المجلد السادس - ذكر ظهور يحيى بن عمر الطالبي ومقتله

حوادث سنة خمسين ومائتين

في هذه السنة ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المكنى بأبي الحسين عليه السلام بالكوفة وكانت أمه فاطمة بنت الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنهم‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا الحسين نالته ضيقة ولزمه دين ضاق به ذرعا فلقي عمر بن فرج وهويتولى أمر الطالبيين عند مقدمه من خراسان أيام المتوكل فكلمه في صلته فأغلظ له عمر القول وحبسه فلم يزل محبوسًا حتى كفله أهله فأطلق فسار إلى بغداد فأقام بها بحال سيئة ثم رجع إلى سامرا فلقي وصيفًا في رزق يجري له فأغلظ له وصيف وقال‏:‏ لأي شيء يجري

فانصرف عنه إلى الكوفة وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان الهاشمي عامل محمد بن عبد الله بن طاهر فجمع أبوالحسين جمعًا كثيرًا من الأعراب وأهل الكوفة وأتى الفلوجة فكتب صاحب البريد بخبره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فكتب محمد إلى أيوب وعبد الله بن محمود السرخسي عامله على معاون السواد يأمرهما بالاجتماع على محاربة يحيى ابن عمر فمضى يحيى بن عمر إلى بيت مال الكوفة يأخذ الذي فيه وكان فيما قيل ألفي دينار وسبعين ألف درهم وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجون واخرج من فيها وأخرج العمال عنها فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي فيمن معه فضربه يحيى بن عمر ضربة على وجهه أثخنه بها فانهزم عبد الله واخذ أصحاب يحيى ما كان معهم من الدواب والمال‏.‏

وخرج يحيى إلى سواد الكوفة وتبعه جماعة من الزيدية وجماعة من أهل تلك النواحي إلى ظهر واسط وأقام بالبستان فكثر جمعه فوجه محمد بن عبد الله إلى محاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب في جمع من أهل النجدة والقوة فسار إليه فنزل في وجهه لم يقدم عليه فسار يحيى والحسين في أثره حتى نزل الكوفة ولقيه عبد الرحمن ابن الخطاب المعروف بوجه الفلس قبل دخولها فقاتله وانهزم عبد الرحمن إلى ناحية شاهي ووافاه الحسين فنزلا بشاهي‏.‏

واجتمعت الزيدية إلى يحيى بن عمر ودعا بالكوفة إلى الرضي من آل محمد فاجتمع الناس إليه وأحبوه وتولاه العامة من أهل بغداد ولا يعلم أنهم يولون أحدًا من بيته سواه وبايعه جماعة من أهل الكوفة ممن له تدبير وبصيرة في تشيعهم ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم‏.‏

وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهي واستراح واتصلت بهم الأمداد وأقام يحيى بالكوفة يعد العدد ويصلح السلاح فأشار عليه جماعة من الزيدية من لا علم لهم بالحرب لمعالجة الحسين بن إسماعيل وألحوا عليه فزحف إليه ليلة الاثنين عشرة خلت من رجب ومعه الهيضم العجلي وغيره ورجالة من أهل الكوفة ليس لهم علم ولا شجاعة وأسروا ليلتهم وصبحوا الحسين وهومستريح فثاروا بهم في الغلس وحمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموأن ووضعوا فيهم السيف وكان أول أسير الهيضم العجلي وانهزم رجالة أهل الكوفة وأكثرهم بغير سلاح فداستهم الخيل‏.‏

وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وعليه جزشن قد تقطر به فرسه فوقف عليه ابن لخالد بن عمران فقال له‏:‏ خير فلم يعرفه وظنه رجلًا من أهل خراسان لما رأى عليه الجوشن فأمر رجلأن فنزل إليه فاخذ رأسه وعرفه رجل كان معه وسير الرأس إلى محمد بن عبد الله بن طاهر وادعى قتله غير واحد فسير محمد الرأس إلى المستعين فنصب بسارما لحظة ثم حطه

ورده إلى بغداد لينصب بهأن فلم يقدر محمد على ذلك لكثرة من اجتمع من الاس فخاف أن يأخذوه فم ينصبه وجعله في صندوق في بيت السلاح‏.‏

ووجه الحسين بن إسماعيل برؤوس من قتل وبالأسرى فحبسوا ببغداد وكتب محمد بن عبد الله يسأل العفوعنهم فأمر بتخليتهم وأن تدفن الرؤوس ولا تنصب ففعل ذلك‏.‏

ولما وصل الخبر بقتل يحيى جلس محمد بن عبد الله يهنأ بذلك فدخل عليه داود بن الهيثم أبوهاشم الجعفري فقال‏:‏ أيها الأمير‏!‏ إنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيًا ليعزي به‏.‏

فما رد عليه محمد شيئا فخرج داود وهويقول‏:‏ يا بني طاهر كلوه وبيئًا إن لحم النبي غير مري إن وترًا يكون طالبه الل ه لوتر نجاحه بالحري وأكثر الشعراء مراثي يحيى لما كان عليه من حسن السيرة والديانة فمن ذلك قول بعضهم‏:‏ بكت الخيل شجوها بعد يحيى وبكاه المهند المصقول وبكته العراق شرقًا وغربًا وبكاه الكتاب والتنزيل والمصلى والبيت والركن والحج ر جميعًا له عليه عويل كيف لم تسقط السماء علينا يوم قالوا‏:‏ أبوالحسين قتيل قطعت وجهه سيوف الأعادي بأبي وجهه الوسيم الجميل إن يحيى أبقى بقلبي غليلًا سوف يودي بالجسم ذاك الغليل قتله مذكر لقتل علي وحسين ويوم أوذي الرسول صلوات الإله وقفًا عليهم ما بكى موجع وحن ثكول

ذكر ظهور الحسن بن زيد العلوي

وفيها ظهر الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام بطبرستان‏.‏

وكان سبب ظهوره أن محمد بن عبد الله بن طاهر لما ظفر بيحيى بن عمر أقطعه المستعين من ضواحي السلطان بطبرستان قطائع منها قطيعة قرب ثغر الديلم وهما كلار وشالوس وكان بحذائهما أرض يحتطب منها أهل تلك الناحية وترعى فيها مواشيهم ليس لأحد عليها ملك إمنا هي موات وهي ذات غياض وأشجار وكلأن فوجه محمد بن عبد الله نائبه لحيازة ما أقطع واسمه جابر بن هارون النصراني وعامل طبرستان يومئذ سليمان ابن عبد الله بن طاهر بن عبد الله بن طاهر خليفة محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وكان الغالب على أمر سليمان محمد بن أوس البلخي وقد فرق محمد هذا أولاده في مدن طبرستان وهم أحداث سفهاء فتأذى بهم الرعية وشكوا منهم ومن أبيهم ومن سليمان سوء السيرة‏.‏

ثم إن محمد بن أوس دخل بلاد الديلم وهم مسالمون لأهل طبرستان فسبى منهم وقتل فساء ذلك أهل طبرستان فلما قدم جابر بن هارون لحيازة ما أقطعه محمد بن عبد الله عمد فحاز فيه ما اتصل به من ارض موات يرتفق بها الناس وفيها حاز كلار وشالوس‏.‏

وكان في تلك الناحية يومئذ أخوان لهما بأس ونجدة يضبطنها ممن رامها من الديلم مذكوران بإطعام الطعام والإفضال يقال لأحدهما محمد وللآخر جعفر وهما ابنا رستم فأنكر ما فعل جابر من حيازة الموات وكانا مطاعين في تلك الناحية فاستنهضا من أطاعهما لمنع جابر من حيازة ذلك الموات فخافهما جابر فهرب منهمأن فلحق بسليمان بن عبد الله وخاف محمد وجعفر ومن معهما من عامل طبرستان فراسلوا جيرانهم من الديلم يذكر ونهم العهد الذي بينهم ويتعذرون فيما فعله محمد بن أوس بهم من السبي والقتل فاتفقوا على المعاونة والمساعدة على حرب سليمان بن عبد الله وغيره‏.‏

ثم أرسل ابنا رستم ومن وافقهما إلى رجل من الطالبيين اسمه محمد بن إبراهيم كان بطبرستان يدعونه إلى البيعة له فامتنع عليهم وقال‏:‏ لكني أدلكم على رجل منا هوأقوم بهذا الأمر مني فدلهم على الحسن بن زيد وهوبالري فوجهوا إليه عن رسالة محمد بن إبراهيم يدعونه إلى طبرستان فشخص إليها فأتاهم وقد صارت كلمة الديلم وأهل كلار وشالوس والرويان على بيعته فبايعوه كلهم وطردوا عمال ابن أوس عنهم فلحقوا بسليمان ابن عبد الله وانضم إلى الحسن بن زيد أيضًا جبال طبرستان كأصمغان وقادوسيان وليث بن قتاد وجماعة من أهل السفح‏.‏

ثم تقدم الحسن ومن معه نحومدينة آمل وهي أقرب المدن إليهم واقبل ابن أوس من سارية ليدفعه عنها فاقتتلوا قتالًا شديدًا وخالف الحسن بن زيد في جماعة إلى آمل فدخلها‏.‏

فلما سمع ابن أوس الخبر وهومشغول بحرب من يقاتله من أصحاب الحسن بن زيد لم يكن له همة إلا النجاء بنفسه فهرب ولحق بسليمان إلى سارية فلا استولى الحسن على آمل كثر جمعه وأتاه كل طالب نهب وفتنة وأقام بآمل أياما ثم سار نحوسارية لحرب سليمان بن عبد الله فخرج إليه سليمان فالتقوا خارج مدينة سارية ونشبت الحرب بينهم فسار بعض قواد الحسن نحوسارية فدخلها فلما سمع سليمان الخبر انهزم هوومن معه وترك أهله وعياله وثقله وكل ما له بسارية واستولى الحسن وأصحابه على ذلك جميعه فأما الحرم والأولاد فجعلهم الحسن في مركب وسيرهم إلى سليمان بجرجان وأما المال فكان قد نهب وتفرق‏.‏

وقيل إن سليمان انهزم اختيارًا لأن الطاهرية كلها كانت تتشيع فلما أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان تأثم سليمان من قتاله لشدته في التشيع وقال‏:‏ نبئت خيل ابن زيد أقبلت حينًا تريدنا لتحسينا الأمرينا يا قوم إن كانت الأنباء صادقة فالويل لي ولجميع الطاهريينا أما أنا فإذا اصطفت كتائبنا أكون من بينهم رأس الموالينا فالعذر عند رسول الله منبسط إذا احتسبت دماء الفاطميينا فلما التقوا انهزم سليمان فلما اجتمعت طبرستان للحسن وجه إلى الري جندًا مع رجل من أهله يقال له الحسن بن يزيد أيضا فملكها وطرد عنها عامل الطاهرية فاستخلف بها رجلًا من العلويين يقال له محمد بن جعفر وانصرف عنها‏.‏

وورد الخبر على المستعين ومدير أمره يومئذ وصيف وكاتبه أحمد بن صالح بن شيرزاد فوجه إسماعيل بن فراشة في جند إلى همذان وأمره بالمقام بها ليمنع خيل الحسن عنها وأما ما عداها فإلى محمد بن عبد الله بن طاهر وعليه الذب عنه‏.‏

فلما استقر محمد بن جعفر الطالبي بالري ظهرت أمور كرهها أهل الري ووجه محمد بن طاهر بن عبد الله قائدًا من عنده يقال له محم ين ميكال في جمع من االجند إلى الري ووهوأخوه الشاه بن ميكال فالتقى هوومحمد بن جعفر الطالبي خارج الري فأسر محمد بن جعفر وانهزم جيشه ودخل ابن ميكال الري فأقام بها فوجه الحسن بن زيد عسكرًا عليه قائد يقال له واجن فلما صار إلى الري خرج إليه محمد بن ميكال فالتقوا فاقتتلوا فانهزم ابن ميكال والتجأ إلى الري معتصمًا بها فاتبعه واجن وأصحابه حتى قتلوه وصارت الري إلى أصحاب الحسن بن زيد‏.‏

فلما كان هذه السنة يوم عرفة ظهر بالري أحمد بن عيسى بن حسين الصغير ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اله عنه وإدريس ابن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فصلى أحمد بن عيسى بأهل الري صلاة العيد ودعا للرضى من آل محمد فحاربه محمد بن علي بن طاهر فانهزم محمد بن علي وسار إلى قزوين‏.‏

ذكر عدة حوادث

وفيها غضب المستعين على جعفر بن عبد الواحد لأنه بعث إلى الشاكرية فزعم وصيف أنه أفسدهم فنفي إلى البصرة في ربيع الأول‏.‏

وفيها أسقطت مرتبة من كانت له مرتبة في دار العامة من بني أمية كأبي الشوارب والعثمانيين وفيها عقد لجعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف ببشاشات على مكة‏.‏وفيها وثب أهل حمص وقوم من كلب بعاملهم وهوالفضل بن قارن أخومازيار بن قارن فقتلوه فوجه المستعين إلى حمص موسى بن بغا في رمضان فلقيه أهلها فيما بين حمص والرستن وحاربوه فهزمهم وافتتح حمص وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وأحرقها وأسر جماعة من أهلها الأعيان‏.‏

وفيها مات جعفر بن أحمد بن عمار القاضي وأحمد بن عبد الكريم الحوراني التيمي قاضي البصرة‏.‏

وفيها ولي أحمد بن الوزير قضاء سامرا‏.‏

وفيها وثب الشاكرية والجند بفارس بعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم فانتبهوا منزله وقتلوا محمد بن الحسن بن قارن وهرب عبد الله بن إسحاق‏.‏

وفيها وجه محمد بن طاهر بفيلين وأصنام أتي بها من كابل وحج بالناس جعفر بن الفضل بشاشات وهووالي مكة‏.‏

وفيها توفي زيادة الله بن محمد بن الأغلب أمير إفريقية وكانت ولايته سنة واحدة وستة أيام فلما مات ملك بعده ابن أخيه محمد بن أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب‏.‏

وفيها توفي محمد بن الفضل الجرجرائي وزير المتوكل والفضل بن مروان وزير المعتصم وكان موته بسر من رأى والخليع الشاعر الحسين ابن الضحاك وكان مولده سنة اثنتين وستين ومائة وهومشهور الأخبار والأشعار‏.‏

وفيها توفي الحارث بن مسكين قاضي مصر في ربيع الأول وهومن ولد أبي بكر الثقفي ونصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي الحافظ‏.‏

وفيها توفي أبوحاتم سهل بن محمد السختياني اللغوي روى عن أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة وقيل توفي سنة خمسين والله تعالى بالغيب أعلم‏.‏

حوادث سنة إحدى وخمسين ومائتين

ذكر قتل باغر التركي


وفي هذه السنة قتل باغر التركي قتله وصيف وبغا‏.‏

وكان سبب ذلك أن باغرًا كان أحد قتلة المتوكل فزيد في أرزاقه فأقطع قطائع فكان مما أقطع قرى بسواد الكوفة فتضمنها رجل من أهل باروسما بألفي دينار فوثب رجل من أهل تلك الناحية يقال له ابن مارمة بوكيل لباغر وتناوله فحبس ابن مارمة وقيد ثم تخلص وسار إلى سامرا فلقي دليل بن يعقوب النصراني وهويومئذ صاحب أمر بغا الشرابي والحاكم في الدولة وكان ابن مارمة صديقًا له وكان باغر أحد قواد بغا فمنعه دليل من ظلم أحمد بن مارمة فانتصف له منه فغضب باغر وباين دليلًا‏.‏

وكان باغر شجاعًا يتقيه بغا وغيره فحضر عند بغا في ذي الحجة من سنة خمسين وهوسكران وبغا في الحمام فدخل إليه وقال‏:‏ من قتل دليلًا يقتل له فقال له بغا‏:‏ لوأردت ولدي ما منعتك منه‏.‏

ولكن اصبر‏.‏

فإن أمور الخلافة بيد دليل وأقيم غيره ثم افعل به ما تريد‏.‏

وأرسل بغا إلى دليل يأمره ألا يركب وعرفه الخبر وأقام في كتابته غيره وتوهم باغر أنه قد عزله فسكن بغر ثم أصلح بينهما بغأن وباغر يتهدده ولزم باغر خدمه المستعين فقيل ذلك للمستعين‏.‏

فلما كان يوم نوبة بغا في منزله قال المستعين‏:‏ أي شيء كان إلى إيتاخ من الخدمة فأخبره وصيف فقال‏:‏ ينبغي أن تجعل هذه الأعمال إلى باغر‏.‏

وسمع دليل ذلك فركب إلى بغا فقال له‏:‏ أنت في بيتك وهم في تدبير عزلك فإذا عزلت قتلت‏.‏

فركب بغا إلى دار الخليفة في يومه وقال لوصيف‏:‏ أردت أن تعزلني فحلف أنه ما علم ما

أراد الخليفة فتعاقدا على تنحية باغر من الدار والحيلة عليه فأرجفا له أنه يؤمر ويخلع عليه ويكون موضع بغا ووصيف فأحس باغر ومن معه بالشر فجمع إليه الجماعة الذين كانوا بايعوه على قتل المتوكل ومعهم غيرهم فجدد العهد عليهم في قتل المستعين وبغا ووصيف وقال‏:‏ نبايع على ابن المعتصم أوابن الواثق ويكون الأمر لنا كما هولهذين فأجابوه إلى ذلك‏.‏

وانتهى الخبر إلى المستعين فبعث إلى بغا ووصيف وقال لهما‏:‏ أنتما جعلتماني خليفة ثم تريدان قتلي فحلفا أنهما ما علما بذلك فأعلمهما الخبر فاتفق رأيهم باغر ورجلين من الأتراك معه وحبسهم فأحضروا باغرًا فأقبل في عدة فعدل به إلى حمام وحبس فيه‏.‏

وبلغ الخبر الأتراك فوثبوا إلى اصطبل الخليفة فانتهبوه وركبوا ما فيه وحصروا الجوسق بالسلاح فأمر بغا ووصيف بقتل باغر فقتل‏.‏

ذكر مسير المستعين إلى بغداد

فلما قتل باغر وانتهى خبر قتله إلى الأتراك المشغبين أقاموا على ما هم عليه فانحدر المستعين وبغا ووصيف وشاهك الخادم واحمد بن صالح بن شيرزاد ودليل إلى بغداد في حراقة فركب جماعة من قواد الأتراك إلى هؤلاء المشغبين فسألوهم الانصراف فلم يفعلوا فلا علموا بانحدار

المستعين وبغا ووصيف ندموا ثم قصدوا دار دليل ودور أهله وجيرانه فنهبوها حتى صاروا إلى أخذ الخشب وعليق الدواب فلما قدموا بغداد مرض ابن مارمة فعاده دليل وقال له‏:‏ ما سبب علتك قال‏:‏ انتقض عقر القيد فقال دليل‏:‏ لئن عقرك القيد لقد نقضت الخلافة وبغيت الفتنة ومات ابن مارمة في تلك الأيام وقال بعض الشعراء في ذلك‏:‏ لعمري لئن قتلوا باغرًا لقد هاج باغر حربًا طحونًا وفر الخليفة والقائدا ن بالليل يلتمسان السفينا وصاحوا بميسان ملاحهم فوافاهم يسبق الناظرينا فألزمهم بطن حراقة وصوت مجاذيفهم سائرينا وما كان ثدر ابن مارمة فتكسب فيه الحروب الديونا ولكن دليل سعى سية فأخزى الإله بها العالمينا فحل ببغداد قبل الشروق فحل بها منه ما يكرهونا فليت السفينة لم تأتنا وغرقها الله والراكبينا وأقبلت الترك والمعربون وجاء الفراغنة الدارعينا تسير كراديسهم في السلاح يرجون خيلاص ورجلًا بنينا

فجدد سورًا على الجانبي ن حتى أطاحهم أجمعينا فجدد سورًا على الجانبي ن حتى أطاحهم أجمعينا وأحكم أبوابها المصمتات تفت النفوس وتحمي العرينا ومنع الأتراك الناس من الانحدار إلى بغداد وأخذوا ملاحًا قد أكرى سفينته فضربوه وصلبوه على دقلها فامتنع أصحاب السفن من الانحدار إلا سرًا‏.‏

وكان وصول المستعين إلى بغداد لخمس خلون من المحرم من هذه السنة فنزل على محمد بن عبد الله بن طاهر في داره ثم وافى بغداد القواد سوى جعفر الخياط وسليمان بن يحيى بن معاذ وقدمها جلة الكتاب والعمال وبني هاشم وجماعة من أصحاب بغا ووصيف‏.‏

ذكر البيعة للمعتز بالله

وفي هذه السنة بويع للمعتز بالله وكان سبب البيعة أنه لما استقر المستعين ببغداد أتاه ماعة من قواد الأتراك المشغبين فدخلوا عليه وألقوا أنفسهم بين يديه وجعلوا مناطقهم في أعناقهم تذللًا وخضوعا وسألوه الصفح عنهم والرضا‏.‏

قال لهم‏:‏ أنتم أهل بغي وفساد واستقلال للنعم ألم ترفعوا إليّ في أولادكم فألحقهم بكم وهم نحومن ألفي غلام وفي بناتكم فأمرت بتصييرهن في عداد المتزوجات وهن نحومن أربعة آلاف وغير ذلك كله أجبتكم إليه وأدررت عليكم الأرزاق فعملتم آنية الذهب والفضة ومنعت نفسي لذتها وشهوتها إرادة لصلاحكم ورضاكم وأنتم تزدادون بغيًا وفسادًا فعادوا وتضرعوا وسألوه العفو فقال المستعين‏:‏ قد عفوت عنكم ورضيت‏.‏

فقال له أحدهم واسمه بابي بك‏:‏ فإن كنت قد رضيت فقم فاركب معنا إلى سامرا فإن الأتراك ينتظرونك‏.‏

فأمر محمد بن عبد الله بعض أصحابه فقام إليه فضربه‏!‏ وقال محمد‏:‏ هكذا يقال لأمير المؤمنين قم فاركب معنا‏!‏ فضحك المستعين وقال‏:‏ قوم عجم لا يعرفون حدود الكلام وقال لهم المستعين‏:‏ ترجعون إلى سامرا فإن أرزاقكم دارة عليكم وأنظر أنا في أمري‏.‏

فانصرفوا آيسين منه وأغضبهم ما كان من محمد بن عبد الله إلى بابي بك وأخبروا من وراءهم خبرهم وزادوا وحرفوا تحريضًا لهم على خلعه فاجتمع رأيهم على إخراج المعتز وكان هووالمؤيد في حبس الجوسق وعليهما من يحفظهما فأخرجوا المعتز من الحبس وأخذوا من شعره وكان قد كثر وبايعوا له بالخلافة وأمر للناس برزق عشرة أشهر للبيعة فلم يتم المال فأعطوا شهرين لقلة المال عندهم‏.‏

وكان المستعين خلف بيت المال بسامرا فيه نحوخمس مائة ألف دينار وفي بيت مال أم المستعين قيمة ألف ألف دينار وفي بيت مال العباس قيمة ستمائة ألف دينار‏.‏

وكان فيمن أحضر للبيعة أبوأحمد بن الرشيد وبه نقرس في محقة محمولأن فأمر بالبيعة فامتنع وقال للمعتز‏:‏ خرجت إلينا طائعأن فخلعتها ووزعمت أنك لا تقوم بها فقال المعتز‏:‏ أكرهت على ذلك وخفت السيف‏.‏فقال أبوأحمد‏:‏ ما علمنا أنك أكرهت وقد بايعنا هذا الرجل فنريد أن تطلق نساءنأن وتخرج عن أموالنأن ولا ندري ما يكون إن تركتني على أمري حتى يجتمع الناس وإلا فهذا السيف‏.‏

فتركه المعتز‏.‏

وكان ممن بايع إبراهيم الديرج وعتاب بن عتاب فأما عتاب فهرب إلى بغداد وأما عتاب فهرب إلى بغداد وأما الديرج فأقر على الشرط واستعمل على الدواوين وبيت المال والكتابة وغير ذلك‏.‏

ولما اتصل بمحمد بن عبد الله خبر بيعة المعتز وتوجيه العمال أمر بقطع الميرة عن أهل سامرأن وكتب إلى مالك بن طوق في المسير إلى بغداد هووأهل بيته وجنده وكتب إلى نجوبة بن قيس وهوعلى الأنبار في الاحتشاد والجمع وإلى سليمان ين عمران الموصلي في منع السفن والميرة عن سامرأن فأخذت سفينة بغداد فيها أرز وغيره فهرب الملاح وبقيت السفينة حتى غرقت‏.‏

وأمر المستعين محمد بن عبد الله بتحصين بغداد فتقدم في ذلك فأدير عليها السور من دجلة من باب الشماسية إلى سوق الثلاثاء حتى أورده دجلة وأمر حفر الخنادق من الجانبين جميعا وجعل على كل باب قائدا فبلغت النفقة على ذلك جميعه ثلاثمائة ألف وثلاثين ألف دينار ونصب على الأبواب المنجنيقات والعرادات وشحن الأسوار وفرض فرضًا للعيارين وجعل عليهم عريفًا اسمه يبنونه وعمل لهم تراسًا من البواري المقيرة وأعطاهم المخالي ليجعلوا فيها الحجارة للرمي وفرض أيضًا لقوم من خراسان قدموا حجاجًا فسئلوا المعونة فأعانوا‏.‏

وكتب المستعين إلى عمال الخراج بكل بلدة أن يكون حملهم الخراج والأموال إلى بغداد لا يحمل منها إلى سامرا شيء وكتب إلى الأتراك والجند الذين بسامرا شيء وكتب إلى الأتراك والجند الذين بسامرا يأمرهم بنقض بيعة المعتز ومراجعة الوفاء له ويذكرهم أياديه عندهم وينهاهم عن المعصية والنكث‏.‏

ثم جرت بين المعتز ومحمد بن عبد الله مكاتبات ومراسلات يدعوالمعتز محمدًا إلى المبايعة ويذكره ما كان المتوكل أخذ له عليه من البيعة بعد المنتصر ومحمد يدعوالمعتز إلى الرجوع إلى طاعة المستعين واحتج كل واحد منهما على صاحبه‏.‏

وأمر محمد بكسر القناطر وشق المياه بسطوح الأنبار وبادوريا ليقطع الأتراك عن الأنبار وكتب المستعين والمعتز إلى موسى بن بغا كل واحد منهما يدعوه إلى نفسه وكان بأطراف الشام كان خرج لقتال أهل حمص فانصرف إلى المعتز وصار معه وقدم عبد الله بن بغا الصغير من سامرا إلى المستعين وكان قد تلف بعد أبيه فاعتذر وقال لأبيه‏:‏ إمنا قدمت لأموت تحت ركابك‏.‏

فأقام ببغداد أياما ثم هرب إلى سامرا فاعتذر إلى المعتز وقال‏:‏ إمنا سرت إلى بغداد لأعلم أخبارهم وآتيك بها‏.‏

فقبله المعتز ورده إلى خدمته‏.‏

وورد الحسن بن الأفشين بغداد فخلع عليه المستعين وضم إليه جميعًا من الأشروسنية وغيرهم‏.‏

ذكر حصار المستعين ببغداد

ثم إن المعتز عقد لأخيه أبي احمد بن المتوكل وهوالموفق لسبع بقين من المحرم على حرب المستعين ومحمد بن عبد الله وولاه ذلك وضم إليه الجيش وجعل إليه الأمور كلها وجعل التدبير إلى كلباتكين التركي فسار في خمسين ألفًا من الأتراك والفراعنة وألفين من المغاربة فلما بلغ عكبرا صلى بها وخطب للمعتز وكتب بذلك إلى المعتز ف ذكر أهل عكبرا أنهم كانوا على خوف شديد من مسير محمد بن عبد الله إليهم ومحاربتهم فانتهبوا القرى ما بين عكبرا وبغداد فخربت الضياع واخذ الناس في الطريق‏.‏

ولما وصل أبوأحمد إلى عكبرا هرب إليه جماعة كبيرة من أصحاب بغا الصغير ووصل أبوأحمد يا بني طاهر أتتكم جنود الله والموت بينها مشهور وجيوش إمامهم أبوأح مد نعم المولى ونعم النصير ولما نزل أبوأحمد بباب الشماسية ولى المستعين باب الشماسية الحسين ابن إسماعيل وجعل من هناك من القواد تحت بده فلم يزل هناك مدة الحرب إلى أن ساروا إلى الأنبار فلما كان عاشر صفر وافت طلائع الأتراك إلى باب الشماسية فوقفوا بالقرب منه فوجه محمد بن عبد الله الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال وبندار الطبري فيمن معهم وعزم على الركوب لقتالهم فأتاه الشاه فأعلمه أن الأتراك لما عاينوا الأعلام والرايات قد أقبلت نحوهم رجعوا إلى معسكرهم فترك محمد الركوب‏.‏

فلما كان الغد عزم محمد على توجيه الجيوش إلى القفص ليعرضهم هناك وليرهب الأتراك وركب ومعه وصيف وبغا في الدروع ومضى معه الفقهاء والقضاة وبعث إليهم يدعوهم إلى الرجوع عما هم عليه من الطغيان والعصيان ويبذل هم الأمان على أن يكون المعتز ولي العهد بعد المستعين فلم يجيبوأن ومضى نحوباب قطربل فنزل على شاطئ دجلة هوووصيف وبغا ولم يمكنه التقدم لكثرة الناس فانصرف‏.‏

فلما كان من الغد أتاه رسل وجه الفلس وغيره من القواد يعلمونه أن الترك قد دنوا وضربوا

مضربهم برقة الشماسية وأرسل إليهم‏:‏ لا تبدأوهم بقتال وإن قاتلوكم فلا تقاتلوهم وادفعوهم اليوم فوافى باب الشماسية منهم اثنا عشر فارسًا فرموا بالسهام ولم يقاتلهم أحد فلما طال مقامهم رماهم المنجنيقي بحجر فقتل منهم رجلأن فأخذوه ورجعوا‏.‏

وقدم عبيد الله بن سليمان خليفة وصيف التركي من مكة في ثلاثمائة رجل فخلع عليه محمد بن عبد الله ووافى الأتراك في هذا اليوم باب الشماسية فخرج الحسين بن إسماعيل ومن معه من القواد لمحاربتهم فاقتتلوا وقتل من الفريقين وجرح وكانوا في القتلى والجرحى على السواء وانهزم أهل بغداد وثبت أصحاب الواري ثم انصرفوا وأحضر الأتراك منجنيقًا فغلبهم عليه العامة فأخذوه‏.‏

ثم سار جماعة من الأتراك إلى ناحية النهروان فوجه محمد بن عبد الله قائدين من أصحابه في جماعة وأمرهما بالمقام بتلك الناحية وحفظها من الأتراك فسار إليهم الأتراك فقاتلوهم فانهزم أصحاب محمد إلى بغداد وأخذت دوابهم فدخلوا بغداد منهزمين وجه الارك برؤوس القتلى إلى سامرا واستولوا على طريق خراسان وانقطع الطريق عن بغداد‏.‏

ووجه المعتز عسكرًا في الجانب الغربي فساروا إلى بغداد وجازوا قطربل فضربوا عسكرهم هناك وذلك لاثنتي عشرة خلت من صفر فلما كان من الغد وجه محمد بن عبد الله عسكرًا إليهم فلقيهم الشاه بن ميكال فتحاربوأن فانهزم أصحاب المعتز خرج عليهم كمين لمحمد بن عبد الله فانهزموا ووضع أصحاب محمد فيهم السيف فقتلوهم أكثر قتل ولم يفلت منهم إلا القليل ونهب عسكرهم جميعه ومن سلم من القتل ألقى نفسه في دجلة ليعبر إلى عسكر أبي أحمد فأخذه أصحاب السفن وحملوا الأسرى والرؤوس في الزواريق فنصب بعضها ببغداد‏.‏

وأمر محمد لمن أبلى في هذا اليوم بالأسورة والخلع والأموال وطلبت المنهزمة فبلغ بعضهم أوانا وبعضهم بلغ سامرا وكان عسكر المعتز أربعة آلاف فقتل منهم ألفان وغرق منهم جماعة وأسر جماعة فخلع محمد على جميع القواد على كل قائد أربع خلع وطوقًا وسوارًا من ذهب وكان عود أهل بغداد عنهم مع المغرب وكان أكثر العمل في هذا اليوم للعيارين‏.‏

وركب محمد بن عبد الله بن طاهر لأثنتي عشرة بقيت من صفر إلى الشماسية فأمر بهدم ما وراء سورها من الدور والحوانيت والبساتين من باب الشماسية إلى ثلاثة أبواب ليتسع على من يحارب‏.‏

وقدم مال من فارس والأهواز مع منكجور الاشروسني فوجه أبوأحمد الأتراك لأخذه فوجه محمد بن عبد الله جماعة لحفظ المال فعدلوا بع عن الأتراك فقدموا به بغداد فلما علم الأتراك بذلك عدلوا نحوالنهروان فقتلوا واحرقوا سفن اجسر وهي عشرون سفينة ورجعوا إلى وقدم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد وكان المستعين قلده إمرة الثغور الجزرية كان بمدينة بلد ينتظر الجنود وأمال ليسير إلى الثغور فلما كان من أمر المستعين والأتراك ما ذكرنا سار من بلد إلى بغداد على طريق الرقة في أصحابه وخاصته وهم زهاء أربع مائة فخلع عليه محمد بن عبد الله خمس خلع ثم وجهه في جيش كثيف لمحاربة أيوب بن أحمد فأخذ على طريق الفرات فحاربه في نفر يسير فهزم محمد وصار إلى ضيعته بالسواد فلما سمع محمد بهزيمته قال‏:‏ لا يفلح أحد من العرب إلا أن يكون معه نبي ينصره الله به‏.‏

وكانت للأتراك وقعة بباب الشماسية فقاتلوا عليه قتالًا شديدا حتى كشفوا من عليه ورموا ه المنجنيق بالنار والنفط فلم يحرقه ثم كثر الجند على الباب فأزالهم عن موقفهم بعد قتلى وجرحى ووجه محمد العرادات في السفن فرموهم بها رميًا شديدا فقتلوا منهم نحومائة وكان بعض المغاربة قد صار إلى السور فرمى بكلاب فتعلق به فأخذه الموكلون بالسور ورفعوه فقتلوه وألقوا رأسه إلى الأتراك فرجعوا إلى معسكرهم‏.‏

وأراد بعض الموكلين بالسور أن يصيح‏:‏ يا مستعين يا منصور فصاح‏:‏ يا معتز يا منصور فظنوه من المغاربة فقتلوه‏.‏

وتقدم الأتراك في بعض الأيام إلى باب الشماسية فرمي الدرغمان مقدم المغاربة بحجر

منجنيق فقتله وكان شجاعا وكان بعض المغاربة يجيء فيكشف أسته ويصيح ويضرط ثم يرجع فرماه بعض أصحاب محمد بسهم في دبره فجرح من خلفه فخر ميتًا‏.‏

واجتمعت العامة بسامرا ونهبوا سوقي الجوهريين والصيارفة وغيرهما فشكا التجار ذلك إلى إبراهيم المؤيد فقال لهم‏:‏ كان ينبغي أن تحولوا متاعكم إلى منازلكم‏.‏

ولم يصنع شيئا ولا أنكر ذلك‏.‏

وقدم لثمان بقين من صفر جماعة من أهل الثغور يشكون بلكاجور ويزعمون أن بيعة المعتز وردت عليه فدعا الناس إلى بيعته واخذ الناس بذلك فمن امتنع ضربه وحبسه وأنهم امتنعوا وهربوأن فقال وصيف‏:‏ ما أظنه إلا ظن أن المستعين مات وقام المعتز فقالوا‏:‏ ما فعله إلا عن عمد فورد كتاب بلكاجور لأربع بقين من صفر يذكر أنه كان بايع المعتز فلما ورد كتاب المستعين بصحة الأمر جدد له البيعة وأنه على السمع والطاعة فأراد موسى بن بغا أن يسير إلى المستعين فامتنع أصحابه الأتراك من موافقته على ذلك وحاربوه فقتل بينهم قتلى‏.‏

وقدم من البصرة عشر سفائن بحرية في كل سفينة خمسة وأربعون رجلًا ما بين نفاط وغيره فمرت إلى ناحية الشماسية فرمى من فيها بالنيران إلى عسكر أبي أحمد فانتقلوا إلى موضع لا ينالهم شيء من النار‏.‏

ولليلة بقيت من صفر تقدم الأتراك إلى أبواب بغداد فقاتلوا عليها فقتل من الفريقين جماعة كثيرة ودام القتال إلى العصر‏.‏

وفي ربيع الأول محمد بن عبد الله كافركونات وفرقها على العيارين فخرجوا بها إلى أبواب بغداد وقتلوا من الأتراك نحوًا من خمسين رجلا ولأربع عشرة خلت من ربيع الأول قدم مزاحم بن خاقان من ناحية الرقة فتلقاه الناس ومعه زهاء ألف رجل فلما وصل خلع عليه سبع خلع وقلد سيفًا‏.‏

ووجه المعتز عسكرًا يبلغون ثلاثة آلاف فعسكروا بإزاء عسكر أبيأحمد بباب قطربل وركب محمد بن عبد الله في عسكره وخرج من النظارة خلق كثير فحاذى عسكر أبي أحمد فكانت بينهم في الماء جولة وقتل من أصحاب أبي أحمد أكثر من خمسين رجلأن ومضى النظارة فجازوا العسكر بنصف فرسخ فعبرت إليهم سفن لأبي أحمد فنالت منهم ورجع محمد بن عبد الله وأمر ابن أبي عون برد الناس فأمرهم بالعود فاغلظوا له فشتمهم وشتموه وضرب رجلًا منهم فقتله فحملت عليه العامة فانكشف من بين أيديهم فأخذ أصحاب أبي أحمد أربع سفائن وأحرقوا سفينة فيها عرادة لأهل بغداد‏.‏

وسار العامة إلى دار ابن أبي عون لينهبوها وقالوا مايل الأتراك فانهزم أصحابه وكلموا محمدًا ولإحدى عشرة خلت من ربيع الأول وصل عسكر المعتز الذي سيره إلى مقابل عسكر أخيه أبي أحمد عند عكبرا فأخرج إليهم ابن طاهر عسكرا فمضوا حتى بلغوا قطربل وبها كمين الأتراك فأوقع بهم ونشبت الحرب بينهم وقتل بينهم جماعة واندفع أصحاب محمد قليلًا إلى باب قطربل والأتراك معهم فخرج الناس إليهم فدفعوا الأتراك حتى نحوهم ثم رجعوا إلى أهل بغداد فقتلوا منهم خلقًا كثيرا وقتل من الأتراك أيضًا خلق كثير ثم تقدم الأتراك إلى باب القطيعة فنقبوا السور فقتل أهل بغداد أول خارج منه وكان القتل ذلك اليوم أكثره في الأتراك والجراح بالسهام في أهل بغداد‏.‏

وندب عبد الله بن عبد الله بن طاهر الناس فخرجوا معه وأمر الموكل بباب قطربل ألا يدع منهمزمًا يدخله ونشبت الحرب فانهزم أصحاب عبد الله وثبت أسد بن داود حتى قتل وكان إغلاق الباب على المنهزمين أشد من الأتراك فأخذوا منهم الأسرى وقتلوا فأكثروا وحملوا الأسرى والرؤوس إلى سامرا فلما قربوا منها غطوا رؤوس الأسرى فلما رآهم أهل سامرا بكوا وضجوأن وارتفعت أصواتهم وأصوات نسائهم فبلغ ذلك المعتز فكره أن تغلظ قلوب الناس عليه فأمر لكل أسير بدينار وأمر بالرؤوس فدفنت‏.‏

وقدم أبوالساج من طريق مكة لأربع بقين من ربيع الأول فخلع عليه وفي سلخ ربيع الأول جاء نفر من الأتراك إلى باب الشماسية ومعهم كتاب من المعتز إلى محمد بن عبد الله فاستأذنه أصحابه في أخذه فأذن لهم فإذا فيه تذكير محمد بما يجب عليه من حفظ العهد القديم وأن الواجب كان عله أن يكون أول أول من يسعى في أمره ويؤكد خلافته‏.‏

فما رد عليه محمد جواب الكتاب وكانت وقعة بينهم لسبع خلون من ربيع الآخر قتل من الأتراك سبع مائة ون أصحاب محمد ثلاثمائة‏.‏

وفي منتصف ربيع الآخر أمر أبوالساج وعلي بن فراشة وعلي بن حفص بالمسير إلى المدائن فقال أبوالساج لمحمد بن عبد الله‏:‏ إن كنت تريد الجد مع هؤلاء القوم فلا تفرق قوادك واجمعهم حتى تهزم هذا العسكر المقيم بإزائك فإذا فرغت منهم فما أقدرك على من بعدهم فقال‏:‏ إن لي تدبيرا ويكفي اله إن شاء الله فقال أبوالساج‏:‏ السمع والطاعة وسار إلى المدائن وحفر خندقها وأمده محمد بثلاثة آلاف فارس وألفي راجل وكتب المعتز إلى أخيه أبي أحمد يلومه لتقصير في قتال أهل بغداد فكتب إليه في الجواب‏:‏ لأمر المنايا علينا طريق وللدهر فينا اتساع وضيق وأيامنا عبرة للأنام فمنها البكور ومنها الطروق ومنها هنات تشيب الوليد ويخذل فيها الصديق الصدوق قتال متين وسيف عتيد وخوف شديد وحصن وثيق وطول صياح لداعي الصباح ال سلاح السلاح فما يستفيق فهذا طريح وهذا جريح وهذا حريق وهذا غريق وهذا قتيل وهذا تليل وآخر يشدخه المنجنيق هناك اغتصاب وثم انتهاب ودور خراب وكانت تروق إذا ما شرعنا إلى مسلك وجدناه قد سد عنا الطريق فيا لله نبلغ ما نرتجي وبالله ندفع ما لا نطيق وهذه الأبيات لعلي بن أمية في فتنة الأمين والمأمون‏.‏

ذكر حال الأنبار

وسير محمد بن عبد اله إلى الأنبار نجومة بن قيس فأقام بها وجمع بها نحوًا من ألفي رجل وأمده محمد بن عبد الله بألف وخمس ومائة وشق الماء من الفرات إلى خندقها ففاض على الصحارى فصار بطيحة واحدة وقطع القناطر وسير المعتز جندًا مع علي الإسحاقي نحوالأنبار فوصلوا ساعة وصلها مدد محمد وقد نزلوا ظاهرها فاقتتلوا أشد قتال فانهزم مدد وكان نجوبة بالأنبار لم يخرج منها فلما بلغه هزيمة مدده ومسير الأتراك إليه عبر إلى الجانب الغربي وقطع الجسر وسار نحوبغداد فاختار محمد ابن عبد الله إنفاذ الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم إلى الأنبار في جماعة من القواد والجند فجهزهم وأخرج لهم رزق أربعة أشهر وخرج الجند وعرضهم الحسين وسار عن بغداد يوم الخميس لسبع بقين من جمادى الأولى وتبعه الناس والقواد وبنوهاشم إلى الياسرية‏.‏

وكان أهل الأنبار لما دخلها الأتراك قد أمنوهم ففتحوا دكاكينهم وأسواقهم ووافاهم سفن من الرقة تحمل الدقيق والزيت وغير ذلك فانتهبها الأتراك وحملوها إلى منازلهم بسامرا ووجهوا بالأسرى وبالرؤوس معها‏.‏

وسار الحسين حتى نزل دمما ووافته طلائع الأتراك فوق دمما فصف أصحابه مقابل الأتراك بينهما نهر وكان عسكره عشرة آلاف رجل وكان الأتراك فوق دمما فصف أصحابه وكان الأتراك زهاء ألف رجل فتراموا بالسهام فجرح بينهم عدد وعاد الأتراك إلى الأنبار وتقدم الحسين فنزل بمكان يعرف بالقطيعة واسع يحمل العسكر فأقام فيه يومه ثم عزم على الرحيل إلى قرب الأنبار فأشار عليه القواد أن ينزل عسكره بهذا المكان بالقطيعة لسعته وحصانته ويسير هووجنده جريدة فإن كان الأمر له كان قادرًا على نقل عسكره وإن كان عليه رجع إلى فلما بلغ المكان الذي يريد النزول به أمر الناس بالنزول فأتت الأتراك جواسيسهم وأعلموهم بمسيره وضيق مكانه فأتاهم الأتراك والناس يحطون أثقالهم فثار أهل العسكر وقاتلوهم فقتل بينهم قتلى من الفريقين وحمل أصحاب الحسين عليهم فكشفوهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وغرق منهم خلق كثير‏.‏

وكان الأتراك قد كمنوا لهم كمينأن فخرج الكمين على بقية العسكر فلم يكن لهم ملجأ إلا الفرات وغرق من أصحابه خلق كثير وقتل جماعة وأسر جماعة‏.‏

وأما الفرسان فهربوا لا يلوون على شيء والقواد ينادونهم‏:‏ الرجعة فلم يرجع أحد فخافوا على نفوسهم فرجعوا يحمون أصحابهم وأخذ الأتراك عسكر الحسين بما فيه من الأموال والخلع التي كانت معه وسلم ما كان معه من سلاح في السفن لأن الملاحين حذروا السفن فسلم ما معهم من سلاح وغير ذلك ووصل المنهزمون إلى الياسرية لست خلون من جمادى الآخرة ولقي الحسين رجل من التجار ممن ذهبت أموالهم فقال‏:‏ الحمد لله الذي بيض وجهك أصعدت في اثني عشر يومأن وانصرفت في يوم أحد‏!‏ فتغافل عنه‏.‏

ولما اتصل خبر الهزيمة بمحمد بن عبد الله بن طاهر منع المنهزمين من دخول بغداد ونادى‏:‏ من وجدناه ببغداد من عسكر الحسين بعد ثلاثة أيام ضرب ثلاثمائة سوط وأسقط من الديوان فخرج الناس إلى الحسين بالياسرية وأخرج إليهم ابن عبد الله جندًا آخر وأعطاهم الأرزاق وأتاهم كتاب بعض عيونهم من الأنبار يخبرهم أن القتلى كانت من الترك أكثر من مائتين والجرحى نحوأربع مائة وأن جميع من أسره الأتراك مائتان وعشرون رجلا وأنه عد رؤوس القتلى فكانت سبعين رأسا وكانوا أخذوا جماعة من أهل الأسواق فأطلقوهم فرحل الحسين لأثنتي عشرة بقيت من جمادى الآخرة وسار حتى عبر نهر أربق فلما كان السبت لثمان خلون من رجب أتاه إنسان فأعلمه أن الأتراك يريدون العبور إليه في عدة مخاضات فضربه ووكل بمواضع المخاض رجلًا من قواده يقال له الحسين ابن علي بن يحيى الأرمني في مائتي رجل فأتى الأتراك المخاضة فرأوا الموكل بهأن فتركوها إلى مخاضة أخرى فقاتلوهم وصبر الحسين بن عي وبعث إلى الحسين بن إسماعيل أن الأتراك قد وافوا المخاضو فقيل للرسول‏:‏ الأمير نائم فأرسل آخر فقيل له‏:‏ الأمير في المخرج فأرسل آخر فقيل له‏:‏ الأمير قد عاد فنام فعبر الأتراك فقعد الحسين بن علي في زورق وانحدر وهرب أصحابه منهزمين وقتل الأتراك منهم وأسروا نحومائتين وانحدرت عامة السفن فسلمت وضع الأتراك السيف وغرق خلق كثير من الناس فوصل المنهزمون بغداد نصف الليل ووافى بقيتهم في النهار واستولى الأتراك على أثقالهم وأموالهم وقتل عدة من قواد الحسين فقال الهندواني في الحسين‏:‏ يا أحزم الناس رايًا في تخلفه عن القتال خلطت الصفوبالكدر فصرت مضجرًا ذلًا ومنقصة والنجع يذهب بين العجز والضجر ولحق فيها جماعة من الكتاب والقواد وبني هاشم بالمعتز فمن بني هاشم علي ومحمد ابنا الواثق وغيرهما ثم كانت بينهم عدة وقعات وقتل فيها من الفريقين جماعة ودخل الأتراك في بعض تلك الحروب إلى بغداد ثم تكاثر الناس عليهم فأخرجوهم منها‏.‏

وجرى بين أبي الساج وجماعة من الأتراك وقعة فهزمهم أبوالساج ثم واقعوا أخرى فتخلى عنه بعض أصحابه فانهزم ودخل الأتراك المدائن وخرجت الأتراك الذين بالأنبار في سواد بغداد من الجانب الغربي حتى بلغوا صرصر وقصر ابن هبيرة‏.‏

وفي ذي القعدة كانت وقعة عظيمة خرج محمد بن عبد الله بن طاهر في جميع القواد والعسكر ونصب له قبة وجلس فيها واقتتل الناس قتالًا شديدا فانهزمت الأتراك ودخل أهل بغداد عسكرهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرا وهربوا على وجوههم لا يلوون على شيء فكلما جيء برأس يقول بغا‏:‏ ذهبت الموالي وساء ذلك من مع بغا ووصيف من الأتراك‏.‏

ووقف أبوأحمد بن المتوكل يرد الأتراك ويخبرهم أنهم إن لم يرجعوا لم يبق لهم بقية وتبعهم أهل بغداد إلى سامرا فتراجعوا إليه وإن بعض أهل بغداد رجعوا عن المنهزمين فرأى أصحابهم أعلامهم فظنوها أعلام الأتراك قد عادت فانهزموا نحوبغداد مزدحمين وتراجع الأتراك إلى

وفي ذي الحجة وجه أبوأحمد خمس سفائن مملوءة طعامًا ودقيقًا إلى ابن طاهر وفي ذي الحجة علم الناس بما عليه ابن طاهر من خلع المستعين والبيعة للمعتز ووجه قواده إلى أبي أحمد فبايعوه للمعتز وكانت العامة تظن أن الصلح جرى على أن الخليفة المستعين والمعتز ولي عهده‏.‏

وفي ذي الحجة أيضًا خرج رشيد بن كاوس أخوالأفشين وكان موكلًا بباب السلامة إلى الأتراك وسار معهم إلى أبي أحمد ثم عاد إلى أبواب بغداد يقول للناس‏:‏ إن أمير المؤمنين المعتز وأبا أحمد يقرآن عليكم السلام ويقولان‏:‏ من أطاعنا وصلناه ومن أبى فهو أعلم‏.‏

فشتمه الناس وعلموا بما عليه محمد بن عبد الله بن طاهر فعبرت العامة إلى الجزيرة التي حذاء داره فشتموه أقبح شتم ثم ساروا إلى باب داره ففعلوا به مثل ذلك وقاتلوه من على بابه حتى كشفوهم ودخلوا دهليز داره وأرادوا إحراق داره فلم يجدوا نارا وبات منهم بالجزيرة جماعة يشتمونه وهويسمع فلما ذكروا اسم أمه ضحك وقال‏:‏ ما أدري كيف عرفوه وقد كان أكثر جواري أبي لا يعرفون اسمها‏.‏

فما كان الغد فعلوا مثل ذلك فسار محمد إلى المستعين وسأله أن يطلع إليهم ويسكنهم ففعل وقال لهم‏:‏ أن محمدًا لم يخلع ولم أتهمه وعدهم أن يصلي بهم الجمعة فانصرفوا‏.‏

ثم ترددت الرسل بين محمد بن عبد الله وبين أبي أحمد مع حماد بن إسحاق بن حماد بن يزيد

وثار قوم من رجالة الجند وكثير من العامة فطلب الجند أرزاقهم وشكت العانة سوء الحال وغلاء السعر وقالوا‏:‏ إما خرجت فقابلت وإما تركتنا فوعدهم الخروج أوفتح باب الصلح ثم جعل على الجسور وبالجزيرة وباب داره الرجال والخيل فحضر الجزيرة بشر كثير فطردوا من كان بها وقاتلوا الناس‏.‏

وأرسل محمد بن عبد الله إلى الجند يعدهم رزق شهرين وأمرهم بالنزول فأبوا وقالوا‏:‏ لا نفعل حتى نعلم نحن والعامة على أي شيء نحن فخرج إليهم بنفسه فقالوا له‏:‏ إن العامة قد اتهموك في خلع المستعين والبيعة للمعتز وتوجيهك القواد بعد القواد ويخافون دخل الأتراك والمغاربة إليهم فإن يفعلوا بهم كما عملوا في المدائن والأنبار فهم يخافون على أنفسهم وأولادهم وأموالهم وسألوا إخراج الخليفة إليهم ليروه ويكذبوا ما بلغهم فلما رأى محمد ذلك سأل المستعين الخروج إليهم فخرج إلى دار العامة ودخل إليهم جماعة من الأنس فنظروا إليه وخرجوا فأعلموا الناس الخبر فلم ينتفعوا بذلك فأمر المستعين بإلاق الأبواب وصعد سطح دار العامة ومحمد بن عبد الله معه فرآه وعليه الناس وعليه البردة وبيده القضيب فكلم الناس وأقسم عليهم بحق البردة إلا انصرفوا فإنه آمن لا بأس عليه من محمد فسألوه الركوب معهم والخروج من دار محمد لأنهم لا يأمنونه عليه فوعدهم ذلك‏.‏

فلما رأى ابن طاهر فعلهم عزم على النقلة عن بغداد إلى المدائن فأتاه وجوه الناس وسألوه الصفح واعتذروا بأن ذلك فعل الغوغاء والسفهاء فرد عليهم ردًا جميلا وانتقل السمتعين عن داره في ذي الحجة وأقام بدار رزق الخادم بالرصافة وسار بين يديه محمد بن عبد الله بالحرية فلما كان من الغد اجتمع الناس بالرصافة فأمروا القواد وبني هاشم بالمسير إلى دار محمد بن عبد الله والعود معه إذا ركب ففعلوه ذلك فركب محمد في جمع وتعبئة ووقف للناس وعاتبهم وحلف أنه ما يريد للمستعين ولا لولي له ولا لأحد من الناس سوءأن وأنه ما يريد إلا إصلاح أحوالهم حتى بكى الناس ودعوا له‏.‏

وسار إلى المستعين وكان ابن طاهر مجدًا في أمر المستعين حتى غيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان وقال له‏:‏ إن هذا الذي تنصره وتجد في أمره من أشد الناس نفاقأن وأخبثهم دينأن والله لقد أمر وصيفًا وبغا بقتلك فاستعظما ذلك ولم يفعلاه وإن كنت شاكًا في قولي فسل تخبره وإن من ظاهر نفاقه أنه كان بسامرا لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته فلما صار إليك جهر بها مراءاة لك وترك نصرة وليك وصهرك وتربيتك ونحوذلك من كلام كلمه به فقال محمد‏:‏ أخزى الله هذا ما يصلح لدين ولا لدنيا‏!‏ ثم ظاهر عبيد الله بن يحيى بأحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد‏.‏

فلما كان يوم الأضحى صلى المستعين بالناس ثم حضر محمد بن عبد الله عند المستعين وعنده الفقهاء والقضاة فقال له‏:‏ قد كنت فارقتني على أن تنفذ أمري في كل ما أعزم عليه وخطك عندي بذلك فقال للمستعين‏:‏ أحضر الرقعة فاحضرها فإذا فيها ذكر الصلح وليس فيها ذكر الخلع فقال‏:‏ نعم أمض الصلح فخرج محمد إلى ظاهر باب الشماسية فضرب به مضرب فنزل إليه ومعه جماعة من أصحابه وجاء أبوأحمد في سميرية فصعد إليه فتناظرا طويلا ثم خرجا فجاء ابن طاهر إلى المستعين فأخبره أنه بذل له خمسين ألف دينار ويقطع عليه ثلاثين ألف دينار وعلى أن يكون مقامه بالمدينة يتردد منها إلى مكة ويخلع نفسه من الخلافة وأن يعطي بغا ولاية الحجاز جميعه ويولى وصيف الجبل وماوالاه وكون ثلث ما يجبى من المال لمحمد بن عبد الله وجند بغداد والثلثان للموالي والأتراك فامتنع المستعين من الإجابة إلى الخلع وظن أن وصيفًا وبغا معه يكاشفانه فقال‏:‏ النطع والسيف فقال له ابن طاهر‏:‏ أما أنا فأقعد ولا بد لك من خلعها طائعًا أومكرهًا‏!‏ فأجاب إلى الخلع‏.‏

وكان سبب إجابته إلى الخلع أن محمدًا وبغا ووصيفًا لما ناظروه في الخلع أغلظ عليهم فقال وصيف‏:‏ أنت أمرتنا بقتل باغر فصرنا إلى ما نحن فيه وأنت أمرتنا بقتل أتامش وقلت أن محمدًا ليس بناصح وما زالوا يفزعونه وقال محمد‏:‏ وقد قلت لي إن أمرنا لا يصلح إلا باستراحتنا من هذين الاثنين فلما رأى ذلك أذعن بالخلع وكتب بما أراد لنفسه من الشروط وذلك لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة وجمع محمد الفقهاء والقضاة وأدخلهم على المستعين وأشهدهم عليه أنه قد صير أمره إلى محمد ابن عبد اله ثم أخذ منه جوهر الخلافة‏.‏وبعث ابن طاهر إلى قواده ليوافوه ومع كل قائد عشرة نفر من وجوه أصحابه فأتوه فمناهم وقال لهم‏:‏ ما أردت بما فعلت إلا صلاحكم وحقن الدماء‏.‏

وأمرهم بالخروج إلى المعتز في الشروط التي شرطها المستعين لنفسه ولقواده يوقع المعتز عليها بخطة ثم أخرجهم إلى المعتز فمضوا إليه فأجاب إلى ما طلبوا ووقع عليه خطة وشهدوا على إقراره وخلع عليهم ووجه معهم من يأخذ البيعة على المستعين وحمل إلى المستعين أمه وعياله عدما فتشوا وأخذوا ما معهم‏.‏

وكان دخل الرسل بغداد من عند المعتز لست خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين‏.‏    ‏  ‏   ‏ ‏ ‏