن زياد فحبسوا ببغداد أيضًا‏.‏

وأرسل إيتاخ إلى إسحاق‏:‏ قد علمت ما أمرني به المعتصم والواثق في أمرك وكنت أدافع عنك فليشفعني ذلك عندك في ولدي فأما أنا فقد مر بي شدة ورخاء فما أبالي ما أكلت وما شربت وأما هذان الغلامان فلم يعرفا البؤس فاجعل لهما طعامًا يصلحهما‏.‏

ففعل إسحاق ذلك وقيد إيتاخ وجعل في عنقه ثمانين رطلا فمات في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين ومائتين وأشهد إسحاق جماعة من الأعيان أنه لا ضرب به ولا اثر‏.‏

وقيل كان سبب موته أنهم أطعموه ومنعوه الماء حتى مات عطشًا وأما ولداه فإنهما بقيا محبوسين حياة المتوكل فلما ولي المنتصر أخرجهما فأما مظفر فبقي بعد أن خرج من السجن ثلاثة أشهر ومات وأما منصور فعاش بعده‏.‏

في هذه السنة قدم بغا الشرابي بابن البعيث في شوال وبخليفته أبي الأغر وبأخويه صقر وخالد وكاتبه العلاء وجماعة من أصحابه فلما قربوا من سامرا حملوا على الجمال ليراهم الناس فلما أحضر ابن البعيث بين يدي المتوكل أمر بضرب عنقه فجاء السياف وسبه المتوكل وقال‏:‏ ما دعاك إلى ما صنعت قال‏:‏ الشقوة وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه وإن لي فيك لظنين أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك وهوالعفو ثم قال بلا فصل‏:‏ أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلي إمام الهدى والصفح بالمرء أجمل وهل أنا إلا جبلة من خطيئة وعفوك من نور النبوة يجبل فإنك خير السابقين إلى العلى ولا شك أن خير الفعالين تفعل فقال المتوكل لبعض أصحابه‏:‏ إن عنده لأدبا فقال‏:‏ بل يفعل أمير المؤمنين ويمن عليه فأمر برده فحبس مقيدا وقيل إن المعتز شفع فيه إلى أبيه فأطلقه وكان ابن البعيث قد قال حين هرب‏:‏ كم قد قضيت أمورًا كان أهملها غيري وقد أخذ الإفلاس بالكظم لا تعذليني فما لي ليس ينفعني إليك عني جرى المقدار بالقلم سأتلف المال في عسر وفي يسر إن الجواد الذي يعطي على العدم ومات ابن البعيث بعد دخوله سامرا بشهر قيل كان قد جعل في عنقه مائة رطل لم يزل على وجهه حتى مات وجعل بنوه‏:‏ جليس وصقر والبعيث في عداد الشاكرية مع عبيد الله بن يحيى بن خاقان‏.‏

ذكر البيعة لأولاد المتوكل بولاية العهد

في هذه السنة عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهم‏:‏ محمد ولقبه المنتصر بالله وأبوعبد اله محمد وقيل طلحة وقيل الزبير ولقبه المعتز بالله وإبراهيم ولقبه المؤيد بالله وعقد لكل واحد منهم لواءين‏:‏ أحدهما أسود ووهولواء العهد والآخر أبيض وهولواء العمل فأعطى كل واحد منهم ما نذكره‏.‏

فأما المنتصر فأقطعه إفريقية والمغرب كله والعواصم وقنسرين والثغور جميعها الشامية والجزرية وديار مضر وديار ربيعة والموصل وهيت وعانة والأنبار والخابور وكور باجرمى وكور دجلة وطساسيج السواد جميعها والحرمين واليمن وحضر موت واليمامة والبحرين والسند ومكرا وقندابيل وفرج بيت الذهب وكور الأهواز والمستغلات سامرا وماه الكوفة وماه البصرة وماسبذا ومهرجانقذق وشهرزور والصامغان وأصبهان وقم وققاشان والجبل جميعه وصدقات العرب بالبصرة‏.‏

وأما المعتز فأقطعه خراسان وما يضاف إليها وطبرستان والري وأرمينية وأذربيجان وكور فارس ثم أضاف إليه في سنة أربعين خزن الأموال في جميع الآفاق ودور الضرب وأمر أن يضرب اسمه على الدراهم‏.‏

وأما المؤيد فأقطعه جند حمص وجند دمشق وجند فلسطين‏.‏

ذكر ظهور رجل ادعى النبوة

وفيها ظهر بسامرا رجل يقال له محمود بن الفرج النيسابوري فزعم أنه نبي وأنه ذوالقرنين وتبعه سبعة وعشرون رجلا وخرج من أصحابه من بغداد رجلان بباب العامة وآخران بالجانب الغربي فأتي به وبأصحابه المتوكل فأمر به فضرب ضربًا شديدا وحمل إلى باب العامة فأكذب نفسه وأمر أصحابه أن يضربه كل رجل منهم عشر صفعات ففعلوا واخذوا له مصحفًا فيخ كلام قد جمعه وذكر أنه قرآن وأن جبرائيل نزل له ثم مات من الضرب في ذي الحجة وحبس أصحابه وكان فيهم شيخ يزعم أنه نبي وأن الوحي يأتيه‏.‏

ذكر ما كان بالأندلس

من الحوادث وفي هذه السنة خرج عباس بن وليد المعروف بالطبلي بنواحي تدمير لمحاربة جمع اجتمعوا وقدموا على أنفسهم رجلًا اسمه محمد بن عيسى بن سابق فوطئ عباس بلدهم وأوقع بهم وأصلحهم وعاد‏.‏

وفيها ثار أهل تاكرنا ومن يليهم من البربر فسار إليهم جيش عبد الرحمن صاحب الأندلس فقاتلهم وأوقع بهم وأعظم النكاية فيهم‏.‏

وفيها سير عبد ارحمن ابنه المنذر في جيش كثيف لغزوالروم فبلغوا ألبه‏.‏

وفيها كان سيل عظيم في رجب في بلاد الأندلس فخرب جسر استجبة وخرب الأرحاء وغرق نهر إشبيلية ست عشرة قرية وخرب نهر تاجة ثماني عشرة قرية وصار عرضه ثلاثين ميلا وكان هذا حدثًا عظيمًا وقع في جميع البلاد في شهر واحد‏.‏

وفيها هلك ردمير بن أذفونس في رجب وكانت ولايته ثمانية أعوام‏.‏

وفيها هلك أبوالسول الشاعر سعيد بن يعمر بن علي بسرقسطة‏.‏

ذكر عدة حوادث


وفي هذه السنة أمر المتوكل أهل الذمة بلبس الطيالسة العسلية وشد الزنانير وركوب السروج بالركب الخشب وعمل كرتين في مخر السروج وعمل رقعتين على لباس مماليكهم مخالفتين لون الثوب كل واحدة منهما قدر أربع أصابع ولون كل واحدة منهما غير لون الأخرى ومن خرج من نسائهم تلبس إزارًا عسليا ومنعهم من لباس المناطق وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان ولا يعلمهم مسلم وأن يظهروا في شعانينهم صليبا وأن يستعملوه في الطريق وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض وكتب في ذلك إلى الآفاق‏.‏

وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب المصعبي وهوابن أخي طاهر بن الحسين وكان صاحب الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل ولما مرض أرسل إليه المتوكل ابنه المعتز مع جماعة من القواد يعودونه وجزع المتوكل لموته‏.‏

وفيها مات الحسن بن سهل كان شرب دواء فأفرط عليه فحبس الطبع فمات وكان موته وموت إسحاق بن إبراهيم في ذي الحجة في يوم واحد وقيل مات الحسن في سنة ست وثلاثين‏.‏

ة فيها في ذي الحجة تغير ماء دجلة إلى الصفرة ثلاثة أيام ففزع الناس ثم صار في لون ماء المدود‏.‏

وفيها أتى المتوكل يحيى بن عمر بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام‏.‏

وكان قد جمع ببعض النواحي فاخذ وحبس وضرب وحج بالناس هذه السنة

وفيها مات إسحاق بن إبراهيم الموصلي صاحب الألحان والغناء وكان فيه علم وأدب وله شعر جيد وعبيد اله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري في ذي الحجة وإسماعيل بن علية ومنصور بن أبي مزاحم وسريج بن يونس أبوالحرث‏.‏

سريج بالسين المهملة والجيم‏.‏

حوادث سنة ست وثلاثين ومائتين

ذكر مقتل محمد بن إبراهيم


في هذه السنة قتل محمد بن إبراهيم بن مصعب أخو إسحاق بن إبراهيم‏.‏

وكان سبب ذلك أن إسحاق أرسل ولده محمد بن إسحاق بن إبراهيم إلى باب الخليفة ليكون نائبًا عنه ببابه فلما مات إسحاق عقد المعتز لابنه محمد بن إسحاق على فارس وعقد له المنتصر على اليمامة والبحرين وطريق مكة في المحرم من هذه السنة وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها وحمل إلى المتوكل وأولاده من الجواهر التي كانت لأبيه والأشياء النفسية كثيرًا‏.‏

وكان عمه محمد بن إبراهيم على فارس فلما بلغه ما صنع المتوكل وأولاده بابن أخيه ساءه ذلك وتنكر للخليفة ولابن أخيه فشكا محمد بن إسحاق ذلك إلى المتوكل فأطلقه في عمه ليفعل به ما يشاء فعزله عن فارس واستعمل مكانه ابن عمه الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب وأمره بقتل عمه محمد بن إبراهيم‏.‏

فلما سار الحسين إلى فارس أهدى إلى عمه يوم النيروز هدايا وفيها حلوى فأكل محمد منهأن وأدخله الحسين بيتا ووكل عليه فطلب الماء ليشرب فمنع منه فمات بعد يومين‏.‏

ذكر ما فعله المتوكل بمشهد الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام

في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فنادى عامل صاحب الشرطة بالناس في تلك الناحية‏:‏ من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق‏!‏ فهرب الناس وتركوا زيارته وحرث وزرع‏.‏

وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليًا وأهله بأخذ المال والدم وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع ويرقص بين يدي المتوكل قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين‏.‏يحكي بذلك عليا عليه السلام والتوكل يشرب ويضحك ففعل ذلك يوما والمنتصر حاضر فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفًا منه فقال المتوكل‏:‏ ما حالك فقام واخبره فقال المنتصر‏:‏ يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكاتب ويضحك منه الناس هوابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك فكل أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه‏!‏ فقال المتوكل للمغنين‏:‏ غنوا جميعا‏:‏ غار الفتى لابن عمه رأس الفتى في حر أمه فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل‏.‏

وقيل إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء‏:‏ المأمون والمعتصم والواثق في محبة علي وأهل بيته وإمنا كان ينادمه ويجالسه جماعة ن اشتهروا بالنصب والبغض لعلي منهم‏:‏ علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة ابن لؤي وعمر بن فرح الرخجي وأبوالسمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة‏.‏

وكانوا يخوفونه من العلويين ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم ثم حسنوا

له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علومنزلتهم في الدين ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان فغطت هذه السيئة جميع حسناته وكان من أحسن الناس سيرة ومنع الناس من القول بخلق القرآن إلى غير ذلك من المحاسن‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان‏.‏

وفيها حج المنتصر بالله وحجت معه جدته أم المتوكل‏.‏

وفيها هلك أبوسعيد محمد بن يوسف الروزي فجأة وكان عقد له على أرمينية وأذربيجان فلبس أحد خفيه ومد الآخر ليلبسه فمات فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان إلى أبيه من الحرب وولاه خراج الناحية فسار إليها وضبطها وحج بالناس هذه السنة المنتصر‏.‏

وفيها خرج حبيبة البربري بالأندلس بجبال الجزيرة واجتمع إليه جمع كثير فأغاروا واستطالوا فسار إليهم جيش من عبد الرحمن فقاتلهم فهزمهم فتفرقوا‏.‏

وفيها غزا جيش بالأندلس بلاد برشلونة فقتلوا من أهلها فأكثروا وأسروا جمًا غفيرا وغمنوا وعادوا سالمين‏.‏

وفيها توفي مصعب بن عبد اله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام أبوعبد الله المدني وكان عمره ثمانين سنة وهوعم الزبير بن بكار وكان عالمًا فقيها إلا أنه كان منحرفًا عن علي عليه السلام‏.‏

وفيها أيضًا توفي منصور بن المهدي ومحمد بن إسحاق بن محمد المخزومي المسيبي البغدادي وكان ثقة‏.‏

وفيها توفي جعفر بن حرب الهمذاني أحد أئمة المعتزلة البغداديين وعمره تسع وخمسون سنة وأخذ الكلام عن ابن أبي الهذيل العلاف البصري‏.‏

حوادث سنة سبع وثلاثين ومائتين

ذكر وثوب أهل أرمينية بعاملهم


في هذه السنة وثب أهل أرمينية بعاملهم يوسف بن محمد فقتلوه‏.‏

وكان سبب ذلك أن يوسف لما سار إلى أرمينية خرج إليه بطريق له بقراط بن أشوط ويقال له بطريق البطارقة يطلب الأمان فأخذه يوسف وابنه نعمة فسيرهما إلى باب الخليفة فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخي بقراط بن أشوط وتحالفوا عن قتل يوسف ووافقهم على ذلك

موسى بن زرارة وهوصهر بقراط على ابنته فأتى الخبر يوسف ونهاه أصحابه عن المقام بمكانه فلم يقبل فلما جاء الشتاء ونزل الثلج مكثوا حتى سكن الثلج ثم أتوه وهوبمدينة طرون فحصروه بها فخرج إليهم من المدينة فقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه وأما من لم يقاتل معه فقالوا له‏:‏ انزع ثيابك وانج بنفسك عريانا ففعلوا ومشوا حفاة عراة فهلك أكثرهم من البرد وسقطت أصابع كثير منهم ونجوا وكان ذلك في رمضان‏.‏

وكان يوسف قبل ذلك قد فرق أصحابه في رساتيق عمله فوجه إلى كل طائفة منهم طائفة من البطارقة فقتلوهم في يوم واحد‏.‏

فلما بلغ المتوكل وجه بغا الكبير إليهم طالبًا بدم يوسف فسار إليهم على الموصل والجزيرة فبدأ بأرزن وبها موسى بن زرارة وله إخوة‏:‏ إسماعيل وسليمان وحمد وعيسى ومحمد وهارون فحمل بغا موسى بن زرارة إلى المتوكل وأباح قتلة يوسف فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى منهم خلقًا كثيرا فباعهم وسار إلى بلاد الباق فأسر أشوط بن حمزة أبا العباس صاحب الباق والباق من كورة البسفرجان ثم سار إلى مدينة دبيل من أرمينية فأقام بها شهرا ثم سار إلى تفليس فحصرها‏.‏

وفيها غضب المتوكل على احمد بن أبي دؤاد وقبض ضياعه وأملاكه وحبس ابنه أبا الوليد وسائر أولاده فحمل أبوالوليد مائة ألف وعشرين ألف دينار وجواهر قيمتها عشرون ألف دينار ثم صولح بعد ذلك على ستة عشر ألف ألف درهم وأشهد عليهم جميعًا ببيع أملاكهم‏.‏

وكان أبوهم أحمد بن أبي دؤاد قد فلج وأحضر المتوكل يحيى بن أكثم من بغداد إلى سامرا ورضي عنه وولاه قضاء القضاة ثم ولاه المظالم فولى يحيى بن أكثم قضاء الشرقية حيان بن بشر وولى سوار بن عبد الله العنبري قضاء الجانب الغربي وكلاهما أعور فقال الجماز‏:‏ رأيت من الكبائر قاضيين هما أحدوثة في الخافقين هما اقتسما العمى نصفين قدرًا كما اقتسما قضاء الجانبين وتحسب منهما من هز رأسًا لينظر في مواريث ودين كأنك قد وضعت عليه دنًا فتحت بزالة من فرد عين هما فأل الزمان بهلك يحيى إذا افتتح القضاء بأعورين

ذكر ولاية العباس بن الفضل صقلية

قد ذكرنا سنة ثمان وعشرين ومائتين أن محمد بن عبد الله أمير صقلية توفي سنة ست وثلاثين ومائتين فلما مات اجتمع المسلمون بها على ولاية العباس بن الفضل بن يعقوب فولوه أمرهم فكتبوا بذلك إلى محمد بن الأغلب أمير إفريقية فأرسل إليه عهدًا بولايته فكان العباس إلى أن وصل عهده يغير ويرسل السرايا وتأتيه الغنائم‏.‏

فلما قدم إليه عهده بولايته خرج بنفسه وعلى مقدمته عمه رباح فأرسل في سرية إلى قلعة أبي ثور فغمن وأسر وعاد فقتل الأسرى وتوجه إلى مدينة قصريانة فنهب وأحرق وخرب ليخرج إليه البطريق فلم يفعل فعاد العباس‏.‏وفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين خرج حتى بلغ قصريانة ومعه جمع عظيم فغمن وخرب وأتى قطانية وسرقوسة ونوطس ورغوس فغمن من جميع هذه البلاد وخرب وأحرق ونزل على بثيرة وحصرها خمسة أشهر فصالحه أهلها على خمسة آلاف رأس‏.‏

وفي سنة اثنتين وأربعين سار العباس في جيش كثيف ففتح حصونًا خمسة وفي سنة ثلاث وأربعين سار إلى قصريانة فخرج أهلها فلقوه فهزمهم وقتل فيهم فأكثر وقصد سرقوسة وطبرمين وغيرهما فنهب وخرب واحرق ونزل على القصر الجديد وحصره وضيق على من به من الروم فبذلوا له خمسة عشر ألف دينار فلم يقبل منهم وأطال الحصر فسلموا إليه

الحصن على شرط أن يطلق مائتي نفس فأجابهم إلى ذلك وملكه وباع كل من فيه سوى مائتي نفس وهدم الحصن‏.‏

ذكر فتح قصريانة

في سنة أربع وأربعين ومائتين فتح المسلمون مدينة قصريانة وهي المدينة التي بها دار الملك بصقلية وكان الملك قبلها يسكن سرقوسة فلما ملك المسلمون بعض الجزيرة نقل دار الملك إلى قصريانة لحصانتها‏.‏

وسبب فتحها أن العباس سار في جيوش المسلمين إلى مدينة قصريانة وسرقوسة وسير جيشًا في البحر فلقيهم أربعون شلندي للروم فاقتتلوا أشد قتال فانهزم الروم واخذ منهم المسلمون عشر شلنديات برجالها وعاد العباس إلى مدينته‏.‏

فلما كان الشتاء سير سرية فبلغت قصريانة فنهبوا وخربوا وعادوا ومعهم رجل كان له عند الروم قد ومنزلة فأمر العباس بقتله فقال‏:‏ استبقني ولك عندي نصيحة‏!‏ قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ أملكك قصريانة والطريق في ذلك أن القوم في هذا الشتاء وهذه الثلوج آمنون من قصدكم إليهم فهم غير محترسين ترسل معي طائفة من عسكركم حتى أدخلكم المدينة‏.‏

فانتخب العباس ألفي فارس أنجاد أبطال وسار إلى أن قاربها وكمن هناك مستترا وسير عمه رباحًا في شجعانهم فساروا مستخفين في الليل والرومي معهم مقيد بين يدي رباح فأراهم الموضع الذي ينبغي أن يملك منه فنصبوا السلاليم وصعدوا الجبل ثم وصلوا إلى سور المدينة قريبًا من الصبح والحرس نيام فدخلوا من نحوباب صغير فيه يدخل منه الماء وتلقى فيه الأقذار فدخل المسلمون كلهم فوضعوا السيف في الروم وفتحوا الأبواب‏.‏

وجاء العباس في باقي العسكر فدخلوا المدينة وصلوا الصبح يوم الخميس منتصف شوال وبنى فيها في الحال مسجدا ونصب فيه منبرا وخطب فيه يوم الجمعة وقتل من وجد فيها ن المقاتلة وأخذوا ما فيها من بنات البطارقة بحليهن وأبناء الملوك وأصابوا فيها ما يعجز الوصف عنه وذل الشرك يومئذ بصقلية ذلًا عظيمًا‏.‏

ولما سمع الروم أرسل ملكهم بطريقًا من القسطنطينية في ثلاثمائة شلندي وعسكر كثير فوصلوا إلى سرقوسة فخرج إليهم العباس من المدينة ولقي الروم وقاتلهم فهزمهم فركبوا في مراكبهم هاربين وغمن المسلمون منهم مائة شلندي وكثر القتل فيهم ولم يصب من المسلمين ذلك اليوم غير ثلاثة نفر بالنشاب‏.‏

وفي سنة ست وأربعين ومائتين نكث كثير من قالع صقلية وهي‏:‏ وسطر وابلا وابلاطنوا وقلعة عبد المؤمن وقلعة البلوط وقلعة أبي ثور وغيرها من القالع فخرج العباس إليهم فلقيهم عساكر الروم فاقتتلوا فانهزم الروم وقتل منهم كثير‏.‏

وسار إلى قلعة عبد المؤمن وقلعة ابلاطنوا فحصرها فأتاه الخبر بأن كثيرًا من عساكر الروم قد وصلت فرحل إليهم فالتقوا بجفلودى وجرى بينهم قتال شديد فانهزمت الروم وعادوا إلى سرقوسة وعاد العباس إلى المدينة وعمر قصريانة وحصنها وشحنها بالعساكر‏.‏

وفي سنك سبع وأربعين ومائتين سار العباس إلى سرقوسة فغمن وسار إلى غيران قرقنة فاعتل ذلك اليوم ومات بعد ثلاثة أيام ثالث جمادى الآخرة فدفن هناك فنبشه الروم وأحرقوه وكانت ولايته إحدى عشرة سنة وأدام الجهاد شتاء وصيفا وغزا أرض قلورية وانكبردة وأسكنها المسلمين‏.‏

ذكر ابتداء أمر يعقوب بن الليث


وفيها تغلب إنسان من أهل بست اسمه صالح بن النضر الكناني على سجستان ومعه يعقوب بن الليث فعاد طاهر بن عبد الله بن طاهر أمير خراسان واستنقذها من يده‏.‏

ثم ظهر بها إنسان اسمه درهم بن الحسين من المتطوعة فتغلب عليها وكان غير ضابط لعسكره وكان يعقوب بن الليث هوقائد عسكره فلما رأى أصحاب درهم ضعفه وعجزه اجتمعوا على يعقوب بن الليث وملكوه أمرهم لما رأوا من تدبيره وحسن سياسته وقيامه بأمورهم فلما تبين ذلك لدرهم لم ينازعه في الأمر وسلمه إليه واعتزل عنه فاستبد يعقوب بالأمر وضبط البلاد وقويت شوكته وقصدته العساكر من كل ناحية وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ولي عبيد بن إسحاق بن إبراهيم بغداد ومعاون السواد‏.‏

وفيها قدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان في ربيع الأول فولي الحربة والشرطة وخلافة المتوكل ببغداد وأعمال السواد وأقام بها‏.‏

وفيها عزل أبوالوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد عن المظالم وولاها محمد بن يعقوب المعروف بابن الربيع‏.‏

وفيها أمر المتوكل جثة أحمد بن نصر الخزاعي ودفعه إلى أوليائه فحمل إلى بغداد وضم رأسه إلى بدنه وغسل وكفن ودفن واجتمع عليه من العامة ما لا يحصى يتمسحون به وكان المتوكل وغزا الصائفة في هذه السنة علي بن يحيى ارمني وحج بالناس فيها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور وكن والي مكة‏.‏

وفيها قام رجل بالأندلس بناحية الثغور وادعى النبوة وتأول القرآن على غير تأويله فتبعه قوم من الغوغاء فكان من شرائعه أنه كان ينهى عن قص الشعر وتقليم الأظافر فبعث إليه عامل ذلك البلد فأتي به وكان أول ما خاطبه به من دعاه إلى أتباعه فأمره العامل بالتوبة فامتنع فصلبه‏.‏

وفيها سارت جيوش المسلمين إلى بلاد المشركين فكانت بينهم وقعة عظيمة كان الظفر فيها للمسلمين وهي الوقعة المعروفة بوقعة البيضاء وهي مشهورة بالأندلس‏.‏

وفيها توفي العباس بن الوليد المديني بالبصرة وعبد الأعلى بن حماد النرسي وعبيد الله بن معاذ العنبري‏.‏

النرسي بالنون والراء والسين المهملة‏.‏

حوادث سنة ثمان وثلاثين ومائتين

ذكر ما فعله بغا بتفليس


قد ذكرنا مسير بغا إلى تفليس ومحاصرتها وكان بغا لما سار إليها وجه زيرك التركي فجاز نهر الكر وهونهر كبير ومدينة تفليس على حافته وصغدبيل على جانبه الشرقي فلما عبر النهر نزل بميدان تفليس ووجه بغا أيضًا أبا العباس الوارثي النصراني إلى أهل أرمينية عربها وعجمها فأتى تفليس مما يلي باب المرفص فخرج إسحاق بن إسماعيل مولى بني أمية من تفليس إلى زيرك فقابل عند الميدان ووقف بغا على تل مشرف ينظر ما يصنع زيرك وأبوالعباس فدعا بغا النفاطين فضربوا المدينة بالنار فاحرقوها وهي من خشب الصنوبر‏.‏

وأقبل إسحاق بن إسماعيل إلى المدينة فرأى قد أحرقت قصره وجواريه وأحاطت به فأتاه الأتراك والمغاربة فأخذوه أسيرًا وأخذوا ابنه عمرا فأتوا بهما بغا فأمر بإسحاق فضربت عنقه وصلبت جثته على نهر الكر وكان شيخًا محدورا ضخم الرأس أحول واحترق بالمدينة نحوخمسين ألف إنسان وأسروا من سلم من النار وسلبوا الموتى‏.‏

وأخذ أهل إسحاق ما سلم من ماله بصغدبيل وهي مدينة حصينة حذاء تفليس بناها كسرى أنو شروان وحصنها إسحاق وجعل أمواله فيها مع امرأته ابنه صاحب السرير‏.‏

ثم إن بغا وجه زيرك إلى قلعة الحرزمان وهي بين برذعة وتفليس في جماعة من جنده ففتحها واخذ بطريقها أسيرًا ثم سار بغا إلى عيسى ابن يوسف وهوفي قلعة كبيش في كورة البيلقان ففتحها وأخذه فحمله وحمل معه أبا العباس الوارثي واسمه سنباط بن أشوط وحمل معاوية بن سهل بن سنباط بطريق أران‏.‏

ذكر مسير الروم إلى ديار مصر

في هذه السنة جاء ثلاثمائة مركب للروم مع ثلاثة رؤساء فأناخ أحدهم في مائة مركب بدمياط وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة يكون ماؤها إلى صدر الرجل فمن جازها إلى الأرض أمن من مراكب البحر فجازه قوم فسلموا وغرق كثير من نساء وصبيان ومن كان به قوة سار إلى مصر‏.‏

وكان على معونة مصر عنبسة بن إسحاق الضبي فلما حضر العيد أمر الجند الذين بدمياط أن يحضروا مصر فساروا منها فاتفق وصول الروم وهي فارغة من الجند فنهبوا وأحرقوا وسبوا وأحرقوا جامعها وأخذوا ما بها من سلاح ومتاع وقند وغير ذلك وسبوا من النساء المسلمات والذميات نحوستمائة امرأة وأوقروا سفنهم من ذلك‏.‏

وكان عنبسة قد حبس بن الأكشف بدمياط فكسر قيده وخرج يقاتلهم وتبعه جماعة وقتل من الروم جماعة وسارت الروم إلى أشنوم تنيس وكان عليه سور وبابان من حديد قد عمله

ذكر وفاة عبد الرحمن بن الحكم وولاية ابنه محمد

وفيها توفي عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية ابن هشام الأموي صاحب الأندلس في ربيع الآخر وكان مولده سنة ست وسبعين ومائة وولايته إحدى وثلاثين سنة وثلاثة أشهر‏.‏

وكان أسمر طويلا أقنى أعين عظيم اللحية مخضبًا بالحناء وخلف خمسة وأربعين ولدًا ذكورا وكان أديبا شاعرا وهومعدود في جملة من عشق جواريه وكان يعشق جارية له اسمها طروب وشهر بها وكان عالمًا بعلوم الشريعة وغيرها من علوم الفلاسفة وغيرهم أيامه أيام عافية وسكون وكثرت الأموال عنده وكان بعيد الهمة واخترع قصورا ومنتزهات كثيرة وبنى الطرق وزاد في الجامع بقرطبة رواقين وتوفي قبل أن يستتم زخرفته وأتمه ابنه وبنى جوامع كثيرة بالأندلس‏.‏

ولما مات ملك ابنه محمد فجرى على سيرة والده وأتم بناء الجامع بقرطبة وأمه تسمى بهتر وولد له مائة ولد كلهم ذكور وهوأول من أقام أبهة الملك بالأندلس ورتب رسوم المملكة وعلا عن التبذل للعامة فكان يشبه بالوليد بن عبد الملك في أبهة الملك وهوأول من جلب الماء العذب إلى قرطبة وأدخله إليها وجعل لفصل الماء مصنعًا كبيرًا يرده الناس‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سار المتوكل نحوالمدائن فدخل بغداد وسار منها إلى المدائن وغزا الصائفة على علي بن يحيى الأرمني‏.‏

وفيها مات إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وكان إمامًا عالما وجرى له مع الشافعي مناظرة في بيوت مكة وكان عمره سبعًا وسبعين سنة ومحمد بن بكار المحدث‏. ‏ حوادث سنة تسع وثلاثين ومائتين

في هذه السنة أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس ذراعين عسليتين على الأقبية والدراريع وبالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين‏.‏

فيها نفى المتوكل علي بن الجهم إلى خراسان‏.‏

وفيها أمر المتوكل بهدم البيع المحدثة في الإسلام‏.‏

وفيها سير محمد بن عبد الرحمن جيشًا مع أخيه الحكم إلى قلعة رباح وكان أهل طليطلة قد خربوا سورها وقتلوا كثيرًا من أهلها وأصلح الحكم سورها وأعاد من فارقها من أهلها إليها وأصلح حالها وتقدم إلى طليطلة فأفسد في نواحيها وشعثها وسير محمد أيضًا جيشًا آخر إلى طليطلة فلما قاربوها خرجت عليهم الجنود من المكامن فانهزم العسكر وأصيب أكثر من فيه‏.‏

وفيها مات أبوالوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد القاضي ببغداد في ذي الحجة وغزا الصائفة علي بن يحيى الأرمني‏.‏

وفيها حج جعفر بن دينار على الأحداث بطريق مكة والموسم وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى وكان والي مكة‏.‏

وفيها اتفق الشعانين للنصارى ويوم النيروز وذلك يوم الأحد لعشرين ليلة خلت من ذي القعدة فزعمت النصارى أنهما لم يجتمعا في الإسلام قط‏.‏

وفيها توفي محمود بن غيلان المروزي أبوأحمد وهومن مشايخ البخاري ومسلم والترمذي‏.‏

حوادث سنة أربعين ومائتين

ذكر وثوب أهل حمص بعاملهم


في هذه السنة وثب أهل حمص بعاملهم أبي المغيث موسى بن إبراهيم الرافعي وكان قتل رجلًا من رؤسائهم فقتلوا جماعة من أصحابه وأخرجوه وأخرجوا عامل الخراج فبعث المتوكل إليهم عتاب بن عتاب ومحمد بن عبدويه الأنباري وقال لعتاب‏:‏ قل لهم إن أمير المؤمنين قد بدلكم بعاملكم فإن أطاعوا فول عليهم محمد بن عبدويه فإن أبوا فأقم وأعلمني حتى أمدك برجال وفرسان‏.‏

فساروا إليهم فوصلوا في ربيع الآخر فرضوا بمحمد بن عبدويه فعمل فيهم الأعاجيب حتى أحوجهم إلى محاربته على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ذكر الحرب بين المسلمين والفرنج بالأندلس

وفي هذه السنة في المحرم كان بين المسلمين والفرنج حرب شديدة‏.‏

وسبب ذلك أن أهل طليطلة كانوا على ما ذكرنا من الخلاف على محمد ابن عبد الرحمن صاحب الأندلس وعلى أبيه من قبله فلما كان الآن سار محمد في جيوشه إلى طليطلة فلما سمع أهلها بذلك أرسلوا إلى ملك جليقية يستمدونه وإلى ملك بشكنس فأمداهم بالعساكر الكثيرة‏.‏

فلما سمع محمد بذلك وكان قد قارب طليطلة عبأ أصحابه وقد كمن لهم الكمناء بناحية وادي سليط وتقدم هوإليهم في قلة من العسكر فلما رأى أهل طليطلة ذلك أعلموا الفرنج بقلة عددهم فسارعوا إلى قتالهم وطمعوا فيهم فلما تراءى الجمعان وانتشب القتال خرجت الكمناء من كل جهة على المشركين وأهل طليطلة فقتل منهم ما لا يحصى وجمع من الرؤوس ثمانية آلاف رأس فرقت في البلاد فذكر أهل طليطلة أن عدة القتلى من الطائفتين عشرون ألف قتيل وبقيت القتلى على وادي سليط دهرًا طويلًا‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عزل يحيى بن أكثم عن القضاء وقبض منه ما مبلغه خمسة وسبعون ألف دينار وأربعة آلاف جريت بالبصرة‏.‏

وفيها جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي قضاء القضاة وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن محمد بن داود وكان على أحداث الموسم جعفر بن دينار‏.‏

وفيها توفي القاضي أبوعبد الله بن أبي دؤاد في المحرم بعد ابنه أبي الوليد بعشرين يوما وكان داعية إلى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهب المعتزلة وأخذ ذلك عن بشر المريسي وأخذه بشر من الجهم بن صفوان وأخذه جهم من الجعد بن أدهم وأخذه الجعد من أبان بن سمعان وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد الأعصم وختنه وأخذه طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان لبيد يقول بخلق التوراة وأول من صنف في ذلك طالوت وكان زنديقا فأفشى الزندقة‏.‏

وفيها توفي قتيبة بن سعيد بن حميد أبورجاء الثقفي وله تسعون سنة وهوخراساني من مشايخ البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة وتوفي أبوثور إبراهيم بن خالد البغدادي الكلبي الفقيه وهومن أصحاب الشافعي وأبو عثمان محمد بن الشفعي وكان قاضي الجزيرة جميعها وروى عن أبيه وعن ابن عنبسة وقيل مات بعد سنة أربعين‏.‏

وكان للشافعي ولد آخر اسمه محمد مات بمصر سنة إحدى وثلاثين ومائتين‏.‏

حوادث سنة إحدى وأربعين ومائتين

ذكر وثوب أهل حمص بعاملهم


في هذه السنة وثب أهل حمص بعاملهم محمد بن عبدويه وأعانهم عليه قوم من نصارى حمص فكتب إلى المتوكل فكتب إليه يأمره بمناهضتهم وأمده بجند من دمشق والرملة فظفر بهم

فضرب منهم رجلين من رؤسائهم حتى ماتا وصلبهما على باب حمص وسير ثمانية رجال المتوكل بإخراج النصارى منها وهدم كنائسهم وبإدخال البيعة التي إلى جانب الجامع إلى الجامع ففعل ذلك‏.‏

ذكر الفداء بين المسلمين والروم

وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم بعد أن قتلت تدورة ملكة الروم من أسرى المسلمين اثني عشر ألفا فإنها عرضت النصرانية على الأسرى فمن تنصر جعلته أسوة من قبله من المنتصرة ومن أبى قتلته وأرسلت تطلب المفاداة لمن بقي منهم فأرسل المتوكل شنيفًا الخادم القضاء من يقوم مقامه فأذن له فحضره واستخلف على القضاء ابن أبي الشوارب وهوشاب ووقع الفداء على نهر اللامس فكان أسرى المسلمين من الرجال سبع مائة وخمسة وثمانين رجلا ومن النساء مائة وخمسًا وعشرين امرأة‏.‏

وفيها جعل المتوكل كل كورة شمشاط عشرية وكانت خراجية‏.‏

ذكر غارات البجاة بمصر

وفيها أغارت البجاة على أرض مصر وكانت قبل ذلك لا تغور بلاد الإسلام لهدنة قديمة

وقد ذكرناها فيما مضى وفي بلادهم معادن يقاسمون المسلمين عليها ويؤدون إلى عمال مصر نحوالخمس‏.‏

فلما كانت أيام المتوكل امتنعت عن أداء ذلك فكتب صاحب البريد بمصر بخبرهم وأنهم قتلوا عدة من المسلمين ممن يعمل في المعادن فهرب المسلمون منها خوفًا على أنفسهم فأنكر المتوكل ذلك فشاور في أمرهم فذكرله أنهم أهل بادية أصحاب إبل وماشية وأن الوصول إلى بلادهم صعب لأنها مفاوز وبين أرض الإسلام وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة وأن كل من يدخلها من الجيوش يحتاج إلى أن يتزود لمدة يتوهم أنه يقيمها إلى أن يخرج إلى بلاد الإسلام فإن جاوز تلك المدة هلك وأخذتهم البجاة باليد وأن أرضهم لا ترد على سلطان شيئًا‏.‏

فأمسك المتوكل عنهم فطمعوا وزاد شرهم حتى خاف أهل الصعيد على أنفسهم منهم فولى المتوكل محمد بن عبد الله القمي محاربتهم وولاه معونة تلك الكور وهي قفط والأقصر وأسنا وأرمنت وأسوان وأمره بمحاربة البجاة وكتب إلى عبسنة بن إسحاق الضبي عامل حرب مصر بإزاحة علته وإعطائه من الجند ما يحتاج إليه ففعل ذلك‏.‏

وسار محمد إلى أرض البجاة وتبعه ممن يعمل في المعادن والمتطوعة عالم كثير فبلغت عدتهم نحوًا من عشرين ألفًا بين فارس وراجل ووجه إلى القلزم فحمل في البحر سبعة مراكب موقورة بالدقيق والزيت والتمر والشعير والسويق وأمر أصحابه أن يوافوه بها في ساحل البحر مما يلي بلاد البجاة وسار حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها الذهب وسار إلى حصونهم وقلاعهم وخرج إليه ملكهم واسمه علي بابا في جيش كثير أضعاف من مع القمي فكانت البجاة على الإبل وهي إبل فرة تشبه المهاري فتحاربوا أياما ولم يصدقهم علي بابا القتال لتطول الأيام وتفنى أزواد المسلمين وعلوفاتهم فيأخذهم بغير حرب فأقبلت تلك المراكب التي فيها الأقوات في البحر ففرق القمي ما كان فيها في أصحابه فامتنعوا فيها‏.‏

فلما رأى علي بابا ذلك صدقهم القتال وجمع لهم فالتقوا قتالًا شديدا وكانت إبلهم ذعرة تنفر من كل شيء فلما رأى القمي ذلك جمع كل جرس في عسكره وجعلها في أعناق خيله ثم حملوا على البجاة فنفرت إبلهم لأصوات الأجراس فحملتهم على الجبال والأودية وتبعهم المسلمون قتلًا وأسرا حتى أدركهم الليل وذلك أول سنة إحدى وأربعين ومائتين ثم رجع إلى معسكره ولم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتهم‏.‏

ثم إن ملكهم علي بابا طلب الأمان فأمنه على أن يرد مملكته وبلاده فأدى إليهم الخراج للمدة التي كان منعها وهي أربع سنين وسار مع القمي إلى المتوكل واستخلف على مملكته ابنه بغش فلما وصل إلى المتوكل خلع عليه وعلى أصحابه وكسا جمله رحلًا كليحًا وجلال ديباج

وولى المتوكل البجاة طريق مصر ما بين مصر ومكة سعدًا الخادم الإيتاخي فولى الإيتاخي محمدًا القمي فرجع إليها ومعه علي بابا وهوعلى دينه وكان معه صمن من حجارة كهيئة الصبي يسجد له‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها مطر الناس بسامرا مطرًا شديدًا في آب‏.‏

وقيل فيها‏:‏ إنه أنهي إلى المتوكل أن عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب خان عاصم ببغداد يشتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة فكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر أن يضربه بالسياط فإذا مات ورمى به في دجلة ففعل ذلك وألقي في دجلة‏.‏

وفيها وقع بها الصدام فنفقت الدواب والبقر‏.‏

وفيها أغارت الروم على عين زربة فأخذت من كان أسيرًا من الزط مع نسائهم وذراريهم ودوابهم‏.‏

وفيها اكثر محمد صاحب الأندلس من الرجال بقلعة رباح وتلك النواحي ليقفوا على أهل طليطلة وسير الجيوش إلى غزوالفرنج إلى موسى فدخلوا بلادهم ووصلوا إلى ألبة والقلاع وافتتحوا بعض حصونها وعادوا‏.‏

ومات في هذه السنة يعقوب بن إبراهيم المعروف بقوصرة صاحب بريد مصر والغرب وحج بالناس عبد الله بن محمد بن داود وحج جعفر ابن دينار وهووالي الطريق وأحداث الموسم‏.‏

وفيها كثر انقضاض النجوم فكانت كثيرة لا تحصى فبقيت ليلة من العشاء الآخرة إلى الصبح‏.‏

وفيها كانت بالري زلزلة شديدة هدمت المساكن ومات تحتها خلق كثير لا يحصون وبقيت تتردد فيها أربعين يومًا‏.‏

وفيها خرجت ريح من بلاد الترك فقتلت خلقًا كثيرا وكان يصيبهم بردها فيزكمون فبلغت سرخس ونيسابور وهمذان والري فانتهت إلى حلوان‏.‏

وفيها توفي الإمام أحمد بن حنبل الشيباني الفقيه المحدث في شهر ربيع الأول‏.‏

حوادث سنة اثنتين وأربعين ومائتين

في هذه السنة كانت زلازل هائلة بقومس ورساتيقها في شعبان فتهدمت الدور وهلك تحت الهدم بشر كثير قيل كانت عدتهم خمسة وأربعين ألفًا وستة وتسعين نفسا وكان أكثر ذلك بالدامغان وكان بالشام وفارس وخراسان في هذه السنة زلازل وأصوات منكرة وكان باليمن مثل ذلك مع خسف‏.‏

وفيها خرجت الروم من ناحية سميساط بعد خروج علي بن يحيى الأرمني من الصائفة حتى قاربوا آمد وخرجوا من الثغور والجزرية فانتهبوا وأسروا نحوًا من عشرة آلاف وكان دخولهم من ناحية أرين قرية قريباس ثم رجعوا فخرج قريباس وعمر بن عبد الله الأقطع وقوم من المتطوعة في آثارهم فلم يلحقوهم فكتب المتوكل إلى علي بن يحيى الأرمني أن يسير إلى بلادهم شاتيًا‏.‏

وفيها قتل المتوكل رجلًا عطارا وكان نصرانيًا فأسلم فمكث مسلمًا سنين كثيرة ثم ارتد واستتيب فأبى الرجوع إلى الإسلام فقتل وأحرق‏.‏

وفيها سير محمد بن عبد الرحمن بالأندلس جيشًا إلى بلد المشركين فدخلوا إلى برشلونة وحارب قلاعها وجازها إلى ما وراء أعمالها فغمنوا كثيرا وافتتحوا حصنًا من أعمال برشلونة يسمى طراجة وهومن آخر حصون برشلونة‏.‏

وفيها مات أبوالعباس محمد بن الأغلب أمير إفريقية عاشر المحرم كان عمره ستًا وثلاثين سنة وولي بعده ابنه أبوإبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب وقد ذكرنا ذلك سنة ست وعشرين ومائتين‏.‏

وفيها مات أبوحسان الزيادي قاضي الشرقية ومات الحسن بن علي بن الجعد قاضي مدينة المنصور وحج بالناس عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام وهوعلى مكة وحج

جعفر بن دينار على الطريق وأحداث الموسم وتوفي القاضي يح بن أكثم التميمي بالربذة عائدًا من الحج ومحمد بن مقاتل الرازي وأبوحصين يحيى بن سليم الرازي المحدث‏.‏

حوادث سنة ثلاث وأربعين ومائتين

وفي هذه السنة سار المتوكل إلى دمشق في ذي القعدة على طريق الموصل فضحى ببلد فقال يزيد بن محمد المهلبي‏:‏ أظن الشام تشمت بالعراق إذا عزم الإمام على انطلاق فإن يدع العراق وساكينه فقد تبلى المليحة بالطلاق وفيها مات إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول الصولي وكان أديبًا شاعرا فولي ديوان الضياع الحسن بن مخلد الجراح خليفة إبراهيم‏.‏

ومات عاصم بن منجور وحج بالناس عبد الصمد بن موسى وحج جعفر بن دينار وهووالي الطريق وأحداث الموسم‏.‏

وفيها خرج أهل طليطلة بجمعهم إلى كلبيرة وعليها مسعود بن عبد الله العريف فخرج إليهم فيمن معه ن الجنود فلقيهم فقاتلهم فانهزم أهل طليطلة وقتل أكثرهم وحمل إلى قرطبة سبع مائة رأس‏.‏

وفيها توفي يعقوب بن إسحاق بن يوسف المعروف بابن السكيت النحوي الغوي وقيل سنة أربع وقيل خمس وقيل ست وأربعين والحارث ابن أسد المحاسبي أبوعبد الله الزاهد وكان قد هجره الإمام أحمد بن حنبل لأجل الكلام فاختفى لتعصب العامة لأحمد فلم يصل عليه إلا أربعة نفر‏.‏

حوادث سنة أربع وأربعين ومائتين

في هذه السنة دخل المتوكل مدينة دمشق في صفر وعزم على المقام بها ونقل دواوين الملك إليها وأمر بالبناء بها ثم استوبأ البلد وذلك بان هواءه بارد ندي والماء ثقيل والريح تهب فيها مع العصر فلا تزال تشتد حتى يمضي عامة الليل وهي كثيرة البراغيث وغلت الأسعار وحال الثلج بين السابلة والميرة فرجع إلى سامرا وكان مقامه بدمشق شهرين وأياما فلما كان بها وجه بغا الكبير لغزوالروم فغزا الصائفة فافتتح صملة‏.‏

وفيها عقد المتوكل لأبي الساج على طريق مكة مكان جعفر بن دينار وقيل عقد له سنة اثنتين وأربعين وهوالصواب‏.‏

وفيها أتى المتوكل بحربة كانت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسمى العنزة فكانت لنجاشي فأهداها للزبير بن العوام وأهداها الزبير للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي التي كانت تركز بين يدي النبي صلى اله عليه وسلم في العيدين فكان يحملها بين يديه صاحب الشرطة‏.‏

وفيها غضب المتوكل على بختيشوع الطبيب وقبض ماله ونفاه إلى البحرين‏.‏

وفيها اتفق عبد الأضحى والشعانين لنصارى وعبد الفطر لليهود في يوم واحد وحج بالناس فيها عبد الصمد بن موسى‏.‏

وفيها توفي إسحاق بم موسى بن عبد الله بن موسى الأنصاري وعلي بن حجر السعدي المروزي وهما إمامان في الحديث ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ومحمد بن عبد الله بن أبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية القاضي في جمادى الأولى‏.‏

أسيد بفتح الهمزة‏.‏

حوادث سنة خمس وأربعين ومائتين

في هذه السنة أمر المتوكل ببناء الماخورة وسماها الجعفرية وأقطع القواد وأصحابه فيها وجد في بنائها وأنفق عليها فيما قل أكثر من ألفي ألف دينار وجمع فيها القراء فقرأوا وحضرها أصحاب الملاهي فوهب أكثر من ألفي ألف درهم وكان يسميها هو وأصحابه المتوكلية وبنى فيها قصرًا سماه لؤلؤة لم ير مثله في علوه وحفر لها نهرًا يسقي ما حولها فقتل المتوكل فبطل حفر النهر وأخربت الجعفرية‏.‏

وفيها زلزلت بلاد المغرب فخربت الحصون والمنازل والقناطر ففرق المتوكل ثلاثة آلاف ألف درهم فيمن أصيب بمنزله وزلزل عسكر المهدي والمدائن وزلزلت أنطاكية فقتل بها خلق كثير فسقط منها ألف وخمس مائة دار وسقطج من سورها نيف وتسعون برجا وسمعوا أصواتًا هائلة لا يحسنون وصفها وتقطع جبلها الأقرع وسقط في البحر‏.‏

وهاج البحر ذلك اليوم وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن وغار منها نهر على فرسخ لا يدري أين ذهب وسمع أهل سيس فيما قيل صيحة دائمة هائلة فمات منها خلق كثير فتزلزلت ديار الجزيرة والثغور وطرسوس وأدنة وزلزلت الشام فلم يسمع من أهل اللاذقية إلا اليسير وهلك أهل جبلة‏.‏

وفيها غارت مسنيات عين مكة فبلغ ثمن القربة ثمانين درهما فبعث المتوكل مالا وأنفق عليها‏.‏

وفيها مات إسحاق بن أبي إسرائيل وهلال الرازي‏.‏

وفيها هلك نجاح بن سلمة وكان سبب هلاكه أنه كان على ديوان التوقيع وتتبع العمال وكان على الضياع فكان جميع العمال يتوقونه ويقضون حوائجه وكان المتوكل ربما نادمه وكان الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك قد انقطعا إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل وكان الحسن على ديوان الضياع وموسى على ديوان الخراج فكتب نجاح بن سلمة فيهما رقعة إلى المتوكل أنهما خانا وقصرا وأنه يستخرج منها أربعين ألف ألف فقال له المتوكل‏:‏ بكر غدًا حتى أدفعهما إليك‏.‏

فغدا وقد رتب أصحابه لأخذهما فلقيه عبيد الله بن يحيى الوزير فقال له‏:‏ أنا أشير عليك بمصالحتهما وتكتب رقعة أنك كنت شاربا وتكلمت ناسيا وأنا أصلح بينكما وأصلح الحال عند أمير المؤمنين ولم يزل يخدعه حتى كتب خطه بذلك‏.‏

فلما كتب خطه صرفه واحضر الحسن وموسى وعرفهما الحال وأمرهما أن يكتبا في نجاح وأصحابه بألفي ألف دينار ففعلا وأخذ الرقعتين وأدخلهما على المتوكل وقال‏:‏ قد رجع نجاح عما قال وهذه رقعة موسى والحسن ويتقبلان بما كتبا فتأخذ ما ضمنا عليه ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريبًا منه‏.‏

فسر المتوكل بذلك وأمر بدفعه إليهما فأخذاه وأولاده فأقروا بنحومائة أربعين ألف دينار سوى الغلات والغرس والضياع وغير ذلك فقبض ذلك أجمع وضرب ثم عصرت خصيتاه حتى مات وأقر أولاده بعد الضرب بسبعين ألف دينار سوى ما لهما من ملك وغيره فأخذ وفيها أغارت الروم على سميساط فقتلوا وسبوا وأسروا خلقًا كثيرا وغزا علي بن يحيى الأرمني الصائفة ومنع أهل لؤلؤة رئيسهم من الصعود إليها فبعث إليهم ملك الروم بطريقًا يضمن لكل رجل منهم ألف دينار على أن يسلموا إليه لؤلؤة فأصعدوا البطريق إليهم ثم أعطوا أرزاقهم الفائتة وما أرادوا فسلموا لؤلؤة والبطريق إلى بلكاجور فسيره إلى المتوكل فبذل ملك الروم في فدائه ألف مسلم‏.‏

وحج بالناس محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام يعرف بالزيني وهووالي مكة‏.‏

وكان نيروز المتوكل الذي أرفق أهل الخراج بتأخيره إياه عنهم لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الأول ولسبع خلت من حزيران ولثمان وعشرين من أردبيهشت فقال البحتري‏:‏ إن يوم النيروز عاد إلى العه د الذي كان سنه أردشير   ‏  ‏   ‏ ‏ ‏