المجلد السادس - ذكر خروج الكفار بالأندلس إلى بلاد الإسلام

في هذه السنة خرج المجوس من بلاد الأندلس في مراكب إلى بلاد الإسلام فأمر محمد بن عبد

الرحمن صاحب بلاد الإسلام بإخراج العساكر إلى قتالهم وأحرقت المسجد الجامع ثم جازت إلى العدوة فحلت بناكور ثم عادت إلى الأندلس فانهزم أهل تدمير ودخلوا حصن أريوالة‏.‏

ثم تقدموا إلى حائط إفرنجة وأغاروا وأصابوا من النهب والسبي كثيرًا ثم انصرفوا فلقيتهم مراكب محمد فقاتلوهم فأحرقوا مركبين من مراكب الكفار وأخذوا مركبين آخرين فغمنوا ما فيهما فحمي الكفرة عند ذلك وجدوا في القتال فاستشهد جماعة من المسلمين ومضت مراكب المجوس حتى وصلت إلى مدينة بنبلونة فأصابوا صاحبها غرسية الفرنجي فاقتدى نفسه منهم بتسعين ألف دينار‏.‏

وفيها غزا عامل طرسونة إلى بنبلونة فافتتح حصن بيلسان وسبى أهله ثم كانت على المسلمين في اليوم الثاني وقعة استشهد فيها جماعة‏.‏

ذكر الحرب بين البربر وابن الأغلب بإفريقية

في هذه السنة كانت بين البربر وعسكر أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب وقعة عظيمة في جمادى الآخرة‏.‏

وسببها أن بربر لهان امتنعوا على عامل طرابلس من أداء عشورهم وصدقاتهم وحاربوه فهزموه فقصد لبدة فحصنها وسار إلى طرابلس فسير إليه أحمد بن محمد الأمير جيشًا مع أخيه زيادة الله فانهزم البربر وقتل منهم خلق كثير وسير زيادة الله الخيل في آثارهم فقتل من أدرك منهم وأسر جماعة فضربت أعناقهم وأحرق ما كان في عسكرهم فأذعن البربر بعدها وأعطوا الرهن وأدوا طاعتهم‏.‏

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة توفي يعقوب بن إسحاق النحوي المعروف بابن السكيت وكان سبب موته أنه اتصل بالمتوكل فقال له‏:‏ أيما أحب إليك المعتز والمؤيد أوالحسن والحسين فتنقص ابنيه وذكر الحسن والحسين عليهما السلام بما همل أهل له فأمر الأتراك فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات‏.‏

وفيها توفي ذوالنون المصري في ذي العقدة وأبوتراب النخشبي الصوفي نهشته السباع فمات بالبادية وأبوعلي الحسين بن علي المعروف بالكرابيسي صاحب الشافعي وقيل مات سنة ثمان وأربعين وسوار بن عبد الله القاضي العنبري وكان قد عمي‏.‏

وفيها غزا عمرو بن عبد الله الأقطع الصائفة فأخرج سبعة عشر ألف راس وغزا قريباس وأخرج خمسة آلاف رأس وغزا الفضل ابن قارن بحرًا في عشرين مركبا فافتتح حصن أنطاكية وغزا بلكاجور فغمن وسبى وغزا علي بن يحيى الأرمني فأخرج خمسة آلاف رأس ومن الدواب والرمك والحمير ونحوًا من عشرة آلاف رأس‏.‏

وفيها تحول المتوكل إلى الجعفرية‏.‏

وفيها كان الفداء على يد علي بن يحيى الأرمني ففودي بألفين وثلاثمائة وسبعة وستين نفسًا‏.‏

وفيها مطر أهل بغداد نيفًا وعشرين يوما حتى نبت العشب فوق الاجاجير وصلى المتوكل صلاة الفطر بالجعفرية وورد الخبر أن سكة بناحية بلخ تعرف بسكة الدهاقين مطرت دمًا عبيطًا وحج بالناس هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي وضحى أهل سامرا يوم الاثنين على الرؤية وأهل مكة يوم الثلاثاء‏.‏

وفيها سار محمد بن عبد الرحمن صاحب الأندلس في جيوش عظيمة وأهبة كثيرة إلى بلد بنبلونة فوطئ بلادها ودوخها وخربها ونهبها وقتل فيها فأكثر وافتتح حصن فيروس وحصن فالحسن وحصن القشتل وأصاب فيه فرتون بن غرسية فحبسه بقرطبة عشرين سنة ثم أطلقه إلى بلده وكان عمره لما مات ستًا وتسعين سنة وكان مقام محمد بنبلونة اثنين وثلاثين أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل أو أَقتنا عِندَهُ كَلبًا بِلا سَبَبٍ عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم وَإِن قَدَرتَ فَحَتمًا مُنكَرًا أزلِ هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي رحمه الله لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لحم نبت من حرام النار أولى به‏)‏‏.‏

والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر‏.‏

قوله دع‏:‏ أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز‏.‏

والغيبة تباح في سبعة عشر موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات‏.‏

أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل أو أَقتنا عِندَهُ كَلبًا بِلا سَبَبٍ عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم وَإِن قَدَرتَ فَحَتمًا مُنكَرًا أزلِ هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي رحمه الله لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لحم نبت من حرام النار أولى به‏)‏‏.‏

والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر‏.‏

قوله دع‏:‏ أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز‏.‏

والغيبة تباح في سبعة عشر موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات‏.‏

أَو عِندَهُ زامِرٌ بِالناى أو وَتَرُ أو عِندَهُ خَمرةٌ أو لَو بِهِ الطَبلُ أو عِندَهُ خائِضٌ في غَيبَهِ مُنِعَت أَو عِندَهُ زَحمَةٌ عَن مالِكٍ فَقُل أو أَقتنا عِندَهُ كَلبًا بِلا سَبَبٍ عَن فَرسَنٍ خَزٍ نُهوا قُم عَنهُ وَارتَحِلِ إِنّ المَلائِكَةَ لا تَأتي أماكِنَهُم وَإِن قَدَرتَ فَحَتمًا مُنكَرًا أزلِ هذه أمور بعضها مسقط للإجابة كما ذكره الغزالي رحمه الله لأنه لا يجب على الإنسان تعاطي المكروهات ومن الثاني ما إذا دعاه من ماله حرام حرمت الاجابة لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لحم نبت من حرام النار أولى به‏)‏‏.‏

والخبيث الحرام والسحت أكله يعمي القلوب والظلمة إذا حصلت في القلب والعياذ بالله حصل الكلال في البصيرة كما يحصل للعين الكلال في البصر‏.‏

قوله دع‏:‏ أي اترك الاجابة الذي في سقفه صور أو جدران بيته أو في ستور معلقة عنده أو في ثياب أو حلل أو مخاد لا توطأ ولا يتكأ عليها أو عنده زامر بالناي وهو المزمار العراقي المعروف باليراع أو كان عنده أوتار أو خمر للشرب أو عنده طبل محرم كالكوبة وهي طبل ضيق الوسط دون الرأس أو كان خائضا في غيبة محرمة فإن كانت مباحة جاز‏.‏

والغيبة تباح في سبعة عشر موضعا نظمتها في جملة أبيات من جملة قصيدة وهي هذه الأبيات‏.‏

وفيها توفي دعبل بن علي الخزاعي الشاع وكان مولده سنة ثمان وأربعين ومائة وكان يتشيع‏.‏

وفيها توفي السري بن معاذ الشيباني بالري وكان أميرًا عليها حسن السيرة من أهل الفضل وتوفي أحمد بن إبراهيم الدورقي ببغداد ومحمد بن سليمان الأسدي الملقب بكوين‏.‏

حوادث سنة سبع وأربعين ومائتين

ذكر مقتل المتوكل


وفي هذه السنة قتل المتوكل وكان سبب قتله أنه أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل وإقطاعها الفتح بن خاقان فكتبت وصارت إلى الخاتم فبلغ ذلك وصيفا وكان المتوكل أراد أن يصلي بالناس أول جمعة في رمضان وشاع في الناس واجتمعوا لذلك وخرج بنوهاشم من بغداد لرفع القصص وكلامه إذا ركب‏.‏

فلما كان يوم الجمعة وأراد الركوب للصلاة قال له عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان‏:‏ إن الناس قد كثروا من أهل بيتك ون غيرهم فبعض متظلم وبعض طالب حاجة وأمير المؤمنين يشكوضيق الصدر وعلة به فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بعض ولاة العهود بالصلاة ونكون معه فليفعل‏.‏

فأمر المنتصر بالصلاة فلما نهض للركوب قالا له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تأمر المعتز بالصالة فقد اجتمع الناس لتشرفه بذلك وقد بلغ الله به وكان قد ولد للمعتز قبل ذلك ولد فأمر المعتز فركب فصلى بالناس وأقام المنتصر في داره بالجعفرية فزاد ذلك في إغرائه‏.‏

فلما فرغ المعتز من خطبيه قام إليه عبيد الله والفتح بن خاقان فقبلا يديه ورجليه فلا فرغ من الصلاة انصرف ومعه الناس في موكب الخلافة حتى دخل على أبيه فأثنوا عليه عنده فسره ذلك‏.‏

فلما كان عيد الفطر قال‏:‏ مروا المنتصر يصلي بالناس‏!‏ فقال له عبيد الله‏:‏ قد كان الناس يتطلعون إلى رؤية أمير المؤمنين واحتشدوا لذلك فلم يركب ولا يأمن إن هولم يركب اليوم أن يرجف الناس بعلته فإذا رأى أمير المؤمنين أن يسر الأولياء ويكبت الأعداء بركوبه فليفعل‏.‏

فركب وقد وصف له الناس نحوأربعة أميال وترجلوا بين يديه فصلى ورجع فأخذ حفنة من التراب فوضعها على رأسه وقال‏:‏ إني رأيت كثرة هذا الجمع ورأيتهم تحت يدي فأحببت أن أتراضع لله فلما كان اليوم الثالث افتصد واشتهى لحم جزور فأكله وكان قد حضر عنده ابن الحفصي وغيره فأكلوا بين يديه‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن يوم أسر من ذلك اليوم ودعا الندماء والمغنين فحضروا وأهدت له أم المعتز مطرف خز أخضر لم ير الناس مثله فنظر إليه فأطال وأكثر تعجبه منه وأمر فقطع نصفين ورده عليها وقال لرسولها‏:‏ والله إن نفسي لتحدثني أني لا ألبسه وما احب أن يلبسه أحد بعدي ولهذا أمرت بشقه‏.‏

قال فقلنا‏:‏ نعيذك بالله أن تقول مثل هذا قال‏:‏ وأخذ في الشرب واللهو‏.‏

ولج بأن يقول‏:‏ أنا والله مفارقكم عن قليل‏!‏ ولم يزل في لهوه وسروره إلى الليل‏.‏

وكان قد عزم هوالفتح أن يفتكا بكرة غد بالمنتصر ووصيف وبغا وغيرهم من قواد الأتراك وقد كان المنتصر واعد الأتراك ووصيفًا وغيره على قتل المتوكل‏.‏وكثر عبث المتوكل قبل ذلك بيوم بابنه المنتصر مرة يشتمه ومرة يسقيه فوق طاقته ومرة يأمر بصفعه ومرة يتهدده بالقتل ثم قال للفتح‏:‏ برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن لم تلطمه يعني المنتصر فقام إليه فلطمه مرتين ثم أمر يده على قفاه ثم قال لمن حضره‏:‏ اشهدوا عليّ جميعًا أني قد خلعت المستعجل يعني المنتصر ثم التفت إليه فقال‏:‏ سميتك المنتصر فسماك الناس لحمقك المنتظر ثم صرت الآن المستعجل‏.‏

فقال المنتصر‏:‏ لوأمرت بضرب عنقي كان أسهل عليّ مما تفعله بي فقال‏:‏ اسقوه ثم أمر بالعشاء فأحضر وذلك في جوف الليل فخرج المنتصر من عنده وأمر بنانًا غلام أحمد بن يحيى أن يلحقه وأخذ بيد زرافة الحاجب وقال له‏:‏ امض معي‏!‏ فقال‏:‏ إن أمير المؤمنين لم يمن فقال‏:‏ إنه

قد أخذ منه النبيذ والساعة يخرج بغا والندماء وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إلي فإن أوتامش سألني أن أزوج ولده من ابنتك وابنك من ابنته فقال‏:‏ نحن عبيدك فمر بأمرك‏!‏ فسار معه إلى حجرة هناك وأكلا طعاما فسمعا الضجة والصراخ فقاما وإذا بغا قد لقي المنتصر فقال المنتصر‏:‏ ما هذا فقال‏:‏ خير يا أمير المؤمنين قال‏:‏ ما تقول ويلك قال‏:‏ أعظم الله أجرك في سيدنا أمير المؤمنين كان عبًا لله دعاه فأجابه‏.‏

فجلس المنتصر وأمر بباب البيت الذي قتل فيه المتوك فأغلق وأغلقت الأبواب كلها وبعث إلى وصيف يأمره بإحضار المعتز والمؤيد عن رسالة المتوكل‏.‏

وأما كيفية قتل المتوكل فإنه لما خرج المنتصر دعا المتوكل بالمائدة وكان بغا الصغير المعروف بالشرابي قائمًا عند الستر وذلك اليوم كان نوبة بغا الكبير وكان خليفته في الدار ابنه موسى وموسى هوابن خالة المتوكل وكان أبوه يومئذ بسميساط فدخل بغا الصغير إلى المجلس فأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم فقال له الفتح‏:‏ ليس هذا وقت انصرافهم وأمير المؤمنين لم يرتفع فقال بغا‏:‏ إن أمير المؤمنين أمرني أنه إذا جاوز السبعة لا أترك أحدا وقد شرب أربعة عشر رطلا وحرم أمير المؤمنين خلف الستارة‏.‏

وأخرجهم فلم يبق إلا الفتح وعثعث وأربعة من خدم الخاصة وأبوأحمد بن المتوكل وهوأخوالمؤيد لأمه‏.‏

وكان بغا الشرابي أغلق الأبواب كلها إلا باب الشط ومنه دخل القوم الذين قتلوه فبصر بهم أبوأحمد فقال‏:‏ ما هذا يا سفل‏!‏ وإذا سيوف مسللة فلما سمع المتوكل صوت أي أحمد رفع رأسه فرآهم فقال‏:‏ ما هذا يا بغا فقال‏:‏ هؤلاء رجال النوبة فرجعوا إلى ورائهم عند كلامه ولم يكن واجن وأصحابه وولد وصيف حضروا معهم فقال لهم بغا‏:‏ يا سفل‏!‏ أنتم مقتولون لا محالة فموتوا كرامًا‏!‏ فرجعوا فابتدره بغلون فضربه على كتفه وأذنه فقده فقال‏:‏ مهلًا‏!‏ قطع الله يدك وأراد الوثوب به واستقبله بيده فضربها فأبانها وشاركه باغر فقال الفتح‏:‏ ويلكم‏!‏ أمير المؤمنين‏.‏

ورمى بنفسه على المتوكل فبعجوه بسيوفهم فصاح‏:‏ الموت‏!‏ وتنحى فقتلوه‏.‏

وكانوا قالوا لوصيف ليحضر معهم وقالوا‏:‏ إنا نخاف فقال‏:‏ لا بأس عليكم فقالوا له‏:‏ أرسل معنا بعض ولدك فأرسل معهم خمسة من ولده‏:‏ صالحا وأحمد وعبد الله ونصرا وعبيد الله‏.‏

وقيل إن القوم لما دخلوا نظر إليهم عثعث فقال للمتوكل‏:‏ قد فرغنا من الأسد والحيات والعقارب وصرنا إلى السيوف وذلك أنه ربما أسلى الحية والعقرب والأسد فلما ذكر عثعث السيوف قال‏:‏ يا ويلك‏!‏ أي سيوف فما استتم كلامه حتى دخلوا عليه وقتلوه وقتلوا الفتح وخرجوا إلى المنتصر فسلموا عليه بالخلافة وقالوا‏:‏ مات أمير المؤمنين وقاموا علي رأس زرافة وأرسل المنتصر إلى وصيف‏:‏ إن الفتح قد قتل أبي فقتلته فاحضر في وجوه أصحابك‏!‏ فحضر هووأصحابه فبايعوا‏.‏

وكان عبيد الله بن يحيى في حجرته ينفذ الأمور ولا يعلم وبين يديه جعفر بن حامد إذ كلع عليه بعض الخدم فقال‏:‏ ما يحسبك والدار سيف واحد فأمر جعفرًا بالنظر فخرج وعاد وأخبره أن المتوكل والفتح قتلا فخرج فيمن عنده من خدمه وخاصته فأخبر أن الأبواب مغلقة وأخذ نحوالشط فإذا أبوابه مغلقة فأمر بكسر ثلاثة أبواب وخرج إلى الشط وركب في زورق فأتى منزل المعتز فسأل عنه فلم يصادفه فقال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون قتل نفسه وقتلني‏.‏

واجتمع إلى عبيد الله أصحابه غداة يوم الأربعاء من الأبناء والعجم والأرمن والزواقيل وغيرهم فكانوا زهاء عشرة آلاف وقيل كانوا ثلاثة عشر ألفا وقيل ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف فقالوا‏:‏ ما اصطنعتنا إلا لهذا اليوم فمرنا بأمرك وأذن لنا منل على اللوم ونقتل المنتصر ومن معه‏!‏ فأبى ذلك وقال‏:‏ المعتز في أيديهم‏.‏

وذكر عن علي بن يحيى المنجم أنه قال‏:‏ كنت أقرأ على المتوكل قبل قتله بأيام كتابًا من كتب الملاحم فوقفت على موضع فيه أن الخليفة العاشر يقتل في مجلسه فتوقفت عن قراءته فقال‏:‏ مالك فقلت‏:‏ خير‏!‏ قال‏:‏ لا بد من أن تقرأه فقرأته وحدث عن ذكر الخلفاء فقال‏:‏ ليت

قال أبوالوارث قاضي نصيبين‏:‏ رأيت في النوم آتيًا وهويقول‏:‏ يا نائم العين في جثمان يقظان ما بال عينك لا تبكي بتهتان أما رأيت صروف الدهر ما فعلت بالهاشمي وبالفتح بن خاقان فأتى البريد بعد أيام بقتلهما‏.‏

وكان قتله ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال وقيل ليلة الخميس وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام وكان مولده بفم الصلح في شوال سنة ست ومائتين وكان عمره نحوأربعين سنة‏.‏

وكان أسمر حسن العينين نحيفا خفيف العارضين ورثاه الشعراء فأكثروا ومما قيل فيه قول علي بن الجهم‏:‏ عبيد أمير المؤمنين قتله وأعظم آفات الملوك عبيدها بني هاشم صبرا فكل مصيبة سيبلى على وجه الزمان جديدها

ذكر بعض سيرته

ذكرا أبا الشمط مروان بن أبي الجنوب قال‏:‏ أنشدت المتوكل شعرًا ذكرت فيه الرافضة فعقد لي على البحرين واليمامة وخلع علي أربع خلع وخلع علي المنتصر وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار فنثرت علي وأمر ابنه المنتصر وسعدًا الإيتاخي أن يلقطاها لي ففعلأن والشعر الذي قلته‏:‏ ملك الخليفة جعفر لدين والدنيا سلامه لكم تراث محمد وبعد لكم تشفى الظلامة يرجوالتراث بنوالبنا ت وما لهم فيها قلامه والصهر ليس بوارث والبنت لا ترث الإمامه ما للذين تنحلوا ميراثكم إلا الندامة أخذ الوراثة أهلها فعلام لومكم علامه لوكان حقكم لما قامت على الأنس الثيامه ليس التراث لغيركم لا والإله ولا كرامه أصبحت بين محبكم والمبغضين لكم علامه ثم نثر علي بعد ذلك لشعر قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم‏.‏

وقال يحيى بن أكثم‏:‏ حضرت المتوكل فجرى بيني وبينه ذكر المأمون فقلت بتفضيله وتقريظه

ووصف محاسنه وعلمه ومعرفته قولًا كثيرا لم يقع لموافقة من حضر فقال المتوكل‏:‏ كيف كان يقول في القرآن فقلت‏:‏ كان يقول‏:‏ ما مع القرآن حاجة إلى علم فرض ولا مع السنة وحشة إلى فعل أحد ولا مع البيان والأفهام حجة لتعلم ولا بعد الجحود للبرهان والحق إلا السيف لظهور الحجة‏.‏

فقال المتوكل‏:‏ لم أرد منك ما ذهبت إليه فقال يحيى‏:‏ القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذي نعمة‏.‏

قال‏:‏ فا كان يقول خلال حديثه فإن أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه اله كان يقوله وقد أنسيته قال كان يقول‏:‏ اللهم إني أحمدك على النعم التي لا يحصيها غيرك وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك‏.‏

قال‏:‏ فما كان يقول إذا استحسن شيئا أو بشر بشيء فقد نسيناه قال يحيى‏:‏ كان يقول إن ذكر آلاء الله وكثرتها وتعداد نعمه والحديث بها فرض من الله على أهلها وطاعة لأمره فيها وشكر له عليها فلا حمد لله العظيم الآلاء السابغ النعماء بما هوأهله ومستوجبه من محامده القاضية حقه البالغة شكره المانعة غيره الموجبة مزيده على ما لا يحصيه تعدادنا ولا يحيط به ذكرنا من ترادف منته وتتابع فضله ودوام طوله حمد من يعلم أن ذلك منه والشكر له وقدم في هذه السنة محمد بن عبد الله بن طاهر من مكة في صفر فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة وأمر أن يقام على المشعر الحرام وسائر المشاعر الشمع مكان الزيت والنفط‏.‏

وفيها ماتت أم المتوكل في شهر ربيع الآخر وصلى عليها المنتصر ودفنت عند المسجد الجامع وكان موتها قبل المتوكل بستة أشهر‏.‏

ذكر بيعة المنتصر

قد ذكرنا قتل المتوكل ومن بايع المنتصر أبا جعفر محمد بن جعفر المتوكل تلك الليلة فلما أصبح يوم الأربعاء حضر الناس الجعفرية من القواد والكتاب والوجوه والشاكرية والجند وغيرهم فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتابًا يخبر فيه عن المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتله به فبايع الناس وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع وانصرف‏.‏

قيل وذكر عن أبي عثمان سعيد الصغير أنه قال‏:‏ لما كانت الليلة التي قتل فيها المتوكل كنا في الدار مع المنتصر فكان كلما خرج الفتح خرج معه وإذا رجع قام لقيامه وإذا ركب أخذ بركابه وسوى عليه ثيابه في سرجه‏.‏

وكان اتصل بنا الخبر أن عبيد الله بن يحيى قد أعد قومًا في طريق المنتصر ليغتالوه عند انصرافه وكان المتوكل قد أسمعه وأحفظه ووثب عليه وانصرف غضبان وانصرفنا معه إلى داره وكان واعد الأتراك على قتل المتوكل إذا ثمل من النبيذ قال‏:‏ فلم ألبث أن جاءني رسوله أن احضر فقد جاءت رسل أمير المؤمنين إلى الأمير ليركب‏.‏

قال‏:‏ فوقع في نفسي ما كنا سمعنا من اغتيال المنتصر فركبت في سلاح وعدة وجئت باب المنتصر فإذا هم يموجون وإذا واجن قد جاءه فأخبره أنهم قد فرغوا من المتوكل فركب فلحقته في بعض الطريق وأما مرعوب فرأى ما بي فقال‏:‏ ليس عليك بأس أمير المؤمنين قد شرق بقدح شربه فمات رحمه الله تعالى‏.‏

فشق علي ومضينا ومعنا أحمد بن الخصيب وجماعة من القواد حتى دخلنا القصر ووكل بالأبواب فقلت له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ لا ينبغي أن تفارقك مواليك في هذا الوقت‏.‏

قال‏:‏ أجل وكن أنت خلف ظهري فأحطنا به وبايعه من حضر وكل من جاء يوقف حتى جاء سعيد الكبير فأرسله خلف المؤيد قال لي‏:‏ امض أنت إلى المعتز حتى يحضر فأرسلني فمضيت وأنا آيس من نفسي ومعي غلامان لي فلما صرت إلى باب المعتز لم أجد به أحدًا من الحرس والبوابين فصرت إلى الباب الكبير فدققته دقًا عنيفا فأجبت بعد مدة‏:‏ من أنت فقلت‏:‏ رسول أمير المؤمنين المنتصر فمضى الرسول وأبطأن وخفت وضاقت علي الأرض ثم فتح الباب وخرج بيدون الخادم وأغلق الباب ثم سألني عن الخبر فأخبرته أن المتوكل شرق بكأس شربه فمات من ساعته وأن الناس قد اجتمعوا وبايعوا المنتصر وقد أرسلني لأحضر الأمير المعتز ليبايع‏.‏

فدخل ثم خرج فادخلني على المعتز فقال لي‏:‏ ويلك ما الخبر فأخبرته وعزيته وبكيت وقلت‏:‏ تحضر وتكون في أول من يبايع وتأخذ بقلب أخيك فقال‏:‏ حتى يصبح فما زلت به أنا وبيدون حتى ركب وسرنا وأنا أحدثه فسألني عن عبيد الله بن يحيى فقلت‏:‏ هويأخذ البيعة على الناس والفتح قد بايع فأيس وأتينا باب الخير ففتح لنأن وصرنا إلى المنتصر فلما رآه قربه وعانقه وعزاه وأخذ البيعة عليه‏.‏

ثم وافى سعيد الكبير بالمؤيد ففعل به مثل ذلك فأصبح الناس وأمر المنتصر بدفن المتوكل والفتح‏.‏

ولما أصبح الناس شاع الخبر في الماخورة وهي المدينة التي كان بناها المتوكل وفي أهل سامرا بقتل المتوكل فتوافى الجند والشاكرية بباب العامة وبالجعفرية وغيرهم من الغوغاء والعامة وكثر الناس وتسامعوا وركب بعضهم بعضا وتكلموا في أمر البيعة فخرج إليهم عتاب بن عتاب وقيل زرافة فوعدهم عن أمير المؤمنين المنتصر فأسمعوه فدخل عليه فأعلمه فخرج المنتصر وبين يديه جماعة من المغاربة فصاح بهم وقال‏:‏ خذوهم‏!‏ فدفعوهم إلى الأبواب فازدحم الناس وركب بعضهم بعضا فتفرقوا وقد مات منهم ستى أنفس‏.‏

 ذكر ولاية خفاجة بن سفيان صقلية وابنه محمد وغزواتهما

قد ذكرنا سنة ست وثلاثين ومائتين أن أمير صقلية العباس توفي سنة سبع وأربعين فلما توفي ولى الناس عليهم ابنه عبد الله بن العباس وكتبوا إلى الأمير بإفريقية بذلك وأخرج عبد اله السرايا ففتح قلاعًا متعددة منها‏:‏ جبل أبي مالك وقلعة الأرمنين وقلعة المشارعة فبقي كذلك خمسة أشهر‏.‏

ووصل من إفريقية خفاجة بن سفيان أميرًا على صقلية فوصل في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين فأول سرية أخرجها سرية فيها ولده محمود فقصد سرقوسة فغمن وخرب وأحرق وخرجوا إليه فقاتلهم فظفر وعاد فاستأمن إليه أهل رغوس وقد جاء سنة اثنتين وخمسين أن أهل رغوس استأمنوا فيها على ما نذكره ولا نعلم أهذا اختلاف من المؤرخين أم هما غزاتان ويكون أهلها قد غدروا بعد هذه الدفعة والله أعلم‏.‏

وفي سنة خمسين ومائتين فتحت مدينة نوطس وسبب ذلك أن بعض أهلها أخبر المسلمين بموضع دخلوا منه إلى البلد في المحرم فغمنوا منها أموالًا جليلة ثم فتحوا شكلة بعد حصار‏.‏

وفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين سار خفاجة إلى سرقوسة ثم إلى جبل النار فأتاه رسل أهل طبرمين يطلبون الأمان فأرسل إليهم امرأته وولده في ذلك فتم الأمر ثم غدروا فأرسل خفاجة محمدًا في جيش إليها ففتحها وسبى أهلها‏.‏

وفيها أيضًا سار خفاجة إلى رغوس فطلب أهلها الأمان ليطلق رجل من أهلها بأموالهم ودوابهم ويغمن الباقي ففعل وأخذ جميع ما في الحصن من مال ورقيق ودواب وغير ذلك وهادنه أهل الغيران وغيرهم وافتتح حصونًا كثيرة ثم مرض فعاد إلى بلرم‏.‏

وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين سار خفاجة من بلرم إلى مدينة سرقوسة وقطانية وخرب بلادها وأهلك زروعها وعاد وسارت سراياه إلى أرض صقلية فغمنوا غنائم كثيرة‏.‏

وفي سنة أربع وخمسين ومائتين ار خفاجة في العشرين من ربيع الأول وسير ابنه محمدًا على الحراقات وسر سرية إلى سرقوسة فغمنوا وأتاهم الخبر أن بطريقًا قد سار من القسطنطينية في جمع كثير وغمن المسلمون منهم غنائم كثيرة ورحل خفاجة إلى سرقوسة فأفسد زرعها وغمن منها وعاد إلى بلرم وسير ابنه محمدًا في البحر مستهل رجب إلى مدينة غيطة

فحصرها وبث العساكر في نواحيها فغمن وشحن مراكبه بالغنائم وانصرف إلى بلرم في شوال‏.‏

وفي سنة خمس وخمسين ومائتين سير خفاجة ابنه محمدًا إلى مدينة طبرمين وهي من أحسن مدن صقلية فسار في صفر إليها وكان قد أتاهم من وعدهم أن يدخلهم إليها من طريق يعرفه فسيره مع ولده فلما قربوا منها تأخر محمد وتقدم بعض عساكره رجالة مع الدليل فأدخلهم المدينة وملكوا بابها وسورها وشرعوا في السبي والغنائم وتأخر محمد بن خفاجة فيمن معه من العسكر عن الوقت الذي وعدهم أنه يأتيهم فيه فلما تأخر ظنوا أن العدوقد أوقع بهم فمنعهم من السبي فخرجوا عنها منهزمين ووصل محمد إلى باب المدينة ومن معه من العسكر فرأى المسلمين قد خرجوا منهأن فعاد راجعًا‏.‏

وفيها في ربيه الأول خرج خفاجة وسار إلى مرسة وسير ابنه في جماعة كثيرة إلى سرقوسة فلقيه العدوفي جمع كثير فاقتتلوأن فوهن المسلمون وقتل منهم ورجعوا إلى خفاجة فسار إلى سرقوسة فحصرهأن وأقام عليهأن وضيق على أهلهأن وأفسد بلادهأن وأهلك زرعهم وعاد عنها يريد بلرم فنزل بوادي الطين وسار منه ليلأن فاغتاله رجل من عسكره فطعنه طعنة فقتله وذلك مستهل رجب وهرب الذي قتله إلى سرقوسة وحمل خفاجة إلى بلرم فدفن بها وولى الناس عليهم بعده ابنه محمدًا وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد أمير إفريقية فأقره على الولاية وسير له العهد والخلع‏.‏

ذكر ولاية ابنه محمد

لما قتل خفاجة استعمل الناس ابنه محمدأن وأقره بن أحمد بن الأغلب صاحب القيروان على ولايته فسير جيشًا في سنة ست وخمسين ومائتين إلى مالطة وكان الروم يحاصرونهأن فلما سمع الروم بمسيرهم رحلوا عنها‏.‏

وفي سنة سبع وخمسين ومائتين في رجب قتل الأمير محمد قتله خدمه الخصيان وهربوأن فطلبهم الناس فأدركوهم فقتلوهم‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها ولي المنتصر أبا عمرة أحمد بن سعيد مولى بني هاشم بعد البيعة له بيوم المظالم فقال الشاعر‏:‏ يا ضيعة الإسلام لما ولي مظالم الناس أبوعمرة صير مأمونًا على أمة وليس مأمونًا على بعره وفيها سار جيش للمسلمين بالأندلس إلى مدينة برشلونة وهي للفرنج فأوقعوا بأهلهأن فراسل صاحبها ملك الفرنج يستمده فأرسل إليه جيشًا كثيفأن وأرسل المسلمون يستمدون فأتاهم المدد فنازلوا برشلونة وقاتلوا قتالًا شديدًا فملكوا أرباضهأن وبرجين من أبراج المدينة فقتل من المشركين بها خلق كثير وسلم المسلمون وعادوا وقد غمنوا‏.‏

وفيها توفي أبوعثمان بكر بن محمد المازني النحوي الإمام في العربية‏.‏

حوادث سنة ثمان وأربعين ومائتين

ذكر غزاة وصيف الروم


في هذه السنة أغزى المنتصر وصيفًا التركي إلى بلاد الروم وكان سبب ذلك أنه كان بينه وبين أحمد بن الخصيب شحناء وتباغض فحرض أحمد ابن الخصيب المنتصر على وصيف وأشار عليه بإخراجه من عسكره للغزاة فأمر المنتصر بإحضار وصيف فلما حضر قال له‏:‏ قد أتانا عن طاغية الروم أنه أقبل يريد الثغر وهذا أمر لا يمكن الإمساك عنه ولست آمنة أن يهلك كل ما مر به من بلاد الإسلام وسقتل ويسبي فإما شخصت أنت وإما شخصت أنا‏.‏

فقال‏:‏ بل أشخص أنأن يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال لأحمد بن الخصيب‏:‏ انظر إلى ما يحتاج إليه

وصيف فأتمه له‏.‏

فقال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين‏!‏ قال‏:‏ ما نعم قم الساعة‏!‏ وقال لوصيف‏:‏ مر كاتبك أن يوافقه على ما يحتاج إليه ويلزمه حتى يفرغ منه‏.‏

فقاما‏.‏

ولم يزل أحمد بن الخصيب في جهازه حتى خرج وانتخب له الرجال فكان معه اثنا عشر ألف رجل وكان على مقدمته مزاحم بن خاقان أخوالفتح وكتب المنتصر إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ببغداد يعلمه ذلك ويأمره أن ينتدب الناس إلى الغزاة ويرغبهم فيها وأمر وصيفًا أن يوافي ثغر ملطية وجعل على نفقات العسكر والمغامن والمقاسم أبا الوليد الحريري البجلي ولما سار وصيف كتب إليه المنتصر يأمره بالمقام بالثغر أربع سنين يغزوفي أوقات الغزومنها إلى أن يأتيه رأيه‏.‏

ذكر خلع المعتز والمؤيد

وفي هذه السنة خلع المعتز والمؤيد ابنا المتوكل من ولاية العهد وكان سبب خلعهما أن المنتصر لما استقامت له الأمور قال أحمد بن الخصيب لوصيف وبغا‏:‏ إنا لا نأمن الحدثان وأن يموت أمير المؤمنين فيلي المعتز الخلافة فيبيد خضراءنا ولا يبقي منا باقية والآن الرأي أن نعمل في خلع المعتز والمؤيد‏.‏

فجد الأتراك في ذلك وألحوا على المنتصر وقالوا‏:‏ نخلعهما من الخلافة ونبايع لابنك عبد الوهاب فلم يزالوا به حتى أجابهم وأحضر المعتز والمؤيد بعد أربعين يومًا من خلافته وجعلا في دار فقال المعتز للمؤيد‏:‏ يا أخي قد أحضرنا للخلع فقال‏:‏ لا أظنه يفعل ذلك‏.‏

فبيمنا هما كذلك إذ جاءت الرسل بالخلع فقال المؤيد‏:‏ السمع والطاعة فقال المعتز‏:‏ ما كنت لأفعل فإن أردتم القتل فشأنكم فأعلموا المنتصر ثم عادوا بغلظة وشدة وأخذوا المعتز بعنف وأدخلوه بيتا وأغلقوه عليه الباب فلما رأى المؤيد ذلك قال لهم بجرأة واستطالة‏:‏ ما هذا يا كلاب قد ضربتم على دمائنا تثبون على مولاكم هذا الوثوب دعوني وإياه حتى أكلمه‏!‏ فسكتوا عنه وأذنوا له في الاجتماع به بعد إذن من المنتصر بذلك‏.‏

فدخل عليه المؤيد وقال‏:‏ يا جاهل تراهم نالوا من أبيك وهوهو ما نالوأن ثم تمتنع عليهم اخلع ويلك لا تراجعهم‏!‏ فقال‏:‏ وكيف أخلع وقد جرى في الآفاق فقال‏:‏ هذا ال أمر قتل أباك وهويقتلك وإن كان في سابق علم الله أن تلي لتلين‏.‏

فقال‏:‏ أفعل‏.‏

فخرج المؤيد وقال‏:‏ قد أجاب إلى الخلع فمضوأن وأعلموا المنتصر وعادوا فشكروه ومعهم كاتب فجلس فقال للمعتز‏:‏ اكتب بخطك خلعك‏!‏ فامتنع فقال المؤيد لكاتب‏:‏ هات قرطاسك‏!‏ أملل علي ما شئت فأملى عليه كتابًا إلى المنتصر يعلمه فيه ضعفه عن هذا الأمر وأن لا يحل له أن يتقلده وكره أن يأثم المتوكل بسببه إذ لم يكن موضعًا له ويسأله الخلع ويعلمه أنه قد خلع نفسه وأحل الناس من بيعته فكتب ذلك وقال للمعتز‏:‏ اكتب‏!‏ فأبى فقال‏:‏ اكتب ويلك فكتب وخرج الكاتب عنهمأن ثم دعاهمأن فدخلا على المنتصر فأجلسهما وقال‏:‏ هذا كتابكما فقالا‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال لهما والأتراك وقوف‏:‏ أتراني خلعتكما طعمًا في أن أعيش حتى يكبر ولدي وأبايع له والله ما طمعت في ذلك ساعة قط وإذا لم يكن لي في ذلك طمع فوالله لأن يليها بنوأبي أحب إلي من أن يليها بنوعمي ولكن هؤلاء وأومأ إلى سائر الموالي ممن هوقائم عنده وقاعد أحلوا علي في خلعكما فخفت إن لم أفعل أن يعترضكما بعضهم بحديدة فيأتي عليكمأن فما ترياني صانعًا إذن أقتله‏!‏ فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكم‏.‏

فكانت إجابتهم إلى ما سألوا أسه علي‏.‏

فقبلا يده وضمهمأن ثم أشهدا على أنفسهما القضاة وبني هاشم والقواد ووجوه الناس وغيرهم بالخلع وكتب بذلك المنتصر إلى محمد ابن عبد الله بن طاهر وإلى غيره‏.‏

ذكر موت المنتصر

في هذه السنة توفي المنتصر في يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر وقيل يوم السبت وكنيته وكانت علته الذبحة في حلقه أخذته يوم الخميس لخمس بقين من شهر ربيع الأول وقيل كانت علته من ورم في معدته ثم صعد إلى فؤاده فمات وكانت علته ثلاثة أيام‏.‏وقيل إنه وجد حرارة فدعا بعض أطبائه ففصده بمبضع مسموم فمات منه وانصرف الطبيب إلى منزله وقد وجد حرارة فدعا تلميذًا ليفصده ووضع مباضعه بين يديه ليستخير أجودها فاختار ذلك المبضع المسموم وقد نسيه الطبيب ففصده به فلما فرغ نظر إليه فعرفه فأيقن بالهلاك ووصى من ساعته‏.‏

وقيل إنه كان وجد في رأسه علة فقطر ابن الطيفوري في أذنه دهنا فورم رأسه فمات‏.‏

وقيل‏:‏ بل سمه ابن الطيفوري في محاجمه فمات‏.‏

وقيل‏:‏ كان كثير من الناس حين أفضت الخلافة إليه إلى أن مات يقولون‏:‏ إمنا مدة حياته ستى اشهر مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه يقوله الخاصة والعامة‏.‏

وقيل إن المنتصر كان نائمًا في بعض الأيام فانتبه وهويبكي وينتحب فسمعه عبد الله بن عمر البازيار فأتاه فسأله عن سبب بكائه فقال‏:‏ كنت نائما فرأيت فيما يرى النائم كأن المتوكل قد جاءني فقال‏:‏ ويحك يا محمد‏!‏ قتلتني وظلمتني وغبنتني خلافتي والله لا متعت بها بعدي إلا أيامًا يسيرة ثم مصيرك إلى النار فقال عبد الله‏:‏ هذه رؤيا وهي تصدق وتكذب بل

يعمرك الله ويسرك ادع بالنبيذ وخذ في اللهولا تعبأ بها‏.‏

ففعل ذلك ولم يزل منكسرًا إلى أن توفي‏.‏

قال بعضهم‏:‏ وذكرا المنتصر كان شاور في قتل أبيه جماعة من الفقهاء وأعلمهم بمذاهبه وحكى عنه أمورًا قبيحة كرهت ذكرها فأشاروا بقتله فكان كما ذكرنا بعضه‏.‏

وكان عمره خمسًا وعشرين سنة وستة أشهر وقيل أربعًا وعشرين سنة وكانت خلافته ستة أشهر ويومين وقيل كانت ستة أشهر سواء وكانت وفاته بسامرأن فلما حضرته الوفاة أنشد‏:‏ وما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ولكن إلى الرب الكريم أصير وصلى عليه أحمد بن محمد بن المعتصم بسامرأن وبها كان مولده وكان أعين أقنى ققصيرأن مهيبأن وهوأول خليفة من بني العباس عرف قبره وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره وكانت أمه أم ولد رومية‏.‏

ذكر بعض سيرته

كان المنتصر عظيم الحلم راجح العقل غزير المعروف راغبًا في الخير جوادا كثير الإنصاف حسن العشرة وأمر الناس بزيارة قبر علي والحسين عليهما السلام فأمن العلويين وكانوا خائفين

أيام أبيه وأطلق وقوفهم وأمر برد فدك إلى ولد الحسين والحسن ابني علي بن أبي طالب عليه السلام‏.‏

وذكرا المنتصر لما ولي الخلافة كان أول ما أحدث أن عزل صالح ابن علي عن المدينة واستعمل عليها علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس ابن محمد‏.‏

قال علي‏:‏ فلما دخلت أودعه قال لي‏:‏ يا علي‏!‏ إني أوجهك إلى لحمي ودمي ومد ساعده وقال‏:‏ إلى هذا أوجه بك فانظر كيف تكون للقوم وكيف تعاملهم يعني إلى آل أبي طالب‏.‏

فقال‏:‏ أرجوأن أمتثل أمر أمير المؤمنين إن شاء الله تعالى فقال‏:‏ إذًا تسعد عندي‏.‏

ومن كلامه‏:‏ والله ما عز ذوباطل ولوطلع القمر من جبينه ولا ذل ذوحق ولوأصفق العالم عليه‏.‏

ذكر خلافة المستعين

وفي هذه السنة بويع أحمد بن محمد بن المعتصم بالخلافة وكان سبب ذلك أن المنتصر لما توفي اجتمع الموالي على الهارونية من الغد وفيها بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش وغيرهم فاستخلفوا قواد الأتراك والمغاربة والشروسنية على أن يرضوا بمن رضي به بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش وذلك بتدبير أحمد بن الخصيب فحلفوا وتشاوروا وكرهوا أن يتولى الخلافة

أحد من ولد المتوكل لئلا يغتالهم واجتمعوا على أحمد بن محمد بن المعتصم وقالوا‏:‏ لا تخرج الخلافة من ولد مولانا المعتصم فبايعوه ليلة الاثنين لست خلون من ربيع الآخر وهوابن ثمان وعشرين سنة ويكنى أبا العباس فاستكتب أحمد بن الخصيب واستوزر أتامش‏.‏

فلما كان يوم الاثنين سار المستعين إلى دار العامة في زي الخلافة وحمل إبراهيم بن إسحاق بين يديه الحربة وصف واجن الأشروسني أصحابه صفين وقام هووعدة من وجوه أصحابه وحضر الدار أصحاب المراتب من العباسيين والطالبيين وغيرهم‏.‏

فبينا هم كذلك إذ جاءت صيحة من ناحية الشارع والسوق وإذا نحومن خمسين فارسًا ذكروا أنهم من أصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر ومعهم غيرهم من أخلاط الناس والغوغاء والسوقة فشهروا السلاح وصاحوا‏:‏ نفير يا منصور‏!‏ وشدوا على أصحاب الأشروسني فتضعضعوا وانضم بعضهم إلى بعض وتحرك من على باب العامة من المبيضة والشاكرية وكثروا فحمل عليهم المغاربة وبعض الأشروسنية فهزمزهم حتى أدخلوهم درب زرافة ثم نشبت الحرب بينهم فقتل جماعة وانصرف الأتراك بعد ثلاث ساعات وقد بايعوا المستعين هم ومن حضر من الهاشميين وغيرهم‏.‏

ودخل الغوغاء والمنتهبة دار العامة فانتهبوا الخزانة التي فيها السلاح والدروع والجواشن

والسيوف والتراس وغير ذلك وكان الذين نهبوا ذلك الغوغاء وأصحاب الحمامات وغلمان أصحاب الباقلي وأصحاب الفقاع فأتاهم بغا الكبير في جماعة فأجلوهم عن الخزانة وقتلوا منهم عدة وكثر القتل من الفريقين وتحرك أهل السجن بسامرأن وهرب منهم جماعة ثم وضع العطاء على البيعة وبعث بكتاب البيعة إلى محمد بن عبد اله بن طاهر فبايع له هووالناس ببغداد‏.‏

ذكر ابن مسكويه في كتاب تجارب الأمم أن المستعين أخوالمتوكل لأبيه وليس هوكذلك إمنا هوولد أخيه محمد بن المعتصم والله أعلم‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها ورد على المستعين وفاة طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان في رجب فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر على خراسان فلمحمد بن عبد الله بن طاهر على العراق وجعل إليه الحرمين والشرطة ومعاون السواد وأفرد به‏.‏

وفيها مات بغا الكبير فعقد لابنه موسى على أعمال أبيه كلها وولى ديوان البريد‏.‏

وفيها وجه أبوجور التركي إلى أبي العمود الثعلبي فقتله بكفرتوثي لخمس بقين من ربيع الآخر‏.‏

وفيها خرج عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى الحج فوجه خلفه رسول ينفيه إلى برقة ويمنعه من الحج‏.‏

وفيها أتباع المستعين من المعتز والمؤيد جميع مالهما وأشهدا عليهما القضاة والفقهاء وكان الشراء باسم الحسن بن المخلد للمستعين وترك للمعتز ما يتحصل منه في السنة عشرون ألف دينار وللمؤيد ما يتحصل منه في السنة خمسة آلاف دينار وجعلا في حجرة في الجوسق ووكل بهما وكان الأتراك حين شغب الغوغاء أرادوا قتلهما فمنعهم أحمد بن الخصيب وقال‏:‏ لا ذنب لها ولكن احبسوهما فحبسوهما‏.‏

وفيها غضب الموالي على أحمد بن الخصيب في جمادى الآخرة واستصفى ماله ومال ولده ونفي إلى إقريطش‏.‏

وفيها صرف علي بن يحيى الأرمني عن الثغور الشامية وعقد له على أرمينية وأذربيجان في شهر رمضان‏.‏

وفيها شغب أهل حمص على كيدر عاملهم فأخرجوه فزجه إليهم المستعين الفضل بن قارن فأخذهم فقتل منهم خلقًا كثيرا وحمل منهم مائة من أعيانهم إلى سامرا‏.‏

وفيها غزا الصائفة وصيف وكان مقيمًا بالثغر الشامي فدخل بلاد الروم فافتتح حصن

وفيها عقد المستعين لأتامش على مصر والمغرب واتخذه وزيرًا‏.‏

وفيها عقد لبغا الشرابي على حلوان وماسبذان ومهر جانقذق وجعل المستعين شاهك الخادم على داره وكراعه وحرمه وحراسه وخاص أموره وقدمه وأتامش على جميع الناس‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي‏.‏

وفيها حكم محمد بن عمروأيام المنتصر‏.‏

وخرج بناحية الموصل خارجي فوجه إليه المنتصر إسحاق بن ثابت الفرغاني فأسره مع عدة من أصحابه فقتلوا وصلبوا‏.‏

وفيها تحرك يعقوب بن الليث الصفار من سجستان نحوهراة‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن عدويه أبومحمد الرافعي الزاهد وكان مستجاب الدعوة وهومن أهل إفريقية‏.‏

وفيها سارت سرية في الأندلس إلى ذي تروجة وكان المشركون قد تطاولوا إلى ذلك الجانب فلقيتهم السرية فأصابوا من المشركين وقتلوا كثيرًا منهم‏.‏

وفيها كان بصقلية سرايا للمسلمين فغمنت وعادت ولم يكن حرب بينهم تذكر‏.‏

وفيها توفي أبوكريب محمد بن العلاء الهمذاني الكوفي في جمادى الآخرة وكان من مشايخ البخاري ومسلم ومحمد بن حميد الرازي المحدث‏.‏

ذكر غزو الروم وقتل علي بن يحيى الأرمني

في هذه السنة غزا جعفر بن دينار الصائفة فافتتح حصنا ومطامير واستأذنه عمر بن عبيد الله الأقطع في المسير إلى بلاد الروم فأذن له فسار في خلق كثير من أهل ملطية فلقيه الملك ف جمع عظيم من الروم بمرج الأسقف فحاربه محاربة شديدة قتل فيها من الفريقين خلق كثير‏.‏

ثم أحاطت به الروم وهم خمسون ألفا وقتل عمر وممن معه ألفان من المسلمين في منتصف رجب فلما قتل عمر بن عبيد اله خرج الروم إلى الثغور الجزرية وكلبوا عليها وعلى أموال المسلمين وحرمهم فبلغ ذلك علي ابن يحيى وهوقافل من أرمينية إلى ميافارقين في جماعة من أهلها ومن أهل السلسلة فنفر إليهم فقتل في نحومن أربع مائة رجل وذلك في شهر رمضان‏.‏

ذكر الفتنة ببغداد

وفيها شغب الجند والشاكرية ببغداد وكان سبب ذلك أن الخبر لما اتصل بهم وبسامرا وما قرب منها بقتل عمر بن عبيد الله وعلي بن يحيى وكانا من شجعان الإسلام شديدًا بأسهما عظيمًا غناؤهما عن المسلمين في الثغور شق ذلك عليهم مع قرب مقتل أحدهما من الآخر وما

لحقهم من استعظامهم قتل الأتراك لمتوكل واستيلائهم على أمور المسلمين يقتلون من يريدون من الخلفاء ويستخلفون من أحبوا من غير ديانة ولا نظر للمسلمين‏.‏فاجتمعت العامة ببغداد الصراخ والنداء بالنفير وانضم إليها الأبناء والشاكرية تظهر أنها تطلب الأرزاق وكان ذلك أول صفر فتحوا السجون وأخرجوا من فيها وأحرقوا أحد الجسرين وقطعوا الآخر وانتهبوا دار بشر وإبراهيم ابني هارون كاتبي محمد بن عبد الله ثم أخرج أهل اليسار من بغداد وسامرا أموالًا كثيرة ففرقوها فيمن نهض إلى الثغور وأقبلت العامة من نواحي الجبال وفارس والأهواز وغيرها لغزوالروم فلم يأمر الخليفة في ذلك بشيء ولم يوجه عسكره‏.‏

ذكر الفتنة بسامرا

وفيها في ربيه الأول وثب نفر من الناس لا يدري من هم بسامرا ففتحوا السجن وأخرجوا من فيه فبعث في طلبهم جماعة من الموالي فوثب العامة بهم فهزموهم فركب بغا وأتامش ووصيف وعامة الأتراك فقتلوا من العامة جماعة فرمي وصيف بحجر فأمر بإحراق ذلك المكان وانتهبت المغاربة ثم سكن ذلك آخر النهار‏.‏

في هذه السنة قتل أتامش وكاتبه شجاع وكان سبب ذلك أن المستعين أطلق يد والدته ويد أتامش وشاهك الخادم في بيوت الأموال وباحهم فعل ما أرادوا فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة فأخذ أتامش أكثر ما في بيوت الأموال وكان في حجره العباس بن المستعين وكان ما فضل من هؤلاء الثلاثة أخذه أتامش للعباس فصرفه في نفقاته وكانت الموالي تنظر إلى الأموال تؤخذ وهم في ضيقة ووصيف وبغا بمعزل من ذلك فأغريا الموالي بأتامش وأحكما أمره فاجتمعت الأتراك والفراعنة عليه وخرج إليه منهم أهل الدور والكرخ فعسكروا في ربيع الآخر وزحفوا إليه وهوفي الجوسق مع المستعين وبلغه الخبر فأراد الهرب فلم يمكنه واستجار بالمستعين فلم يجره فأقاموا على ذلك يومين ثم دخلوا الجوسق وأخذوا أتامش فقتلوه وقتلوا كاتبه شجاعا ونهبت دور أتامش فأخذوا منه أموالًا جمة وغير ذلك‏.‏

فلما قتل استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج وولاه عيسى بن فرخانشاه وولي وصيف الأهواز وبغا الصغير فلسطين ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح فهرب إلى بغداد فاستوزر المستعين محمد بن الفضل الجرجرائي فجعل على ديوان الرسائل سعيد بن حميد فقال الحمدوني‏:‏ إن لله لأيات وذا آية له فينا منزله

ذكر عدة حوادث

فيها قتل علي بن الجهم بن بدر الشاعر بقرب حلب كان توجه إلى الثغر فلقيه خيل لكلب فقتلوه واخذوا ما معه فقال وهوفي السياق‏:‏ أزيد في الليل ليل أم سال في الصبح سيل ذكرت أهل دجيل وأين مني دجيل وكان منزله بشارع دجيل‏.‏

وفيها عزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء ووليه جعفر بن محمد ابن عثمان البرجمي الكوفي وقيل كان ذلك سنة خمسين ومائتين‏.‏

وفيها أصاب أهل الري زلزلة شديدة ورجفة هدمت الدور ومات خلق من أهلها وهرب الباقون فنزلوا ظاهر المدينة وحج بالناس هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام وهووالي مكة‏.‏

وفيها سير محمد صاحب الأندلس جيشًا مع ابنه إلى المدينة ألبة والقلاع من بلد الفرنج

وفيها توفي أبوإبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب صاحب إفريقية ثالث عشر ذي القعدة فلما مات ولى أخوه زيادة الله بن محمد بن الأغلب فلما ولى زيادة الله أرسل إلى خفاجة بن سفيان أمير صقلية يعرفه موت أخيه وأمره أن يقيم على ولايته‏.‏   ‏  ‏   ‏ ‏ ‏